المجموعات الاثنية ومردودها الايجابى والسلبى على المجتمعات الافريقية

المجموعات الاثنية فى كثير من المجتمعات الافريقية كانت وما زالت تمارس كثيرا من الادوار السياسية وتتبنى وجهات نظر من خلال منابر الرأى والتنظيمات المدنية والاهلية مما انعكس بدوره وبصورة واضحة على مكانة الدول الافريقية وريادتها على المستويين الداخلى والخارجى .
جاء هذا التعريف فى دراسة للدكتور مصعب عبد القادر وداعة الله الاستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة النيلين والتى نشرت فى العدد الاول من مجلة( افريقيا المستقبل) التى اصدرها المركز العالمى للدراسات الافريقية فى العام 2012م بهدف تعريف افريقيا للافارقة جغرافيتها وتاريخها وحضاراتها العريقة ،حيث تحاول الدراسة التأكيد على ضرورة اعادة بناء الدول الافريقية على اسس جديدة تجعلها اكثر قابلية للتطور واشد قدرة على مجابهة التحديات بالفاعلية المطلوبة .
واضافت الدراسة ان التمييز الاجتماعى بين الاثنيات وتوظيف الواقع الاجتماعى سياسيا اصبح ظاهرة سالبة تهدد تماسك المجتمعات الافريقية مما يخلق ضرورة تبنى سياسات التقارب الوثيق والتدريجى بين الجماعات المختلفة وترى الدراسة ان تنامى الوعى الجماعى للمجتمعات الافريقية بضرورة تشجيع التقارب الثقافى والفكرى وتكثيف المصالح المتداخلة وتبنى صيغة متوازنة لتحقيق المشاركة العامة وقسمة الموارد الاقتصادية بين مكونات المجتمع المختلفة .
وما سبق يقود بدوره الى تهيئة المناخ الداخلى الملائم لاستقرارالدول الافريقية ولابد فى هذا السياق من لفت النظر الى المشروع القومى الناجح للدول الافريقية الذى لا يقوم الا على المشتركات القيمية والثقافية والاجتماعية لذلك تفترض الدراسة ان تهيئة الدولة الافريقية للدخول فى مسارات التنمية والتحديث تبدأ باعادة صياغة اشكال العلاقات والتفاعلات بين مكونات المجتمع الافريقى على المستوى الداخلى والانطلاق فى نسق من العلاقات الخارجية قائم على تعظيم المصالح وتحقيقها مع الاطراف الدولية بقدر من الكفاءة والتوازن .
وتناولت الدراسة واقع العالم الذى يعيشه الان والتحولات التاريخية الهامة بالاضافة الى موضوع جدل اعادة توظيف الواقع الاثنى الافريقي وموضوع التأثير الاثنى على الدولة الافريقية وموضوع استراتيجيات التعامل مع الواقع الاثنى والتى شملت استراتيجية الاستيعاب والدمج حيث تقوم على عمليات ثقافية تسعى لتشكيل ثقافة جامعة وانظمة تعليم ومناهج واساليب تربوية موحدة وعمليات استيعاب مادية بصهر الجماعات ببعضها البعض بالاضافة الى عمليات الاستيعاب المؤسسى بانشاء مؤسسات يشارك فيها جميع الافراد وتحقيق التنمية المتوازنة بما يحقق الاستقرار الداخلى فى الدول الافريقية والعربية ويهيئ الاجواء الملائمة لتدعيم التعاون بينهما .
وخلصت الدراسة الى ان افريقيا من قارات العالم المهمة من حيث ما تملكه من موارد طبيعية وما يميزها من موقع استراتيجى يتحكم فى حركة تجارة العالم حيث مرت هذه القارة بتجربة استعمارية مريرة تعرضت فيها لكل اشكال الاستغلال حيث عمدت هذه القوى لخلق تناقضات فى داخل بنية الدولة الافريقية مما جعل الدول الافريقية تعيش مأزقا حقيقيا فى تعايشها السلمى الداخلى مما جعل من التوتر والعنف والمواجهات والحروب الاهلية واقعا معاشا .
ولذلك تواجه هذه الدول بتحديات كبيرة فى سبيل التخطيط لتحقيق الاستقرار السياسى والتماسك المجتمعى .فالتكامل القومى والتعايش السلمى بين اطياف المجتمع المختلفة فى الدولة الافريقية كان وما زال هاجسا كبيرا والسبيل الوحيد للدولة الافريقية فى ان تلعب دورا خارجيا يتناسب مع امكاناتها الطبيعية وقدراتها المهولة ،هو ان تجد حلا مستداما لمشكلاتها الداخلية وان تعيد بناء جسور الثقة والترابط بين مكوناتها الاثنية المختلفة مما يستوجب ابتداع سياسات ومشروعات دمج قومية تعيد ترتيب البيت الداخلى للدولة الافريقية.
اذ لابد من ان تقوم السياسات الرسمية ونظم الحكم فى افريقيا منطلقة من اعتراف بالواقع الاثنى واهمية توظيف الامكانات لجعله اكثر قابلية للتعايش والتجانس بدلا من خيار المواجهة والعنف والحروب الداخلية التى اعقدت القارة من لعب دور مقدر فى الحراك الدولى .ولعل توسيع ديمقراطية المشاركة هو من انسب الصيغ التى يتوجب الالتزام بها فى سبيل معالجة الازمات وتلافى حدوثها .
وأوصت الدراسة الى انه من الضرورى ان تتوجه الدولة الافريقية لانجاز مهام استيعاب مطالب المجموعات الاثنية فى بنية النظام السياسى والاستفادة من كل تجارب الاحتقان والمواجهات التى مرت بها الدولة الافريقية عبر تاريخها والعمل على خلق مشروعات اجتماعية وثقافية واقتصادية تحقق المصالح المشتركة وتؤسس لمجتمع داخلى متماسك وايلاء قضايا التنمية المتوازنة اهتماما اكبر وخلق فكر وطنى ايجابى وثقافة جمعية استيعابية بدلا عن اى توجهات انتقائية وقفل الطريق امام الخصوصيات الجغرافية والانكفاء على الهويات والثقافات الجزئية التى تأتى دائما خصما على الروح الوطنية الجامعة.

** سونا - معزة الدرديرى