الصناديق المغلقة: مداخل تفسير الصراعات الداخلية في دول الربيع العربي
المصدر: السياسة الدولية
بقلم:
خالد حنفى علي إذا كان الصراع في أشهر تعريفاته النظرية هو موقفا ينشأ من التناقض في المصالح أو القيم بين أطراف (قد يكونون أفرادا أو جماعات أو دولا) تكون علي وعي بهذا التناقض، مع توافر الرغبة لدي كل منها للاستحواذ علي موضع يتصادم مع رغبات الآخرين (1)، فإنه يظل ظاهرة لا يمكن إنكارها، علي اعتبار أنها تفاعل مرتبط أساسا بالوجود الإنساني. لكن الصراع بهذا المعني ليس شرطا أن يكون أداة سلبية تدمر المجتمعات والدول، فيمكن أن يتحول إلي أداة إيجابية، إذا ما تمت إدارته سلميا، بحيث يسهم في تنمية المجتمع.
وعلي ذلك، فالصراعات - خاصة الداخلية - في دول الربيع العربي التي اشتعلت فيها الثورات تأتي تعبيرا عن عمليات التغيير الاجتماعي التي يمكن أن تكون منتوجاتها إيجابية أو سلبية، بحسب طرق إدارة التغيير، ومدي التوافق المجتمعي حولها، لاسيّما وأن تلك الدول تحوي صراعات معقدة ذات طبيعة بنيوية، وليست فقط سلطوية. فمع إزاحة الأنظمة التسلطية، تحولت التناقضات الاجتماعية التي ظلت "كامنة" لعقود، بفعل أدوات القهر، إلي صراعات ظاهرة تلقي بتأثيراتها علي إدارة المراحل الانتقالية، تارة بتحويلها عن أهدافها الرئيسية، وتارة أخري بتأثيراتها في بنية وهوية الدولة ذاتها.
ولا يمكن الركون فقط إلي أن الصراعات في المراحل الانتقالية بعد الثورات - بحسب المنظور الخلدوني - هي جزء من عملية تطورية للمجتمع، قد تنتهي إلي مرحلة أخري أكثر نضجا، فبعض المجتمعات مرت في دورات التغيير السياسي بدرجات من الحريات والعدالة الاجتماعية، لم تكن متوافرة خلال عقود الأنظمة التسلطية. وبالتالي، فالصراعات في المراحل الانتقالية قد تصل إلي "نتائج عكسية" بإعادة إنتاج أنماط استبدادية، إذا ما انصرف فهم الصراعات علي أنه "إحلال سلطوي"، وليس معالجة للمشكلات الهيكلية في المجتمعات.
بيد أن الخطوة الأولي لمنع أية انتكاسات هي فهم طبيعة نشوب تلك الصراعات ومصالح أطرافها، ومدي استعدادهم لإدراك التعددية المجتمعية وإدارتها. فأزمة الهوية التي ظن البعض أنها حسمت منذ عقود، في ظل مشروع الدولة القومية العربية، عادت لتطل برأسها كأحد معاول الصراعات في ليبيا ومصر وتونس، لاسيّما مع الصعود الإسلامي في تلك الدول. كما أن التكوينات الاجتماعية الأولية تجلت بأردية "طائفية دينية" في البحرين وسوريا، و"قبلية" في ليبيا واليمن.
إن محاولة فهم ما المداخل النظرية الأكثر ملاءمة لتفسير الصراعات الداخلية، في المراحل الانتقالية بعد الثورات العربية، لهي ما تبتغيه السطور القادمة، علاوة علي الفرز "النظري" لأنماط تلك الصراعات، مستهدفة الوصول إلي تقييم مبدئي لمدي كفاية هذه النظريات للتعامل مع الصراعات في المنطقة.
أولا - أنماط الصراعات الداخلية في دول الربيع العربي:
ثمة عناصر حاكمة لمفهوم الصراع الداخلي، إذا ما توافرت نصبح إزاء صراع داخلي، لعل أبرزها الوعي وإدراك التناقضات، وأن تكون هنالك قضايا يتم التصارع حولها، أيا كان نوعها، تعبر عنها وحدة سلوكية، سواء كانت فردا أو جماعة داخل الدولة، يضاف إلي وجود تحركات ومواقف تعبر عن مطالب الصراع، وتنقله من الكمون إلي الظهور (2).
وعلي أساس تلك العناصر، يميز علماء الصراع بين مستويين من تعريف الصراعات الداخلية، أحدهما: ينحو إلي الموضوع الذي يتم التصارع حوله، مثل بيتر فالنستين (3) الذي يعرف الصراع بأنه خلاف حاد بين طرفين علي الأقل، بحيث لا يمكن للموارد ذاتها (سياسية أو اقتصادية) أن تلبي طلبات كل منهما في الوقت ذاته. ويضيف إدوارد أزار إلي موضوعات التصارع الحاجة إلي الأمن، والهوية، والاعتراف، والمشاركة. أما المستوي الآخر، فيركز علي خصائص المحركين للصراع. فجون بيرتون يري الصراع نابعا من التمييز ضد جماعة معينة، سواء أكانت اجتماعية، أو عرقية، أو دينية، أو جماعات مصالح في المجتمع، حيث يشعر أحد الأطراف بأن هويته وأمنه وبقاءه مهدد من قبل طرف آخر (4). وإذا ما ارتبط الصراع - كما يشير كريسبرج - بفاعلين لهم ملامح مجتمعية أو طائفية أو دينية أو غيرها، فإنه يصبح أكثر حدة وامتدادا، سواء لجهة التجذر، مجتمعيا أو عابرا لحدود الدولة، إذا كانت هنالك جماعات تتشابه مع ملامح هؤلاء الفاعلين في الجوار الإقليمي.
وبالرغم من كثرة تعريفات الصراع، فإن التعريفين السالفين يلائمان حالات الصراعات الداخلية في دول الربيع العربي التي بدا الصراع في بعضها يتركز علي معادلات تقسيم السلطة والثروة، ولكن عبر أطر سياسية واجتماعية لا تزال تعلي الانتماء للدولة، حتي لو أصابت الأخيرة "رخاوة سياسية"، كما في مصر وتونس. بينما البعض الآخر من دول الربيع العربي يعلو فيها الفاعل المذهبي والقبلي والديني في الصراعات، ويضعف الانتماء للدولة، كما في اليمن، وليبيا، والبحرين، وسوريا. ولعل هذا الاختلاف، في حالات الصراعات الداخلية في دول الربيع العربي، مرجعه أمران:
- التكلفة الاجتماعية لتغيير الأنظمة التسلطية. فكلما ارتفعت حدة التكلفة (حرب أهلية مثلا)، باتت صراعات المرحلة الانتقالية أكثر عنفا وامتدادا، واستدعاء للانتماءات الأولية، والعكس صحيح. فتغيير نظامي مبارك وبن علي عبر المليونيات السلمية أقل تكلفة اجتماعية من نظام القذافي الذي سقط إثر حرب أهلية وتدخل دولي، وهو ما انعكس علي طبيعة صراعات المرحلة الانتقالية التي اتسمت بانخفاض مستوي العنف في مصر، وتونس، مقارنة بليبيا، واليمن.
- مدي تضرر الدولة من ممارسات الأنظمة التسلطية. فكلما تماهت تلك الأنظمة مع الدولة ووظائفها، أصبح سقوط النظام يستدعي إعادة النظر في طبيعة الدولة ذاتها، وبالتالي فدرجة التماهي تحدد ردة الفعل الصراعية وطبيعتها في المرحلة الانتقالية. فما إن سقط القذافي الذي مثل نظامه أعلي درجات التماهي مع الدولة، ظهرت النزعات الانفصالية في ليبيا، وبدرجة أقل في اليمن، إذ بدا الجنوب اليمني غير راض عن البقاء في إطار الدولة، وتنخفض درجات التماهي في مصر وتونس. وعلي ذلك، فكلما ضعفت الدولة، أمسي الصراع لا يقتصر علي السلطة والثروة، وإنما يمتد إلي الهوية والقبيلة والدين وغيرها. ومن هنا، يمكن فرز أنماط الصراعات الداخلية في دول الربيع العربي عبر ثلاثة أشكال بارزة:
1 - صراعات مرتبطة بتقسيم السلطة والثروة، وهو النمط الغالب للصراعات الداخلية في دول الربيع العربي، حيث إن إحلال أنظمة جديدة يستتبع بالضرورة إعادة تقسيم السلطة والثروة. بيد أن تلك الصراعات ارتبطت بمدي تطور المرحلة الانتقالية ذاتها. فكلما لجأت الأنظمة الانتقالية إلي أدوات الاستقرار السياسي (الانتخابات، صياغة توافق وطني)، بدا الصراع أكثر سلمية علي الموارد، والعكس صحيح، أخذا في الحسبان أن تلك العلاقة ترتبط بخصوصيات وطبيعة تكاليف إسقاط الأنظمة التسلطية المشار إليها سلفا.
فالحاصل في مصر وتونس، اللتين شهدتا تقدما نسبيا في المرحلة الانتقالية عبر الانتخابات، أن القوي الإسلامية - بشقيها الإخوانية والسلفية الصاعدة بعد الثورة - تحاول تأمين أكثر قدر من السلطة بعد عقود من الحرمان، لاسيّما مع خلل في موازين القوي بين الإسلاميين والتيارات السياسية الأخري في مصر، بينما تونس أكثر توازنا لجهة وجود "ترويكا" حاكمة تضم إسلاميين من النهضة وتيارات أخري لها وجود سياسي. والتوازن ذاته تحقق نسبيا في ليبيا، إذ أسفرت أول انتخابات للمؤتمر الوطني الليبي عن توازن قوي بين تيارات. ولعل النموذج اليمني في الصراع علي السلطة أكثر خصوصية من تلك الدول، خاصة أنه صراع مدعوم بخلفيات قبلية. فخروج الرئيس علي عبدالله صالح من الحكم، إثر المبادرة الخليجية، جعل صراع السلطة محتدما في المراحل الانتقالية بين المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس السابق، والقوي السياسية المنتمية للحوار المشترك المدعومة من آل الأحمر و"التجمع اليمني للإصلاح" الإخواني.
2 - صراعات مرتبطة بشبكات المصالح الاجتماعية والاقتصادية، وهي تضم فئات من رجال الأعمال والعسكريين والجهاز البيروقراطي والقيادات المحلية، وغيرها. وتلك الشبكات - التي يدرجها البعض في مفهوم الدولة العميقة - تواجه صراعات علي مصالحها في المراحل الانتقالية بعد الثورات. ففي مصر، ثمة صراع دائر علي توطيد المصالح التجارية بين رجال الأعمال المنتمين للقوي المهيمنة علي الحكم بعد الثورة، ونظرائهم من النظام السابق. كما أن العسكريين يسعون لتعزيز مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من إنهاء الرئيس مرسي لدور المجلس العسكري، بينما الفئات البيروقراطية والعمالية وشرائح الطبقة الوسطي حرصت علي الضغط من خلال التظاهرات الفئوية لزيادة امتيازاتها. والصراع ذاته محتدم في تونس، فحزب النهضة يواجه شبكات المصالح بعملية إحلال للقيادات في الجهاز البيروقراطي، فيما تعاني شبكات المصالح في ليبيا، خاصة المرتبطة بالقذافي، تطهيرا وملاحقة عنيفة، بينما في اليمن عززت شبكات المصالح القديمة المرتبطة بعلي صالح وجودها لارتباطها بالعامل القبلي.
3 - صراعات مرتبطة بانتماءات أولية، وهي التي يظهر فيها أطراف الصراع هوياتهم الدينية، أو الطائفية، أو القبلية، أو الجهوية. فإعلان برقة شرق ليبيا إقليما فيدراليا جاء احتجاجا علي التهميش الذي واجهه الإقليم إبان حكم القذافي لأكثر من أربعة عقود، وحول ثروات الشرق النفطية إلي تنمية المناطق الغربية، واستند الإعلان إلي مرجعية قبلية جهوية، وإلي أوضاع ما قبل الدولة الموحدة. كما أن التمايز الثقافي والتاريخي للجنوب اليمني دفع إلي طرح مسألة تحويل دولة الوحدة اليمنية إلي دولة فيدرالية من إقليمين، شمالي وجنوبي، لحل الأزمة التي لم تنته.
ولعل ذلك عكس التناقضات القبلية بين تكتل حراك أبناء إقليم الصحراء، الممثل لقبائل الجنوب الساعية للانفصال، بالتوازي مع النزعات الانفصالية ذاتها للحوثيين في صعدة في مواجهة قبائل حاشد وبكيل الداعمة لبقاء الدولة الموحدة.
أما الصراع المذهبي (السني - الشيعي) في البحرين، فأمسي حقيقة علي الأرض، فالسنة يؤيدون النظام، والشيعة يعارضونه. المنحي ذاته يتخذه الصراع في سوريا، خاصة مع تركيز نظام بشار في قصفه علي مناطق السنة، ومحاولة التحصن بالعلويين في اللاذقية وطرطوس علي الساحل السوري، مما أدي إلي طرح البعض ما يسمي باحتمالية "الدويلة العلوية"، رغم أن حقائق التداخل الجغرافي والمذهبي تصعب من ذلك.
ثانيا - المداخل النظرية المفسرة للصراعات الداخلية:
إن الأنماط المتداخلة سالفة الذكر للصراعات الداخلية في دول الربيع العربي تفرض فهما مركبا متعدد الأبعاد، خاصة أننا إزاء صراعات تختلف من حيث مدي التجذر الاجتماعي، وتداخل المصادر المؤدية للصراع. ومن هنا، تأتي أهمية المداخل (النفسية، الاجتماعية، الهوياتية)، فهي تضع مجتمعة تفسيرات لما هو خلف الصراع من رغبات إنسانية ومدخلات تكوين المجتمعات، وما هو ظاهر متعلق بالحركة الصراعية في المجتمع نفسه.
1 - المدخل النفسي، وهو ينظر للصراع علي أنه تعبير عن دوافع ونزعات الإنسان للتصارع والتسلط. ففرويد يري في الصراع فرصة لإرضاء مثل هذه النزعات، بينما يفسره كينيث والتز بأنه "سوء توجيه النزعات العدوانية". غير أن الافتراض بأن الإنسان أو أي جماعة تميل بطبيعة غرائزها إلي التصارع يجافي فكرة أن البيئة المحيطة تلعب دورا مطلقا أو مقيدا لتلك الرغبات. فلا يمكن النظر إلي الصراعات الداخلية في دول الربيع من الناحية النفسية علي مجرد رغبة في التسلط، وإنما هي نتاج تأثيرات البيئة المحيطة. فلقد خلفت الأنظمة العربية البائدة مع طول بقائها ظواهر نفسية معقدة لدي المجتمعات العربية، مثل: الحرمان، والظلم، والإحباط، وعدم إشباع الحاجات، وغيرها. ومثل هذه الظواهر رافقت المجتمعات العربية في مراحلها الانتقالية بعد الثورات، وأضحت تفسر جانبا لا بأس به من الصراعات الداخلية:
- الحرمان النسبي، وهي من أشهر النظريات التي تفسر الصراعات داخل المجتمع. ويقصد بالحرمان النسبي - كما يشير تيد جير - الحالة التي يحرم فيها شخص أو جماعة من أمور يعتقدون أنهم أحق بها، في حين أن شخصا آخر أو مجموعة أخري تمتلك هذه الأمور. إذن، فالحرمان هو نسبي بين طرفين يمكن استشعاره عبر آليتين، هما التوقعات والإمكانيات. فعادة ما تمر المجتمعات بمراحل ترتفع فيها مستويات التوقعات بعد أي تغيير اجتماعي كالثورات، كما يمكن أن تنخفض التطلعات بعد المرور بكارثة. في الوقت نفسه، فإن كل مجتمع لديه إمكانيات لتحقيق تلك التوقعات، وهي تتفاوت بناء علي عوامل كثيرة من مرحلة إلي أخري.
وطبقا لهذه النظرية، فما دام مستوي الإمكانيات المتاحة للأفراد والجماعات يسمح لهم بتحقيق التطلعات المناسبة، فإن مستوي الإحساس بالحرمان يكون منخفضا، بدرجة لا يتوقع معها حدوث صراعات داخل المجتمع. ولكن عندما تتزايد الهوة بين الأمرين، تتزايد الصراعات. ولعل تلك النظرية تفسر إلي حد بعيد التظاهرات الفئوية ومطالبات المهمشين في مصر، وتونس. إذ توقع الكثيرون أن سقوط أنظمة تسلطية يعني رفع سقف التطلعات، بينما ما هو متاح من إمكانيات محدودة لا يمكن معها إشباع تلك المطالب الفئوية. واللافت أن الحرمان النسبي، كظاهرة ترتبط بالتغيير الاجتماعي، قد يتحول إلي "حرمان معاكس"، أي منع الآخرين من الحصول علي ما سبق أن حصلوا عليه، (مثال حرمان رموز الأنظمة التسلطية من المشاركة في العملية السياسية كما في مصر وليبيا وتونس) (5).
- الإحباط الجمعي، إذ يري جيمس ديفيز في نظريته أن الصراعات الداخلية تعبر عن حالة إحباط جمعي في المجتمعات، فهو تباين بين ما تريده الجماعة وتراه من حقها، والواقع الفعلي، فهو متغير وسيط يعقب الشعور بالحرمان، وقد يؤدي إلي الصراعات عندما يكون هناك محفز، فحرق بوعزيزي لنفسه فجر إحباطا جمعيا في تونس. ويولد الإحباط الجمعي شعورا بالظلم الاجتماعي وغياب العدالة. وهنا للأمر وجهان، فهناك عدالة إجرائية تتعلق بنزاهة إجراءات العملية الاجتماعية (كالمعاملة بكرامة واحترام مثلا)، وهناك عدالة توزيعية تتعلق بتوزيع عوائد التنمية. والناس عادة يهتمون بالعدالة الإجرائية أكثر من التوزيعية (فإهانة الكرامة قد تلعب دورا حاسما كما حدث في مصر وتونس).
- عدم إشباع الاحتياجات الأساسية، وتفترض هذه النظرية التي تبناها جالتونج أن جميع البشر لديهم احتياجات أساسية مادية (مأكل، مسكن) وغير مادية (حريات) يسعون إلي إشباعها، وأن الصراعات تنشأ عندما يجد الفرد أو الجماعة أنها لا تشبع، وأن آخرين يعوقون إشباعها. وتطورت تلك النظرية من الحاجات إلي إشباع الدوافع، فالإنسان يسعي أولا إلي تحقيق حاجاته الأساسية (ثورة الفقراء). فإذا حقق هذه الاحتياجات الأساسية، تظهر لديه دوافع للحصول علي احتياجات أخري، مثل حقوقه السياسية، ومستوي من الرفاه. ولعل نوعية الفئات (طبقة وسطي متعلمة - نشطاء إلكترونيون) التي خرجت في تظاهرات تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا كانت تشير إلي ثمة دوافع تتعلق بالكرامة والحريات، تتجاوز الاحتياجات الأولية. كما أن استمرار تلك الشرائح في الصراع مع الأنظمة الجديدة يشير إلي احتياجات أخري (6).
2 - المدخل الاجتماعي، وهو يمثل مدخلا أوسع لتفسير الصراعات الداخلية، فهو يرتبط بالمحيط الاجتماعي للفرد أو الجماعة المتصارعة، فذلك المحيط يتضمن عوامل أكثر شمولية في تفسير الصراعات، كالقيم والإدراك، والموارد، والأصول العرقية، والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. وينطلق هذا المدخل من أن الصراع يحدث نتيجة غياب الانسجام والتوازن والنظام والإجماع في محيط اجتماعي معين، وكذلك نتيجة وجود حالات من عدم الرضا حول الموارد المادية مثل السلطة والدخل، أو تعبيرا عن مصالح ترتبط بأصول دينية أو إثنية أو أخطاء في الإدراكات المتبادلة داخل المجتمع (7).
علي أن هناك تطورين محوريين في هذا المقترب، يساعدان علي فهم النظريات المفسرة للصراعات الداخلية:
- تحول النظر للصراعات من أنها ظاهرة ضارة إلي إيجابية (
، أي تساعد علي التطور الاجتماعي، وبالتالي فلم يعد مقبولا العودة لنظريات "القوة" عند هوبز التي تري الصراع في أن القوي يسلب الضعيف، أو داروين الذي يعرفه بأنه يهدف لبقاء الأصلح. إذ ظهرت نظريات من رحم البنائية الوظيفية تري الصراع دليلا علي حركية المجتمع وحيويته، وأن الجمود مؤشر علي القابلية للتفكك والانفجار.
- تراجع الاعتماد علي النظريات ذات البعد الواحد المفسر للصراعات، ومن أشهرها التحليل الطبقي لماركس. فالصراعات أضحت مصادرها متنوعة كالإدراك، والقيم، والأصول العرقية، أو الإثنية، والطبقية، والأيديولوجية، والاقتصادية، وبالتالي فإدراك تلك المصادر يمكن من فهم الأوزان النسبية في الصراعات، وأيها الأكثر حسما في نشوب الصراع. وثمة تفسيرات لنشوب الصراعات في نظريات المدخل الاجتماعي، تقترب من حالات الصراع في دول الربيع العربي، ومن أبرزها:
- الصراع مصدره عضوية الفرد في جماعة دينية أو طبقية أو قبلية. وفي هذا السياق، تفترض "النظرية الأولية" أن المجتمع يتشكل من جماعات متلاصقة ومتجاورة، ترتبط بانتماءاتها الأولية، كاللغة، أو العرق، أو النسب، أو الدين. وينشأ الصراع حينما تقوم إحدي الجماعات باحتكار مصادر القوة في المجتمع (9)، وتبرر هذا الاحتكار بالانتماء الأولي للجماعة، وهو ما يدفع للصراع مع الجماعات الأخري. فالصراع في مصر وتونس رغم أن جوهره علي السلطة والثروة بعد الثورة، فإن انتماء المتصارعين إلي جماعات دينية، كالإخوان وحركة النهضة، في مواجهة انتماءات ليبرالية ويسارية، يدخله في أبعاد اجتماعية وأيديولوجية مختلفة. والأمر ذاته في ليبيا واليمن، حيث الانتماء القبلي هو الأكثر حسما، بينما الطائفي هو الذي يشكل وعي المتصارعين في البحرين وسوريا.
ويبدو أن ثمة علاقة نظرية بين اشتداد حدة الصراع وبروز الانتماء العضوي للجماعة، فالانتماء للطائفة العلوية بات عاملا واضحا في الصراع السوري في مواجهة المعارضة، بالرغم من أن تلك الطائفة لا تعبر قط عن هوية دينية، بل شبكة من الامتيازات السياسية والاقتصادية التي وجدت أنها مهددة بالثورة علي نظام بشار الأسد.
والأمر ذاته ينسحب علي التحليل الطبقي لكارل ماركس، فالانتماء للطبقات الفقيرة والمتوسطة لشرائح عديدة في مصر، تشعر بالظلم الاجتماعي تجاه من يملكون، لا يحرك فقط الصراعات. فجورج كييه يلفت النظر إلي أن اندماج مفهوم الطبقة - بفعل العولمة والتغلغل الرأسمالي - في الخصائص المجتمعية والثقافية يعقد من الصراعات (10).
- صراع علي القوة والموارد والسلطة، فالجماعات المختلفة داخل المجتمع تسعي لإعادة تخصيص مصادر القوة والموارد والسلطة عقب أي تغيير اجتماعي، وهنا يفضي هذا التغير إلي إعادة توزيع الموارد، بحيث يستفيد البعض، ويضار البعض الآخر. وينشد المضارون استعادة ما فقدوه بتوجيه كل جهودهم صوب إعادة تخصيص الموارد من جديد، فينخرطون في صراعات مع الأطراف الأخري المستفيدة التي لا تتردد في دخول حلبة الصراع، حفاظا علي مكاسبها وتعظيما لها، كما يري لويس كوسر في نظريته للصراع الاجتماعي. غير أن كوسر حدد مدي انعكاس الصراع، إيجابيا أو سلبيا، بمدي قدرة أطراف الصراع علي تحقيق التوافق المجتمعي. ويشارك داهرندوف لوكسر في وجهة نظره، ويضيف أن الأفراد مستعدون للتضحية، إذا كانوا يعتقدون أن ذلك سيؤدي إلي مستقبل أفضل، ولهذا فالجماعة تسيطر علي سلوك أعضائها لتزيد قوتها في الصراع. فمثلا تملك جماعة الإخوان المسلمين في مصر قدرة السيطرة علي سلوكيات أعضائها، بما يجعلها أكثر قوة في صراعها مع التيارات الأخري.
- صراع يرتبط بالمدركات والأيديولوجية. وفي هذا السياق، ثمة نظريات عديدة تفترض أن السلوك الصراعي نتيجة إدراك أحد أطرافه لخصومه أو لأعدائه بشكل لا يتوافق مع مصالحه، الأمر الذي يسهم بدوره في تبني الطرفين لسبل غير متوافقة لتحقيق أهدافهما. كما أن التناقض في الرؤي الأيديولوجية يجعل الصراع محتدما. ولعل جانبا من الصراعات التي خلفها الصعود الإسلامي مع التيارات الليبرالية واليسارية في مصر وتونس وليبيا أن كلا منهما يقدمان رؤية أيديولوجية مختلفة للحياة، بما يجعل مصالحهما صراعية. وفي هذا السياق، يري ليدريش أن المدركات مثلما تفسر الصراعات، فهي تشكل مدخلا لتحويلها، عبر نظر إعادة تعريف مصالح أطراف الصراع، وإصلاح الخطأ في المدركات المتبادلة عبر الحوار، مما يحول الصراعات من مفهوم سلبي إلي إيجابي (11).
3 - مدخل الهوية، وهو أحد المداخل المهمة للصراعات، لاسيّما بعد طرح مفهوم الهوية بشكل موسع في الصراعات في دول الربيع العربي. فالهوية تعني للفرد أو الجماعة فهمنا لمن نحن، ومن الآخرون، وهي تتشكل من السمات المشتركة بين أعضاء الجماعة بما يميزها عن غيرها.
وثمة مقاربات نظرية عديدة للهوية علي أسس الجغرافيا، والعرق، والثقافة، والدين، والطائفة، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. فسكان القري والأرياف في تونس اكتسبوا هوية التهميش في مواجهة المركز في المدن الراقية بالعاصمة علي مدي أكثر من خمسة عقود، وتلك الهويات قد تتعايش أو تتنافر مع هوية الدولة الوطنية بشروط تتعلق بمدي شرعية وعدالة الدولة (12). وترتبط الهوية بتفسير الصراعات الداخلية، عندما تبرز عددا من المتغيرات، خاصة عقب أي تغيير اجتماعي:
- مدي ارتباط هوية جماعة معينة بمستوي معين من المنافع. فبعد الثورة في مصر وتونس، بدا الانتماء للهوية الدينية للإخوان والنهضة في مصر وتونس يرتبط بالحصول علي منافع سياسية معينة، مما خلق صدامات مع قوي أخري. وتبدو المشكلة هنا، عندما تصبح تلك الجماعات منغلقة علي ذواتها، وليست منفتحة. فعندما يعجز الناس عن الالتحاق بجماعة ذات مكانة أعلي، يشعرون بالانتماء لجماعاتهم ذات المكانة المنخفضة، مما يخلق صراعات داخل المجتمع.
- مدي تعرض الهوية للتهديد بفعل التغير السياسي في المجتمع، فالمطالبات بتطبيق الشريعة، من قبل التيارات السلفية الصاعدة في مصر بعد الثورة، تجعل المسيحيين يتمترسون حول هوياتهم الدينية. ومطالبات الشيعة في البحرين، إبان انتفاضتهم بإسقاط النظام، جعلت السنة يلتفون حول هويتهم. فالجماعة محددة الهوية تملك حافزا أقوي للصراعات، لأن أعضاءها يملكون وعيا متشابها، ومصيرا مشتركا. وعندما تسيس الهوية الجمعية بالوعي بالمظالم المشتركة، أو بالتعصب، ورؤية أنها الأفضل من الهويات الأخري، تصبح المحرك للصراع. فإحدي قدرات الإسلاميين في المنطقة العربية علي الحشد تنطلق من الوعي المشترك لأعضائها، وإحساسهم بأنهم ينطلقون من مرجعية دينية رسالية تعلو علي مرجعيات التيارات الأخري.
- الإدماج القسري للهويات المحلية في هوية وطنية، عبر أدوات القهر للدولة. فعندما تصير الهوية الوطنية رمزا للظلم، لا يجد فيها أصحاب الهويات الدينية، أو الإثنية، أو الجهوية تعبيرا عن مشتركات بينهم، يصبح هناك بحث عن بديل في الهوية المحلية، لأنها توفر لأطراف الصراع ما لا توفره الهوية الوطنية، خاصة ما يتعلق بحقوق المجتمع في الثروة والسلطة. فعلي سبيل المثال، ظل الأكراد في سوريا والعراق ينظرون لهوية الدولة علي أنها ترتبط بهوياتهم الإثنية، وهكذا الأمر في الأقاليم المهشمة في ليبيا وجنوب اليمن.
- مدي ارتباط الهوية المحلية بهويات أخري عابرة للحدود، هنا يصبح الصراع أكثر حدة وباعثا لتدخل متغيرات خارجية تعقد من الصراعات الداخلية (13). فالارتباط بين الهويات الشيعية في الأزمة السورية (حزب الله، العلويون في سوريا وإيران) يخلق "صراعا هوياتيا عابرا للحدود"، لاسيّما وأن المساندين للمعارضة دول سنية كمصر والسعودية.
ثالثا - خاتمة:
توفر المداخل النظرية الثلاثة حدا أدني من الفهم للصراعات الداخلية في دول الربيع العربي، لاسيّما وأنها تشير في مجملها إلي الطبيعة الممتدة والمركبة لعوامل نشوب هذه الصراعات. فالمدخل النفسي يتيح الفهم العميق لدوافع البشر الذين يشتبكون في الصراعات، لاسيّما مع توطن ظواهر نفسية سلبية كالشعور بالظلم والحرمان، والتمرد علي السلطة، جراء بقاء الأنظمة التسلطية لعقود في المنطقة. كما أن المدخل الاجتماعي يدفع إلي إعادة النظر في فهم دور البني الاجتماعية التحتية (الدين، القبيلة، الطائفة، شبكات المصالح) في الصراعات بدول الربيع العربي، علي اعتبار أن التغيير الاجتماعي بعد الثورات كشف عن أهمية تلك البني في تعقيد الصراع، وأنه لم يعد صراع مصالح، وإنما وجود (14).
بالإضافة إلي ذلك، فإن لجوء بعض الأطراف في الصراعات لإشهار هويتها لا يعني أنها مناط الصراع، بل قد يعكس مصالح مستترة، سواء في السلطة أو الثروة، مما يجعل من الخطورة بمكان أن تكون إدارة ومعالجة تلك الصراعات بمنطق "المباراة الصفرية". فمعادلة "الكل رابح" هي الأجدي في التعامل مع الصراعات ذات الأبعاد الاجتماعية والهوياتية، علاوة علي أهمية التعامل مع امتدادات الصراعات عبر استراتيجيات تحويل الصراع لمواجهة "الضغائن النائمة"، إذ إنها أكثر عمقا من مجرد تقسيم السلطة والثروة (15).
بيد أن تلك المداخل - علي أهميتها في ملاءمة الحالة العربية - قد لا توفر في جانب آخر فهما لطبيعة دور المتغير الخارجي في الصراعات الداخلية، اللهم إلا فيما يتعلق بالامتداد الهوياتي والديني العابر للحدود، ولكن يظل أنها تساعد في فهم جزء مهم من "الصناديق المغلقة" للصراعات في دول الربيع العربي.
الهوامش:
1 - د. أحمد فؤاد رسلان، نظرية الصراع الدولي. دراسة في تطور الأسرة الدولية المعاصرة (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 1986)، ص. 7
2 - أيمن السيد شبانة، ظاهرة التدخل الإقليمي في الصراعات الداخلية الإفريقية بعد الحرب الباردة. الكونغو الديمقراطية نموذجا، رسالة ماجستير، قسم النظم السياسية والاقتصادية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2003، ص ص24 - 25.
3 - بيتر فالنستين، مدخل إلي تسوية الصراعات، الحرب والسلام والنظام العالمي، ترجمة: د. سعد فيصل السعد ومحمد محمود دبور (عمان: المركز العلمي للدراسات السياسية، 2006) ص15 - 16.
4 - John W. Burton، Violence Explained: The Sources of Conflict، Violence and Crime and Their Prevention (Manchester and New York: Manchester University Press، 1997)، pp81 - 20.
5 - Ted Gurr، Psychological Factors in Civil Violence: World Politics، Vol. 20، No. 2، (Jan، 1968) http://www.uky. edu - ~clthyn2 - PS439G - readings - gurr -. 91968pdf
6 - د. هاشم رامي، من الكبت إلي التعجل. الأبعاد النفسية لـ"التحولات الثورية" في المنطقة العربية، السياسة الدولية، العدد 189 أبريل 2012.
7 - د. منير محمود بدوي، مفهوم الصراع. دراسة في الأصول النظرية للأسباب والأنواع، مجلة "دراسات مستقبلية"، العدد الثالث (يوليو 1997)، مركز دراسات المستقبل، جامعة أسيوط، ص ص 9 - 14.
- John Burton، Conflict: Resolution and Prevention. (New York: St. Martin's Press، 1990)، pp20. - 24
8 - Louis Kriesberg، 'Transformation Conflict in The Middle East and Central europe" IN Louis Kriesberg، Terrell A. Northrup، Stuart J. Thorson، Intractable Conflicts and their Transformations (New York: Syracuse University Press، 1989)، pp901 - 110
9 - John Paul Lederach، Building peace: Sustainable Reconciliation in Divided Societies. (Washington، D. C.: United States Institute of Peace Press، 1997) pp23 - 27.
10 - George Klay Jr. Kieh and Ida Rousseau Mukenge، Zones of Conflict in Africa: Theories and Cases (Lndon: Praeger Publishers، 2002) pp9 - 14.
11 - John Paul Lederach، Preparing for Peace: Conflict Transformation Across Cultures. (Newyork: Syracuse University Press، 1995) pp11 - 31.
12 - د. أحمد زايد، سيكولوجية العلاقات بين الجماعات. قضايا في الهوية الاجتماعية وتصنيف الذات، سلسلة عالم المعرفة، أبريل 2006، ص ص25 -. 28
13 - Roger B. Myerson، Game tTeory: Analysis of Conflict (Cambridge، Mass.: Harvard University Press، 1991) pp62 - 92.
14 - د. محمد عبدالسلام، إدارة الصراع الداخلية في المنطقة العربية ما بعد الثورات، مجلة السياسة الدولية، العدد 189، يوليو. 2012
51 - John Paul Lederach، Building peace: Sustainable Reconciliation in Dvided Societies. (Washington، D. C.: United States Institute of Peace Press، 1997) pp32 - 33.
دورة الصراع الداخلي Conflict Circle:
يمر الصراع الداخلي بدورة تبدأ من البزوغ، وتنتهي بالحرب، وبين هذين المستويين سلسلة من درجات للصراع. ويساعد تحديد هذه الدورة الطرف الثالث الذي يتدخل، سواء أكان رسميا أم غير رسمي، لإدارة الصراع أو حله علي معرفة، أو منعه عبر معرفة أي درجة من الدرجات يمر بها الصراع، وبالتالي تحديد الأدوات المناسبة للتدخل. ويميز لويس كريسبرج Louis Kriesberg بين سبعة مستويات في دورة الصراع، هي:
أ - البزوغEmergence، وهي المرحلة التي يظهر فيها الصراع علنيا، حيث يقوم أطراف الصراع بانتهاج سلوكيات تشير إلي تناقض مصالحهم ووعيهم بذلك، غير أنها لا تمتد للعنف المادي.
ب - التصاعدEscalation، وهي مرحلة يكثف فيها أطراف الصراع من سلوكياتهم المعادية تجاه بعضهم بعضا. وتظهر في هذه المرحلة العنف المادي Physical violence.
ج - الاستقطاب Polarization، وهو يعني أن كل مظهر من مظاهر العلاقة بين أطراف الصراع ينكسر، وتصبح وجهة نظر كل طرف تجاه القضايا المتصارع عليها علي طرفي النقيض.
د - التوسع Enlargement، وهي مرحلة يزيد فيها أطراف الصراع، حيث يتوسع فيها الاستقطاب، ليضم كل طرف إليه الجماعات المؤيدة له، ويصبح بالتالي الصراع بين تحالفات مستقطبة لها مصلحة في استمرار الصراع.
ه - المكيدة أو الفخ Entrapment، وهي المرحلة التي توصف بأنها الوقوع في الفخ، أو ذروة الصراع، أي لا توجد فيها أي إمكانية للتراجع عن تصعيد العنف، حيث إن حدوث أي تراجع يعني الخسارة، كما تظهر في هذه المرحلة عمليات الانتقام والإبادة للطرف الآخر.
و - تخفيض التصعيد De - escalation، وهي المرحلة التي تحدث بعد أن يوقن كل طرف عدم قدرته علي هزيمة الآخر، وأن الصراع يمثل تكلفة متزايدة لا يستطيع تحملها، ويفصح هنا فيها كل طرف عن إمكانية توقفه عن السلوك الصراعي العنيف بشروط.
ز - فك الاشتباكDisengagement، وهي المرحلة التي يسعي فيها كل طرف للارتباط بعملية تخفيض حدة الصراع وحله وإنهائه، وتتضمن هذه المرحلة التفاوض، وتطبيق الحل، ومحاولة تثبيت العلاقات الجديدة.
وهذا النموذج لدورة الصراع علي أرض الواقع ليس بهذا الترتيب المنطقي، فقد ننتقل من مستوي إلي آخر في الصراع، دون المرور بمرحلة بينهما وهكذا، ولكن أهميتها هي أن الصراع والسلام ليسا أمرين مفاجئين، إنما يمران بمجموعة من المراحل والمستويات.
المصدر:
Louis Kriesberg، Constructive conflicts: from escalation to resolution (Lanham، MD: Rowman & Littlefield Publishers، c1998، pp15 - 19.
مؤشرات قياس الصراعات:
يقدم برنامج بيانات الجامعات الخاص بجامعة أوبسالا ومعهد أوسلو لدراسات السلام ومجموعة دراسة الصراعات بجامعة هامبورج مؤشرات لقياس درجة الصراعات الداخلية، وتقسيمها بكونها حرجة أم غير حرجة، فيما يتعلق بحالة عدم الاستقرار السياسي والعنف كما أن هناك مؤشرات أخري منها: مؤشر البنك الدولي للحكم الرشيد لقياس درجة الاستقرار السياسي وغياب العنف - مؤشر عدد النزاعات المسلحة - مؤشر الإرهاب السياسي.
ويعد مؤشر الإرهاب السياسي Political Terror Scale (pts) من أوائل المؤشرات الكمية التي تقيس مدي احترام نظم الحكم لحقوق الإنسان في الدولة، كما يقيس مدي العنف الممارس من جانب النظام السياسي تجاه المواطنين، ومن ثم يركز هذا المقياس علي سلوك النظم تجاه المواطنين. ويعتمد في ذلك علي تقارير حقوق الإنسان السنوية الصادرة عن كل من وزارة الخارجية الأمريكية، ومنظمة العفو الدولية. ويقدم هذا المؤشر تقييما لحالات الإرهاب السياسي في الدولة من خلال خمسة مستويات، يزداد فيها الإرهاب السياسي حدة بشكل تصاعدي:
1 - المستوي الأول: دول بها حكم قانون، ولا يتم اعتقال الناس فيها بسبب آرائهم، والتعذيب في السجون نادر الحدوث.
2 - المستوي الثاني: توجد حالات محدودة تتعلق بالاعتقال بسبب النشاط السياسي، والتعذيب، والجرائم السياسية نادرة الحدوث.
3 - المستوي الثالث: هناك اعتقال سياسي ممتد، وكثرة الاعتقال بسبب الأنشطة السياسية.
4 - المستوي الرابع: امتداد الممارسات التي يقوم بها النظام تجاه فئات كبيرة من الناس، ولكن لا يضار في هذه المرحلة إلا أصحاب الآراء السياسية.
5 - المستوي الخامس: الممارسات الارهابية امتدت لكافة الناس في المجتمع، ولا يبالي القادة السياسيون في القيام بتلك الممارسات إزاء المواطنين لتحقيق أهداف شخصية وأيديولوجية.
كما أن تقييم إرهاب الدولة يتم من خلال النظر لثلاثة جوانب في تلك الممارسات، الأول يتعلق بمجال العنف من حيث نوع الممارسات، كالقتل، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والثاني هو كثافة الممارسات، بمعني مدي تكرار تلك الممارسات، والأخير يتعلق بالمدي، بمعني مدي الناس الذين تشملهم تلك الممارسات.
المصدر:
Reed M. Wood and Mark Gibney، The Political Terror Scale (PTS): A Re - introduction and a Comparison to CIRI، Human Rights Quarterly، Volume 23، Number 2، May، 2010.
http://muse. jhu. edu - journals - hrq - summary - v230 -. 23. 2wood. html