الربيع العربي بين السيكولوجيا والسياسة
يوليو - 19 - 2012
يروي القديس اوغسطين قصة الاسكندر. حيث دافع القرصان عن نفسه امام الاسكندر قائلا”: انت تسرق العالم فتدعى امبراطورا” وأنا اسرق يفينة فأدعى لصا”!. وقصة هذا القرصان، تختصر نسبية تعريف الصراع وتفرعاته من عنف وارهاب وضحية وغيرها من المصطلحات. هذه النسبية التي تربك موقف الاخصائي والطبيب النفسي من هذه الوضعيات وتجعل دوره والتزامه بالقسم الأبقراطي موضوعا” نسبيا” بدوره.
في خضم هذا الارتباك على السيكولوجي أن يقدم الدعم والعناية لطالبيهما. وهذا الارتباك يبرز ثغرة انعدام الدقة في التصنيفات السيكولوجية والسيكياترية المطروحة. وهي ثغرة تتحول الى هوة عميقة عندما يتجاوز الاختصاصي دوره العيادي – العلاجي الى دور سياسي عبر دخوله طرفاً في الصراع السياسي وتحوله الى منظر تنطلق تنظيراته من مباديء الاختصاص. وهو تحول يفتح ابواب سوء الفهم والتوظيف الاعتباطي للاختصاص بما يستدعي ضرورة التذكير ببعض الشروط والضوابط الاساسية الضرورية لقبول التنظيرات السيكولوجية – السياسية عبر محافظتها على العلمية والموضوعية. واهمها التالية:
- التذكير بان التحليل السيكولوجي ينطلق من رصد ظاهرة او حدث ما وربطها بمخزون علمي وفكري ومعلوماتي يساعد على قراءة الحدث او الظاهرة. وهو خديج ومبتسر ان هو اهمل وضع الحدث في إطاره التاريخي ورصد السيرورات المؤدية اليه مع استبصار نتائجه على ضوء ترابط الافكار والسيناريوهات التي يستدعيها.
- التذكير بخطورة تخطي رصد الظاهرة الى المشاركة الفعلية في دفعها نحو اتجاه او آخر بما يعني تحول السيكولوجي من مراقب موضوعي الى مشارك في الفعل. وهو تحول يقتضي توافر شروط صارمة لتجنب اساءة استخدام الاختصاص.
- التذكير بخطورة التسخير المخابراتي للاختصاص وتوظيفه لاغراض تتناقض مع اخلاقيات الاختصاص. وهي توظيفات تزداد خطورتها في حال نقلها عن الادبيات السيكولوجية المتورطة اسنخبارياً.
- التذكير بوجود اختصاص سيكولوجية السياسة كما بالادبيات الخاصة بتطبيقات السيكولوجيا في مجال السياسة. وهنا نبرز دراسة لسيغموند فرويد حول الصراع ابان الحرب العالمية الاولى بعنوان: “أفكار لأزمنة الحرب والموت” اضغط هنا.
- التذكير بضرورة الحيادية وهي الضامن الاساسي للموضوعية ولعدم خروج التحليل عن مساره العلمي. حتى ان فرويد اضطر لتقديم تحليله للرئيس الامريكي ولسون بقائمة من التبريرات لتجنب خلفية انحيازه ضد ولسون. وعبر ترجمتنا للكتاب يمكننا التأكيد ان فرويد نفسه لم يتمكن من تخطي نقلته المضادة وخرج على الموضوعية في مقاطع من تحليله لولسون. انظر كتابنا “التحليل النفسي للرئيس الامريكي وودرو ولسون”.
السيكولوجيون العـرب والربيع العربي
بإستثناء ندرة من السيكولوجيين العرب المتخصصين في علم النفس السياسي فان متابعة الاعمال السيكولوجية العربية الخاصة بالربيع العربي تشير الى خروج هذه الاعمال على الموضوعية العلمية وتحولها نحو حالة من “النقلة المضادة” Contre Transfert التي تعتبر خطأ من الاخطاء التقليدية للمحلل السيكولوجي. وهي نتيجة تأثير الموضوع على مشاعر المحلل اللاواعية. حيث لا يمكن لاي محلل ان يذهب الى أبعد مما تسمح به عقده الخاصة ومقاوماته الداخلية. عداك عن الحالات التي يمارس فيها محلل ما انحيازاً مبيتاً لخدمة اغراض توظف التحليل لتحقيقها.
بناءً على ما تقدم نجد ان الكتابات السيكولوجية العربية الخاصة بالربيع العربي ممكنة التصنيف وفق معايير التقنية التي تعتمدها والمواضيع التي تناولها كما وفق الاهداف المبتغاة ونبدأ بـ:
التصنيف التقني
من الناحية التقنية الاختصاصية تندرج الكتابات السيكولوجية العربية الخاصة بالربيع العربي في واحدة من الخانات التالية:
1 – كتابات اختصاصية مسؤولة يجيد مؤلفوها بدرجات متفاوتة التحكم بالنقلة المضادة.
2 – كتابات إنفعالية – تفاعلية توظف الاختصاص للمساهمة في نصرة الشعوب في مواجهة الاستبداد انطلاقاً من العقد الخاصة والمقاومات الداخلية لمؤلفيها بعيداً عن التبصر السياسي للعبة الأمم الراهنة. وفي هذا الاطار تدرج الكتابات التي تشيطن الحكام وتصنفهم دون وجه حق في خانة الجنون والاضطراب العقلي.
3 – الكتابات الموجهة المستندة الى ايحاءات مرتبطة مباشرة بمشروع الديمقراطية الامريكية. وهؤلاء المؤلفين نبتوا فجأة من فراغ وتسلقوا صدارة مريبة. بدأها بعضهم ببيانات نفسية سياسية (لا تحمل توقيعاً) لحشد جمهور المتخصصين في خدمة المشروع الامريكي. وهم كشفوا عن اسمائهم بعد حشد بعض الجمهور حولهم. وهي ممارسة تطرح قضية أخلاقيات الاختصاص. خاصة وان المعنيين او بعضهم على الاقل لبس ثوب البطولة بعد ضمان الحشد وراح يوجه بيانات الشكر للاختصاصيين العرب ممن تمكن من استدراجهم وخداعهم. وهي ممارسات لا يمكن قبول علميتها.
التصنيف بحسب المواضيع
ان مراجعة مواضيع الكتابات السيكولوجية الخاصة بالربيع العربي تسمح بتصنيفها ضمن المحاور التالية:
1 – تحليل تحركات الربيع العربي وسط فوضى مصطلحات ترجح فيها كفة العقائدية على كفة العلم. بحيث تتبدى واضحة العقد والإسقاطات والافكار المسبقة الخاصة بالمؤلفين.
2 – التأكيد على دور السيكولوجيين في تحركات الربيع العربي. وهو دور مؤكد ومبرهن لكنه يطرح سؤال الاهلية الاختصاصية لهذا الدور؟!. ذلك ان الضبابية المصاحبة لهذه التحركات لا تمنح هذه الاهلية لكل راغب بالتصدي لهذا الدور. حيث لا بد من الاشارة الى ان نقص الاهلية في الميدان يمكنه ان يؤدي لعكس الاهداف المرجوة وهو بعيد عن العلمية في كل الاحوال.
3 – محاولات تشخيص الخلل أو الاضطراب العقلي لدى الحاكم المصاب بالربيع العربي. وهي مجرد محاولات شيطنة لا ترتكز الى اسس علمية وهو ما سوف نتطرق اليه لاحقاً.
4 – التأثير على الجمهور وتحشيده لدعم التحركات. وهنا نقع على اختلافات منهجية في خلفية ودوافع هذه الكتابات. وهي تتراوح مابين محاولة تقنين الانفعالات وتوجيهها في الاتجاه الصحيح (كتابات قدري حفني مثالاً) وبين البحث عن النجومية باستغلال الانفعالات دون اهمال إغراء الاستجابة لفرص النجومية وامكانيات التمويل المتاحة.
التصنيف بحسب الأهـداف
حلقة مفرغة تعيشها العلوم النفسية في الوطن العربي حيث الشكوى من اهمال دور هذه العلوم تقابلها تهمة انعدام فعالية المتخصصين فيها وعجزهم عن تقديم إسهامات حقيقية في مختلف ميادين النشاطات الانسانية التي دخلتها العلوم النفسية في الدول المتطورة. وهي تهمة تؤكدها غالبية الكتابات والمواقف الاختصاصية العربية من تحركات الربيع العربي التي اهملت المفاصل التشخيصية الاساسية لهذه التحركات ونقاطها التحولية في مقابل الاصرار على استغلال المناسبة لكسب مواقع ومواطيء قدم للاختصاص في دائرة القرار السياسي. ومن مظاهر هذا الاصرار:
1 – اقتراح مباشر بأن يكون هنالك مستشاران بدرجة دكتوراه وبمرتبة أستاذ أحدهما طبيب نفسي والآخر عالم نفس في مكاتب كل من رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان في البلدان العربية التي تحررت، وأن يكون هؤلاء المستشارون مستقلين سياسيا.
2 – اقتراح اجراء فحص نفسي لكل مرشح يتقدم لرئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة. وهو ما لايحدث حتى في الولايات المتحدة الامريكية!
3 – التركيز على دور الاختصاصي السيكولوجي في توعية المجتمع بعوامل التغيير وارشاد عمليات التغيير. وهو دور متاح لكن الاهم هو إثبات الاهلية والقدرة على إتمام هذا الدور. حيث نماذج عديدة من الكتابات تصب في خانة التنظير وحتى التضليل دون اية فعالية توعوية.
دور الاختصاصي السيكولوجي في الكوارث
يتوزع هذا الدور على مستويات متعددة اولها تقديم المساعدة لضحايا الكارثة ومعالجة الرضوض النفسية المتخلفة عن الحدث الكارثي. ويتعمق هذا الدور في حالة الكارثة المستمرة ليشمل الخطوات الوقائية والتدريبات الخاصة بمواجهة الحدث ومعه المساهمة في اختيار طواقم الانقاذ والتدخل خلال الاحداث المتوقعة. ويلي ذلك المستوى النظري حيث الحدث المهدد مرتبط بمواجهة الموت الذي يتأثر بالحدث ففي وقت السلم يقول الفرد لنفسه اني سأموت حقا” ولكن ليس الآن!.. ولكن أثناء الكوارث والحروب فان الفكرة ستتحول إلى اني سأموت حتما” والآن!… وهذا الشعور الدائم يترك آثارا سلبية عديدة على شخصية الإنسان فتنتابه حالة الرضة عقب الصدمية. وهي تطال في تأثيرها مفهوم الموت ك ( محيط ) وك ( شيء ) ك ( حالة ).
على هذا الاساس فان علاج المصدومين يقتضي خبرة خاصة في التعامل مع مفهوم الموت كما يقتضي فهماً كافياً لخلفيات الحدث وطابع استمراريته وقابليته للتكرار وعليه فان هذه المهمة لا يمكن اسنادها الى سيكولوجي غير متخصص في المجال بثمن تعقيد الحالات الصدمية والاسهام في تعتيم مستقبلها.
بالانتقال الى المستويين الاعلامي والسياسي فاننا نشهد طفرة غير مبررة من المشاركين السيكولوجيين العامين ممن لا تتوافر لديهم الخبرة اللازمة للخوض في مثل هذه المواضيع. مع ما ينطوي عليه هذا التبسيط وهذه السطحية من فتح الابواب عريضة امام سوء التفسير والفهم الخاطيء وصولاً الى حالة من التضليل المقصود او غير المقصود. خاصة وان هذا النوع من المشاركات يهمل تماماً “الحاجة للاستقرار” ودور الأمان في طمأنة الجمهور لجهة عدم تكرار الحدث الصدمي.
هذه الخطوط العريضة تطرح إشكالية عميقة الغور تتعلق بأهلية السيكولوجيين العرب المتصدرين للخوض في موضوع الآثار الصدمية المصاحبة لحركات الربيع العربي وأخطر منها أولئك المتصدرين للخوض في المستوى السياسي والاعلامي لهذه الحركات. خاصة عندما ينطلق هؤلاء من التعاطف مع الجمهور لتوظيفه في اتجاهات خاطئة مسيئة. مع الإشارة الى ان نقص الأهلية لمناقشة مثل هذه المواضيع لا يخفى على الاختصاصي كونه الأقدر على تحديد نواقص تأهيله وخبرته وأهليته. ومع هذا الادراك يصبح تسجيل التحفظات وتبيان نقاط الخلل واجباً لا زماً.
بمراجعة الكتابات البعيدة عن التجربة والاختصاص الدقيق يمكننا ملاحظة الفئات التالية من السيكولوجيين العرب المتورطين في مناقشات وتحاليل تفوق مؤهلاتهم:
1 – المتحمسون العقائديون: هم اصحاب رأي وموقف سياسي مؤيد للحركات من منطلق معاناة الجمهور مع حجب الرأي الآخر ومحاولة شيطنته واسكاته. وهؤلاء يتكئون على السيكولوجيا لتبرير مواقفهم وافكارهم مع اهمال الموضوعية العلمية التي تفرضها مسؤولية الاختصاصي.
2 – النرجسيون: هم الذين وجدوا في مسايرة الحركات ورغبة الجمهور بحياة افضل مناسبة لممارسة نرجسيتهم عبر ما يقدمه لهم الاختصاص من امتيازات عبر توظيفه المجتزأ والمحدود بنقص الخبرة.
3 – المسيسون: هم الذين استبدلوا الكفاية النرجسية للفئة السابقة بالبحث عن المكاسب المادية إرضاءً للجهات الداعمة للحركات الربيعية دون التبصر بدوافع هذه الجهات وبهويتها وتاريخها.
4 – قادة الحملات: هم المندفعون نحو تجميع اكبر عدد ممكن من الاختصاصين حولهم لخدمة الحركات الربيعية. وهم بدورهم يصنفون بحسب دوافعهم ما بين متحمسين ونرجسيين ومسيسين. والفئة الاخيرة (قادة الحملات المسيسون ومدفوعي الاجر) هي أقرب الى الجاسوسية منها الى العلمية.
5 – الجواسيس: وسط الاندفاعات الشعبية غير المنتظمة وفاقدة التوجه يمكن لهؤلاء ان يركبوا قطار “البطولات الديمقراطية” ليقفزوا منه الى مناصب الحكم او الى مناصب او مكاسب اخرى (كما حدث في العديد من بلدان التدخل الامريكي). ومثل هذه الطموحات لها اثمانها وان كنا راهناً نكتفي برصد اساليبها في استغلال العديد من الاختصاصيين العرب وتجنيدهم في خدمة مشروع يقضي على تطلعات الشعوب العربية وطموحااتها بحياة افضل.
1 _ الموت كمحيــــط :
يعيش الانسان ضمن محيط يمكن ان يهدد حياته في كل لحظه فكما هو معلوم فأن الحوادث التي يمكنها ان تؤدي بحياة شخص اكثر من ان تحصى فهنالك حوادث السيارات و الحرائق والكوارث الطبيعيه .. . . الخ وعندما يواجه المريض تهديد الموت النابع من المحيط فهو يصبح اكثر اثرا ووضوحاً في ذهن المريض حتى ان تهديد الموت الناجم عن الحدث الصدمي يؤدي بالمريض الى تذكر عدد كبير من المواضع و الاحداث التي سبق لها ان عرضت حياته للخطر وهذا التذكر يبدو و كأنه محاوله دفاعية نفسية يحاول المريض من خلالها ان يقنع نفسه بفكــرة انه مــر بأخطار مثل هذا الخطر ونجا منــها وعلية فانه يحاول ان يقنع نفــسه بمواجهه هذة العملية واخطارها وخصوصا عندما يتذكر ان عدم اجراء العملية هو عامل خطر اكبر من خطر التعرض لهذة العملية , وفي الغالب ينجح المريض في هذة الحيله الدفاعية الا ان المعالج النفــسي يستطيع ان يدعم هذة الحيلة ويقلل من قلق المــوت لدى المريض الى ادنــى درجة ممكنه .
2 _ الموت كشـــيء :
ان موضوع الموت وقلقه الناجم عن تهديد الحدث الصدمي يتسببان بنكوص المريض أي بمراجعات وجدانية تردة الى عهد الطفولة حين كان عاجزا عن فهم مبادىء الموت و الحياة بالحدود التي يفهمها البالغ . .. ففي فترة الطفوله ينظر الطفل للموت و الحياة وكأنهما اشياء و مواضيع خارجية فهو يسأل عن : من يحضر الاولاد للحياة ؟ .. . ومن ذا الذي يقود الى الموت ؟ .. . وهذا الوضع كثيرا ما يقود المرء الى اختلال توازنه النفسي المعتمد اساسا على التوازن بين غريزتي الموت و الحياة فأذا ما اضطربت مفاهيم غريزة الموت لدى المريض وهذا ما يحدث حاله انشطار الانــا كما يسميها فرويــد واذا ما لاحظنا عصابا طبائعيا وميولا عظامية لدى المصدوم فأننا نفضل إيلاء هذا النوع من المصدومين عناية خاصة.
3 _ الموت كحـــالة :
هذة النظرة الى الموت هي الاكثر تأثيرا في حاله المريض الجراحي ذلك ان لكل شخص خيالاته وتصوراته الخاصه والفردية حول حاله الموت فاذا كان الموت هو مجرد ادراك اذا كان الامر يتعلق بالاخرين فانه ليس كذلك عندما يتعلق الامر بموت الشخص نفسه فعندما يتعلق الامر بموتنا فأن لكل منا الاف التصورات الواعية واللاواعية لتمثل الموت ولكن هذة التصورات تظل بعيدة عن التجربة الا في الحالات التي توصف الاشخاص عادوا الى الحياة بعد موتهم .
واذا ما اردنا استعراض الصور النفسية لحاله الموت فأنها تتبدى لنا من خلال احلام المرضى و هذيانهم عامه كصور لاختلال التوازن و الفوضى و عدم الحركة وتحول رجعي او يمكن ان تظهر صور نفسية خيالية ترفض الاعتراف بتهديدات حاله الموت وغموضها و رهبتها .
و الحقيقة ان الصور النفسية لحاله الموت تظهر بوضوح و صفاء في الحالات التي يعتبرها الشخص حــدا فاصلا بين الحياة و الموت و تحديدا في حالات : المرضى العذاب المادي و المعنوي و طبعا الخضوع للجراحه و خصوصا تلك التي تقتضي استئصال عــضو ما فهذة الحالات تؤدي الى تذكر عدد الحالات مرتبطة بدورها بحالات العذاب و الموت .
و بالطبع فأننا بعيدون عن تحديد حاله الموت بسبب عجزنا عن الاتصال بالاموات لكي نعرف منهم تجربة الموت ووصف هذة الحاله بدقة والأنــا Le Moi في هذة الحاله يحاول اقناع نفسه بـأن موت جسدة لن يستتبع موته هو ايضا أي موت الأنـــا .
ان تصور الموت كحالة هو تصور مكتسب تؤثر فيه عوامل اللاوعي الجماعي و المعطيات الاجتماعية و العوامل الدينية والتجارب الشخصية .. . و غيرها . . . ,
وهكذا فأنه من الطبيعي ان تختلف تصورات حاله الموت من مجتمع لاخر ومن دين لدين و من شخص الى شخص ولكننا في النهاية لانستطيع اهمال ادراك الطفل و منذ لحظه ولادتــه للاخطار التي تهدد حياته فالطفل يشعر لحظه ولادته بالاختناق ويحس بضيق بسبب تهديد حياته وان لن يــع ذلك وهذا ما يسميه ( فرويد) بقلق الولادة . .. ,
وفي نهاية حديثنا عن موقف المصدوم من الموت نقول ان صدمة الحدث هي مناسبه تجير المريض مناقشه مفاهيمه حول الموت وتذكرة بمختلف المواقف التي سبق لها ان هددت حياته وعليه فأن تدخل المعالج النفسي ضروري حتى لا تؤدي هذة الذكريات الى تهييج الدفاعات النفسية لدى المريض مما قد يعيق تخطيه للعصاب الصدمي.
أفكار لأزمنة الحرب والموت 1915
الحرب تحررنا من الوهم
في زمن الحرب هذا حيث تدور في دوامة الحرب، معلوماتنا آحادية الجانب ونفوسنا قريبة قرباً شديداً من نقطة المركز للتحولات الهائلة التي تمت بالفعل والتي بدأت تجري، فاننا نعجز عن إستيعاب اهمية الإنطباعات المتزاحمة. ولا نعرف ما هي القيمة التي نطلقها على الاحكام التي نكونها. إننا مكرهون على الاعتقاد انه لم يسبق ابداً ان كان حدث ما اشد تدميراً لمثل هذه الكثرة من الاشياء ذات القيمة في الثروة الانسانية المشتركة. ولا اشد تضليلاً لمثل هذا العدد الكبير ممن المع الناس ذكاء ولا اشد حطاً لقيمة اسمى وفق ما نعرفه. حتى العلم نفسه يفقد حياديته المبرأة عن الهوى عبر سعي خدامه ،وهم يعمقون مشاعر المرارة لديهم، الى الحصول على اسلحة من خلال توظيف العلم يساهمون عبرها بالحاق الهزيمة بالعدو.
في هذه الحالات يصبح عالم الانثروبولوجيا مدفوعاً لاعلان ان الخصم دنيء ومنحل. والطبيب العقلي مدفوع لان ينشر تشخيصه لمرض العدو العقلي او الروحي. ولربما كان احساسنا بهذه الشرور المباشرة قوياً بدرجة غير متناسبة ،ولا يحق لنا ان نقارنها بشرور أزمنة أخرى لم نكابد تجربتها.
ان الفرد غير المقاتل ،وبالتالي فهو ليس عجلة في آلة الحرب العملاقة، يشعر بوعي وجود خلل في الاتجاه. وهذا الشعور يؤدي لكف قواه ونشاطاته. واعتقد انه سيرحب بأية إشارة ،مهما كانت طفيفة، قد تمكنه من اكتشاف ما هو خطأ فيه هو نفسه على الأقل. واني اقترح ان نميز بين اثنين من بين اكثر العوامل قوة في الكدر الذهني الذي يشعر به غير المقاتلين. والذي نجد مواجهته مهمة فائقة الصعوبة. واقترح ان نعالج هنا هذين العاملين عبر: التحرر من الاوهام الناجمة عن الحرب والموقف المتغير إزاء الموت الذي تفرضه علينا هذه الحرب شانه شأن كل حرب اخرى.
عندما أتحدث عن التحرر من الوهم فان كل واحد يعرف ما أعنيه اذ لا حاجة لان يكون المرء ذي نزعة عاطفية. ويمكن للمرء ان يدرك الضرورة البيولوجية والنفسية للمعاناة في اقتصاديات الحياة الانسانية ،ووان يندد مع ذلك بالحرب في وسائلها وفي اهدافها على السواء. وان يتطلع قدماً وباخلاص نحو توقف جميع الحروب. حقاً لقد قلنا لانفسنا ان الحروب لا يمكن ان تتوقف ما دامت الأمم تعيش تحت ظروف على مثل هذه الدرجة من الاختلاف. وما دامت قيمة الحياة الفردية تحسب بمثل هذه الدرجة من التباين. وما دامت العداوات التي تقسم الامم تمثل قوى غريزية في العقل على مثل هذه الدرجة من القوة.
لقد كنا مستعدين لان نكتشف ان الحروب بين الشعوب البدائية والشعوب المتحضرة وبين تلك الاجناس التي يفصل بينها خط اللون. وايضاً الحروب بين الجنسيات غير المتقدمة في اوروبا او بين اولئك الذين انقرضت حضارتهم. وهي نماذج حروب سوف تشغل البشرية لفترة طويلة قادمة. لكننا سمحنا لانفسنا بان تدونا آمال اخرى. اذ كنا نتوقع من الدول العظمى الحاكمة بين الأمم البيضاء التي وقعت على عاتقها قيامة الاجناس البشرية ،والتي عرف عنها رعايتها لمصالح حول العالم. وهو ما يعود لقدراتها الابداعية بفضل منجزاتنا التقنية باتجاه السيطرة على الطبيعة. وكذلك مكتسبات العقل الفنية والعلمية – شعوب مثل هذه كنا نتوقع منها ان تنجح باكتشاف طريق آخر غير الحرب لتسوية اختلافاتها وصراعات مصالحها. فداخل كل من هذه الامم سادت قواعد سامية تنطلق من العرف المقبول للفرد. حيث يتعين على الفرد ان يلتزم بهذه القواعد بمسلكه في الحياة. هذا اذا ما رغب بان يكون له نصيب من الامتيازات الجمعية.
هذه الاوامر ،التي كثيراً ما كانت مفرطة التشدد، تطلبت من الفرد الكثير اذ تقتضي الكثير من ضبط النفس والكثير من نبذ الاغراءات الغريزية. فقد حرم على الفرد ان يستخدم المزايا الهائلة التي يمكن اكتسابها عن طريق ممارسة الكذب والخداع في المنافسة مع اقرانه. واعتبرت الدولة المتحضرة هذه القواعد المقبولة اساساً لوجودها. وكانت صارمة في تطبيق اجراءاتها حيثما وضعت عليها يد لا تعرف الورع. وكثيراً ما كان يعلن ان اخضاعها للفحص بواسطة ذكاء نقدي أمرغير ممكن عملياً على الاطلاق.
أ.د محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات النفسية