الاسم و اللقب: حمدوش رياض الرتبة الأكاديمية: أستاذ محاضرالشهادة المحصل عليها : دكتوراهالتخصص: علاقات دوليةجهة العمل: كلية العلوم السياسية – جامعة قسنطينة 3 الجزائرالهاتف النقال: 0557469428البريد الالكتروني: hamdouche71@yahoo.fr عنوان المداخلة: تطور مفهوم بناء السلام: دراسة في النظرية و المقاربات مقدمة
لقد ظهرت مع نهاية الحرب الباردة وبروز النظام الدولي الجديد، أشكال جديدة من النزاعات ساهمت في تطوير حقل حل النزاعات الدولية الذي يعنى بدراسة أسباب الحرب و النزاع و العمل على حلها،وهذا التطور في حقل النزاعات عرف نقاشات فكرية ونظرية من طرف المحللين ، السياسيين والأكاديميين الذين أبدو اهتمام بالغ ،ومحاولة لتوضيح الغموض ألمفاهيمي وتدارك بعض العجز في إيجاد نظرية تلم بكل جوانب وحيثيات مفهوم "بناء السلام"،وهذا راجع إلى التشابك و التداخل في المفاهيم والرؤى حول هذا الموضوع .
إن مفهوم بناء السلام الذي ارتبط بمرحلة الحرب الباردة يعتبر من المواضيع المهمة والمثيرة للنقاش، لأنه يعبر عن اهتمام الدول والأفراد على حد سواء في توفير السلم والاستقرار. كبديل للحروب ولإصلاح فترة ما بعد النزاعات،الشيء الذي أدى إلى تكثيف الجهود وتنسيقها من أجل إنجاح هذه العملية وتحقيق غاياتها المنشودة التي من شأنها مساعدة الإنسانية وإرساء دعائم السلم والأمن الدوليين.
إن فهم أسباب النزاع والعوامل التي تؤدي إلى تصاعده تتطلب تحديث طرق لحل هذا النزاع، لإيجاد بديل لتجنب الوقوع فيه مجددا. وقد تتخذ برامج خاصة لتنفيذ هذه الطرق من خلال إتباع خطوات طويلة الأجل بغرض إصلاح النزاع،وتتطلب هذه العملية تدخل طرف ثالث لتسويته عبر أساليب مختلفة مثل حفظ السلام،صنع السلام،بناء السلام .
ولكن توطيد السلام الدائم. يتطلب تشييد البنية الأساسية الهيكلية وتوفير الأمن الإنساني،وحماية حقوق الإنسان والدفع بعجلة التنمية ومعالجة الاقتصاد المنهار نتيجة الحروب ،كذلك لإزالة الأسباب العميقة للنزاع بحيث يتمكن الأطراف من إصلاح علاقتهم مع بعضهم البعض وإصلاح الادراكات الخاطئة تجاه الأخر عبر إعادة بناء الثقة،فعملية بناء السلام تتضمن مثل هذه الأنشطة،فلقد أصبح هذا المفهوم الجديد محط اهتمام كل الدول إذ أنه يعبر عن أولوياتهم وخططهم لتحقيق الديمقراطية والمصالحة. فبناء السلام جاء ليكمل عمليات حفظ السلام وصنع السلام وهذا لتأسيس السلام الدائم والحفاظ على النظام الدولي.
1ــ تعريف مفهوم بناء السلام.
يمكن القول أن الملامح الأولى لهذا المفهوم بدأت مع مبادئ ويلسون الأربع عشر ة التي كان ينظر
إليها على أنها ركائز لديمومة السلام بعد الحرب العالمية الأولى ، ووسيلة للحفاظ على المكتسبات
التي تم إحرازها على طريق إرساء السلام، وذلك بواسطة إقامة سلام توفيقي وضمان ديمومته بإقامة
مؤسسة دولية راعية له وهي عصبة الأمم ، لكن هذا المفهوم بدأ يتبلور مؤسساتياً مع تقرير الأمين
العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي الصادر عام 1992 المعروف بخطة للسلام والذي قدم فيه
رؤيته حول تعزيز وزيادة قدرة الأمم المتحدة على تحقيق مفهوم شاملٍ متكاملٍ لإرساء السلم والأمن
الدوليين، مضمناً إياه أربعة مصطلحات رئيسية تشكل حلقة متكاملة تبدأ بالدبلوماسية الوقائية
و تستمر مع صنع السلام وحفظ السلام لتصل إلى مرحلة بناء السلام، ومنذ ذلك التاريخ والمفهوم
متداولٌ في أدبيات السلم والأمن الدوليين[url=#_ftn1]
[1][/url].
وفي تقريره المقدم عام 1998 عن "أسباب الصراع والعمل على تحقيق السلام الدائم والتنمية المستدامة في أفريقية" ذهب إلى القول: "ما أقصده بعبارة بناء السلام بعد انتهاء الصراع هو الإجراءات المتخذة في نهاية الصراع لتعزيز السلام ومنع عودة المجابهة المسلحة"[url=#_ftn2][2][/url] وكان تقرير الفريق رفيع المستوى المعني بالتهديدات والتحديات والتغيير الصادر عام 2004 ، بأن بناء السلام يحقق انسجام عمل الأمم المتحدة مع التحديات الجديدة التي أضحى الأمن الدولي عرضةً له وفي هذا التقرير انطلقت فكرة إنشاء هيئة مستقلة في منظومة الأمم المتحدة يوكل إليه مهمة بناء السلام، ولعل أبرز التحديات التي تعترض دراسة هذا المفهوم تتمثل في الافتقار لتعريف محدد متفق عليه لبناء السلام في حين أنه ثمة اختلا فا على الصعيد الدولي في أسس وطبيعة عملية بناء السلام وفقاً للجهة التي تتناول هذا الموضوع ، فعلى سبيل المثال ترى الولايات المتحدة الأمريكية في بناء السلام عملية سياسية - اقتصادية وفقاً لمفاهيمها المتعلقة بكل جانب من هذه الجوانب ، في حين تؤكد بعض المنظمات الدولية ، كبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في أن أولويات هذه العملية هي تحقيق التنمية وخلق ثقافة تُتيح مشاركة المجتمع المدني ،UNDP للوصول إلى حلول سلمية للنزاعات[url=#_ftn3][3][/url].
Johan Galtung: عمل على الدراسات الميدانية للسلام ، ومنع نشوب الصراعات ، "ويركز على مستويات حل النزاع خارج وداخل الدولة من قبل مجموعات بناء السلام ، ويهتم بدور النخب في هذه العملية بالتركيز على الأبعاد النفسية، الاجتماعية، الدينية وغيرها من الأبعاد في عملية بناء السلام على الصعيد المحلي و المستوى المجتمعي".
Necla Tshirgi: "بناء السلام في جوهره يهدف إلى منع وحل النزاعات العنيفة ، بتعزيز السلام بعد إن يكون العنف قد انقص منه ، وعادة بناء السلام لفترة ما بعد النزاع يهدف إلى تجنب الوقوع فيه مجددا ، فبناء السلام يسعى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع ، بما فيها من أسباب سياسة، هيكلية ،اجتماعية ، ثقافية ، اقتصادية ..."
ويجمع بين الوقاية من الحرب ،حل النزاع و إعادة الاستقرار لما بعد النزاع و يوضح ان بناء السلام هو أفضل تصور لنشاطات موجهة نحو الأهداف المشتركة ، و جوهره تعريف بناء السلام كأداة لبناء المؤسسات و البنى التحتية للدول التي عانت من الحروب الأهلية والنزاعات ، وبناء علاقات سلمية تقوم على أساس المنفعة المتبادلة بين الدول التي كانت في حالة حرب،وهذا بمعالجة الأسباب العميقة للصراع[url=#_ftn4][4][/url].
كما يعرف جون بول ليدراخ بناء السلام "" بأنه مفهوم يضم العمليات التي يقوم بها الفواعل المحلية التي هي كل قوى المجتمع فردا وجماعة وكذا السلطة ،والفواعل الدولية من مؤسسات دولية ومؤسسات غير دولية ودول التي تهدف إلى لإنعاش المجتمع المدني و إعادة بناء البنية التحتية و استعادة المؤسسات التي حطمتها الحرب أو النزاعات الأهلية للمجتمعات، و قد تسعى هذه العمليات إلى إقامة هذه المؤسسات إذا لم تكن موجودة بما يمنع نشوب الحرب مرة أخرى من شأنها تدفع لتمتين عملية بناء السلام [url=#_ftn5][5][/url]."
من خلال تحليل تعريفه نرى أنه حدد الفواعل في عملية بناء السلام أن بناء السلام ينطوي على البحث في الأسباب العميقة للنزاع من خلال إعادة بناء البنى التحتية ككل وهذا ما يدفع لإنهاء النزاع ككل.
- حدد Lederach الفترة الزمنية لبناء السلام والتي يجب أن تكون طويلة المدى. كما يؤكد lederach ان بناء السلام شكل اساسي يعتمد على الدخول في علاقات.
إذن فإن بناء السلام هو عملية تنطلق مع نهاية نزاعٍ مسلحٍ وتنطوي على جهود عدة أطراف دولية ومحلية بغرض الحفاظ على ما تم إنجازه من خطواتٍ أسفرت عن التوصل لإنهاء النزاع من جهة، والتأسيس لمرحلةٍ جديدةٍ من شأنها ضمان ديمومة هذه النتائج من جهةٍ أخرى، (كما هو مبين بالشكل1.
شكل رقم 1 مسارات بناء السلامالمصدر: محمد احمد عبد الغفار، فض النزاعات في الفكر والممارسة الغربية، الجزائر،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع،2003.*المسار الاول: يتم في هذا المسار كل من المفاوضات ، حفظ السلام، التحكيم، دعم السلام .
الوساطة العضلية : سياسة التهديد بالقوة بين الاطراف.
*المسار الثاني: ويتم فيه استعمال كل من : المساعي الحميدة ، التوفيق، والوساطة النقية
نهج حل المشكلة: التكامل وسيادة التهديد بالقوة.
*المسار الثالث: دوائر السلام داخل بؤرة النزاع، بناء الترابط الاجتماعي.
إيجاد أرضية مشتركة: التكامل وسيادة التهديد بالقوة.
ويلخص "ليدراخ" إلى أن السلام سيكون الهدف الأول والأخير وانه سوف يعبر عنه في القرن الحادي والعشرين بإحدى ثلاث وسائل ليست متباينة.
أولا: فهو عملية وهيكل في آن واحد قابلة للتشكيل وفقا للعلاقات الإنسانية التي تتصف بقدر عال من العدالة وانحسار العنف.
ثانيا: يعبر عن بنية أساسية لمنظمة او نظام حكم يتجاوب مع النزاع الإنساني بوسائل غير عنيفة كحل اول واخير.
ثالثا: هو رؤيا لنظم تتجاوب مع عنصري الاستمرارية والتلازم في العلاقات وفي المتغيرات. [url=#_ftn6][6][/url]
بالإضافة "ليدراخ" رأى بناء السلام على أنه يتضمن المساواة والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى الأفعال الاجتماعية التي تهدف إلى تحسين العلاقات وتلبية الاحتياجات الأساسية ،إضافة إلى نشاطات تغذي وتقوي السلام الموجود .
كما يعرف بناء السلام أيضا على أنه "تشييد البنية الأساسية و الهياكل التي تساعد أطراف النزاع على العبور من مرحلة النزاع إلى مرحلة السلام الايجابي"
2 ـــ الظروف الدولية التي أدت إلى ظهور مفهوم بناء السلام.
تزامن ظهور مفهوم بناء السلام في مع عدة متغيرات فرضت نفسها على الساحة الدولية وتمثلت بما يأتي:
أ- توسع نطاق التهديدات التي تعترض السلم والأمن الدوليين:
إن تبنى ميثاق الأمم المتحدة مفهوما تقليديا للسلم والأمن الدوليين يقوم على أساس أن التهديدات التي
يمكن أن تعترضهما تكمن في اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة أو التهديد بذلك، وعلى الرغم من
الاهتمام الذي أبداه الميثاق بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية وقضايا حقوق الإنسان إلا أنه لم يربط
هذه المسائل ربطاً عضوياً محكماً بالسلم والأمن الدوليين،
وعليه تطور مفهوم الأمن الجماعي الذي خرج من إطاره التقليدي ذ ي الأبعاد العسكرية، لينطلق نحو تصورٍ جديدٍ للأمن الجماعي ذ ي أبعادٍ إنسانيةٍ لم تغب يوماً عن بال واضعي الميثاق [url=#_ftn7][7][/url]، الأمر الذي يستخلص مما ورد في عباراته الافتتاحية من تأكيد الالتزام بالحقوق الأساسية للإنسان وبدفع عجلة الرقي الاجتماعي قدماً ورفع مستوى الحياة وغيرها من الإشارات التي تضمنها الميثاق بهذا الشأن. وأضحى تحقيق الاستقرار في المجتمع الدولي يتطلب بعداً في النظر يتخطى معالجة المخاطر المرتبطة با لنزاعات المسلحة ، بإعطاء القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية حيزاً أكبر من الاهتمام .
ويأتي مفهوم بناء السلام متسقا مع هذه الرؤية الجديدة للسلم والأمن الدوليين ، فكما أن عناصر
جديدة قد فرضت نفسها في مواجهة هذا المفهوم ، فإن بناء السلام يأتي كآلية جديدة تأخذ عل ىعاتقها، كما سنرى لاحقاً، معالجة جوانب متنوعة من شأنها المساهمة في إرسائهما[url=#_ftn8][8][/url].
ب - تزايد المخاطر المنبثقة عن النزاعات المسلحة غير الدولية:
يعد تعامل الأمم المتحدة مع النزاعات المسلحة غير الدولية حديثا نسبيا مع النزاعات ذات الطابع غير
الدولي، ولم يتعرض ميثاق الأمم المتحدة لمثل هذه النزاعات كأحد عوامل تهديد السلم والأمن الدوليين، على عكس تلك ذات الطابع الدولي ، في وقتٍ تصاعدت فيه وتيرة هذه النزاعات لتصبح أحد التهديدات الرئيسية للسلم والأمن الدوليين ، علماً بأن المادة 34 من الميثاق يمكن أن تُتيح فرصة تدخلها في مثل هذه النزاعات، إذ تمنحها هذه المادة فرصة فحص أي نزاعٍ أو موقفٍ من شأنه أن يؤدي إلى احتكاكٍ دوليٍ، دون تحديد الصفة الدولية أو غير الدولية لمثل هذا النزاع أو الموقف.
وقد أصبحت النزاعات المسلحة غير الدولية، بحد ذاتها، تشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين إذا
كان من شأنه ا أن تُعرض شعب الدولة التي يقوم ضمن حدودها النزاع لأعمال تنطوي على انتهاكات
لحقوقهم الأساسية، أو إذا أسفر النزاع عن موجات اللجوء والنزوح، وما يعقب ذلك من مشكلات قد
تطال دولاً أخرى، أو في حال امتلك النزاع قابلية لل تحول إلى نزاع د وليٍ بحكم ارتباط الدولة المعنية
بروابط عرقيةٍ أو دينيةٍ أو سياسيةٍ مع دولٍ أخرى خاصةً المجاورة منها[url=#_ftn9][9][/url] .
[url=#_ftnref1][/url]
1-رياض الداودي، تاريخ العلاقات الدولية : مفاوضات السلام، دمشق، منشورات جامعة دمشق، الطبعة الخامسة،1998 ، ص39؛[url=#_ftnref2]
[2][/url]
- خولة محي الدين: دور الأمم المتحدة في بناء السلام ،مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية - المجلد 27 - العدد الثالث (2011).ص491. [url=#_ftnref3][/url]
1 -رياض الداودي، مرجع سابق الذكر،ص29؛[ltr][url=#_ftnref4]
[4][/url] -Necla Tshirgi
, strongtheningthe security;devloppementnexus;conflict peace and peacebuilding as the link between security and developpement ,is the windows of opportunityclosing!international peace academy studies in securityand development;december2003;new York.p.2[/ltr]
[url=#_ftnref5]
[5][/url]
- محمد احمد عبد الغفار، فض النزاعات في الفكر والممارسة الغربية، الجزائر، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع،2003.ص22.[url=#_ftnref6]
[6][/url] محمد احمد عبد الغفار، مرجع سابق الذكر،ص23 ؛
[ltr][url=#_ftnref7]
[7][/url]
-United Nations, Peacekeeping Operations: Principles and Guidelines, United Nations, Departmentof peacekeeping operations- Department of field support, 2008, p.18. [/ltr]
[url=#_ftnref8]
[8][/url]
خولة محي الدين، مرجع ساق الذكر،ص491.[url=#_ftnref9]
[9][/url]
المرجع السابق،ص492؛