منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

» الفكر السياسي الاغريقي
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:29 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Empty
مُساهمةموضوع: الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة   الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyالإثنين مارس 04, 2013 1:37 pm

الديني والسياسي في الولايات

المتحدة الأمريكية: عرض مقارن لأدبيات حديثة الإصدار

شيماء بهاءالدين

ماجدة إبراهيم

*تمهيد:

قد يُظن أن علاقة الديني بالسياسي أمر قد حسمه الفكر والممارسة السياسية الإنسانية منذ زمن، بيد أن إشكالية علاقة الديني بالسياسي تظل ملتبسة وحالة و متجددة . ولعل النظام السياسي والمجتمع الأمريكي ، في بنيته وحركته وعلاقاته الداخلية والخارجية، أصدق شاهد وأوضح نموذج في هذا الصدد.

خلال هذا العرض المقارن السبعة كتب حديثه الإصدار حول الديني والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية تتجمع رؤى وتفسيرات مختلفة حول هذه العلاقة، لكن السمة الغالبة عليها جميعًا أن أحدًا من هذه الكتب لا ينكر البتة علاقة الديني بالسياسي.

و تؤكد الكتب السبعة على أن تأثير الديني في السياسي في الولايات المتحدة من الثوابت السياسية والاجتماعية هناك. ومن ثم نجده يؤثر على علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، لا سيما وأن أهم محاور رؤيتهم لنا وعنا يحكمها ، إلى حد كبير، المعاداة الكبيرة التي يكنها الأصوليون الأمريكان للعرب والمسلمين. فضلًا عن الدعم المستمر لإسرائيل وضرورة تحويل العالم إلى اعتناق المسيحية الإيفانجليكية. ومن ثم فكل ذلك يصب في سياسة الولايات المتحدة تجاه العالم العربي والإسلامي.

ولأن العرض مقارن ، فسيتناول أربعة محاور أساسية تمثل القواسم المشتركة والفواصل المميزة بين الكتب السبعة التي بين أيدينا ، وذلك وفق أسلوب المقارنة الأفقية. و ستكون الخطوة الأولى متمثلة في تعريف القارئ الكريم بمحتوى ومضمون كل كتاب من السبعة كتب على حدة بشكل سريع ؛ حتى تتسنى له متابعة وتحديد أهم التساؤلات والإشكاليات التي تعصف بها هذه الكتب في ذهن القارئ حول أو في موضوع الديني والسياسي. ودواعي استعراضها وفق الأربعة محاور التي سيرد بيانها لاحقاً.

ç الجزء التمهيدي: تعريف مختصر بمحتوى ومضمون مجموعة الكتب محل العرض:

1. كتاب: الدين والسياسة في الولايات المتحدة، تأليف: "مايكل كوربت" و "جوليا ميتشل كوربت" ([1])، وأهم ما يميز هذا الكتاب أنه ثمرة جهد مشترك للمؤلفين ـ وهما زوجان ـ الذيَّن يقدمان خلاله رؤية متخصصة في الدين وفي السياسة، فالزوج (مايكل كوربت) خبير في تدريس وطرق البحث في العلوم السياسية والرأي العام، أم الزوجة (جوليا كوربت) فهى خبيرة في مجالات بحث وتدريس الدين والدين المقارن، ومن ثم فقد خرجا لنا بكتاب يتميز باتساع وعمق المضمون مع سهولة المنهج. وقد انقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء تضم أبعاد علاقة الديني بالسياسي في الخبرة الأمريكية وهى على التوالي: البعد التاريخي، مما قبل إنشاء المستعمرات الأمريكية حتى أواخر التسعينيات من القرن العشرين، والبعد القانوني الدستوري، حيث أوضحا سياقات إقرار التعديل الأول للدستور الأمريكي لبندي: الكنيسة الرسمية ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وما صار حولهما من جدالات. ثم الدين والرأي العام وكيف يؤثر في توجهات الرأي العام بين شرائح وفئات المجتمع الأمريكي. ثم البعد الخاص بنتائج المؤثرات الدينية على الممارسة والعملية السياسية في النظام الأمريكي. هذا فضلًاعن دراسة نظرية اُستُهِل بها الكتاب، تناولت تأصيل لمفهومي الدين والسياسة، وبيان الخصائص والأبعاد المختلفة بينهما. فكانت أشبه بإطار نظري للكتاب (وسيرد إيضاح مختصر عن المفهومين - الدين والسياسة- وفقما وضح هذا الكتاب في المحور الأول من هذا العرض المقارن) وكان من أهم ما أكد عليه الكتاب أن الترابط والتداخل بين الدين والسياسة سيظل قائمًا على الرغم من تعدد أنماط العلاقة بين الديني والسياسي([2]).

2. كتاب: كيف نفهم الأصولية البروتستانتية والإيفانجليكية، للكاتب جورج م مارسدن([3]) الذي يتتبع فيه تاريخ الأصولية البروتستانتية والإيفانجليكية ( وكل من هذه المفاهيم سيتم توضيحه لاحقًا خلال هذا العرض في الجزء الخاص بالتعريف بالمفاهيم ) عبر القرنين التاسع عشر والعشرين ، مؤكدًا على أن تداخل الديني (الإيفانجليكي تحديدًا) في السياسي يُعد من ثوابت النظام والمجتمع الأمريكي ويُفَصِل عوامل وسياقات تشكل هذا التداخل. ثم كيف انتهز الأصوليون في الولايات المتحدة الفرص التاريخية ـ رغم ما لديهم من تناقضات ـ الأمر الذي مكنهم من لعب دور متنامٍ في أروقة السياسة الأمريكية، مع تأكيد منه على مرونة الأصوليين وقدرتهم على التعامل مع معطيات ومتغيرات العصر الحديث([4]).

3. كتاب أصول التطرف: اليمين المسيحي في أمريكا، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات والبحوث العلمية لباحثين متخصصين في هذا المجال في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حررت الكتاب "كيمبرلي بلاكر"([5]). ومؤلفو الكتاب ذووا توجه ليبرالي، ومن ثم فهم يقدمون رؤية لأخطار الأصولية المسيحية على النظام السياسي والمجتمع الأمريكي برمته، وذلك ببيان آثارها السلبية على كلٍ من المكتسبات الديمقراطية الأمريكية، وعلى تشكيل وعي الأجيال الأمريكية القادمة (تأثيرات الأصولية على التربية وتعليم الأطفال) ومن قبل على وضع المرأة، ثم بنظرة أوسع أخطار الأصولية على المجتمع الأمريكي ككل و علىتماسكه. إذ يرى الكتاب أن الأصولية تنذر بخطر نشوب صراعات قيمية داخل المجتمع الأمريكي إذا ما تم الإفتئات على علمانية الدولة (وفق التعديل الدستوري الأول) باعتبار ذلك أمرًا إلهيًا (تسيس مفهوم العصمة).

4. كتاب: مقدمة في الأصولية المسيحية في أمريكا والرئيس الذي استدعاه الله وانتخبه الشعب الأمريكي مرتين، استفتح الكاتب و الناشر "عادل المعلم"([6]) الطبعة الثالثة للكتاب بتقرير من "النيوزويك" التي خصصت نصف عددها الصادر في 15 نوفمبر 2004 لتحليل نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية ودور الأصولية والإيفانجليكية في الدفع الجماهيري لصالح بوش الابن الذي فاز بفارق 3 ملايين صوتًا على المرشح الديمقراطي "جون كيري" , وأن 22% من الناخبين كان محور اهتمامهم الأساسي في الاختيار "القيم الأخلاقية" .

أما متن الكتاب فيتكون من جزئين أولهما عبارة عن ثلاثة فصول، الفصل الأول بعنوان "حروب الرحمة" وهى ترجمة لمقالة نشرت في مجلة "دير شبيجل الألمانية" في 17/2/2003 (قبيل الغزو الأمريكي للعراق). توضح كيف يربط "بوش الابن" وإدارته اليمينية بين المصالح القومية الأمريكية والأصولية الدينية على نحو غير مسبوق وإن كان لا يمثل خروجاً عن مسلك سابقيه من رؤساء الولايات المتحدة، إذ يرونها "بلد الله" ذات مهمة "جلب السلام للعالم من خلال الحرب"، كما تتبعت السيرة الذاتية لبوش الابن مقارنة بحياة أبيه...،أما الفصل الثاني هو ترجمة لمقالة من مجلة "نيوزويك" الأمريكية عدد 10/3/2003 (أيضاً قبيل العدوان) بعنوان "بوش والله" وكيف يرى نفسه مبعوث العناية الإلهية في العالم...، والفصل الثالث يمثل مقتطفات من كتاب "بوش الابن": "مهمة للأداء: "لأحقق إرادة خالقي" وهى مذكراته التي يشرح فيها سيرته الذاتية ورؤيته لمهمته ومهمة بلاده في العالم. ثم في الجزء الثاني من الكتاب يأتي بيان موقع الأصولية الدينية المسيحية وارتباطاتها بالأصولية اليهودية وكيف يؤثران في سياسات الولايات المتحدة ورؤيتها للعالم ولمنطقة الشرق الأوسط.([7])

5. كتاب: الكتاب المقدس والاستعمار من تأليف القس "مايكل بريور"([8]) ، و المؤلف نفسه يعتبر أهم ما يميز هذا الكتاب؛ فهو شاهد من أهلها يتكلم من منطلق المصداقية الأخلاقية والواجب المعنوي وضمير رجل دين آلى على نفسه كشف مخططات وتبريرات قوى "الاستعمار"ـ ذلك المفهوم الذي أعادته السياسة الأمريكية بثقل إلى ساحة العلاقات الدولية بعد أحدث 11/9/2001، ومن قبل ومازالت تدعم إسرائيل في استعمارها الاستيطاني لفلسطين ـ التي توظف الدين والأخلاق وفق تأويلات مزعومة للنصوص المقدسة (وخاصة العهد القديم) حول تراث الأرض التي تعبر جميعها عن أساس أيدلوجي واحد استندت إليه سياسات الاستعمار في إذلالها وإبادتها للشعوب الأصليين.

مع استقراء من الكاتب لثلاث حالات استندت لتلك التأويلات الدينية المزيفة والانتقائية وهى: الاستعمار الأسباني والبرتغالي لأمريكا ، الاستعمار الهولندي لجنوب أفريقيا، والاستعمار الصهيوني لفلسطين.



6. كتاب: بلد الله: الدين في السياسة الخارجية الأمريكية، الذي يمثل ترجمة لمقال نشر في مجلة "Foreign Affairs" عدد سبتمبر/ أكتوبر 2006، وكاتب المقال (الكتيب بعد الترجمة) هو "والتر راسيل ميد" ([9]) أستاذ كرسي هنري كيسنجر للسياسة الخارجية الأمريكية في مجلس العلاقات الخارجية. الذي يستجلي لنا خريطة توزيع البروتستانتية في الولايات المتحدة، وذلك باعتبارها عقيدة الأغلبية، ثم تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية ورؤاهم حول مدى إمكانية قيام نظام عالمي سلمى. وكيف أفضت تغيرات هيكل توزيع القوى والتيارات الدينية في الولايات المتحدة إلى تغيرات في السياسات الأمريكية ـ لاسيما الخارجي منها ـ حيث كلما زاد انتشار تيار ديني ما، ثقلت معه كفة الممثلين السياسيين لهذا التيار. ولعل إلقاء نظرة على توجهات سياسات الولايات المتحدة خلال الستينيات وتوجهاتها بعد عام 2000 يؤكد هذه الحقيقة الواقعة، فالإيفانجليكيون – وهم طائفة من البروتستانت ، ذووا التأثير الأعلى في السياسة الأمريكية بالأخص الخارجية – لهم توجهات معادية للإسلام كما يوضح الكتاب، لكنه يستدرك مؤكدًا على أن طبيعة التعددية الدينية والفكرية في النظام الأمريكي فضلًا عن عدم جمود الإيفانجليكية نفسها ـ من وجهة نظره ـ كفيل بكبح جماح خطرهم على السياسة الأمريكية وبالأخص السياسية الخارجية.

7. كتاب: صعود البروتستانتية الإيفانجليكية في أمريكا وتأثيره على العالم الإسلامي، من تأليف د/ محمد عارف وهو ماليزي عمل كأستاذ للاقتصاد السياسي في الولايات المتحدة لمدة ثلاثة عقود، ومن ثم فهو يأتينا بهذا الكتاب ([10]) من زاوية ووجهة نظر مراقبة وفاحصة للشأن الأمريكي موضحًا خلاله أسباب وعوامل الصعود السياسي للبروتستانتية الإيفانجليكية في الولايات المتحدة. وإن كان المؤلف قد بدء بحثه هذا بالعوامل والتفسيرات الاقتصادية، فإنه استكمله باحثًا في العوامل والمعطيات التاريخية والاجتماعية محاولًا تقديم تفسير متكامل حول هذا الصعود. حيث تابع تطورات الأصولية البروتستانتية الإيفانجليكية وكيف تغلغل تأثيرها وانصب على وسائل الإعلام وتربية النشئ والقضايا الاجتماعية، وكيف واجهت كل من التيارين الحداثي والليبرالي، واقتحامها المباشر للعملية السياسية منذ سبعينيات القرن العشرين، وازدهار وازدياد دورها منذ توالي نجاح مرشحي الحزب الجمهوري من "كارتر" حتى "بوش الأب" ثم الابن. ثم ينتقل الكتاب لتأثير صعود البروتستانتية الإيفانجليكية هذا على العالم الإسلامي، لا سيما وأن نظرتهم للعالم الإسلامي جامدة ونمطية سلبية، شكَّلها اعتقادهم في حتمية الصراع بل والحرب مع الآخر الحضاري والديني (هرمجدون)، لكنه لا يغفل مسئولية الجانب الإسلامي في الاستجابة لهذا التأثير، كما يقدم رؤية بديلة عن رؤية الصدام الحضاري وهى "التطور الخلاق".

ç الجزء الثاني:محاور العرض المقارن:

إذن بعد هذا العرض التعريفي المختصر بكل من الكتب السبعة موضوع هذا العرض المقارن، يجدر بنا تحديد مجموعة من الإشكاليات والتساؤلات التي تثيرها القراءة في هذه الكتب في موضوع الديني والسياسي في الولايات المتحدة وتأثيره على العالم العربي والإسلامي وذلك على النحو التالي:

- ما موقع الدين من السياسة الأمريكية؟ هل هو موضوع أم أداة أم محرك لها؟

- إذا كانت الكتب التي بين أيدينا في هذا العرض ترصد ظاهرة صعود الأصولية الدينية في الولايات المتحدة، فما التفسيرات المختلفة لهذا الصعود؟ وما مآله؟ أي هل سيستمر هذا البروز وهذا الدور الكبير للدين في سياسات الولايات المتحدة؟ وما دلائل أو مؤشرات ذلك؟

- ما تأثير هذا الصعود على السياسة الخارجية الأمريكية؟ وبالأخص تجاه العالم العربي والإسلامي؟

- وما الفارق بين رؤى ومنطلقات هذه الكتب؟ فعلى سبيل المثال ، كيف تختلف أو تتفق كلٌ من الرؤية الليبرالية الناقضة ( كتاب: أصول التطرف... ), والرؤية الأصولية الناقدة (كتاب: الكتاب المقدس والاستعمار), ورؤية أحد المسلمين(كتاب : صعود البروتستانتية الإيفانجليكية... ), مقارنة ببقية الكتب؟

هذه التساؤلات يمكن أن نتتبع إجابتها ونتتبع بها الكتب السبعة عبر مقارنتها وفق المحاور الأربعة التالي ذكرها:

- أولاً: التعريف بالأصولية الدينية في الولايات المتحدة.

- ثانياً: تأثير الدين في النظام السياسي والمجتمع الأمريكي.

- ثالثاً: الدين والسياسة الخارجية الأمريكية.

- رابعاً: الدين والسياسة الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي.

· أولًا التعريف بالأصولية الدينية في الولايات المتحدة : أهم المفاهيم و التطورات:
ينقسم هذا المحور إلى مستويين : أولهما تعريف بلأهم المفاهيم المتعلقة بعلاقة الديني بالسياسي في الولايات المتحدة كما وردت في هذه المجموعة من الكتب، و ثانيهما حول تناول هذه الكتب أهم التطورات التاريخية للأصولية الدينية بالولايات المتحدة الأمريكية.
(1)-حول المفاهيم الدينية المؤثرة في السياسة الأمريكية :

تضم هذه المجموعة من الكتب بعضًا من المفاهيم الدينية التي ارتبطت بالممارسة السياسية في النظام الأمريكي نوضحها فيما يلي مستفتحين إياها بتعريف لكلٍ من الدين والسياسة وبيان الخصائص لمشتركة بينهما وفق ما بينت الدراسة الاستهلالية النظرية (التي هى بمثابة الإطار النظري لدراسة علاقة الدين والسياسة بالأخص في الولايات المتحدة) التي وردت بكتاب الدين والسياسة في الولايات المتحدة، "للزوجان كوربت" :

* الدين: عرفا الدين على أنه:"نظام متكامل من المعتقدات ، وأسلوب حياة وشعائر و مؤسسات يمكن للأفراد من خلالها أن يعطوا أو يجدوا معنى لحياتهم بالتوجه إلى – والالتزام بما يعتبرونه مقدسًا أوله قيمة نهائية" ثم يقدمان شرحًا وافيًا لهذا التعريف و صلته بالعلوم الاجتماعية والإنسانية .

* السياسة: مع الإقرار من "الزوجان كوربت" بتعدد تعريفات السياسة و إدراجهما بعض منها، فإنهما قد اعتمدا تعريف " ديفيد إيستون" المعروف :"تحديد السلطة لقيم المجتمع"، ليس فقط لاعتباره أكثر تعريفات السياسة شيوعًا وقبولًا في النظام الأمريكي، لكن أيضًا لأنه أكثرها ملائمة لهذه الدراسة ؛ إذ يقدم تعريفًا عمليًا للسياسة.

* علاقة الدين بالسياسة :تلازمية و تداخل في الخصائص و الأدوار: يستكمل "آل كوربت" توضيح أبعاد علاقة الدين بالسياسة ببيان أنماط العلاقة مؤكدين على عدم إمكانية تجنب التداخل بينهما بحكم طبيعة كل منهما، و أن ذلك الترابط و التداخل سيظل قائمًا – في أي مجتمع – على الرغم من تعدد أنماط هذه العلاقة؛ فنمطي الفصل التام بين الدين و السياسة بهيمنة الدولة على الدين ( القمع العلماني للدين) وهيمنة الدين ( الكنيسة) على الدولة ( النموذج الثيوقراطي) كلاهما مغالٍ في الإفراط أو التفريط، وأن نموذج النظام السياسي والمجتمع الأمريكي بعيدان كل البعد عن هذين النمطين .

أما عن أهم نقاط الاشتراك في الخصائص و الأدوار بين الدين والسياسة التي يرصدها المؤلفان : دور الدين في بناء منظومة القيم في أي مجتمع ( وهو ما يتجلى بشدة في المجتمع الأمريكي ) ، أما السياسة فإنها تتيح للأفراد التعبيرعن قيمهم – التي أسهم الدين في بنائها و تكوينها بشكل كبير- و السعي إلى تفعيلها فيما يتعلق بالشأن العام ، الدين والسياسة كذلك كلاهما يعطي معنيً لحياة الأفراد. اهتمام كل من الدين والسياسة بهيمنة السلطة على حياة الأفراد ؛ حيث إن الدين يغرس في الناس قيمًا معينة فتكون له سلطة على حياتهم ، والسياسة من جانبها تحدد القيم من حيث ما يصلح وما لايصلح القيام به في المجتمع والشأن العام وفق قرارات سلطوية. بقول إجمالي يستشهدان بمقولة ل" تشيدستر": "السياسة والدين هما بعدا التجربة الإنسانية خلال ممارستها الهادفة للسلطة ". بل وقد يصل التداخل بينهما إلى حدٍ تصبح معه القيم المحددة رسميًا داخل النظام السياسي المحدد مستمدة من الدين أو تعبيرًا عن قيم دينية في المجتمع، إضافة إلى أن القيم التي ينشئها أو يؤيدها النظام السياسي قد تتخللها أراءٌ دينية ، وفي بعض الأحيان قد يوظف رجال السياسة الدين للحصول على التأييد والشرعية اللازمة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة   الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyالإثنين مارس 04, 2013 1:39 pm

*الأصولية : يوضح "عادل المعلم" كيف ظهر مصطلح الأصولية على يد الصحفي المحافظ " كيرتزلي لوز" الذي كان يعمل في الجريدة المعمدانية the Watch Examiner " " واصفًا بها الذين كانوا على استعداد لدخول المعركة الكبرى من أجل الأصول . ثم زاع صيت المفهوم ليعبر عن وصف لجميع أنواع البروتستانت الأمريكين الذين على استعداد لشن "حرب إكليريكية" ولاهوتية ضد الحداثة في اللاهوت و ضد التغيرات الثقافية التي رحب بها الحداثيون . وأن قوة الأصوليين قد وصلت ذروتها في عشرينيات القرن العشرين ؛ بفضل تحالفها مع البروتستانت المحافظين . كما يوضح علاقاتها بالتيارات الأصولية المسيحية و تحولاتها المهمة.

أما "مارسدن " فإنه يعرف الأصولي باعتبار أنه " إيفانجيليكي مقاتل"، و أن الأصولية نمت من رحم الإيفانجليكية في ق 19، كما يرى أن كلًا من الإيفانجليكية والأصولية ليستا منظمتين قابلتين للتحديد وإنما بداخلهما العديد من التنويعات.

في حين فرق " ميد"، صاحب كتاب : بلد الله ...، بين الأصوليين والإيفانجليكيين . وأنه إذا كانت الأصولية تدل على نوع من البروتستانت المقاتلين ، فإن الإيفانجليكية- بحسبه- تطلق على تحالف أكبر بكثير!

وأكد " مارسدن" على أن الأصولية على عكس ما ينظر لها كمعادية للعقلانية ، يثق أتباعها في فلسفات التنوير. كما اعتبر أن الأصولية " نسخة من المسيحية تطابقت مع عصرها". أما الأصولية على مستواها الأدائي العملي ، ففي الوقت الذي يحسب الأصوليون في الجانب الاقتصادي على الفردية المطلقة ، فإنهم على الجانب الآخر يمثلون من خلال الكنائس الأصولية أحد أهم التجمعات عبر العرقية.

وأشار كتاب" بلاكر" بالأصولية إلى كلٍ من الأصوليات المسيحية (البروتستانتية والكاثوليكية) و الإسلامية ، بينما أغفل ذكرالأصولية اليهودية. وأكد على صعوبة وضع تعريف محدد للأصولية فضلًا عن أنه ليس من الإنصاف وضع الأصوليين المسيحيين جميعًا في سلة واحدة . وداخل هذا الكتاب تم تحديد الخصائص الرئيسة للأصولية ومنها: الرغبة في تدريس نظامهم العقائدي بالمدارس ، و التسلطية ،والتمسك بحرفية الكتاب المقدس . و قد فسر أسباب تنامي الأصولية في العالم بشكل عام والأصولية المسيحية تحديدًا في الولايات المتحدة متتبعًا تطورالصحوة الدينية الكبرى ومرجعًا إياها إلى سببين أساسيين : - الفترات التي يعتصرها التغير الاجتماعي ، و – التعطش للإجابات المبسطة.

أما " ميد" فقد اعتبر أن الأصوليين والمسيحيين الليبراليين والإيفانجليكيين ما هم إلا جزء من التيار التاريخي للبروتستانتية الأمريكية ، و أنهم جميعًا قد تأثروا بالجدل الأصولي الحداثي مع مطلع القرن العشرين . وأن الأصولية انقسمت إلى شعبتين إحداهما آثرت الانفصال عن عالم السياسة والثقافة والأخرى سعت إلى الانخراط في عالم السياسة ورأت ضرورة وجود روابط مع جميع دول العالم ، وهؤلاء عرفوا "بالإيفانجليكيين الجدد" أما الآن فيطلق عليهم "الإيفانجليكيين" فقط.

و كان مما ركز عليه" محمد عارف" في بيان تاريخ الأصولية المسيحية بالولايات المتحدة ، التجارب الثلاث للصحوة الكبرى( حركات الإحياء الديني) : الأولى في ق18قبل الاستقلال الأمريكي ، والثانية في ق19 بعد الاستقلال، واللتان كانتا محدودتيِّ التأثير، والثالثة هى الحالية والممتدة و ذات التأثير المتصاعد منذ بدايات ق20 و التي تحظى بالنفوذ والقوة والعمق في المجتمع الأمريكي.

واختصر "مايكل وجوليا كوربت" قولهما في الأصوليين بإشارتيهما إلى أن " القيم التقليدية" هى القاسم المشترك بين أصوليو أمريكا ، و أنها هى الصيحة التي تحشد جماعات الضغط الأصولية في واشنطن ( ومن المعروف أنها تدافع عن الأسرة التقليدية و الدين التقليدي والاستقامة الأخلاقية مقابل مهاجمتهم لانتشار الفن الإباحي ،والإجهاض، ودخول المرأة ميدان العمل ، والحقوق المتزايدة للشواذ ) وأنهم مثل البيوريتانز القدامى ، يودون أن تكون قيم المسيحية التقليدية أساسًا للقانون المعمول به. ويرون أن النخبة الحاكمة - في السلطة والإعلام والمؤسسات التعليمية – تقر سياسات عامة تفتقر إلى قيم الأغلبية ،وأنه قد آن أوان إعادة قيم "الأغلبية الأخلاقية" .

*البروتستانتية: مما يذكره " عادل المعلم" عنها أنها طائفة أو مذهب مسيحي ظهر في ألمانيا على يد القس " مارتن لوثر" 1516، احتجاجًا على الفساد الذي أصاب الكنيسة الكاثوليكية وقتها ويمثل حجر الزاوية فيها المبدأ القائل بإن الكتاب المقدس صحيح كله ويفسر حرفيا وليس مجازيًا ، وإنه لابد أن يتاح لكل مسيحي أن يفسره ، وللبروتستانتية علاقة وثيقة باليهودية ؛ للتشابه الكبير بين سياقات نشوء و حركة كل منهما ، فكما اضطهد فرعون مصر اليهود ففروا إلى أرض كنعان(أرض فلسطين العربية) هاجر بعض البروتستانت (و هم البيوريتانز أو البيورريتانيون) فارين بمذهبهم هذا إلىأمريكا فعتبروا أنفسهم شعب الله المختارالجديد في أرض الميعاد الجديدة . ولعل الجدير بالذكر في هذا السياق مقولة مرجعية لديهم تنسب إلى " لوثر " : "إن اليهود هم أبناء الرب ونحن الضيوف الغرباء"، كما استعادت البروتستانتية مقولات وعقائد العهد القديم مثل: شعب الله المختار،أرض الميعاد ، هرمجدون ،وبات العهد القديم مرجعًا أصيلًا لديهم وصار قيام إسرائيل - وفق هذا المعتقد- بشارة بقدوم المسيح. و عن تيارات البروتستانتية في ق20 يذكرأنها تباينت بين ثلاثة تيارات فرعية: التيار الإيفانجليكي الذي يرى بعصمة الكتاب المقدس و تأويله حرفيًا، و تيارمحافظ لكن لا يأخذ بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس ، و التيار الليبرالي الذي يرى الاكتفاء بخلقيات الكتاب المقدس و ترجمتها في " الإنجيل الاجتماعي " الذي يعني برامج إصلاح المجتمع .

بينما كان تصنيف "ميد" البروتستانتية - إلى ثلاث تيارات فرعية أساسية هم:الأصوليون ،والليبراليون المسيحيون ، والإيفانجليكيون (أي أنه اعتبر الأصولية فرعًا من البروتستانتية كما سبقت الإشارة).

*البيوريتانز / البيوريتانيون: مع تطورات البروتستانتية في أوربا ، ظهرت جماعة شديدة التدين من البروتستانت عام1555 في انجلترا رفضت أي سلطة أورقابة للدولة على الكنيسة ، وطالبوا بتطهير البروتستانتية من كل الطقوس والعبادات غيرالواردة في الكتاب المقدس . و تطورت أفكارالبيوريتانز وحدثت مواجهات عنيفة بينهم و بين الدولة البروتستانتية في انجلترا إبان حكم الملكة إليزابث ، و تعرضوا للقمع و الاضطهاد حتى هاجروا إلى هولندا ثم إلى أمريكا مع مطلع ق17. هذا وفق ماذكره كتاب "عادل المعلم" من التطور التاريخي لهم . و مما ذكره " الزوجان كوربت" إضافة لرؤيتهم أنفسهم شعب الله المختار الجديد، أنهم كانوا شديدي التعصب ولم يؤمنوا بالتسامح الديني ولا بالتنوع ، و كيف رأوا أن الحرية هى بقاء الآخرين بعيدين عنهم . لكن البيوريتانز تآكلوا مع حلول ق18 ليحل محلهم مذهبان دينيان هما : العقلي ، والإيفانجليكي( أو ما سمي بالصحوة الكبرى وقتها) . و رغم دخول قيم قبول التنوع والتسامح الديني للمجتمع الأمريكي ، إلا أن بعض من آثار البيوريتانية بقيت في الثقافة الجمعية الأمريكي، مثل: اعتبار الولايات المتحدة المدينة الفاضلة –مدينة فوق التل – ذات قدر إلهي ومهمة خاصة بأن تكون مثالًا يحتذى به في العالم أجمع . و الأهم أن هذه الرؤية لم تنعكس فقط في فكر الأصوليين و اليمين المسيحي هناك بل ظهرت لدى الليبراليين في مثل خطاب " كلينتون" الافتتاحي 1997حينما قال :" استرشادًا بالرؤية القديمة لأرض الميعاد ، دعونا نوجه أبصارنا إلى أرض ميعاد جديدة"...

و من إشارات "مارسدن" للبيوريتانية يذكرأنها أحد المصادر القوية للرؤى الثقافية الأصولية والتي غالبًا ما اختلطت معتقداتها الاجتماعية بالفلكلورالأمريكي .

*الإيفانجليكيون: ذكر"عادل المعلم" في كتابه مقدمة في الأصولية المسيحية ...،أنهم طائفة من البروتستانت الأصوليين تتمسك بالتأويل الحرفي للكتاب المقدس، و قد بلغت أوج تألقها بالولايات المتحدة في ق19 ، و يبلغ عددهم حاليًا ما بين 40 : 50 مليونًا في الولايات المتحدة . وهم شديدوا الكراهية للإسلام ومن أهدافهم تحويل المسلمين إلى مسيحيين – بل و السعي إلى تحويل المسيحيين من المذاهب المسيحية الأخرى إلى إيفانجليكيين – و قد ابدوا رغبتهم هذه لبوش الابن قبيل احتلاله للعراق بحجة مساعدتهم لتمكين شعب مقهور من حرية العبادة لكن " بوش" رأى وقتها – ربما لاعتبارات سياسية – أن ذلك أمر يجب تأجيل الخوض فيه وأنه من الضروري تهدئة المسلمين، في حين أبدى إعجابه بالدين الإسلامي. واستكمل" المعلم" إيضاحه في مقدمته –كناشر- لكتاب "محمد عارف" : صعود البروتستانتية ...، ذاكرًا بحجة موثقة نقلًا عن جريدة "الواشنطن بوست" في عددها الصادر في 23 يونية 2005 بعنوان " الإيفانجليكيون يبنون قاعدة في بغداد"، ما مفاده أن جهود الإيفانجليكين لم تنقطع - منذ الاحتلال الأمريكي للعراق- في تحويل كل من المسلمين و الطوائف المسيحية إلى المسيحية الإيفانجليكية مما أثار شكاوى زعماء المسلمين و المسيحيين في العراق، فضلًا عن أن الإيفانجليكيين يسعون لإفساد علاقة المسلمين والمسيحيين في العراق.

يذكر "مارسدن" أنه برغم ما قد يبدو على الإيفانجليكية ظاهريًا من كونها حركة أو موجة متميزة ، إلا أنه يمكننا اليوم أن نحدد ما لا يقل عن أبعة عشر نوعًا من الإيفانجليكية ، تتشارك جميعها في الكثير من العقائد لكنها تتنوع من حيث المواقف الموروثة تجاه السياسة والثقافة على وجه الخصوص .



ويقترب "الزوجان كوربت " من الرأي السابق في قولهم بعدم وجود مجموعة متناغمة من الإيفانجلكيين و تعدد دلالات وصف "إيفانجليكي " في الفكر البروتستانتي ، وأنه يتم استخدام هذا الوصف إشارة إلى طائفة من البروتستانت ذوي التوجه المحافظ للدين دون نزعة عدائية، أو أحيانًا انفصالية، كالتي تميز الأصوليين، الذين يؤمنون بوجود أمرإنجيلي بالعمل من أجل الفقراء والمظلومين داخليَا وخارجيًا ( و لعل هذا هو سبب ونتيجة لاحتلال الإيفانجليكيين السود مكانَا متفردًا في المنهاج الإيفانجليكي) . وقد تحالف الإيفانجليكيون مع الأصوليين واليهود في بعض القضايا ، بينما أيدوا كلًا من البروتستانت الليبراليين والكاثوليك في القضايا الاقتصادية و الاجتماعيةو قضايا نزع السلاح و صنع السلام و ما شابهها .



*اليمين المسيحي الجديد: يخبرنا "الزوجان كوربت" بعودة جذوره إلى الحقبة الاستعمارية ، لكنه بدأ في الظهورفي سبعينيات ق20، أسهم في ذلك وجود توجه ديني محافظ يؤكد صوته في السياسة –أي التقاء الدين بالسياسة- وتعددت التفسيرات حول ظهوراليمين المسيحي االجديد منها اللاهوتي و الاجتماعي والسياسي ، وكيف يعتبر إرثًا للخلاف الأصولي الحداثي وما نتج عنه من انقسامات دينية خيمت على الداخل الأمريكي خلال عقد الخمسينيات من ق20 تراجع على إثرها دورالدين في السياسة الأمريكية، ثم عودة الدين بثقل للتأثيرفي السياسة منذ الستينيات فصاعدًا – لعوامل عدة داخلية وخارجية – فظهراليمين المسيحي الجديد وتوسع في السبعينيات والثمانينيات، فضلا عن توثيق صلته بالحزب الجمهوري، وتعمقت أبعاده المؤسساتية وقاعدته الشعبية في التسعينيات ، وحاليًا يتمتع اليمين المسيحي الجديد برسوخ منظماته ورسوخ عضويتها وامتلاك أدوات العصروالقدرة على حشد الأتباع و كسب الانتخابات ، مع بقاء ثوابت مهمة في ممارسته السياسية يأتي على رأسها : تأييد وضع وبقاء الولايات المتحدة القوة العسكرية الأولى في العالم، وهنا تظهر أهم نقاط التماس بين اليمين المسيحي الجديد والعقيدة البيوريتانية التي تأسست الولايات المتحدة على مقولاتها وأهدافها وفي مقدمتها اعتبارهم أن الولايات المتحدة أمة مختارة لتكون مثالًا للحياة الورعة في الدنيا .

وفي فصل أفرده لبيان الصحيح عند اليمين المسيحي الجديد ، يذكر "محمد عارف" أهم خصائص و مميزات ومسارات تطورهذا الرافد من الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة ، ومنها : المرونة و الاستفادة من الأخطاء السابقة ، وفهم آليات عمل النظام الديمقراطي الليبرالي والقدرة على التأثير فيه، وماحققته الحركة من كفاءة في اجتياز منزلقات الاختلافات الدينية التي مثلت نقطة ضعف الأصوليين الدينيين ؛ وذلك لابتكارها صيغة " الحرب ضد عدومشترك" ومن ثم حشدت الكثيرين وراء تحقيق أهداف مشتركة طويلة الأجل.

*الدين المدني الأمريكي :هذا المفهوم ذائع الانتشار والتداول في الداخل الأمريكي يشير" الزوجان كوربت" في بيانهما له ، إلى النموذج الأمريكي في علاقة الكنيسة والدولة ،واللذان يسميانه " نموذج التعاون والمشاركة"؛ نظرًا لتعاون الكنيسة والدولة من أجل تحقيق الأهداف المشتركة بينهما على الرغم من كونهما مؤسستين متوازيتين ومستقلتين عن بعضهما البعض من الناحية المؤسسية. و بشكل عام وأبسط ، وإذا كان أشهر من كتب عنه هو عالم الاجتماع "روبرت بللاه" في الستينيات فنبه إليه عقول عامة الأمريكان ، فالدين المدني كلمة يقصد بها تجسد البعد الديني في مختلف النشاطات و الممارسات العامة في الولايات المتحدة ، وتظهر رموزه ومظاهره في عدد من الطقوس والعادات الأعياد الرسمية للأمة الأمريكية مثل: استهلال الجلسات الحكومية بالصلاة ، استحضار المشاعر و العادات الدينية في الأعياد القومية ، الأغاني الوطنية مثل "فليبارك الرب أمريكا" ، بعض العبارات الدينية المكتوبة على العملة الأمريكية ، وأن بقاء مثل هذه العبارات يعني أن الدين المدني يعد نوعًا من "الكنيسة الرسمية المرخصة"في الولايات المتحدة.



(2 )- التطور التاريخي للأصولية الدينية في الولايات المتحدة:



في هذا الجزء يتم توضيح تناول الكتب التي بين أيدينا للتطور التاريخي للأصولية الدينية وأثارها على النظام السياسي والمجتمع الأمريكي بشكل عام، ولأن لكل كاتب وكتاب منها توجهه ونظرته فإن مناط التركيز وأسلوب التناول قد يختلف على نحو ما سنرى توًا:

يتميز تناول د/ محمد عارف بتقديمه تفسيراً لأسباب تنامي الأثر السياسي للمد الأصولي البروتستانتي الإيفانجليكي والذي كسر قاعدة الارتباط الطردي بين مدى تحقيق الرئيس لازدهار اقتصادي وميل الأمريكان لانتخاب مرشح حزب ذلك الرئيس، بقول آخر: يُرجع "عارف" أسباب عدم فوز مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات2000 (آل جور) خلفًا عن "كلينتون" إلى عوامل "ما وراء الاقتصاد"، أي عوامل تاريخية اجتماعية دينية في تفسير تمرد ناخبيّ الولايات الجنوبية (وهم الأكثر التزاما دينياً وأخلاقياً) ضد الحزب الديمقراطي نتيجة فضائحه الأخلاقية العديدة، مقابل دعم اليمين المسيحي "بوش الابن".

فيبدأ "عارف" القصة من نشأة البروتستانتية في أوربا وهجرتهم إلى العالم الجديد وقيام المجتمع الأمريكي على القيم الدينية البروتستانتية ثم مولد "الأصولية المسيحية" مع الهجرة الثانية للولايات المتحدة في مرحلة التصنيع واحتدام الجدل "الأصولي ـ الحداثي"، ثم كيف غيرَ الأصوليون استراتيجيتهم استجابة للمد والتحدي الليبرالي عبر توظيفهم شبكات الإعلام لصالحهم وإعداد جيل متدين حتى جاء فوز "إيزنهاور" في 1952، فكان تركيزهم بعدها ولمدة نحو عقدين على القاعدة المعرفية والثقافية لمواجهة الليبرالية، لينطلقوا في السبعينيات داخلين عالم السياسة بثقلهم فكان فوز "كارتر" ( ذلك المسيحي الذي ولد من جديد ) 1976 ودعم الإيفانجليكين الجدد للاقتصاديين الراديكاليين.

ثم كيف وسع الجمهوريون من قاعدة تأييدهم الشعبية بإجتذاب مزيد من المنتمين لجناح اليمين المسيحي وتحالف الإيفانجليكين مع بقية الأصوليين من كافة الطوائف وهو ما تبلور في مؤسسة "الأغلبية الأخلاقية" التي أثبتت فاعليتها في انتخابات الرئاسة 1980 بفوز "ريجان"، لكن ترجيحه لأولوية القضايا الاقتصادية على الاجتماعية والأخلاقية ثم حالة الركود الاقتصادي الذي عانته البلاد، حتى نهاية ولاية بوش 1992، الأمر الذي دفع أغلب الأمريكيين ـ حتى الإيفانجليكين منهم ـ إلى انتخاب المرشح الليبرالي الديمقراطي "كلينتون"، لكن رغم إعادة انتخابه إلا أن الأمريكيين الأصوليين والمتدنيين قد أعيتهم فضائحه الأخلاقية بينما وصل المد الأصولي المسيحي مداه رافعًا "بوش الابن" على أكتافه ليحقق استراتيجية اليمين المسيحي في الولايات المتحدة.

لم يغفل "عارف" تخصيص جزء من كتابه لدراسة المضامين الاجتماعية والاقتصادية للأصولية المسيحية بدراسته لأسباب تركز الأصولية في الجنوب الأمريكي، فقدم بحجج إحصائية إثباتًا لما يعانيه أهالي الولايات الجنوبية من مشكلات عدة مثل: تدني مستوى التعليم، انخفاض معدلات الدخل، ارتفاع معدلات الجريمة.

وكان تناول "مارسدن" مؤكدًا على أن تتبع التطور التاريخي للأصولية البروتستانتية والإيفانجليكية يؤكد ويثبت فرضية مفادها أن التدخل الديني في السياسة لا يُعد خروجًا على التقاليد الأمريكية، بل هو تراث أمريكي أصيل وإحياء لتقاليد قديمة متجذرة في خبرة المجتمع والنظام الأمريكي ففي تتبعه في القسم الأول من كتاب: كيف نفهم الأصولية .. لتاريخ الأصولية في الولايات المتحدة يبدأ تنقيبه التاريخي بفترة حكم الإيفانجليكية (من 1865 ـ 1890) ولجوءها إلى تكوين منظمات تنادى بمثاليات وأخلاقيات الأصولية الإيفانجليكية (مثل رفض شرب الخمور...) وبينما عانت الإيفانجليكية من ذبول في الداخل، أينعت المسيحية البروتستانتية من الخارج وبدأت الدعوة بأن الولايات المتحدة هي أمة مسيحية. أما عن تفسير الكاتب لعوامل ثبات المد الأصولي في الولايات المتحدة ـ والذي يرجعه إلى السيطرة الثقافية للأصولية الإيفانجليكية ـ مقابل اجتياح المد العلماني لأوربا. وأنه على الرغم مما اعتصر الأصولية البروتستانتية عمومًا من أزمة فكرية واجتماعية فيما بعد لحرب الأهلية الأمريكية، وما توالى عليها من عوامل ومظاهر الانقسام على إثر الهجرة الكاثوليكية للولايات المتحدة، وظهور المدن الصناعية الكبرى في مرحلة التصنيع، وانفصال فروع العلوم المختلفة عن تعاليم الكتاب المقدس ، إلا أن البروتستانتية أثبتت نجاحًا في المواجهة. وإن كان على مستوى ظاهري شخصي تمثل في ظاهرة ما أطلق عليهم "مارسدن": "الدعاة النجوم" مثل " فيليب بروكس " و" هنري وارد بيتشر ".

ومع مطلع القرن العشرين تجلى الانقسام بين طائفة "البروتستانت الإيفانجليكين" بين تيارين أحدهما " ليبرالي لاهوتي" والآخر "محافظ" وكان لكل فريق منهما ـ بحركاته الفرعية ـ استجابات مختلفة للتغيرات العلمية والاجتماعية. ثم كيف أطُلقت العلمانية من عقالها مع الولايات المتحدة مع دخول الحرب العالمية الأولى، بينما زادت حدة الانشقاقات بين الكنائس وفي خضم ذلك كله ظهر مفهوم الأصولية Fundamentalism في الولايات المتحدة ـ كما سبق الإيضاح ـ وبروز الجدل الحداثي ـ الأصولي. وهنا يرفض "مارسدن" افتراض البعض انتهاء الأصولية ـ باعتبارهم إياها نتاج "ثقافة الأرياف" ـ مع انتشار التعليم، إذ يرى أن فاعلية الأصولية قد زادت على المستوى المحلي، بل وأن الأصولية قد استمدت قوة في مواجهة التيار الحداثي بتحالف الأصولية البروتستانتية مع أصوليات من معتقدات أخرى، وتنظيم حملات منظمة ضد قضايا وأفكار حداثية مثل "الداروينية" ـ وكيف أحسنت الأصولية استغلال التطورات المتلاحقة ؛ فقد استغلوا ظهور الراديو والتليفزيون منذ الأربعينيات، وكذا ظهور قضايا جديدة في المجتمع ليثبتوا قوتهم رغم ما انتابهم من انقسامات متوالية. ثم كيف اندمج الأصوليون في الحياة السياسية بتأسيس "فالويل" منظمة "الأغلبية الأخلاقية" في أواخر السبعينيات، وعلى الرغم من قدرتهم في اجتذاب أجنحة الحزب الجمهوري الذي تأسس على فكرة تنظيم المجتمع وفق المبادئ المسيحية حتى ويعد دخول "ريجان" البيت الأبيض ظلت الأمور تسير بأقل بكثير مما رمت إليه الأصولية الإيفانجليكية من تصور مثالي لأمريكا المسيحية.

في الجزئين الأوليين من كتاب الدين والسياسة في الولايات المتحدة يتناول "الزوجان كوربت" محورين أساسيين لتطور وأثر علاقة الدين بالسياسة في الولايات المتحدة، أولهما حول الدين والتاريخ مما قبل تأسيس الدولة الأمريكية حيث المستعمرات وهجرة البيورتانيين لها وتعدهم إقامة حكم على أساس القانون إلإلهي عرفانًا بنجاتهم إذا اعتبروا أنفسهم شعب الله المختار الجديد... ثم كيف تتجلى آثار هذه الأفكار في الثقافة الأمريكية عامة وليس فقط لدى الأصوليين حيث ظهرت في خطاب كلينتون الافتتاحي عام 1997 حينما قال: استرشاداً بالرؤية القديمة لأرض الميعاد، دعونا نوجه أبصارنا إلى أرض ميعاد جديدة, ثم بيان أهداف المؤسسين الأوائل فيما يتعلق بعلاقة الفرد والكنيسة والدولة وأن الجميع كانت لديه رؤية للدمج بين الدين والسياسة، لكن اختلفت الرؤى والمذاهب في إعلان الاستقلال في الدستور دون تحديد كنيسة رسمية كحل برجماتي.

وينتقل "الزوجان كوربت" من تناول الإطار الثقافي والديني والسياسي المؤسس للروابط الدينية والسياسة بالولايات المتحدة،ليتناولا آثار الدين والجماعات الدينية على العمل السياسي والحركات السياسية في الولايات المتحدة بعد الاستقلال ثم في الفترة من مطلع تسعينيات القرن العشرين الذي جاء بتغيرات اجتماعية جذرية مثل: حركة الحقوق المعدنية للسود ثم ما تبعها من حركات مماثلة، تداعيات حرب فيتنام على الداخل الأمريكي، التطور التكنولوجي، تعاظم أهمية جماعات الضغط الدينية في واشنطن ... كل هذه التغيرات تتابعت حتى أواخر التسعينيات متضمنة ظهور وتطور اليمين المسيحي الجديد وفق التحولات الثقافية سواء في المجتمع الأمريكي عمومًا أو في داخل جناح اليمين المسيحي, وكيف أن هذه التطورات يتوقع استمرارها في المستقبل, وأن الائتلاف المتزايد بين الجماعات الدينية بعضها بعضا, وبينها وبين الأحزاب السياسية يمثل نمطًا يُتوقع استمراره في النظام الأمريكي, كما يؤكد "آل كوربت" أيضا على ما اعتبراه "حتمية" تتمثل في أن تاريخ وحركة التيارالمحافظ الديني في الولايات المتحدة أكدت على مرونةهذا التيار و قدرته على التكيف ، و أنه يبدوو يتوقع أن يحتل موقعًا جيدًا يؤهله للاستمرار في القيام بدورٍ بارز في الربط بين السياسة والدين في القرن الحادي و العشرين.

وعلي المحور الثاني يتناول "الزوجان كوربت" العلاقة القانونية بين الدين والسياسة في الولايات المتحدة خلال بيان علاقة الدين بالتعديل الأول للدستور في نهايات القرن الثامن عشر بعد حرب الاستقلال, مؤكدين علي أن بند الكنيسة الرسمية الذي أقر عدم وجود كنيسة رسمية للدولة وأن مسألة الفصل القانوني هذه بين الدولة والدين إنما تعني ألا تقدم الحكومة أي دعم للدين علي الإطلاق, بينما أقرت أحكام المحكمة العليا في هذا الصدد على عدم إمكانية تجنب وجود علاقة بين الدين والدولة, فضلًا عن إقرارها أهمية الدين في حياة الناس وفي الشأن العام للأمة الأمريكية, أما البند الثاني من التعديل الأول للدستور والخاص بحرية الممارسة الدينية ، فإنه بمثابة نوع من التوازن الديناميكي يسمح ببقاء دور كبير ومهم للدين في النظام والمجتمع الأمريكي رغم التنظيم العلماني.

هذا وإذا كانت تغطية "عادل المعلم" لهذا المستوى حول التطور التاريخي للأصولية الدينية في المجتمع الأمريكي, قد اعتمدت بالأساس علي كل من كتابي "مارسدن" و "الزوجان كوربت" (اللذان تم استعراضهما آنفًا ) إلا أن تميز تناوله في هذا الصدد تمثل في إفراده فصلًا عن العلاقة الوثيقة بين الأصولية اليهودية والأصولية البروتستانتية (شعب الله المختار, أرض الميعاد, معركة هرمجدون...) ثم في فصل عن الأصولية المسيحية وبيانه- اعتمادا علي آل كوربت- كيف كان الحل الأنسب لدى المؤسسين الأوائل للولايات المتحدة عند اختيار الكنيسة المؤسسة هو ألا توجد كنيسة مؤسسة. أي أن فصل الكنيسة عن الدولة في الولايات المتحدة كان مجرد " استراتيجية برجماتية" لتفادي إثارة القضايا الدينية وسط سياق خارجي متربص بدولتهم الناشئة, أو كما يقول "لونجلي" : "إذا كانت الولايات المتحدة ولدت وهي تعتقد أنها شعب الله المختار, فمن الصعب أن نراها في الوقت نفسه باعتبارها علمانية تماما".





· ثانيا: تأثير الأصولية الدينية على المجتمع والنظام الأمريكي:

لم يقتصر تأثير الدين في السياسة داخل الولايات المتحدة على الخبرة التاريخية بل أمتد مع تطور المجتمع الأمريكي وعوامل تغيره ليعود التأثير الأقوى للأصولية الدينية ليطفو على مجمل أبعاد النظام السياسي والمجتمع الأمريكي .

يتابع "الزوجان كوربت" علاقة الديني بالسياسي في الولايات المتحدة ويتنقلان من الأبعاد القانونية والدستورية التي أقُرت وفق التعديل الأول، إلى جزء آخر يتناولان به علاقة وأثر الدين على الرأي العام. مؤكدين على الطبيعة الملتبسة والناقضة لتوجهات الرأي العام الأمريكي تجاه علاقة الدين بالدولة ، والتي قد تصل إلى حد التناقض سواء بين صفوة المجتمع الأمريكي ( علماء السياسة والدين بالأساس) أو بين فئات العامة مع اختلافات نسبية في معدل الميل لتوجه معين لدى فئة منه. حيث وجدا ثمة ارتباط طردي بين الالتزام الديني والتمسك بحرفية الكتاب المقدس وبين كون الشخص يحمل توجهات محافظة سياسيًا وتجاه القضايا غير الاقتصادية لاسيما في القضايا الاجتماعية. في حين أن الذين هم أقل التزامًا دينيًا (بين البيض) هم أكثر ليبرالية سياسيًا.أما بين الأمريكيين السود، فإن إدراكهم لكل من الدين والسياسية ذات اختلافات عميقة عن مثيلاتها لدىالبيض؛ ذلك وفقًا لاختلاف دور الدين في الخبرة والذاكرة التاريخية والاجتماعية للأمريكان السود .,حيث اضطلعت كنيسة السود بمسئولية الانخراط في تحقيق الحرية الكاملة لهم وتقوية مجتمعهم بإنقاذهم من أسر العبودية ثم من الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية (انخفاض مستويات الدخل والتعليم بينهم). وعليه فقد ثبت الالتزام الديني الأكبر لدى السود سواء مسيحيين كانوا أو مسلمين، وأن المسيحيين منهم أكثرهم بروتستانت وإيفانجليكين. وفي السياسة نجد أكثرهم ديمقراطيين ليبراليين رغم توجهم المحافظ فيما يخص القضايا المجتمعية مثل الإجهاض والصلاة في المدارس العامة.

بيد أن علاقة الديني بالسياسي في الولايات المتحدة لا يكفي لتوضيحها ودراستها دراسة توجهات الرأي العام، ولذلك فقد تناول "الزوجان كوربت" مستويات أخرى. ففي الجزء الرابع والأخير من كتابهما يرصدا نتائج المؤثرات الدينية على السياسة على مستويين: جماعات الدينية باعتبارها جماعات مصالح سياسية موضحين أهداف، ووسائل، وأنواع جماعات المصالح الدينية في الولايات المتحدة ، وكيف تميزت بسمات فريدة ومهمة، وبيان آليات عملها ، مع تركيز خاص على جماعة "الائتلاف المسيحي" الممثلة لتيار اليمين المسيحي الجديد في الولايات المتحدة، ويؤكدان على أن واقع خبرة مشاركة جماعات المصالح الدينية في السياسة في الولايات المتحدة لم يشكل أية خطر أو عقبة في عملها الذي يجمع بين التعددية السياسية والدينية. أما المستوىالثاني من نتائج المؤثرات الدينية على السياسة في الولايات المتحدة فهو الجدل حول دور الدين في الحياة العامة، وقد خلُص "الزوجان كوربت" إلى نتيجة مفادها أن كثيرًا من المنظرين لا يريدون وجود جدار عالٍ مطلق للفصل بين السياسي والديني كما لا يريدون هدم الفواصل بينهما.

ثم يخلُص الزوجان " كوريت " إلى نتيجة عامة لكتابهما تنفي إمكانية الجزم بأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة علمانية أو حتى دينية (بالمعنى الثيوقراطي)؛ بسبب اختلاط عالميِ السياسة والدين فيها منذ ما قبل بداية تاريخها وحتى وقتنا الراهن. فعلى الرغم من أن مؤشرات علمانية الدولة الأمريكية ( مثل: عدم وجود كنيسة رسمية، وعدم تمويل المنظمات الدينية من أموال الضرائب) إلا أن الأمة الأمريكية "أمة دينية" إذ يتغلغل الدين في المجتمع الأمريكي، ولذلك أيضًا عدة مؤشرات ( لعل أكثرها ملاحظة : أن الكتب الدينية هى الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة ، وأن أغلب مواطنيها متدينون).

يتناول كتاب أصول التطرف ... (تحرير : كيبمرلي بلاكر) المخاوف والأخطار التي يراها مجموعة من الليبراليين العلمانيين في الولايات المتحدة على الديمقراطية الأمريكية ومكتسبات التعديل الأول للدستور – الذي أُقر منذ أواخر القرن الثامن عشر - عدم وجود كنيسة رسمية، وحرية ممارسة الشعائر الدينية كما سبق وأوضحنا ، وأن سمة معاداة التعددية التي بحسب رؤى العلمانيين – هى صفة أصيلة في الأصوليين منذ أدعى أسلافُهم أن الولايات المتحدة هى "أمة مسيحية" ، تمثل خطرًا على النظام الأمريكي وأن الأمر قد زاد سوًء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 فيما يتعلق بقضايا العلاقة بين الكنيسة والدولة، والتي منها الجوهري ومنها دون ذلك، أما الأخيرة فيركز عليها الأصوليون لصرف أنظار الناس عن القضايا الجوهرية، ومن ثم فإن حماية لتعديل الأول ليست بالمهمة السهلة خاصة وأن الجهود المبذولة للالتفاف على التعديل الأول يفوق التزام بقية المجتمع بالدفاع عنه. لاسيما وأن هدف اليمين المسيحي – وفق هذه الرؤية – لم يعد يقتصر على إضفاء الطابع المسيحي على الدولة، بل أضحى الأصوليون يرون أن عليهم إلزام من الرب لتحقيق ذلك الهدف. ولا يتوقع أن تتم مواجهة الأصوليين بكفاءة إلا بفهم أهدافهم واستراتيجياتهم ومن أهمها المنظمات مثل: "معبد البناء" و"التحالف المسيحي" الذي كان لديه نفوذ قوي في الحزب الجمهوري بفضل ما يملكه من قدرات إعلامية وتمويلية.

و يخوض الكتاب في أبعاد تأثير أخطار الأصولية على النظام والمجتمع الأمريكي خلال استعراض لذلك الأثر على قضايا محددة مثل: الديمقراطية إذ يرى مؤلفو الكتاب تلهف الأصوليين على السيطرة على عقول الشباب والمجتمع الأمريكي عبر ما يملكونه من وسائل إعلام وتهديدات بالملاحقات القضائية. حيث يضرب المثل بما تمارسه الكنيسة الكاثوليكية من إرهاب ضد أي أراء لا توافقها، ذلك فضلًا عن الغموض الذي يكتنف التمويل الخاص بالمنظمات الأصولية.

ويوضح الكتاب كيف يمثل التعليم هدفًا عرف الأصوليون أهميته فيما يدعم مسعاهم إلى تأييد نظام "الكوبونات الدراسية" الذي يصب في صالح المدارس الدينية على حساب المدارس العامة، علاوة على آلية الحرب الثقافية، وتأييدهم لبعض الرؤساء مثل "ريجان"، بينما يظل الهدف الأساس لدىالأصوليين متمثلًا في رغبتهم في إحلال الحكم الديني محل الديمقراطية. ومن ثم يرى مؤلفو الكتاب ضرورة مواجهة الأصوليين والانتصارعليهم.

وتتجلى أخطار الأصولية على التربية والتعليم، وفق هذا الكتاب، في سعي الأصوليين إلي أدلجة التعليم الذي يتلقاه الأطفال – وهنا يشبه الكتاب الأصولية المسيحية بالأصولية الإسلامية في هذه الجزئية – بهدف إعداد كوادر لا تقيم وزنًا للديمقراطية إلي جانب التسبب في خلق مشاكل كالتعصب وعدم التسامح. كما يتطرق في جانب التربية إلى رؤية الأصولية لطريقة التعامل مع الأطفال، حيث يعزون سلوكهم العنيف ضد الأطفال إلى إقرار الكتاب المقدس بالعقاب البدني. ويستند الكتاب في هذا الادعاء على الأصوليين إلى دراسات تثبت ذلك الأمر. وعلى جانب أخر يشير إلى موقف الأصوليين من بعض القضايا الدراسية كالداروينية والتثقيف الجنسي ومشكلتهم مع دراسة التاريخ إن لم يتفق مع تحيزاتهم، وكيف يؤثِر الأصوليون فرض نظامهم الخاص وأهدافهم باللجوء إلى المدارس الدينية- والتي تزيد فيها احتمالات الانتهاكات – أو اللجوء إلى التعليم المنزلي – الذي يؤدي إلى عدم عمق الخبرة الاجتماعية لدى الناشئة من الأصوليين وقلة مهاراتهم، ومن ثم يكمن الخطر من ذلك كله في جعل أطفال الأصوليين يدخلون عالم الكبار كالعبيد، بحسب زعم الكتاب.

وفيما يخص قضية المرأة فيتناول الكتاب ما تتعرض له المرأة داخل الأسر الأصولية من خضوع، وما تتعرض له الحركات النسائية من عرقلة اليمين المسيحي للمطالبة بالتعديل الذي أجازه الكونجرس الذي يمنع المساواة على أساس النوع.

ويحذر الكتاب من أن هذه المعتقدات يتجاوز تأثيرها الأسر الأصولية ليمتد إلى المجتمع الأمريكي بأسره، وأن موقفهم المحافظ على سبيل المثال من مسألة الإجهاض ينعكس على المجتمع الأمريكي كله بشكل عام. وأن تطبيق معتقدات الأصوليين في المجتمع الأمريكي سيكون له عواقب وخيمة يراها مؤلفو الكتاب متمثلة في: زيادة معدلات الفقر، تدني مستويات التعليم، ارتفاع معدلات الجريمة، ونشوب "حرب قيمية" في الداخل الأمريكي يتصارع فيها كل طرف لفرض قيمه وأخلاقياته. ثم يقدم الكتاب الحل- وفق رؤية مؤلفيه – متمثلًا في "العلمانية". وذلك بوضع برنامج لها تتلخص أهم نقاطه في:1- دعم البحث العلمي.2- دعم المدارس العامة.3- احترام التفكير العقلاني.

ويعتقد مؤلفو الكتاب أن الأصولية قد تتراجع مع خلع بعض أنصارها عباءتها، لا سيما وأن بعض المتدينين يرون فيها خطرًا على الدين نفسه. وفي الأخير يحث مؤلفو الكتاب- علمانيو التوجه- على الانخراط في العمل السياسي لمواجهة الأصوليين، حيث إن الخلاص – بحسبهم – يكمن في الحكومة والمجتمع العلمانيين وإلا ستكون تكلفة الفشل باهظة.
يركز كتاب: مقدمة في الأصولية المسيحية...... لـ عادل المعلم على زاوية أثر الأصولية على اختيار الأمريكيين لمرشح الرئاسة، وأثرها على رؤية الإدارة للمصالح القومية الأمريكية، وعلى توجهات ورؤى رؤساء الولايات المتحدة- فلقد كان فوز" بوش الابن" للمرة الثانية في انتخابات الرئاسة 2004 – وحسبما نشرت مجلة "النيوزويك" الأمريكية في عددها الصادر في 15 نوفمبر2004 والذي خصصت نصفه لتحليل نتائج الانتخابات الرئاسية – بفارق ثلاثة ملايين صوت عن منافسه الديمقراطي "كيري"، وأن غالبية من انتخبوا " بوش" من الملتزمين دينيًا وأخلاقيًا وبالأخص من إلايفانجليكيين. وكانت نتائج استطلاعات الرأي حول اتجاهات اهتمام الناخبين تشير إلي أن 22% من الناخبين وضعوا الأهمية القصوى للقيم الأخلاقية مقابل 19% للإرهاب و15% للعراق. وقد تضمن الكتاب كذلك ترجمة لمقالة مطولة نشرتها مجلة "دير شبيجل" الألمانية في 17/2/2003 ، أي قبيل الغزو الأمريكي للعراق , أكدت هذه المقالة على ربط "بوش الابن" بين المصالح القومية الأمريكية والأصولية على نحو غير مسبوق في الولايات المتحدة، وإن لم يكن هو مبتدعه, حيث سلك سابقوه ذات المسلك بأشكال تبدو مختلفة لكن جوهرها واحد, وعلي سبيل المثال حاول "كارتر" (ذلك الإيفانجيلكي المتدين) تقديم مؤقت لسياسة نشر حقوق الإنسان على سياسة المصالح, كما يوضح "المعلم" في ختام كتابه بشكل تفصيلي التوجه الديني لدى كل من "كارتر" و "ريجان" ثم "بوش الابن", وخلص إلى أن بوش لا يُمثِل استثناءً عن القاعدة بل هو ابن السياق الأمريكي؛ إذ يرى الأمريكان أنفسهم شعب الله المختار الجديد وأنهم - وكما تذكر "مجلة نيوزويك" في تقرير لها في 10 مارس 2003 والذي وردت ترجمته في هذا الكتاب تحت عنوان "بوش والله" – وقتها وصفهم كاتب بريطاني "أمة بروح الكنيسة" يبدو كل رئيس من رؤسائها في بعض الأوقات كراعي الكنيسة, إلا أن إدارة بوش الابن تبدو هى أكثر الإدارات الأمريكية - في التاريخ الحديث -تأسيسًا على عقيدة دينية راسخة, يؤيدها في ذلك قساوسة الحركة الإيفانجليكية الذين يشكلون غالبية أعضاء الحزب الجمهوري.



*ثالثاً: الدين والسياسة الخارجية الأمريكية:

يُسهم الدين في تكوين أفكار ورؤى الأمريكيين عن العالم حولهم وعن مهمة الولايات المتحدة في العالم، كما يؤثر في استجابتهم لما يحدث خارج بلادهم انطلاقاً من رؤيتهم لأنفسهم كأمة مختارة، وكثير ما تسترشد الأحزاب الأمريكية بالمبادئ الدينية لدعم السياسة الخارجية.

فيأتي كتاب: بلد الله.........لـ " والتر راسيل ميد" ليرسم خرائط التيارات البروتستانتية بالولايات المتحدة( الليبرالية المسيحية، الإيفانجليكية والأصولية) وكيف أثرت رؤية كل منها للعالم ولدور الولايات المتحدة في العالم الخارجي في السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك إيماناً من صاحب الكتاب في أن الاختلافات اللاهوتية يكون لها تبعات سياسية. وغنيٌ عن البيان أنه ركز علي البروتستانتية لاعتبارها عقيدة الأغلبية في الولايات المتحدة. وقد تمثلت الاختلافات بين تلك التيارات البروتستانتية- وفق تصنيف المؤلف- حول رؤية العالم والسياسة الخارجية فيما يلي :

1- الأصوليون :

لهم رؤية متشائمة إزاء إمكانية قيام نظام عالمي مستنير وسلمي. إذ وضعوا الكتاب المقدس في مرتبة عالية وطالبوا بفصل المؤمنين أنفسهم عن العالم غير المسيحي، ووجهوا اهتمامهم لما يتعرض له المسيحيين في الخارج من اضطهاد. كما كانوا من قبل ضد إقامة" الأمم المتحدة" ،إلى جانب التزامهم بسفر الرؤيا فيما يخص نهاية العالم.

2- الليبراليون المسيحيون:

تفاءل الليبراليون بشأن قيام نظام عالمي مسالم ورأوا الفروق بين المسيحيين وغيرهم بشكل أقل حدة . بل رأوا أن المسيحية هى دعوة بالداخل والخارج، حيث إن الأخلاق واحدة بالعالم. وقد هيمنت هذه الرؤية على المنظور السياسي الدولي بالولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، لكن الليبرالية المسيحية قد واجهت في السنوات الأخيرة خطر الذوبان في العلمانية والانفصال عن المسارات الدينية.

3- الإيفانجليكيون:

وقد مثلوا اتجاها وسطًا؛ً إذ تأثروا بتفاؤل الليبراليين إزاء إقامة نظام عالمي سلمي ورأوا ضرورة تطوير رؤية مسيحية عالمية، وعلى جانب آخر اتفقوا مع الأصوليين حول أولوية العقائد علىالأخلاق ، ويؤمنون بنبوءات الكتاب المقدس حول نهاية العالم ورؤى ما قبل الألفية.

ويمكن القول إن ما يجمع التيارات الثلاثة - على الأقل رسميًا - هو إظهار مشاعر الحب و الرحمة تجاه كل إنسان مسيحيًا أم غير مسيحي.

وينوه الكاتب إلى ما يحدث من تغير في موازين القوى الدينية. الأمر الذي يؤثر علي السياسة القومية الأمريكية وبالتالي السياسة الخارجية, فعلى سبيل المثال وصلت عضوية الكنائس الليبرالية إلى ذروتها في ستينيات القرن العشرين إلا أنه بين عامي 1960-2003 قام المعمدانيون الجنوبيون بضم أعضاء جدد إليهم حتى فاق عددهم غيرهم من الطوائف.

وقد كان لهذه الاتجاهات أثرها على السياسة القومية حيث حصل " بوش" علي 68% من أصوات الإيفانجليكيين في انتخابات الرئاسة عام 2000 وارتفعت النسبة إلى 78% في انتخابات 2004.

وقد كان لهذا النفوذ المتنامي للإيفانجليكية أثره على السياسة الخارجية الأمريكية وقد تجلى هذا في موقفهم من عدة قضايا كالأتي:

1- الدفاع عن حقوق الإنسان وإن لم يتبعوا الأجندة الليبرالية بل كانت الحرية الدينية هى محور اهتمامهم. ويُوجِه الكاتب في هذا الصدد الشكر للإيفانجليكيين لجعلهم " الكونجرس " يمرر " قانون الحرية الدينية العالمية "خلال عقد التسعينيات .

2- تُعد السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل منطقة أخرى يظهر فيها النفوذ الإيفانجليكي وهو ما يُرجِعه الكاتب إلى اللاهوت الإيفانجليكي من رؤية منفردة لدور الشعب اليهودي، ولذلك فإن أي نقد يوجه لهذه السياسات إنما يزيد الإيمان الإيفانجليكي. هذا على عكس الليبراليين المسيحيين الذين يتعاملون مع الشعب اليهودي كأي قومية أخرى.

ويُحاوِل الكاتب تبديد الخوف أو الرعب من السيطرة الإيفانجليكية - الذي تزايد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تحسبًا لمطالبة الإنفاجليكيين بحرب مقدسة ضد الإسلام - بحجة أن التعدد الديني بالولايات المتحدة يجعل من الصعب على أي تيار منفردًا أن يفرض سلطته. في حين يؤكد وجهة نظره في هذا الصدد بأن التصريحات المعادية للإسلام صدرت من بعض القادة الأصوليين وأنه تم لومهم على ذلك. ويرى الكاتب أيضًا أن الخوف من أن تحبس الإنفانجليكية الولايات المتحدة داخل قوالب جامدة هو مضيعة للوقت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة   الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة Emptyالإثنين مارس 04, 2013 2:00 pm


ويؤكد "ميد" أن الإنفاجليكيين يمكنهم الاتصال بغيرهم فهم قد عملوا مع الكاثوليك ضد الإجهاض وتعاونوا مع اليهود والعلمانيين لدعم إسرائيل ويمكنهم التواصل الآن مع المسلمين علي خلفية القضايا المشتركة كالفقر وأفريقيا كما تواصلوا معهم سابقًا عبر المستشفيات والمدارس التبشيرية.

ويُرجِح الكاتب أن يولي الإنفاجيليكيون مزيداً من التركيز على الاستثنائية الأمريكية والجوانب الأخلاقية بالسياسة الخارجية الأمريكية. فهو يراهم مؤهلين للتعامل مع متاهات الموقف الدولي في هذا العالم الشرير.



ولعل الخطوة الشجاعة للقس" مايكل بريور" في كتابه" الكتاب المقدس والاستعمار" والتي تُوضِح كيف تعتبر أهم استراتيجيات الاستعمار توظيف نصوص الكتاب المقدس حول تراث الأرض بتأويلات حرفية تنتفي معها المصداقية الأخلاقية. وأن استراتيجية إدارة "بوش الابن" التي توظف الكتاب المقدس تحت شعار التحرير وتحقيق مهمة إلهية في الأرض. وتضيف – وفق ما ذكر -إلى دوافع تأليفه هذا الكتاب دوافع لإعادة نشره وطبعه للغات أخرى لتدعوا لكشف ذلك التستر في عباءة الدين لخدمة أشكال القمع والإذلال للشعوب الأخرى وتدمير ونزع كل ما هو إنساني جراء الاستعمار، لاسيما مع عودة مفهوم الاستعمار التقليدي على يد السياسة الخارجية الأمريكية في العالم ما بعد 11/9، إضافة إلى الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين المدعوم من الولايات المتحدة. إذ تأتي شهادة القس" بريور" صارخة ومعلنة عن ضرورة تعديل زاوية ومدخل دراسة المتخصصين والباحثين في الكتاب المقدس أو كما يقول" بريور": رؤية نصوص الكتاب المقدس من وجهة نظر الضحايا "بأعين الكنعانيين " - والكنعانيون هنا لا تشير إلى العرب والفلسطينيين وحدهم، بل تشير إلى كل الشعوب الأصليين الذين أُذِلوا وشردوا من جراء توظيف الاستعمار للكتاب المقدس، الكنعانيون إذن هم: الهنود الحمر، الأفارقة في جنوب أفريقيا، الفلسطينيون والأفغانيون والعراقيون...) وذلك على عكس ما اعتادت عليه دوائر البحث اللاهوتي الغربي من ترك مساحة كبيرة للرؤى الصهيونية، وإهمال المسألة الأخلاقية في التأويلات الكتابية الأوروبية والأمريكية. هذا وإن كان إنجاز دراسات نقدية وتصحيحية في هذا الصدد يحتاج إلى مشروع أو مشروعات بحثية تجمع عدة تخصصات، فإن على كل باحث لاهوتي أمين أن يعتبرها واجبًامعنويًا علىالمستوى الشخصي.

وخلال استعراضه لموضوع الأرض في نصوص الكتاب المقدس( وبالأخص أسفار: التكوين والخروج والتثنية والعدد ويسوع واللاوين) يوضح نقاط الغموض والالتباس التي اكتنفت طريقة تفسير استقرار بني إسرائيل على أرض كنعان( فلسطين) مما افرز ومازال يفرز عواقب وخيمة حول دلالات ومضامين مفاهيم مثل: الله، علاقة الله بشعب إسرائيل وبشعوب أخرى كالكنعانيين، وعدم وجود وجهة نظر واحدة متناسقة حول موضوع" الأرض" في الكتاب المقدس.

وأن مفسري الكتاب المقدس من اليهود والمسيحيين لم يكونوا مهتمين بمسألة الأرض إلا مؤخرًا( السكوت عنها لمدة ما يقرب من عشرين قرنًا!) وأن أسباب هذا الاهتمام الحالي بالأرض واضحة للغاية- على حد تعبيره- حيث بات مستقر في أذهان اليهود والمسيحيين الصهاينة أن الكتاب المقدس يعطي الحق لقيام ثم بقاء إسرائيل، وصار أي تيار فكري لاهوتي يحاول دراسة خطورة هذه الأفكار يواجه بمعارضة فورية.

أما عن خبرة الثلاثة نماذج من الاستعمار التي وظفت النصوص المقدسة ، والتي فصل الكاتب في بيانها بحجج تاريخية واستشهادات لرجال دين ولضحايا كثيرين، فإن لسان حال شعوب الأصليين الذين تم تشريدهم وارتكاب جرائم إبادات عرقية وجماعية ضدهم ( وهم الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية والأفارقة في جنوب أفريقيا والفلسطينيون على أرض فلسطين العربية) جميعهم يردد مع شاعر المايا اللاتيني بيت شعره الذي استشهد به" بريور": "لكي يسمحوا لوردهم بالعيش ... اتلفوا ورودنا وابتلعوها".

ودون إغفال من الكاتب لاختلافات السياقات التاريخية والاجتماعية لكل نموذج من النماذج الاستعمارية الثلاثة، فإن النماذج الثلاثة جميعها- مثلها مثل نموذج العراق وأفغانستان معهم الآن- تشير إلى خدمة استغلال الشعوب وإذلالهم باسم الكتاب المقدس وتقسيمهم طبقًا للعرق إلى من هم شعب الله المختار ومن يستحقوا اللعنة أبد الدهر. واستغلال قوى الاستعمار وتسخيرها لمجالات بحثية لصالحها مثل التاريخ والأنثروبولوجي لبناء أساطير من قبيل" أسطورة الأصول" التي انبنىعليها الفصل العنصري( الأبارتهيد)، و جوهرها هو ذاته ما سعى إليه" هرتزل"، مؤسس الصهيونية ، لإنشاء دولة يهودية خالصة تتماشى مع هويتهم اليهودية .

هكذا إذا كان للاستعمار الصهيوني خصائص يشترك فيها مع غيره من أشكال الاستعمار، فإن أهم ما يميزه أن أغلب المراجع اللاهوتية المتخصصة- في المذهب البروتستانتي والايفانجليكي اليانع في الولايات المتحدة والحاكم لنظرتها للعالم الخارجي بالأساس- تؤكد علي أن قيام إسرائيل( اتحاد الأرض والشعب) يسهم في دفع العالم في اتجاه مملكة الله، وان ما تقوم به من استيطان وسرقة وانتزاع أراضي أهل فلسطين والعدوان عليهم إنما هو بمقتضى أمر الهي!...، منتهيًا إلى أن إنجازات الصهيونية المقدسة( المزعومة)- مثلها مثل الاحتلال والتدخل العسكري في دول أخرى لأسباب مزيفة ومزعومة- تظل ملطخة بقائمة من الأعمال الوحشية والنفي والتدمير والتعذيب ضد الشعوب الأصليين.

يوضح الأستاذ "عادل المعلم" في كتابه: "مقدمة في الأصولية ..." كيف أن رؤية رؤساء الولايات المتحدة للعالم ولمهمتهم ومهمة بلادهم في العالم لا تنفصل عن رؤية الأمريكان لبلادهم باعتبارها " بلد الله" الذي عليه مهمة جلب السلام للعالم من خلال الحرب، وأنه وفق هذه الصبغة المسيطرة على السياسة الخارجية الأمريكية ذهبت إدارة بوش تروج لعدوانها على العراق وفق إدعاءات مزعومة من علاقة صدام ببن لادن إلى حوزته أسلحة دمار شامل...، ومن ثم رأى" بوش" أن الحرب علىالعراق هى" حرب عادلة" وفق مصطلحات كبار مفكري المسيحية( لوثر، كالفن، توما الإكويني)، ولم يكن" المعلم" في هذا مدعياً أو متحفزاً؛ لأن هذا ما ورد في مقالتين أولهما- كما سبق وأشرنا- من "النيوزويك" والأخرى من مجلة ألمانية تم ترجمتهما في هذا الكتاب، وكلاهما تضيف إلى ما سبق بيان لسيرة "بوش الابن" الذاتية، وكيف تحول من سكير وفاشل عمليًا إلى ما يسمى: "مسيحي ولد من جديد" يرى نفسه محملًا بمهمة ربانية لمحاربة محور الشر في العالم رافعًا شعار" من ليس معنا فهو ضدنا"، ذلك الشعار الذي يمثل مبدأ حاكمًا في العقل الجمعي الأمريكي لا سيما الأصولية واليمين المسيحي بالأساس. أكد ذلك ما خطه بوش بيده في مذكراته المعنونة بـ" مهمة للأداء: لأحقق إرادة خالقي" والتي يؤكد فيها علىأن سعيه لأن يكون رئيسًا للولايات المتحدة ونجاحه فيه إنما كان تحقيقًا لخطة إلهية تكلف بها واستدعاه الرب لها.

كذلك يرى الأمريكيون أنفسهم بأنهم أمة محملة بمهمة إلهية في العالم.فمنذ هجرة "البيورتيانز" إلى العالم الجديد وإقامتهم حكمًا ذا طابع ديني في أمريكا وفقًا لما عاهدوا الرب عليه إذا أمنهم في الوصول إلى العالم الجديد، اعتبروا أمريكا " مدينة فوق التل" أي مدينة فاضلة وفق مجاز الكتاب المقدس، واعتبروا أنفسهم يحملون مهمة خاصة ونموذجًا يجب احتذاؤه في(من قِبل ) سائر العالم . وهذه هى ذاتها الأفكار التي أعيد إحيائها في تسعينيات القرن العشرين في فكر اليمين المسيحي الجديد في الولايات المتحدة.

ولا يظن أن علاقة الدين بالسياسة الخارجية- وفق الطرح السابق- أحادية الاتجاه، بقول آخر: قد تأثرت الطوائف المسيحية بالولايات المتحدة إثر تدخل الولايات المتحدة في الحربين العالميتين، وبالأخص طائفة " البروستانت البيض" التي لم تتعافى من هذه الآثار إلا بعد الحرب الثانية؛ حيث بدت هذه الطائفة بعدها كما لم تكن عليه. من جهة أخرى كان للدين دور في التعبئة لصالح دخول الولايات المتحدة الحرب؛ حيث اعتبروا الحرب العالمية الأولى حرب الحضارة المسيحية( حرب صليبية جديدة)، أما الحرب العالمية الثانية فقد أيدتها الطوائف الدينية باعتبار الحلفاء كانوا يخلصون "يهوذا" من الأتراك وأن على الأمريكان دعم قيام إسرائيل.

هكذا يؤكد" المعلم" على أنه لا يوجد ثمة شك في تأثير الدين في السياسة الخارجية الأمريكية ليس فقط في حالة وجود إدارة يمنية كإدارة بوش الابن، ولكن حتى مجيء رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض لا يعني البتة انعدام تأثير أو وجود تيار قوي من اليمين المسيحي المحافظ أو الأصوليين المسيحيين في الولايات المتحدة، ولا يعني تراجع تأييد أمريكا لإسرائيل، فقد كان " كيري"( المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية السابقة أمام بوش الابن) يؤكد علي تأييده لإسرائيل في كل فرصة تسنح له، وأنه رغم تعدد التفسيرات حول ذلك إلا أن التفسير الأكيد أن" كيري" تأثر- مثل غيره من الأمريكان- بالثقافة السائدة فيما يخص شعب الله المختار والأرض الموعودة وعودة المسيح، كما يوضح التأثير الأعظم للإيفانجليكيين على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط - وذلك اعتمادًا من المؤلف هنا على كتاب" مارسدن": كيف نفهمالأصولية... - حيث برز دورهم في الخمسين سنة الأخيرة في توسيع القاعدة الشعبية لدعم إسرائيل وبشكل ثابت وغير قابل للتحول، و قناعتهم بأن إسرائيل سوف تلعب دورًا محوريًا فيما يسمونه" خطة الله الخاصة بالآخرة"، ولهذا الاعتقاد شعبية جارفة في الداخل الأمريكي. ثم يختم" المعلم" متسائلًا:" أين وجودنا نحن- العرب و المسلمين - من كل ذلك؟!".





* رابعاً: الدين وسياسة الولايات المتحدة تجاه العالم العربي والإسلامي:



تؤكد الخلفية التاريخية للولايات المتحدة وشعبها تغلغل كثير من قيم الأصولية اليهودية في عقلهم الجمعي، يوضح ذلك ويفسره ما ذكره كتاب أمريكان بالأساس حول ذلك فيما استعرضناه في المستويات السابقة من هذا العرض، والتي يجمعها ويلخصها" عادل المعلم" في توضيحه للأساس النظري الذي يحكم نظرة الأمريكان لليهود مقابل نظرتهم للعرب والمسلمين، والتي ترتكز علي مقولات العهد القديم التي تحكي القصة الشهيرة لولدي سيدنا نوح:" كنعان" و" سام"، إذ ترى الأول "كنعان" (أبو العرب) استحق اللعنة وأن يكون هو وبنيه عبيدًا "لسام"( أبو اليهود) وذريته ، فضلًاعن المقولات الخاصة بوعد الله بني إسرائيل بأرض الميعاد( فلسطين حسب زعمهم) واعتبارهم أن الله قد حثهم على قتل غيرهم من الأمم وتدمير ما يدخلونه من مدنهم ...، ثم كيف كانت إقامة دولة إسرائيل التطبيق العملي لتلك المقولات، مقابل اعتبارهم أن العرب والمسلمين ما هم إلا همج ملعونون لا يستحقوا الرحمة.

من زاوية أخرى يقترب د/ محمد عارف، في كتابة: صعود البروتستانتية...، من علاقة وأثر الأصولية علي السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامين، والتي بدأها بتوضيح ذات الحقائق الثابتة لديهم عن العالم عمومًا والإسلامي بشكل خاص، ثم ينطلق لينتقد الرؤية الصراعية لعلاقة الإسلام بالمسيحية واليهودية، ويطرح رؤيته حول كيفية مقاومة ودفع العالم الإسلامي في التعامل مع السياسة الخارجية الأمريكية بما تحمله من تأثير طاغٍ للأصولية المسيحية عليها. هذا الطرح الذي استغرق كتاب" عارف"يستحق مزيداً من التفصيل والبيان علي النحو التالي:

يذهب الكاتب تحت عنوان:" الأصولية والعالم الإسلامي" إلى بحث العلاقة بين الأصولية والعالم الإسلامي والتي يناقشها من خلال الإشارة إلى رؤية العالم عند الأصوليين بشكلٍ عام والتي هي نتائج عقيدتهم كاعتقادهم بأن نهاية العالم وشيكة واقتراب هرمجدون. وبعد أن فشلت تلك النبوءات الدينية جاء الإحياء العلماني لها في أطروحة" صدام الحضارات". وقد جاءت أحداث 11 سبتمبر لتؤجج نيران الغضب تجاه الإسلام إلا أن د/ عارف لا يغفل مسئولية العالم الإسلامي. كما يشير عارف إلى أن رؤية الأصولية للعالم لا تقوم علي مجرد صراع وإنما حرب عالمية استناداً إلى تأويلات معينة للكتاب المقدس دائماً ما تتغير مع الوقت كتغير ازدواجية موقف" لوثر" من العبودية والقول بأن الكتاب المقدس يدعم التمييز العنصري. ويميز الكاتب بين نموذجين لتفسير الكتاب المقدس:الأول، يركز علي نظرية المؤامرة . والثاني، يقوم علي الشغف بفك شفرات الكتاب المقدس.



وحول " رؤية الأخر" ، التي يراها الكاتب أمرَا أساسيًا عند مناقشة أي عقيدة مختلفة، فيراها قد تميزت في أغلب الأحيان بالطابع السلبي منذ فجر التاريخ بداية ، في مثل: موقف فرعون مصر من اليهود وموقف الرومان من المسيحيين ويوضح الكاتب كيف كان موقف الإسلام من اليهود والمسيحيين إذ لم يكن الأمر مقصوراً علي الحرية الدينية بل الإرتقاء في السلم الاجتماعي وكيف يختلف عن نماذج أخرى كتصريحات بعض الإيفانجليكيين المشبعة بالكراهية ضد الإسلام والتي لا يراها معبرة عن الغرب برمته.

وبناءً على ما سبق ينتقد أطروحة" هنتجتون" ( صدام الحضارات)ويضع في المقابل نموذجًا قائمًا على البنية الواضحة للعلاقات "عبر الحضارية". وجدير بالذكر أن الكاتب يرفض الافتراض الاحتياج الأمريكي لدول البترول ويرى أن الولايات المتحدة قادرة علي إيجاد بديل. كما يرجع عدم اهتمام صانع القرار الأمريكي بالعالم الإسلامي إلى " فقدان الرؤية المشتركة".

ويشبه الكاتب العلاقة بين الحضارات والتي أصبحت قائمة علي الخوف بحالة الخوف من الاستثمار التي انتابت المستثمرين أثناء الكساد الاقتصادي العالمي ويري أنها تحتاج إلى" اتفاقية جديدة" كتلك التي تقدم بها" روزفلت" لتشجيع الاستثمار وكسر حاجز الخوف. لذلك يقدم د/ عارف رؤية بديلة تتمثل في" التطور الخلاق" حيث يرفض المنهجية الصراعية لهنتنجتون ويضع في مقابلها تصوره عن " التطور الخلاق" الذي يضمن التعلم الإنساني من خلال الإرشاد الإلهي والتجربة الإنسانية. ويُلاحَظ أن الكاتب يعود وينقد فكرة الأمريكتين التي قال بها في موضع سابق من كتابه، انطلاقًا من رفضه لفكرة/ منهجية الصراع.

ويختم الكتاب بفصل يناقش: مستقبل المسلمين" انطلاقاً من حاضرهم إذ يري الكاتب ضرورة عدم الوقوع في أسر" نظرية المؤامرة". كما ينبه إلى ضرورة تطوير المسلمين فهماً علمياً للمجتمع الأمريكي وكيفية تأثير الأصولية المسيحية في السياسة الخارجية الأمريكية مما يستلزم تأسيس برامج ومؤسسات بحثية متخصصة. ويحدد الكاتب عدة عوامل تساعد في فهم أفضل للغرب أهمها:1- فهم طبيعة الديمقراطية الغربية.2- الابتعاد عن ردود الفعل المتطرفة.3- استشفاف كيفية عمل وسائل الإعلام الغربية.

ويفترض د/ عارف عدم وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما إذا كان هذا سيجعل الحضارة الإسلامية مزدهرة أم لا. إلا أنه يري أن الواقع يثبت عدم قدرة المسلمين حل صراعاتهم سلمياً وبالتالي فليس التدخل الخارجي هو ما أدى إلى العنف.

أيضاً يؤكد الكاتب علي خطورة تدهور الأوضاع الاقتصادية التي تجعل العالم الإسلامي أرضاً خصبة للإرساليات التبشيرية التي تكون مواجهتها بعدم خلق الأحول التي تجعل جماهير المسلمين هدفاً سهلاً لها. كما يحذر من عواقب الاستخفاف بقضايا الإرهاب الذي يستهدف الدخل الإسلامي كما يستهدف العالم الخارجي. ويقدم في المقابل" ماليزيا" كنموذج يجب أن يُحتذي ويحث المفكرين الإسلاميين علي استغلال الضغوط الأمريكية علي النظم لتحقيق الديمقراطية الحقيقية.

ويشير كذلك إلى أهمية دور المسلمين بالولايات المتحدة سواء كانوا أمريكيين أم لا إذ عليهم التكيف مع الديمقراطية الأمريكية ليكون لهم دور أكثر فاعلية بما يسهم في تذويب الصورة النمطية عن المسلمين.





*علي سبيل الختام :

يمكننا الآن استجلاء بعض النتائج والملاحظات حول علاقة الديني والسياسي في الولايات المتحدة في إطار ما تم طرحه من تساؤلات حول هذه الإشكالية في مقدمة هذا العرض المقارن.

لقد اقتربت مجموعة الكتب المتناولة في هذا العرض في تأكيد كل منها على وثاقة علاقة الديني بالسياسي في الولايات المتحدة وتداخلهما سواء على مستوى السياسات الداخلية أو الخارجية، ذلك وفقًا لما قد بينه كل كتاب من حجج تاريخية وسياسيةو اجتماعية لهذا الترابط بين السياسي والديني ، مع اختلاف نسبي بينهم في مدى تنوع حجج أخرى من قانونية دستورية و دينية و فلسفية وإحصائية.وكيف أن كل ذلك جاء تأكيداً على تنوع شكل العلاقة بين الديني والسياسي في الولايات المتحدة؛ فكما هو الدين موضوع للسياسة وفي قلب اهتمامها( مثل: التعديل الأول للدستور، وحركة الحقوق المدنية...) هو أيضًا أداة لها يستخدمها السياسيون لتبرير وترويج سياساتهم الداخلية و الخارجية، فضلًا عن كونه محركًا للسياسة( مثلما يتجلى في الدعم الأمريكي لإسرائيل، واعتقاد اليمين الديني والأصوليين في حتمية قيام حرب حضارية" هرمجدون"...).

وعن تفسيرات البروز القوي للدين وللأصولية الدينية واليمين المسيحي الجديد في سياسة الولايات المتحدة سواء داخلياً أو خارجياً وبالأخص تجاه العالم العربي والإسلامي، فإنها تفسيرات عدة ومتعددة الأبعاد تناولها بعض أصحاب الكتب الماثلة في هذا العرض باعتبارها عملية إحياء للتراث الأمريكي( مارسدن)، والبعض الأخر اعتبرها أمرًا طبيعيًا عند محاولة الفهم الدقيق لطبيعة وآليات عمل النظام الأمريكي( عارف)، بينما حاول آخر الوقوف علي جزء من الأسباب مثل: انفراد الولايات المتحدة كقوة عظمى على قمة هيكل النظام الدولي وموافقة ذلك لرؤى اليمين المسيحي الجديد بضرورة تفرد الولايات المتحدة كقوة عسكرية عظمي في العالم( كوربت)، أو حتمية دعم أمريكا لإسرائيل وحتمية وقوع" هرمجدون" ( كلٌ من:" المعلم" و" بريور").

لكن الأمر الذي يبدو أكثر أهمية من تفسير ذلك الصعود بالنسبة لنا كعالم عربي- إسلامي هو: مآل هذا التأثير العميق للدين في السياسة الأمريكية، ومدى استمراريته ولعل إجابة:"آل كوربت" عن هذا السؤال كانت واضحة في سياق هذا العرض.

تبقى ملاحظة أخيرة ، حيث خصت الكتب السبعة التي تناولناها في هذا العرض مفهوم الأصولية “ Fundamentalism” بالذكر والبيان ضمنًا أو مباشرة في متن أو عنوان كلٍ منها، لكن المعنى الذي اعتمده هؤلاء المؤلفين لمفهوم" الأصولية"- وكما وضحنا في جزء المفاهيم في المحور الأول من هذا العرض- إنما يشير إلى خبرة المجتمع الأمريكي والبروتستانتية الأمريكية والذي يختلف تمامًا عما تشير له دلالات ومضامين الكلمة في المعنى والخبرة الإسلاميين. وهذا ليس مجرد زعم يزعمه باحث أو قارئ مسلم لهذه الكتب وإنما يؤكده أيضًا ما ذكره" جون إسبوزيتو" في كتابه:" التهديد الإسلامي خرافة أم حقيقة" في هذا الصدد إذ يقول:" إن فهمنا ومفاهيمنا للأصولية متأثرة كثيراً بالبروتستانتية الأمريكية"، وكيف صارت كلمة" أصولي" كلمة تحط من قدر المرء وتدينه(...)وأن" النظرة الشعبية" والصورة النمطية لهذا الوصف تشير إلى أولئك الحَرْفيين الذين يريدون أن يعيدوا الماضي ويعيدوا استنساخه، فصار المفهوم مثقلًا بالمزاعم المسيحية المسبقة والأنماط الغربية وبدا يتضمن مغزى التهديد الكلي الذي لا وجود له ( اسبوريتو ص 23: 25). ومن ثم يظهر لنا خطر إسقاط الخبرة الغربية على الإسلامية وتلبيس المفاهيم. بقول أخر :ووفقاً لما أشار له" اسبوريتو" كذلك، يصير مفهوم" الأصولية" في هذه الحالة يتضمن كل المسلمين العابدين الذين يقبلون القرآن باعتباره كلمة الله وسنة النبي محمد - صلي الله عليه وسلمّ - باعتبارها نموذج حياة.
*الهوامش:

([1]) مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت، الدين والسياسة في الولايات المتحدة، ترجمة: مجموعة مترجمين، ط3 ، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية ، 2006، (510 صفحة من القطع المتوسط).

([2]) كتاب الدين والسياسة في الولايات المتحدة أضيف له ملحق خاص عن لمحات مختصرة عن الجماعات الدينية في الولايات المتحدة، والملحق تم فيه تفصيل البيان عن وضع المسلمين هناك.

([3]) جورج م.مارسدن، كيف نفهم الأصولية البروتستانتية والإيفانجليكية، ترجمة: نشأت جعفر، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2005، (177 صفحة من القطع المتوسط).
([4]) كتاب كيف نفهم الأصولية.. ، هو الآخر مزيل بملحق مهم يوضح الطوائف المسيحية والمصطلحات المسيحية، وذلك بالاعتماد على أكثر من مصدر باللغتين العربية والإنجليزية.



([5]) كيمبرلي بلاكر (محرر)، أصول التطرف: اليمين المسيحي في أمريكا، ترجمة:هبة رؤوف وتامر عبد الوهاب، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2005، (426 صفحة من القطع المتوسط).

([6]) عادل المعلم، مقدمة في الأصوليين المسيحية في أمريكا والرئيس الذي استدعاه الله وانتخبه الشعب الأمريكي مرتين، ط2، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2004. (181صفحة من القطع المتوسط).

([7]) الكتاب ملحق بجدول مقتبس من كتاب: "المسيح اليهودي" للصحفي" رضا هلال". الجدول يوضح توزيع الأديان في الولايات المتحدة والمجموعات الكنسية المسيحية والبروتستانتية، ومؤشرات التدين الأمريكي في الثمانينيات والتسعينيات، وكذا قدر استهلاك الإعلام المسيحي في الولايات المتحدة.

([8]) مايكل بريور، الكتاب المقدس والاستعمار، ترجمة: وفاء بجاوي، ومراجعة وتقديم : أحمد الشيخ، ط1، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، يوليو 2006، (211 صفحة من القطع المتوسطة).

([9]) والتر راسيل ميد، بلد الله: الدين في السياسة الخارجية الأمريكية، ترجمة : حمدي عباس ، ط1، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، يناير 2007، (54صفحة من القطع الصغير).

([10]) محمد عارف ، صعود البروتستانتية الإيفانجليكية في أمريكا وتأثيرة على العالم الإسلامي، ترجمة: رانية خلاف، ط، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، يناير 2006، (291، صفحة من القطع المتوسط).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الديني والسياسي في الولايت المتحدة: عرض مقارن لعدة أدبيات حديثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  البيئة والعلاقات الدولية. مفاهيم واقترابات حديثة
» العنف في سياقه المجتمعي والسياسي
» إشكاليات البحث والتدريس فى علم العلاقات الدولية من منظور حضارى مقارن
» أسئلة امتحان مادة النظم القانونية لعدة سنوات -سطيف
» المثقف العربي والسياسي في الوطن العربي تأثير أم احتواء؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ********قسم القراءة في كتاب********** :: (عام)-
انتقل الى:  
1