الجزء التطبيــقي
دراسة لحالة التدخل التركي اليوناني في قبرص
تمهيـــــد:
قبرص دولة صغيرة تقع شرق البحر الأبيض المتوسط، يحدها من الشمال تركيا و من الجنوب فلسطين، من الشرق سوريا و لبنان، ومن الغرب جزيرة كريت و رودس، كما هو موضح في الخريطـة
المواليـة:
الخريطة رقم 2: موقع قبرص بالنسبة لتركيا و اليونان
Map of the Eastern Mediterranean، Monterey Institute of International Studies
http://cns.miis.edu/research/cyprus/map.htm
تبلغ مساحتها الإجمالية 9251 كلم²، و عدد سكانها– حسب آخر إحصاء رسمي- 730.000 نسمة تتكون أساسا من 18% أتراك، 80% يونان و 2% أقليات أخرى (أرمن ، أستراليين…الخ)، أما حاليا فلا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد القبارصة الأتراك، و هذا جزء من النزاع القائم فالقبارصة اليونان يتهمون تركيا بمحاولة تغيير التركيبة الديمغرافية للجزيرة لصالحها عن طريق تهجير مواطنيها من الأناضول ومنحهم الجنسية القبرصية(I )، إلا أنه حسب التقديرات الإحصائية التي قامت بها حكومة قبرص الجنوبية عام 2000 ، تظهر التركيبة السكانية و العرقية كما هو موضح في الجدول الموالــي:
السكـــان حسب إحصاء عام 1960 حسب تقديرات عام 2000
قبارصة أتراك 572.000 757.000
قبارصة يونان 441.500 630.500
آخــرون 26.500 75.000
الجدول رقم 1 : إحصاء سكان قبرص عام 1960 و تقديرات عام 2000
Nathalie Tocci and Tamara Kovziridze، Europeanisation and Conflict Resolution the case of Cyprus،http ://www.ecmi.de/jemie/download/12004Chapter2.pdf#search=’cyprus%20Nathalie%20Tocci%20and%20Tamara%20Kovziridze%20%20pdf. P 7
و الجدير بالذكر أن قبرص ليست دولة غنية بالموارد المعدنية أو الطاقوية النادرة على غرار دول القوقاز أو الشرق الأوسط، إلا أنها تشهد نزاعا مستمرا بين القبارصة الأتراك و اليونان، بدعم وتحريك من تركيا و اليونان مند عام 1955 م إلى اليــوم (2005) .
سنحاول في هذا الجزء من الدراسة تحليل حالة التدخل التركي اليوناني في دولة قبرص كنموذج متقدم من تدخل دول القربى Kin-State في النزاعات العرقية، موضحين الدور الذي يمكن أن تلعبه دول القربى في إثارة النزاعات العرقية عن طريق دعمها و مساندتها للجماعات المتنازعة، و ذلك انطلاقا من منظور العقلانية المحدودة، معتبرين الدول المتدخلة (تركيا واليونان) فواعل ذات عقلانية محدودة بمعني أنها تضع سلوكها الخارجي استنادا إلى حسابات دقيقة و أهداف واضحة في نفس الوقت تبقى متأثرة بالمتغيرات الداخلية التي تعتبر بدورها عوامل مساعدة على اتخاذ بعض القـرارات اتجاه قضايا النزاع.
و ستنحصر دراستنا لهذا النزاع بين 1974-2004 أي مند تنظيم اليونان الانقلاب العسكري في قبرص والتدخل العسكري تركي الذي أعقبه، إلى دخول قبرص إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 م حيث سنعالج ذلك في ثلاث فصول أساسية:
1. تأثيـر تدخـل دولتـي القربى علـى مسار النزاع القبرصي
2. أهداف دولتي القـربى من التدخل و إستراتيجيتها لتحقيق ذلك
3. تأثير دولتي القربى على دور الفواعل الدولية في تسوية النزاع القبرصي
الفصل الأول:
النزاع القبرصي كنزاع بالوكالة بين تركيا و اليونان
سنحاول في هذا الفصل إبراز الدور الذي لعبته دول القربى أي تركيا و اليونان في إثارة النزاع القبرصي، ابتداء من تهيئة بريطانيا الأوضاع الملائمة و مساهمتها في خلق دولة قبرص المستقلة إلى الدور الذي لعبته اليونان في الجزيرة لا سميا بعد استقلالها من خلال تنظيمها للانقلاب العسكري وصولا إلى التدخل التركي وتقسيم الجزيرة، لذلك قسمنا النزاع إلى ثلاث مراحل أساسية كل مرحلة تميزت بسيطرة قوة خارجية معينة :
1. مرحلة التدخل البريطاني و بناء الدولة القبرصية : وتمتد أساسا مند احتلالها للجزيرة إلى عام 1960م أي تاريخ استقلال قبرص، فقد كانت بريطانيا هي القوة الرئيسية في قبر ص، حيث ظهرت في هذه الفترة كفاعل مثير للنزع العرقي Trigger Actor ، بإعطائها العديد من الامتيازات للقبارصة الأتراك ومعاملتهم كشريك وطني للقبارصة اليونان بدلا من أقلية، كذلك من خلال تحفيزها للتدخل التركي في القضية، لتهيئ بذلك وضعا ملائما لتصعيد النزاع العرقي وتدخل دول القربى .
2. مرحلة التدخل اليوناني و الانقلاب العسكري : ما فتئت أن انسحبت بريطانيا من الجزيرة تحت ضغط المقاومة المسلحة القبرصية اليونانية بدعم من أثينا، فما أن استقلت قبرص عام( 1960 )حتى تحولت إلى مركز نفوذ يوناني، إلا أن بروز سياسة "ماكاريوس" الحيادية اتجاه دول القربى هز نفوذ اليونان بقوة، وهدد مشروعها بضم الجزيرة إليها( و تحقيق الإينوسيس)، فجاء انقلاب( 1974 ) على حكم ماكاريوس من طرف الحرس الوطني القبرصي الذي يترأسه الضباط اليونان.
3. مرحلة التدخل العسكري التركي و تقسيم قبرص : كرد على الانقلاب العسكري، تدخلت تركيا عسكريا، و احتلت الجزء الشمالي من الجزيرة، و فرضت الوضع الراهــن حيث قسمت الجزيرة partition of facto و بدأت في بناء دولة قبرص التركية الشماليـة، مشكلة بذلك الوضع الراهن الذي تعرفه جمهورية قبرص.
المبحث الأول :
التدخل البريطاني و بناء الدولة القبرصية
كانت قبرص مند القدم عرضة للتدخل الخارجي فلم تحظى في تاريخها القديم و المعاصر أبدا بالاستقلال أي مند أكثر من 40 قرنا حتى اليوم، فكان موقعها الجيو-استراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط مغر للعديد من القوى الدولية والإقليمية، حيث احتلها سارجون الثاني حتى عام 612 ق.م ثم الفراعنة، ليخلفهم الفرس عام 522 م1، ثم الاسكندر المقدوني، لتعود بعده للفراعنة في العصر الهيليني ثم الرومان ،ثم العرب عام 649 م ، بعد ذلك احتلها ريتشارد قلب الأسد أثناء الحملة الصليبية الثالثة عام 1191م، لتؤول بعده إلى الفرنسيين، و تنازلت عنها بعد ذلك الملكة "كاترين كورنارد" للبندقية بعد موتها عام 1486م، وبقيت تحت حكمها إلى أن احتلها الأتراك عام 1570-21571.
فكان من الصعب في ظل تعاقب الإمبراطوريات على قبرص تحديد هوية شعبها، إلا أنه في مطلع الألفية الأولى ق.م كانت تضم 3 جماعات عرقية أساسية، فالأغلبية تتكلم اللغة القبرصية القديمة والجماعة الثانية لغة مشتقة من اليونانية، و الثالثة لغة الفينيقيين3، إلا أن تأثير الثقافة اليونانية كان أكبر من الثقافات الأخرى و الآثار التاريخية الحالية تبرز ذلك، حيث كانت لقبرص علاقات ثقافية قوية مع اليونان القديم مند النصف الثاني من الألفية الثانية ق .م، عندما بدأ النفوذ الثقافي اليوناني يتدفق إلى الجزيرة مع حركة التجارة التي عرفتها قبرص لاسيما مع أثينا و إسبارطة و باقي المدن اليونانية حيث تشير الأساطير اليونانية أنها كانت عرش إله الحب فونيس و الإله Aphrodite حتى أن الفيلسوف اليوناني الشهير زينون ولد في قبرص، و غالبا ما يركز المفاوض القبرصي و اليوناني على هذه المعلومات في المفاوضات الطائفية 4، في حين يصر المفاوض التركي أن قبرص امتداد جيولوجي للأناضـول(5).
بعد احتلال الدولة العثمانية لقبرص عام 1571م نقلت حوالي 20.000 مسلم إلى الجزيرة ليكونوا فيما بعد الأقلية القبرصية – التركية(6)، كما استبدلت النظام الإقطاعي الذي كان سائدا في قبرص بنظام ضريبي وأعطت للقبارصة اليونان حق الامتلاك والتوريث بشرط دفع الجزية، كما اعترف الباب العالي بالأسقف اليوناني و خصه بصلاحيات واسعة أهلته لأن يكون الرجل الثاني في الجزيرة بعد الحاكم العثماني واستمرت سلطاته حتى سنه 1821-1851 بعد تورطه مع الحركة الانفصالية اليونانية التي نجحت في تحرير اليونان عام1821 (7) ، و نتيجة لذلك أعدم الأسقف مع 500 قبرصي يوناني(
.
و باستثناء هذا الحدث لم يسجل أي تصادم بين القبارصة الأتراك و اليونان، أما انتفاضات -1665-1690 1764-1766 فلم تكن بدوافع عرقية، بل كانت بسبب المجاعة التي مست قبرص في هذه الفترات، حيث كان الاحتجاج من القبارصة الأتراك و اليونان على حد السواء، الأمر الذي دفع السلطان محمد الثاني ( 1708-1839) إلى القيام بتعديلات إدارية كان أهمها تشكيل ديوان خاص (مجلس إداري وقضائي ) يضم 4 ممثلين عن كل من الجالية التركية و اليونانية عام 1856 (9).
لقد تعايش القبارصة الأتراك و اليونان في ظل الحكم العثماني، حيث تشير جميع المصادر– حتى اليونانية منها(*) – إلى أنه لم تكن هناك عداوة، و لا أحقاد تاريخية بين القبارصة، كما لم تسجل أي صدامات عرقية بينهم، بل و يؤكد التاريخ العديد من الحالات التي اقتص فيها الحكام العثمانيون من مسلمين لصالح مسيحيين، و لم يبدأ النزاع إلا بعد أن ظفرت اليونان باستقلالها 1821م، حيث بدأت في التنسيق مع الكنيسة القبرصية في نشر الوعي القومي وبرزت الحركة القومية في قبرص الداعية لانضمام إلى اليونان أو " تحقيق الإينوسيس"Enosis ، و ما أن انتقلت الجزيرة إلى الحكم البريطاني حتى تحرك النزاع العرقي بين القبارصة الأتراك و اليونان ، فكيف كان ذلك ؟ و كيف تعاملت بريطانيا مع القضية ؟
1. تحالف بريطانيا مع القبارصة الأتراك
بعد ضم اليونان للجزر الأيونية لم تبقى لبريطانيا قواعد إلا في مالطا غير أنها كانت بعيدة ولا تصلح للتزويد اللوجيستي والعسكري لقواتها، فكانت قبرص أحسن منطقة بحكم قربها من الشرق الأوسط* لذلك عرضت بريطانيا على السلطان عبد الحميد صفقة تتعهد فيها بالتحالف معه اتجاه أي عدوان روسي مرتقب مقابل قبوله تأجير قبرص للقوات البريطانية، فقبلت تركيا العرض وعقدت اتفاقية عام 1878 أجرت بموجبها الجزيرة لبريطانيا مقابل مبلغ قدره 92.800 إسترليني(10).
رحب القبارصة اليونان بالاحتلال البريطاني بعد أن تلقوا وعودا بتحقيق الاينوسيسEnosis أي ضم قبرص إلى اليونان5، فعندما وصل الحاكم البريطاني لقبرص إلى ميناء Larnaca أستقبله القس Kiprianos قائلا "إننا نرحب بكم ما دمنا على ثقة بأن بريطانيا ستساعد قبرص على الانضمام إلى اليونان على غرار ما فعلت مع الجزر الأيونيــة"(11) .
و أثناء الحرب العالمية الأولى(1915) عرضت بريطانيا على اليونان إعطائها قبرص بشرط الدخول إلى الحرب في صف الحلفاء، فكانت فرصة للوفاء بعهدها للقبارصة اليونان و الاستفادة من دخول اليونان للحلف، غير أن اليونان رفضت ذلك نظرا لاختلال موازين القوى شرق البحر الأبيض المتوسط لصالح تركيا التي كانت تحارب ضد الحلفاء، فدخولها إلى الحرب ستكون فرصة لإعادة احتلالها من طرفها، وبعد حوالي 4 سنوات أعيد إثارة القضية من طرف الملك اليوناني إلا أن بريطانيا رفضت هذه المرة نظرا لتغير المعطيات الدولية و انتهاء الحرب وزوال الحاجة للتضحية بقبرص وبدلا من ذلك قامت بضمها إلى باقي مستعمراتها كعقاب لدخول تركيا الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء و صادقت على ذلك رسميا في اتفاقية لوزان عام 1923 م لتصبح قبرص مستعمرة تحت التاج البريطاني عام 1925، و لم تحاول تركيا آنذاك استرجاعها(12).
بعد زيادة التدخل البريطاني في الشرق الأوسط زادت أهمية قبرص بالنسبة لبريطانيا نظرا لقربها من منطقة نفوذها مما يسهل الدعم اللوجيستي لقواتها هناك، غير أن الحركة الوطنية بين القبارصة اليونان كانت قوية لدرجة أصبحت تهدد النفوذ البريطاني لاسيما أنها أعطيت وعودا بتحقيق الـ Enosis – أي الانضمام إلى اليونان- عندها كان على بريطانيا التعامل مع الوضع بالطريقة التي عهدتها مع باقي مستعمراتها –في آسيا و إفريقيا – أي إثارة النزاع بين العرقيات، ثم لعب دور الحكم و الوسيط الذي يلجا إليه الجميع، وهذا نفس ما انتهجته في قبرص، ويمكن تحليل سياستها اتجاه القضية على مستويين:
1. على مستوى القبارصة اليونان: سعت بريطانيا لإعطاء القبارصة الأتراك- رغم كونهم أقلية- مركزا يؤهلهم لمنافسة القبارصة اليونان، حيث قامت بتأجيل قضية الضم (Enosis )، متحججة برفض القبارصة الأتراك و كبديل لذلك وضعت مجلسا تشريعيا لإدارة الجزيرة يتكون من 3 نواب بريطانيين معينين و3 قبارصة يعينهم الرئيس ليس لهم إلا سلطات استشارية(13).
غير أن القبارصة اليونان بقوا مصرين على مبدأ الـ Enosis، و قد عبر عن ذلك ويسطون تشرشل أمام البرلمان قائلا "إن شعب قبرص ذو الأصول اليونانية يعتقد في انضمامه إلى الدولة الأم هدفا مقدسا و مثاليا ، يسعى لتحقيقه بكل قوة وإخلاص"(14)..
ونتيجة لذلك قدمت بريطانيا تنازلات أخرى ، حيث أقرت المشاركة الفعلية للقبارصة في إدارة الجزيرة فأنشأت مجلس تشريعي بناء على دستور معتمد عام 1882 ، يضم 6 بريطانيين بالتعيين و12 نائب قبرصي ، منهم 9 يونان و 3 أتراك، و ذلك استنادا إلي نسبة عدد السكان في ذلك الوقت واستمر هذا المجلس في إدارة قبرص ولم تتغير نسبة التمثيل رغم التحولات الديمغرافية التي طرأت على سكان الجزيرة بعد قيام جمهورية أتاتورك في بداية القرن العشرين( بعد هجرة العديد من القبارصة الأتراك) ويرجع ذلك إلى خوف بريطانيا من رجوح كفة الطرف اليوناني، وما سيكون له من انعكاسات سلبية على وجودها في المنطقة (15)، فاليونان يمثلون دوما الأغلبية، فحسب إحصائيات قوات الاحتلال بلغ عدد سكان قبرص 511.000 نسمة يمثل اليونان منهم 80.2% ،17.9% أتراك و1.9% مختلف الأعراق بالإضافة إلى 120.000 قبرصي يوناني فار إلى اليونان، ومصر والو.م.أ وبريطانيا فكان هذا الدستور خطوة أولى نحو ضمان بقاء الوجود البريطاني على الجزيرة(16).
تقدم القبارصة اليونان عام 1917 برسالة يذكرون فيها بريطانيا بوعدها بضم الجزيرة إلى "اليونان" غير أنها استمرت في خلق الأعذار حيث أكدت بأن ضم قبرص إلى اليونان غير ممكن ما دامت الجزيرة من وجهة نظر القانون الدولي جزء من الدولة العثمانية، وبعد أن انتهى مفعول هذه الحجة أكدت مباشرة بأنها تريد الاحتفاظ بقبرص مهما كانت الظروف حيث صرح وزير المستعمرات "هناك بعض المناطق في الكامنويلث، والتي نظرا لظروفها الخاصة، لا يتوقع أبدا إعطائها الاستقـلال"(17).
أما القبارصة الأتراك فقد وجدوا الوضع الراهن يسير لصالحهم، فساندوا الحكم البريطاني للجزيرة، فكان نوابهم والنواب البريطانيين يشكلون حلفا ضد نواب القبارصة اليونان، هذا ما زاد من العداء والأحقاد بين الجماعتين، فالقبارصة الأتراك هم أتباع المستعمر بالنسبة للقبارصة اليونـان(18).
كان لتحسن العلاقات التركية اليونانية بين 1928-1931(19)) في بادئ الأمر انعكاسات إيجابية على العلاقة بين الجماعتين، ولكن ما لبث الوضع أن انقلب بعدما حاول الحاكم البريطاني اعتماد ميزانية رغم معارضة أغلبية نواب البرلمان، حيث صوت أحد النواب الأتراك –لأول مرة – مع باقي النواب اليونان ضد النواب البريطانيين، إلا أن إصرار الحاكم البريطاني على تطبيقها خلف إحباطا بين القبارصة اليونان فقاموا بأول انتفاضة في أكتوبر عام 1931 م بإيحاء من الكنيسة الأرثوذكسية القبرصية سعيا لتحقيق الـ Enosis ، وانسحب نوابهم من المجلس التشريعي لتبدأ مظاهرات حاشدة أحرقت قصر الحاكم البريطاني و قام البوليس البريطاني بإطلاق النار فسقط العديد من الضحايـا الأمر الذي زاد من غضب الجماهير(20).
وكرد على ذلك أصدرت بريطانيا "حالة طوارئ"، و نفت العديد من الزعماء و حلت المجلس سعيا للسيطرة على الوضع، رغم ذلك استمر التوتر على الجزيرة، ومند ذلك الحين قيدت الحريات السياسة وحلت الأحزاب القبرصية(21).
و استمر الوضع على حاله حتى عام 1941 م حيث قررت بريطانيا إعادة بعث الحياة الديمقراطية على الجزيرة، لاستمالة القبارصة إلى جانبها في الحرب العالمية الثانية، لتبرز نوع من الهدنة بينها و بين القبارصة اليونان، نظرا لكونها-آنذاك- حليفا لليونان ضد الزحف النازي.
و كنتيجة لهذا الانفتاح السياسي ظهر 32 حزب قبرصي يوناني، و 3 أحزاب تركية، و أخذت تنمي الوعي العرقي و القومي بين الطائفتين، حيث بدأت الأحزاب القبرصية اليونانية في الدعاية لمبدأ الإينوسيس ، و بدورها بدأت الأحزاب القبرصية التركية في نشر مبدأ التقسيم Taksim بين أفراد جماعتهـا (22).
و مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية و زوال الخطر النازي، عادت أعمال العنف على الجزيرة وبأساليب أكثر تنظيما، حيث انتهج القبارصة اليونان الأسلوب العسكري من خلال منظمة إيوكا Eoka عام 1955 م المدعمة من طرف أثينا، و الأسلوب السياسي من خلال الأحزاب السياسية المتمحورة حول الكنيسة التي كانت منبع الشعور القومي القبرصي، و قد نجحت في مسعاها إلى حد كبير ففي استفتاء شعبي حول انضمام قبرص لليونان صوت 7،95% من القبارصة اليونان لصالح فكرة الـEnosis (23).
كما تم بعد ذلك انتخاب ماكاريوسIII الذي عرفت القضية في عهده تحولات ملموسة على المستوى الخارجي، حيث حاول جاهدا إخراجها من إطار حلف الناطو و إدخالها في جدول الأمم المتحدة التي رفضت التدخل بادئ الأمر ناصحة بريطانيا و اليونان بالحل السلمي للقضية(24)، و لقد استمر ماكاريوس في تنظيم الحركة الوطنية و محاولة استمالة الرأي العام الدولي، الأمر الذي دفع بريطانيا إلى نفيه عام 1957 خارج الجزيرة . (25)
من جهتها كانت بريطانيا تدرك تأزم الوضع في الجزيرة لاسيما في ظل الدعم الكثيف التي تتلقاه الجماعات المسلحـة في قبرص من طرف اليونـان، لذلك حاولت إقحام تركيا في القضية لكبح النفوذ اليونانـي.
على مستوى العلاقات مع اليونان : لجأت بريطانيا إلى تركيا، فعملت على إقحامها في القضية كطرف أساسي، بحجة حماية أقليتها هناك، حيث صرح أنطوني إيدن " لا يجب على الأتراك ترك اليونان تسيطر على الجزيرة "، في الوقت الذي زاد فيه النفوذ اليوناني مع الحركة القبرصية للانضمام بقوة في قبرص، فوجدت تركيا أن الوضع يسير لصالح اليونان، فكان تدخلها جدي هذه المرة لاسيما أن الوجود البريطاني بدأ يضعف في ظل استمرار الحركة التحررية (26) .
في الوقت الذي اشتد فيه العنف في قبرص( بين القبارصة و بينهم و بين بريطانيا) دعت بريطانيا الطرفين (التركي و اليوناني) إلى اجتماع لدراسة القضية شرح فيه ممثل تركياZorlu موقف بلاده، حيث عرض القيمة الأمنية لقبرص بالنسبة لتركيا، و أن من حقها التدخل لضمان أمنها وأمن قبارصتها، وقد أشار أن التهديد الأمني الذي تمثله قبرص بالنسبة لتركيا لا يكون إلا إذا سيطرت عليها دولة معادية( أي اليونان) حيث قال "لقد كنا دوما ننظر للقضية على أنها قضية داخلية لبريطانيا ولا شك أن الرأي التركي سيتغير مع الأحداث، أو بمعنى آخر، و بصراحة مادمت قبرص تابعة لبريطانيا لن يتغير موقفنا، أما إذا حدث تغير في السيادة على الجزيرة فإن تركيا تعتبر نفسها مسؤولية…فتركيا لم تسلم قبرص إلا لبريطانيا وتحت شروط محددة ، وإن كانت أي نية لتحويل هذه الحالة فإن تركيا أولى بها … لأن هذه الجزيرة هي امتداد طبيعي للأناضول… "(27) .
كان الموقف التركي قائما على فكرة أن بريطانيا حليفا مهما ضد الزحف السوفيتي ، فبالنسبة لتركيا في هذه المرحلة (مرحلة الحرب الباردة) يعتبر الوجود البريطاني على جزيرة قبرص مهم، فهو من جهة رادع لأي عدوان سوفيتي، و من جهة أخرى بقاء بريطانيا يمنع وقوع فراغ استراتيجي على الجزيرة الأمر الذي قد يثير نزاعا مع اليونان في الوقت الذي لم تنتهي بعد آثار الحرب بينهما، كما أنها لا تريد فتح جبهات أخرى للقتال، لاسيما أن الحرب مع اليونان قد تؤدي إلى حلف بينها و بين المعسكر الشيوعي عندها يزداد التهديد السوفيتي للأراضي التركية.
أما بريطانيا فوجدت في الموقف التركي دعما لسياساتها في قبرص، فكان إقحامها في النزاع يفيد في تغيير موازيين القوى لصالحها، فبـدلا من أن تظهر كطرف في النزاع تبرز كوسيط، لذلك نجدها تبرر رفضها إعطاء حق تقرير المصير للقبارصة، بأن القضية ستلهب نزاعا مسلحا بين تركيا واليونـان.
بعد أن أدرك القبارصة اليونان بأن بريطانيا تريد الاحتفاظ بالجزيرة بأي ثمن، و أنها تسعى لتقوية القبارصة الأتراك ليكونوا حجتها في البقاء، بدأ الصدام المسلح بين الجماعتين العرقيتين وبينهما وبين المستعمر البريطانـي.
2.الحركة التحررية و اشتداد الصدام العرقي
بدأ القبارصة اليونان مقاومتهم ضد بريطانيا و القبارصة الأتراك في ظل منظمة Eoka، التي استهدفت المنشآت وعناصر الجيش البريطاني، حيث تزعم جناحها السياسي ماكاريوس، وجناحها العسكري الجنرال جريفاس، من جهتها ساعدت اليونان المنظمة بكل الإمكانيات التي تأهلها لإلحاق تكلفة غير محتملة بالوجود البريطاني،الأمر الذي مكنها القيام بالعديد من العمليات أدت إلى مقتل 150 جندي و 51 شرطي بريطاني، وردت بريطانيا بعميلة مماثلة، قتل فيها 238 قبرصي من بينهم 203 يوناني، كما انفجر النزاع العرقي بالموازاة مع الحركة التحريرية حيث وصلت حصيلة الصدام بين القبارصة 155 قتيـل(28).
بعد التوترات التي صاحبت المقاومة القبرصية في الداخل و الخارج دعت بريطانيا كل من تركيا و اليونان إلى مؤتمر في لندن نهاية أغسطس 1955 حيث اقترح Macmillan Harold فكرة إعطاء قبرص الحق في تقرير مصيرها عبر مراحل، حيث تحتفظ بريطانيا بالسياسة الخارجية فقط وتسلم الإدارة الداخلية إلى مجلس مختلط (تركي -بريطاني- يوناني)، غير أنها قوبلت بالرفض(29).
بدأ الموقف التركي في التصلب اتجاه القضية، خاصة بعد التساهل الذي أبدته بريطانيا اتجاه القبارصة اليونان ، بالإضافة إلى زيادة أعمال العنف ضد القبارصة الأتراك حيث صرح نائب الرئيس القبرصي" فاضل كوجوك" أن "تركيا قد تطالب بالجزء الشمالي من قبرص" ، ليبدأ بعدها القبارصة الأتراك في المقاومة ضد البريطانيين و القبارصة اليونان في نفس الوقت، بعد أن اتهموا بريطانيا بعجزها عن حمايتهم من القبارصة اليونان، ومنعها لهم من حماية أنفسهم لذلك قاموا بتأسيس منظمة مسلحة تحت اسم Volkan ثم TMT(Turk- Mudafa- Teskilat) ليأخذ الصدام العرقي طابعا أكثر تنظيما(30) .
من جهة أخرى تحرك عداء الشعب التركي اتجاه اليونان، حيث قامت الجماهير-وبمساعدة من حكومة "عدنان مندريس"- سنة 1955 بقتل حوالي 2000 يوناني في استنبول وطرد الباقي(31)، كما تم حرق 80 كنيسة 4000 محل 2000 منزل يوناني ، الأمر الذي زاد من حدة العنف الطائفي في قبرص(32).
بعد الضجة الدولية التي أحدثتها المجازر في قبرص اعترفت هيئة الأمم المتحدة عام 1957 بحق الشعب القبرصي في تقرير مصيره، ودعت بريطانيا إلى بدء مفاوضات الانسحاب مع القبارصة، إلا أن بريطانيا أكدت على أنها تقوم بعملية حفظ السلام على الجزيرة و أن وجودها مهم لمنع الصدام بين القبارصة اليونان و الأتراك من جهة، و اليونان و تركيا من جهة أخرى .
و بدلا من التفاوض مع القبارصة دعت للتفاوض مع اليونان و تركيا كممثلين عنهم ، فقد كانت بريطانيا تدرك جيدا أن النزاع بين القبارصة الأتراك و اليونان إنما هو نزاع بين تركيا و اليونان و أنه لو لا الدعم القومي و اللوجيستي و العسكري من دولتي القربى، لكان من السهل السيطرة على الوضع الداخلي، كما حاولت بذلك إبراز أن قضية قبرص ليست قضية بينها و بين القبارصة، و لكن بين القبارصة و بين دولتي القربى، من جهة أخرى تدرك بريطانيا جيدا أن التفاوض مع الدول يكون أكثر عقلانية منه مع الجماعات العرقية، فتركيا و اليونان سيتفهمان المصالح الإستراتيجية البريطانية في المنطقـة (33).
في ظل حملة العنف التي اجتاحت الجزيرة ، سارت الأحداث لصالح القبارصة اليونان حيث بدأ النفوذ البريطاني يتراجع ، لاسيما في ظل ضغط الرأي العام الدولي، حيث عرض ماكاريوس في أثينا سنة 1957 وسائل التعذيب و القهر التي يتعرض لها القبارصة على يد البريطانيين، الأمر الذي جعل منظمات حقوق الإنسان تدين الوجود البريطاني على الجزيرة (34).
كما أدى وصول السير هاج فوت عام 1957 مكان المارشال هاردنيج على رأس الجزيرة إلى تراجع الدعم البريطاني للقبارصة الأتراك، بعد أن تميز الحاكم السابق بسياسته المتصلبة ضد القبارصة اليونان و تحالفه القوي مع القبارصة الأتراك، فبعد رحيله، حاول الحاكم الجديد أن يعطي انطباعا بأن بريطانيا تتعامل مع الطائفتين بمساواة، فأطلق سراح العديد من السجناء كما حاول التقرب للقبارصة اليونان ببعض السلوكيات و المواقف(35)، إلا أن هذه الإصلاحات لم تأتي مبكرة فقد زاد العداء بين الطائفتين لاسيما بعد المجازر التي ارتكبتها منظمة Eoka ضد القبارصة الأتراك انتقاما من الإغارة التي قاموا بها في 7 جوان 1958 على المدن المختلطة و المناطق الريفية، مسلحين بالخناجر و العصي و الحجارة، حيث قتلوا العديد من اليونانيين ، و كنتيجة لهذه المجازر بدأت منظمة TMT بالتطهير العرقي شمال قبرص ومنظمة Eoka في جنوبها و طفقت الدماء تضع خطوط التقسيم بين المدن اليونانية والتركية (36) .
إثر ذلك أصدرت القوات البريطانية أمرا بوقف التجول في نيقوسيا و باقي القرى المجاورة، وتم إلقاء القبض على 2000 قبرصي يوناني وضعتهم في معسكر الاعتقال لتهدئة الوضع(37).
بالنسبة لبريطانيا كانت تكلفة البقاء قي قبرص في ارتفاع مستمر، لذلك اقترح رئيس لوزراء البريطاني ماكميلان إعطاء الجزيرة الحكم الذاتي، مع احتفاظ بريطانيا بإدارة الشؤون الخارجية والأمنية للجزيرة، وتكوين مجلس تنفيذي لتسيير الجزيرة، يضم الحاكم البريطاني كرئيس و4 وزراء من القبارصة اليونان و2 من الأتراك، بالإضافة إلى مجلسين منفصلين: الأول للأغلبية اليوناني والثاني للأقلية التركية يختص كل منهما بشؤون طائفته أما الوضع النهائي في الجزيرة فلا يمكن دراسته إلا بعد انقضاء المدة أي 7 سنوات، غير أن اليونان رفضت المشروع على لسان ماكاريوس(38).
لقد تسبب النزاع القبرصي بأزمة حادة بين تركيا و اليونان، وبريطانيا الأمر الذي أدى إلى إضعاف الجبهة الجنوبية لحلف الناطـو، لاسيما أن الاتحاد السوفيتي سعى جاهدا للتدخل في القضية هذا ما دفع الو.م.أ إلى الضغط على تركيا و اليونان للوصول إلى تسوية، ونتيجة لذلك اجتمع مندوبهما في ديسمبر 1958 م لتكون أول اتصالات دبلوماسية جادة حول القضية، وبعد تبادل النقاش اتفقوا على أرضية مفاوضات تستبعد الضم Enosis و التقسيم Taksim كما اتفقا على استئناف المحادثات في أثينا وأنقرة (39).
بعد اتصالات دبلوماسية كثيفة تقابل رئيسا الوزراء التركي و اليوناني بزوريخ في 5 فيفري 1959 وبعد 6 أيام من المفاوضات المستمرة اتفقا على إقامـة جمهورية قبرص المستقلة، وعلى أسس النظام السياسي القبرصي و توزيع السلطات بين الجماعتين داخله و التي أدمجت في دستور 1960، كما اتفقا على أن تحتفظ بريطانيا بالسيادة على قاعدتيها العسكريتين في الجزيرة، بعدها ذهب إفيروف و زورلو" وزيرا خارجية اليونان و تركيا إلى لندن لعرض المشروع على بريطانيا، عندها وجدت بريطانيا نفسها مرغمة على المصادقة على التسوية لاسيما أن الو.م.أ حثت بقوة على ذلك لتحرم بريطانيا عام 1959 من آخر مستعمرتها(40).
في ظل الضغوطات الداخلية و الخارجية، و نظرا لتراجع نفوذها في الشرق الأوسط بعد تأميم قناة السويس، أقرت بريطانيا في لندن1959 بأنها على استعداد لإعطاء قبرص استقلالها، تم بعدها استدعاء زعيما القبارصة كوجوك و ماكاريوس للمصادقة على الصيغة النهائية للاتفاقية، ليعلنا رسميا عن قيام دولة قبرص المستقلة، فهل يعني استقلال قبرص أنها ستصبح دولة ذات سيادة ؟ وكيف سينعكس استقلال قبرص على مصالح تركيا و اليونان و بريطانيا في الجزيـرة ؟
3. استقلال قبرص و تقنين التدخل الخارجي
قدم رئيس وزراء بريطانيا دعوة إلى نظريه اليوناني والقبرصي للحضور إلى لندن في 15 فيفري 1959 لوضع الشكل الأخير للتسوية، حيث دعت اليونان من جهتها ماكاريوس وتركيا كوجوك لإمضاء بسم طوائفها في 19 فيفري 1959، وقد تم توقيع الوثائق الخاصة بميلاد الدولة في قصر لانكستر ليصبح ماكاريوس أول رئيس لدولة قبرص و كوجـوك نائبـه(41).
كان لهذه الاتفاقيات أثر كبير على مسار النزاع القبرصي، فقد أوجدت الدعم القانوني الذي يسهل على تركيا و اليونان و بريطانيا التدخل في المنطقة، حيث جاء في اتفاق لندن 15 فيفري 1956م مـا يلـي:
1. اعتبار مؤتمر زوريخ قاعدة أساسية لتسوية المشكلة القبرصية؛
2. عقـد معاهـدة ضمانـة بيـن تركـيا، اليونـان و قبـرص؛
3. عقـد معاهـدة تحـالف بين قبـرص، اليـونان، و تركـيا؛
4. كما تم الاتفاق على تعيين ثلاث لجان تتكفل بصياغة الدستور القبرصي و وضع شروط نقل السلطات بعد 12 شهرا ابتداء من يوم 19 فيفري 1959 كأقصى أجل؛
5. تصريح بحق بريطانيا في امتلاك قاعدتين عسكريتين على الجزيـرة (42) .
و في 16 أغسطس 1960 صادقت القوى الخارجية الثلاثة على معاهدة الضمان ، التي أعطيت بموجبها حق التدخل العسكري في الجزيرة للحفاظ على الوضع الراهن (43)، بعد أن تخلت اليونان عن مبدأ الإينوسيس و تركيا عن فكرة التقسيم و أكدا الطرفان على استقلالية الجزيرة كما أقرا الأسس التـاليـة:
- تتولى جمهورية قبرص صيانة استقلالها و وحدتها الإقليمية و أمنها، و تتعهد بعدم انضمامها سواء كليا أو جزئيا إلى أي دولة أخرى وعدم تقسيم إقليمها؛
- تتعهد اليونان و تركيا و بريطانيا بضمان استقلال الجمهورية القبرصية و أمنها و بمنع أي نشاط مباشر أو غير مباشر يهدف إلى اتحاد قبرص مع أي دولة أخرى أو تقسيم الجزيرة ؛
- كما تتعهد تركيا، اليونان و قبرص باحترام حق بريطانيا في الجزيرة ؛
- في حالة خرق هذه النصوص للدول الثلاثة حق التدخل للحفاظ على الوضع الراهن (44).
ثم جاءت معاهدة التحالف في نفس التاريخ لتزيد في ربط قبرص بأهداف الأطراف الثلاثة لاسيما بريطانيا و تركيا حيث نصت على ما يلــي:
- تحتفظ كل من تركيا و اليونان بقوة عسكرية على الأراضي القبرصية قدرها 950 جندي يوناني و 650 جندي تركي )، أما بريطانيا فتحتفظ بكامل سلطاتها على قاعدتيها العسكريتين؛
- التشاور والتعاون في إطار الدفاع المشترك؛
- مواجهة أي عدو مباشر أو غير مباشر يمس سيادة قبرص؛
- تكوين قيادة عليا في قبرص لتحقيق أهداف التحالف ( يتداول قيادتها ضابط يوناني تركي وقبرصي على التوالي) (45).
من الواضح أن نصوص هاتين الاتفاقيتين تخدم تركيا و بريطانيا أكثر من اليونان، فحق الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين، وحق التدخل في الشؤون الداخلية لقبرص يرجع بالمنفعة على بريطانيا و تركيا، كذلك البند الذي يؤكد على مواجهة أي عدوان يمس سيادة قبرص، إنما موجه أساسا ضد اليونان التي تهدف إلى ضم الجزيرة، فما الذي دفع اليونان إلى قبول هذه الاتفاقية خاصة و أنها تسمح بنفوذ تركي و بريطاني على الجزيــرة ؟
بالنسبة لليونان كانت بريطانيا هي الحاجز الأول أمام ضم قبرص إليها، لذلك كانت إزاحتها من الجزيرة تمثل هدفا أساسيا لتحقيق الـEnosis ، فبريطانيا قوة عظمى ولا مجال للمجابهة العسكرية معها وهي في نفس الوقت حليف مهم لليونان ضد الزحف الشيوعي، لذلك كانت الاتفاقيتان مقبولتان ما دامتا تضمنان خروج بريطانيا بجيشها الثقيل من الجزيرة، أما عن ما تبقى من الامتيازات فيمكن حسمها دبلوماسيا خاصة أن دخول قبرص إلى الأمم المتحدة سيعطيها شرعية أممية تقف بها ضد التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
في حين لم تكن تركيا تمثل بالنسبة لليونان منافسا قويا على الجزيرة لاسيما أنها لم تتدخل في القضية إلا بتشجيع من بريطانيا وبالتالي كما استغنت تركيا على جزيرة كريت ( التي كانت تضم جماعة تركية كبيرة ) فإن القبارصة اليونان سيجبرونها كذلك على التنازل عن قبرص(46).
أما القبارصة اليونان فقد قبل ممثليهم بالاتفاقيتين على لسان ماكاريوس لنفس الدوافع فالاستقلال سيزيد من فرص ضم قبرص إلى اليونان ، رغم أن الجماهير رفضتها بحجة أنهم لم يشاركوافي وضعها(47).
في حين اعتبر القبارصة الأتراك الاتفاقيتين خطوة جريئة لحمايتهم من اليونان و قبارصتها لاسيما أنه أصبح لتركيا الحق القانوني في التدخل، بالإضافة إلى أنهم لم يعاملوا كأقلية و حققوا مكاسب كبيرة في النظام السياسي القبرصي من خلالها(48).
احتفل القبارصة بالاستقلال و بإطلاق سراح 2000 معتقل، و رجوع ماكاريوس بعد 3 سنوات من النفي، بعدها بدأ الجيش البريطاني في الانسحاب، إلا أن بريطانيا لم ترضى فقط بالاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين، بل دخلت في مفاوضات طويلة و معقدة مع الحكومة القبرصية حول توسيع صلاحياتها على قبرص و ظفرت بالعديد من الامتيازات كاستعمال مطار فاماجوتا و نيقوسيا(49).
بعدها وضعت الدول الضامنة (تركيا ، اليونان، و بريطانيا) الدستور القبرصي ومن دون استشارة القبارصة أنفسهم هذا ما دفع مبعوث الأمم المتحدة Galo-Plaza إلى وصفه بأنه مثال للشذوذ الدستوري ! ! Bizarrerie constitutionelle”"(50) حيث نص على ما يلي:
- قبرص جمهورية ذات نظام رئاسي، يحكمها رئيس يوناني ينتخب من طائفته، و نائبه تركي ينتخب هو الآخر من طرف طائفته ؛
- يكون للرئيس و نائبه حق الفيتو – وبشكل منفصل- على كل قرار يتعلق بالشؤون الخارجية باستثناء المشاركة في المنظمات الدولية و مواثيق التحالف التي تكون تركيا و اليونان أعضاء فيها
- يتكون مجلس النواب (البرلمان) من 55 نائبا 35 نائب يوناني ، و15 نائب تركي ، لا يخضع المجلس للتغيير مهما حدث تغيير في عدد السكان ، يصوت على القوانين بالأغلبية البسيطة في الغرفتين ؛
- اللغات الرسمية هي التركية و اليونانية؛
- لكل جماعة مجلسها الطائفي المنتخب، الذي يفرض الضرائب والرسوم على طائفته ويحظى باختصاصات هامة في التعليم والثقافة والأحوال الشخصية؛
- تتكون الإدارة من 70% قبارصة يونان و 30% قبارصة أتراك؛
- يتكون الجيش من 40% قبارصة أتراك و 60% قبارصة يونان؛
- يمنع اتحاد قبرص مع أي دولة أخرى؛
- يحكم مع الرئيس مجلس الوزراء يتكون من 10 أعضاء ، يختار الرئيس 7 من وزرائه و نائبه 3(51).
من الملاحظ أن الدستور قد وضع نظاما سياسيا غير منسجم، أو بالأحرى وضع نظامين سياسيين، فتوزيع القوى داخل النظام شبه متساو بين القبارصة الأتراك و اليونان لاسيما فيما يخص حق الفيتو الذي يمثل العائق الرئيسي أمام عمل الهيئة التنفيذية، ومثل هذا النظام لا يصلح إلا في الدول التي تعرف انسجاما اجتماعيا، وسياسيا خاصة بين النخب الحاكمة، وهذا ما لا يتوفر في حالة قبرص، فلماذا تم صياغة هذا الدستور على هذا الشكل ؟
ترجع هذه الصيغة للدستور إلى رغبة بريطانيا واليونان الحفاظ على عدم الاستقرار في الجزيرة، فبالنسبة لبريطانيا عدم الاستقرار يعني استمرار وجودها كقوة حافظة للسلام، في حين أن عدم الاستقرار هو المناخ الملائم- بالنسبة لليونان - الذي يزيد قوة الشعور الوطني، و يساعد على ضم الجزيرة، على غرار ما حدث في جزيرة "كريت" أين كان عدد الأتراك فيها أكبر من عددهم في قبرص ومرت بدساتير أكثر تعقيدا فرضت من طرف قوى خارجية، هذا ما أثار الحرب العرقية عام 1821 و 1856 1878، 1896، 1897 حتى تم ضمها أخيرا لليونان عام 1913، و كذلك جزيرة Samos و (52)Lemos.
أما تركـيا فقد ساندت الدستور لكونه يعطي قبارصتها العديد من الامتيازات الأساسية، أهمها أنهم لم يعاملوا كأقلية من جهة أخرى يمنع ضم الجزيـرة لليونان، وهـذا نفسه ما دفع القبارصة الأتراك إلـى قبولـه.
في حين أن القبارصة اليونان قبلوا الدستور على أن يكون خطوة أولية للاستقلال ستتبعها تغييرات مستقبلية ، فقد كان موقفهم بمثابة تكتيـك دبلوماسـي.
وهكذا كان هدف كل القوى الخارجية من وضع الدستور القبرصي هو الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية بغض النظر على الانعكاسات السلبية التي قد تعود على الجماعات الطائفية، فلم تمضي 3 سنوات على قيام الجمهورية حتى كشفت عن هشاشة مؤسساتها، ومدى عجز الدستور المؤسس على الاتفاقيات الخارجية على حل الأزمة الداخلية و فرض التعايش السلمي بين القبارصة و استمرت التفجيرات و الصدامات العرقية ، ونظرا للفيتو القبرصي التركي وجدت حكومة ماكاريوس نفسها عاجزة على تسيير شؤون الدولة فاقترح ماكاريوس القيام بتعديلات دستورية عام 1963 ، الأمر الذي أدى إلى صدامات عرقية عنيفة تبعها انسحاب القبارصة الأتراك من النظام السياسي، عندها حاول ماكاريوس مرارا تهدئة الوضع إلا أن التدخل اليوناني كان دوما يمثل حجر عثر أمام مبادراته، حيث كانت اليونان من جانبها تخلق سلطة موازية في قبرص بواسطة المنظمات الوطنية المسلحة النشطة على الإقليم القبرصي، والتي استهدفت بقوة القبارصة الأتراك، وتحولت فيما بعد إلى معارضة مسلحة ضد حكم ماكاريوس انتهت بانقلاب 1974 م .
مبحــث الثانــي
اليونان والانقلاب العسكري في قبرص
لقد كان الهدف الأساسي من كفاح أغلبية القبارصة اليونان ضد الحكم البريطاني هو الانضمام إلى اليونان أو تحقيق "Enosis" (*)، ونظرا للأهداف التركية والبريطانية في الجزيرة، فقد كانت المطالبة بالاستقلال هي خطوة تكتيكية للوصول إلى "الإينوسيس" Enosis ” "، و بعد أن استقلت "قبرص" من بريطانيا كانت اليونان تعتقد أن القضية حسمت وأن الجزيرة قد ضمت مبدئيا إليها، غير أن التحولات التي أعقبت استقلالها في ظل حكم "ماكاريوس" أظهرت العكس تمام، فبعد انفجار النزاع العرقي مجددا عام 1963 و 1967 بدت سياسة "ماكاريوس" تميل إلى الاستقلالية، وتزداد بعدا عن اليونان الأمر الذي دفع هذه الأخيرة إلى تنظيم الانقلاب على حكمه و تنصيب نظاما مواليا.
1.ماكاريوس و الحياد اتجاه القوى الإقليمية
لقد برهن النظام الدستوري الذي وضعته الدول الضامنة عن عجزه، فقليلة هي القضايا التي يتفق فيها الرئيس اليوناني ونائبه التركي، عندها صرح ماكاريوس بشأن الدستور و الاتفاقيات عموما عام 1963 قائـلا " إن هذا الاتفاقيات لم تعبر عن رغبة شعب قبرص ، لقد فرضت علينا من الخارج و رفضنا لها هو رفض للاستغلال و إراقـة الدماء "1 وفي تصريح آخر قال " إن جمهورية قبرص نشأت من اتفاقيتي زوريخ و لندن و لكن مستقبلها يجب أن يتحدد طبقا لإرادة شعبها و بالتالي يجب أن يعدل الدستور و تلغى المواد التي تشل النظـام" 2.
لذلك تقدم ماكاريوس إلى نائبه التركي بـ 13 اقتراح لتعديل الدستور القبرصي، وهذا ما يبين أن موافقة القبارصة اليونان على الدستور الوهلـة الأولى لم تكن إلا تكتيك الغرض منه التخلص من الوجود البريطاني على الجزيرة، حيث أكدوا بعدها أن هذا الدستور ليس عادل فهو يهمل العامل الديمغرافي في توزيع القوى داخل النظام السياسي القبرص (3)، فقد حصل القبارصة الأتراك من خلاله على حقوق تفوق نسبتهم فهم لا يمثلون سوى 18 % من سكان الجزيرة إلا أنهم حصلوا على 30% من المناصب العمومية و40% من الجيش القبرصي، و كان هذا التوزيع نابعا عن رغبة بريطانيا في الحفاظ على التوتر داخل الجزيرة لضمان نفوذها، فرجوع الاستقرار سيهدد المكاسب البريطانية العسكرية على رأسها القاعدتين العسكريتين، وباقي الامتيازات الأخرى ، يقول أحد الباحثين " قد يكون لهذه النسب بعض الضمان للأقلية التركية …إلا أنها في الواقع كانت البدرة التي وضعتها بريطانيا بعناية في أرض قبرص حتى تضمن أن هناك شقاق دائم بين الطائفتين وبالتالي يلجأ كل منهما –كالعادة- إلى القواعد البريطانية طالبا العون …"(4) .
لم تكن النقاط 13 التي تقدم بها ماكاريوس تعديلات بقدر ما كانت دستورا جديدا حيث مست البنود الرئيسية رغم أن المادة 182 من الدستور القبرصي تنص على أنه "لا يمكن تعديل البنود الرئيسية بأي شكل "(5).
وقد شملت هذه التعديلات زيادة عدد أفراد قوات الجيش القبرصي، وهذا ما يعارض المادة 129 من دستور 1960، كذلك قانون الشرطة والأمن الداخلي و الضرائب، و ألغى حق نائب الرئيس التركي في الفيتو على قرارات الرئيس كما أضيف عام 1965 م قانون توحيد الانتخابات (6).
ثم بعث ماكاريوس برسالة إلى بريطانيا يعلن فيها عن عدم اعترافه بالخط الفاصل بين القرى اليونانية و التركية، كما أرسل إلى كل من تركيا و بريطانيا يعلمهما بنبذه لاتفاقية التحالف الموقعة بين الأطراف الثلاثة و قبرص، و كرد على ذلك أكدت له بريطانيا بأنه لا يمكن إلغاء المعاهدة من طرف واحد لأن المادة 181 من الدستور القبرصي تتضمنها، عندها بدأ الحذر من شخصية ماكاريوس و سياسته الجديدة يظهر في مواقف القوى الضامنة (7) .
حاول ماكاريوس عن طريق هذا التعديل الدستوري سحب قبرص من الصراع الإقليمي و كف التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، حيث اعتبره أحسن بديل لوضع تسوية دائمة للنزاع العرقي الدائر في قبرص، فلو سحب الدعم التركي البريطاني للأقلية التركية ، لما وجدت بدا من قبول وضعها كأقلية في ظل المجتمع القبرصي اليوناني، أما عن الانضمام إلى اليونان أو تحقيق مبدأ الـEnosis فقد اقتنع ماكاريوس بأن هذا المطلب سيزيد من تصلب كل من تركيا، وبريطانيا اتجاه القضية لذلك كان تحقيق الاستقلال عن القوى الإقليمية إحدى الثوابت الأساسية في سياسته الداخلية و الخارجية(
.
نددت تركيا بشدة ضد هذا التغيير، خاصة قرار التجنيد الإجباري الذي اتخذه ماكاريوس، من أجل تقوية الجيش الشعبي على الجيوش الأجنبية في قبرص حيث صرح عصمت أينونو " هذا القرار يخالف معاهدتي زوريخ و لندن و أن تركيا ستحمل على عاتقها حماية الأتراك في الجزيرة …"(9) كما هدد بالتدخل العسكري في الجزيرة حيث قال " إن دولتي ستحمي القبارصة الأتراك إذ لم يتيسر لهم الحفاظ على حقوقهم بالوسائل السلمية و الإجراءات الدولية الجاري اتخاذها و أن قرار التجنيد المذكور مخالف لاتفاقيات زوريخ و لندن" (10).
أما على مستوى الجماعات العرقية، أثارت هذه التعديلات النزاع ليبدأ التطهير العرقي من جديد في المدن اليونانية والتركية، حيث قام القبارصة اليونان بمجزرة "عيد الميلاد" عام 1963 التي قتل فيها العديد من المواطنين الأتراك، و رد القبارصة الأتراك بمجازر مشابهة في الشق الشمالي كما استمرت الصدمات العرقية لتشتد عام 1964 م، بعد رجوع الجنرال القبرصي اليوناني غريفاس إلى الجزيرة عام 1967 تزعمه للحركة الوطنية المسلحة (11).
عندها تأهبت تركيا للتدخل عسكريا في الجزيرة، إلا أن الضغط الأمريكي حال دون ذلك، حيث تلقى رئيس الوزراء التركي تحذيرا قويا من طرف "جونسون" يؤكد فيه بان تدخل تركيا في قبرص قد يكون ذريعة لتدخل الاتحاد السوفيتي في القضية عندها سيتخذ الناطو موقفا حياديا (12).
أما بريطانيا فقد أرسلت قوات عسكرية تعزز قواتها في قبرص، حيث صرح رئيس الوزراء البريطاني قائلا " إن تدخل بريطانيا في المشكلة القبرصية هو لمنع انفجار الحرب بين تركيا و اليونان وأن بريطانيا غير مستعدة لتحمل هذا العبء مدة طويلة"(13) .
لم تشارك اليونان على غير عادتها في صياغة خطة ماكاريوس حول التعديل الدستوري، حيث كانت منشغلة بالفوضى السياسية الداخلية التي جاءت بعد استقالة حكومة "جورج باباندريو" إثر حساسيات مع الملك، لتتوالى بعدها العديد من الحكومات الضعيفة، وبعد انتخابات 28 ماي 1967 عاد باباندريو وحزبه اليساري إلى الحكم و كرد على ذلك أعلن الجيش اليوناني انقلاب عسكري استولى من خلاله على السلطة(14).
رغم ذلك ندد النظام العسكري اليوناني بما قام به ماكاريوس و حمله انفجار النزاع العرقي و كأنه أراد معاقبته على عدم استشارته في القضية قبل القيام بها.
من جهتهم أنسحب القبارصة الأتراك من النظام السياسي القبرصي، وأعلنوا عن تأسيس إدارة انتقالية تتكفل بتسيير المدن التي تقطنها جماعتهم بزعامة نائب ماكاريوس السابق "فاضل كوجوك"والذي عين بدوره "رؤوف دنكطاش" كنائب له، و كرد على ذلك أرسل ماكاريوس إلى العديد من الدول يدعوهم إلى عدم الاعتراف بهذا الكيان الانفصالي الجديـد (15).
رغم أن "ماكاريوس" استطاع إلى حد ما و بمساعدة قوات حفظ السلام تهدئة الوضع، و فتح المفاوضات مع القبارصة الأتراك، إلا أنه ما لبث أن واجه انقساما آخر بين القبارصة اليونان أنفسهم إلى مؤيد لسياسته الداعية لاستقلال قبرص و مساند لسياسة "الاينوسيس" التي اتبعها الجنرال "غريفاس" وباقي الحركات الوطنية المتطرفة في قبرص الداعية للانضمام إلى اليونان على غرار NF الجبهة الوطنية التي بدأت في قصف محطات البوليس والجيش، والمنشآت البريطانية إلى جانب قتل الوزراء، و كل ذلك كان بدعم الجنرالات اليونانية التي أصبحت تقاسم تركيا و بريطانيا العداء لنظام ماكاريوس الذي يهدد مصالحهم في المنطقة .
2. الضغط اليوناني على نظام ماكاريوس
إذا كان ماكاريـوس قد أثار عداء كل من بريطانيا و تركيا بإلغائه للدستور القبرصي و اتفاقيتي الضمانة و التحالف، وانتهاجه للسياسة الاستقلالية، فإنه ما لبث أن أثار كذلك عداء اليونان " الدولة الأم" من خلال رفضه تطبيق سياسة "الإينوسيس" أي ضم قبرص إلى اليونان، عندها بدأ نظام الطغمة العسكرية في إثارة القوى السياسة الداخلية لإسقاط نظامه و وضع آخر موالي لأثينا .
استمر ماكاريوس في الإصلاحات الدستورية التي بدأها حيث عدل قانون الانتخابات وقام بتوحيدها بعد أن كانت مزدوجة، كما أصدر البرلمان القبرصي قانونا يعيد تقسيم الوظائف العمومية والعسكرية بطريقة تختلف عن ما ورد في دستور 1960 (16)، وكشف عن سياسته الجديدة في خطاب موجه لحكومة أثينا قائلا : " على الحكومتين