تاريخ المملكة العربية السعودية فى عهد الملك سعود –تأليف أمين السعيد
بعد سنة واحدة من انفصام الوحدة السورية المصرية فى26 سبتمبر سنة 1962 قاد العقيد عبد الله السلال رئيس حرس الأمير البدر انقلابا فى اليمن.
وما كان في استطاعة الحكومة السعودية ، أن تتجاهل الانقلاب ، وتسكت عنه ، ولا أن تعترف بنظام الحكم الذي أقامه وذلك لاعتبارات كثيرة وعديدة يمكن ادماجها في مايلي:
• وجود حدود مشتركة بين السعودية واليمن ، من ناحية " نجران " في الشرق ومن جهة عسير تهامة في الجنوب . ومن طبيعة هذا الجوار المزدوج أن يؤثر في وضع البلاد المجاورة إلى حد كبير .
• التجاء الأمام محمد البدر إلى البلاد السعودية وطلبه من حكومتها النجدة والمساعدة .
• وجود سلسلة معاهدات واتفاقات بين الحكومتين السعودية واليمنية تحتم على كل منها مساعدة الأخرى .
• خطر استقرار مصر في اليمن وسيطرتها عليها ، مما يؤلف في حد ذاته تهديداً مستمراً للكيان السعودي.
• اعتناق مصر للمبادئ الاشتراكية – الشيوعية ومناداتها بها وسعيها لنشرها في البلاد العربية مما ينافي الإسلام ، ويؤلف خطراً على الدين الإسلامي في داخل جزيرة العرب.
وقد نتج عن ذلك كله موقفان متناقضان :
أرسلت مصر جيوشها إلى اليمن لحماية السلال ومده بالسلاح والمال ، أما السعودية، لم ترسل جنوداً لعدم حصول أي اشتباك بين قواتها داخل حدودها وبين القوات المصرية على الحدود ، ولكنها ألحقت كثيراً من الأذى بالرعايا السعوديين بدون أي سبب ظاهر. وبين يدينا خمس وثائق منقولة عن إعداد جريدة الأهرام المصرية الصادرة يوم 28 سبتمبر سنة 1962
و29 منه ، ويوم 5 أكتوبر سنة 1962 ، و 11 منه:
في صباح 28 سبتمبر سنة 1962 ، نشرت جريدة الأهرام برقية مرسلة من السلال إلى الرئيس
جمال عبد الناصر ، وهذا نصها:
" تسلم فوراً لقائد العروبة سيادة الرئيس جمال عبد الناصر".
"نبلغكم بقيام الجيش بإعلان الثورة وإلاطاحة بحكم آل حميد الدين".
قائد الثورة
و نشرت الاهرام في العدد نفسه ، بلاغ أصدره عبد القادر حاتم الناطق باسم حكومة القاهرة ، وهو :
" تتبع الجمهورية العربية المتحدة الأخبار الواردة عن قيام ثورة الجيش اليمني وهي تعارض أي تدخل خارجي في شؤون اليمن وتراقب الموقف باهتمام شديد "
ولم يرسل السلال برقية إلى حكومة عربية أخرى غير القاهرة ، ولم تصدر حكومة عربية أخرى البلاغ الذي أصدرته القاهرة .
والوثيقة الثالثة ، هي برقية الاعتراف بحكومة السلال الجديدة ، وقد تفردت بها مصر وسبقت جميع الحكومات العربية ، وانطوت عليها البرقية التي أرسلهاعبد الناصر إلى السلال ونشرت في أهرام 29 سبتمبر سنة 1962م ، وهي :
" إن شعب الجمهورية العربية المتحدة يتتبع بكل اهتمام تطورات الأحداث الكبرى في اليمن ومحاولة الشعب والجيش إقامة حياة جديدة تحقق على ارض اليمن عزة الإنسان وكرامته .
" إن شعب الجمهورية العربية المتحدة ، يؤمن بان هذا العصر هو عصر الشعوب وحدها تصنع بأيديها أقدارها ، وتحقق بإرادتها الحرة كل أيمانها.
" إن الله جلت قدرته ، خلق البشر أحراراً متساوين في الفرص ، متكافئين في العدل ، ولا يرضية جل وعلا ، أن تقف دون قدرته حواجز الاستغلال ، وطغيان الرجعيين . وليس يخالجنا شك في أن شعب اليمن
قادر على الإسهام في معارك العرب الكبرى من اجل حياة حرة كريمة ، ومن اجل أمن عربي عزيز . وإذا كانت القوى المعادية للتقدم من عناصر الرجعية والاستعمارية ، لا تريد تحرر شعب اليمن ، فإننا نؤمن بان الله يرضيه أن تعم الحرية ، لأنها كلمته القدسية".
" ويسرني إن أبلغكم ، إن حكومة الجمهورية العربية المتحدة ، قررت الاعتراف بالجمهورية العربية اليمنية وحكومتها ، وإننا نقف مع شعب اليمن دون تردد لتنفيذ إرادته ، ونناصر حقه المشروع في الحياة ".
والوثيقة الرابعة ، هي برقية من السلال يطلب المعونة العسكرية ، وقد نشرت في أهرام 5 منه مع الرد عليها ، هما :
في يوم 3 أكتوبر سنة 1962 ، ابرق السلال إلى حكومة القاهرة ، يطلب وضع ميثاق جده موضع التنفيذ
وهذه هي البرقية:
" يسرني أن ابلغ سيادتكم قرار الحكومة اليمنية بتمسكها بميثاق أمن جدة فيما بين الجمهورية اليمنية والجمهورية العربية المتحدة ، وتطلب تنفيذ أحكام هذا الميثاق الذي أبرمته مع سيادتكم حكومة اليمن السابقة ولم تحترمه ".
ورد عليه فوراً بالبرقية الآتية : " لقد تلقيت بكل عناية واهتمام برقيتكم التي أشرتم فيها إلى تمسك الجمهورية العربية اليمنية بميثاق أمن جدة فيما بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة ، و أنى إذ أطمئنكم إلى وفاء الجمهورية العربية المتحدة بكل ميثاق تقطعه على نفسها ، أؤكد لكم أن الجمهورية العربية المتحدة قد وضعت ميثاق أمن جدة موضع التنفيذ من الساعة التي تلقت فيها أنباء ثورة اليمن .
و أذاع على صبري رئيس الحكومة المصرية يوم 5 منه ، أن مجلس الوزراء قرار إرسال المساعدة إلى اليمن .
والوثيقة الخامسة ، هي ميثاق دفاع مشترك ، وقع عليه في صنعاء يوم 10 أكتوبر سنة 1962 بين أنور السادات موفد حكومة القاهرة ، وعبد الله السلال .
وقد نشرته جريدة الأهرام يوم 11 منه ، وهو : • تعتبر الدولتان كل اعتداء مسلح على أي دولة منهما أو على قواتهما اعتداء عليها ، ولذلك فانه عملاً بحق الدفاع المشروع الضروري الفردي أو الجماعي عن كيانهما ، تلتزمان بان تبادر كل منهما إلى معونة الدولة المعتدي عليها ، وان تتخذ على الفور جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل ، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة .
• يؤلف مجلس أعلى ومجلس حرب ، ويختص الأول بوضع التوجيهات العليا للسياسة العسكرية . أما مجلس الحرب فيختص بتقديم التوصيات فيما يتعلق بالخطة الدفاعية ، واستخدام القوات المسلحة في العمليات الحربية المشتركة .
• مدة الاتفاق خمس سنوات ، تتجدد تلقائياً لمدة خمس سنوات أخرى ، ما لم تخطر إحدى الدولتين الأخرى بعدم رغبتها في تجديده ، قبل انتهاء مدته بعام واحد.
ووضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ فور توقيعه.
لقد قاد الأمير عبد الله بن يحي في شهر مارس سنة 1955 ثورة أو حركة انقلاب ضد أخيه الإمام احمد فاهتمت القاهرة للأمر و أوفدت حسين الشافعي وزير الشؤون الاجتماعية إلى الرياض للتشاور مع حكومتها والتعاون معها في إخماد الفتنة ، فاستقبله السعوديون بالحفاوة وتعاونوا معه فأخمدت الحركة وجاء الأمير محمد البدر بعد ذلك وفي شهر مايو سنة 1955 إلي القاهرة ، ليشكر رئيس الدولة على غيرته.
وكان ما جرى ، مظهراً من مظاهر التعاون العربي الصادق الشريف .
تريثت الحكومة السعودية ، ولم تتسرع باتخاذ أي تدبير أو إجراء إزاء الفتنة بانتظار تطورها ومعرفة ما يكون من أمرها ، وكان شأنها في ذلك ، شأن جميع الحكومات العربية ، ما عدا مصر .
وكبر ذلك على السلال ، ولعله كان يتوقع أن تسلك سبيل حكومة القاهرة فتسرع للاعتراف به وتوفد القوى لحمايته ، وفاته أن للحكومة السعودية وضعاً خاصاً إزاء اليمن ، يختلف من جميع النواحي ، عن وضع مصر فتكاد تكون الدولة العربية الكبرى والوحيدة المجاورة له ، فهي جارته من الشرق ، ومن الجنوب ، ومن الغرب ( للبحر) وهنالك أيضا الإنكليز في الجنوب وما كان أمره يهمهم كالحكومة السعودية التي كان كل شيء يتوقف على معرفة سياستها أما مصر ، فتبعد عن اليمن نحو ألف كيلو متر ، وكلاهما في عدوة من البحر الأحمر .
وانتظر السلال خمسة أيام على الرياض ، ولما لم يجد أي جواب ، بل وجد هدوءاً يلف مناطق الحدود وسكوناً في دوائر الحكومة ، اتخذ سلسلة تدابير " زجرية " بحكومته ، وهي :
• وجه يوم أول أكتوبر سنة 1962 ، أي في اليوم الخامس للانقلاب ، تحذيراً إلى حكومة الرياض يحذرها فيه من عواقب التعاون مع الرجعيين ويدعوها إلى التزام حدها .
• دعا وكيل وزارة الخارجية اليمنية ، يوم 2 منه ، وزير السعودية المفوض في صنعاء وابلغه استياء حكومة الجمهورية اليمنية من موقف حكومته لنظام الحكم الجديد ، وطلب منه أن يسافر فوراً إلى بلاده ، فيبلغ حكومته بأن عليها ألا تتدخل في أمور اليمن ، وان لا يعود إليها حتى يعاد النظر في الموقف.
ورافق الوزير السعودي حين مغادرته دار الخارجية ، بعض رجال الشرطة وظلوا إلى جانبه حتى سفره.
• و أصدرت حكومة السلال يوم 3 منه مرسوماً بإغلاق المصارف السعودية الثلاث في صنعاء وتعز ، والحديدة ، ومصادرة أموالها.
• و أرسلت الحكومة السعودية يوم 2 أكتوبر سنة 1962 كمية من السلاح إلى نجران على إحدى طائراتها فاتجه بها الطيارون الثلاثة الذين كانوا يقودونها إلى القاهرة ، فأرسلت هذا السلاح إلى السلال ، فاتخذه وسيلة لشكوى تقدم بها يوم 4 منه إلى مجلس الأمن والى الأمم المتحدة والى الجامعة العربية ، بدعوى أن إرساله يؤلف حركة عدوانية يراد بها إراقة دم الشعب اليمني.
• و أذاع راديو صنعاء مساء 3 منه أيضاً خطاباً مفتوحاً إلى الملك سعود ، انطوى على كثير من التهجم وعلى كثير من العبارات والصيغ المستهجنة.
وتغافلت الحكومة السعودية عن كل ما جرئ ، آمله أن يوحي موقفها المتسم بالحكمة والاعتدال واحترام الجوار للسلال بعدم الإيغال في العداء.
• نعود الآن إلى كتاب " محادثات الوحدة " الذي أصدرته جريدة الأهرام في شهر مارس – أبريل سنة 1963 ، وقد نقلنا فقرات منه ، فنقل فقرة خاصة باليمن ذات صلة بالموضوع وهي مأخوذة من العامود الأول للصفحة 71من محضر الاجتماع الثاني المعقود مساء يوم 19 مارس سنة 1963.
سأل الفريق لؤي الأتاسي رئيس وفد سورية قائلاً : كيف الموقف في اليمن الآن يا سيدي ورد عليه المشير عبد الحكيم عامر فقال : " كويس خالص ، ممتاز دي الوقت الحمد لله . عمليات التسلل بدأت تنسحب ".
وقال عبد الناصر : الواقع انه بعد 15 يوم من الثورة كان كل شيء هادئ في اليمن . وبعدين جابوا الحسن وابتدوا يودوا فلوس وسلاح ويجندوا أناس ، هم دخلوا لغاية دلوقت عدة آلاف قطعة سلاح ، اشتراها سعود من بلجيكا وباكستان".
وسأل لؤي الأتاسي – وهل انقطع أملهم الآن.
عبد الناصر – مفيش أمل لهم .
أذاعت مصادر صنعاء والقاهرة في الأيام الأولى لاتقاء الفتنة إن الإمام البدر كان في عداد القتلى وانه سقط تحت الردم.
ووصل على اثر الفتنة إلى الرياض الأمير الحسن شقيق الإمام احمد ، وكان يمثل حكومة بلاده في أميركا فنصب نفسه اماما فالتفت الناس حوله .
ووصل في الأسبوع الثاني للفتنة الإمام محمد البدر إلى الحدود السعودية لا جثاً .
لقد قاوم حرس البدر القوة العسكرية التي هاجمت قصر البشائر ( قصر البدر) صباح 26 سبتمبر سنة 1962 مقاومة شديدة استمرت 14 ساعة وكاد يهزمها لولا وصول ثلاث دبابات جاءت من الحديدة لنجدة الثائرين ، فأبدل ملابسه بملابس أحد الحراس وغادر القصر تحت جنح الظلام إلى منزل مجاور ، ومنه إلى خارج الحدود .
ووصل إلى السعودية أيضاً عدد كبير من مشايخ القبائل واعيان البلاد هاربين.
وتقدم الإمام البدر إلى الحكومة السعودية طالباً مساعدته في تأديب الخوارج الذين خرجوا عليه و تأمروا على حكومته ، وفي إعادة النظام إلى بلاده ، وكان يستند في طلبه هذا إلى ميثاق أمن جدة وقد أثبتناه آنفاً ، وإلى معاهدة الطائف المعقودة بين الحكومتين يوم 7 صفر سنة 1355 ، وهذا ما جاء في مادتها الأدنى:
" تنشأ بين الملكين وبلاديهما وشعبهما حالة سلم دائم وصداقة وطيدة واخوة إسلامية عربية دائمة لا يمكن الإخلال بها جميعها أو بعضها ، ويتعهد الفريقان الساميان المتعاقدان بان يحلا بروح الود والصداقة جميع المنازعات التي قد تقع بينهما وبان تسود علاقاتهما روح الإخاء العربي الإسلامي في سائر المواقف والحالات الخ" .
درست الحكومة السعودية الموقف على ضوء الأحداث المتلاحقة واتخذت قررات تدور في هذا الإطار:
• عدم الاشتراك في العراك الدائر بأي حالة من الحالات .
• عدم إرسال جندي سعودي واحد إلى اليمن.
• مد الإمام البدر – ببعض المساعدات المادية التي تساعده على استرداد ملكه.
• التمسك بسياسة المودة والإخاء مع مصر.
وأرسلت الحكومة السعودية تطالب بالوسائل الديبلوماسية حكومة القاهرة بإعادة الطائرة فلم تتلق جواباً فوجهت وزارة الخارجية السعودية إلي السفارة المصرية بجدة المذكرة الآتية بتاريخ 4 أكتوبر سنة 1962 وهي:
تهدي وزارة خارجية المملكة العربية السعودية تحياتها إلى سفارة الجمهورية العربية المتحدة وتخبرها بان الطائرة
C R 3 B رقم 431 التابعة لسلاح الطيران الملكي السعودي والتي كانت موفدة في مهمة رسمية لنقل معدات حربية إلى الحاميات السعودية في الحدود الجنوبية لهذه المملكة والتي كانت بقيادة الرئيس طيار رشاد ششة والرئيس طيار احمد حسين طه والفني درجة ثانية عمر ازميرلي قد غادرت مطار جدة في الساعة الواحدة والنصف بتوقيت جرنتيش صباح يوم الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1382 الموافق 2 أكتوبر 1962 وحيث لم تصل الطائرة إلى الجهة الموفدة إليها في الموعد المناسب فقد قامت السلطات المختصة بالبحث عن أسباب تأخيرها وقد فوجئت حكومة المملكة العربية السعودية أثناء البحث عن الطائرة المشار إليها بما إذاعته محطات الجمهورية العربية المتحدة عن وصول تلك الطائرة إلى مطار القاهرة وبإيفاد رئيس الجمهورية العربية المتحدة أحد الوزراء وبعض المسئولين في حكومته لاستقبال الطائرة وملاحيها الهاربين من الخدمة العسكرية.
وان حكومة المملكة العربية السعودية إذ تؤكد شديد احتجاجها على هذا التصرف من قبل حكومة الجمهورية المتحدة تطالب في نفس الوقت بالتسليم الفوري للطائرة C 132 B رقم 431 بكامل شحناتها وتسليم ملاحي الطائرة المشار إليها الفارين من الخدمة العسكرية وهم الرئيس طيار رشاد ششة والرئيس طيار احمد حسين طه ، والفني درجة ثانية عمر ازميرلي ، وذلك لتقديمهم للمحاكمة العسكرية . وتنتهز الوزارة هذه الفرصة للإعراب عن فائق تحياتها:وأبت السفارة المصرية في جدة تسلم المذكرة وردتها إلى الوزارة يوم 6 فأصدرت وزارة الخارجية يوم 7 منه البيان الآتي:
ردت سفارة الجمهورية العربية المتحدة المذكرة المشار إليها بمذكرتها رقم 1887 تاريخ 7-5-82 الموافق 6-10-62 وبها ترفض تسلم المذكرة.
وأرسل وكيل الخارجية السعودية في الساعة 11 من مساء الثلاثاء 7 نوفمبر سنة 1962الى القائم بأعمال الجمهورية المتحدة في جدة يبلغه انه بسبب الاعتداءات السافرة المسلحة المتكررة من جانب الجمهورية العربية المتحدة فقد قررت حكومة صاحب الجلالة قطع العلاقات الديبلوماسية مع الجمهورية العربية المتحدة.
وانتهت يوم 4 يوليو سنة 1964، السنة الأولى لإنتداب المراقبين الدوليين ومست الحاجة إلى تمديد آخر ومع انه شاعت إشاعات بان النية لا تتجه إلى تجديد التمديد ، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أعلن يوم 2 يوليو انه تم الاتفاق على تمديد مدة عمل البعثة شهرين آخرين ، ثم تقدم بتقرير إلى مجلس الأمن فدعا الأمير فيصل وجمال عبد الناصر إلى الاجتماع وجهاً لوجه في اقرب وقت ممكن لمحاولة الاتفاق على حل لمشكلة اليمن وتثبيت اتفاق فك الارتباط وتنفيذه وذهب في تقريره هذا إلى انه لا يمكن أن يرجى تحقيق تقدم حسي نحو تنفيذ ذاك الاتفاق إلا عن طريق مثل هذا الاجتماع الرفيع.
وقال أيضاً : وإذا لم يتحقق تقدم محسوس نحو فك الارتباط خلال المهلة الجديدة ، فانه من الصعب توقع تمديد مهلة أخرى في شكلها الحاضر وأهدافها الحاضرة .
وقال انه يقدر أن حوالي ثلاثة آلاف جندي سحبوا من مجموع القوة المصرية في اليمن . وأكد انه لم يلاحظ المراقبون أية مساعدة عسكرية من المملكة العربية السعودية إلى الملكيين في اليمن خلال الفترة التي يشملها هذا التقرير .
ومع انه اعترف بإحراز تقدم طفيف في تخفيض عدد قوات الجمهورية العربية المتحدة ، إلا انه قال إن تنفيذ اتفاق فك الارتباط لا يزال بعيداً عن التحقيق ، لان قوات الجمهورية العربية المتحدة ما تزال موجودة في اليمن ، ويعود هذا الأمر طبعاً إلى الفريقين ذوي الشأن ، فنصوص اتفاق فك الارتباط لا تعطي الأمم المتحدة أي دور غير المراقبة والإبلاغ عن تنفيذ الاتفاق ، ولذلك فإنها لا تستطيع أن تضمن انه ينفذ .
وقال : انه بغية توفير فرصة أخرى للمفاوضات فانه يجد أن من المفيد تمديد مهمة البعثة شهرين آخرين بعد الرابع من يوليو ، ولكنه يتخذ هذا الموقف مع بعض التردد لان البعثة لم تستطيع خلال مهمتها في اليمن التي مضت عليها سنة سوى مشاهدة جزء ضئيل فيما يتعلق بانسحاب قوات الجمهورية المتحدة من اليمن ثم ناشد الفريقين أن يجتمعوا على ارفع مستوى في المستقبل القريب ، بغية تحقيق تنفيذ سريع وكامل للاتفاق.
وانتهت مدة التجديد الأخير والحالة في اليمن باقية على ما كانت عليه ، وقوات الجمهورية العربية المتحدة لا تزال تصل إلى اليمن باستمرار ، فرفعت هيئة الأمم المتحدة يدها وانسحب من العملية واستردت مراقبيها .
اتخذ الأمام البدر ، من أحد جبال اليمن القريبة من الحدود السعودية قاعدة له ، وجدد دولته وحكومته ، و أرسل إلى القبائل يدعوها لنجدته ، ومساعدته في استرداد اراضية ، والقضاء على الفتنة فتدفقت الجموع ملبية النداء وتقلدت السلاح للدفاع عن الحوزة والكيان وتأديب العصاة المفتونين .
فكان ذلك بدء إتقان الحرب الأهلية في اليمن. فأعلن السيد على صبري رئيس الحكومة المصرية يوم أول نوفمبر سنة 1962 أي في الأسبوع الخامس لنشوب الفتنة أن حكومته ستقف بكل قواها بجانب حكومة السلال لمقاومة كل عدوان يقع عليها. وطارت يوم 2 نوفمبر سنة 1962 ، أي غداة إعلان ما أعلنه على صبري ، طائرات مصرية ألقت قنابلها على مناطق الحدود ، سجل ذلك بلاغ رسمي سعودي أذيع في الرياض يوم 4 منه وهذا هو :
" منذ قامت حركة تمرد بعض أبناء اليمن على الحكومة المتوكلية اليمنية الشرعية كانت حكومة المملكة العربية السعودية ترقب تطور الأحداث في القطر الشقيق ببالغ الاهتمام فزاد من قلقها تدخل حكومة الجمهورية العربية المتحدة في شئون اليمن الداخلية وتأييدها حركة التمرد بما زودت القائمين بها من سلاح وعتاد وطائرات مقاتلة وموظفين وخبراء".
" وكان من واجب حكومة المملكة العربية السعودية وهو واجب مفروض على كل حكومة أن تتخذ من التدابير ما يكفل حماية حدودها المتاخمة لليمن للمحافظة عليها من كل اعتداء محتمل".
" ويؤسف الحكومة السعودية أن تسجل أن عدواناً قد وقع على بعض المواقع السعودية من جانب الطائرات المقاتلة التي زودت بها حكومة الجمهورية العربية المتحدة المتمردين اليمنيين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم الجمهورية العربية اليمنية ، فقد حدث في ضحى يوم الجمعة 5 جمادى الثانية 1382هـ 2 نوفمبر سنة 1962 أن قامت طائرات تابعة لحكومة الجمهورية العربية المتحدة وتعمل مع المتمردين اليمنيين بخمس غارات على الحدود السعودية ، الأولى : على قرية جلبان والثانية على مركز الطوال والثالثة على مدينة صامطة والرابعة على مركز الموسم والخامسة على ويحمه . وقد ألقت هذه الطائرات المغيرة قنابلها على تلك المواقع الداخلة جميعها في أراضي المملكة العربية السعودية و أحدثت بها خسائر في أرواح السكان الآمنين الو ادعين من أطفال وشيوخ ونساء وفي الممتلكات وان هذه الأعمال أن هي إلا أعمال عدوانية همجية قامت بها حكومة الجمهورية العربية المتحدة نحو سكان وممتلكات المملكة العربية السعودية ولا بغير من هذه الحقيقية ما يزعمه المتمردون من انهم يملكون طائرات مقاتلة وأسلحة وعتاداً فلم يعد خافياً حسبما جاءت التصريحات الرسمية الصادرة من حكومة الجمهورية العربية المتحدة وحسبما تبين من زيارات بعض الرجال الرسميين في الجمهورية العربية المتحدة لليمن.
" إن المعركة التي يقودها المتمردون اليمنيون ضد الحكومة اليمنية الشرعية إنما تخوضها حكومة الجمهورية العربية المتحدة في الحقيقة والواقع بجيشها ورجالها وضباطها وطائراتها وأسلحتها . وان حكومة المملكة العربية السعودية إذ تعلن شديد احتجاجها على هذه الأعمال العدوانية تحمل حكومة الجمهورية العربية المتحدة مسئولية جميع النتائج المترتبة عليها وتحتفظ لنفسها بحق باتخاذ كافة التدابير اللازمة لرد هذا العدوان السافر وللقيام بجميع المساعي في هذا الصدد".
وعلق متحدث رسمي مصري على هذا الاحتجاج يوم 3 منه فقال:
" تعرضت جمهورية اليمن منذ ثلاثة أيام لعملية غزو من السعودية إذ أن قوات سعودية وأردنية عبرت الحدود السعودية
اليمنية للاستيلاء على مدينة حرض قرب الحدود وقد سحقت قوات جمهورية اليمن العدوان السعودي الأردني وقضت علىهم و أوقعت بهم خسائر فادحة .
" أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة تعلن بأنها تساعد ثورة اليمن وإنها ستقف بكل قواها ضد أي عدوان . وتحمل الجمهورية العربية المتحدة حكومة (سعود – فيصل) جميع النتائج المترتبة على هذا الغزو على حدود جمهورية اليمن ".
و أصدرت وزارة الدفاع والطيران السعودية يوم 7 نوفمبر سنة 1962 ، البلاغ الآتي:
" منذ الساعة السابعة والنصف بالتوقيت العربي من ظهر أول أمس الاثنين 8 /6/1382 الموافق 5 نوفمبر سنة 1962 حتى صدور هذا البيان ( مغرب يوم الثلاثاء 9 /6/1382 ن الموافق 6 نوفمبر سنة 1962 ) قامت طائرات مصرية وثلاث قطع بحرية حربية مصرية ، في فترات متقطعة من الليل والنهار ، بقصف قريتي " الموسم " و " خلف " في الحدود السعودية، بنيران قنابلها ومدافعها معتدية بذلك على الأراضي وعلي المياه العربية السعودية ، وملحقة بهاتين القريتين وبالسكان الآمنين فيهما خسائر وأضراراً فادحة يجري الآن إحصاؤها".
" والحكومة السعودية إذ تعلن هذا الاعتداء الصارخ على أراضيها وعلى مياهها الإقليمية تحتفظ لنفسها بالحق المطلق في اتخاذ جميع ما تراه من أعمال للدفاع عن حرمة أراضيها وعن سلامة مياهها ، وتحمل الحكومة المصرية مسئولية جميع ما ينتج عن اعتداءات قواتها المتكررة على البلاد السعودية ".
و أصدرت الحكومة السعودية يوم 31 ديسمبر سنة 1962 البلاغ الرسمي الآتي :
" لقد تعرضت مدينة نجران هذا اليوم (30 ديسمبر سنة 1962 ) لا عتدائين قامت بها قاذفات قنابل من طراز اليوشن ، تابعة لقوات الجمهورية المتحدة العاملة في اليمن .
وقد كان بين المصابين في الاعتداء الأول ، مندوب هيئة الصليب الأحمر الدولية . وفي الاعتداء الثاني أصيب عدد من السكان الآمنين بينهم طفل وامرأة .
" ومن الواضح ، إن حكومة المملكة العربية السعودية قد ضبطت أعصابها أمام الاعتداءات الأولى التي قامت بها الجمهورية العربية المتحدة من الجو على السكان الآمنين في أراضي المملكة العربية السعودية رغبة في تفادي الشر والفتنة التي يعمل على إشعالها . غير أن الحوادث قد تكررت ، وحادث اليوم واضح الدلالة على العدوان ، الأمر الذي يحتم على المملكة العربية السعودية ألا تقف مكتوفة الأيدي أمام تكرار هذا العدوان والإصرار عليه ، محملة الجمهورية العربية المتحدة كل ما يترتب على عدوانها من نتائج ".
وعادت الحكومة فنشرت في الغداة ( أول يناير سنة 1963) البلاغ الآتي :
" لقد تعرضت مدينة نجران هذا اليوم ( أمس ) الاثنين 4 شعبان ( 31 ديسمبر سنة 1962) أيضاً لغارتين جويتين بالطائرات من طراز قاذفات القنابل ، والمطاردات التابعة لقوات الجمهورية العربية المتحدة التي تعمل في اليمن ، فأمطرتها مدافعنا المضادة للطائرات وابلاً من قنابلها فارتدت على أعقابها إلى داخل حدود اليمن وقد ألقت بعضاً من قنابلها المحرقة والمفجرة ، فأصابت بعض السكان الآمنين ".
" إن هذا العمل يدل دلالة صريحة على مضي حكام القاهرة في عدوانهم ، والحكومة السعودية
ماضية في إجراءاتها لتأمين الدفاع عن سلامة شعبها و أراضيها".
في يوم 13 أكتوبر سنة 1962 ( 15 جمادى الأولى سنة 1382) نشرت إذاعة مكة بياناً رسمياً نفت فيه إرسال أية قوة سعودية إلى اليمن.
وفي يوم 19 منه ، عادت فكررت القول بأنه لا قوات سعودية تعمل في اليمن .
وعادت فأصدرت يوم 19 ديسمبر سنة 1963 البلاغ الآتي :
ذكر في البيانات التي أذيعت بمناسبة اعتراف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة الثوار في اليمن ، ما يوحي إلى الأذهان بان للحكومة السعودية قوات مسلحة تشترك في القتال في اليمن .
" وقد سبق للحكومة السعودية أن نفت هذا الزعم نفياً باتاً في عدة مناسبات .
" والحكومة السعودية تؤكد من جديد بأنه ليس لها قوات مسلحة تشترك في القتال باليمن ".
وفي يوم 6 يناير سنة 1963 ، قرر مجلس الدفاع الأعلى برئاسة الأمير فيصل إنشاء مراكز للتدريب العسكري في مختلف أنحاء المملكة .
وفتحت هذه المراكز وكان الإقبال عليها شديداً . ونشرت الصحف السعودية مقالات استنفرت فيها الشعب ودعته للدفاع عن حياضه .
وأصدرت وزارة الدفاع والطيران اليوم ( 6 يناير سنة 1963 ) البلاغ الآتي :
" بناء على قرار مجلس الدفاع الوطني ، تطلب وزارة الدفاع والطيران ما يلي:
• على جميع أفراد القوات المسلحة من ضباط ، وصف ضباط ، وجنود ، العودة إلى وحداتهم .
• على مديري الخطوط الجوية السعودية ، ومديري مكاتب الخطوط الجوية ، إركاب المجندين الذين يراجعون من الضباط وصف الضباط والجنود في الداخل والخارج بموجب الوثائق التي يحملونها ، والرفع بعد ذلك بالبيانات لتأييد هذا الاركاب من قبل الجهات المختصة ، والله ولي التوفيق .
وأصدرت هذه الوزارة في اليوم نفسه ، إلي الشعب البيان الآتي :
أيها المواطنون الكرام : " تنفيذاً لقرار مجلس الدفاع الأعلى ، بتعبئة القوى العاملة للشعب السعودي الآبي ، تعلن وزارة الدفاع والطيران للمواطنين الكرام ، أنها تفتح اعتباراً من يوم السبت الموافق 16 شعبان سنة 1382، خمسة مراكز لتدريب أبناء الشعب على حمل السلاح لمواجهة أي عدوان غاشم يقع على أرضنا المقدسة . وذلك في كل من مدن الرياض ، والدمام ، وجدة ، والطائف ، وأبها ، من الساعة التاسعة والنصف إلى 12 كل يوم ، عدا يومي الخميس والجمعة .
" كما يشترط في كل متطوع أن يكون سعودي الجنسية ، ولا يزيد عمره عن 40 ولا يقل عن 18
ويستوفي اللياقة الجسمانية للتدريب . فعلى كل متطوع أن يتقدم لتسجيل اسمه لدى كل إمارة في كل من المدن المذكورة.
" أما بالنسبة للمواطنين المقيمين خارج هذه الحدود ، فعلى المتطوعين منهم تسجيل أسمائهم لدى مكاتب إماراتهم ليزود بها الجيش حسب أسبقية التسجيل لتتخذ الإجراءات اللازمة بشأنهم.
" وفق الله الجميع لما فيه خدمة الوطن العزيز والدين الحنيف ".
حاولت القاهرة إقناع الملك سعود حينما جاء إليها بعد ذلك للاشتراك في مؤتمر الملوك والرؤساء بالتفاهم مع السلال
للتفاهم على قضية اليمن ، فرد بان أمر اليمن يتصل بأبنائها و أهلها ، أما نحن فلسنا طرفاً في النزاع.
هذا البلاغ الرسمي الذى أصدرته يوم 5 مارس سنة 1963 وزارة الدفاع والطيران السعودية أي بعد يومين من مغادرة وفد المشير عامر للرياض وهو :
" في يوم الاثنين 4 مارس سنة 1973 ( غادر المشير عامر الرياض عائداً إلي القاهرة ، في يوم الأحد 3 منه ) أغارت طائرتان مصريتان على مدينة أبها وألقتا القنابل عليها وخربتا المستشفى العام في قلب المدينة فأصيب بعض المرضى .
" وحدثت خسائر في الأرواح والممتلكات .
" تصدت لها المدافع السعودية المقاومة للطيران وأرغمتاها على الفرار ".
وصل فجأة يوم 22ابريل سنة 1963 الرئيس جمال عبد الناصر إلى صنعاء ليقضي فرصة عيد الأضحى لسنة 1382 بين جنوده ومنها ذهب يوم 26 منه إلى تعز وتقع على حدود اليمن الجنوبية فخطب وشن غارة عنيفة على بريطانيا لأنها حلت محل السعوديين في تقديم السلاح للأماميين في اليمن ، كما قال وتكلم عن مؤتمر الذروة العربي الذى شهده الملك سعود ، وقال انه مستعد لفتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية حتى لا يدع للاستعمار أي فرصة يستغلها . ذكر أيضاً أن العراق والجزائر حاولنا تسوية الخلاف بيننا بشأن اليمن ولكن المهمة لم تكتمل.
ثم قال إن قوات بلاده لن تنسحب من اليمن مادام الإنكليز في عدن .
وتقدمت الحكومة السعودية يوم 16 يونيو سنة 1963 ، بشكوى إلى مجلس الأمن وقالت أن الغارات الجوية التي شنتها طائرات مصرية على أراضيها تشكل عدواناً يمكن اعتباره عملاً حربياً
وان ثلاثين شخصاً قتلوا في غارة واحدة شنتها على مدينة جيزان يوم 6 يونيو.
وجاء في كتاب الشكوى أيضاً أن الحكومة السعودية لم تقم بأي عمل انتقامي ، ولكنها قد تضطر في المستقبل إلى اتخاذ إجراءات للدفاع عن النفس ، مما قد يؤدى إلى وضع مؤسف في الشرق الأوسط وربما أدى إلى رد فعل عالمي.
أصدرت الحكومة السعودية يوم 14 فبراير سنة 1962 مذكرة تطلب فيها إجلاء الجيش المصري عن اليمن ، لما يولده وجوده من أخطار عسكرية وسياسية تهدد المنطقة كلها.
وعادت فأعلنت يوم 15 أبريل سنة 1963 أنها توافق على تشكيل لجنة دولية محايدة لبحث النزاع الدائر في اليمن .
و أدلى ناطق سعودي في هذا اليوم بالبيان الآتي :
" إن موقف الحكومة السعودية من النزاع الدائر في اليمن ، كان ولا يزال التزام جانب الحكمة وضبط النفس ابتغاء الوصول إلى حل سلمي وإتقاء اتساع شقة الخلاف وتسميم جو العلاقات بين البلاد العربية،و حقناً للدماء العربية الزكية .
و كانت سياسة الحكومة العربية السعودية منذ بادئ الأمر ترمي إلى حل هذا النزاع على أساس عدم التدخل الخارجي في أمور اليمن الداخلية ، وترك حرية تقرير المصير لليمنيين أنفسهم واختيارهم الحكم الذي يرتضونه.
ورأت الجامعة العربية ، بعد انقضاء سنة كاملة من نشوب النزاع أن تبذل وساطتها ، فقرر مجلسها في جلسته المعقودة يوم
19 سبتمبر سنة 1963 من الدورة الأربعين ، إيفاد بعثة إلى جزيرة العرب للاتصال بقادتها " والعمل على العودة بالسلام إلى ربوع اليمن ، واستئناف العلاقات الطيبة بين الدول ذاتها ".
وتألف هذا الوفد أو هذه البعثة من الدكتور ناصر الحاني رئيس مجلس الجامعة في دورته لذاك العام وعبد الخالق حسونة الأمين العام للجامعة ، وغادر القاهرة يوم 25 سبتمبر سنة 1963 إلى الطائف للاتصال بولاة الأمور السعوديين فاستقبل بالحفاوة ودارت مباحثات بين الفريقين انتهت بإصدار البيان المشترك الآتي:
" تنفيذا لقرار مجلس جامعة الدول العربية المتخذ بدورته الأربعين وبجلسته المنعقدة في 19 –9 63 الذي يهيب فيه بالدول العربية ويناشدها العمل لدعم التضامن وتنقية الجو العربي كما يناشد الدول المعنية تهيئة السبل وتيسير الأسباب بغية توطيد الاستقرار وعودة السلام إلى ربوع اليمن واستئناف العلاقات الطبيعية بين الدول الشقيقة قام الدكتور ناصر الحاني رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة والسيد عبد الخالق حسونة الأمين العام بزيارة المملكة العربية السعودية فيما بين السابع من جمادى الأولى 1383 إلى الثالث عشر منه ، الموافق الخامس والعشرين من سبتمبر إلى أول أكتوبر سنة 1963 . واجتمعا بصاحب السمو الملكي الأمير فيصل ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء وبحضور السيد عمر السقاف وكيل وزارة الخارجية وتبادلا معه الرأي حول الوضع العربي عامة واليماني خاصة .
" إن حكومة المملكة العربية السعودية ، انسجاماً مع سياستها العربية ترحب بكل ما يبذل من مسعى لتدعيم التضامن وتنقية الجو العربي واستئناف العلاقات الطبيعية بين الدول الشقيقة وهي تحرص من جهتها على المساهمة الإيجابية الفعالة فيما يحقق ذلك نظراً للظروف الراهنة التي تمر بها قضية فلسطين وسائر قضايا النضال العربي والمصالح المشتركة والمؤامرات الصهيونية والاستعمارية ضد العرب جميعاً .
" وقد أوضحت حكومة المملكة العربية السعودية وجهة نظرها فيما يختص بقضية اليمن إلى ممثلي مجلس الجامعة و أكدت حرصها الشديد على ما يحقق مصلحة أهل اليمن ويعينهم على ما يكفل للشعب اليماني النهوض والتقدم وهي بذلك ترجو أن يجد ممثلاً مجلس الجامعة لدى باقي الأطراف المعنية التجاوب الذي يكفل تحقيق ذلك ".
وظلت هذه الوساطة بدون نتيجة تذكر لأنها دارت في دائرة ضيقة محدودة .
في أوائل شهر يناير سنة 1963 أرسلت الجامعة العربية تدعو الحكومات العربية للاشتراك في مؤتمر القمة العربي الأول الذي تقرر عقده في القاهرة يوم 13 منه وفي إطار الجامعة العربية نفسها.
و أصدرت المملكة يوم 5 يناير سنة 1963 البلاغ الآتي " تلقت الحكومة السعودية من أمانة الجامعة العربية دعوة للاشتراك في اجتماع ملوك الدول العربية ورؤسائها للبحث في التدابير الواجب اتخاذا حيال مؤامرة إسرائيل لتحويل مجرى نهر الأردن.
" وان الحكومة السعودية أيماناً منها بوحدة الكفاح العربي وانسجاماً منها مع سياستها الأصيلة وتاريخها الطويل في دعم القضايا العربية بما يكفل تحقيق أماني الأمة العربية ، وإدراكا عميقا منها للمخاطر التي تحيق بقضية العرب الأولى تعلن عن قبولها الدعوة واستعدادها التام لتحمل كافة مسؤولياتها مع شقيقاتها الدول العربية ".
ووصل إلى القاهرة في الوقت المعين الملك سعود على رأس وفد بلاده للاشتراك في المؤتمر.
وهذه أسماء أعضاء الوفد الذي صحبه: الأمير سلطان وزير الدفاع والطيران ، والأمير منصور رئيس الديوان العالي والسيد عمر السقاف وكيل وزارة الخارجية، واللواء عبد الله المطلق رئيس هيئة أركان حرب الجيش السعودي.
ومع أن جمال عبد الناصر لم يثر مشكلة اليمن في الاجتماعات الخاصة والعامة للمؤتمر ، وتجنب أن يتحدث عنها مع الملك سعود فإن بعض المنتمين إليه أثاروا موضوعها مع الملك.
وجاء السلال وكان يشهد المؤتمر بصفته رئيساً للجمهورية اليمنية ، يتمسح بالملك وقيل انه قبل يده وخاطبه بلقب سيدي الوالد يريد أن يتحدث إليه ويستعطفه لكي ينال منه وعداً بالاعتراف به فاعرض عنه . ولم يدخل معه في حديث على انه أذاع من محطة راديو صنعاء ، بأنه اجتمع إلى الملك سعود وحل معه الخلافات مما بعث حكومة الرياض على إصدار البيان الآتي يوم 15 فبراير سنة 1963 وهو:
" تناقلت بعض وكالات الأنباء تصريحاً نسبته إذاعة صنعاء إلي السلال في عرض خطاب ألقاه في صنعاء ذكر فيه انه قد اجتمع بالملك سعود في القاهرة وصفى معه جميع الخلافات . وقد صرح مصدر مسؤل أن هذا الخبر لا صحة له فالملك لم يجتمع بالسلال ولم يبحث معه في قليل ولا كثير ".
ورأت القاهرة بعد أن فشلت المساعي التي بذلتها لدى الملك سعود لا قناعة بالاعتراف بحكومة السلال ، بالإضافة إلي فشل وفد الجامعة العربية من قبل ، وما سافر إلا بأمرها وبإشارة منها ، تقول إنها رأت أن تدخل من باب آخر عساها أن تصل إلى مبتغاها ، فقررت إيفاد المشير عبد الحكيم عامر إلى الرياض ومعه أنور السادات لإدخاله على الأمير فيصل وإقناعه بحل مشكلة اليمن على قاعدة الاعتراف بحكم السلال.
ورأت من باب الاحتياط أيضاً أن يتقدم الوفد المصري وفد وساطة يتألف من السيد أحمد توفيق المدني مندوباً للرئيس ، احمد بن بلة ، والدكتور شامل السامرائي مندوباً لعبد السلام عارف.
ووصل إلي الرياض يوم 13 فبراير سنة 1964 محمد توفيق المدني وزير الأوقاف في الجزائر والدكتور شامل السامرائي وزير الدولة العراقية لشؤن الوحدة ممثلاً للمشير عارف فاستقبلا بالحفاوة ودارت بينهما وبين الأمير فيصل مباحثات في الموضوع.
الأول: يختص بالعلاقات السياسية بين السعودية ومصر.
والثاني : يختص بالمشكلة اليمانية .
وقال عن الأول أن حكومته مستعدة للتغاضي عن جميع الإساءات وعن جميع الجرائم التي ارتكبتها مصر نحو بلاده ، واعادة العلاقات السياسية معها ، حرصا على وحدة الصف العربي وتلبية لدعوة مؤتمر الذروة مع تعهدها بتنفيذ جميع مقررات هذا المؤتمر ، واستعدادها لاستقبال وفد مصري لتصفية القضايا التي بينها وبين مصر .
و أما عن المشكلة اليمنية فقال إن حكومته تخلت عنها ، منذ اتفاق فك الارتباط . وصار أمرها بيد اليمنيين ، فارجعوا إليهم إذا شئتم.
ووصل إلي الرياض يوم الأحد أول مارس سنة 1964 الوفد المصري للمباحثات الجديدة وتألف من المشير عبد الحكيم عامر النائب الأول لرئيس الجمهورية ، والمقدم أنور السادات رئيس مجلس الأمة فاجتمعا إلى موفدي العراق والجزائر ، وكانا في انتظارهما ، فعقدا معهما ومع وكيل الخارجية السعودية اجتماعاً استمر ساعتين .
وعقد اجتماع آخر في مساء يوم وصولهما وتوالت الاجتماعات مدة ثلاثة أيام بذلت الوفود الثلاثة خلالها كثيراً من الجهود لحمل الأمير فيصل على تعديل موقفه والموافقة على بحث مشكلة اليمن ولكنه أصر على خطته لارتباطه باتفاق فك الارتباط على انه أبدى استعداده للتصافي في الأمور الأخرى .
وهذه هي القواعد التي تم الاتفاق عليها في هذه المحادثات:
• يسافر الأمير فيصل إلى القاهرة بعد انتهاء موسم الحج ( حوالي آخر شهر إبريل ) فيزور الرئيس جمال عبد الناصر تلبية لدعوته التي حملها المشير عبد الحكيم عامر فيواصل معه المباحثات التي بدأت في الرياض.
• تعلن الحكومتان بان لا مطمع لهما في اليمن وتؤيدان استقلالها وتقاومان كل محاولة استعمارية ضد اليمن
• تعود العلاقات السياسية بين السعودية ومصر ، ويعود سفير كل دولة منهما إلى عاصمة الدولة الأخرى.
وصل الامير فيصل إلى الإسكندرية يوم 5 سبتمبر سنة 1964 على رأس وفد بلاده ، بصفته نائب الملك ، للاشتراك في مؤتمر القمة العربي ، وكان دور الرئاسة فيه هذه المرة للسعودية
ولقي الرئيس عند الأمير أطيب استعداد ، واصدق رغبة في المساعدة على حل المشكلة ، على أن يكون هذا الحل في إطار اتفاق فك الارتباط الذي وقع عليه الفريقان سنة 1963 وتعهداً بتنفيذه .
سجل ذلك البلاغ المشترك الذي نشر في ختامها وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم
" كانت زيارة حضرة السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود نائب جلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية للإسكندرية ، بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربي الثاني ، فرصة طيبة لكي يتبادل مع الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة ، وجهات النظر في كل ما يهم الأمة العربية عامة والدولتين الشقيقتين بصفة خاصة . ولقد تمت عدة اجتماعات بين الطرفين اشترك فيها سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية ، والمشير عبد الحكيم عامر النائب الأول لرئيس الجمهورية العربية المتحدة ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، أسفرت عن الاتفاق على النقاط الآتية:
• عزم المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة ، على التعاون التام في حل الخلافات القائمة بين الأطراف المختلفة في اليمن ، وتصميمها على منع الاشتباكات المسلحة.
• أن تقوم الدولتان بالاتصالات اللازمة والتوسط لدى الأطراف المعنية لتهيئة جو من التفاهم للوصول إلي حل الخلافات القائمة بالطرق السلمية ، على أن تستمر هذه الاتصالات إلى أن تزول تلك الخلافات وتستقر الأمور في اليمن .
• تتمسك الدولتان الشقيقتان بالتعاون التام فيما بينهما في جميع الشؤون وشتى الميادين ، وتعلنان تأييد كل منهما للأخرى في جميع الظروف ، سياسياً ومادياً ومعنوياً .
والله ولي التوفيق.
وفى29 أكتوبر سنة 1964 عقد في أر كويت ( وهي مدينة سودانية تم الاتفاق على عقده فيها ) مؤتمر مصالحة وجاء وفد الأماميين برئاسة السيد أحمد الشامي وزير الخارجية الأمام ، وجاء وفد الجمهوريين برئاسة محمد محمود الزبيري.
و أوفدت الحكومة السعودية السفير الدكتور رشاد فرعون والزعيم العسكري محمود عبد الهادي للمراقبة
كما أوفدت مصر احمد شكري وزيرها المفوض لدى السلال والعميد محمد محمود قاسم للغاية ذاتها ، وذلك بموجب اتفاق مسبق بينهما.
واتفق الفريقان على المبادئ الآتية :
• وقف إطلاق النار.
• اليمن لليمنيين.
• يتم الاتفاق النهائي في مؤتمر أوسع نطاقاً ، واكبر دائرة ، يعقد في مدينة حرض يوم 23 نوفمبر 1964 ، ويشترك فيه 169 مندوباً يمثلون الفريقين على السواء.
و أقرت الحكومة السعودية الاتفاق وباركته ، سجل ذلك بلاغ رسمي أصدرته يوم 4 نوفمبر سنة 1962 وهو :
" تجاوباً مع الاتصالات التي قامت بها كل من الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بتهيئة جو من التفاهم للوصول إلى حل للخلافات القائمة في اليمن بالطرق السلمية ، فقد تم عقد اجتماع مشترك على صورة لجنة تحضيرية في أر كويت في السودان ، في الفترة ما بين 23 جمادى الأخر 1384 الموافق 29 تشرين الأول ( أكتوبر ) 1964 إلى يوم الاثنين 27 جمادى الآخر 1384 الموافق 2 تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1964.
" وتوصل المجتمعون إلى القرارات التالية :
" من اجل اليمن العزيزة ، وفي سبيل سعادة شعبها العظيم ، ورغبة في أن يسود السلام والاستقرار في ربوعها وإذعاناً بقداسة الشريعة الإسلامية الغراء التي تدعو إلى حقن دماء المسلمين على أساس الحق والعدل وتجاوباً مع روح الاخوة والتفاهم ، واستنادا إلى الاتفاق الذي تم بين سيادة الرئيس جمال عبد الناصر ونائب الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في الإسكندرية في 14 سبتمبر ( أيلول) الماضي ، وتقديراً لما تأكد من حرصها على سلامة كيان اليمن ، ورقي الشعب اليمني وحريته ، ووحدته ، و أمنه ، وحقن دماء بنيه ، فقد تكونت لجنة تحضيرية تمثل الفئات اليمنية المختلفة ، واجتمعت في أر كويت من جمهورية السودان من 29 أكتوبر حتى 2 نوفمبر ، وتدارست فيما بينهما ، الأحوال العامة في اليمن ، وانتهت إلى القرارات الآتية:
• إيقاف إطلاق النار و أعمال العنف ابتداء من الساعة الواحدة من صباح يوم الاثنين 9 نوفمبر سنة 1964.
• عقد مؤتمر وطني في مدينة يمنية في 23 نوفمبر سنة 1964 ، لوضع الأسس الكفيلة بحل الخلافات القائمة بالطرق السلمية ، لاستقرار الأمور في اليمن .
• يحضر المؤتمر الوطني اليمني 169شخصاً من العلماء والمشايخ والقادة العسكريين و أهل الرأي والغيرة من أهل الحل والعقد ، وبحسب النسب التالية :
ثلاثة أثمان من العلماء ، وثلاثة أثمان من المشايخ ، وثمنان من القادة العسكريين و أهل الرأي والخبرة على أن ينضم إلى هؤلاء أعضاء اللجنة التحضيرية أنفسهم وعددهم 18 شخصاً.
• يلتزم المجتمعون بتنفيذ هذه القرارات ، كما يطالبون الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مجتمعتين ، أو كل منهما ، من جانبها أن تساعدا على تنفيذ هذا الاتفاق.
• تم الاتفاق على هذه القرارات بحضور الأشقاء الأكارم من القطرين الشقيقين من الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ،وهم السادة السفير الدكتور رشاد فرعون ، والزعيم محمود عبد الهادي عن الجانب السعودي ، والسفير احمد شكري ، والعميد أركان حرب محمد محمود قاسم عن الجمهورية العربية المتحدة . وعن اللجنة التحضيرية ، حضر من الجانب الملكي: احمد محمد الشامي
ومحمد بن على بن إبراهيم حسين ، واحمد الحسن بن إسماعيل بن يحي ، وعبد الرحمن عبد الواسع صلاح . ومن الجانب الآخر : محمد محمود الزبيري ، ومحمد احمد نعمان ، وعلى ناجي ، ومحمد بن احمد المطاع على ، واحمد محمد هادي ، ومحمد بن محمد القوصي ، والعقيد عبد كامل ".
وحدد يوم 8 نوفمبر سنة 1964 ، موعداً لوقف إطلاق النار وحالت حوائل دون عقد المؤتمر في موعده ويلقى الاماميون التبعة على الفريق الآخر ، ويقولون أنه لم يحترم قرار وقف إطلاق النار ، بل واصل العدوان على مراكزهم بطائراته ومدفعيته.