المحاضرة السادسة عشر 16/12/2012
الحرب الباردة وصراع القطبين
I- مفهوم الحرب الباردة Cold War
مصطلح استحدثه الصحفي الأمريكي اتش. بي. سووب (H. B. Swope) ودعمه والتر ليبمان (Walter Lippman) ويطلق على حالة "ليست بالحرب ولا بالسلم" بين الكتلتين الغربية (غيرالشيوعية) والشرقية (الشيوعية) بعد الحرب العالمية الثانية. وكادت المنافسات التقليدية بين القوى العظمى تؤدي إلى اشتباكات مسلّحة فعلية مع أن زعماء الكتلتين، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي سابقاً، اقتربا من ذلك خلال عدد من الأزمات الحادة – لاسيما المواجهة المقترنة بالصواريخ الكوبية عام 1962 وفي 1973 إبان العنف العربي – الاسرائيلي. ومن جوانب أخرى تظهر سنوات مجابهة الحرب الباردة دبلوماسية تخاصمية نموذجية: سباق التسلّح، البحث عن حلفاء، سياسة حافة الهاوية، العداء الايديولوجي، التدخل الجازم. غير أنه من الخطأ تصور الحرب الباردة على أنها علاقة عداء ومنافسة وتوتر لا تلين إذ إنه تخللتها فترات انفراج ذات إطار ومجال متزايدين تدريجياً، منها أربع فترات: الفترة التي تلت موت ستالين في 1953، الفترة التي تلت نهاية أزمة الصواريخ الكوبية في 1962، الفترة المقترنة بمبدأ نيكسون والفترة المعروفة بمبدأ غورباتشوف. بل لقد تم في غضون سنوات غورباتشوف (1985-91) إنجاز نهاية للحرب الباردة تم التفاوض بشأنها عبر سلسلة من مؤتمرات القمة مع الولايات المتحدة.
ومن منطلق إطار ايديولوجي أكثر صراحة من الممكن اعتبار الثورة البلشفية التي حدثت في نوفمبر 1917 تحدياً للعقائد الأساسية للاستثنائية الأمريكية وبهذا القدر فإن من شأن وجود عضوين لنظام الدولة لهما منطلقات مختلفة عن المجتمع، من شأنه أن يشكل سبباً لازماً – إن لم يكن كافياً – للصراع. لقد كانت التحديات الثورية من النوع البلشفيكي – أو حتى من النمط المكسيكي – معادية لمبدأ ويلسون. فقد اقترن التدخل الأمريكي في النزاع المدني داخل الامبراطورية الروسية السابقة ضد البلشفيك بـ "الرعب الأحمر" الأول (1919 – 20) في أمريكا. وفي 1919 أيضاً بدا أن لينين يقول ضمنياً إن الدولة السوفياتية الجديدة لن تستطيع التعايش مع الدول "البورجوازية" مدة طويلة. وبدت الدلالات الأولى لاحتمال التعايش السلمي بين النظامين ضرباً من الوهم والخيال.
وعملت الحرب العالمية الثانية على دفع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى المقدمة من حيث الأهمية الدولية لدرجة أنه تم استحداث عبارة القوى العظمى للدلالة على هذا الوضع. وكان التعاون النشط في السعي لإحراز النصر على المِحْوَر يعني أن كل طرف كان منخرطاً في جهود دبلوماسية لإقامة نظام بعد الحرب من شأنه أن يتناسب مع أهدافه الحربية وقيمه الأساسية. وقد سعى زعيما الدولتين – ومعهما المملكة المتحدة – إلى التوصل إلى اتفاقات ومفاهمات (ضمنية جداً في بعض الأحيان) حول النظام العالمي الذي يفضلونه. وكما هو الحال دائماً، فقد تم التعبير عن الأفكار الأمريكية عبر تعددية أطراف تم إنعاشها وتم تنفيذها بأقوى ما يكون عبر مجموعة المنظمات الحكومية الدولية (IGOs) المقترنة بمؤتمر بريتون وودز (Bretton Woods). كانت الأهداف الحربية السوفياتية أكثر اقتصاراً من الناحية الاستراتيجية الجغرافية على أوروبا وضمن ذلك السياق على تجزئة المانيا وإرساء قواعد منطقة نفوذ في أوروبا الوسطى والشرقية. وقد أدى التنفيذ السوفياتي لهذه الأهداف والنظرات المتباينة لمبدأ تقرير المصير إلى الشك والعداء المتبادلين. ثم إن بعض الخصومات السابقة ذات البواعث الايديولوجية والتي تعود إلى 1917 – 20 أخذت تطفو على السطح من جراء تأثير التفكير بأسوأ الحالات في القيادات السياسية على طرفي الستار الحديدي. وقد أظهر خروشوف في خمسينيات القرن العشرين مدى الاعتباطية التي اتسم بها حكم ستالين، مثل استعمال معسكرات العمال وعمليات النفي الجماعي التي تم إثباتها لاحقاً. وفي أمريكا أصبحت مناهضة الشيوعية سلاحاً سياسياً فعالاً يستعمله (ويسيء استعماله) السياسيون من الحزبيين على حد سواء. وبدا انتخاب الكونغرس الثمانين في 1946 الذي تضمن أكثرية من الحزب الجمهوري في المجلسين على أنه دلالة على تحرك نحو اليمين بلغ ذروته في تحريض على شكل محكمة تفتيش سياسية تحت عنوان "المكارثية".
وكما لاحظ بول كينيدي أن نهاية الأعمال الحربية خلّفت ولايات متحدة تمتلك قدرة عسكرية واقتصادية كبيرة بلغت ذروتها في امتلاكها للأسلحة النووية. وقد جعل استخدام الجيل الأول من الأسلحة الذرية ضد هدفين يابانيين، أمريكا طليقة اليدين في إبرام معاهدة سلام مع اليابان منسجمة كلياً مع مبادئ الاستثنائية الأمريكية. وفي أوروبا بدا أن القدرات العسكرية التقليدية السوفياتية تشكل تهديداً لدول أوروبا الغربية بأن تصبح رهينة مفترضة حتى تتم إعادة توطيد القدرة العسكرية الأمريكية لإصلاح التوازن. وقد أدرك الزعماء الأمريكيون بسرعة مدى الإعياء الذي تعاني منه أوروبا الغربية في شتاء 1946 – 7 ووُضِع مشروع مارشال لإعادة إعمار الأساس الاقتصادي لأوروبا. وقد كان رفض المشروع من قبل السوفيات (وقد يكون ذلك قد عجّل في إقراره في الكونغرس) يعني أن تنفيذه قد أدى إلى تصلب انقسامات الحرب الباردة في أوروبا. وكان مشروع مارشال قد سبقه في ربيع 1947 مبدأ ترومان الذي اتفق الجميع على أنه طُرِح على الشعب الأمريكي بحيث صوّر الحرب الناشئة من منطلقات مانوية (Manichean). وضمن أوروبا أدى تقسيم المانيا بين الغرب والشرق وضم الجزء الغربي الأكبر إلى المعسكر غير الشيوعي إلى التعجيل بحدوث أزمة برلين الأولى والاتفاق من حيث المبدأ على أن على أمريكا أن تقدم بعض الضمانات الأمنية الملموسة بغية ردع القسر السوفياتي. وكان نتيجة ذلك توقيع معاهدة شمالي الأطلسي في 1949 وتحويلها إلى منظمة حكومية دولية على اثر اندلاع الحرب الكورية في 1950. وبحلول ذلك التاريخ كانت الولايات المتحدة منخرطة كلياً في توسعة سياسة الحرب الباردة التي تتبعها لاحتواء آسيا. وقد أثارت تسوية صراع الحرب الأهلية الصينية لمصلحة قوات ماوتسي تونغ ذُعر القيادة الأمريكية.
وقد أطلق الانتصار الشيوعي في الصين سلسلة من التحقيقات الاستنباطية في كيفية "ضياع" الصين. وقد تفاقم الوضع جراء تدخل الصين اللاحق في الحرب الكورية وسمم العلاقات مع الجمهورية الشعبية لمدة عقدين من الزمن. وقد وفرت نظرية الدومينو على ما يبدو الأسباب المنطقية لهذه الأحداث.
من الناحية الهيكلية أعطى نظام الحرب الباردة شكلاً ثنائي المحاور متميزاً للسياسة العالمية. وكأنما أرادت الولايات المتحدة إحداث انعطاف آخر غير متوقع لهذه الأشكال فقد بدت مصممة على توسعة بنيان التحالف الأوروبي ليشمل اتجاهاً عالمياً خلال خمسينيات القرن العشرين. وقامت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان، فيما يسمى استخفافاً "هوس الأحلاف"، خلال سنوات (1951 – 4)، في حين أن المعاهدات متعددة الأطراف تضمنت معاهدة أنزوس (ANZUS) وسياتو (SEATO). وفي أوروبا كان رد الاتحاد السوفياتي على ضم قوات ألمانيا الغربية إلى الناتو تأسيس حلف وارسو. وبعد موت ستالين في 1953 ابتدأت فترة الانفراج الأولى بالنجاح في تحييد النمسا ودبلوماسية القمة والاعتراف بالحاجة إلى التعايش السلمي.
وبحلول منتصف الخمسينيات اتضح أن فترة الانفراج الأولى أشرفت على نهايتها. فقد تدخلت القوتان العظميان ضمن نطاق نفوذ كل منهما – الولايات المتحدة في غواتيمالا، والاتحاد السوفياتي في هنغاريا – للحيلولة دون تغييرات كانت تعتبر ضارة بمصالح الحرب الباردة. بل لقد توسعت الذخيرة الأمريكية من أدوات التدخل خلال تلك السنوات حين أطلق العنان لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لتقوم بزعزعة استقرار دول كانت أنظمتها تعتبر معادية لأمريكا (وبالتالي معادية للغرب). وكان مقدراً لزعزعة استقرار إيران الناجح أن يعود ليقض مضجع الولايات المتحدة إبان سنوات كارتر، بالطبع. وفي فيتنام، قامت أمريكا بالتشجيع النشط لإقامة نظام غير شيوعي في الجنوب بعد 1954 مستخدمة أدوات السياسة ذاتها.
وكان تأسيس الجماعات الأوروبية في الخمسينيات إيذاناً باتجاه نحو صورة أكثر إسهاباً لهيكل الحرب الباردة من منطلق الاقتصاد السياسي. وكان من المفروض أن يؤدي الانتعاش الاقتصادي اللاحق لأوروبا الغربية (وفي آسيا – المحيط الهادئ لليابان) إلى نشوء تدبير ثلاثي المحاور بين تلك العناصر الفاعلة الثلاثة مع زيادة انزلاق الكتلة السوفياتية خارج المنافسة كخصم مفترض للغرب من حيث الجوانب الاقتصادية. ومع أنه حدث غزل قصير الأمد بفكرة "نموذج شيوعي" للتنمية الاقتصادية. في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات فقد كان هذا النموذج أكثر وضوحاً في خيال الأكاديميين و"محاربي الحرب الباردة" منه في عالم الواقع. وكما أوضح سبيرو (Spero) وهارت (Hart) (1997) فإن الخصائص الهيكلية للحرب الباردة من منطلقات اقتصادية كانت دائماً مختلفة عن البعد العسكري – الأمني.
في خمسينيات القرن العشرين أصبح العالم الثالث مجالاً رئيسياً للقضايا الخلافية في الحرب الباردة. فقد جابه كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أحدهما الآخر ودول العالم الثالث بطائفة من الحوافز التي تحركها الايديولوجيات للميل باتجاههما. وكان رد الجيل الأول من أولئك الزعماء في افريقيا والشرق الأوسط وآسيا تبني مختلف نظريات الحياد وعدم الانحياز. وقد أدّى الإدراك بأن حروب التحرير الوطني في العالم الثالث تشكل تهديداً للمصالح الغربية إلى البحث عن رد مناسب مناهض لحالات التمرد. وقد دفعت إدارة كينيدي باستثمارات كبيرة لضمان فعالية هذه التدابير، حيث رأت أن الحالة الأمنية المتنامية في فيتنام الجنوبية مختبر لتلك النظريات.
كانت أزمة الصواريخ الكوبية لحظة حاسمة في الحرب الباردة. فقد أدت إلى تغيير في القيادة في الاتحاد السوفياتي. وشجعت الصينيين على معاودة إطلاق شكاواهم ضد القيادة السوفياتية للدول الشيوعية. وأدت إلى زيادة هامة في النفقات الدفاعية في الاتحاد السوفياتي حيث إن المجمع العسكري – الصناعي استخدم الأزمة للحصول على الالتزام بتحقيق تكافؤ مع الولايات المتحدة. وأصاب حلف الناتو شرخ, حيث أظهرت الأزمة كيف أن التشاور يصبح خاوياً في الأزمات الطارئة. وهنا انبرت الديغولية لمهاجمة النسخة الأوروبية الغربية للمركزية المتعددة. ورغم هذه الابتهالات فقد شجعت كوبا أيضاً على إقامة جولة ثانية من المبادرات ذات الصلة بالانفراج كان أشهرها الحظر الجزئي للتجارب. وقد أدى موت كينيدي وخلع خروشوف إلى إزاحة "اللاعبين" الرئيسيين في الأزمة وأدت إلى زيادة صعوبة المحافظة على زخم الاتجاه نحو التعاون والتعاضد. كما أن ازدياد انشغال أمريكا في حرب فيتنام في عهد جونسون لم يشجّع أياً من التعاون والتعاضد.
لقد أدّى تدجين حرب فيتنام في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، إضافة إلى ولع إدارة نيكسون بالانتقام الذي ترعاه الدولة ضد الخصوم المحليين والدوليين، أدى إلى أزمة ثقة طبيعية في الولايات المتحدة بمؤسساتها الحكومية – وبشكل حاسم بشأن "الرئاسة الامبراطورية". وقد نجم عن الانهيار الفعلي للموقف الأمريكي في فيتنام بعد هجوم تيت (Tet Offensive) – الذي صوره نيكسون في انتخابات 1968 على أنه "سلام مشرف" – نجم عنه إعادة تقييم السياسة في آسيا وبالتالي على النطاق العالمي. تلك كانت خلفية مبدأ نيكسون الذي كان بلا شك أكثر الرسائل إثارة للخيال وتحدياً للفكر من بين الرسائل التي طرحها خلفاء ترومان. لقد كان من أثر المبدأ أن نقل تعريف الحرب الباردة إلى توكيد ثلاثي المحاور. وكانت عودة الإدارة إلى الانفراج أكثر شمولاً وتقيداً بالمبادئ من الحالات السابقة.
مع أن بعض المحافظين الأمريكيين أصبحوا يسمون عقد السبعينيات بأنه "عقد الإهمال" إلا أن حُكماً أكثر توازناً من شأنه أن يعترف بأن تغييرات هامة في السياسة العالمية قد انعكست على الحرب الباردة. وقد نجم عن انهيار نظام بريتون وودز والتشكك في الهيمنة الأمريكية في ميدان الاقتصاد السياسي أول محرك للفرضية الأفولية. ويُعد كتاب روزيكرانس (Rosecrance) (1976) "أمريكا كبلد عادي" (America as an Ordinary Country) كتاباً نموذجياً عن هذا الاستبطان. وفي أوروبا كانت تشير السياسة الشرقية (Ospolitik)، واتفاقيات هلسنكي (Helsinki accords) والتسوية المتعلقة ببرلين إلى تخفيف كبير للتوتر. وأوجدت أزمة الشرق الأوسط عام 1973 المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي مبادرة منظمة الأقطار العربية المنتجة للنفط (OAPEC) لاستخدام "سلاح النفط" و"أزمة الإنذار" (Alert Crisis) بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ويرى ليبوو (Lebow) وشتاين (Stein) (1994) في هذه الأزمة بداية نهاية الانفراج بين القوتين العظميين. وكان تدخل السوفيات في أفغانستان وانهيار عملية معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (SALT) نتيجتين لنهاية العقد تشيران إلى ثمانينيات القرن العشرين والحرب الباردة "الثانية".
جاء رونالد ريغان إلى البيت الأبيض في 1981 يحمل مفهوماً للحرب الباردة لعله أكثر انغماساً في الايديولوجية من أي رئيس في الحكم. ويعد مصطلح "الحرب الباردة الثانية" استعمالاً مقبولاً بالنسبة للمقاربة المتبعة خلال مدة رئاسة ريغان الأولى. وقد اتسمت تاريخياً بالأزمة الأفغانية وبانهيار عملية معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية كنقاط بداية ومبدأ غورباتشوف (ورد ريغان) كنهايات. كانت الحرب الباردة الثانية قصيرة الأمد تاريخياً وكانت بكل تأكيد أقل شمولاً من نسخة الأربعينيات. كانت الحرب الباردة الثانية موجهة ضد القوة السوفياتية وليس ضد الكتلة الشيوعية. واعتبر انفتاح نيكسون على الصين واعتراف كارتر شيئين لا ينتهكان. وكانت الحرب الباردة الثانية مما يحبّذه الأمريكيون لكنها لم تكن مقترنة بأي شيء مثل مكارثية الخمسينيات. وفي الثمانينيات كانت مخاوف الأمريكيين من الدمار والتخريب في العالم الثالث وليس في أمريكا ذاتها هي الحاسمة. وفي أوروبا كانت فكرة حرب باردة ثانية تلقى تغطية مختلطة في الصحف. فقد كانت حكومة ثاتشر مؤيدة لكن زعماء أوروبيين آخرين كانوا أقل انحيازاً بالنظر لرؤيتهم ما تنطوي عليه تلك الحرب بالنسبة للسياسة الشرقية والفرص الاستثمارية إذا أرادوا إتباع أمريكا في اتخاذ موقف أكثر مجابهة. كان الكثيرون من الأوروبيين يرون أن خطاب ريغان ينطوي على خشونة ودوغماتية أكثر مما ينبغي. ولعله لم يكن لأي رئيس أمريكي مشكلة "جمهورين" بين أمريكا وأوروبا كما كان لرونالد ريغان. وقد شجّعت سياسات ريغان على نمو حركة السلام في أوروبا بعد 1980 وحتى على الصعيد الحكومي الرسمي فإنها لم تساهم إلا قليلاً في تحسين فكرة الشراكة الأطلسية. وكان تفتح مبدأ غورباتشوف ليصبح إعادة تحديد للعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الإرث الدائم لتلك المبادرة. فبعد أن تم فهم نطاق ومجال هذه التغييرات أصبح رد ريغان إيجابياً. وعلى الصعيد الداخلي أصبح ريغان بحلول 1986 واقعاً تحت ضغط من أجل معالجة المشكلة المتنامية للاقتصاد الأمريكي. وكانت أصداء الهجوم الأفولي تشق عنان السماء وكانت أسرار "ايرانجيت" (Irangate) التي تم الكشف عنها تهدد بتلويث سجل ريغان. وإذا لم يكن ريغان محاصراً فإنه كان بالتأكيد يفتقر إلى الأفكار وكان من المحتمل أن تضمن الاستجابة لمبادرات غورباتشوف للرئيس مكاناًَ مرموقاً في التاريخ.
- II أزمات الحرب الباردة
1- أزمة برلين Berlin crisis
كانت عاصمة ألمانيا السابقة ويمار مسرحاً لأزمتين رئيسيتين في فترة الحرب الباردة. حدثت أولاهما في 1948 – 9 وكثيراً ما يشار إليها بعبارة "جسر برلين الجوي" بسبب قيام الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باستخدام القوة الجوية لنقل الإمدادات إلى المدينة تحدياً للحصار الذي فرضه الاتحاد السوفياتي. واستمرت الأزمة الثانية من 1958 لغاية 1962. وكان السبب القريب عزم السوفيات على توقيع معاهدة سلام منفصلة مع المانيا الشرقية. وقد بلغت الأزمة أوجها بتشييد جدار برلين عام 1961 مما ولّد أزمة ضمن أزمة.
كانت برلين، مثل المانيا نفسها، مقسّمة إلى مناطق احتلال بنتيجة هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية. فمن حيث الموقع الطبيعي كانت برلين تقع في عمق المنطقة السوفياتية بعد 1945. وقد احتفظ الحلفاء بحقوق الوصول إلى برلين بعد استسلام المانيا لكن هذه التسهيلات كانت تعتمد بشكل حاسم على استمرار التعاون فيما بين الحلفاء. وعندما بدأت العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والغرب في التدهور حتى بلغت حد المجابهة بعد الحرب، بدأت تدابير برلين تبدو هشة وسريعة العطب. بل إن المسألة الألمانية برمتها أصبحت موضع خلاف بين الفرقاء. وقد بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشكل خاص باتخاذ خطوات لإرساء قواعد درجة أكبر من الاستقلالية بالنسبة لمنطقتيهما (اللتين توحدتا فيما دعي "المنطقة الثنائية" (Bizone) في يوليو 1946). وقد تأكد الانطباع من جراء ذلك بأن السياسة الانجلو – أمريكية طويلة الأجل في ذلك الوقت كانت ترمي إلى إيجاد دولة ألمانية غربية مستقلة. في أوائل 1948 قررت فرنسا والبينيلوكس والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تشجيع النشاط السياسي في المانيا الغربية وإتاحة مساعدات مشروع مارشال للدولة الناشئة. كان السبب المباشر لأزمة برلين الأولى هو سلسلة القرارات التي تم التوصل إليها في مؤتمر لندن. كانت وجهة نظر السوفيات أن تلك القرارات خالفت المبدأ الذي مفاده أن السياسة المتصلة بمستقبل المانيا يجب البت فيها بالاتفاق بين القوى الأربع. في 1 ابريل 1948 بدأ السوفيات يفرضون قيوداً على حركة التوريدات العسكرية عبر منطقتهم إلى داخل برلين. وفي يونيو 1948 أعلنت الدول الغربية الثلاث عن إصلاح يتعلق بالعملة لمناطقهم – ولكن ليس لبرلين – وكان رد فعل السوفيات فرض مزيد من القيود على الحركات إلى داخل برلين. وعندما شملت تلك الإصلاحات المتعلقة بالعملة مناطق برلين الغربية في يونيو 1948 كان رد السوفيات فرض حصار تام على جميع الطرق البرية الموصلة إلى داخل عاصمة المانيا السابقة. وفي إجراء وصف بأنه "دفاعي لكنه استفزازي" قام السوفيات بتصعيد النزاع إلى أقصى نقطة المواجهة. كان ردّ الغرب على هذه الإجراءات مدّ جسر جوّي لتوريد الإمدادات إلى داخل برلين. ويمكن اعتبار ذلك مثالاً نموذجياً لسياسة حافة الهاوية حيث إنه في حين أن المبادرة الانجلو – أمريكية استطاعت تلافي الحصار مادياً فإنها تركت للخصم القيام بالخطوة التالية. عند استعادة الأحداث الماضية نجد أن السوفيات – الذين لم تكن لديهم كبير خبرة بهذا النوع من القدرة على مد الجسر الجوي – قد أخطأوا التقدير إلى حد كبير. فالجسر الجوي لم يواجه عسكرياً أبداً ومن ثم تم إلغاء الحصار في مايو 1949. هذه الأزمة كانت أقل قسراً من كوبا من حيث "اختبار القوة". لقد كان الرد الأصلي المتمثل بمد الجسر الجوي حلاً وسطاً بين عدم اتخاذ أي إجراء لمساعدة برلين، مما كان يعني التخلي عن المركز الغربي في برلين، وبين اختراق الحصار بموكب عسكري مسلّح. وبما أن الأزمة انتهت من دون مفاوضات رسمية، فقد بقي الباب مفتوحاً لتجدد الأزمة في المستقبل، من الناحية الهيكلية، أدت أزمة برلين إلى تصلب الانقسامات في أوروبا بعد 1945. وبحلول 1949 كانت دولة ألمانية غربية قد تأسست وتم إرساء قواعد الناتو بمشاركة تامة من جانب الولايات المتحدة. وفي خريف 1949 تم إرساء قواعد جمهورية المانيا الديمقراطية في المنطقة السوفياتية وأصبح تقسيم المانيا بعد الحرب – الذي انتهى فقط بعد أحداث 1989 – مسألة شكلية. وخلافاً لأزمة الصواريخ الكوبية – التي كانت إيذاناً بفترة انفراج (détente) – أدت برلين إلى زيادة التوتر والعداء بين أطراف الحرب الباردة. عادت أزمة برلين إلى الوجود مرة أخرى في علاقات القوى العظمى في نوفمبر 1958، حين أعلن الزعيم السوفياتي خروشوف أن الاتحاد السوفياتي يرغب في التفاوض في مدة لا تتجاوز ستة أشهر بشأن تسوية أكثر ديمومة للمسألة الألمانية. وكانت مقترحاته تستند إلى مفهوم "الألمانيتين" اللتين يعترف بهما دولياً كدولتين حياديتين وتصبح أراضيهما جزءاً من منطقة خالية من الأسلحة النووية. أما برلين فيتم تدويلها. وقد نصت فترة الأشهر الستة المشروطة على أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فإن الاتحاد السوفياتي سيوقع معاهدة مستقلة مع المانيا الشرقية (مثلما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان). وكان من شأن هذا التصعيد انخراط القوى الغربية في علاقات بواقع القوة مع المانيا الشرقية بغية المحافظة على حرية الوصول إلى برلين. وردت الولايات المتحدة بأن اقترحت فك ارتباط محدود وإجراء انتخابات حرة في جزأي المانيا قبل التوحيد. وفي الوقت نفسه كان النظام الاقتصادي لألمانيا الشرقية يتعرض إلى الإضعاف المتواصل من جراء الحدود المفتوحة مع برلين الغربية. ففي أغسطس 1961 قامت المانيا الشرقية، بموافقة الاتحاد السوفياتي، بإغلاق الحدود بين برلين الشرقية وبرلين الغربية. في بادئ الأمر كان رد الفعل الغربي على إغلاق طرق العبور متحفظاً. ولكن عندما اتضح أن سكان برلين الغربية أخذوا يعانون من احتمال ضار لفقد الثقة قامت إدارة كينيدي الجديدة في واشنطن باتخاذ الخطوات المؤدية إلى زيادة حجم الحامية الأمريكية في المدينة. بل إن الولايات المتحدة استخدمت الأزمة لمحاولة طرح مخططات لإجراء تغييرات في استراتيجية الناتو ترمي إلى إدخال مزيد من المرونة والتوازن بين القوات التقليدية والنووية. ورغم ذلك، فقد أبرزت الأزمة الخلافات في الاستراتيجية والتكتيك بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وقد توصل الكثيرون من زعماء المانيا الغربية إلى نتائج ديغولية من جراء أزمة 1961. فهي بلا شك ساعدت على تشجيع التعاون الفرنسي – الألماني على جميع الأصعدة في السنوات اللاحقة.
حُلَّ موضوع الخلاف المتصل ببرلين في خاتمة المطاف بموجب اتفاقية 1971 الرباعية التي ضمنت للغرب حق الوصول إلى المدينة وأعطت برلين الغربية روابط محدودة مع الجمهورية الفيدرالية مقابل الاعتراف بحكم الأمر الواقع بسيطرة جمهورية المانيا الديمقراطية على برلين الشرقية. هذه الاتفاقية لم تكن لتخرج إلى حيّز الوجود لولا التحسن الكبير في العلاقات الناجم عن السياسة الشرقية (Ostopolitik) وسياسة نيكسون/ كيسينجر الخاصة بالانفراج. وقد أغلق انهيار جدار برلين والمانيا الشرقية، ووحدة الألمانيتين هذا الفصل في الجغرافيا – السياسية الأوروبية.
2- الحرب الكورية Korean War
سيطر اليابانيون على كوريا في عام 1895م، وجعلوها جزءًا من اليابان في عام 1910م. وعندما هزم الحلفاء اليابان في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م)، دخلت القوات الأمريكية والسوفييتية كوريا شمالي خط عرض 38 °شمالاً، وهو خط وهمي يقسم البلد إلى نصفين تقريبًا. واحتلت القوات الأمريكية كوريا جنوبي هذا الخط. وفي عام 1947م، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه يجب إجراء انتخابات في جميع أنحاء كوريا لاختيار حكومة واحدة لكل كوريا بشطريها الشمالي والجنوبي. عارض الاتحاد السوفييتي هذه الفكرة، ولم يسمح بإجراء انتخابات في كوريا الشمالية. وفي العاشر من مايو 1948م انتخب شعب كوريا الجنوبية مجلسًا قوميًا، وشكل المجلس حكومة جمهورية كوريا. وفي التاسع من سبتمبر، أسس شيوعيو كوريا الشمالية جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
طالبت كل من كوريا الشمالية والجنوبية معًا بكامل القطر، واشتبكت قواتهما عدة مرات قرب الحدود، من عام 1948م وحتى عام 1950م، وعندما سحبت الولايات المتحدة آخر قواتها من كوريا في عام 1949م، رأى الشيوعيون أن الوقت قد حان للتحرّك العسكري.
تعد الحرب الكورية أول حرب تؤدي فيها الأمم المتحدة دورًا عسكريًا، وقد بدأت في 25 جوان 1950م عندما غزت قوات من كوريا الشمالية، التي يحكمها الشيوعيون كوريا الجنوبية. وقد عدت الأمم المتحدة الغزو خرقًا للسلم العالمي، وطالبت بانسحاب الشيوعيين من كوريا الجنوبية. وبعد أن استمر الشيوعيون في القتال، طلبت الأمم المتحدة من الدول الأعضاء منح كوريا الجنوبية مساعدات عسكرية، فأرسلت ست عشرة دولة قوات لمساعدة كوريا الجنوبية، وأرسلت 41 دولة معدات عسكرية وأغذية وإمدادات أخرى. وقد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 90% من القوات والمعدات العسكرية والإمدادات وذلك نحو 590,000 جندي.
حاربت الصين إلى جانب كوريا الشمالية وأرسلت 780,000 جندي ، وقدم الاتحاد السوفييتي معدات عسكرية لكوريا الشمالية.
في خريف عام 1950م، تقدمت قوات الأمم المتحدة إلى داخل كوريا الشمالية، واستولت في شهر أكتوبر على بيونغ يانغ، وبتقدم قوات الأمم المتحدة صوب الحدود الصينية، اصطدمت القوات الأمريكية بالقوات الصينية وأساء قائد قوات الأمم المتحدة، اللواء دوجلاس ماك آرثر، تقدير حجم الجيوش الصينية، وظن أن تفوق الأمم المتحدة في القوات البحرية والجوية سينهي الحرب سريعًا.
من ناحية أخرى، أرسلت الصين في شهر نوفمبر، قوات ضخمة ضد قوات الأمم المتحدة وأجبرت الحلفاء على التراجع إلى داخل كوريا الجنوبية. وفي جانفي 1951م، استولى الشيوعيون على سيؤول. قاوم الحلفاء ولكن بحلول ربيع عام 1951م كانت الحرب قد تغيرت؛ إذ إن الجانبين صمدا، وواصلا القتال على طول خط المعركة شمالي الخط 38 ° وبالرغم من المعارك الضارية، لم يتقدم أي من الجانبين.
في أفريل 1951م، أبعد رئيس الولايات المتحدة هاري ترومان، اللواء ماك آرثر عن القيادة واستبدل به الجنرال ماثيو ريدجواي؛ إذ إن ماك آرثر كان قد دعا إلى استخدام كل الإجراءات الممكنة، ومن ضمنها قصف الصين بالقنابل.
تُعد الحرب الكورية أول معركة بين الطائرات النفاثة، فقد زود الاتحاد السوفييتي كوريا الشمالية بطائرات ميج ـ 15 النفاثة المقاتلة لمواجهة المقاتلات الأمريكية النفاثة ف 86. ولقد جرت كل المعارك بين هذه الطائرات النفاثة فوق كوريا الشمالية
اقترح الاتحاد السوفييتي وقف إطلاق النار في جوان 1951م. واتفق الجانبان على أن خط القتال الموجود حاليًا سيكون الخط الفاصل النهائي بين شمالي وجنوبي كوريا. انتهت المحادثات إلى طريق مسدود بسبب مشكلة تبادل أسرى الحرب. وفي جانفي 1953م أصبح دوايت آيزنهاور رئيسًا للولايات المتحدة. وفي مارس 1953م توفي رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين ، وبدأ قادة السوفييت التحدث عن السلام. وفي جويلية 1953م وقعت اتفاقية هدنة، وانتهى القتال. وحُددت منطقة فاصلة سميت بالمنطقة منزوعة السلاح بين الجانبين، وشكلت لجنة هدنة عسكرية لوضع شروط الهدنة موضع التنفيذ وتم تبادل الأسرى في سبتمبر 1953م. وفي عام 1954 فشلت المحادثات التي أجريت في جنيف بسويسرا في رسم خطة سلام طويل الأمد. ولم توقع معاهدة سلام دائمة مطلقًا.
كانت الحرب الكورية من أكثر الحروب سفكًا للدماء في التاريخ. فقد قتل نحو مليون كوري جنوبي مدني، وشُرد ملايين آخرون. كما قُتلَ وجُرح أو فُقد نحو 580,000 من قوات الأمم المتحدة وكوريا الجنوبية و1,600,000 من القوات الشيوعية.
3- أزمة السويس Suez Crisis
كانت حركة 23 جويلية في مصر عام 1952م، في أحد أسبابها رد فعل على نكبة العرب في حرب فلسطين عام 1948م ، ولذلك أعلن قواد ثورة 23 يوليو منذ البدء تصميمهم على إعادة بناء الجيش المصري وتسليحه تسليحًا حديثًا ليتمكن من مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. كان قادة الثورة الجدد يدركون أن بناء جيش قوي لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل اقتصاد راسخ وقاعدة تنموية متينة.
وعلى هذا الأساس، بدأ القادة الجدد مفاوضات جادة وحثيثة مع الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على ما يحتاجونه من السلاح ، كما عرضوا على الولايات المتحدة أيضًا تمويل بناء السد العالي بأسوان، وبعد مماطلة الإدارة الأمريكية اتجهت القيادة المصرية إلى الاتحاد السوفييتي (سابقًا) طلبًا للمساعدة في الحصول على الأسلحة الدفاعية الضرورية لتسليح الجيش المصري. استجاب السوفييت للطلب المصري. وفي سبتمبر عام 1955م، وقع الرئيس عبد الناصر على صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا وذلك لتزويد مصر بالطائرات والمدفعية والدبابات السوفييتية الصنع.
عارضت كل من بريطانيا وأمريكا عقد هذه الصفقة بعنف، نظرًا لما مثلته من كسر لاحتكار مبيعات السلاح في الوطن العربي، حيث كان هذا النشاط حتى ذلك الحين مقتصرًا على الدول الغربية،وكان من نتيجة ذلك الغضب أن قامت أمريكا وبريطانيا بإلغاء تنفيذ جميع المشاريع الاقتصادية التي تم الاتفاق مع الحكومة المصرية على إقامتها في مصر. كما أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية مصر على لسان وزير خارجيتها جون فوستر دالاس عن رفضها تمويل بناء السد العالي بأسوان.
وارتفعت حدة الأزمة بين مصر والدول الغربية، وأعلنت حالة الطوارئ في منطقة القناة، ووجدت القيادة المصرية أن أفضل وسيلة لتأمين التمويل اللازم لبناء السد العالي هي تأميم قناة السويس البريطانية التي كانت تشكل في ذلك الوقت التجسيد العملي للوجود العسكري البريطاني على أرض مصر. وكان تقدير القادة المصريين أن رسوم عبور القناة بعد التأميم، ستكون كافية خلال خمس سنوات لتمويل بناء سد أسوان.
وكانت القيادة المصرية ـ في تلك الفترة ، متعاطفة مع ثوار الجزائر الذين كانوا يخوضون حربًا دامية في سبيل الحصول على الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، وقد أدى ذلك إلى غضب الفرنسيين واستيائهم.
وهكذا التقت المصلحة البريطانية والفرنسية في العمل على إنهاء النظام السياسي القائم في مصر. وبدأ التخطيط سرًا للقيام بعمل عسكري مشترك ضد مصر لإنهاء الحكم القائم فيها، واستعادة قناة السويس.
وفي أوت عام 1956م، قامت بريطانيا باستدعاء الاحتياطي، وبدأت مع فرنسا في حشد قواتها المسلحة شرقي البحر الأبيض المتوسط.
كان سيناريو العدوان في مراحله الأولى يقتضي أن تقوم إسرائيل بالهجوم على الأراضي المصرية، وأن تتقدم لمنطقة القناة. وقد بدأت إسرائيل في التحضير لذلك بشن غارة واسعة النطاق على غزة، وقد ردت الحكومة المصرية على ذلك الاعتداء بإغلاق مضائق تيران بمدخل خليج العقبة، ومنع السفن الإسرائيلية من المرور عبر القناة. وعلى أثر ذلك قامت إسرائيل، وبدون أي إنذار مسبق، بغزو مصر وتقدمت نحو القناة. وهنا بدأت المرحلة الثانية من سيناريو العدوان الثلاثي على مصر، حيث طالبت بريطانيا وفرنسا كلاً من إسرائيل ومصر سحب قواتهما من القناة، تحت حجة كونها معبرًا دوليًا يقتضي تأمين سلامة المرور فيه. ورفضت مصر الإنذار البريطاني الفرنسي لكونه يشكل تدخلاً سافرًا في شؤونها الداخلية. وفي 31 أكتوبر هاجمت قوات بريطانية وفرنسية مشتركة الأراضي المصرية واستولت على اثنين من الموانئ المهمة بمنطقة القناة هما بورسعيد وبور فؤاد، ووقفت معظم الحكومات العربية، والشعب العربي في مختلف أقطاره خلف مصر، تقدم لها الدعم والتأييد، كما ساندت الشعوب الإسلامية وشعوب العالم الثالث والشعوب الأخرى المحبة للسلام كفاح مصر من أجل الدفاع عن سيادتها واستقلالها. وقد واجه ذلك الهجوم أيضًا معارضة قوية من الاتحاد السوفييتي (سابقًا) والولايات المتحدة الأمريكية، حيث هددا بالتدخل المسلح لإيقاف العدوان، كما حذرت الولايات المتحدة الأمريكية من احتمالات المواجهة النووية بين الكتلة السوفييتية والدول الغربية.
وفي 22 من ديسمبر انسحبت قوات الاحتلال البريطاني الفرنسي من مصر. وبحلول شهر مارس 1957م انسحب الإسرائيليون أيضًا من الأراضي المصرية التي احتلوها ومن قطاع غزة الفلسطيني.
كان من نتائج تلك الحرب تقوية المركز السياسي للنظام المصري على مستوى الوطن العربي، وبروز الرئيس عبدالناصر بطلاً قوميًا، واستعادة إسرائيل حرية الملاحة في مضائق تيران. وكسب إنجلترا وفرنسا للتعويض لحاملي أسهم قناة السويس، وفقدانهما للكثير من نفوذهما في الشرق الأوسط، كما كان من نتائج ذلك العدوان استقالة رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن في 9 يناير 1957م.
4- أزمات الصواريخ الكوبية Cuban missile crisis
كان السبب المباشر لأزمة الصواريخ التي جرت في أكتوبر 1962 قيام الاتحاد السوفياتي بنصب صواريخ بالستية متوسطة ومتوسطة المدى وقادرة على حمل أسلحة نووية في تلك الجزيرة التي تبعد أقل من مائة ميل عن ساحل فلوريدا. وقد أدى اكتشاف أجهزة استخبارات الولايات المتحدة لهذه الصواريخ إلى حالة أزمة حادة بين القوتين العظميين حيث قامت إدارة كينيدي باتخاذ تدابير مضادة فورية وقسرية، وفي الواقع كان قد مضى بعض الوقت بين إدخال هذه الأسلحة واكتشافها من قبل أجهزة الاستخبارات. وإلى أن يتغير تعريف الولايات المتحدة للوضع في أكتوبر فقد كانت تتصرف استناداً إلى الافتراض بأن الاتحاد السوفياتي لا يمكن أن يُدخل مثل تلك الأسلحة إلى ذلك النصف من الكرة الأرضية. كان ذلك واحداً من أخطاء التقدير المتعددة التي كشفتها الدراسة اللاحقة للأزمة.لقد جاء الإدراك بعد 14 اكتوبر أن الولايات المتحدة قد فشلت في ردع السوفيات عن القيام بمثل ذلك العمل المتهور ليشكل صدمة نافعة لفريق كينيدي. فبعد الكشف عن صورة الاستخبارات اجتمعت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي سراً للنظر في دوافع الخطوة السوفياتية في سياق علاقة القوى العظمى وبالتالي كمحاولة لاستباقهم خطوة في المواجهة النووية. وقد اتضح الآن أنه – رغم أن السوفيات كانوا بالفعل يرون أنفسهم في موقف أدنى في سباق التسلح – فإن ما لا يقل أهمية في اتخاذهم للقرار هو الرغبة في ردع إغارة أمريكية ثانية على كوبا بعد حادثة خليج الخنازير Bay of Pigs التي أُجهِضت. فقد أقنعت السياسة الأمريكية في القيام بزعزعة استقرار النظام الشيوعي في كوبا، أقنعت القيادة السوفياتية أن معقلهم في البحر الكاريبي كان قد نضج من أجل القيام بالتدخل مرة أخرى. من هذا المنطلق تأخذ الأزمة الكوبية شكلاً ثلاثي المحاور أكثر مما أوحت به الدراسات الاستراتيجية العديدة منذ 1962. لقد كانت كوبا/ أمريكا وكوبا/ الاتحاد السوفياتي عوامل هامة في التصور السوفياتي. فنصب السوفيات لصواريخهم في كوبا كان يخدم عدداً من الأهداف السوفياتية بضربة واحدة (وهذا ليس بالحدث النادر في صنع السياسة).
بعد المداولة – ومعارضة كبيرة – حزم مجلس الأمن القومي أمره على ضرب حصار بحري على كوبا بوصفه الرد المُفضّل. وبالنظر للوضع القانوني المشكوك فيه لهذه الخطوة فقد سميت "كرانتينا" (حجر)، وهي سياسة تذكر بسياسة روزفلت. ومع أن الكرنتينا كانت دلالة بارعة على حزم أمريكا فإنها لم تفعل شيئاً لإزالة الصواريخ التي كانت قد وصلت إلى كوبا. وتصاعدت الأزمة إلى مستوى عال من التوتر بعد أن نوهت الولايات المتحدة بأنها ستقوم بإجراء مباشر ضد كوبا. وفي الوقت نفسه فتحت "قنوات خلفية" للاتصالات مع القيادة السوفياتية. فعبر هذه الوسائل تمكن كينيدي من إظهار موقف أكثر استرضائياً – حتى لدرجة التفكير بمبادلة مع الصواريخ في تركيا. وقد تُرِك انطباع لدى الرأي العام الأمريكي بأنه في مواجهة "العين للعين" أجبرت عين السوفيات على أن تطرف. وقد أشار ليبوو (Lebow) وشتاين (Stein) إلى أن الرئيس الأمريكي كان في الواقع مستعداً لفعل الشيء ذاته. وفي نهاية الأسبوع الثاني من الأزمة وافق السوفيات على إزالة صواريخهم مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا. و لكن الزعيم الكوبي لم يُستشر بشأن هذه الخطوات الاسترضائية، مما أصابه بالغضب.
5- حرب فيتنام Vietnam War
حرب فيتنام تُعد من أكبر النزاعات في جنوب شرقي آسيا. فقد بدأت الحرب أهلية للفوز بحكم فيتنام، ثم تطورت إلى نزاع دولي كبير، تورطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، في أطول حرب شارك فيها الأمريكيون حتى الآن. بدأت هذه الحرب في عام 1957م وانتهت في عام 1975م. وقد قُسِّمت فيتنام، وهي دولة صغيرة تقع جنوب شرقي آسيا، إلى فيتنام الشمالية التي يحكمها الشيوعيون، وفيتنام الجنوبية غير الشيوعية. حاربت فيتنام الشمالية، ومعها الثوار الفيتناميون الجنوبيون الشيوعيون المدربون، جيش فيتنام الجنوبية للاستيلاء على السلطة في فيتنام الجنوبية. فحاولت الولايات المتحدة وجيش فيتنام الجنوبية إيقافهم ولكنهم فشلوا.
كانت حرب فيتنام، في الواقع، المرحلة الثانية من مراحل القتال في فيتنام. ففي المرحلة الأولى التي بدأت عام 1946م، حارب الفيتناميون فرنسا للسيطرة على فيتنام. وقد كانت فيتنام في ذلك الوقت جزءًا من مستعمرة الهند الصينية الفرنسية، وهزم الفيتناميون الفرنسيين في عام 1954م وانقسمت فيتنام إلى شمالية وجنوبية.
سمى الشيوعيون حرب فيتنام حرب التحرير الوطنية. فقد كانوا ينظرون إليها كامتداد للصراع مع فرنسا، وكمحاولة أخرى من قبل قوة أجنبية للسيطرة على فيتنام. وقد أرادت فيتنام الشمالية إنهاء دعم الولايات المتحدة لفيتنام الجنوبية وتوحيد الشمال والجنوب في دولة فيتنامية واحدة وقدمت الصين والاتحاد السوفييتي (السابق) وهما أكبر دولتين شيوعيتين، للفيتناميين الشيوعيين معدات حربية، ولكنهما لم يقوما بتقديم قوات عسكرية.
ساعدت الولايات المتحدة فيتنام الجنوبية غير الشيوعية؛ لأنها كانت تخشى سقوط آسيا في أيدي الشيوعيين، وبالتالي سقوط الدول الأخرى أيضًا الواحدة تلو الأخرى.
مرت الحرب الفيتنامية بعدة فترات. فالفترة من عام 1957م إلى عام 1965م كانت بصفة رئيسية صراعًا بين جيش فيتنام الجنوبية والثوار الفيتناميين الجنوبيين الشيوعيين المدربين المعروفين باسم الفيت كونج، أما الفترة من عام 1965م إلى عام 1969م، فقد قامت فيها فيتنام الشمالية والولايات المتحدة بمعظم القتال، وقامت كل من أستراليا ونيوزيلندا والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند أيضًا بمساعدة فيتنام الجنوبية.
بدأت الولايات المتحدة في سحب قواتها في عام 1969م. وفي يناير عام 1973م اتخذت الترتيبات اللازمة لوقف إطلاق النار، وغادرت آخر قوات أمريكية برية فيتنام بعد ذلك بشهرين. ولم يلبث أن تجدد القتال مرة أخرى بعدئذ. وانتهت الحرب عندما استسلمت فيتنام الجنوبية في الثلاثين من أبريل عام 1975م.
6- الاجتياح السوفياتي لأفغانستان
لقد كان التدخل العسكري واسع النطاق من جانب قوات الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان في أواخر ديسمبر 1979 إحدى اللحظات المُحدِّدة في علاقات الحرب الباردة بين روسيا السوفياتية والولايات المتحدة الأمريكية. وكما هو الحال في عمليات التدخل السوفياتية في تلك الفترة (مثل حالة تشيكوسلوفاكيا عام 1968)، فإن تلك العملية يمكن النظر إليها بوصفها رد فعل دفاعياً بالدرجة الأولى من جانب القيادة الشيوعية التي خشيت أن تؤدي حالات عدم الاستقرار والشك المحلية داخل الدولة المستهدفة إلى تغييرات سياسية واجتماعية من شأنها أن تلحق ضرراً جسيماً بالمصالح السوفياتية. ولقد كان الباعث على المبادرة السوفياتية في أفغانستان موضع جدل حامي الوطيس لأن التحليل "الدفاعي" للنوايا السوفياتية رُفِض على نطاق واسع من قبل النخبة الأمريكية وتم اعتماد التفسيرات الهجومية/ المجابِهة بدلاً منه. وقد ولد رد الفعل الأمريكي الاستتباعي انشقاقاً في التحالف الأطلسي حيث رفضت الدول الأوروبية الرائدة الانضمام إلى السياسة الأمريكية المتعلقة بتطبيق عقوبات اقتصادية اصطفائية ضد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وكانت سياسة الانفراج متأصلة في هذا النزاع الداخلي الثانوي ضمن الناتو. فبالنسبة للقادة الأمريكيين كان "اجتياح" افغانستان علامة على أنه يجب أخيراً التخلي عن سياسة الانفراج. وقد رفضت فرنسا والمانيا الغربية بشكل خاص قبول هذا التعريف للوضع.
في القرن التاسع عشر كان ينظر إلى أفغانستان بوصفها دولة حاجِزة (buffer state) تفصل بين الامبراطوريتين البريطانية والقيصرية. وبعد الثورة الروسية وانتهاء الحرب العالمية الأولى اتفقت الدولتان على إلغاء أي مصالح خاصة في أفغانستان والاعتراف باستقلالها وكان من جراء الأفول التدريجي للنفوذ البريطاني في شبه القارة الهندية أنه كان من المحتم أن يصبح الأفغان خاضعين بشكل متزايد للنفوذ السوفياتي. وقد أضافت الحقيقة الآنية للحرب الباردة إلى الأهمية الجيوسياسية (الجغرافية-السياسية) لأفغانستان من المنظور السوفياتي. ثم إن انحياز أمريكا إلى باكستان جعل المنطقة تتمحور بين قطبين.
في ربيع 1978 قام فريق من ضباط الجيش الراديكاليين بانقلاب ناجح. وتم تشكيل مجلس ثوري هش يشارك في السلطة ضم العسكريين والحزب الأفغاني الديمقراطي الشعبي الماركسي الذي كان قد تأسس عام 1965. وقد جابهت المحاولة اللاحقة من جانب القيادة الجديدة لإدخال إصلاحات وتحديث المجتمع الأفغاني مقاومة شديدة من جانب الزعماء التقليديين. ونجم عن ذلك أن أخذ تمرد إسلامي أصولي يترسخ في بلد يسوده تقليد قوي للتبعية القبلية والإقليمية في أي ظرف. وبحلول شتاء 1978 – 1979 كانت معظم أقاليم أفغانستان تعاني من نوع من الحرب الأهلية ومن مقاومة منظمة مقاومة للمركزية. وفي سيناريو يُذكِّر بسياسة أمريكا في فيتنام خلال سنوات كيندي أصبح الاتحاد السوفياتي غارقاً حتى قمة رأسه في السياسة المحلية لأفغانستان في وقت كان يبدو فيه أن النظام يعاني من الكثير من عدم الاستقرار وعدم التيقن. وفي نهاية 1978 أبرمت الحكومتان معاهدة صداقة وحسن جوار وتعاون. وتضمنت المعاهدة جانباً عسكرياً في عدد من بنودها وتحدثت بشكل محدد عن الحاجة إلى "نظام أمني فعال في آسيا" في المادة 18 من المعاهدة.
أمام وضع أمني متدهور في أنحاء الدولة أخذ الضغط على القيادة السوفياتية بأن تتدخل بشكل مباشر أكثر يتصاعد طيلة صيف وخريف 1979. ونشأ صراع محتدم حول السلطة داخل القيادة الشيوعية الأفغانية في الخريف وفشلت حملات التطهير داخل النخبة الحاكمة في تحقيق الاستقرار في الموقف ،بدأ التدخل في فترة عيد الميلاد عام 1979.
وبنهاية السنة تم تنصيب طغمة أكثر انقياداً، وبحلول نهاية يناير 1980 أصبح يوجد في أفغانستان 80000 جندي سوفياتي. وتم تنفيذ الجانب اللوجستي واسع النطاق للتدخل من الناحية التقنية بشكل فعال وسريع. وظهرت قدرات النقل الجوي السوفياتية وتم إخماد المقاومة من جانب قطاعات من الحزب الشيوعي التي وُصِمت بأنها مناهضة للسوفيات.
كان البلد ينزلق نحو الفوضى الداخلية والحرب الأهلية. وفي الخارج كانت باكستان والصين تعارضان النظام. وقد أثار التمرد الإسلامي المتوقع إمكان انتقال تلك العدوى إلى الجمهوريات الإسلامية غير الروسية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وفي الولايات المتحدة كانت إدارة كارتر منشغلة على ما يبدو بقضية الرهائن الإيرانية. وكان من الممكن لفشل الاتحاد السوفياتي أن يبدو وكأنه ضعف وأن يضر بصدقيته، ولا سيما في أوروبا الشرقية. .
أما في الولايات المتحدة فقد كان الرأي العام أكثر استعداداً لرؤية التدخل على أنه توسعي وهجومي وليس ضمن الإطار الدفاعي المشار إليه آنفاً. فمن حيث الأساس اعتبر أن الاتحاد السوفياتي باتخاذه ذلك الإجراء القسري خارج نطاق ومجال حلف وارسو قد تجاوز القواعد الضمنية لمواجهة الحرب الباردة التي رسمت مناطق النفوذ والتي بدا أن أفغانستان خارجة عن نطاقها. وقد رأى المراقبون الغربيون أن ذلك التصرف من قبل الاتحاد السوفياتي مبعثه النزعة التوسعية الروسية الرامية إلى الوصول إلى آبار بترول الخليج وإلى مرفأ مياه دافئة. ولم يعر كبير وزن في هذا التحليل لكون أفغانستان بلداً محوطاً بالأرض.
وأخيراً فقد تمت إدانة الاجتياح في الأمم المتحدة ومن قبل الدول غير المنحازة. أما في الولايات المتحدة فقد أفضت إلى إعادة تقييم السياسة نحو الاتحاد السوفياتي وأدت مباشرة إلى إصدار مبدأ كارتر وإلى إعادة تسلح كبيرة في الولايات المتحدة. وبوشر في إرسال المساعدة العسكرية الأمريكية إلى المجاهدين في عهد كارتر وتم التوسع في تلك المساعدات في عهد خلفه رونالد ريغان. من ناحية الانتخابات بدا أن أفغانستان كانت توحي للعديد من الأمريكيين بأن الرئيس كارتر كان ساذجاً قبل الحدث ثم أصبح ينزع إلى المواجهة بعده. وكان من الصعب تجنب الاتهام بالتناقض الموجه إليه. وكما كان عليه الحال في أزمة الصواريخ الكوبية يبدو أن السوفيات قد أخطأوا ف