عسكرة الأراضي وضمان أمن الحيازة: مصر واليمن نموذجاً
تعتبر الأراضي العامة أو الأراضي ملك الدولة، من أكثر القضايا التي تثير جدلاً كبيرا في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة مع زيادة عدد السكان، وتصاعد النزاع على حيازة واستخدام الأراضي (خاصة الأراضي الصحراوية)، و في ظل افتقار متعمد إلى نظام منهجي وشفاف لتسجيل الأراضي وتنظيم التصرف فيها.
في أعقاب تولي المؤسسات العسكرية لمقاليد الحكم في العقود الماضية، وضعت مجموعة من القوانين والاجراءات لتعزيز سيطرتها على الأراضي العامة وتصبح هي القائمة على تنظيم واستخدام الأراضي خاصة الأراضي الواقعة خارج نطاق العمران أو التخطيط، حتى بعد أن صبغت تلك الانظمة العسكرية حكمها بشكل مدني، ظلت القوانين واللوائح تحمي المؤسسة العسكرية كونها صاحبة الاختصاص الأصيل في تنظيم والتصرف في الأراضي العامة أو الأراضي ملك الدولة جعلتها لدرجة أصبحت تقوض التزام الدولة في احترام وحماية وإعمال أمن الحيازة الفردية للمواطنين في الأراضي.
وقد اتضحت تلك المعضلة بشكل كبير في أهم بلدان الربيع العربي وهما مصر واليمن، حيث كانت قضايا النزاع على الأراضي بسبب عدم معالجة حالات وضع اليد من قبل أطراف متنوعة، فضلاً عن ازدياد جرائم نهب الأراضي العامة من قبل المسئولين وأصحاب النفوذ. وسوء إدارة الدولة للأراضي والموارد الطبيعية، بما في ذلك عدم التوزيع العادل لها بين الشرائح المحرومة من المجتمع، وقد أصبح من بين العوامل الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات و الانتفاضة ضد الأنظمة السابقة، وتصاعد الأزمات السياسية، والنداءات إلى العدالة الانتقالية.[1]
وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على انتفاضات الربيع العربي، ومحاولات اتخاذ خطوات مبدئية، للدخول في تطبيق ضيق لمبادئ العدالة الانتقالية والدخول في مرحلة دستورية جديدة، إلا أن قضية تنظيم واستخدام الأراضي ووقوعها تحت هيمنة المؤسسات العسكرية لا يتم تناولها. وبالرغم من ذلك الإغفال، وقعت العديد من الصدامات في السنوات الأخيرة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية بسبب تهديدها لضمان حيازة الأراضي والاستيلاء على مساحات شاسعة أدت إلى تصاعد تلك النزاعات.
مصر:في أعقاب ثورة 1952، أصدرت المؤسسة العسكرية الحاكمة، مجموعة من القوانين للسيطرة على الأراضي العامة، وتولي مسئولية تنظيمها والتصرف فيها، ولكن تلك القوانين أثرت سلبا على الحقوق التي كانت مقررة بموجب القانون المدني، فالقانون رقم 124/ 1958، بشأن تنظيم تملك الأراضي الصحراوية، والذي حظر تملك الأراضي الكائنة بالمناطق خارج الزمام وقت صدوره بأي طريق كان عدا الميراث ما لم يرخص وزير الحربية بتملكها طبقاً للإجراءات المقررة فيه، قد أهدر الحق في حيازة الأراضي والذي كان مقررا بموجب المادة 874 والمادة 968 من القانون المدني، ثم تم إلغاء الحق المقرر بموجب تلك المواد بالقانون 100/1964، 143/1981[2]، واللذان نصا على اعتبار الأراضي الصحراوية ملكاً خاصاً للدولة، ولا يجوز تملكها بطريق الاستيلاء، كما نصت المادتين 35، 36 من القانون 100 لسنة 1964[3]، وأن وزير الحربية فيما يتعلق بتنظيم الأراضي الصحراوية، يجوز له تحديد الأراضي التي يحظر فيها التملك لأغراض عسكرية، واتخاذ إجراءات نزع ملكية الأراضي الصحراوية أو الاستيلاء عليها مؤقتاً وفقا لمقتضيات دواعي المحافظة على سلامة الدولة و أمنها القومي الخارجي أو الداخلي.
تلك المجموعة من القوانين والإجراءات، فضلاً عن سيطرة الشخصيات العسكرية على أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية التي تتولى تنظيم وتخطيط الأراضي، قد مكنت المؤسسة العسكرية من السيطرة على 87% من الأراضي مجمل الأراضي، لأن الأراضي المسجلة فقط والمعترف بملكيتها لا تتجاوز 13%، مماأثرت سلباً على إلتزام الدولة بضمان أمن الحيازة ومراعاة الاعتبارات المتعلقة بالعدالة و احترام الحقوق المكتسبة، بل وأدت إلى مجموعة من الصدامات بين المؤسسة العسكرية و بعض الفئات المتضررة من جراء تلك القوانين والتي أصبحت مهددة بفقدان حيازتها لأراضيها التي يعيشون عليها منذ عقود طويلة، ومنها قضية أرض جزيرة القرصاية، و الضبعة، وجزيرة بين البحرين، و قرية الأمشوطي، وأرض قبيلة القنيشات، فضلا عن قضايا فساد متعلقة بنهب أراضي أشهرها أرض جمعية الطيارين.[4]
أنظر فيديو عن قضية أرض الأمشوطي، المنصورة.
اليمن: قضية إدارة الأراضي وتنظيمها باليمن تختلف عن الوضع في الدولة المصرية، والتي اتخذت المؤسسة العسكرية المصرية في إدارة وتنظيم الأراضي بشكل مؤسسي وتحت غطاء كيان مؤسسات الدولة المصرية المختلفة المتعلقة بإدارة وتنظيم وتخطيط الأراضي العامة، ولكن الوضع في اليمن خارج إطار الدولة، وتخضع عملية إدارة وتنظيم الأراضي لقرارت سياسية فردية قائمة على التمييز القبلي، فضلاً عن فساد نظام تسجيل الأراضي.[5]
فعلى الرغم من وجود بعض القوانين التي تنظم الأراضي والعقارات العامة، مثل القانون 21/1995، والقانون رقم 16/1978 الخاص بالمراهق والمرافق العامة، والقانون رقم 1/1995، بشأن الاستملاك للمنفعة العامة، وان تلك القوانين لم يحدد فيها دور المؤسسة العسكرية بشكل واضح في علاقتها بالتصرف في الأراضي العامة مثل الدولة المصرية، إلا في المادة 30/1 من قانون تنظيم الأراضي والعقارات العامة، والتي تنص صراحة على جواز بقرار جمهوري بعد موافقة مجلس الورزاء وبناء على عرض من وزير الدفاع تحديد المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية المحظور استغلالها من الأراضي الصحراوية.
ولكن أبرز حالات استيلاء على الأراضي في اليمن تخطى القوانين وأصبح الفساد والمحسوبية هي المتحكمة في عمليات توزيع الأراضي في أعقاب الوحدة في عام 1990، وفي أعقاب انتهاء الحرب الأهلية في عام 1994، حين استباح النظام الحاكم برئاسة على صالح، كل موارد الجنوب وصادر جميع الأراضي واستبعد جميع الموظفين الجنوبيين من أجهزة ومؤسسات الدولة، وقام بتأميم للعقارات، والأراضي الزراعية والصحراوية، والاستيلاء على جميع المرافق العامة لدولة الجنوب، واستولت المؤسسة الاقتصادية العسكريةYECO، على مساحات واسعة من الأراضي والشركات المختلفة شبه الحكومية، وأصول شركات نفطية وغاز وأدوية وزراعة، وأن ملكية الأراضي التي تحوزها يفتقر تسجيلها إلى الشفافية، والادعاء بأنها لأغراض عسكرية، ثم يتم توزيعها على الضباط لضمان ولائهم، ولا يزال عائلة الأحمر هي المسيطرة الفعلية على إدارة المؤسسة الاقتصادية العسكرية.[6]
فنهب الأراضي شمل مساحات واسعة من المواقع الهامة والتجارية تحت ذريعة مشاريع سكنية أو تجارية لكبار المسئوليين، وشمل أيضا مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وشبه الزراعية والتي صودرت بقانون الإصلاح الزراعي قسمت على النخبة العسكرية القبلية بصنعاء، والمقربين من النظام الحاكم، خاصة في مناطق عدن والحديدة ولحج وأبيين.[7]
وأخيراً، يتضح من خلال هذا الاستعراض العام، لأوضاع إدارة الأراضي من قبل المؤسسة العسكرية في كل من مصر واليمن، بأنها تحتاج إلى إصلاح ومنهجية عادلة، تجعلها غير متناقضة مع الحقوق التي يكفلها الدستور والمبادئ الحقوقية، في التزام الدولة باحترام وحماية وأعمال حق كل شخص في الأرض حيازة آمنة، وإن الانتفاضات الشعبية في بلدان الربيع العربي كشفت عن الكثير من قضايا الفساد، التي أصبحت الأرض من أهم قضاياها، بسبب سيطرة المؤسسة العسكرية على الأراضي دون أن يكون هناك رقيب أو متابعة لمدى مشروعية ومراعاة العدالة الاجتماعية للتصرف فيها، ينعكس على عسكرة الأراضي في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، حيث لاحظ باحث قانوني لـ HIC-HLRN أحمد منصور، أنه لا ينبغي أن تكون الأغراض والعمليات العسكرية ذريعة لانتهاك الحقوق أو تدمير البيئة الطبيعية، وأن تخطيط الأراضي لمشاركة مجتمعية مع الأشخاص المحتمل تضررهم من جراء تلك الإجراءات، وأن تكون هناك شفافية وعدالة في توزيع تلك الأراضي واحترام الحقوق التاريخية للسكان في حيازة أراضيهم. وأضاف كما هو الحال مع العديد من البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، والانتصاف لانتهاكات حقوق الأراضي و الممتلكات من قبل الأنظمة القديمة في مصر و اليمن، من المرجح أن يظل موضوع إجراءات العدالة الانتقالية مستمر لسنوات طويلة.
[1]لمزيد من التفاصيل أنظر نشرة أحوال الأرض، العدد الأول يناير 2012.
[2]المادة 2، من قانون 1981،
فقرة (أ): يصدر وزير الدفاع قرارا بتحديد المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية من الأراضى الصحراوية التى لايجوز تملكها ، ويتضمن القرار بيان القواعد الخاصة بهذه المناطق والجهات المشرفة عليها، ولايجوز استخدامها فى غير الأغراض العسكرية إلا بموافقة وزير الدفاع وبالشروط التى يحددها.
فقر (د): لمجلس الوزراء بناء على طلب وزير الدفاع نزع مليكة الأراضى الصحراوية والعقارات المقامة عليها أو الاستيلاء عليها استيلاء مؤقتا إذا اقتضت ذلك داوعى المحافظة على سلامة الدولة وأمنها القومى الخارجى أو الداخلى أو المحافظة على الآثار ، ويعوض أصحابها كالآتى:إ 1- ذا كان نزع ملكية ، يرد إليهم ما أنفقوه فى إصلاح الأرض وإقامة المبانى.2- اذا كان استيلاء مؤقتا يدفع لهم مبلغ يساوى ما كانت تدره عليهم هذه الأرض طوال فترة الاستيلاء. 3- تحدد قيمة التعويض لجنة تشكل لهذا الغرض من هيئة المجتمعات العمرانية يمثل فيها مندوب عن الملاك ومندوب عن وزارة الدفاع.[3]المادتين 35،36 من القانون 100/1964،
مادة 35، لوزير الحربية بعد أخذ رأى وزير الاصلاح الزراعى وإصلاح الأراضى أن يحدد بقرار منه المناطق التى يحظر فيها التملك لأغراض عسكرية.مادة 36، لوزير الحربية اتخاذ اجراءات نزع ملكية الأراضى الصحراوية أو الاستيلاء عليها استيلاء مؤقتا إذا اقتضت ذلك دواعى المحافظة على سلامة الدولة وأمنها القومى الخارجى أو الداخلى وذلك دون إتباع الإجراءات المنصوص عليها فى القانون رقم 577 لسنة 1954 المشار إليه عدا ما يتعلق منها بتقدير التعويض.وتحدد اللائحة التنفيذية الإجراءات التى تتبع فى نزع ملكية العقارات الصحراوية والاستيلاء المؤقت عليها فى الأحوال المشار إليها.[4]للمزيد من التفاصيل عن تلك القضايا أنظر قاعدة بيانات الانتهاكات، شبكة حقوق الأرض والسكن، التحالف الدولي للموئل.
[5]للمزيد عن حالات النزاع والأراضي باليمن أنظر تقرير مركز مسح الأسلحة الصغيرة: تقييم العنف المسلح في اليمن، عدد 2 أكتوبر 2010
[6]للمزيد عن فساد النظام الحاكم، أنظر تقرير جيني هيلو بيرتسلزبري و ليويننورثد جو جنيكننمنت:اليمن، الفساد وهروب رأس المال، والأسباب العالمية للصراع،تشاثامهاوس سبتمبر 2013.
[7]لمزيد من انتهاكات الارض في اليمن أنظر قاعدة بيانات الانتهاكات للشبكة.