قراءة في كتاب: (العلاقات الاقتصادية الدولية

قراءة في كتاب: (العلاقات الاقتصادية الدولية)
عرض: د. مجيد مسعود
02/ 08/ 2008
يستهل الباحث الدكتور صالح ياسر حسن ثمرة جهده الدائب الذي جاء في 765 صفحة، بقوله: تتمثل الخاصية المميزة لعالمنا المعاصر في تنامي أهمية العلاقات الدولية بمستوياتها المختلفة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..إلخ. ومما ساعد على ذلك تطور وسائل الاتصال والمواصلات، وتعاظم الاعتماد المتبادل بين البلدان والشعوب. ويصاحب هذا المسار ظهور مخاطر جديدة تواجهها البشرية بنتيجة تطور الوسائل العسكرية الهائلة وبضمنها أسلحة الإبادة الجماعية.
ولهذا ظهرت الحاجة لتطوير نظرية العلاقات الدولية بشكل عام، ونظرية العلاقات الاقتصادية الدولية، لكي تكون على قدر من النضوج المعرفي والمنهجي وتماسك جهازها المفاهيمي، بما يمكنها من تفسير طابع وجوهر تلك العمليات والتجليات التي تتخذها تلك العلاقات الدولية، ولا سيما الاقتصادية منها، لأنها علاقات تنشأ بين بلدان ذات أنظمة اجتماعية مختلفة ومستويات تطور متفاوتة، وآفاق تنموية بين بلدان ذات أنظمة اجتماعية مختلفة ومستويات تطور متفاوتة، وآفاق تنموية مختلفة، ورهانات اجتماعية متباينة.
إن مضمون هذا الكتاب (العلاقات الاقتصادية الدولية) والإشكاليات التي تضمنها، والمقاربة المعتمدة من طرف المؤلف، هي نتيجة تأمل عميق على المستوى المنهجي، إضافة إلى عمله لسنوات عديدة أستاذاً جامعياً لمادة (العلاقات الاقتصادية الدولية)، وتجربته مع طلبته ومعرفتهم الجزئية التي لا تمكنهم من الإجابة عن الأسئلة الحقيقية والإشكاليات الفعلية التي يطرحها تطور هذه العلاقات، مما ساهم في تحفيزه إلى إعداد هذا الكتاب الذي حاول فيه تناول العلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة في سياقاتها الثلاثة:
الإبستمولوجي (المعرفي)، والأنطولوجي (الواقعي)، والإكسيولوجي أو القيمي ـ المعياري. وذلك توخياً للفهم الصحيح للظواهر والسيرورات والتناقضات الفعلية المتجسدة في الاقتصاد العالمي، والتحديد الدقيق لطبيعة العلاقات الاقتصادية الناظمة له. وأن يكون هذا العمل من قبل المؤلف خطوة فقط في هذا الاتجاه.
وبعد هذه الملاحظات المكثفة من المؤلف لا بد من العودة إلى بنية الكتاب ذاته، والإشارة هنا إلى أنه يحتوي على ثلاثة أبواب تضم بمجموعها 21 فصلاً يغطيها 79 مبحثاً، مع مقدمة وملحقين: الأول إحصائي، والثاني أشبه بقاموس مبسط لتعريف مختصر بمجموعة من المصطلحات والمفاهيم والمقولات الاقتصادية المستخدمة في هذا العمل.
كرس المؤلف د. صالح ياسر حسن الباب الأول من كتابه لبحث البعد الأبيستمولوجي لعلم العلاقات الاقتصادية الدولية، وهو يضم سبعة فصول. أولها عن جوهر العلاقات الاقتصادية الدولية، ويتكون من ثلاثة مباحث تناولت تحديد مفهوم العلاقات الاقتصادية الدولية، وما هو الجوهر والعرضي فيها، إضافة إلى تحديد موضوع وحقل أبحاث هذا العلم. والفصل الثاني عن نظرية العلاقات الاقتصادية الدولية، ويضم أربعة مباحث، وهو يمثل محاولة لتدقيق مفهوم (نظرية العلاقات الاقتصادية الدولية) باعتبارها نسقاً منطقياً ومنضبطاً من المفاهيم وترديداً علمياً للقوانين الموضوعية الناظمة للواقع الاقتصادي الدولي.
أما الفصل الثالث الموسوم: حول إشكالية تدويل الحياة الاقتصادية في العالم المعاصر، فقد ضم أربعة مباحث. وكرسه المؤلف لبحث جوهر عملية التدويل الاقتصادي على الصعيد العالمي بشقيها: تدويل القوى المنتجة وتدويل العلاقات الإنتاجية، باعتبارهما مرتبطين في وحدة ديالكتيكية (جدلية)، وتتعرضان لتأثير متزايد للتعميم والتدويل. ويمثل ذلك مباشرة لتطوير عملية تقسيم العمل الاجتماعي والتخصص المرتبط به. ولهذا كرس المبحث الرابع من هذا الفصل الثالث، لمحاولة كشف التناقضات الناظمة لعملية التدويل باعتبارها عملية موضوعية.
ونظراً لأن التدويل يجري في إطار محدد، ملموس، هو الاقتصاد العالمي الذي يتعين تناوله كبنية تتألف من أجزائها المكونة التي هي الاقتصادات القومية لمختلف البلدان، فإن حقل الاهتمام في الفصل الرابع هو الاقتصاد العالمي. وقد تضمن هذا الفصل خمسة مباحث. أما الفصل الخامس فقد تناول نماذج التفسير في نظرية العلاقات الاقتصادية الدولية، وتضمن ثلاثة مباحث. استعرض أولها نماذج التفسير في النظرية الكلاسيكية ضمن المحاولات الأساسية في هذا النسق النظري، وهي تنظيرات كل من: آدم سميث (نظرية التكاليف المطلقة)، ودافيد ريكاردو (نظرية التكاليف النسبية)، وجون ستيوارت ميل (نظرية معدل التبادل الدولي).
أما المبحث الثاني فكرسه المؤلف لاستعراض نماذج التفسير في النظرية الكلاسيكية الحديثة ضمن المحاولة الأهم، وهي تنظير هكشر ـ أولين متمثلاً بنظرية وفرة أو ندرة عوامل الإنتاج. كما تضمن المبحث عرضاً لما سمي بـ (لغز ليونتيف) حاول فيه مساءلة تنظير هكشر ـ أولين وبيان مدى مصداقيته بتطبيق فرضيات نظرية وفرة أو ندرة عوامل الإنتاج على الاقتصاد الأمريكي. وقد أظهر تحليل ليونتيف نتائج متناقضة مع هذا التنظير، ولهذا أطلق على هذه المحاولة (لغز ليونتيف). ويكرس المبحث الثالث لعرض نماذج التفسير في الفكر الماركسي بشأن التبادل الدولي، إذ عرض ثلاث مساهمات، وهي مساهمات كل من ماركس وإيمانويل (صاحب نظرية التبادل اللامتكافئ) وسمير أمين.
وبالمقابل فإن الفصل السادس ذا العنوان: السعر العالمي وميكانزم الأسعار في التبادل الدولي، الذي يضم أربعة مباحث، فقد كرسه المؤلف لإشكاليات السعر وميكانيزماته في التبادل الدولي. مستعرضاً المفاهيم الضرورية لفهم السعر ودوره في التبادل الدولي. والنزاعات القصيرة المدى والطويلة المدى لتشكل الأسعار في السوق العالمية، وإشكالية شروط التبادل الدولي. والحديث عن أسعار صرف العملات والإشكاليات المرتبطة بانتقال التضخم على المستوى العالمي عبر علاقات التبادل الدولي.
أما الفصل السابع والأخير والموسوم: النقد العالمي وميكانيزم التسويات الدولية، فضم ثلاثة مباحث. يستهدف أولها بعض الإشكاليات المرتبطة بمفهوم (النقد الدولي)، في حين يكرس الثاني لتتبع تطور الأنظمة النقدية في الرأسمالية، أما المبحث الثالث فسعى المؤلف للحديث فيه عن ميكانيزمات التسويات الدولية.
وبعد الانتهاء من الباب الأول ينتقل المؤلف إلى الباب الثاني الذي جاء بعنوان شامل هو: البعد الأنطولوجي (الواقعي) لعلم العلاقات الاقتصادية الدولية. وهدف هذا الباب هو عرض واقع العلاقات الاقتصادية الدولية، في محاولة من المؤلف للإجابة عن السؤال الكبير: ما هو جوهر وإشكاليات وسيرورات والتناقضات الفعلية الناظمة للعلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة في صيروراتها المتجددة على الدوام؟
ونظراً لضخامة وثراء الواقع الاقتصادي الدولي ومشكلاته الفعلية وأسئلته المتنوعة، فقد جاء هذا أكبر الأبواب حجماً في هذا العمل الجاد، إذ ضم تسعة فصول، نكتفي بالإشارة إلى عناوينها: أطراف العلاقات الاقتصادية الدولية، تقسيم العمل الدولي، السياسات الاقتصادية الخارجية والسياسات الاقتصادية الدولية، الشركات المتعددة الجنسيات، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، نقل التكنولوجيا على الصعيد العالمي، الهجرة السكانية على الصعيد العالمي، المديونية الدولية كظاهرة متميزة للعلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة، والحصيلة الإجمالية لحصاد المديونية الخارجية وما ترتب عليها من آثار مدمرة للجزء الأعظم من البلدان النامية المدينة التي كُبّلت وأخضعت لشروط وإملاءات البلدان المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية الدائنة، المنظمات الاقتصادية الدولية: المصرف الدولي للإنشاء والتعمير، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية، الجماعية الاقتصادية الأوربية، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).
ونظراً لأن التكامل الاقتصادي الدولي يُعد من الظواهر المميزة للعلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة، فقد كرس المؤلف الفصل الثامن من كتابه عن طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة، وقد تضمن أربعة مباحث.
أما الفصل التاسع والأخير من هذا العمل والموسوم: ميزان المدفوعات الدولية، فقد تضمن أربعة مباحث عناوينها: ميزان المدفوعات وتركيبه، إشكالية توازن ميزان المدفوعات، المشكلات الفعلية التي يواجهها ميزان المدفوعات في البلدان النامية، طرق معالجة الاختلال الحاصل في ميزان المدفوعات.
أما الباب الثالث لهذا البحث الهام فقد ظهر تحت عنوان: البعد القيمي للعلاقات الاقتصادية الدولية، وضم خمسة فصول جاءت عناوينها كما يلي: المصالح الاقتصادية الدولية، إشكالية القيم على الصعيد الدولي، تناول فيها برامج التكيف الهيكلي، أيديولوجيا التنمية، أيديولوجيا الخصخصة.
لقد كشف المؤلف الافتراق الصارخ بين النظري والتاريخي، إذ ظهرت هناك (قارة فسيحة) تفصل أوهام أيديولوجيا التكييف عن حقائق الواقع الصارمة متمثلة بالنتائج الفعلية المدمرة والمكلفة لهذا التحول ضمن وصفة المصرف والصندوق الدوليين.
أما الفصل الثالث ضمن الباب الثالث والموسوم: (النظام الاقتصادي العالمي الجديد) فيتضمن ثلاثة مباحث. وقد استعرض المؤلف أربعة اتجاهات أساسية هيمنت على المناقشات بشأن النظام المذكور وهي: المدخل الليبرالي، المدخل الاشتراكي الديمقراطي، المدخل الماركسي بتياراته المتنوعة ـ منظور المنظمات الدولية.
وقد كرس الباحث هذا الفصل لدراسة آفاق إقامة نسق اقتصادي عالمي جديد، من خلال تحديد الشروط المطلوبة لبناء بديل للنظام السائد وبيان العوائق التي تحدّ من إنجاز هذه المهمة.
ويظهر الفصل الرابع تحت عنوان: الأمن الاقتصادي العالمي، ويتضمن مبحثين الأول لتدقيق مفهوم الأمن الاقتصادي الدولي، والثاني لمعاينة مظاهر أزمة الأمن الاقتصادي العالمي، وأهمها: الاستقطاب العالمي وعلاقة السيطرة/ التبعية ـ إشكالية التنمية بين التبعية والاستقلال ـ المديونية العالمية ـ الأمن الغذائي ـ التجارة العالمية.
ويختتم هذا الباب الثالث من مؤلفه الهام بالفصل الخامس المعنون: العولمة، الجوانب الاقتصادية، بين مضمون الظاهرة وأشكال تجلياتها، ويضم أربعة مباحث عناوينها: تدقيق مفهوم العولمة، هل أن المقصود عند دراسة ظاهرة العولمة إنتاج معرفة صحيحة عنها، أم شن حرب مصطلحات؟ إشكالية الدولة في ظروف العولمة، نتائج العولمة الرأسمالية.
يختم المؤلف د. صالح ياسر حسن بهذه الملاحظة: لا بد من التأكيد أن هذا العمل يمثل محاولة، مجرد محاولة، للإجابة عن الأسئلة المتنوعة والإشكاليات الكبرى التي تشتمل عليها العلاقات الاقتصادية الدولية في صيروراتها وتاريخيتها وجدليتها، ولا أدري إن كنت قد وفقت في إنجاز هذه المهمة أم لا، فالأمر متروك للقارئ الكريم والمتخصص في هذا الشأن. بهذا التواضع العلمي للباحث لعمله الذي ينضح بغزارة معرفته عن هذا الحقل الواسع لتخصصه، ولمهنيته المنهجية الأكاديمية في معالجته له.
إن هذا البحث العلمي الجاد هو إضافة معرفية لمكتبتنا العربية يستحق كل التقدير، لدأب المؤلف واجتهاده المستمر بالعطاء. فمن بين الجديد من أعماله، الدراسة المعنونة: (الوضع الراهن للاقتصاد العالمي، طور انكماش أم معالم أزمة اقتصادية طويلة المدى؟).
+ مطبعة دار الرواد المزدهرة للطباعة والتوزيع المحدودة ـ بغداد 2006.