المحاضرة الثامنة: الفكر السياسي للتيار الفوضوي

المحاضرة الثامنة:
الفكر السياسي الفوضوي
01- مفهوم الفوضوية
تعبرالفوضويةAnarchism عن الاعتقاد القائل بأن كل شكل من التنظيم والحكومة عمل لا أخلاقي،وأن كل قيد يفرضه شخص على آخر شر يجب تدميره والتخلص منه.
ترجع الفوضوية في التاريخ إلى الأزمنة القديمة، حيث تتحدث أساطير معظم الأمم عنعصر ذهبي من الحرية، سبق وجود الحكومة المنظمة، ولقد ظهرت الفوضوية أيضًا بين المجموعات النصرانية الأولى.
افترضت الفوضوية نظامًا اجتماعيًا يرتكز على الملكية العامة والاتفاقات الحرّة، ولكن اختلف أتباعها فيما بينهم في الطرق والأشكال.
تجد الفوضوية كنزعة فلسفية وحركة سياسية إطارها العام في مصطلحين:
- الفوضى Chaosأحد حقول العلم الذي يدرس السلوك المعقد وغير المنتظم للعديد من النظم في الطبيعة، وتتضمن النظم أو الأفعال التي تُبدي سلوكًا فوضويًا، كما تتضمن تغيرأنماط الطقس، واصطدام كرات البلياردو بعضها ببعض، والتدفق المضطرب للسوائل، ومدارات الجسيمات في حلقات زحل وغيرها،اعتقد العلماء في وقت من الأوقات أن في وسعهم، إذا ماتوفرت لديهم المعلومات الكافية، الإدلاء بتنبؤات دقيقة تتعلق بهذه النظم، غير أن علم الفوضى يبين أن التنبؤ بالسلوك على المدى الطويل أمر صعب في النظم الفوضوية.
- العَدَمِيّة Nihilismالاسم المستخدم لوصف عدة آراء فلسفية وسياسية سلبية متطرفة، واستخدمت العدمية بصورة أكثر اتساعا لتشير إلى كل تحد للسلطة، و وقد ظهرت لفظة عدميلأول مرة، بوصفها استخداما شائعا في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي في روسيا،وكانت تُطلق على المتطرفين المناوئين للقيصر، الذين ارتكبواأعمالا إرهابية ضد الحكومة
02- رواد الفكر السياسي الفوضوي
ظهر الفكر السياسي الفوضوي في القرن التاسع عشر، وخاصة في النصف الثاني منه، ولقد أخذ اتجاهين متمايزين ، بالرغم من الأصل والاعتقاد المشترك، في ضرورة التخلص من كل الأطر التنظيمية والمؤسسية، والتمرد ضد كل سلطة.
01- الفكر السياسي ل برودون 1809/1865م
يعدبيير جوزيف برودون Pierre Joseph Proudhon (1809-1865 م)أحد رواد الاشتراكية، حيث نشر مؤلفه: مقالة حول القواعد العامة سنة 1837، ثم مقالة بعنوان ما الملكية الخاصة ؟ سنة 1840 م ، والتي أظهرت اشتراكيته المتطرفة حيث ذكر أن الملكية سرقة.
اصطدم برودون بسبب نشاطاته الفكرية والسياسية بالحكومة الفرنسية، وقضى بسبب ذلك سنوات في السجن و المنفى، كما أنه كان متحمسا لفكرة الحرية والعدالة والمساواة،وانطوت فكرته عن الحرية على رفضه كل سلطة –سواء سلطة الدولة أو الكنيسة- ما عدا سلطة الأسرة،وبخلاف كثير من الكتاب الاشتراكيين لم يكن يرى أي فائدة لسلطات الحكومة.
احتقر برودون النظام الديمقراطي حيث كتب سنة 1851 :
الديمقراطية كلمة وهمية تعني حب الشعب، حب الأولاد، و لكنها لا تعني حكم الشعب، ويقول في موضع أخر: الديمقراطية الحقة هي تثقيف الشعب ،كما أنه شعر بكره كبير ضد المركزية البيروقراطية ،وانتقد بشدة روسو في كتابه العقد الاجتماعي.
أمن برودون بمجتمع فوضوي دون حكومة، يتم فيه استبدال السلطة السياسية بالتفاهم الحر بين العمال ،وفي رأيه أن هذا المجتمع يجب أن يعمل بعقود(  عقد الأحرار)، ويجب أن تقوم هذه العقود على التوافق الطوعي بين أناس أحرار و متساويين ، وهذه العقود بنظره ستنشئ نظاما  يقوم على الحقوق و الواجبات المتبادلة ،ما يفضي إلى العدالة.
حث برودون على المساواة، إلا أنه اعتقد بوجود أجناس وضيعة لا يجب أن تستفيد من هذه المساواة، وفي جانب آخر لم يعتقد بالمساواة الطبيعية بين الرجل والمرأة، وهو ما دفعه إلى معارضة منح النساء مزيدا من الحقوق الاجتماعية.
ناصر برودون فكرة الثورة قائلا :
إن الثورات هي المظاهر المتتالية للعدالة في البشرية، وهذه العدالة هي الاحترام المتحقق عفويا، والمضمون بصورة متبادلة اتجاه الكرامة الإنسانية المهانة لدى شخص  ما، و في أي ظرف.
دعا برودون إلى الإقراض بلا قيود، و أسس في سبيل فكرته ما سماه بنك الشعب، وكسب البنك حوالي 27,000 مشترك، لكنه اضطر إلى تصفيته لمشاكل سياسية وتنظيمية واجهته، و تبعا لمنظوره الاقتصادي رأى أن السياسة في الاقتصاد السياسي.
حث برودون في بعض أعماله على التعاون بين العمال وصغار الملاك. فقد اعتقد أن مثل هذا التعاون سيكون أدعى إلى إرساء قواعد الحرية، والعدالة والمساواة من أيإجراء حكومي.



الفكر السياسي ل ميخائيل باكونين(1814/1878م)
يعد ميخائيل ألكسندر روفيتش باكونين Mikhail Bakunin(1814- 1876م) رائد ما سمي الفوضوية الإرهابية والتي ظهرت خلال القرن 19 في روسيا، حيث اعتقد أتباعه بفكرة استخدام العنف والإرهاب للإطاحة بالحكومة.
اعتقد باكونين بضرورة تحقق عالم جديد بلا قوانين هو العالم الحر، إلا أنه في كتابة دستور الأخوة الدولية(1864/1867) يضع الفرد في مركز ثانوي بالنسبة لللجنة المركزية، و تمنى أن يرى في روسيا سلطة ديكتاتورية قوية، كما حلم بقيام إمبراطورية سلافية، و هو ما تحقق فيما بعد من طرف جوزيف ستالين.
رأى باكونين أن الثورة عمل شعبي تلقائي ينبعث من وعي الجماهير، و هو عمل معظمه خيال، والباقي واقع وتنظيم، و الثورة ليست إلا العنف ، و لا مجال في ممارستها لأية مفاوضة أو تسوية أو مهادنة، كما أن آفاقها غير محدودة.
ناقض باكونين ماركس في العديد من قضايا الثورة، ففي الوقت الذي كان فيه كارل ماركس يرى أن الأسلوب الثوري هو أسلوب علمي واقعي، كان باكونين يرى أن الأسلوب الثوري يظهر في تحريض الجماهير على القيام بأعمال إرهابية ليس إلا ، و بذلك اكتسبت ثورية باكونين صفة الفوضوية الإرهابية.
أعلن باكونين يأسه من الطبقة البورجوازية، و ثقته بالفلاحين و الشباب و العمل قائلا:
إنني لا أثق إلا في الطبقة العاملة في أوربا الغربية، كما أثق في الفلاحين و الشباب المتعلم في روسيا.
رفض باكونين فكرة الدولة من أي نوع كانت، بل إنه دعا إلى القضاء عليها، فبرأيه الدولة تتعارض مع مبدأ الحرية، و في ذلك يقول:
إن الدولة تستبعد الناس و تضطهدهم و تستغلهم، و تقضي عليهم بالحرمان تحت ستار تموينهم و تقويمهم ، إنني أطالب بتنظيم المجتمع و الملكية الجماعية و الاجتماعية من أسفل إلى أعلى ،عن طريق الاتحاد الحر وليس من أعلى إلى أسفل بأي نوع من أنواع السلطة.
إن تناقض الفوضوية مع الماركسية لا يعود إلى اختلاف مصادرها ، بل إلى وحدة المصدر و هو التفكير الهيغلي، و لكن هذا الأخير سلك تيارين:
تيار فيورباغ، شترنر و باكونين و تيار ماركس و انجلز و لينين و لقد كان التيار الأول امتداد تطوريا للتفكير الهيغلي، بينما التيار الثاني كان تخطيا لهذا التفكير، و خلقا لمفاهيم و اعتبارات جديدة ،إنه التيار الماركسي.

شكرا لك استاذ و جزاك الله خيرا

في انتظار اصلاح الخلل في المنتدى