منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Empty
مُساهمةموضوع: المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية    المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyالأحد نوفمبر 11, 2012 6:41 pm

المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية

مقدمة:
استخدمت العديد من المداخل لتفسير الصراع الاثني في عالم يسعى إلى التحديث. أحد المداخل يقول بان الهويات الاثنية و الدينية للشعوب لها أسس اجتماعية و تاريخية و جينية عميقة. هذا المنظور والمسمى أحيانا بالتفسير الطبيعي يرى أن التحديث يشكل تهديدا للتضامن الاثني مما يحفز الأقليات لأن تتكتل للدفاع عن نفسها.
تفسير آخر هو التفسير الذرائعي الذي يفترض في الأهداف السياسية لأي جماعة أن تكون مكاسب مادية و سياسية و يتم استحضار الهوية الثقافية كوسيلة للحصول على تلك المكاسب.في هذا المنظور التأثير الأكثر أهمية للتحيث هو زيادة الفروق الاقتصادية أو الوعي بالفروق بين الجماعات المسيطرة والأقليات، وهو ما يراهن عليه المنظمون السياسيون لتأسيس حركات سياسية اثنية تهدف إلى الارتقاء بالوضع السياسي أو الاقتصادي لجماعتهم أو منطقتهم.أحد إفرازات هذا المنظور ما يسمى الاستعمار الداخلي و الذي اهتم بتفسير الحركات الانفصالية الإقليمية كأحد أشكال الصراع الاثني المتنامي في المجتمعات الأروبيةالمتقدمة كالحديث عن سكان ويلز و اسكتلندا في بريطانيا، سكان كورسيكا في فرنسا، إلباسك في اسبانيا.

يؤكد كل من التفسير الطبيعي و التفسير الذرائعي على عوامل مختلفة في تفسير الصراع الاثني، فالأول يؤكد على الدفاع عن الهوية الاثنية،و الثاني يؤكد على تواصل المصالح المادية و السياسية للجماعة. و لكنهما ليسا متعارضين تماما، فالنظريات الحديثة تقول بأن الجماعات الاثنية يتم تعبئتها عندما تجتمع كلتا المجموعتين من الظروف، فالشعوب ذات الجماعات الاثنية المختلفة و تتنافس على نفس الموارد و الوظائف المحدودة تبح هوياتهم الاثنية أكثر أهمية بالنسبة لهم، و تعتبر تعبئة الجماعات الاثنية أحد المحفزات الرئيسية للأفعال السياسية المستخدمة لخلق المطالب تجاه الحكومات و يعتمد مدى و كثافة الصراع الناتج على الاستراتيجيات التي يتبعها قادة تلك الجماعات و تلك التي تتبعها حكومات الدول المنتمية لها هذه الجماعات.

و سوف أحاول من خلال هذه الورقة تحديد مفهوم الاثنية و علاقته ببعض المفاهيم اللصيقة به،تفصيل مختلف المداخل المعتمدة في دراسة و تحليل الصراعات الاثنية، وأخيرا التطرق الى المؤشرات المختلفة المعتمدة في التعبئة الاثنية.






مفهوم الاثنية و علاقته بغيره من المصطلحات:
يثير مفهوم الصراع إشكالية في التعريف،فهناك من يعرفه بأنه تنازع للإرادات، وهو تنازع ناتج عن الاختلاف في الدوافع و التصورات و الأهداف و التطلعات و الإمكانات،بما يؤدي في النهاية إلى اتخاذ قرارات و إتباع سياسات تختلف أكثر ما تتفق(1). أما معجم المصطلحات السياسية فيعرف الصراع بأنه نوع من التفاعل يتسم بالمواجهات العدائية،أو بتصادم المصالح،أو السياسات أو البرامج أو الأشخاص. والصراع السياسي له مظاهر عديدة تتراوح ما بين التعبير الفظي عن الخلالاجتماعية،رك الجسدية.و عادة ما يسكن الصراع داخل المجتمعات بوسائل غير سياسية مثل الضغوط الاجتماعية، أو وضع قيود اقتصادية، أو أنه يحل عن طريق مبادرات الجماعات الخاصة.أما الصراعات الحادة التي تهدد استقرار المجتمع أو التي قد تؤدي إلى انتشار العنف أو ارتفاع درجته،فإنها عادة ما تتطلب تدخل الحكومة(2). وتزداد المسألة تعقيدا إذا ما كانت الحكومة طرفا في هذا الصراع أو تدعم أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر، وهنا قد يتوجب الاستعانة بطرف آخر يقوم بدور الوساطة بين الأطراف المتصارعة.

لكن تنازع الإرادات و التعبير اللفظي عن الخلاف قد لا تكون مؤشرات واضحة لوجود الصراع، بل هناك من يرى إمكانية تعريف الصراع بأنه إتباع طرفين أو أكثرلأهاف متعارضة في آن واحد. و الصراع بهذا المعنى يدور حول:
- محاولة الحصول على الشيء، و مثال ذلك الصراعات التي ثارت بين الدول الاستعمارية في سعيها لاحتلال مناطق استخراج المواد الخام.
- محاولة استعادة شيء.وذلك كالصراع الذي خاضته مصر لاستعادة شبه جزيرة سيناء من أيدي القوات الإسرائيلية.
- محاولة حماية شيء و إبقاءه تحت السيطرة.مثل الصراع الباكستاني الهندي الذي تسعى الهند فيه لإبقاء كشمير تحت سيطرتها.
- إنكار شيء للطرف الآخر.و ذلك كسعي الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على منابع النفط العراقي و إنكاره أو منعه عن روسيا.
أما عن مفهوم الاثنية فهناك مجموعة من المفاهيم التي يبدو ظاهريا تقاربها في الدلالة معه رغم وجود اختلافات بينها مما يتعين عليه التفرقة بينها و التعريف بكل مفهوم على حدة.تضم هذه المجموعة مفاهيم:العرقية،الأقلية،القبلية و القومية.

أولا: الاثنية:
شاع استخدام مفهوم الاثنية بين السياسيين و علماء الاجتماع و العامة في الغرب منذ الخمسينات من القرن العشرين،و منذ الستينات أصبح اللفظ يستخدم للدلالة على جماعة بشرية يشترك أفرادها في العادات و التقاليد و اللغة و الدين و أي سمات أخرى مميزة،كالأصل و الملامح الفيزيقية الجسمانية،و تعيش في إطار مجتمع واحد مع جماعة أو جماعات أخرى تختلف عنها في إحدى أو بعض هذه السمات(3).

كان الاستخدام الأصلي للمصطلح يشير إلى الخرافات الوثنية أو لعقيدة أي مجتمع لا يدين بالإيمان للعقيدة اليهودية أو المسيحية، و لكن استخدامه لأكثر انتشارا الآن يشير إلى الرغبة في إنماء أو استعادة أو الاحتفاظ بشخصية سياسية مبنية على أساس عرقي أو إقليمي.فهو مصطلح يشير إلى جماعة لا تعرف بالنظر إلى المؤسسات السياسية و لكن بالنظر إلى علاقات الدين أو اللغة أو الروابط الإقليمية السائدة بين أعضائها(4).

كان الاستخدام الأصلي للمصطلح يشير إلى الخرافات الوثنية أو لعقيدة أي مجتمع لا يدين بالإيمان للعقيدة اليهودية أو المسيحية، و لكن استخدامه الأكثر انتشارا الآن يشير إلى الرغبة في إنماء أو استعادة أو الاحتفاظ بشخصية سياسية مبنية على أساس عرقي أو إقليمي.فهو مصطلح يشير إلى جماعة لا تعرف بالنظر إلى المؤسسات السياسية و لكن بالنظر إلى علاقات الدين أو اللغة والروابط الإقليمية السائدة بين أعضائها(5).

تشير الموسوعة البريطانية للجماعة الاثنية إلى أنها جماعة اجتماعية أو فئة من الأفراد في إطار مجتمع أكبر تجمعهم روابط مشتركة من العرق،واللغة،و الروابط القومية أو الثقافية(6).لكن هناك تعريفات أخرى تركز على علاقات القوة في المجتمع،فترى الجماعة الاثنية على أنها تلك الجماعة التي تعرف نفسها و تعرف من جانب الآخرين على أساس أنها حائزة لمقومات ثقافية مختلفة عن الجماعات المسيطرة، الأمر الذي يؤثر في حقوقها في المساواة السياسية و الاجتماعية-الاقتصادية في محيطها الأشمل(6).

و لكي نطلق على جماعة مجتمعا اثنيا لا بد من تلاقي المعايير التالية:(7)

1- لا بد للجماعة من اسم، ذلك ليس أمرا تافها، لأن افتقار الاسم يعكس هوية جماعية غير مكتملة التطور.
2- لا بد أن يعتقد الأفراد في أصل مشترك لهم وذلك أكثر أهمية من الروابط الجينية التي قد تتواجد.
3- الاشتراك في تراث واحد،و هو غالبا ما يكون أساطير تتناقلها الأجيال شفاهة.
4- الاشتراك في ثقافة واحدة تقوم عادة على توليفة من:اللغة، و الدين و القوانين و العادات و المؤسسات و الزى و الموسيقى و الحلاف و العمار و الطعام.
5- لابد للجماعة من أن تشعر بارتباط لإقليم محدد قد تتوطن أو قد لا تتوطن فيه.
6- لا بد للأفراد أن يفكروا في أنفسهم كجماعة تسعى لتأسيس مجتمع اثني بمعنى الإحساس باثنيتهم المشتركة، فالجماعة لا بد و أن تكون مدركة لذاتها.






ثانيا: العرقية:
يشير مفهوم العرق أو السلالة إلى مجموعة من البشر يشتركون في عدد من الصفات الجسمانية أو الفيزيقية على فرض أنهم يمتلكون موروثات جينية واحدة.و هو مجرد مصطلح وصفي يبين الاختلافات التي ينقسم إليها بنو الإنسان(Cool.

أما مفهوم العرقية (العنصرية) فيشير إلى الاعتقاد بأن هناك صلة بين السمات الجسمانية العضوية و الثقافية وتفوق بعض السلالات على أخرى عبر روابط سببية بين السمات الفيزيقية الوراثية و الاجتماعية البيئية و تلك النظرة الاستعلائية.و لاقت هذه الرؤية رواجا في الكتابات الغربية و خاصة في الخبرة الألمانية و إن لم ينف ذلك خبرة العديد من المجتمعات البشرية الأخرى بمثل هذه النظرة الاستعلائية القائمة على أسس وراثية أو اجتماعية(9).

ويمكن القول إن الجماعة العرقية يكمن مناط تميزها عن غيرها في اعتقاد أعضائها أنهم ينتمون إلى أصل عرقي(سلالي) مشترك. و هي في ذلك تختلف عن الجماعة الاثنية التي تمثل فيها الأبعاد الثقافية و الدينية العنصر الأساسي في التعريف على الرغم مما قد ينبني على الروابط العرقية من أبعاد ثقافية و حضارية،و ما قد يتزامن مع الأبعاد الثقافية للاثنية من وحدة العرق أو اعتقاد ذلك(10).

ومن أمثلة العرقيات التي ليست اثنيات العرقية السلافية التي ينتمي إليها كل من الروس و الأوكرانيين و الروس البيض و الصرب،إلا أن كل جماعة منهم تشكل اثنية تختلف عن الأخرى.

ثالثا: الأقلية:
الأقلية هي جماعة تشترك في واحد أو أكثر من المقومات الثقافية أو الطبيعية، وفي عدد من المصالح التي تكرسها تنظيمات و أنماط خاصة للتفاعل و ينشأ لدى أفرادها وعي بتمايزهم في مواجهة الآخرين نتيجة التمييز السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي مما يؤكد تضامنهم و يدعمه(11).

يتسم مفهوم الأقلية بالمرونة و النسبية لأنه يتحدد في الأساس من خلال وضع جماعة معينة داخل دولة أو مجتمع م.كما أنه عرضة للتغيير باستمرار بفعل عوامل عديدة،كالاندماج أو الانصهار ضمن الأغلبية العددية في الدولة،أو الهجرة أو الارتحال عن الدولة إلى مناطق أخرى، أو بفعل التهجير ألقسري،أو بفعل الانفصال عن الدولة و تأسيس كيان مستقل أو الاندماج مع دولة أخرى مجاورة(12).

هنا و قد اهتمت الدراسات الغربية بدراسة الأقليات المسلمة لاعتبارات متنوعة ترتبط بطبيعة المناطق موضع الاهتمام.فقد اختلفت دوافع دراسة الأقليات المسلمة في الاتحاد السوفيتي السابق عن دوافع دراسة الأقليات المسلمة في غرب أروبا و الولايات المتحدة، فإذا كانت الأولى تبحث عن عوامل و مظاهر عدم الانصهار،ومن ثم الآثار المحتملة على تفكك الاتحاد السوفيتي ثم ل روسيا، فان الثانية اهتمت بعواقب عدم الاندماج لعلاج ما يسمى بأزمة الإسلام في عقر دار الغرب(13).


رابعا: القبلية:
تركز بعض التعريفات على أهمية روابط القرابة في القبيلة حيث ترى فيها الأساس الذي تقوم عليه الرابطة القبلية، و هي علاقة اجتماعية تعتمد على رابطة الدم الحقيقية أو المكتسبة.و بالتالي فان أفراد القبيلة أو تفرعاتها من عشائر أو أفخاذ أو بطون أو فصائل أو أس أو غيرها، إنما ينحدرون من نسب واحد.و غالبا ما تتخذ القبيلة موقعا أو إقليما لها،فتشكل رابطة الإقليم عاملا مضافا لعامل القرابة و المصاهرة،مما دفع بعض الباحثين إلى اعتبار القبيلة مجموعة اجتماعية حقيقية بسبب تمتعها بمركز ثابت قائم على إقليم معين(14).

تستخدم القبلية في الأبحاث الأنتروبولوجية للدلالة على التنظيم الاجتماعي القائم على القبيلة في الوقت نفسه على الشكل الذي تبرز فيه الهوية الثقافية و السياسية للجماعة المشكلة للقبيلة بالدرجة التي حافظت على وحدة قبلية ما رغم التفكك و التحول الذين أصابا تنظيمها الاجتماعي و القبلي من جراء الغزو الاستعماري و تشكل الدول الحديثة في المناطق المستعمرة سابقا. فالقبيلة هي وحدة سياسية تقوم على فكرة الانتماء لجد مشترك -حقيقي أو وهمي- دون أن يعني ذلك أن صلات القرابة بالدم تلعب على كل المستويات الاجتماعية دورا أوليا، إذ أن الأمر يختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى و من ثقافة إلى أخرى(15).

و يعرف معجم المصطلحات السياسية القبلية بأنها مفهوم مؤداه وجود حركة ما أو اعتقاد ما يكون مرتكزا على الدفاع عما يسمى قبلي، و الذي عادة ما يكون مخالفا لمصلحة ما هو أعم و أشمل.و القبليون يدافعون عن عادات و لغات وطقوس و تقاليد و نظم اجتماعية ضد أي محاولة - سواء حقيقية أو متخيلة - للتدخل من قبل قبيلة أخرى أو حتى من قبل الدولة(16).

ارتبط مصطلح القبيلة منذ وقت طويل بالقارة الإفريقية،إلا أن معظم دارسي إفريقيا الآن يظهرون تفضيلا واضحا لاستخدام مصطلح الاثنية،لأنه يحقق عدة مزايا منها:(17)
1- لا يفترض المصطلح مسبقا أي شكل خاص للتنظيم الاجتماعي أو مرحلة للتطور التاريخي،إذ يعترف فقط بوجود هويات خاصة مستمدة من اللغة المشتركة و الأصول الثقافية الواحدة.
2- بلائم المصطلح الدراسات المقارنة فيما وراء الحدود الإفريقية.


خامسا: القومية:

القومية مستمدة لغة من قوم وهم الجماعة من الناس تجمعهم جامعة يقومون لها، و قوم الرجل أقاربه و من يكونون بمنزلتهم تبعا له. و القومة: النهضة، ويقال: قاموا قومة واحدة. و التدقيق في هذا المعنى اللغوي يكشف عن سمتين في الجد اللغوي للمفهوم، السمة الأولى هي ارتباط القوم بالإقامة أي عنصر المكان، و ارتباطها كذلك بالقيام أي الفعل و الحركة من أجل هدف معين(18).

وحول هذين السمتين يدور تعريف معجم المصطلحات السياسية الذي يعرف القومية على أنها:(19)
1- عاطفة و ايديولوجية الارتباط بأرض أو وطن معين و بمصالح هذا الوطن أو تلك الأرض.
2- النظرية التي مؤداها أن كل دولة لا بد و أن تقوم بالارتكاز على أمة، و أن كل أمة لا بد و أن تتشكل في دولة ما بما يعني محاولة استخدام الحركة السياسية من أجل تحقيق الشخصية القومية.

والشخصية القومية لا يشترط لظهورها الصفة القومية فقط،فهي لا تتضمن فقط التكامل الإقليمي، و اللغة المشتركة والعادات و الثقافة الواحدة( و هي العناصر الضرورية في فكرة الأمة)، و لكنها تتضمن أيضا الوعي بذلك كله و أنه يشكل الأساس و الركيزة لحقوق و لتحالفات معينة متميزة من الحقوق و التحالفات السائدة في أمم أخرى،و هذا الوعي هو الذي يبرر التقارب بين أفراد الأمة.

يثير العنصر الثاني في التعريف السابق مسألة التمييز بين الاثنية و الأمة.حيث يعتبر مفهوم الأمة هو أكثر المفاهيم اقترابا و تشابها مع مفهوم الاثنية حتى انه يمكن القول إن جوهر المفهومين واحد و الاختلاف في الدرجة و النطاق،فمفهوم الاثنية أضيق نطاقا من مفهوم الأمة،و إن حمل نفس خصائصه و سماته(20).

ينصرف مفهوم القومية إذن إلى الشعور الجماعي بوجود ملامح مشتركة تاريخية، سياسية، عرقية، ثقافية، اجتماعية لدى أمة ما (بمعنى الأفراد و الجماعات)، و هو الشعور الذي من شأنه أن يحرك سلوك هذه الأمة و يعبئها لتحقيق أهدافها المنشودة في:الوحدة،الاستقلال،المكانة و الهيبة، النجاح السياسي و الاقتصادي(21).

عندما تكون هياكل الدولة ضعيفة فان القومية يحتمل أن تقوم على الاختلافات الاثنية أكثر من فكرة أن كل من يعيش في دولة يحوز نفس المزايا.فالقومية القائمة على حقوق مواطنة متكافئة و عالمية داخا إقليم تعتمد على إطار من القوانين تحمي هذه الحقوق مثل مؤسسات تسمح للمواطنين أن يعبروا عن آرائهم. على العكس من ذلك لا تعتمد القومية على المؤسسات و إنما على الثقافة(22).

ظهور القومية الاثنية قد يجعل من الصعب تحاشي بعض أشكال الصراع الاثني،حيث إن بروز القومية الاثنية لدى إحدى الجماعات سيرى على أنه يمثل تهديدا للآخرين و سيقود لمشاعر مماثلة في أماكن أخرى،و هو ما سيزيد من حدة التمايزات بين الجماعات و يزيد احتمال اضطهاد الأقليات الاثنية و مطالبتهم بدولة خاصة بهمزكما قد تيسر القومية الاثنية على الجماعات تعبئة الجيوش،و هو ما سيقود الآخرين إلى أن يكونوا حذرين و يبنوا قواتهم المسلحة الخاصة بهم(23).

الصراع الاثني و مدارسه التفسيرية:
مما سبق يمكن تعريف الصراع الاثني بأنه نوع من التفاعل بين جماعتين أو أكثر تختلف كل جماعة منها عن الأخرى في العادات و التقاليد و اللغة و الدين و سمات أخرى مميزة كالأصل والملامح الفيزيقية. إلا أن هذا التفاعل يتسم بإتباع الطرفين لأهداف متعارضة و السعي لتحقيقها في آن واحد.

عندما لا يتحول الاضطهاد ألاثني إلى صراع اثني، فغالبا ما يكون ذلك لضعف الجماعة المعرضة للاضطهاد.تتحول المشكلات الاثنية إلى صراعات اثنية مع ضعف سلطة الدولة،و ربما تضعف المشكلات الاثنية ذاتها الدولة، أو لأن الدولة تتفكك لأسباب أخرى جعلت الأفراد يعودون لولاءات أقدم و أكثر تقليدية(24).
تتسم الصراعات الاثنية بخصائص منها:(25)
1- تميل هذه الصراعات للاستمرار مدة طويلة.و لعل ذلك من طبيعة الأشياء، حيث إن أطراف الصراع يتم تعريفها من خلال خصائص يصعب تغييرها-كالعرق أو الديانة أو اللغة-و بالتالي من المحتمل أن يطول أمد الصراع بين الأطراف.
2- من حيث طبيعة أطراف الصراع فالحروب ما بين الدول تتم بين حكومات،و الحروب الأهلية غالبا ما تنشب بين حكومات متنافسة أو جماعات تسعى للسلطة، أما الصراعات الاثنية فغالبا ما تكون بين حكومات و حركات اثنية، و يرفض كل طرف قبول شرعية الآخر.
3- في المراحل الأولى للصراع الاثني يكون هناك خلافات داخل المجتمع الاثني نتيجة سعي الجماعات الفرعية لجعل نفسها الممثل الشرعي للاثنية.هذه الخاصية ليست مطلقة لأنه في بعض الحالات توفر الترتيبات القائمة قيادة موحدة للحركة الاثنية.

مصادر الصراعات الاثنية بين المدارس المختلفة:
يصعب الحديث عن نظرية واحدة تفسر الصراعات الاثنية،فقد تعددت الدراسات حول الصراع الاثني و مع تنوع تخصصات الدارسين تباينت رؤاهم حول تفسير هذا الشكل من أشكال الصراع. إلا أنه يمكن إجمالا القول بوجود أربع مجموعات من التفسيرات: التفسيرات الطبيعية، التفسيرات الذراعية، التفسيرات النظمية والبنيوية والتفسيرات السيكولوجية الإدراكية.

أولا: التفسيرات الطبيعية:
يعتبر الاقتراب الطبيعي (ألوشائجي) primordialist الاثنية خاصية ثابتة للأفراد و المجتمعات. و سواء وجدت جذورها في الخصائص البيولوجية أو في عقود الممارسات فانه يصعب على الأفراد تغييرها. يرى أصحاب هذا الاقتراب أن الانقسامات و الاضطرابات أمور طبيعية، والصراع ينساب من التباينات كما أنه كامن في الاثنية ذاتها(26). يؤكد محللو الصراع داخل هذا الاقتراب على أهمية الهوية الاثنية حيث يفترض الصراع الاثني مواجهة بين أو وسط شعب ذي هويات اثنية متباينة،و الفرد لا يختار أن يكون عضوا في فئة اجتماعية و لكنه يولد فيها. يضفي هذا عليه هوية أولية ما.ويستخدم المجتمع ذلك من أجل تصنيف أعضائه ليس تبعا لما يفعلون بل وفقا لما هو مفترض أن يكونوا عليه و ما هو متوقع منهم(27). و تعتمد هوية الجماعة الاثنية على عدد السمات المشتركة بين أعضاء الجماعة بحيث كلما زاد عدد هذه السمات مثل الدين، الثقافة، التاريخ المشترك، محل الإقامة و العرق (السلالة)، زادت قوة الهوية(28).

الكتابات الأولى عن الاثنية بعد الحرب العالمية الثانية في المجتمعات الرأسمالية و الاشتراكية استبعدت احتمال استمرار بقاء الاثنية في الدولة العصرية الحديثة. و ظهر لذلك توقعان، الأول ليبرالي و الآخر ماركسي. اعتمد التوقع الليبرالي على أن نمو الاتصالات و الثقافة داخل المجتمعات سيذيب و يلغي العلاقات الأولية في المجتمع و يستبدلها بعلاقات حديثة قائمة على الولاء للدولة و مؤسساتها.

تأثر هذا التوقع بالفكرة القومية كما عرفها الغرب منذ الثورة الفرنسية و كذلك تجربة بوتقة الانصهار الأمريكية.لكن في أواخر الستينات بدأت الفرضية الليبرالية تواجه تحديات عندما بدأت الأحداث تسير بالاتجاه المعاكس. أما عن الفرضية الماركسية فتوقعت أن اتجاه المجتمعات نحو الحداثة سيتم من خلال بناء البنية الاجتماعية الاقتصادية التحتية التي ستحول العلاقات الأولية إلى علاقات مبنية على الطبقة، ولكن ذلك لم يتم أيضا(29).

فشل التوقعين الليبرالي و الماركسي حد بالبعض(30) للقول بأن كل أبعاد التحديث تقريبا تميل إلى عدم تخفيف وتيرة العواطف الأولية في البداية و إنما إلى تسريعها.و تم التركيز على بعدين من أبعاد التحديث: الأول هو إدخال جائزة قيمة جديدة إلى المجتمع يتم التقاتل عليها أي "الدولة"، و الثاني تأسيس حق الانتخاب العام الذي جعل إغراء مخاطبة الجماهير بالتماس الو لاءات التقليدية أمرا لا يقاوم.

من بين الانتقادات الموجهة للاقتراب الطبيعي افتراضه ثبات الهوية و فشله في تفسير الاختلافات في مستوى الصراع عبر الزمان و المكان حيث يعجز عن تفسير ظهور هويات جديدة و متحولة أو تفسير الفترات الطويلة التي لا تكون الاثنية فيها خاصية سياسية بارزة أو تكون العلاقات بين الجماعات الاثنية المختلفة سلمية نسبيا(31).
ثانيا: التفسيرات الذرائعية:
يرى الاقتراب ألذرائعي الاثنية أداة يستخدمها الأفراد و الجماعات أو النخب لتحقيق غاية مادية كبرى. الاثنية هنا سواء استخدمت بشكل دفاعي لتعطيل طموحات آخرين أو هجوميا لتحقيق غاية شخصية لفرد، فإنها تصبح عنوانا أو مجموعة من الروابط الرمزية التي تستخدم لتحقيق أغراض سياسية مثل عضوية جماعة مصلحة أو الانخراط في حزب سياسي(32). يشدد الذرائعيون على تنوع الاثنية و مرونتها، بالمقارنة برؤأفرادا وأحيانا ساكنة و الأحادية البعد للاثنية. و تكشف دراستهم هن الهوية القبلية و اللغوية و الدينية أن أفرادا وأحيانا مجموعات بأكملها يتخلون عن هوية لصالح مجموعة أخرى. أما عن كيف يمكن لهوية معينة أن تحظى بامتيازات على هوية أخرى، فيرى الذرائعيون بتبنيهم نظرية الخيار الرشيد أن الانتهازيين السياسيين يستطيعون تسييس الهويات التي كانت في السابق ثقافية فحسب عن طريق إظهار المنافع المادية للتماهي مع قبيلة معينة أو دين أو مجموعة لغوية(33).

تستدعي التفسيرات الذرائعية الحديث عن الاثنية المسيسة و علاقة الديمقراطية بالاثنية، و هو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- الاثنية المسيسة:
ليس من المحتمل أن تأتي الشكاوي الاثنية إلى دائرة اهتمام الحكومات أو المراقبين الخارجيين حتى يتم التعبير المتواصل عنها بواسطة قادة الحركة السياسية الذين يدعون تمثيل مصالح جماعتهم. و من الصعب الحكم على أصالة مطالب الممثلين لأن المنظمات المتنافسة تدعي تمثيل الجماعة، و لأن الحكومات التي يتم تحديها من قبل الجماعات الاثنية غالبا ما تحاول أن تقلل من قيمة هذه المطالب و مصداقيتها(34).
يميل الساسة الانتهازيون في المجتمعات المتعددة الاثنيات إلى الاعتماد على المحفزات الاثنية و القومية، و هي طريقة فعالة في الغالب لحشد الدعم و اكتساب المؤيدين(35). و عندما يمارس السياسيون الاثنية فأنهم لا يشيرون إلى مصالحهم الحقيقية مثل السعي للسلطة و الثروة لكنهم يعملون على استغلال القبول الذي تحظى به الاثنية لدى القواعد الشعبية المهيأة لمثل هذا التلاعب نتيجة قبولها المسبق لأنظمة تصنيف الهويات الفئوية(36).

يظهر تأثير عامل الاستغلال السياسي في الحالات التي تكون فيها الاختلافات الدينية أو الطائفية مكونا هاما في الصراع الاثني، و تظهر مجموعة من الأساطير تهدف إلى جعل الاضطهاد الديني أحد الأسباب الأولية للحروب التي تشنها الجماعات على بعضها البعض. ففي العديد من الصراعات الاثنية هناك اختلافات دينية بين الأطراف المتحاربة ضمن عوامل أخرى حقيقية أو مصطنعة. و مع ازدياد كثافة بعض هذه العوامل تتزايد حدة الصراع. في هذه الحلقة المفرغة يصبح المكون الديني جزءا مما يمكن اعتباره ميراثا تاريخيا و نفسيا و ثقافيا بما يحمله من مشاعر الانتقام(37). بل و هناك البعض(38) الذي يرى أن الصراعات الاثنية هي صراعات عقيدية الأساس، حيث العقيدة بذاتها هي حاجة، لأن كل الأفراد بحاجة لأن يشعروا بمستوى من الهوية من خلال الانتماء لجماعة عقيدة.







و لابد أن يوضع في الاعتبار مجموعة من الملاحظات عند تقييم المطالب المتعلقة بمصالح الجماعات الاثنية:(39)
1- المصالح الجماعية ليست واحدة،حيث يوجد تنوع في المصالح الفردية و الجزئية داخل كل جماعة اثنية و يمكن افتراض وجود عدد من الأفراد في كل جماعة اثنية مضطهدة يفضلون قبول الوضع القائم،أو يظلون محايدين بدلا من السعي من أجل القضية العادلة لشعبهم.
2- التنظيم السياسي ضرورة لصياغة الأهداف و التعبير عن المصلحة الجماعية، و يمكن القول بأن الشعوب المضطهدة أو التي تعرضت للغزو لها مصلحة موضوعية جماعية في المساواة و الحكم الذاتي.
3- تتغير أهداف الجماعة أثناء وجرى الصراع الاثني حيث يتزايد الإجماع على المصالح المشتركة أثناء مجرى الصراع المكشوف و يزيد الصراع مع عدو خارجي من التضامن داخل الجماعة.
2- علاقة الديمقراطية بالاثنية:
تسمح الديمقراطيات بمدى واسع من المشاركة السياسية التي قد تشمل بعض أوقات الاحتجاجات، أحداث الشغب، التمرد الواسع. و على الرغم من ذلك لابد أن يؤخذ في الاعتبار أن الديمقراطيات الوظيفية الكاملة تحمي قيما أساسية مثل المساواة أمام القانون و الحقوق السياسية و الدينية الكاملة، و لهذا يصبح التمييز ضد الجماعات الاثنية أقل احتمالا للحدوث، و الاحتجاجات العنيفة أقل شيوعا(40).

تضع الاثنية مجموعة من المعوقات عند بداية عملية التحول الديمقراطي،فإذا كان النظام القديم هو امتداد لأقلية اثنية اضطهدت جماعات أكبر فان المشكلات الاثنية ستعقد المفاوضات حول الترتيبات السياسية من بدايتها.إذا زاد النظام القديم من المشكلات الاثنية بالاشتراك في الاستيعاب الجبري و الاستبعاد الاثني أو حملات الإبادة فان عملية التحول الديمقراطي تصبح مشحونة عاطفيا و مثيرة للمشكلات و ستظهر العديد من المشكلات الاثنية على الأجندة السياسية.على الجانب الآخر،إذا استطاع النظام القديم أن يوازن بين الجماعات الاثنية الأساسية بطريقة تمثيلية عادلة و مواصلة سياسات متوازنة تجاهها،فان القضايا الاثنية ستلعب دورا أقل بروزا في المفاوضات حول الترتيبات الجديدة(41).

كما يمكن لالتقاء الانقسامات الاثنية و الاجتماعية أن يعوق الديمقراطية التنافسية حيث يرى البعض أن الانتخابات الديمقراطية تكرر الانقسام الاثني داخل البرلمان عندما تلتحم الهويات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية لإنتاج أحزاب تمثل طبقة أو مجموعة اثنية واحدة تمثيلا صارما.و بالتالي إذا أستخدم الحزب الفائز انتخابه و سيطرته على البرلمان لكي يقص الأحزاب الاثنية الأخرى عن السلطة بشكل دائم،فانه لن يكون هناك حافز يدفع الخاسر إلى التمسك بقواعد اللعبة الديموقراطية(42).

لا يقتصر أثر الاثنية على التحول الديمقراطي على ما سبق و إنما يمتد لمجموعة قضايا يمكن إجمالها على النحو التالي:(43)
1- الحجم النسبي للجماعات الاثنية في الدولة.فإذا كانت هناك جماعة أكبر حجما من مثيلاتها، فانه من المحتمل أن تسيطر المناقشات حول الترتيبات الأساسية الجديدة وسيتم تجاهل مصالح الأقلية.أما إذا كانت المفاوضات بين اثنين أو أكثر من الجماعات المتكافئة الحجم فانه ستتم مناقشة كل الاهتمامات الأساسية للجماعات.
2- إذا كانت المعارضة للنظام القديم تقودها جماعة أو اثنتان،و كان النظام القديم ذاته امتدادا لثالثة فان النظام السياسي للدولة سيتفتت بسهولة من خلال الخطوط الاثنية و هو ما ستكشفه عملية التحول الديمقراطي. من ناحية أخرى، إذا كانت المعارضة للنظام القديم قد انبثقت عن كل الجماعات الاثنية الكبرى في هذا المجتمع،فان هذه الجماعات سيكون لديها أساس تعاوني يبدءون منه مناقشاتهم حول الترتيبات السياسية الجديدة.
3- إذا كانت القواعد العسكرية تدين بالولاء لجماعة اثنية واحدة و ليس للدولة،فان إمكانية إدارة الصراع الاثني ليست جيدة.أم إذا كانت تدين بولائها للدولة فهنا الإمكانيات أفضل.

ينتج عن الاقتراب الذرائعي إمكانية تطبيق الدروس المستفادة من الصراعات الاثنية على نوعيات أخرى من الصراعات. إذا لم تختلف الاثنية المسيسة عن الأشكال الأخرى للمناورات السياسية فلن يختلف الصراع الاثني عن الصراعات الأخرى القائمة على المصلحة أو الإيديولوجية.طبقا لهذه الرؤية فان الصراع الاثني رغم انتشاره هو جزء من عملية صراع أكبر. لكن يوجه الذرائعيين الانتقاد بان الاثنية ليست شيئا يمكن أن يقرره الأفراد وقتما شاءوا مثل الارتباطات السياسية الأخرى و لكنها كامنة داخل المجتمع الأكبر الذي يتحكم فيها و يسيطر عليها، و بالتالي فان هناك طبيعة اجتماعية كامنة في كل الاثنيات بحيث لا يمكن فهمها إلا داخل إطار من العلاقات(44).




ثالثا: التفسيرات النظمية و البنيوية:
تركز التفسيرات النظمية على طبيعة نظم الأمن التي تعمل في إطارها الجماعات الاثنية و الاهتمامات الأمنية لهذه الجماعات.يتطلب الصراع الاثني إن تتواجد جماعتان اثنيتان أو أكثر على مقربة من بعضهما البعض، و أن تبلغ السلطات القومية و الإقليمية و الدولية درجة من الضعف لا تستطيع معها منع الجماعات من الاقتتال أو ضمان حماية الجماعات فرادى.ففي النظم التي تنعدم فيها السيادة أو تسود الفوضى، على الجماعات أن تتولى أمور الدفاع عن نفسها و عليها أن تقلق بشأن ما إذا كانت الجماعات المجاورة توجه تهديدات أمنية لها و ما إذا كانت هذه التهديدات ستزداد أم تتضاءل عبر الزمن.المشكلة التي تواجهها الجماعات أنها في محاولتها للدفاع عن نفسها و تعبئة الجيوش و نشر القوات المسلحة فإنها تهدد أمن جماعات أخرى. و هذا بدوره يمكن أن يقود الجماعات المجاورة إلى أن تتخذ إجراءات تقلل من أمن الجماعة الأولى، و هذه هي معضلة الأمن(45).
تسعى التفسيرات البنيوية إلى التأكيد على الطبيعة الاجتماعية للاثنية،و تشير إلى أن الاثنية تتشكل من أنسجة كثيفة لتفاعلات اجتماعية.ففي الرؤية البنيوية ليست الاثنية خاصية فردية لكنها ظاهرة اجتماعية،و تظل هوية الفرد خارج الاختيار أو التحكم من جانبه.و مع تغير التفاعلات الاجتماعية تتطور مفاهيم الاثنية، فحتى أواخر الثمانينات من القرن العشرين حفزت المكافآت التي قدمتها الحكومة الفيدرالية العديد من الأفراد في صربيا، كرواتيا، البوسنة، و جمهوريات أخرى على تطوير هوية يوغوسلافية، و مع تفكك الدولة اضطر هؤلاء الأشخاص أنفسهم بفعل الأحداث المتلاحقة إلى العودة إلى جذورهم الاثنية الأكثر خصوصية(46). و مع كثافة الاتصال و التفاعل فيما بين أفراد الجماعة يزداد تماسكها إلى المدى الذي يستعد من خلاله أعضاء الجماعة للالتزام بوضع مواردهم و طاقاتهم في العمل باسم مصالحهم المشتركة، و على الجانب الآخر يضعف التماسك عند الجماعات إلي يوجد بها حركات و تنظيمات سياسية متنافسة(47). يمكن القول مما سبق أن التفسيرات البنيوية تشترك مع التفسيرات النظمية في التركيز على التفاعل ما بين الجماعات.
الجماعات غالبا ما تكون غير واعية لتأثير أفعالها على الآخرين. و في حالات أخرى تدرك هذه المشكلة و لكن تتصرف بأية طريقة لأنها تشعر أنها مجبرة على مواجهة ماتراه تهديدات أمنية وشيكة.و تنشأ الاضطرابات بين الجماعات الاثنية عندما يتوافر شرطان:الشرط الأول عندما يصعب التمييز بين القوات المسلحة الدفاعية و الهجومية،فالجماعات لا تستطيع أن تبرز نواياها الدفاعية من خلال القوات العسكرية التي تنشرها.القوات المنتشرة لأغراض دفاعية ستكون لديها قدرات هجومية و لهذا سيراها الآخرون مصدر تهديد. الشرط الثاني أنه إذا كانت العمليات العسكرية الهجومية أكثر فعالية من العمليات الدفاعية نتيجة طبيعة التقنية العسكرية أو نوع القدرات المتوافرة، فان الجماعات سوف تتبنى مواقف عسكرية هجومية و سيكون لديها حوافز قوية لشن هجمات سريعة في الأزمات السياسية(48).
تختلف الجماعات الاثنية من حيث درجة بروز الهوية لديها،و من المعتاد أن تكون الهوية قوية عند الشعوب المعرضة للخطر، و الأمم التي يتم غزوها.و تساهم ثلاثة ظروف خارجية في بروز هوية الجماعة:(49)
1- قوة الأضرار الواقعة على الجماعة الاثنية مقارنة بجماعات أخرى.
2- مدى الاختلافات الثقافية بين جماعة اثنية و جماعات أخرى تتفاعل معها.
3- كثافة الصراع مع الجماعات الأخرى و الدولة.

عندما تنهار الإمبراطوريات تجد الجماعات الاثنية نفسها مطالبة بالدفاع عن ذاتها.و تخلق الجغرافيا الاثنية غالبا مواقف تدعم الهجوم على الدفاع. و في بعض الحالات تخلق الجماعات الاثنية جزرا منعزلة من الأفراد عن بقية الجماعات، و يصبح الدفاع عن هذه الجزر في حالة العداوات أمرا صعبا، فكلها معرضة للحصار،و غالبا ما تحاول الجماعات استبعاد جيوب الأقليات من إقليمها و في عمليات التطهير الاثني تكون للهجوم مزايا تكتيكية عديدة(50). و من ناحية أخرى يتعاظم التماسك وسط الجماعات التي تتركز في منطقة واحدة، و كذلك التي تعيش في ظل حكومة إقليمية شبه مستقلة ذاتيا(51).

رابعا: التفسيرات السيكولوجية الإدراكية:
يؤكد التفسير السيكولوجي على الملامح العاطفية الرمزية للصراع الاثني(52) و تركز بعض التفسيرات الإدراكية على القصص التي تسوقها الجماعات الاثنية عن نفسها أو عن غيرها،و كثير من هذه القصص لا تخضع للفحص أو التدقيق حيث تم تناقلها شفاهة عبر الأجيال و أصبحت أحد معارف الجماعة و تكون غالبا انتقائية في تغطية الأحداث و غير محايدة في تفسيرها لهذه الأحداث.تزداد مبالغة القصص عبر الزمن بحيث تعطي البطولة لإحدى الجماعات و تمنعها عن الأخرى، و تعطي القدسية لمطالب جماعة في حين تصف الأخرى بأنها كانت وحشية و عدوانية في تعاملها،و غالبا ما يعامل أعضاء الجماعة هذه الأساطير الاثنية على أنها تراث حقيقي(53).
ليس من المستغرب أن القصص الشفهية للجماعات تنطوي على تنافس مكثف يصبح مرآة لصور هذه الجماعات.الصرب على سبيل المثال يرون أنفسهم حماة أرويا و يرون الكروات قتلة سفاحين، في حين يرى الكروات أنفسهم ضحايا القهر و الصرب هم المعتدون.في ظل هذه الظروف تؤكد ادعاءات الجانبين امتلاكهما نسقا عقيديا و تفسر ردود الأفعال الانتقامية هذه الأشكال من المعتقدات و الادراكات تخلق ضغوطا متزايدة و يستغلها الساسة الانتهازيون بما يزيد من حدة المشكلات(54).

يرى دارسوا الإدراك السيكولوجي أن هناك عمليات إدراكية ليس فقط في الأحكام و السلوكيات على المستوى الشخصي و إنما أيضا على مستوى الجماعات.و في العمليات الإدراكية لا تقيم المواقف استنادا لنتائجها على الذات فقط و إنما أيضا لآثارها على جماعة الفرد.و يهتم هؤلاء الدارسون بما يسمى القوالب الجامدة التوافقيةconsensual stéréotypes و التي هي عبارة عن معتقدات مشتركة حول الخصائص التي يملكها أعضاء جماعة ما. مع مثل هذه القوالب الجامدة يشترك أعضاء جماعة ما في معتقدات رمزية تضم تنويعات واسعة من القيم و الادراكات تشمل إدراك كيف تتواءم جماعة معينة مع مجتمع و تساهم في جعله مكانا أفضل أو أسوأ للعيش فيه،كما تشمل رؤى حول كيفية تنظيم و تشغيل المجتمع.التباين في مثل هذه المعتقدات و ليس الخصائص الاثنية الثقافية، يسبب أحكاما مسبقة و توجهات سلبية تجاه جماعات أخرى، كما يسبب عداء ما بين الجماعات(55).

الاختلافات في المعتقدات الرمزية أو الاختلاف في هيراركية هذه المعتقدات، أو حتى الاختلافات المفترضة لهيراركية هذه المعتقدات،كل هذه الأمور تدمر الشعور بإنسانية مشتركة ما بين جماعتين أو أكثر،و لهذا تقود لصراعات تميل بشدة للعنف.في هذه الصراعات يدرك أعضاء الجماعة ليس فقط ذواتهم و لكن قيمهم المعرضة للتهديد.و عندما تتعرض القيم و المعتقدات الرمزية التي تشترك فيها جماعة التهديد، فإنها تميل لأن تصبح أكثر بروزا. و لذلك من السهل لجماعة اثنية مسيطرة اللجوء إلى العنف و الاضطهاد ضد جماعة متدنية الوضع تؤيد التغيير الاجتماعي من أن تراجع الجماعة المسيطرة قيمها و معتقداتها الرمزية(56).

أسباب التعبئة الاثنية:
ان من أهم العوامل المساهمة في التعبئة الاثنية مفهومي التمييز و هوية الجماعة الاثنية. ويشير التمايز الى التفاوتات الاجتماعية في الوضع المادي لأعضاء جماعة ما أو الفرصة السياسية مقارنة بجماعات أخرى.و تتضمن الجماعة الاثنية أفرادا تقوم هويتهم على سمات مشتركة كالدين، الثقافة،التاريخ المشترك،محل الاقامة،العرق (السلالة). و تزداد قوة هوية الجماعة مع تزايد عدد الخصائص المشتركة بين أعضائها.

أولا: التمييز
هو مدى التفاوتات الاجتماعية في الوضع المادي لأعضاء جماعة ما أو الفرصة السياسية مقارنة بجماعات أخرى.يتفاعل الأفراد ضد المعاملة التمييزية و ربما يستخدمون غضبهم للانشاء أو التدمير.فقد يكون التمييز حافزا لبذل مجهود أكبر من أجل النجاح و اثبات الذات،و ربما يهاجر الأفراد هربا من ذلك التمييز.لكن هناك أفراد يكونون على استعداد لتحدي منافسيهم و مهاجمة مصادر استيائهم.

وثمة مؤشرات متعددة للتمييز،فسياسات الحكومة التي تعامل الجماعات الاثنية بدون مساواة هي أقل مؤشرات التمييز غموضا.التفاوتات بين الجماعات الاثنية قد تنتج أيضا عن تمييز تاريخي أو تباينات ثقافية و اقتصادية أعطت لبعض الجماعات مزايا عن الآخرين.
- مؤشرات التمييز الاقتصادي: و يمكن اجمالها في:
- السياسات العامة التي تقيد الأنشطة الاقتصادية أو أدوار أعضاء الجماعة.
- الدخل المنخفض،الاقامة في أماكن فقيرة الخدمات،ارتفاع معدلات وفيات الطفال مقارنة بجماعات أخرى في المجتمع.
- فرص محدودة للجماعة في التعليم خاصة التعليم العاليز
- ضعف نسبة من يشغلون وظائف تجارية ،ادارية،مهنية من الجماعة.

مؤشرات التمييز السياسي: و تتمثل في:
- السياسات العامة التي تقيد مشاركة الجماعة في الحياة السياسية و فرص وصولها لمناصب سياسية.
- مشاركة أقل في الحياة السياسية مقارنة بجماعات أخرى في المجتمع.
- ضعف نسبة من يشغلون مناصب بالانتخاب،أو في الخدمة المدنية،أو في الشرطة أو في الجيش من أعضاء الجماعة.

ثانيا: هوية الجماعة:
تعتمد هوية الجماعة الاثنية على عدد السمات المشتركة بين أعضاء الجماعة. كلما زاد عدد هذه السمات مثل الدين، الثقافة، التاريخ المشترك، محل الاقامة، العرق أو السلالة زادت قوة الهوية. والجماعات المتماسكة هي تلك التي تمتلك شبكات اتصال وتفاعل كثيفة تربط أعضاءها ببعضهم البعض كما تربط القادة باتباعهم، وكلما زاد عدد الأجنحة أو الطوائف داخل الجماعة قل ترابطها. ولقوة هوية الجماعة خصائص كلما زادت بين اعضائها زادت قوة الأولى وتتمثل في:
- مدى اشتراكهم و استخدامهم للغة واحدة.
- نسبة من يشتركون في معتقدات دينية واحدة.
- خصائص عرقية ظاهرة.
- تاريخ مشترك لفترة لا تقل عن قرن من الزمان.
- ثقافة مشتركة،عادات اجتماعية تطورت و مورست عن قرب.





الخاتمة:
يمكن تعريف الصراع بأنه إتباع طرفين أو أكثر لأهداف متعارضة في ذات الوقت، و الصراع بهذا المعنى قد يدور حول محاولة الحصول على شيء، أو استعادته، أو حمايته و إبقائه تحت السيطرة، أو إنكاره للطرف الآخر.أما عن مفهوم الاثنية فتم التعريف به في إطار التفرقة بينه و بين بعض المفاهيم الأخرى مثل العرقية،الأقلية،القبلية و القومية.

و انتهت الدراسة إلى إمكانية تعريف الصراعات الاثنية فمن الصعب الحديث عن نظرية واحدة تفسر هذه الصراعات،فقد تعددت الدراسات حول الصراع الاثني و مع تنوع تخصصات الدارسين تباينت رؤاهم حول تفسير هذا الشكل من أشكال الصراع.إلا أنه يمكن إجمالا القول بوجود أربع مجموعات من التفسيرات:التفسيرات الطبيعية،و التفسيرات الذرائعية، و التفسيرات النظمية و البنيوية، و التفسيرات السيكولوجية الإدراكية.

يعتبر الاقتراب الطبيعي الاثنية خاصية ثابتة للأفراد و المجتمعات، و أن الانقسامات و الاضطرابات أمور طبيعية،و ينساب الصراع من التباينات كما أنه كامن في الاثنية ذاتها.
أما الاقتراب الذرائعي فيرى الاثنية أداة يستخدمها الأفراد و الجماعات أو النخب لتحقيق غاية مادية كبرى. و يشدد الذرائعيون على تنوع الاثنية و مرونتها،بالمقارنة مع رؤية الطبيعيين الساكنة و الأحادية البعد للاثنية.
تركز التفسيرات النظمية على طبيعة نظم الأمن التي تعمل في اطارهاالجماعات و الاهتمامات الأمنية لهذه الجماعات.أما التفسيرات البنيوية فتسعى إلى التأكيد على الطبيعة الاجتماعية للاثنية و تشير إلى أن الاثنية تتشكل من أنسجة كثيفة لتفاعلات اجتماعية.
يؤكد التفسير السيكولوجي الإدراكي على الملامح العاطفية الرمزية للصراع الاثني و القصص التي تسوقها الجماعات الاثنية عن نفسها أو عن غيرها.
و للقول بأن جماعة ما تشكل مجتمعا اثنيا أشارت الدراسة إلى ضرورة تلاقي المعايير التالية:
- وجود اسم للجماعة ليعكس هوية جماعية مكتملة.
- الاعتقاد في أصل مشترك و ذلك أكثر أهمية من الروابط الجينية التي قد تتواجد.
- الاشتراك في تراث واحد،و هو غالبا ما يكون مجموعة من الأساطير التي تم تناقلها شفاهة عبر الأجيال.
-الاشتراك في ثقافة واحدة تقوم عادة على توليفة من:اللغة، الدين، القوانين، العادات، المؤسسات، الزي، الموسيقى، الحرف، المعمار و الطعام.
- الشعور بارتباط لإقليم محدد.
- الإحساس بالاثنية المشتركة و إدراك الجماعة لذاتها.
و توصلنا في الختام إلى نتيجة مفادها أن ليس كل الجماعات الاثنية تتجه بالضرورة إلى العنف و الصراع، بل أن التعبئة الاثنية لا تتحقق إلا في ظل توفر أسباب مساعدة و مشجعة على ذلك منها سياسية،اقتصادية و تمييزية في الغالب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
متصل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Empty
مُساهمةموضوع: اللامركزية كآلية لإدارة التعدد الإثني   المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية   Emptyالأحد نوفمبر 11, 2012 6:42 pm

اللامركزية كآلية لإدارة التعدد الإثني


مقدمــة:
اكتسبت مطالب الجماعات الإثنية أهمية بالغة على الساحة الدولية برمتها ذلك أنها تعد من أبرز الأسباب الكامنة وراء التوترات والنزاعات الدولية، التي تتفاوت من حيث النطاق والإلحاح والشدة ووضوح الرؤية، خاصة وأن السياق الذي تستنزف داخله هذه النزاعات يختلف من منطقة إلى أخرى، لكن المؤكد أن هذه النزاعات الإثنية يمكن أن تتسبب في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل الجماعي (تيمور الشرقية، رواندا، جنوب السودان)، والاستيعاب القسري (التيبت، قبائل تل شيتاتونغ)، كما أن النزاعات الإثنية خلقت آثار خطيرة ومشاكل كبرى تتعلق باللاجئين، وهو ما يطلق عليه حاليا مصطلح الحالات الإنسانية المعقدة، ومجموعة متنوعة من الأعمال الأخرى التي تثير قلقا دوليا ووطنيا. ودون إغفال أن مطالب هذه الجماعات الإثنية وما ينجم عنها من نزاعات قد تؤدي إلى شل فاعلية الحكومات بل وحتى انهيار الدول وتفككها.

لأجل ذلك تم تطوير واستحداث العديد من الآليات والأدوات التي تساعد مختلف دول العالم على التعايش السلمي والخلاق بين سكانها الذين ينتمون إلى جماعات إثنية متعددة للتعامل مع المطالب المختلفة لها وكذا للمشكلات التي قد تنتج عنها، حيث كانت هناك محاولات أولية لتطوير معايير جديدة خاصة وأن جميع أساليب التحدي الإثني تقتضي إدخال تعديل ما على النظرة المؤيدة لمركزية الدولة.

وما دامت الدولة ذات السيادة هي وحدة التنظيم الرئيسية فإن العامل المهم والمحدد للنزاع الإثني سيكون السياسات التي تتبناها الدول فرادى، لذلك كان لزاما تحويل الأسلوب المركزي للدولة باتجاه اللامركزية، هذه الأخيرة (اللامركزية) تعد في الواقع من أبرز الآليات التي بواسطتها يمكن إدارة الصراعات الإثنية والتخفيف من وطأتها وتعقيداتها واحتواءها، لتقدم بذلك حلا مثاليا لإشكالية التعدد الإثني وتبعد مخاطر الانفلات والتجزئة عبر ترسيخ الاستقلالية والحرية، لتبدو بذلك اللامركزية الحل العادل الذي تستدعيه مسألة التعدد الإثني.

في هذه المداخلة سوف نحاول الإجابة عن الأهمية التي تحتلها اللامركزية باعتبارها من بين أدوات / آليات إدارة التعددية الإثنية، بالتعرف على مفهومها ونماذجها ومدى فعاليتها في إدارة النزاعات الإثنية ومقدار الاستجابة لها، وكيفية بناء اللامركزية الفعالة والناجحة.




أولا: مفهوم اللامركزية ونماذجها:
1 ـ مفهوم اللامركزية:
إن التحولات في العقد الأخير من القرن الماضي نحو أنظمة الحكم الديمقراطية فرضت تحولا في نمط الإدارة وكيفية التعامل مع متطلبات المواطنين حيثما يكونون في المجتمع المحلي، وهذا التحول أدى إلى اتساع نطاق اللامركزية في دول العالم مما حدا بالكثير من دول العالم النامي لتحويل القوة السياسية إلى الوحدات المحلية بين الحكومات.

و قد أصبح الناس أكثر اهتماما في المشاركة برسم السياسات واتخاذ القرارات مثلما أن طلبهم أن تكون الحكومات أكثر استجابة لرغباتهم في ازدياد وأن رغباتهم على أن يكونوا شركاء في اتخاذ القرارات قد ازداد أيضا...كما أن الكثير من دول العالم أصبحت تخصص الجزء الكبير من موازناتها الوطنية للسلطات المحلية فيها.

لذا تأتي اللامركزية والتي تعني إعادة هيكلة أو تنظيم السلطة بحيث يكون هناك نظام "المشاركة في المسؤولية" بين المؤسسات الحكومية والمستويات المحلية وهذا يعني زيادة السلطة والقدرات للمستويات المتفرعة والتابعة للمستوى الوطني، فاللامركزية تتعلق بالدور وبالعلاقة بين المؤسسات المركزية والمؤسسات المتفرعة والتابعة للمؤسسات الوطنية.(1)

و اللامركزية لها ثلاثة أبعاد إدارية ومالية سياسية سنحاول التعريف في البداية باللامركزية الإدارية واللامركزية المالية ثم نركز على اللامركزية السياسية كأساس في مداخلتنا هذه.

أ ـ اللامركزية الإدارية (الإدارة المحلية): وتعني وجود مصالح محلية متميزة يعهد بالإشراف عليها إلى وحدات إدارية مستقلة مع اقتصار اختصاصها على جزء معين من الدولة تحت رقابة وإشراف السلطة المركزية والاختصاصات متركزة في النواحي الإدارية(2)، وهنا تبقى السلطة المركزية هي صاحبة الاختصاص في المجال التشريعي وتتحدد في التمتع ببعض الصلاحيات الإدارية المحلية التي تدور في فلك السلطة المركزية والقانون العام في الدولة سواء كانت لامركزية محلية أم مرفقية(3) ، وأهم خصائصها أنها:
 تعبر عن نظام إداري يوزع الوظيفة الإدارية بين السلطات الإدارية المركزية والهيئات المحلية التي لا تعد وحدات إدارية.
 توجد في الدول الموحدة أو الدول الاتحادية.
 تخضع المحافظات أو الأقاليم أو المقاطعات للقوانين المطبقة ذاتها في جميع أرجاء الدولة.
 تخضع الهيئات الإقليمية للوصاية من الحكومة المركزية في مباشرتها لاختصاصاتها الإدارية.
 القانون العادي يضطلع بتكوين الهيئات الإقليمية اللامركزية ويحدد اختصاصاتها الإدارية وكيفية ممارستها.
 الأقاليم المتمتعة باللامركزية الإدارية يتم تعديل اختصاصها بقانون عادي.(4)
ب ـ اللامركزية المالية (الضريبية): وتعني نقل القوة المالية للمستويات المحلية بغرض تخفيف الأعباء عن المستويات المركزية للحكومة عن طريق منح هذه الوحدات المحلية لموارد مالية تساعدها على تعظيم استقلاليتها في تسيير شؤونها.

ج ـ اللامركزية السياسية:
أما المفهوم السياسي للامركزية فيعتبر من المفاهيم الدستورية السياسية وأسلوب من أساليب تطبيقات الفكر الديمقراطي المعاصر، و هناك من يطلق عليها مصطلح الحكم المحلي والذي يتضمن توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية وهو يعتبر أسلوبا في التنظيم الدستوري للدولة بحيث تكون العلاقة بين السلطة المركزية والسلطة المحلية علاقة ندية وتكافئية بين السلطتين.

و تطبيق اللامركزية لا يعني إضعاف الحكومة المركزية وإنما يساعد الحكومة المركزية من خلال اللامركزية أن تركز على قضايا مهمة بينما تقوم الهيئات المحلية بالتركيز على القضايا المحلية.(5)
وباختصار فإن نهج اللامركزية السياسية يتحدد بما يلي:
1- أن تكون للسلطات العامة المحلية والهيئات المتخصصة فيها أهداف خاصة بإقليمها أو بمنطقة حكمها الذاتي وبما يقتضي تأمين استمرارها وإدارة وحكم شؤونها تطبيقا للديمقراطية.
2- أن تكون للسلطات العامة المحلية وهيئاتها التنفيذية والتشريعية والإدارية والقضائية المتخصصة أجهزة تابعة لها منتخبة بموجب قوانين عادية أو بموجب دستور محلي، وحيث إن اللامركزية السياسية تنطوي على مفهومي الحكم الذاتي ونظام الدولة الفدرالية ، وبما أن الصلاحية السياسية تكون ضيقة في نظام الحكم الذاتي وواسعة في الدولة الفدرالية فكلا النظامين يقومان على نفس الأهداف المتعلقة بحل مشاكل القوميات ومشاكل المجتمعات التعددية على المستوى اللغوي والديني والثقافي وأهم نقاط الخلاف هي:
‌أ- كلا النظامين في اللامركزية السياسية يقومان على مبدأ الاستقلال الذاتي وحيث إن مدى الاستقلال في النظام الفدرالي واسع يتجلى بتوزيع السيادة الداخلية بين الحكومة الفدرالية والولاية بموجب دستور فدرالي ودستور محلي، أما في نظام الحكم الذاتي فإن الاستقلال يكون محدودا لأنه غالبا ما يقام في الدولة الموحدة بالمفهوم الدستوري مما يجعل هذه الهيئات الذاتية تابعة نسبيا للحكومة المركزية.
‌ب- في النظام الفدرالي يتغير شكل الدولة ويتحول إلى دولة مركبة بينما يبقى شكل الدولة في نظام الحكم الذاتي في نطاق الدولة الموحدة مع بعض التمايزات السياسية.
‌ج- من حيث النشوء الفدرالية تنشأ إما باتحاد دول أو بتفكك دول أما الحكم الذاتي فهو ينشأ عن طريق إقرار الحكومة المركزية لإقليم معين بالحكم الذاتي السياسي فهو لا يؤدي إلى ولادة دولة جديدة وإنما يعيد توزيع الوظيفة السياسية بحدود ضيقة.
‌د- في الدولة الفدرالية هنالك ازدواج في السلطة التشريعية أما في نظام الحكم الذاتي فهنالك صلاحية محددة للمجالس المحلية بالتشريع مع أن توزيع الاختصاصات يكون بقانون وليس منصوصا عنه بالدستور باستثناء بعض التجارب التي حاولت إدراج ضمانات دستورية لحماية منطقة الحكم الذاتي.(6)

2 ـ نماذج اللامركزية:
في الأنواع المختلفة للامركزية لا تتم في جميع الأحوال عملية النقل الكلي للسلطات الإدارية أو المالية أو السياسية إلى الوحدات أو الكيانات المحلية وإنما يتم ذلك وفق نماذج مختلفة قد ترى أي دولة أن نموذج معين منها يتماشى وظروفها، ويمكننا حصر أهمها فيما يأتي:

أـ النموذج المستقل: يتم الاستقلال على مستوى الوحدة المتدنية في الدولة مثل المحافظة، المقاطعة والسلطات المحلية والتي لها كينونة قانونية كوحدات منفصلة، إن تحويل السلطات يدعى تنازل عن السلطة أو انتقال السلطة من الحكومة المركزية إلى السلطات المنفصلة عنها، وأنها تمثل اللامركزية الحقيقية ومن خلال التنازل فإن الحكومة المركزية تتخلى عن وظائف معينة أو تنشئ وظائف معينة جديدة تكون خارج سيطرتها المباشرة.
إن نموذج التنازل ينطوي على مميزات أساسية محددة وهي تشمل:
 تكون الوحدات المحلية من الحكومة مستقلة معتمدة على ذاتها وينظر لها بوضوح على أنها مستويات منفصلة عن الحكومة وليس للحكومات سيطرة عليها.
 الحكومات المحلية لها حدود جغرافية واضحة ومميزة قانونيا ويتم ممارسة السلطات والقيام بالوظائف العامة عليها.
 الحكومات المحلية لها وضع قانوني مؤسسي ولديها القوة لضمان الموارد اللازمة للقيام بمهامها الوظيفية.
 ينطوي التنازل على الحاجة إلى " تطوير الحكومات المحلية كمؤسسات " بمفهوم أن ينظر إليها من قبل المواطنين المحليين كمؤسسات تقدم خدمات لإشباع احتياجاتهم كما ينظرون إليها أيضا كوحدات حكومية يكون لهم التأثير عليها.
 إن التنازل هو ترتيب يتضمن عملا تبادليا، فيه تبادل المنافع وينسق العلاقات بين الحكومات المركزية والمحلية، بحيث إن الحكومة المحلية لديها القدرات للتفاعل بشكل متبادل مع الوحدات الأخرى في النظام الحكومي الذي تشكل جزءا منه.

ب -النموذج شبه المستقل:
تكون الوحدات على المستوى السفلي شبه مستقلة وفقا لهذا النموذج ، والتي يتم فيها تفويض بعض مظاهر الحكم من خلال التشريعات أو بواسطة التعاقد وهي أحد أشكال اللامركزية لكنها أدنى من التنازل، ونعني بالتفويض نقل عملية اتخاذ القرارات الحكومية والسلطات الإدارية أو المسؤوليات لمهام محددة بدقة إلى مؤسسات تكون في الغالب إما تحت الرقابة الحكومية غير المباشرة أو تكون شبه مستقلة، كما أن التفويض يكون من الحكومة المركزية إلى المؤسسات شبه المستقلة والتي لا يكون مسيطرا عليها بالكامل من الحكومة ولكنها مسؤولة قانونيا أمام الحكومة.

ج- النموذج التابع:
ينطوي هذا النموذج على تبعية الوحدات على المستويات السفلى أو تبعية أجزاء من تلك الوحدات للإدارة المركزية، ويطلق عليه عادة مصطلح عدم التركيز الإداري الذي ينطوي على القليل من نقل الصلاحيات لاتخاذ قرارات محددة والقيام بوظائف إدارية ومالية بوسائل إدارية إلى مستويات مختلفة تحت نفس نطاق السلطات للحكومة المركزية، وهذا النموذج يمثل أقّل النماذج من حيث ممارسة اللامركزية.(7)
ثانيا: دور اللامركزية في إدارة النزاع الإثني:
يؤدي استبعاد أقليات كثيرة وفئات أخرى مهمشة تاريخيا عن السلطة التاريخية الحقيقية إلى شعورها بأنها متغربة عن الدولة، وفي بعض الحالات يكون سبب الاستبعاد فقدان الديمقراطية أو إنكار الحقوق السياسية، وإذا كان هذا هو الوضع فالتحرك نحو الديمقراطية يمكن أن يساعد، لكن الضرورة تتطلب المزيد من حالات أخرى لأن أفراد مجموعات كهذه حتى لو كانت لهم حقوق سياسية متساوية في نظام ديمقراطي قد يكونون ممثلين بأقل مما يستحقون أو خاسرين في عمليات التصويت بشكل دائم ، فينظرون إلى الحكومة المركزية كجسم غريب أو أداة قمع، ولا عجب في أن تقاوم أقليات عديدة الحكم الغريب أو القمعي وتسعى إلى المزيد من القوة السياسية.(Cool

وعليه فإن إيجاد حلول لمثل هذا المأزق أمر صعب للغاية وذلك بسبب عدد من العوامل التي تتضمن أوجه اللاتناظر التي يجري إدخالها حين يكون النزاع بين دولة وجماعة أقلية، وطبيعة احتياجات الهوية والأمن التي لا تقبل التفاوض وصعوبات تحقيق تسوية عبر الفصل الجغرافي

المستند إلى حدود معترف بها والتي هي الكيفية التي غالبا ما تنتهي بها النزاعات بين الدول، ومع ذلك وعلى الرغم من المشاكل المتأصلة في محاولة حل النزاعات الإثنية قد يكون انعدام النجاح أيضا مرده عدم ملاءمة الأساليب المستخدمة.(9)


و في هذا السياق أصبحت اللامركزية بمختلف أشكالها إحدى المطالب والآليات المهمة في تطبيق الديمقراطية متعددة الثقافات، والتي من شأنها التحكم على الأقل في هذه النزاعات لأنها تعمل على تحويل الحكومة المركزية للبعض من سلطاتها السياسية لأقاليم ومناطق محلية معينة والبعض من مواردها ومسؤولياتها الإدارية وحتى المالية، و تسمح بالتالي بزيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار لأنها تجعل الحكومة أكثر قربا إلى الشعب، وفي نفس الوقت تساعد على تزكية الوحدة الوطنية، وبتعبير آخر لقد اعتمدت اللامركزية لإصلاح مساوئ اللامساواة بين الأقاليم وضمان إعادة توزيع الاعتمادات المالية القومية على نحو أكثر إنصافا إلى الأقاليم التي أهملتها سابقا الجماعات المهيمنة مركزيا، والتمكين من المناقشة وإعادة التفاوض بشأن تخصيص الموارد القومية التي كانت مصدرا لنزاعات قديمة بين الأقاليم والجماعات الإثنية.(10)
و في الخصوص أورد "لبهارت" رؤية يعتقد فيها أن إقامة حكومة ديمقراطية مستقرة أمر ممكن في مجتمعات متعددة الإثنيات، ولكنه يجادل بأنه كي يحدث هذا ينبغي أن ترفض النخب المبادئ المستندة إلى فلسفة الغالبية وأن تتبنى أربع أفكار أساسية اتحادية هي:
‌أ- الائتلاف الكبير: فيه تتكون الحكومات من ممثلين من مختلف الجماعات الإثنية الرئيسية، ويجادل "لبهارت" بأن هذا المبدأ هو أهم مبدأ من بين المبادئ الأربعة.
‌ب- التناسب: يتطلب تخصيص عدد معين من المقاعد في البرلمانات والحكومة للجماعات الإثنية الأقلية على أساس أعداد أفرادها.
‌ج- الفيتو المتبادل: ينبغي أن يكون بإمكان الجماعات الإثنية الرئيسية كافة وقف أو تأخير تشريع تعتقد أنه سيؤثر تأثيرا خطيرا في مصالحها.
‌د- الحكم الذاتي الشريحي: حيثما أمكن ينبغي نقل السلطة حيث تستطيع الأقاليم في دولة ما أن تكون فيها الأقلية الإثنية هي الأكثرية بالفعل، وأن يكون لها حكم ذاتي محلي كبير ويشمل هذا ترتيبات اتحادية.(11)

من خلال هذه الرؤية يمكننا استنباط آليات فعالة لإشراك مجموعات وأقليات متباينة في السلطة ضمن إطار الممارسات السياسية ومؤسسات الدولة، يتمثل الصنف الأول منها في اقتسام السلطة إقليميا من خلال الفدرالية وأشكالها المتعددة، وتشمل الترتيبات الفدرالية إقامة وحدات إقليمية ثانوية ضمن الدولة تمارس الأقليات في إطارها استقلالا ذاتيا واسعا وهذا النوع من ترتيبات المشاركة في السلطة ملائم على نحو خاص حيث تتركز الأقليات جغرافيا ولها تقاليد في الحكم الذاتي ترفض التخلي عنها.

أما الصنف الثاني من هذه الترتيبات فينطوي على المشاركة في السلطة وفق نظام الحكم الذاتي الذي قد يأخذ مستويات متفاوتة بالزيادة أو النقصان وذلك حسب طبيعة وقوة كل من السلطة المركزية و الجماعات الإثنية.
وفيما يتعلق بالصنف الثالث فهو ينحصر في المشاركة في السلطة عبر تحالفات توافقية تستخدم سلسلة من الأدوات لضمان مشاركة مجموعات متنوعة الثقافات غير متركزة إقليميا وغير مطالبة لا بالاستقلال الداخلي ولا بالحكم الذاتي. وتعتمد التحالفات التوافقية على مبدأ المحاصّة النسبية، فالتركيبة العرقية أو الثقافية للمجتمع تنعكس بنسبتها على مؤسسات الدولة، ويتطلب تحقيق المحاصّة النسبية آليات وسياسات معينة حيث يمكن للترتيبات الانتخابية كالتمثيل النسبي أن تعكس تركيبة المجموعة بشكل أفضل وهو ما ينطبق أيضا على تخصيص مقاعد أو حصص محجوزة للأقليات في الهيئات الحكومية أو التشريعية.

ومن حيث الممارسة العملية أو الفعلية نلمس تطبيق كلا من الأصناف الثلاث في أنحاء عديدة من العالم وثمة أمثلة كثيرة عن نجاح كل منها، مع أن أيّا من هذه النماذج ليس حلا نهائيا للنزاعات الإثنية التي يحتمل أن تحدث.

1 ـ المشاركة في السلطة من خلال الترتيبات الفدرالية:
يمثل الاتحاد الفدرالي درجة متقدمة وشكل راقي لمفهوم اللامركزية السياسية يساهم في ترسيخ الاستقرار السياسي في الدولة المتعددة القوميات والثقافات والأديان، ويعتبر وسيلة من وسائل تحقيق الديمقراطية والحرية السياسية للجماعات المتمايزة.

فمن خلال المؤسسات الديمقراطية والتمثيلية توفر الفدرالية وسائل عملية للتعامل مع النزاعات في المجتمعات المتعددة الثقافات، وتمكين الناس من العيش معا مع الاحتفاظ بتعدديتهم، ويمكن أحيانا التكيف مع المطالب السياسية لفئات متنوعة ثقافيا عبر الاعتراف الصريح بالتعددية الفئوية ومعاملة مناطق معينة بشكل مختلف عن مناطق أخرى فيما يتعلق بقضايا محددة.

ولذا تستطيع الدول الفدرالية التكيف مع بعض الوحدات الثانوية عبر الاعتراف بخصوصيات معينة في كياناتها السياسية والإدارية والاقتصادية، كما فعلت ماليزيا عندما انضمت ولايتا صباح وسراواك إلى الاتحاد الفدرالي في عام 1963، ويتيح ذلك مزيدا من المرونة في الاستجابة لمطالب محدودة وإفساح حيز للتنوع، كما تسمح هذه الإجراءات الخاصة لتباينات الفئات المتركزة إقليميا بالتعايش سياسيا مع السلطة المركزية مما يخفض احتمال نشوب صراعات عنيفة والمطالبة بالاستقلال.

وتوجد بضعة أمثلة مزدهرة لمثل هذه الكيانات إذ تكاد كل ديمقراطية عريقة مسالمة ومتعددة الأعراق ألا تكون فدرالية فقط ، بل فدرالية لا متماثلة مثلا تقسم بلجيكا إلى ثلاث مناطق (الفالون والفلمنك وبروكسل العاصمة)، أقيمت اثنتان منها بناء على اعتبارات لغوية (منطقة الفالون للناطقين بالفرنسية والألمانية ومنطقة الفلمنك للناطقين بالهولندية) كذلك يضم الاتحاد السويسري هويات لغوية وثقافية مختلفة.



مع ذلك فشلت فدراليات عديدة وانهارت في أنحاء كثيرة من العالم ترتيبات فدرالية حاولت خلق مناطق فرعية "صافية" العرقية أحادية القومية، و يوغسلافيا مثال بارز على ذلك حيث لم تكن الترتيبات الفدرالية ديمقراطية، فقد "جمعّت" كيانات الاتحاد بالإكراه وحكمت من قبل سلطة ذات محصّات سياسية واقتصادية مجحفة جدا، موزعة على الأطراف الرئيسية مما أدى إلى تأجيج النزاعات العرقية التي تحولت في نهاية المطاف إلى صراع إقليمي وانهار الاتحاد الفدرالي، وينسب هذا الانهيار أحيانا إلى تركيبة فدرالية معيبة أخفقت في إنشاء عمليات ومؤسسات حرة وديمقراطية تستطيع المجموعات العرقية من خلالها الإفصاح عن هويات متعددة، وبناء تكاملية بينها بدلا من ذلك عززت الدعوات الانفصالية فانتهى بها الأمر إلى التفتت السياسي.
و من جهة أخرى نجد بعض الكيانات الفدرالية التي تكتفي بالتجاوب مع مطالب لتخصيص جمهوريات أوطان " استبعادية " أو" أحادية القومية " للفئات العرقية، قد ترفض فكرة الهويات المتعددة والتكاملية، ويمكن لمثل هذه الصفقات السياسية والتنازلات المحلية التي لا تعزز الولاءات لمؤسسات مشتركة أن تدخل ميولا شقاقية في منظومة الحكم السياسية تشكل تحديات مستمرة مثلما هي الحالة في نيجيريا.

و عليه فإن نجاح الترتيبات الفدرالية يتوقف على التخطيط المتأني والإرادة السياسية لتقوية الأداء الديمقراطي للنظام، والأمر الهام هو ما إذا كانت الترتيبات تتسع لتباينات هامة فيما يتم تدعيم الولاءات الوطنية في نفس الوقت.(12)

2 ـ المشاركة في السلطة من خلال نظام الحكم الذاتي:
إذا كان تعريف النظام الفدرالي واضحا ومتفقا عليه إلى حد كبير فإن التعريف بنظام الحكم الذاتي أصبح مجالا مفتوحا وقابلا للنقاش الدائم، فهناك من يضيّق من مفهومه باعتباره لا يخرج عن كونه نوعا من أنواع اللامركزية الإدارية وهناك من يوسع فيه لحد اعتباره حكما فدراليا في حد ذاته.

وفي هذا الخصوص يرى " بوردو" أن نظام الحكم الذاتي ليس إلا مستوى موسع من اللامركزية الإدارية لأن الصلاحيات التي تتمتع بها مجالس الإقليم محددة ومقيدة ولا يمكن معه القول بوجود استقلال تشريعي، وحيث إن الاستقلال التشريعي الذي يتحدث عنه " بوردو" لا يخرج من كون النظام الحكم الذاتي يعبر عن مستوى سياسي يندرج ضمن مفهوم اللامركزية السياسية بالتأكيد على تمتع المجالس الإقليمية بالصلاحية التشريعية بما يتوافق مع التمايز القومي واللغوي ووجود الأقليات والظروف التاريخية مع التوافق والنص الدستوري، وحيث إن حق الاعتراض والحل من قبل السلطة المركزية تجاه الأقاليم لا يخرج عن ماهية الاستقلال السياسي النسبي، وكان الهدف الأساسي منه هو تحقيق التوازن السياسي المرن في إطار الدولة وحماية لحقوق الأقليات والقوميات تمشيا مع مسلمات الفكر السياسي التي تؤكد أن الاستقرار السياسي لا يتحقق إلا بإعادة رسم العلاقة السياسية في الدول القائمة على أساس الاختلاف القومي واللغوي والديني وبحماية التراث التاريخي والإنساني الذي تؤكد عليه القوانين الدولية.
وهناك رأي لا يشاطر أن نظام الحكم الذاتي هو مستوى من اللامركزية الإدارية لأن الوظيفة السياسية للدولة يتم إعادة رسمها سياسيا بالدرجة الأولى وبالتالي يفترض ذلك إعادة بناء المؤسسات السياسية والعلاقات القائمة بينها بناء على مفهوم جديد في الفكر السياسي والدستوري يتعلق بإعادة تقسيم السيادة الداخلية السياسية ولو كان تقسيما جنينيا في نطاق الحكم الذاتي أمام التقسيم العلني والواضح للسيادة الداخلية للدولة في النظام الفدرالي ، ويقول "منذر الشاوي" أن نظام الحكم الذاتي صيغة متقدمة من اللامركزية بقوله " إن اللامركزية يمكن أن تتضمن درجة أخرى يكون معها ما اصطلح عليه بالفرنسية بمبدأ الإقليمية السياسية وهي أقصى درجة من درجات اللامركزية حيث تكون على مشارف الفدرالية، فالمنطقة يمكن أن تمارس السياسة ولا يمكن اعتبارها كيانا سياسيا وهذا مرهون بالصلاحيات المعطاة لهذه المنطقة فإذا امتلكت مناطق الحكم الذاتي بعض الاختصاصات التشريعية فإنه يمكن القول أنها تنطوي على نوع من اللامركزية السياسية وإن كانت الاختصاصات محددة وثابتة.(13)

أما "هانوم" فنجده يقر بأن مبدأ "الحكم الذاتي" يعترف بحق المجتمعات ذات الأقلية الأصلية في ممارسة حق تقرير مصير داخلي وفي التحكم بشؤونها الخاصة بها بطريقة لا تتعارض مع السيادة العليا للدولة، وهو الأمر الذي ينتج عنه في المجتمعات المتعددة الإثنيات طريقا وسطا بين خياري الانفصال والاندماج القسري اللذين يشجعان على النزاعات.(14)

وتعتبر إسبانيا مثالا بارزا في هذا المجال فقد مُنح وضع " جماعات حكم محلي " لمناطق الباسك وغاليسيا و14 كيانا آخر، وأعطيت هذه الجماعات إطارا واسعا ومتباينا إلى حد كبير من سلطات الحكم الذاتي في مجالات مثل الثقافة والتعليم واللغة والاقتصاد، وبموجب هذه التغييرات حددت للأقاليم التاريخية الثلاث مجالات خاصة بها من الحكم الذاتي مثالا على ذلك نالت الهيئات الإدارية في نافارا والبلدات الباسكية سلطات ضريبية واتفاقية محددة تتجاوز السلطات الممنوحة إلى جماعات حكم ذاتي أخرى، كما تتمتع غاليسيا وكاتالونيا بصلاحيات خاصة في اللغة والثقافة، وقد ساهم استعداد إسبانيا للتكيف مع المطالب الخاصة بإقليمها في تخفيف حدة النزاعات والتحركات الانفصالية، كما ساعدت هذه الإجراءات الفعالة الطوعية على زيادة التقبل لتعدد الهويات وعلى تهميش تلك الهويات الاستبعادية ذات الحصرية الباسكية أو الغاليسية أو الكاتالونية أو الإسبانية.

3 ـ المشاركة في السلطة عبر التحالفات التوافقية: النسبية والترتيبات التمثيلية الانتخابية:
يطبق أسلوب التحالفات التوافقية مبدأ النسبية في أربعة مجالات أساسية: من خلال المشاركة في السلطة التنفيذية والتمثيل النسبي في النظم الانتخابية وتوفير السبل الاستقلالية الثقافية وإجراءات وقائية بشكل حقوق نقض" فيتو" متبادلة، وفي إمكان هذه الأدوات أن تساعد على منع قطاع في المجتمع من فرض وجهات نظره على قطاع آخر كما يمكن لها في صيغها الأكثر فعالية أن تساهم في تمثيل التركيبة الثقافية التعددية لمجتمع ما في مؤسسات دولته.
و من جهة أخرى تنتقد تركيبات التحالفات التوافقية أحيانا بذريعة أنها غير ديمقراطية، حيث ينظر إليها كأداة لسيطرة النخبة عبر استيعاب المعارضة أو المجموعات المعرضة للخطر، لكن ليس من الضروري أن تشمل مثل هذه الترتيبات "ائتلافا كليا" من الأطراف، إذ كل ما تحتاج إليه هو تمثيل مشترك عابر لحدود جماعات في السلطتين التنفيذية والتشريعية، والتحدي هو التأكد من ألا يطغى أي من الحكم الذاتي (الأقليات) أو الحكم المشترك (للدولة ككل) على الآخر كما ينبغي التعاطي مع هذه الترتيبات من خلال سياسات متعقلة و مسؤولة.

و لهذا سنحاول التركيز في هذا القسم على آليتين للتوافقية ـ المشاركة في السلطة التنفيذية، والتمثيل النسبي ـ اللتين تحولان دون هيمنة مجموعة الأغلبية، فمن وجهة نظر دستورية تثير الإجراءات التي تعطي الأقليات امتيازات في العمليات الانتخابية، أسئلة حول مبدأ المساواة في المعاملة، إلا أن الأقليات الصغيرة والمبعثرة لا تحظى بأي فرصة للحصول على تمثيل برلماني من دون مساعدة ، وتاليا يمكن للمشاركة في السلطة التنفيذية أن تحمي مصالحها، وتعكس النسبية في مثل هذه الترتيبات السياسية والتنفيذية التركيبة التنوعية للمجتمع في مؤسسات دولته.

و كمثال نجد أن دول مثل بليز وغويانا وسورينام وترينداد ـ توباغو تستخدم منذ زمن طويل آليات المشاركة في السلطة للتعامل مع الانقسامات العنصرية والعرقية محققة نسبا متفاوتة من النجاح، تتضمن هذه الآليات عاملي الاستقلالية (حكم ذاتي لكل جماعة) والاندماجية (حكم مشترك لكل الجماعات)، وتشمل المشاركة في السلطة السياسية الهيئات التنفيذية والتشريعية و( من حيث المبدأ) القضائية.

ولكن من الضروري التزام الحذر للتأكد من عدم تعطيل قدرات أقلية ما على الفوز بعدد مناسب من المقاعد ـ كما في إيرلندا الشمالية ـ فخلال فترة الحكم المحلي بين عامي 1920 و1972 جرى مرارا تقسيم المقاطعات الانتخابية لغير صالح الأحزاب الكاثوليكية القومية وسواها ، ولخدمة حزب أولستر الاتحادي المهيمن الذي ظل في الحكم دون انقطاع متجاهلا في معظم الأحيان مصالح الأقلية القومية، واستفز ذلك الوضع رد فعل طويل البقاء من النزاع والعنف.

أما عن التمثيل النسبي فإنه يتيح لكل جماعة لها شأنها أن تحظى بتمثيل سياسي متناسق تقريبا مع نسبتها من السكان وبخاصة عندما تكون الأحزاب ذات قاعدة عرقية، وحتى عندما لا تكون هكذا يوفر التمثيل النسبي قدرا أكبر من الحوافز للأحزاب السياسية كي تسعى وراء أصوات انتخابية من مجموعات مبعثرة لا تشكل أغلبيات في أي دائرة انتخابية جغرافية معينة وهو ما يعزز أيضا تمثيل الأقلية، فالتمثيل النسبي لا يضمن تلاؤما ناجحا فيما نظام "الفائز يأخذ كل شيء" قد يناسب أحيانا الفدرالية المتعددة القوميات واللغات كما بينت كندا والهند، إلا أن كلتا الدولتين تستخدم أيضا إجراءات أخرى كي تضمن التمثيل السياسي لفئات متعددة ،كذلك يمكن لأنظمة " الفائز يأخذ كل شيء" أن تؤدي إلى استبداد الأغلبية.

لا تضمن أي قاعدة من القواعد الكثيرة للتمثيل النسبي تحقيق نسبية كاملة، لكن في وسعها إتاحة تمثيل أوسع للأقليات والمجموعات الأخرى.
و يحظى التمثيل النسبي بأكبر فعاليته في الديمقراطيات المستقرة حيث يمكنه أن يعالج بعضا من النقائص الكبيرة في الأنظمة الانتخابية، المعتمدة على الأغلبية بتقوية الأصوات الانتخابية للأقليات، غير أن التمثيل النسبي ليس الحل الوحيد في جميع الحالات، إذ أن إضافة تجديدات على أنظمة "الفائز يأخذ كل شيء" تستطيع أيضا أن تقوّي صوت الأقليات الانتخابي رغم أن استنباط مثل هذه الترتيبات مهمة أكثر صعوبة بكثير.

من الوسائل الأخرى لضمان تمثيل الأقليات الثقافية حجز مقاعد لجماعات معينة كما تفعل نيوزيلندا لسكانها من الماوري، والهند للقبائل و الطبقات المنبوذة وكرواتيا لأقلياتها من ذوي الأصول الهنغارية والايطالية والألمانية وغيرهم، لكن نظام حجز المقاعد والحصص النسبية يتعرض للنقد أحيانا لأنه "يثبّت" هويات الناس واختياراتهم في الآلية الانتخابية، كما أن التفاوض حول الحصص النسبية وحجز المقاعد قد يؤدي إلى نشوء نزاعات ومظالم، ففي لبنان أمست مظالم المسلمين من التحصيص بنسبة 6,5 في مقاعد البرلمان بين المسيحيين والمسلمين المثبتة على أساس إحصاء 1932 مصدرا رئيسيا للتوتر أدى إلى حرب أهلية عندما تغير الوزن السكاني لكل من الطائفتين.(15)

وكنتيجة أخيرة وبالرغم من الانتقادات التي واجهتها هذه الآليات السالفة الذكر إلا أنها نجحت في مناطق كثيرة في تقريب وجهات النظر بين الحكومات المركزية والجماعات الإثنية، وبالتالي فإن تجاوز نقائصها يتطلب المزيد من العمل الجاد من قبل جميع الأطراف المعنية وهذا ما سنتطرق إليه في المحور الموالي.

ثالثا: نحو بناء اللامركزية الفعالة والناجحة:
تتأثر جهود إزالة المركزية على نحو قوي بحجم البلد وعدد سكانه وتاريخه ومناخه السياسي وتعدديته الجغرافية و الإثنية، وتستلزم هذه الاختلافات ترتيبات مختلفة على المستويين المركزي وما دون القومي بما في ذلك الأيلولة (انتقال الصلاحيات) والتفويض وعدم التركيز(16) هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن تحسين اللامركزية لا يتطلب تحسين وتقوية الحكومات المركزية والمحلية فقط بل يتطلب أيضا إدماج عناصر أخرى من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص كمشاركين مع الحكومات على كافة المستويات، لذا فإن دور الحكومة المركزية يصبح مجرد الميسر أو المسهل والقوة المحفزة لتمكين التجديد في المشاركة بالمسؤوليات وخلق البيئات الممكنة لزيادة فعالية الناس والشركاء في متابعة تحقيق أهدافهم الشرعية.(17)

وعليه تقتضي اللامركزية الناجحة عوامل لا غنى عنها هي:
 دولة فعالة القدرة مستقرة ملتزمة بتحويل المسؤوليات والموارد معا،
 سلطات محلية مخولة ملتزمة مؤهلة و قادرة على أن تتحمل تلك المسؤوليات وتأخذها على عاتقها،
 مجتمعات مدنية منظمة ومشاركة.(18)
وتتجلى قدرة الدولة والتزام السلطات المحلية ومشاركة المواطنين والمجتمعات المدنية من خلال القيام بما يلي:
1- قيام السلطة بتغيير جوهري وكامل في مضمون العلاقة بين السلطة المركزية والسلطة المحلية في المدى البعيد، وبالرغم من أن عملية التحويل تحتاج إلى شروط عديدة ومترافقة مع فترة زمنية حتى تتم بصورة جذرية، إلا أنه يمكن الوصول إلى ذلك عبر العمل على تغيير القوانين القائمة، فالهدف ليس إيجاد هيكلية إدارية تجمع أو تفصل بين مستوى التجمعات السكانية بقدر ما هو تغير جوهري وعميق في مفهوم العلاقة بين السلطتين بحيث تقوم على أساس الندية والتكافئية مع العمل في البداية على منح الاستقلالية والتمثيلية لتلك الهيئات، ولن يتأتى هذا إلا بوضع نظام إداري شامل قائم على مفهوم اللامركزية الإدارية وصولا إلى مفهوم اللامركزية السياسية.
2- إعادة قولبة بنية وهيكلية الهيئات المحلية في النواحي القانونية والإدارية والمالية، ففي الناحية القانونية يجب إعداد قانون جديد يتضمن نظام انتخابيا لهذه الهيئات، وفصل الإدارة التنفيذية عن السلطة التشريعية في الهيئة المحلية، ومن الناحية الإدارية فيجب تحديد الصلاحيات والاختصاصات

للتقسيمات المختلفة، وتحديث الكوادر الإدارية والتركيز على القضايا التنموية والتطويرية للمجتمع المحلي، وفي الناحية المالية ولترسيخ مفهوم الاستقلالية للهيئات المحلية تمنح الهيئات المحلية القدرة على تحصيل موارد ثابتة كمدخل تتلاءم مع مدى ومجال النشاطات والخدمات التي تقدمها هذه الهيئات.
3- كما أن تطوير الهيئات المحلية لا يمكن أن يتحقق إلا بتغيير النمط المتوارث لعلاقة إلحاق السلطة المحلية بالسلطة المركزية، وخلق علاقة جديدة تقوم على إيجاد علاقة تكافئية بين الطرفين، وهذه العلاقة لا يمكن أن تنشأ بدون اعتراف مبدئي بتساوي مستوى الحكم المركزي والمحلي، ويقترن هذا الاعتراف إجرائيا بقوانين وأنظمة تكفل حقوق كل طرف من جهة، وتنظيم العلاقة الاعتمادية المتبادلة بينهما بحيث يتحقق التكامل والانسجام بين المستويين من جهة ثانية.(19)
4- يساعد المجتمع المدني على التأسيس لنظام لامركزي ناجح من خلال قوة بنيته واتساع اطلاعه وقدرته على جمع آراء الجمهور والتعبير عنها بوضوح، أي قدرته على لعب دور الوسيط الذي يسعى للتوفيق بين رؤية المستويات المحلية والمستوى الحكومي في إدارة الحكم.

الخاتمــة:
رأينا من خلال ورقتنا البحثية كيف أن اللامركزية ـ التي تعني في أوسع معانيها عملية توزيع السلطة الإدارية والمالية فالسياسية بين المستوى الحكومي المركزي والمستويات المحلية أو دون القومية وفي الحدود التي تتراوح بين النقل الكلي والتفويض وعدم التركيز ـ قد أصبحت من المرتكزات الأساسية للأنظمة الديمقراطية المعاصرة، وإذا كانت مطلوبة جدا في المجتمعات المتجانسة كوسيلة للتقريب أكثر بين الحكومة وشعبها ومنح هذا الأخير فرصة أكبر لصنع قراراته، فإنها تمثل أرضية جد مهمة في المجتمعات المتعددة الإثنيات باعتبارها تتيح مجالا مثمرا للتعامل بشكل عقلاني مع مطالب الإثنيات ـ التي يمكن في حالة تجاهلها أن تحدث نزاعات قد تهدد وجود الدولة الوطنية في حد ذاتها ـ فهي بمثابة حل وسط يحول دون الانفصال أو الإدماج القسري التعسفي بحق هذه الجماعات الإثنية ويحقق بالتالي نوعا من الاتفاق في إطار الوحدة الوطنية.

وقد تم استحداث عدة ترتيبات لتطبيق اللامركزية السياسية وقفنا على مدى نجاحها في تجارب متعددة من دول العالم مع بعض الفشل في دول أخرى قدمنا بشأنها محاولات لكيفية تدارك عجزها، ولكن النتيجة التي يجب الإشارة إليها هي أنه لتفعيل اللامركزية السياسية كآلية عادلة و ناجعة إلى حد ما لإدارة أي نزاعات إثنية لابد من الاجتهاد في إيجاد السبل المناسبة لمنح السلطات الفدرالية أو المحلية الاستقلالية المالية أي الحرية في تحصيل الضرائب واستثمار عوائدها حسب حاجاتها، و إعطائها كذلك صلاحيات أكبر في التشريع ( الذي يبقى محل جدال وتعارض شديدين بين الحكومات المركزية وهيئات الجماعات الإثنية)، لأن اللامركزية الحقيقية لن تتحقق إلا إذا تجاوزت مستواها الإداري لتصل إلى المستوى المالي والسياسي وبالشكل الذي يضمن في آن واحد تحقيق المطالب الإثنية المتباينة و الوحدة الوطنية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
متصل
 
المقاربات النظرية في تفسير الصراعات الاثنية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الصراعات الاثنية في إفريقيا
» تطور مفهوم بناء السلام: دراسة في النظرية و المقاربات
»  الصناديق المغلقة: مداخل تفسير الصراعات الداخلية في دول الربيع العربي
» المجموعات الاثنية ومردودها الايجابى والسلبى على المجتمعات الافريقية
» المقاربة النفسية في دراسة مسائل الهوية والتمحور حول الاثنية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثالثة علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات ) :: عـــلاقــــــــات دولــــيــــــة ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1