قراءة في كتاب:(العلاقات الاقتصادية الدولية(

قراءة في كتابالعلاقات الاقتصادية الدولية(
الكاتب/ الحزب الشيوعي الأردني
السبت, 12 تموز 2008
يستهل الباحث الدكتور صالح ياسر حسن ثمرة جهده الدائب الذي جاء في 765 صفحة، بقوله : تتمثل الخاصية المميزة لعالمنا المعاصر في تنامي اهمية العلاقات الدولية بمستوياتها المختلفة، الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ....الخ . و من ما ساعد على ذلك تطور وسائل الاتصال و المواصلات ، و تعاضم الاعتماد المتبادل بين البلدان و الشعوب . و يصاحب هذا المسار ظهور مخاطر جديدة تواجهها البشرية بنتيجة تطور الوسائل العسكرية الهائلة بما فيها اسلحة الابادة الجماعية .

ولهذا ظهرت الحاجة لتطور نظرية العلاقات الدولية بشكل عام ،ونظرية العلاقات الاقتصادية الدولية ،لكي تكون على قدر من النضوج المعرفي والمنهجي وتماسك جهازها المفاهيمي ،بما يمكنها من تفسير طابع وجوهر تلك العمليات والتجليات التي تتخذها تلك العلاقات الدولية ولا سيما الاقتصادية منها.

كونها علاقات تنشأ بين بلدان ذات انظمة اجتماعية مختلفة ومستويات تطور متفاوتة ،وافاق تنموية مختلفة ،ورهانات اجتماعية متباينة .

ان مضمون هذا الكتاب (العلاقات الاقتصادية الدولية ) والاشكاليات التي تضمنها والمقاربة المعتمدة من طرف المؤلف، هي نتيجة تأمل عميقة على المستوى المنهجي ، إضافة الى عمله سنوات عديدة كأستاذ جامعي لمادة (العلاقات الاقتصادية الدولية) وتجربته مع طلبته ومعرفتهم الجزئية التي لا تمكنهم من الاجابة على الاسئلة الحقيقية والاشكاليات الفعلية التي يطرحها تطور هذه العلاقات ،مما ساهم في تحفيزه لإعداد هذا الكتاب الذي حاول فيه تناول العلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة في سياقاتها الثلاثة :

الابستمولوجي ( المعرفي) ، و الانطولوجي (الواقعي) ، و الاكسيولوجي أو القيمي _ المعياري . و ذلك توخيا للفهم الصحيح للظواهر و السيرورات و التناقصات الفعلية المتجسدة في الاقتصاد العالمي ، و التحديد الدقيق لطبيعة العلاقات الاقتصادية الناظمة له. و أن يكون هذا العمل من قبل المؤلف خطوة فقط في هذا الاتجاه .

و بعد هذه الملاحظات المكثفة من المؤلف لا بد من العودة الى بنية الكتاب ذاته و الاشارة هنا الى أنه يحوي على ثلاثة ابواب تضم بمجموعها 21 فصلا يغطيها 79 مبحثاً ، مع مقدمة و ملحقين : الأول أحصائي و الثاني بمثابة قاموس مبسط لتعريف مختصر بمجموعة من المصطلحات و المفاهيم و المقولات الاقتصادية المستخدمة في هذا العمل.

لقد كرس المؤلف الباب الأول من كتابه لبحث البعد الابيستمولوجي لعلم العلاقات الاقتصادية الدولية ، و هو يضم سبعة فصول . الاول منها عن جوهر العلاقات الاقتصادية الدولية ، و يتكون من ثلاثة مباحث تناولت تحديد مفهوم العلاقات الاقتصادية الدولية ، و ما هو الجوهري و العرضي فيها إضافة الى تحديد موضوع و حقل أبحاث هذا العلم ، و الفصل الثاني عن نظرية العلاقات الاقتصادية الدولية ، و يضم أربعة مباحث ، و هو يمثل محاولة لتدقيق مفهوم ( نظرية العلاقات الاقتصادية الدولية) بأعتبارها نسق منطقي و منضبط من المفاهيم و ترديداً علمياً للقوانين الموضوعية الناظمة للواقع الاقتصادي الدولي. و الفصل الثالث و الموسوم : حول إشكالية تدويل الحياة الاقتصادية في العالم المعاصر ، فقد ضم أربعة مباحث كرسه المؤلف، لبحث جوهر عملية التدويل الاقتصادي على الصعيد العالمي بشقيها : تدويل القوى المنتجة و تدويل العلاقات الانتاجية ، بأعتبارهما مرتبطين في وحدة ديالكتيكية (جدلية) و تتعرضان لتأثير متزايد للتعميم و التدويل . و يمثل ذلك مباشرة لتطوير عملية تقسيم العمل الاجتماعي و التخصص المرتبط به . و لهذا كرس المبحث الرابع من الفصل الثالث ، لمحاولة كشف التناقضات الناظمة لعملية التدويل بأعتبارها عملية موضوعية .

و نظراً لان التدويل يجري في اطار محدد، ملموس، هو الاقتصاد العالمي الذي يتعين تناوله كبنية تتألف من أجزائها المكونة التي هي الاقتصادات القومية لمختلف البلدان، فأن حقل الاهتمام في الفصل الرابع هو الاقتصاد العالمي، وقد تضمن هذا الفصل خمسة مباحث. أما الفصل الخامس فقد تناول نماذج التفسير في نظرية العلاقات الاقتصادية الدولية، وتضمن ثلاثة مباحث . استعرض الاول منها نماذج التفسير في النظرية الكلاسيكية ضمن المحاولات الاساسية في هذا النسق النظري ، و هي تنظيرات كل من : ادم سمث (نظرية التكاليف المطلقة) ، دافيد ريكاردو (نظرية التكاليف النسبية) ، و جون ستيوارت ميل (نظرية معدل التبادل الدولي) . اما المبحث الثاني فكرسه المؤلف لاستعراض نماذج التفيسر في النظرية الكلاسيكية الحديثة ضمن المحاولة الاهم و هي تنظير هكشر_أولين متمثلاً بنظرية وفرة أو ندرة عوامل الإنتاج . كما تضمن المبحث عرضاً لما سمي به (لغز ليونتيف)حيث حاول مساءلة تنظير هكشر_أولين و بيان مدى مصداقيته بتطبيق فرضيات نظرية وفرة أو ندرة عوامل الانتاج على الاقتصاد الامريكي. و قد أظهر تحليل ليونتيف نتائج متناقضة مع هذا التنظير ، و لهذا أطلق على هذه المحاولة (لغز ليونتيف) . و يكرس المبحث الثالث لعرض نماذج التفسير في الفكر الماركسي بشأن التبادل الدولي ، حيث عرض ثلاث مساهمات و هي مساهمات كل من ماركس و ايما نويل (صاحب نظرية التبادل اللامتكافئ) و سمير أمين .

و بالمقابل فأن الفصل السادس و الموسوم : السعر العالمي و ميكانزم الأسعار في التبادل الدولي ، و الذي يضم أربعة مباحث ، فقد كرسه المؤلف لإشكاليات السعر و ميكانيزماته في التبادل الدولي ، مستعرضاً المفاهيم الضرورية لفهم السعر و دوره في التبادل الدولي ، و النزاعات قصيرة المدى و طويلة المدى لتشكل الاسعار في السوق العالمية و اشكالية شروط التبادل الدولي . و الحديث عن أسعار صرف العملات و الاشكاليات المرتبطة بأنتقال التضخم على المستوى العالمي عبر علاقات التبادل الدولي .

أما الفصل السابع و الاخير و الموسوم : النقد العالمي و ميكانيزم التسويات الدولية، فضم ثلاث مباحث، يستهدف الاول منها بعض الاشكاليات المرتبطة بمفهوم (النقد الدولي) ، في حين يكرس الثاني لتتبع تطور الانظمة النقدية في الرأسمالية ، أما المبحث الثالث فسعى المؤلف للحديث فيه عن ميكانيزمات التسويات الدولية .

و بعد الانتهاء من الباب الاول ينتقل المؤلف إلى الباب الثاني و الذي جاء بعنوان شامل هو : البعد الانطولوجي (الواقعي) لعلم العلاقات الاقتصادية الدولية ، و هدف هذا الباب هو عرض واقع العلاقات الاقتصادية الدولية ، في محاولة المؤلف للإجابة على السؤال الكبير : ما هو جوهر و اشكاليات و سيرورات و التناقضات الفعلية الناظمة للعلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة في صيروراتها المتجددة على الدوام ؟ و نظراً لضخامة و ثراء الواقع الاقتصادي الدولي و مشكلاته الفعلية و اسئلته المتنوعة فقد جاء هذا اكبر الابواب حجماً في هذا العمل الجاد، حيث ضم تسعة فصول ، نكتفي بالاشارة الى عناوينها : أطراف العلاقات الاقتصادية الدولية ، تقسيم العمل الدولي ، السياسات الاقتصادية الخارجية و السياسات الاقتصادية الدولية ، والشركات المتعدية الجنسية ، و تأثيرها على الاقصاد العالمي ، نقل التكنولوجيا على الصعيد العالمي ، الهجرة السكانية على الصعيد العالمي ، المديونية الدولية كظاهرة متميزة للعلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة ، و الحصيلة الاجمالية و المديونية الخارجية و ما ترتب عليها من اثار مدمرة للجزء الاعظم من البلدان النامية المدينة التي تم تكبيلها و اخضاعها لشروط و املاءات البلدان المتقدمة و المؤسسات المالية الدولية الدائنة ، المنظمات الاقتصادية الدولية : البنك الدولي للانشاء و التعمير، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية، الجماعة الاقتصادية الأوربية، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية (الاونكتاد). و نظراً لان التكامل الاقتصادي الدولي يحد من الظواهر المميزة للعلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة فقد كرس المؤلف د. صالح ياسر حسن الفصل الثامن لكتابه عن طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة ، و قد تضمن أربعة مباحث ، أما الفصل التاسع و الاخير من هذا العمل و الموسوم : ميزان المدفوعات الدولية ، فقد تضمن أربعة مباحث عناوينها : ميزان المدفوعات و تركيبه ، إشكالية توازن ميزان المدفوعات ، المشكلات الفعلية التي يواجهها ميزان المدفوعات في البلدان النامية ، طرق معالجة الاختلال الحاصل في ميزان المدفوعات . أما الباب الثالث لهذا البحث الهام فقد ظهر تحت عنوان : البعد القيمي للعلاقات الاقتصادية الدولية و ضم خمسة فصول جاءت عناوينها كما يلي : المصالح الاقتصادية الدولية ، إشكالية القيم على الصعيد الدولي ، تناول فيها برامج التكييف الهيكلي ، ايديولوجيا التنمية ، ايديولوجيا الخصخصة . لقد كشف المؤلف الافتراق الصارخ بين النظري و التاريخي ، حيث ظهر هناك (قارة فسيحة) تفصل اوهام ايديولوجيا التكييف عن حقائق الواقع الصارمة متمثلة بالنتائج الفعلية المدمرة و المكلفة لهذا التحول ضمن وصفة البنك و الصندوق الدوليين .

أما الفصل الثالث ضمن الباب الثالث و الموسوم : (النظام الاقتصادي العالمي الجديد) فيتضمن ثلاثة مباحث ، و قد استعرض المؤلف أربعة إتجاهات أساسية هيمنت على المناقشات بشأن النظام المذكور و هي : المدخل الليبرالي _ المدخل الاشتراكي الديمقراطي _ المدخل الماركسي بتياراته المتنوعة _ منظور المنظمات الدولية .

و قد كرس الباحث في هذا الفصل دراسة افاق إقامة نسق أقتصادي عالمي جديد ، من خلال تحديد الشروط المطلوبة لبناء بديل للنظام السائد و بيان العوائق التي تحد من انجاز هذه المهمة ، و يظهر الفصل الرابع تحت عنوان : الامن الاقتصادي العالمي ، و يتضمن مبحثين ، الاول لتدقيق مفهوم الامن الاقتصادي الدولي ، و الثاني لمعاينة مظاهر أزمة الامن الاقتصادي العالمي ، و أهمها هي : الاستقطاب العالمي و علاقة السيطرة / التبعية _ إشكالية التنمية بين التبعية و الاستقلال _ المديونية العالمية _ الامن الغذائي _ التجارة العالمية .

و يختم الباب الثالث من مؤلفه الهام بالفصل الخامس المعنون : العولمة ـ الجوانب الاقتصادية ، بين مضمون الظاهرة و اشكال تجلياتها ، و يضم أربعة مباحث عناوينها : تدقيق مفهوم العولمة ، هل أن المقصود عند دراسة ظاهرة العولمة إنتاج معرفة صحيحة عنها أم شن حرب مصطلحات ؟، إشكالية الدولة في ظروف العولمة، نتائج العولمة الرأسمالية .

يختم المؤلف د. صالح ياسر حسن كتابه بهذه الملاحظة : لا بد من التأكيد على أن هذا العمل يمثل محاولة _ مجرد محاولة _ للإجابة على الاسئلة المتنوعة و الاشكاليات الكبرى التي تشمل عليها العلاقات الاقتصادية الدولية في صيرورتها و تاريخيتها و جدليتها ، و لا أدري أن كنت قد وفقت في انجاز هذه المهمة أم لا ، فالأمر متروك للقارئ الكريم و المتخصص في هذا الشأن . بهذا التواضع العلمي يقيم الباحث عمله الذي ينضح بغزارة معرفته عن هذا الحقل الواسع لتخصصه ، و لمهنيته المنهجية الاكاديمية في معالجته له .

إن هذا البحث العلمي الجاد إضافة معرفية لمكتبتنا العربية يستحق كل التقدير لدأب المؤلف و اجتهاده المستمر بالعطاء ، فمن بين الجديد من أعماله ، الدراسة المعنونة : (الوضع الراهن للاقتصاد العالمي _ طور انكماش أم معالم أزمة اقتصادية طويلة المدى ؟)