منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

» الفكر السياسي الاغريقي
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:29 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الحليم بيقع
عضو فعال
عضو فعال



عدد المساهمات : 102
نقاط : 300
تاريخ التسجيل : 11/11/2012

دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Empty
مُساهمةموضوع: دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4   دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4 Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2012 4:47 pm

الفصل الرابــــع:

أهداف و إستراتيجيات دولتي القربى في قبرص


سنحاول من خلال هذا الفصل تحليل دوافع دول القربى (أي تركيا و اليونان) من التدخل في قبرص، وإستراتيجيتهما المعاصرة لتحقيق أهدافهما في الجزيرة لفترة ما بعد التقسـيم حتى دخول قبرص إلى الاتحـاد الأوروبي، حيث ننطلق في تحلينا من منظور العقلانية المحدودة، معتبرين تركيا واليونان فاعلان عقلانيان يسعيان لتحقيق أهدافا محددة (زيادة القوة ، الحفاظ عليها أو إظهارها)، أما عامل القرابة العرقية والذي غالبا ما يؤكده صناع القرار الأتراك و اليونان في تصريحاتهم فهـو "عامـل خلفـي Background Factor " يساهـم فـي:
1.تبرير التدخل الخارجي (كقنـاع as mask )؛
2.توفير الحافز النفسي للاتخاذ قرار التدخـل؛
3.توفير الجو النفسي الملائم في البيئة الداخلية لقبول قرار التدخل و تحمل الانعكاسات السلبية التي قد تترب عنـه (لا سيما على المستوى الاقتصادي)؛
4.كسر الحواجز النفسية بين الجماعة العرقية و قوات التدخل المرابطة على أراضيها.
إلا أنه لا يعطي تفسيرا مقنعا لتدخل دول القربى في قبرص، من جهة أخرى من الصعب بناء منهج يسمح لنا بإثبات القيمة التفسيرية " لدور القرابة العرقية في التدخل الخارجي"، وهذا ما أدركه هانتغتون نفسه عندما أكد بأن "نموذج صدام الحضارات" لا يمثل بديلا للنظرية الواقعية في تحليل النزاعات العرقية المدولة، معترفا بقيمتها التفسيرية، فرغم الانتقادات التي وجهت لمفهوم المصلحة الوطنية بكل الغموض الذي يكتنفه ومفهوم القوة والأمن القومي وميزان القوى في ظل الثورة السلوكية والما بعد السلوكية إلا أنها بقيت تمثل الاتجاه السائد في التحليل على حد تعبيـر Vasquez (I).
وعقلانية السلوك النزاعي لا تقـاس فقـط بالمكاسـب الاقتصادية التي تنالها الدول من وراء الدخول في نزاعات، بل كذلك فيما إذا كانت قضية النزاع تمثل تهديدا أمنيا أو مكسبا إستراتيجيا للأطراف المتنازعة التي قد تضحي بالعديد من المنافع الاقتصادية من اجل تحقيقه، فلا يعني كون جزيرة قبرص ليست غنية بالموارد المعدنية والطاقوية المهمة - على غرار الشرق الأوسط أو القوقاز- أن النزاع القائم عليها غير عقلاني، فهو كذلك بالنسبـة لملاحظ لا يدرك خصوصية العلاقات التركية و اليونانيـة وموقـع قبرص فيـها .
فلو أخذنا على سبيل المثال أزمة إيميا و كارداك عام 1996م وهما عبارة عن كتل صخرية تقع في بحر إيجـا، غير مأهولة و لا تحتوي على ثروات طبيعة، رغم ذلك كادت أن تؤدي إلى حرب بين تركيا واليونان، فقد كانت هذه الأزمة استعراضا للقوة ومحاولة كل طرف إظهار مرونته في الاستجابة ضد كل تحرك يمس الوضع الراهن ، صرح Richard Holbrooke مبعوث الأمم المتحدة في قبـرص معلقا على هذه الأزمة "إذا كانت هاتين الجزيرتين الصغيرتين في بحر إيجا كادتا أن تقحما الدولتين في حرب فكيف هو الحال مع جزيرة حقيقية مأهولة بشعبين يفصل بينهما حاجز على النمط البرليني (يقصد قبرص) فإنـها تمثل تهديـدا حقيقـيا " 2.
صحيح أن اليونان وتركيا تستعملان في العديد من الأحيان القضية القبرصية لتصريف التوترات الداخلية على غرار ما حدث عام 1990 عندما تعاقبت الأزمات الحكومية في تركيا بعد غياب قائد قوي يخلف Turgut Ozal”" بعد وفاته 3، و لكن لا يمكن تفسير النزاع القبرصي ككل بأنه نتيجة للأزمات و ذلك لأن عامل الأزمة متقطع وقصير المدى إذا قيس بمدة النزاع ، فمثل هذه المتغيرات القصيرة يمكن أن تفسر الأزمات التي تتخل النزاع وليس النـزاع في حد ذاتــه ، فهناك استمرارية في السياسة الخارجية التركية و اليونانية اتجاه قبرص لا يتأتى تفسيرها إلا بالنظر إلى السلوك النزاعي على أنه سلوك مستمر قائم على حسابات عقلانية ، فمن خلال هذا المنظور يمكننا فهم النزاع القبرصي .
رغم ذلك تبقى قضية الدوافع إحدى القضايا الشائكة التي لم يفصل فيها لحد الآن الكم الهائل من النظريات ، لذلك لم يبقى أمام الباحث – حسب Aron Young - إلا اختيار المنظور الذي يراه الأكثر إقناعا ليفسر من خلاله الظواهر*، و هذا ما حاولنا تبنيه في تحليلنا لدوافع و إستراتيجيات تدخل دولتي القربى ( تركيا و اليونان) في النزاع القبرصي لما بعد مرحلة التقسيم 1974، وذلك من خلال مبحثين أساسين :
2. المبحث الأول : نعالـج فيـه أهداف تركيا و اليونان من التدخل في قبرص
2. المبحث الثاني: نحلل من خلالـه الإستـراتيجيات لتحقيق ذلك في فترة ما بعد التقسيم




المبحث الأول :
أهداف التدخل التركي– اليوناني في قبرص
1 .البعد الاستراتيجـي لقبرص بالنسبة لليونـان :

عرفت السياسة الخارجية اليونانية شرق البحر الأبيض المتوسط بطابعها التوسعي، رغم كونها دولة صغيرة إذا ما قورنت بتركيا من حيث المساحة والسكان، في حين أن السياسة التوسعية هي عادة ميزة الدول الكبرى ذات قوة عسكرية معتبـرة، إلا أن السياسة التوسعية اليونانية استعملت أسلوبيـن مختلفيـن للامتـداد على حسـاب الطرف التركـي :
1. استغـلال جماعتها العرقية الموزعة في العديد من جزر و أقاليم شــرق المتوســط و تحريها بواسطة قوة الخطاب القومي لضمها؛
2. استغلال توازن القوى الدولي و الإقليمـي و انعكاساتـه على تركيا للقيام بتحركات عسكرية تفرض بعـدها الوضـع الراهـن(4) .
فعندما استقلت اليونان كانت مساحتها 48.516 كلم و بعد عام 1919 زادت قوتها بالانضمام إلى الحلفاء و وعدت بنصيبها من الرجل المريض، عندها صرح الملك جـورج مخاطبا الحلفاء "إن ضمان تحقيق رغبة اليونانيين القاطنين في الأناضول في أن يصبحوا جزءا من الوطن الأم اليونان إنما هو واجب إنساني يقع على عاتقكم…" فأعطيت الضوء الأخضر لاحتلال الأناضول، كما استطاعت السيطرة على جزر في بحر إيجـا رسمـيا في اتفاقيـة لـوزان 1923(5).
فأمتد الإقليم اليوناني من 48.516 كلـم إلى 64.000 كلـم بعد ضم جزيرة كريت ، ثم إلى 160.000كلـم عقب حرب البلقان و تراجع إلى 131.990 كلـم بعد تحرير الأتراك للأناضول، ولم تستقر الحدود اليونانية إلى اليوم (2005) حيث لا زالت تطالب بتمديد إقليمها الجوي و البحري و البري - وهي أهم نقاط النزاع التركي اليوناني الحالي - في "بحر إيجــا"، بمد نصيبها إلى 12 ميل وقفا للاتفاقيات الدولية لعام 1982 أي أن يكون لكل جزيرة من الجزر اليونانية المتناثرة في بحر إيجا و البالغ عددها 3602 جزيرة 12 ميل من المياه ، ليصبح نصيب اليونان 71.53% من بحر إيجا أما تركيا فلن يكون لها إلا 7.76% والباقي مياه دولية(6)، وهذا ما يدل على أن اليونان حتى الوقت الحالي لازالت تنتهج سياسة توسعية نشطة والتي يمكن تلخيص أهم إنجازاتها وأهدافها المستقبلية في الجـدول الموالـي:
الهـــــــدف النتيجـــــــة
- ضم جزء من مقدونيا و تساليا
- ضم تراقيا الغربية و سلانيك
- ضم جزر بحر إيجــا
- ضم الجزر 12
- ضم جزيرة كريت
- ضم غرب الأناضول
- ضم منطقة شرق البحر الأسود
- ضم جزيرة قبرص أو إرجاع النفوذ اليوناني
تحقق الهدف
تحقق الهدف
تحقق الهدف
تحقق الهدف
تحقق الهدف
انتهى الحكم اليوناني بعد حرب 1922
لا زال المشروع قائمـا
لا زال قائمــا
الجدول رقم 3: المشاريع التوسعية اليونانية
المصدر : مجموعة باحثين ، مشكلة بحر ايجة في العلاقات التركية اليونانية الص 8











علق وزير الخارجية اليوناني السابق كومو دوروس على هذه السياسة قائلا "إن هذه الأراضي التي منحت لنا إن هي إلا البداية و الجدير بالذكر أن حصولنا عليها كان من دون أن تراق نقطة دم واحدة ! علينا أن نتحلى بالصبر في خلافاتنا مع تركيا، وأن نترقب اللحظة المناسبة لأن الصدام مع الأتراك ليس في صالحــنا "(7).
فأغلب الإنجازات التوسعية التي حققتها اليونان على حساب تركيا قامت على الحروب بالوكالة Wars by Proxy بتحريك جماعتها العرقية التي تقطن أغلب تلك الأراضي، فهي لم تدخل في مواجهة مباشرة إلا في حرب 1922، فمند استقلالها عمدت اليونان إلى نشر الوعي القومي بين جماعاتها العرقية في البحر المتوسط و بحر إيجا، وعرفت هذه السياسة التوسعية بـ "المغالى أيديا"Migali Idea ، يقول الباحث اليوناني بانايوتس كاياس (1991) "إن الـزعماء السيـاسيين و الاجتماعيين في اليونان مؤمنون بفكرة أنه لكي تعيش الدولة دائما يجب أن تكون صاحبة فكر قومي، فالإدارة، التعليم والإعمار وغيرها من القضايا التي تخرج عن إطار الوصول إلى الهدف القومي يمكنها الانتظار وعلى ذلك النحو فإن الإشارة إلى الأراضي الموجودة داخل الحـدود التركيـة علـى أنـها هدف قومي إنما مهدت السبيـل لظهـور فكـر قومـي عنـد اليونانييـن عرف بـ المغالي أيديـا"(Cool.
رغم أنه من الصعب إثبات مدى إيمان صناع القرار اليونان بهذا المبدأ إلا أن فكرة المغالى أو"لم شمل الشعوب الهيلينية في الدولة الأم" اعتبرت وسيلة فعالة استعملتها اليونان لتطبيق سياسة توسعية غير مكلفة، حيث تقوم بإثارة جماعاتها العرقية عن طريق تمويل الحركات القومية بينها لنشر فكرة الانضمام إلى الدولة الأم أو ما يعرف بمبدأ الـ Enosis و قد نجحت بذلك في ضم العديد من المناطق التي كانت تحت الحكم التركي و من دون أن يكون البعد الجغرافي عائقا، بشهادة أن أغلـب الجـزر التـي نجحت في ضمـها، هي أقرب إلى تركيا منها، ويمكن إعطاء أمثلة مـن خلال الجـدول الموالـي:
الجزيرة بعدها عن تركيا بعدها عن اليونان
سماديرك
ليمنـي
ساقز
سيسام
نيقاريـا
استانكوي
رودس
20 ميلا
23 ميلا
8 أميال
4 أميال
32 ميلا
3.5 أميال
10 أميال
50 ميلا
32 ميلا
85 ميلا
62 ميلا
72 ميلا
100 ميلا
210 ميلا

الجدول رقم 4 : البعد بين الجزر اليونانية و تركيا و اليونان
المصدر : مجموعة باحثين ، مشكلة بحر ايجة في العلاقات التركية اليونانية الص 23
وهذا ما حاولت اليونان تطبيقه في قبـرص، حيث استغلت وجود جماعاتها العرقية هناك والتي كانت تمثل 80 % و دعمت الحركة الوطنية بينها لنشر فكرة "الإينوسيس" تمهيدا لضمها على غرار ما حدث لجزيرة "كريت"، حيث اعتقدت اليونان أنه يمكن تطبيق نفس السياسة وبنفس السهولة في قبرص وباقـي الجزر في بحر إيجا أين تقطن الجماعات الناطقة باليونانيـة(9).
فقبرص تكاد تلتصق بالإقليم التركي حيث لا تبعد عنه إلا بـ 40 ميلا، في حين أنها تبعد عن أقرب " جزيرة يونانية " وهي "رودس" و"كريت" بـ 346 ميلا، غير أن النفوذ اليوناني كان و لازال فيها قوى نتيجة للتأييد والدعم الذي تحظى به من طرف جماعتها العرقية في الجزيرة، فكان من السهل على اليونان ضم جزيرة قبرص لو لا التـدخل التـركي، لاسيـما أن أغلـب سكانها كانوا يدعمون مبدأ الانضـمام أو الـ “ Enosis “.










لذلك كان العامل العـرقي باعتبـار أن 80% من سكان قبـرص يونـان والوطـني برغبتهم في
الانضمام إليها عاملان محفزان لتدخل اليونان في جزيرة "قبرص"، والرغبة في ضمها ، حيث أعتقد صناع القرار أن ضم "قبرص" سيكون أسهل من تجربة كريت ، لاسيما أنها تضم أغلبية يونانية ترغب في الانضمام إلى الوطـن الأم.
وتكمن قيمة قبرص بالنسبة لليونان في كونها قطعة إستراتيجية هامة، تمكنها من تطويق تركيا وحصر نفوذها شرق البحر الأبيض المتوسط و بحر إيجـا، فهي تسمح بامتداد النفـوذ اليونانـي واحتـواء تركـيا داخـل إقليمـها، وتعويض صغر القوة العسكرية اليونانيـة بفعاليـة توزيعها وقوة انتشـارهـا الأمر الذي يؤهلها لإلحـاق تكلفة غير محتملة بتركيا في حالة حرب محـدودة أو شاملـة تعقب محاولات تغيير الوضع الراهن لاسيما في بحـر إيجــا(10).
فقد كان ضم قبرص إلى اليونان هو أحسن بديل لتحقيق هذا الهدف إلا أن فكرة الضم (Enosis) تراجعت في ظل التحولات التي تلت فشل الانقلاب العسكري في قبرص، وما أعقبه من تدخل تركي وتقسيم الجزيرة، عندها لجأت اليونان إلى تكتيك آخر يتمثل في جعل قبرص مركز نفوذ يوناني يؤثر على توازن القوى مع تركيا، ليس فقط في قضية قبرص، بل كذلك في باقي القضايا الأخرى التي لازالت عالقة ( كالمجال الجوي البحري و البرى في إيجا).
وما يبرهن على صحة هذه الفرضية العقيدة الأمنية اليونانية- القبرصية الجديدة التي تم تبنيها في اتفاقية 1994 في ظل مشروع " منطقة الدفاع المتلاحم" Joint defense Area، والتي تم بموجبها بناء حلف عسكري و أمني قوى يربط نيقوسيا بأثينا، من خلال توحيد النظام الأمني، والتطوير المشترك للقوات الجوية، البرية والبحرية، و اعتبار أن أي هجـوم على أحد طرفي المعاهدة هو هجوم على الآخر(11).
و كل ذلك يصب في إطار الإستراتيجيـة اليونانية التقليدية أي تمديد الردع اليوناني و احتواء تركيا داخل إقليمها، وهذا ما عبر عنه و زير الدفاع اليونانيTAkis Tsohatzopoulos قائـلا "إن أخذ بعين الاعتبار أبعاد دولتنا، وحالة اقتصادنا والمشكلة الديمغرافية يؤكد أن الدخول في سباق تسلح مع أي قوة معادية سيكبد اليونان تكلفة عالية من دون نتائج مضمونة، لذلك و جب توجيه الاهتمام إلى "النوعية" (بدلا من الكمية) بتبني إستراتيجية وعقيدة عملية تقوم على إعادة هيكلة الوحدات القتالية بهدف إبعاد العمليات الدفاعية خارج الوطن أو نقلها داخل ساحة العــدو…"(12) و قبرص أحسن منطقة لتحقيق ذلك نظرا لموقعها في قلب الإقليم التركي و هذا ما توضحه الصورة المواليــة :

الخريطة رقم 7: موقع قبرص بالنسبة للإقليم التركي
Source: Cyprus satellite map http://www.cyprus-conflict.net
فبالنسبة لصانع القرار اليوناني من المستبعد القيام بحرب شاملة ضد تركيا في ظل اختلال موازين القوي، إلا أن حربا محدودة ممكنة في حالة تحرك تركي لكسر الوضع الراهن لاسيما في بحر إيجا خاصة أن التحولات الجيوبوليتكية التي أعقبت الحرب الباردة من تراجع دواعي التحالف الأمني التركي اليوناني في ظل حلف الناطو، وكذا تراجع الضغط الأمريكي على الطرفـان، جعلت البيئة الإقليمية ملائمة لتحركات تمس الوضع الراهن للقضايا المتنازع عنها (13) وأزمة إيما وكارداك عام 1996-1997 خير مثال علـى ذلك (14).
كل هذه المتغيرات زادت من قيمة قبرص الإستراتيجية بالنسبة لليونان فبالإضافة إلى كونها امتداد لنفوذها، فهي كذلك الساحة الملائمة التي يمكن أن تخوض من خلالها حربا بالوكالة مع تركيا دون أن تمس بقيمها أو تصعد النزاع إلى حرب شاملة مكلفة، فوفقا لعقيدة تمديد الردع "أي اعتداء على الأراضي اليونانية يستوجب تدخل قبرص" ولكونها الأقرب من تركيا فإنه من المتوقع أن تنتقل الحرب إلى ساحتها ليحسم الوضع بعيدا عن الأراضي اليونانية، وهذا ما أراد وزير الدفاع اليوناني الإشارة إليه من خلال فكرة نقل الدفاع خـارج الوطـن(15)، فمـن دون قبرص يبقي خـيار الاستجابة العسكرية اليونانية في حالـة تحرك تركـي شبـه مستحيـل.
كما تهدف اليونان من خلال تمسكها بالقضية القبرصية إلى إقناع الطرف الآخر بأنها غير مستعدة للتنازل لكي تغلق المجال أمام تحرك الأطماع التركية، وتعميم تجربة قبرص على باقي قضايا النزاع لاسيما اتجاه الجزر اليونانية المحاذية للإقليـم التركـي(16)، والتي هدد رئيس الوزراء التركي السابق "ديميريل" بضمها بعد التدخل في قبرص قائلا " يجب أن تضم مجموعة الجزر التي لا تبعد ب 50 كلم عن الإقليم التركي " (17)، فالإستراتيجية اليونانية الجديدة في قبرص هي أيضا إثباتا منها لمرونة الاستجابـة اتجـاه التحـركات التركيـة.
من جهته ساهم المجتمع المدني اليوناني كثيرا في تمسك اليونان بالقضية القبرصية والتي أصبحت متجـدرة بعمـق Deep Rooted في نفسية اليونانيين لتمثل إحدى الثوابت التي لا يمكن التفكيـر فـي التنـازل عنـها، و هناك شبه إجماع بين الأحزاب السياسية اليونانية و الشعب على أولوية القضية القبرصية، لذلك لم تواجه سياسة تسليح قبرص على حساب الاقتصاد اليوناني معارضة معتبرة من طرف المجتمع المدنـي (18).
نستنتج مما سبق أنه مند بداية النزاع كانت قبرص تمثل بالنسبة لليونان منطقة إستراتيجية هامة تمكنها من تمديد نفوذها شرق البحر الأبيض المتوسط، واختراق الأمن التركي لتحقق بذلك مكسبا إستراتيجيا هاما، ولقد أدت التحولات التي أعقبت التدخل العسكري التركي وكذا اشتداد النزاع في بحر إيجا إلى زيادة قيمة قبرص بالنسبة لليونان كإحدى ركائز عقيدتها الأمنية الجديـدة، كما تحاول اليونان من رواء القضية إثبات تصلب موقفها ومرونة استجابتها اتجاه القضايا العالقة حتى لا تفتح المجال أمام تعميم تركيا لتجربة قبرص على باقـي القضايـا المتنازع عليها .
من جهة أخرى أدى طول النزاع القبرصي إلى تجدره ليصبح جزء من المصلحة القومية اليونانية وقضية وطنية هامة تحظى بإجماع المجتمع المدني و الشعب و صناع القرار اليونان .
أما تركيا فقد زاد تصلب موقفها اتجاه القضية القبرصية مند تدخلها العسكري و سيطرتها علـى 37 % من الجزيرة عام 1974 ، فلازالت تدعم بناء الدولة القبرصية التركية الشمالية رغم الضغوطات الدولية لاسيما من طرف الاتحاد الأوروبي و مجلس الأمن ، فما الذي يدفع تركيا للتمسك بالقضية القبرصية بهذه الصرامـة ؟



2. قبـرص كمعضلة أمنيــة لتركيا

يؤكد صناع القرار الأتراك على أن سياسة تركيا اتجاه قبرص هي دفاعية محضة، و أن هذه الجزيرة تمثل اختراقا للأمن التركي خاصة إذا أصبحت مركز نفوذ يوناني، وهذا ما أكده خطاب المبعوث التركي في مؤتمر لنـدن عندما قال " كنا ننظر دوما إلى القضية بأنها قضية داخلية لبريطانيا، ولا شك بان الموقف التركي سيتغير مع الأحداث، بمعنى آخر وأكثر صراحة مادامت قبرص تابعة لبريطانيا لن يكون هناك تغير في رأينا، ولكن إذا تغير الوضع حول السيادة على الجزيرة فإن تركيا تعتبر نفسها مسؤولة فالتضحية التركية بقبرص مقتصرة فقط على بريطانيا، وتحت شروط و ظروف محددة، وإذا كانت هناك أي نية لتغيير هذه الحالة فإن تركيا ستطالب بالعودة إلى الحالة الأولى قبل التنازل …" (19).
لقد كانت رغبة تركيا في استرجاع الجزيرة مند الاحتلال البريطاني إلا أن الظروف الدولية آنذاك استوجبت تأجيل العملية حيث صرح أتاتورك مخاطبا الأتراك " يجب أن تولوا أهمية كبيرة لقبرص فهي في غاية الأهمية لأمننـا"، ويؤكد الباحث التركي علي نسيم – في هذا الإطار – بأن " أتاتورك أشار إلى قبرص بعد تحريره للأسكندرونة قائلا : إن التوجه إلى قبرص لم يحن بعـد " وذلك لإدراكه قيمتها الأمنية لاسيما أثناء الحرب العالمية الأولـي حيث مكنت بريطانيـا والحلفـاء مـن اختراق الإقليم التركي بسهولـة (20) .
في بداية الحرب الباردة لم تطالب تركيا بالجزيرة، رغبة منها في إبقاء القوات البريطانية قريبة من إقليمها لردع أي هجوم سوفيتي محتمل، أما بعد استقلال الجزيرة و سعي اليونان لضمها حدث تغير جـدري في السياسة التركية اتجـاه قبرص، لتصبح أكثر تمسكا بالقضية .
تكمن الأهمية الأمنية لقبرص بالنسبة لتركيا في كون سيطرة اليونان عليها ستؤدي إلى تطويق الإقليم التركي و حرمانه من أهم المنافذ البحرية مما يؤدي إلى إضعاف الأسطول البحري و شل الموانئ على رأسها ميناء أزمير وبالتالي تحجيم النفوذ التركي في بحر إيجا و البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى اختـراق الأمـن التركي لاسيما أن قبرص لا تبعد إلا بـ 40 ميـل من الإقليـم التركـي :











Satellite map of Cyprus http://www.cyprus-conflict.net/how_to_use.htm
فقبرص هي الحلقة الأخيرة و الحساسة في سلسلة الجزر اليونانية البالغ عددها 2300 جزيرة الممتدة عبر الساحل التركي، والتي استطاعت اليونان السيطرة عليها بعد الحرب اليونانية-التركية بموجب معاهدتي لـوزان عام 1923 وباريـس عام 1947 اللتان نصتا على أن الجزر المحاذية للإقليم التركي (أي ليمني و سماديرك ، سيسام، أبقاريا ، ستمبوليا ، رودس ،خلقي ، سقاربانتوس كاسوس سبقويس، مسيروس، كاليمنوس ، ليروس ، باتموس و ليسوس، سميكي ، استانكوي …الخ ) هي امتداد للسيادة اليونانيـة، غير أنها نصت كذلك على حظر تسليـح هـذه الجـزر احتراما للأمن القومـي التركـي(21).
رغم ذلك وزعت اليونان قواتها على هذه الجزر في شكل قوس يبدأ من الحدود الشرقية التركية من ليمنوس في الشمال إلى رودس وصولا إلى قبرص التي تمثل الحلقة الأخيرة التي تمكنها من تطويق تركيا عسكريا ، و يمكن توضيح ذلك من خلال الخريطـة المواليـة :





















EIA ، Country analysis briefs ، July 2003 in : http://www.eia.doe.gov/emeu/cabs/greece.html
كما يمكن توضيح توزيع القوات اليونانية على أهم الجزر المحاذية للحدود الشرقيـة التركية من خلال الجدول الموالـي :
الجزيرة عدد القوات المنتشرة

ميديللي فرقة 10.000 جندي ، 7 كتائب مشاة 3 كتائب دبابات 4 كتائب مدفعية كتيبة دفاع جوي
ساقز 4 كتائب مشاة ، كتيبة دبابات و كتيبة دفاع جوي ، كتيبتان آليتان …
سيسام لواء تتبعه الوحدات العسكرية التالية: فوج مشاة، 4 كتائب مشاة، ، كتيبتان آليتان كتيبتان للدبابات، و2 من المدفعية ، و كتيبة دفاع جوي…
رودس فرقة عسكرية : فوجان من المشاة ، 7 كتائب من المشاة ، كتيبة حرص و طني خاص 3 كتائب مدفعية وكتيبة كومندوس …
استانكوي لواء واحد : فوج مشاة ، 4 كتائب مشاة ، كتيبة حرس وطني خاص ، كتيبتان للمدفعية.
الجدول رقم 5: توزيع القوات اليونانية على الحدود الشرقية التركية
المصدر : مجموعة باحثيـن ، بحر إيجا في العلاقات التركية اليونانية ، الص 38

فإذا استطاعت اليونان إضافة قبـرص إلى هذه الجزر لاسيما أنها الأكبر حجما، فإنها تصبح القاعدة الأساسية للقوات اليونانية لتساهم في غلق كل المنافذ الجنوبية أمام التزويد اللوجيستي و العسكري لتركيا في حالة حرب شاملة أو محدودة، ولن توجد عندئذ مدينة تركية محاذية للبحر،إلا و تم محاصرتها ومن تم فإن تركيا ستطوق من كل المنافذ سواء المؤدية لبحر إيجا أو المؤدية إلى البحر الأبيض المتوسط(22) وهذا ما عبر عنه المبعوث التركي في اتفاق لندن قائلا : "إن أهمية قبرص من وجهة نظر عسكرية، تحتم عليها أن تكون تركية، فالقيمة اللوجستية والدفاعية لهذه الجزيرة لا تقدر …ففي حالة حرب، لا يمكن تزويد تركيا إلا من خلال الموانئ الجنوبية لكون باقي الموانئ توجـد – لسوء الحظ – فـي منطقة نفوذ العدو وتركيا أثناء الحرب لا يمكن أن تتزود إلا من خلال موانئها الجنوبية و الحرب العالمية 2 أوضحت ذلك جيدا فستكون في أمس الحاجة إلى ميناء مرسن و أنطاليا والإسكندرونة…وبملاحظة بسيطة نستنتج أن كل الموانئ الجنوبية هي تحت رحمة قبرص و السيطرة على هذه الجزيرة هو في الحقيقة سيطرة على الموانئ الجنوبية التركيـة"(23).
لذلك كان وجود دولة قبرص الشمالية التركية RNTC مهم لبقاء موانئ مـرسن Mersin والإسكندرونة حرة المدخل إلى البحر المتوسط و لتحافظ تركيا على القدرة الحربية البحرية لأنها ستبقي الأكثر أهمية في حالة وقوع حرب محدودة أو شاملة مع اليونان و هذا ما عبر عنه زعيم القبارصة الأتراك، رؤوف دنكطاش عندما قال "من الطبيعي أن يكون لتركيا مصالح إستراتيجية في قبرص ، فمن الضروري لتركيا أن يبقي القبارصة الأتراك متواجدون هنا وحتى و لو لم يوجد القبارصة الأتراك على الجزيرة فإن تركيا لن تدع اليونان تسيطر عليها … فإذا سيطرت اليونان على قبرص و قامت بعسكرتها فلن تبقى تركيا قـوة بحريـة…" ، كما صرح الوزير الأول التركي Ozal " إن قبرص جزيرة تستهدف قلب تركيا كخطر أكيد، لذلك هي ضرورية لأمننا الوطني ، لذلك ما كان يجب أن تكون في يد عدو وبقاء الأتراك في شمال الجزيرة هو ضمان لهذا الاتجــاه "(24).
من جهة أخرى تدرك تركيا أن السماح بقيام دولة قبرصية مستقلة، يعني مباشرة فتح المجال أمام دول الجوار لاستغلال هذا الفراغ الأمني بطريقة ما، لاسيما أنها محاطة بدول معادية فمن الغرب توجد اليونان وفي الشمال بلغاريـا وفي البحر الأسود رومانيا وروسيا ومن الشرق إيران ،ومن الجنوب العراق وسوريا، فإذا نالت قبرص سيادتها الكلية فهذا يعني أن تركيا سيكون لها أعداء عبر كل الحدود، وهذا ما لا تريـده تركيا، لأن قيام حلف بين هذه القوى سيؤدي إلى تطويق إقليمها لذلك كان الحفاظ على النفوذ التركي في قبرص مهما أمام الاحتمالات المستقبلية مع هذه القوى المجاورة *.
فمن غير المستبعد – حسب صناع القرار الأتراك - أن يقوم تعاون عسكري وأمني قوي بين هذه القوى وقبرص، يوجه أساسا ضد تركيا، لاسيما أن اليونان وقبرص الجنوبية صادقتا على اتفاقية الدفاع المشترك عام 1994 وأن روسيا زودت قبرص عام 1997-1998 بالنظام الصاروخي الجد متطور "SS300 " والقادر على ضرب أهداف في قلب تركيا بالإضافة إلى تصفية المجال الجوي القبرصي من الطائرات التركيـة، كما عقدت اليونان اتفاقية دفاع مشارك مع أرمنيا عام 1996، ومع سوريا عام 1995م ، وكل هذه الدول لها سوابق في استغلال مراكز ضعف أنقرة و تدعيمها على غرار الحزب الكردستاني المحظور(23) لذلك تبقى قبرص منطقة حساسة للأمن التركي في ظل البيئة الإقليمية الحالية، يقول الباحث التركي A Gurkan "من وجهة نظر إستراتيجية محض يمكن القول أن أمـن تركـيا يكمـن فـي أن تصبح قبرص تحت حكم تركـي"(24) .
كما زاد مشروع أنبوب البترول القوقازي " Baku–Ceyhan " من الأهمية الجيو–اقتصادية لقبرص بالنسبة لتركيا، باعتبارها المعبر الأساسي لهذا الأنبوب اتجاه أوروبا، وستكون معبر لأنابيب أخرى مستقبلا لذلك أصبح لقبرص أهمية اقتصادية معتبرة وهذا ما زاد من قيمتها بالنسبة لتركـيا لاسيما بعد أن برهنت أزمة الصواريخ القبرصية عام 1996-1997 على مدى خطورة النفوذ اليوناني في قبرص على المشاريع التركية الحساسة التي تعبر الجزيـرة (25).
من جهة أخرى تهدف تركيا من وراء القضية القبرصية إلى البرهنة على مرونتها في الاستجابة اتجاه أي تحرك يوناني يمس الوضع الراهن، فهناك العديد من القضايا العالقة بينهما لاسيما حول بحر إيجا والتراجع في قضية معينة قد يعتبره الطرف الآخر على أنها إشارة ضعف فيبدأ في التصعيد في سلوكه النزاعي اتجاه القضايا الأخرى، تماما كلعبة الدومينو إذا سقطت قضية(ولتكن قبرص) تتبعها باقي القضايا (المجال الجوي و البحري و جزر بحر إيجا ، و الجرف القاري …)(26).
نستنتج مما سبق أن دوافع تركيا من التدخل في قبرص لا تكمن أساسا في الدفاع على القبارصة الأتراك على الجزيرة، فالتكلفة هنا أكبر من الهدف، لذلك حماية القبارصة الأتراك يبقى هدف فرعي وغير مفسر للسلوك النزاعي التركي، أما تصريحات صناع القرار الأتراك لا تعدو أن تكون محاولة للتبرير أمام الرأي العام الدولي لسياستها في المنطقة، وهذا نفسه ما صرح به وزير الخارجية التركي السابق Gunes حين قـال "إن قبرص بالأهمية التي تجعلها الذراع الأيمن لدولتنا ،والتي تحفظ أمننا لو لم نضع في حسباننا هذه الأهمية الاستراتيجية لا يمكننا فهم عملية السلام في 20 جوان الفارط، بل لا يمكننا فهم النزاع القبرصي ككل …كثيرة هي الدول التي تريد أن تلخص مشكلة قبرص في رغبة تركيا حماية طائفتها هناك في حين أن المشكلة الحقيقية تكمن في الدفاع على 45 مليون شخص، إضافة إلى الأتراك الموجـودون علـى الجـزيـرة " (27).
فالقيمة الأمنية والدفاعيـة هي المحـرك الأساسـي للسياسـة التركيـة قبل وبعد تدخلها العسكــري في قبرص.
في الأخير نستنتج أنه إذا كانت اليونان تتمسك بالقضية القبرصية كجزء من أهدافها التوسعية شرق البحر الأبيض المتوسط، وتحقيق مكاسب إستراتيجية على حساب تركيا، فإن تركيا تسعى بكل الوسائل لمنع اختراق أمنها عبر قبرص، فبعد أن أحبطت عملية ضم الجزيرة إلى اليونان، نجحت في السيطرة على شمال الجزيرة، كما تحرص من جهة أخرى على إحباط أي تقارب يوناني قبرصي لاسيما في المجال العسكري في الوقت الذي استمرت اليونان في تدعيم علاقاتها الأمنية والعسكرية بقبرص في إطار ما عرف بعقيدة الدفاع المتلاحم، هذا ما سنحاول معالجته في العنصـر الموالـي.














المبحث الثاني:
إستراتيجيات التدخل التركي- اليوناني في النزاع القبرصي
بعد التقســيم


يعتبر التدخل العسكري لعام 1974 نقطة تحول في النزاع القبرصي، حيث طرأت العديد من التغيرات على إستراتيجيات الفواعل الإقليمية اتجاه القضية، فاليونان استغنت عن فكرة الضم المباشر لقـبرص أو تحقيـق ألـEnosis ، لاسيـما أن هذا المـبدأ فقد شعبيتـه بين القبارصـة اليونان الذي استطاعوا تكويـن دولـة أكـثر تطـورا وازدهـارا من الدولـة القربـى نفسـها، لـذلك غيرت اليونـان من تكتيكها اتجاه الجزيـرة، من "الضم" إلـى محاولة جعلـها امتـدادا للنفـوذ السياسـي والعسكـري اليونانـي.
في حين ركزت تركيا على خلق المبرر القادر على الحفاظ على قواتها في الجزيرة، فبدأت في تأسيس دولة قبرص التركية الشمالية، كما تصلب موقفها من القضية، حيث اعتبرت أن الحل الأمثل للنزاع لن يكون إلا بقيام كونفدرالية بين دولتين متساويتين قانونيا، وهذا ما سعت لتحقيقه من خلال سياسة استيطانيـة نشطة لتعمير الجزء الشمالي من قبرص ديموغرفيا واقتصاديا لاستقطاب الاعتراف الدولي بهذا الكـيان الانفصالـي الجديـد.
فمن جهة بدأت اليونان في حشد قواتها وتطبيق عقيدة تمديد الردع، ومن جهة أخرى استمرت تركيا دورها في تـأسيس دولة قبرص الشمالية التركية، في حين بقي القبارصة بمثابة قطع إستراتيجية على رقعة الشطرنج التركية اليونانية شـرق المتوسـط.
سنحاول من خلال هذا المبحث تحليل إستراتيجيات دول القربى لتحقيق أهدافهما في قبرص لما بعد
مرحلة التدخل التركي و تقسيـم الجـزيـرة .









1.اليونان و إستراتيجية تمديد الردع

كان لسيطرة تركيا على 37 % من قبرص بعد غزوها عام 1974، أثرا كبيرا على السياسة الدفاعية اليونانية ككل سواء في قبرص أو في بحر إيجا، حيث تحولت من "مبدأ التهديد من الداخل" إلى "مبدأ التهديد من الشرق" Threat from East (1).
فقد أدركت اليونان بأن الدخول في الحلف الناطو والاتحاد الأوروبي لن يكن رادعا قويا لتركيا كما أن الو.م.أ لن تلعب دورا هاما في منع تركيا من أي امتداد مستقبلي على جزيرة قبرص، لاسيما إذا اشتد النزاع في بحر إيجا، خاصة أن النزاعات التركية اليونانية مترابطة بقوة، فتغير في قضية يهز القضايا الأخرى، فمثلا النزاع في قبرص أثار النزاع حول بحر إيجا، وأزمة إيميا كارداك عام 1996 في بحر إيجا حركت الصدام العرقي في قبرص عام 1996-1997 لذلك تهدف اليونان في عقيدتها الأمنية الجديدة أن تغطى وتربط بين كل القضايا المتنازع عليها مع تركيا مستفيدة من موقع قبرص الإستراتيجي لنقل مجال تأثيرها إلـى الإقليـم التركـي.
جاءت العقيدة الدفاعية القبرصية – اليونانية لتجسد هذه التحولات، فعلى المستوى القبرصي ساهم وصول "كلافكوس كلريدس" إلى السلطة في قبرص عام 1993 م في دفع هذا المشروع، حيث كانت الخطوة الأولى في سياسته هي تجميد المفاوضات مع القبارصة الأتراك، لأن ميزان القوى على الجزيرة يميل لصالحهم، فوجب تجميد المفاوضات حتى يتم قلب الموازين، لذلك كان مشروع عقيدة الدفاع المتلاحم مع اليونـان بديلا مهمـا لتحقيـق ذلك (2).
تم تبني عقيدة الدفاع المتلاحم بين اليونان ودولة قبرص اليونانية عام 1994، حيث وصل إنفاقهما العسكري اليومي إلى 2 مليون $ أمريكي، لتبدأ عملية تسليح قويـة، تزودت من خلالها قبرص بالعديد من الدبابات الفرنسية والروسية حديثة الصنع، بالإضافة إلى الآلاف من الجنود اليونان ليصل عددهم بما فيهم الضباط إلى 10.000 جندي، كما تم عقد اتفاقية تعاون عسكري بين اليونان روسيا و قبرص عام 1996 تم من خلالها تزويد روسيا لليونان وقبرص بمستلزمـات حرب جديـدة بالإضافـة إلى النظام الصاروخـي الروسـي الجديـد S-300 (3).
من جهة أخرى قامت اليونان بزيادة ميزانيتها الدفاعية، لتصبح أول دولة في الاتحاد الأوروبي والناطو في مجال الإنفاق العسكري فبين 1985-1997 وصلت نسبة الإنفاق العسكري اليوناني إلى 5.1% من الدخل الوطني يقابلها 2.9 بالنسبة لمتوسط الإنفاق في الناطو، و2.4 في الاتحاد الأوروبي ، والشكل الموالــي يوضـح ذلك :
الشكل 15: نسبة الإنفاق العسكري من الدخل القومي في كل من اليونان
ودول حلف الناطو ،الاتحاد الأوروبي
Source : Athanassiou Emmanuel and others ، Greece: Military Expenditure، Economic Growth
and the Opportunity Cost of Defence” ، University of Athens 1997 in http://mubs.mdx.ac.uk/Research/Discussion_Papers/Economics/dpapec80.pdf p 5

كما طورت اليونان من الصناعة الحربية الوطنية، لتغطي 20% -مع توقعات إلى أن تصل إلى 50 % - من الاحتياجات العسكرية، وذلك سعيا للتحرر من الاعتماد الشبه كلي على المعدات العسكرية الأمريكية لتضمن تجنب أي إحباط أمريكي لتحرك يوناني مستقبلي ضـد تركيـا(4).
كما قامت قبرص – من جهتها – بزيادة نفقاتها العسكرية على غرار اليونان، و كذا اتخاذ النمط اليوناني في التنظيم العسكري، و وضع أسس العمل و التخطيط الموحد(5).
و تشير الإحصائيات إلى أن اليونان أنفقت نصف مليار $ سنويا على تسليح قبرص سعيا لإنجاح هذه الإستراتيجيـة(6)، الأمـر الذي حـرك تركيا بدورهـا إلى زيادة تسليـح " قبرص الشماليـة"(7).
تقوم إستراتيجية تمديد الردع اليوناني على إقناع تركيا بأن أي امتداد جديد في قبرص سيقابله رد يوناني – قبرصي مكلف، حتى ولو قام القبارصة اليونان بشن هجوم على قبرص الشمالية فإن فشل الهجوم
لن يترتب عليه توسع تركي آخر، لأن الإستراتيجية تـؤكد بأن أي اعتـداء على قبرص هو اعتداء على اليونان و العكـس صحيـح (Cool.
فمن الملاحظ أن سياسة الردع التي تريد اليونان تطبيقها لا تشبه تلك التي عهدناها بين القطبين أثناء الحرب الباردة، فهي ليست دفاعية تهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن، بقدر ما تهدف إلى منع حدوث حرب شاملة مع تركيا لأن ذلك لن يكون في صالحها، فكان الغرض من الردع في إستراتيجية اليونان هو خلق بيئة ملائمة لقيام حرب محدودة ومن المرتقب أن تكون بالوكالة By Proxy يخوضها القبارصة اليونان بالنيابة عنها، تمكنهم من قلب الوضع الراهن في الجزيرة و استعادة الأراضي القبرصية الشمالية أو على الأقل جزء منها ومن ثم تلي المفاوضات لمعالجة باقي القضايا الفرعية، وكل ذلك يتم مع ضمان عدم نقلها إلى حرب شاملة وتدخل تركيا بكل قواتها في قبرص فالردع بالمفهوم اليوناني ليس ردعا تسعى من خلاله للحفاظ على الوضع الراهن و لكن ردعا يهدف إلى منع وقوع حرب شاملة عند قيام حرب محـدودة.
فإذا نجحت سياسة الردع عبر نشر القوات اليونانية من قبرص جنوبا إلى باقي الجزر التركية المنتشرة على الحدود التركية شمالا، يتم احتواء تركيا في مجالها الإقليمي، ويزيد من تكلفة إعلانها حربا شاملة، والتي تعتبر بديلا تركيا غير مستبعدا بالنسبة للمحللين الإستراتيجيين اليونان الذين أكدوا بأن غزو التركي لقبرص كان بالنسبة لليونان مستحيلا إلا أنه تحقق، من جهة أخرى إذا أدت الكتل الصخرية في إميا و كارداك إلى تعبئة تركية شاملة فكيف سيكون الحال مع جزيرة قبـرص المأهولـة بالأتـراك ؟
كما أن حرب شاملة ضد اليونان ، خيار عقلاني تركي في ظل ضعف الجيش اليوناني ، فالأمر لا يتطلب مدة زمنية طويلة لطرد القوات اليونانية من الجزر المحاذية لإقليمها و التي لا تبعد إلا بضع أميال من تركيا إذا قورنت باليونان، فعمليات الإمداد و الهجوم تكون أسهل و أسرع بالنسبة لتركيا، وصانع القرار اليوناني يدرك كل هذه المعطيات كما يدرك أن القوات اليونانية عاجزة أما الجيش التركي في حالة حرب الشاملة، ولا يمكنها أن تؤدي دورا أساسيا إلا في حالة حرب محـدودة .
من جهة أخرى تعتبر اليونان و قبرص الجنوبية أن إدخال روسيا في عقيدة الردع يزيد من مصداقيته - لاسيما أن روسيا كما سنلاحظ في الفصل الأخير- عرفت بمساندتها القوية للقبارصة اليونان، حيث زودتهم بالنظام الصاروخي S-300 المتطور عام 1996-1997، وبدعمها الدبلوماسي القوي لقضيتهم(9).
استنادا إلى الطرح اليوناني أن تحريك الاحتياطي مع القوات اليونانية على الجزيرة ينقل موازين القوى لصالح القبارصة اليونان، مما يؤدي إلى حملة ناجحة على قريةKyrenia ، أما عن الطائرات التركية فإن النظام الصاروخي الذي ستزود به روسيا قبرص سيتكلف بتصفية المجال الجوي القبرصي(10).
غير أن هناك خلل كبير في الإستراتيجية اليونانية- القبرصية، فإذا أخذنا العامل الجغرافي بعين الاعتبار، لن يكون تزويد الجيش التركي صعبا على غرار اليونان التي تبعد عن قبرص من أقرب جزرها بـ 346 ميل ، كما أن اليونان لن تستعمل الصواريخ لقصف الجزء الشمالي من الجزيرة و ذلك لعدة أسـباب منها :
1. طول المسافـة التي تعبرها الصواريخ اليونانيـة يجعلها هدفـا سهلا للصواريخ التركية المضادة
2. أن قصف اليونان من أراضيها يعني صراحة إعلانها لحرب شاملة ضد تركيا و هذا ما لا تريده فهي تسعى لخلق حرب محدودة تنحصر في قبرص، تقلب موازين القوى ثم تهدأ على غرار الحرب التي قامت بها تركيا عندما استولت على 37% من الجزيرة عام 1974 م .
فالعامل الجغرافي يجعل الحرب المحدودة محسومة لصالح تركيا و هذا ما أدركه جيدا الإستراتيجيين اليونـان(11) .
كما أن هناك خلل ملحوظ في عدد القوات اليونانية و كفاءتها، حيث يوجد في جنوب قبرص حوالي 10.000 جندي من الحرس الوطني اليوناني مدعمون بـ 1000 آخرين و 1300 ضابط يرأسون الحرس الوطني القبرصي ، أما في شمال قبرص نجد 4000 جندي من القوات القبرصية التركية TCSF مع 26.000 جندي احتياطي ، في حين يوجد 30.000 جندي تركي مجهزون ومدربون أحسن من قوات الحرس الوطني القبرصي ، بالإضافة إلى 4000 جندي بريطاني في القاعدين البريطانيتين 1150 جندي من مختلف أنحاء العالم يدعم قوات حفظ السلام ، في ظل هذه المعطيات ، يقول المحلل الإستراتيجي Lindley Dan " من خلال هذه المعطيات نؤكد بأنه يمكن للقوات التركية إلحاق الهزيمة بقبرص الجنوبية في مدة قدرها 3 أيام … وفرضا أن القبارصة اليونان ضاعفوا من قدراتهم فإن قدراتهم على المقاومة ستستمر 6 أيام …و إذا كانت العوامل المناخية و النفسية مناسبة ووصل الأداء اليوناني إلى 100% فإن الحرب ستستمر 18يــوم وتحسم لصالح تركيا" (12).
أما عن تدخل روسيا لمساندة اليونان وقبارصتها في حالة الحرب، فإن هذا مستبعد جدا، إن لم نقل مستحيل، صحيح أن لروسيا مصالح في قبرص ولكنها لا تصل إلى حد التورط في حرب قد تلهب المنطقة ككل في ظل سلسة الأحلاف التي تعرفها، كما أن روسيا غير مستعدة لتكبد تكلفة أخرى من طرف حلف الناطـو الـذي دون شـك سيتـدخل فـي حالة تدخلها باعتبار أن منطقة البحر المتوسط هي منطقة نفـوذه .
ومنه لن تؤدي الإستراتيجية المنتهجة من طرف الـيونان و قبرص في صيغتها الحالية إلى نتائج إيجابية، فسواء أكانت الحرب التي تريد إعلانها اليونان شاملة أو محدودة فإن موقع قبرص بمحاذاة الساحل التركي يجعلها هدفا سهلا بالنسبة لتركيا، وهذا ما برهنت عليه أزمة الصواريخ القبرصية عام 1996-1997 حيث نجحت تركيا بالضغط العسكري على اليونان و قـبرص، وإحباط عملية نشر صواريخ SS300 على الأرضي القبرصية بسهولـة.
رغم ذلك استمرت اليونان في تطبيق إستراتيجية تمديد الردع، فحتى لو كانت قيمتها الهجومية ضعيفة لاسترجاع الأراضي القبرصية فإنها تبقى ذات قيمة دفاعية معتبرة ، لاسيما أنها تزيد من فعالية توزيع القوات اليونانية شرق المتوسط ، و تؤثر بنسبة معتبرة على موازين القوى مع تركيا .
أما تركيا فسعت بعد سيطرتها على الجزء الشمالي من قبرص إلى بناء دولة موالية لها تمثل مركز نفوذها الذي يحمي مصالحها في المنطقة، هذا ما نحاول توضيحه في المطلب الموالي.













2. تركيا والسياسة الاستيطانية

مند سيطرتها على الجزء الشمالي من الجزيرة انتهجت تركيا سياسة الحفاظ على الوضع الراهن Status–quo policy، ولإنجاح هذه السياسة حاولت تبرير وجودها في قبرص بفكرة حماية القبارصة الأتراك، لذلك عملت على تقوية النظام السياسي شمال قبرص، وضمان ولائه تمهيدا لخلق دولة قبرص الشماليـة التركيـة.
فبناء دولة قبرص التركية في الشمال هو الضمان الوحيد لبقاء النفوذ التركي على الجزيرة، لأن القوات التركية لا زالت تعامل كمحتل من طرف المجتمع الدولي، و تركيا تدرك جيدا أن المقاومة الوطنية القبرصية ستنفجر يوما ما ضد وجودها العسكري، والأمثلة التاريخية كثيرة حول مصير قوات الاحتلال حتى بالنسبة للدول العظمى مثل فرنسا في الجزائر، الو.م.ا في الفيتنام، بريطانيا في الهند، وجنوب إفريقيا لذلك فبناء دولة قبرصية في الشمال معترف بها دوليا، سينقص من ضغط المجتمع الدولي على الجانب التركي، من جهة أخرى ستدافع هذه الدولة على الوجود العسكري التركي باعتباره الضمان الوحيد لأمنها ضد أي عدوان من اليونان وقبارصتها.
وللتحقيق هذا الهدف " أي بناء دولة قبرصية تركية في الشمال كمركز لنفوذها " كان على تركيا ضمان مساندة النظام السياسي لهذه الدولة لسياستها في المنطقة، وإلا هدد بقاؤها على يد القبارصة الأتراك أنفسهم، لذلك طبقت التكتيك الأكثر أهمية وبروزا في إستراتيجيتها، وهو جلب المستوطنين الأتراك إلى الجزيرة، وإعطاءهم الجنسية القبرصية لتضمن أصواتهم عند أي انتخابات، فتضمن بقاء النظام السياسي المساند لسياستـها.
و منه يمكن تحليل السياسة التركية في قبرص لما بعد التقسيم انطلاقا من عنصرين أساسيين:
أولا : بناء الجمهورية التركية لشمال قبرصTRNC: عندما أنسحب القبارصة الأتراك من النظام السياسي القبرصي اليوناني ، أسسوا اللجنة العامة لإدارة شؤون القبارصة الأتراك عام 1964، التي تحولت إلى الإدارة القبرصية التركية المؤقتة عام 1967م ، ثم الإدارة القبرصية التركية المستقلة بعد التدخل التركي عام 1974م، ثم إلى دولة قبرص التركية في عام 1975م كرد على فشل المحادثات الطائفية لتتحول في الأخير إلى جمهورية قبرص الشمالية التركية و التي أعلن عن ميلادها في 15 نوفمبر 1983، كوحدة جديدة تمثل القبارصة الأتراك على المستوى الداخلي و الخارجـي TRNC (13).
غير أنها لم تنل الاعتراف الدولي إلا من طرف الدولة الأم، في حين صدر قرار أممي يدعوا إلى الانسحـاب القوات التركية من الأراضـي القبرصيـة و احتـرام سيـادة و استقلال قبرص(14)، كما رفض المؤتمر الإسلامي بدوره الاعتراف بهذه الدولة الجديدة.
و كرد عل هذه المواقف صرح زعيم القبارصة الأتراك رؤوف دنكطاش " إن الأمم المتحدة لم تعترف ببنغلادش طيلة 4 سنوات و بألمانيا الديمقراطية لمدة 25 سنة، وعليه فعدم الاعتراف ليس أمرا حيويا، ولا مصيريا لوجود الدول(15)، وعن مساحة وحجم سكان دولته قال "إن حجم الأرض وعدد السكان ليسوا مهمين في تقرير مسالة قيام الدول، فمثل هذه الدول قد تكون في نزاع مع جيرانها بشان حدودها إذ قد تكون الحدود لا تزال محل الخلاف(16).
فمند عام 1974 و قبرص الشمالية، تعيش حصارا دوليا في كافة المجالات، لذلك فهي تعتمد بصفة أساسية على المساعدات و القروض التركية و هذا ما يوضحـه الشكـل الموالـي :


Tolga Ediz and Mariana Tsatsas ، Cyprus: Defying History ، Global Economics ، 10 December 2002 . Lehman Brothers. in http://www.riia.org/pdf/briefing_papers/CYPRUS.pdf p 4

إلا أنه من غير المتوقع أن تتحمل تركيا هذا العبء لمدة طويلة لاسيما بعد سلسلة الأزمات الاقتصادية و المالية التي مر بها الاقتصاد التركي بين 1996-2004 وقد أشار وزير الخارجية التركي إسماعيل سـام أثناء جولة تفقدية في قبرص الشمالية إلى هذا الوضع قائلا " إذا استمر هذا الوضع سيبتعد سكان قبرص الشمالية شيء فشيء عن تركيا لصالح قبرص الجنوبيـة"(17) وذلك أن قبرص الجنوبيـة استطاعـت تحقيـق الرفاهيـة لشعبـها عكس قبـرص الشماليـة والجدول الموالي يوضـح ذلك :









الجدول رقم 6 : الوضع الاقتصادي في قبرص التركية الشمالية و قبرص اليونانية الجنوبية
Tolga Ediz and Mariana Tsatsas ، Cyprus: Defying History ، Global Economics ، 10 December 2002 . Lehman Brothers. in http://www.riia.org/pdf/briefing_papers/CYPRUS.pdf p 4

وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية و السياسية ، لجأ العديد من القبارصة الأتراك إلى طلب جواز سفر من قبرص الجنوبيـة والهجرة إلى الدول الأوروبية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 20.000 قبرصي تركـي، يحملون جواز سفر قبرص الجنوبية، ذلك أن جواز السفر القبرصي التركي غير معترف به دوليا حتى أن رجال الأعمال والتجار الأتراك يعتمدون على الوثائق الرسمية القبرصية اليونانية لتصدير منتجاتهم من جهتها ترفض قبرص الجنوبية تسليم الوثائق الرسمية إلا للقبارصة الذين ولـدوا بعد سـنة 1974م(18).
عندما سؤل زعيم القبارصة الأتراك رؤوف دنكطاش عن هجرة القبارصة الأتراك و مدى انعكاساته على مصير دولة قبرص الشمالية صرح بأنه " إذا هاجر محمد ، فإن محمدين سيخلفانه"ّ، مشيرا بذلك إلى موجات المستوطنين المتدفقة من تركيـا (19).
فزيادة عدد سكان قبرص الشمالية سينفي المقولة اليونانية بأن الأتراك هم أقلية تعيش في ظل مجتمع قبرصي يوناني، و هذا ما قد يزيد من احتمال الاعتراف الدولـي(20).
ثانيا : جلب المستوطنين إلى قبر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية الفصل 4
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** ماســـــتر (Master) ******* :: السنة الثانية ماستار ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1