الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا منذ ثورة يوليو 1952 بين الاستمرارية والتغير

الإثنين, 29 أيلول / سبتمبر 2014

الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا منذ ثورة يوليو 1952 بين الاستمرارية والتغير

إعداد/ د. محمود ابوالعينين
تعاظم الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا مع ثورة يوليو 1952، واتخذ هذا الدور أبعادا جديدة متميزة، وبلغ آفاقا لم يبلغها من قبل، رغم التسليم بقدم الدور المصرى فى القارة، والذى يتزامن مع قدم الدولة المصرية ذاتها، باعتبارها أقدم دولة فى التاريخ المكتوب كما هو معروف وقد حرصت حكومات مصر، رغم مرور خمسين عاما على ثورة يوليو على أن تقوم بدور متميز وتضطلع بمسئوليات على الساحة الأفريقية تتناسب مع روابط مصر الطبيعية بقاراتنا الأفريقية، والمبنية على اعتبارات جغرافية ومصالح وروابط عديدة، يأتى النيل على رأسها، فضلا عن الموقع المؤثر والقدرات البشرية والعسكرية والثقل الحضارى والثقافى، إلى غير ذلك من قدرات واعتبارات تؤهل مصر لكى تكون فاعلا إقليميا مؤثرا فى موازين القوى والاتجاهات السائدة، سواء داخل القارة أو فيما بينها وبين القوى الدولية الأخرى غير الأفريقية ومع الإقرار بأن الدور الإقليمى فى القارة قد تغير، مع الابتعاد عن ثورة 23 يوليو 1952، فى مضامينه وقضاياه، وأولوياته وربما فى أحيان فغير قليلة، ففى ثقله وقوته، إلا أن الحكومات المصرية لم تتخلى عن مسئوليتها واهتماماتها بالمصالح المصرية الكثيفة عى الجانب الأفريقى ومراعاة تجديد طرق الارتباط وتوثيق العلاقات المصرية الأفريقية فى هذا العالم المتغير، الأمر الذى يثير لدينا عدة تساؤلات هامة، لعل أبرزها، بهذا الصدد، يتمثل فى الآتى:
ما هو أثر ثورة 23 يوليو فى الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا؟ وهل يعتبر دورنا الحالى بمثابة امتداد لدور ثورة يوليو، أم أنه يختلف عنه؟ وما هى عناصر الاستمرارية وعناصر التغير؟ وهل يمكن القول بصفة عامة، أن الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا يرتبط بموضوعات أو قضايا معينة أم يقبل التنوع فى القضايا والاهتمامات؟ وهل يرتبط الدور بنخب حاكمة أو مؤثرة فى صنع القرار، أم أنه يمثل تيارا شعبيا ورأيا عاما يملى على الحاكم هذا التوجه أيا كانت طبيعة النخبة الحاكمة وهل يمثل تشعب دوائر الحركة حولنا فى مصر عاملا إيجابيا وخادما لدورنا الأفريقى أم يعتبر على حسابه؟ تلك هى أهم التساؤلات التى تسعى الدراسة للإجابة عليها بقدر ما تسمح به ظروف المساحة المتاحة ومقتضيات الوقت، وذلك فى ثلاثة محاور رئيسية متتالية، يستقل كل محور منها بمرحلة مميزة من مراحل تطور الدور المصرى أو بعبارة أخرى بنموذج من النماذج الرئيسية الثلاثة التى تشكل فى إطارها الدور الإقليمى المصرى فى القارة الأفريقية،
وهى على التوالى:
*المرحلة الأولى للثورة: 1952/1977
حيث يتمثل فيها الدور الإقليمى المصرى فى نموذج أخذ يتبلور باعتبار مصر معقلا للثورة ومحررا من الاستعمار وقائدا إقليميا فى القارة الأفريقية.
*المرحلة الثانية1977 /1997
وهى مرحلة انتقالية اتجه فيها الدور المصرى للتركيز على الداخل، وتبلور فى دور صانع التنمية الداخلية وصانع السلام الإقليمى، كما اختلطت عناصر الدور فى هذه المرحلة لتشمل بعضا من عناصر الاستمرارية فى جوانب وبعضا من عناصر التغير فى جوانب أخرى المرحلة الثالثة منذ عام 1998، وهى تمثل مرحلة جديدة نسبيا فى أغلبها، بحيث أصبح الدور المصرى خلالها يتميز بأنه دور نشط يقوم على التعاون مع النظام الإقليمى الأفريقى، وتضطلع فيه مصر بدور حلقة الوصل بين الأقاليم والنظم الفرعية والثقافات والحضارات وبين القوة المختلفة وأفريقيا ومازالت هذه المرحلة مستمرة أولا: مصر والثورة وأفريقيا 1952 ـ 1977 معقل ثورة ومحرر من الاستعمار، وقائد إقليمى: فى ظل ثورة يوليو 1952، أصبح الدور المصرى تجاه أفريقيا دورا متميزا، وأكثر شمولا وقدرة على التأثير الإقليمى من أى مرحلة أخرى، خاصة فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وإلى حد معين فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وذلك حتى عام 1977 فقبل الثورة، لم تستطيع مصر أن تنهض بأى دور على المستوى الأفريقى رغم الاستقلال الشكلى، الذى تمتعت به منذ عام 1922، وقد كان ذلك أمرا طبيعيا على ضوء ظروف مصر التى رزحت تحت هيمنة الاحتلال البريطانى من ناحية، ومن ناحية أخرى، كانت مازالت أفريقيا كلها تقريبا، ترزح تحت نير الاستعمار، فيما عدا أثيوبيا وليبيريا وجنوب أفريقيا، وتضاف ليبيا عام 1951، وقد ارتبطت مصر مع هذه الوحدات بعلاقات لا تتعدى العلاقات الدبلوماسية والقنصلية العادلة (1).
ولقد انحصر اهتمام مصر بأفريقيا منذ الدولة الحديثة أو عهد محمد على باشا فى سياسة الفتح والتوسع التى اتسمت لها السياسات الدولية والإقليمية عموما فى القرن التاسع عشر، واكتسبت الفتوحات المصرية فى هذه المناطق، التى تركزت على السودان وحوض النيل، وسواحل البحر الأحمر، اكتسبت أهمية خاصة على ضوء المشروعية التى اكتسبتها هذه الفتوحات فى تلك المناطق خلافا للمناطق العربية أو الشرق أوسطية عموما (2) وذلك بحكم وضعية السلطان العثمانى وقيود المسألة الشرقية ودور الدول الكبرى وسيطرة بريطانيا فى شرق البحر المتوسط هذا إضافة ـ بطبيعة الحال ـ
للأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، وخاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، وأهمية مناطق حوض النيل الحيوية للجانب المصرى كما كان يعلمها جيدا كل من محمد على وأولاده وقبل قيام ثورة يوليو، لم تكن مصر تمتلك أى منظور شامل للقارة الأفريقية كقارة متكاملة، على الرغم من وجود بعض الإشارات وبعض الأفكار لدى بعض المفكرين والمثقفين عن أفريقيا باعتبارها وحدة جغرافية (3) لقد انحصرت صورة أفريقيا فى المنظور المصرى على وحدة وادى النيل، أو على الأكثر بعض من أجزاء حوض النيل والقرن الأفريقى (مصر والسودان وأوغندا وأثيوبيا وإريتريا والصومال) (4) بحكم الاهتمام المصرى التاريخى بهذه المناطق، ولكونها فى حوض النيل أو البحر الأحمر كما هو معلوم وذلك رغم ما أبدته مصر من اهتمام ببعض الأقاليم فى الأمم المتحدة فى إطار اللجنة الخاصة بالحكم الذاتى، إلا أن ذلك لم يعنى أكثر من مجرد أن مصر دولة تقع فى أفريقيا أكثر من أى معنى آخر خلاف ذلك ـ
(1) الدور الإقليمى فى ظل الثورة: الظروف والعوامل المساعدة:
ارتبط الدور المصرى فى القارة الأفريقية منذ عام 1952، بعدة عوامل واعتبارات كانت فريدة فى نوعها، وهو ما ساعد أو أهل النخبة الجديدة كى تقوم بدور إقليمى من نوع جديد، ومن أهم هذه العوامل: ـ
(أ) التغير الداخلى فى مصر وطبيعة النخبة الحاكمة الجديدة، فقد استلمت الحكم فى مصر نخبة جديدة فى ظل النظام الجمهورى تختلف بطبيعة الحال عن الأسرة الملكية وحاشيتها، والتى كان ينظر لها غالبا على أنها غريبة عن مصر وأفريقيا أما لأنها ألبانية الأصل، أو أنها ترتبط بالأتراك والشركس والإنجليز فيما بعد فالنخبة الجديدة المتمثلة أساسا فى أعضاء مجلس قيادة الثورة، هى نخبة وطنية وتشعر ويشعر الشعب معها بالانتماء الوطنى، هذا من ناحية أولى ومن ناحية ثانية، كان ثمة ارتباط قوى وملحوظ بين العناصر البارزة فى مجلس قيادة الثورة وبين السودان، ومن ثم أفريقيا فيما بعد، ومن هذه العناصر محمد نجيب وجمال عبدالناصر وصلاح سالم وأنور السادات فعلى عكس الملك فاروق مثلا، الذى لم يزر السودان ولد محمد نجيب بالخرطوم من أم سودانية وكان والده ضابطا بالجيش المصرى هناك كما تلقى تعليمه الابتدائى فى وادى حلفا، وتعلم فى كلية غوردون ومعهد الاستوائية فى الخرطوم كما كان شقيقه ضابطا بالجيش المصرى بالسودان أيضا، وظل لعشر سنوات سكرتيرا للحاكم العسكرى السودانى، ومن ثم كان لمحمد نجيب شعبية ونفوذ لدى السودانيين على اختلاف أحزابهم ومواقفهم كما خدم جمال عبدالناصر لنحو ثلاث سنوات فى السودان أثر تخرجه من الكلية الحربية، حيث ألتقى هناك بزميل دراسته عبدالحكيم عامر أما صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة والمسئول عن وزارة شئون السودان، فقد ولد فى شرق السودان عام 1920، وكان والده موظفا فى الحكومة السودانية وأمضى طفولته فى هذا البلد (5)
ومن ناحية ثالثة كانت النخبة الجديدة، تحمل فى عروقها الدماء الأفريقية لون البشرة السمراء التى تعبر عن الامتداد الطبيعى والبشرى بشكل واضح بين مصر وبقية أجزاء القارة الأفريقية، بما فيها الرئيس الراحل أنور السادات ومن ناحية رابعة كانت شخصية جمال عبدالناصر الزعامية أو الكارزمية من بين العوامل التى ساعدت على قيام نصر بدور إقليمى متميز خاصة فى ظل دور الرئيس المهيمن على عملية صنع السياسة وتنفيذها، وكذلك فى إطار ارتباط الجماهير به واستعداهم لتأييده فى كل القرارات لقد كان اهتمام القادة الجدد بالسودان ومن خلاله أو بعده بأفريقيا كان أمرا طبيعيا كما تقرر بذلك الأدبيات السياسية التى تحدثت عن هذه الثورة فالسياسة التى اتبعتها الثورة المصرية نحو السودان، كان لها أثرها الكبير فى فتح مجال العمل الأفريقى أمام مصر (6) كما كان الإحساس بوطأة الظروف المشتركة التى تعيشها البلاد الأفريقية واضحا فى لغة الخطاب المصرى نحو السودان ففى البرقية التى بعث بها صلاح سالم للحكومة السودانية (أغسطس 1955) بمناسبة بدء جلاء القوات البريطانية يقول نحن الأفارقة يجب أن نهنئ أنفسنا بالتحرر وفى هذه اللحظات التاريخية بالنسبة لمصر والسودان، فإن قلوبنا تظل معلقة تجاه إخواننا الذين مازالوا يعيشون تحت نير الطغيان الاستعمارى والاحتلال فى القارة الأفريقية، وندعوا الله أن يساعدهم فى النجاح فى كفاحهم (7) ـ
(ب) عصر التحرر الوطنى، والحرب الباردة، فقد جاءت ثورة يوليو مواكبة لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبناء الأمم المتحدة، الذى دعا ميثاقها إلى احترام مبدأ تساوى الشعوب وحقها فى تقرير المصير، الأمر الذى أرخ لبزوغ عصر التحرر الوطنى من نير الاستعمار، وخاصة بعد ما صدر قرار الجمعية العامة بشأن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960، وقد جاء به أن الجمعية العامة تعلن رسميا ضرورة وضع حد وبسرعة، وبدون قيد أو شرط للاستعمار بجميع صوره ومظاهره ( Cool

هكذا صادف عصر الثورة عصر نظام دولى جديد يرفض الغزو والفتح، ويرحب بإنهاء السيطرة الاستعمارية التقليدية، ومنح الشعوب حقها فى تقرير مصيرها كما صادف عصر الثورة عصر الحرب الباردة الذى بدأ يتبلور مع بدايات الخمسينات من القرن العشرين بحلول قطبين جديدين، هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، محل القوى الأوروبية التقليدية ذات الميراث الاستعمارى العريق فى أفريقيا ومع أن العلاقة بين القطبين الجديدين قد بدأت تتحول شيئا فشيئا إلى الصراع والمجابهة فى إطار ما سمى بالحرب الباردة بالرغم من ذلك، كان التوافق النادر فيما بين القوتين حول تصفية الاستعمار أحد العوامل الهامة التى ساعدت مصر على أداء هذا الدور المحرر بل وساعد مصر نفسها عام 1956 على الخروج من أزمة العدوان الثلاثى خاصة حين وقفت القوتان العظميان لصالح مصر فى الأزمة (9)

صحيح أن تنامى الروابط بين الولايات المتحدة وأصدقائها الأوروبيين بالذات بعد مشروع مارشال وإقامة حلف الناتو، الخ قد فرض عليها ضرورة مساندة حلفائها ومصالحهم التقليدية فى القارة بينما كانت حركة الاستقلال الأفريقى المتنامية تتطلب وتفرض التزامات أخرى على الولايات المتحدة أقلها التوازن بين الاتجاهين وهو ما كان يمثل معضلة أمام السياسة الأمريكية فى تلك المرحلة، وارتباطا فى تنفيذها، كما ظهر فى الحالة الجزائرية وغيرها الأمر الذى عرضها لكثير من الانتقادات ولكن على أى الأحوال، أثبتت معركة السويس بالنسبة للولايات المتحدة على الأقل، أن شعار تصفية الاستعمار الذى رفعته يمكن أن يصبح حقيقة واقعة فى أفريقيا وأنها ـ أى الولايات المتحدة لها سياسة خاصة مستقلة عن حلفائها فى شرق أفريقيا والشرق الأوسط كذلك ـ (10) ـ
(ج) الموارد الداخلية والخارجية المناسبة لأداء الدور، توفرت لمصر موارد مالية مناسبة سواء من مصادر داخلية أو خارجية مكنتها من القيام بدور إقليمى فاعل ومؤثر خاصة على المستوى الأفريقى، فبالرغم من معركة العدوان الثلاثى وتجميد الأرصدة المصرية فى الخارج، إلا أن القيادة المصرية استطاعت أن تعبر الأزمة بتوفير مصادر مالية بديلة أحدثت قدرا معقولا من الوفرة تمثلت أساسا فى عائدات التأميم، وخاصة تأميم قناة السويس، وتأميم الشركات الأجنبية كما توفرت مصادر خارجية وفيرة، ابتداء بما تقدمت به الهند، التى وقعت مع مصر معاهدة أبريل 1953، وفتحت حسابا بالعملة الصعبة عقب العدوان وما استتبعته من تجميد الأرصدة المصرية بالخارج مباشرة (11).
كما احتفظت مصر، ولبضع سنوات بعلاقات وروابط ودية مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وحصلت على مساعدات وفيرة من كلا الطرفين، تمثلت أساسا فى صفقات السلاح، التى بدأت بصفقة الأسلحة التشيكية عام 1955، الأمر الذى وفر لمصر ما كان مخزونا لديها فى أسلحة بريطانية استخدمت لمساعدة حركات التحرر فى البلدان التى كانت تخضع لإنجلترا ويضاف إلى ذلك المساعدات الاقتصادية السوفيتية وكانت تقدر بنسبة 40% من جملة المساعدات السوفيتية لأفريقيا (12) ويمكن إضافة القطاع العام المصرى الذى لعب دورا مهما فى قيادة عملية التنمية خاصة بعد تأميم الصناعة المحلية بحيث أصبح يستحوذ على 70% من الإنتاج، 50% من العمالة، 90% من الاستثمارات ونجاح هذا القطاع فى تنفيذ الخطة الخمسية الأولى، كل ذلك كان بمثابة عامل آخر أضاف إيجابيا لإمكانيات قيام مصر بدور إقليمى مميز على النحو الذى تم فى الخمسينات والستينات (14) ـ
(2) هوية مصر الإقليمية والدوائر الأفريقية: كانت هوية مصر التى تشكل نقطة تقاطع لعدد من الأقاليم الفرعية، أحد المعضلات التى تواجه الدور المصرى فى أفريقيا مع بداية الثورة فعلى مستوى الفكر والسياسات كانت ثمة أدبيات مطروحة عن بعض الاتجاهات السياسية التى تروج أو تدعو للانتماء الفرعونى والانتماء الإسلامى والانتماء المتوسطى والانتماء العربى وكذلك الانتماء الفريق بمفهوم وادى النيل والقرن الأفريقى، أو الإمبراطورية التاريخية المصرية فالاتجاه الفرعونى، كان يمثل اتجاها نحو تغذية الدراسات الغربية والمستغربين عموما فى مصر، والاتجاه الإسلامى كان تيارا سياسيا قائما، حتى بعد سقوط مشروع الجامعة الإسلامية فى المنطقة فى أوائل القرن العشرين، كما أن التيار الذى ربط مصر بالبحر المتوسط وعالم الحضارة المتوسطية (حسين مؤنس، توفيق الحكيم، حسين فوزىالخ) (15) كان يربط مصر فى نهاية المطاف بالمعسكر الغربى، أو هكذا يمكن أن ينظر إليه فى تلك الفترة، أما الاتجاه العربى والأفريقى فقد كتب لهما العقاد فى ظل هذه التيارات المتصارعة، خاصة بعد أن التقى الرئيس عبدالناصر بعدد من الخبراء والسياسيين عامى 1953/1954 وحدد هذه الخيارات وذلك فى كتابه ـ فلسفة الثورة ـ الذى صدر عام 1954، حيث رتب الدوائر الثلاث التى تحكم الانتماء المصرى والحركة السياسية للدولة المصرية، وهى الدائرة العربية، ثم الأفريقية ثم الإسلامية وقال فى هذا الشأن، إننا لن نستطيع بحال من الأحوال ـ حتى لو أردنا ـ
أن نقف بمعزل عن الصراع الدامى المخيف الذى يدور اليوم فى أفريقيا بين خمسة ملايين من البيض ومائتى مليون أفريقى ولسوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا، نحن الذين نحرس الباب الشرقى للقارة، والذين نعتبر صلتها بالعالم الخارجى كله لن نستطيع بحال من الأحوال أن نتخطى عن مسئوليتنا فى المعاونة بكل ما نستطيع على نشر الثورة والحضارة، حتى أعماق الغابة العذراء أن أفريقيا الآن مسرحا لفوران عجيب ومثير ولن نستطيع بحال من الأحوال أن نقف أمام الذى يجرى فى أفريقيا ونتصور أنه لا يمسنا أو يعنينا (16) غير أن تحديد هذه الدوائر لم يكن قد استقر بعد فى تقاليد العمل السياسى فى السنوات الأولى للثورة فبينما كان حسين مؤنس يصدر كتابا قدم له عبدالناصر 1955، بعنوان مصر ورسالتها يحدد فيها ثلاث دوائر للحركة التاريخية لمصر هى أفريقيا، شرق البحر المتوسط، (17) كانت الدائرة الإسلامية تحظى بأولوية فى إطار العلاقات مع السعودية وفى سياق مشروع المؤتمر الإسلامى فى مواجهة الأسرة الهاشمية فى بغداد وعمان هذا رغم الترتيب المتأخر لهذه الدائرة الإسلامية فى فلسفة الثورة (18) التداخل بين الدائرتين العربية والأفريقية: تعتبر الرابطة العربية أشد الروابط التى تربط مصر من بين دوائر حركتها الإقليمية، وأكثرها جاذبية طوال التاريخ، ويمكن تتبع الجهد التاريخى المصرى لتوحيد هذه المنطقة العربية منذ عدة آلاف من السنين، أى منذ تحتمس الثالث الذى كان أول فرعون يضع سياسة رسمية وثابتة لتوحيد الممالك الآسيوية فى الشرق الأوسط ودمجها مع مصر، حتى محمد على وأبنه إبراهيم باشا الذين عملا لتحقيق نفس الغاية، مرورا برمسيس وأبن طولون وغيرهم (19) وقد كانت الحرب العالمية الثانية، وما تلاها، بمثابة نقطة التحول فى سياسة مصر الإقليمية، فقد كانت هذه الفترة شاهدة على بداية تجدد الاهتمام المصرى بالاتجاه الشمالى الشرقى، كما كانت بداية لخلق وضع جديد فى المنطقة على إثر الرحيل التدريجى لبريطانيا عن مسرح الأحداث وظهور قوتين عظميين يسعيان لملء الفراغ مع خلفية الدور القيادى لمصر فى إنشاء الجامعة العربية بمبادرة بريطانية ومع بداية الثورة، وقعت عدة أحداث متتالية، كان لها أثرها فى تكريس التوجه المصرى نحو العالم العربى والمشرق تحديدا ومن ذلك قرار السودان باختيار الاستقلال بدلا من الوحدة مع مصر، وقرار إنشاء حلف بغداد ومؤتمر باندونج وصفقة الأسلحة التشيكية إلى غير ذلك من الأحداث التى ساهمت فى بلورة السياسة الإقليمية الجديدة للثورة فى الدوائر المعروفة فقد كان اختيار السودانيين للاستقلال بمثابة خيبة أمل كبيرة لمصر وقياداتها، ومن ثم فقد بدأ عبدالناصر ينقل بؤرة سياسته الإقليمية من الجنوب، الذى استقطب الاهتمام المصرى لأكثر من قرن، إلى الشمال الشرقى وقد كان حلف بغداد بمثابة أخر محاولة بريطانية للاحتفاظ بموطئ قدم فى المنطقة بعد اضطراها للاتفاق على الجلاء عن مصر وفلسطين، كما كان هذا الحلف بمثابة ناقوس خطر بالنسبة لقيادة عبدالناصر العربية، حيث أزهر أن بغداد تعد عنصرا منافسا لمصر فى عالم عربى منقسم (20).

وجاء مؤتمر باندونج متزامنا مع الجدل حول إنشاء حلف بغداد، كما واكب فترة تحرير بلاد شمال أفريقيا العربية، وقدم المؤتمر فرصة ل عبدالناصر لتحدى القيادات العربية التقليدية المؤيدة للغرب، أو حتى المعتدلين فى بعض المسائل العربية كمسألة فلسطين وتحرير دول المغرب العربى وقد نجح عبدالناصر فى إدراج مسألة فلسطين فى جدول أعمال المؤتمر مناديا بتطبيق قرارات الأمم المتحدة كما استصدر قرار يندد بسياسة الإمبريالية الفرنسية آنذاك فى شمال أفريقيا لقد كان مؤتمر باندونج بداية عصر أفريقيا وآسيا وبداية اقتحام عبدالناصر للساحة الدولية، مثبتا أنه يستطيع بمساندة قادة بارزين من أمثال شواين، لاى وتيتو ونهرو أن يكون قائدا للعالم العربى وأفريقيا المستقلة، وأن يدخل فى نضال ضد الاستعمار والغرب عموما لتحرير كل من المنطقتين (21) وقد بدأ هذا الاتجاه بالفعل مع عقد صفقة الأسلحة التشيكية فى سبتمبر 1955، وتأميم قناة السويس فى 1956، ثم جاء العدوان الثلاثى فى نفس العام، حيث خرجت مصر متضررة وأصبحت رمزا لقلعة النضال والمقاومة ضد الإمبريالية والاستعمار لقد صرح أوجينجا نائب سابق لرئيس جمهورية كينيا، بهذه المناسبة قائلا: ـ ـ إن مغامرة السويس 1956 والتى تقدم مثلا فاشلا على دبلوماسية الزوارق المسلحة، قد وحدت أفريقيا كلها، ووحدت أفريقيا وآسيا والعالم العربى وراء مناصرة الاستقلال الوطنى (22).
منذ ذلك الحين، بدأت تترسخ التوجهات الإقليمية المصرية، سواء على المستوى العربى أو الأفريقى فعلى المستوى العربى أفشلت مصر عبدالناصر مبدأ ايزنهاور، وأنقذت سوريا بتأسيس الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 وعندما وقع انقلاب ضد المملكة الهاشمية فى العراق، يوليو من نفس العام، على يد انقلاب عسكرى يوحى بأنه من النمط الناصرى، فقد بدأ ذلك وكأن مصر كانت تمثل أنشطة فاعل إقليمى على المسرح الإقليم العربى، بعد أن كانت قد فقدت هذا الدور منذ فترة طويلة وعلى المستوى الأفريقى، تحولت مصر سريعا، خلال وبعد باندونج، لصياغة سياسة أفريقية فعالة، فى محاولة لإيجاد دور قيادى لمصر، وكان الرأى العام المصرى يرى، كما عكسته الصحافة آنذاك، أن مصر تقع فى مفترق الطرق بين القوتين الأفريقية والآسيوية ومن ثم مهيأة لأن تلعب دورا حيويا فى العالم الثالث، وقد نبهت بعض الشخصيات الصحيفة روزا ليوسف إلى ذلك حين طالبت بتخصيص منصب مساعد لوزير الخارجية لشئون القارة، حيث ينبغى لمصر أن تكون أكثر الدول اتصالا بالدول الأخرى داخل مؤتمر باندونج، وفى يناير 1956 أمر عبدالناصر بتشكيل لجنة عليا للإشراف على الشئون الأفريقية بغرض تخطيط سياسة مصر فى أفريقيا، وعين مجموعة من كبار الموظفين الرسميين فى الحكومة فى هذه اللجنة، كما بدأ محمود فوزى وزير الخارجية فى إعداد الترتيبات اللازمة لتأسيس قسم للشئون الخارجية فى الوزارة منذ فبراير 1956، وتم تعيين طه فتح الدين ليتولى إدارة هذا القسم (23).
وفى نفس الاتجاه، بدأ عبدالناصر، شأن محمد نجيب من قبل، وفى استقبال عدد من قيادات أفريقيا فى القاهرة، حيث قدم لهم الحماية وفتح مكاتب لممثلى حركات التحرير سواء من كينيا أو نيجيريا أو أوغندا أو الصومال أو غينياالخ وفى أواخر عام 1956، تأسست الرابطة الأفريقية فى القاهرة، بغرض التنسيق بين مكاتب حركات التحرير ونشاطاتها فى إطار السياسة المصرية وقد بلغ عدد المكاتب نحو 22 مكتبا وهيئة فى بداية الستينات وفى إطار ذلك، أصدرت الرابطة عددا من الدوريات الهامة مثل نهضة إفريقيا والرابطة الأفريقية ثم بعد ذلك رسالة أفريقياالخ (24) ومنذ البداية لاح قدر من التصادم أو التعارض الظاهرى بين التوجهات العربية والتوجهات الأفريقية، كان على السياسة المصرية أن تعالجها بقدر من الحكمة العروبة والأفريقية ومشكلة الهويات المتعددة: مع بداية تزايد الدور المصرى على الجانبين العربى والأفريقى، لاح قدر ظاهرى من التعارض بين الانتماءين كما ظهر عدم ارتياح أفريقى للجمع بينهما، خاصة مع بداية إعلان الوحدة المصرية السورية وتأسيس الجمهورية العربية المتحدة والتى جاءت فى إطار رفض مصر أن تكون جزءا من الشرق الأوسط وأحلافه المرتبطة بالاستراتيجية الغربية، فقد أخذ الأفارقة ينظرون لمصر، وكأنها بلد عربى لا تنتمى لأفريقيا إلا موقعا وعلى سبيل المثال حينما سافر الجمهورية العربية المتحدة إلى أكرا عام 1958، لحضور مؤتمر الدول الأفريقية المستقلة قال نكروما لوزير الخارجية المصرى الدكتور محمود فوزى أبلغ الرئيس عبدالناصر أن أسم مصر عزيز على الأفارقة، وأنه يرجو ألا يختفى هذا الاسم بعد أن تغير أسم الجمهورية، وأنه لا يتصور أفريقيا بدون مصر وبلم يقتصر لأمر على ذلك، بل حاولت بعض الوفود الأفريقية فى مؤتمر أديس أبابا 1963 (نيجيريا، وأثيوبيا) أن تعترض إدخال اللغة العربية ضمن لغات العمل الرسمية فى منظمة الوحدة الأفريقية وتصدى لهم الرئيس الغينى الراحل سيكتورى كما أثيرت هذه القضية مرة أخرى فى أحد الاجتماعات من قبل وفد السنغال حيث وجه حديثه للوفد المصرى متسائلا ومستنكرا عما إذا كانت مصر تنتمى حقيقة إلى أفريقيا أم أن انتماءها هو انتماء عربى (25).
لقد كانت هذه النقطة أحد النقاط الحساسة التى تمثل معضلة أمام السياسة المصرية، وكان من الصعب تخطيها، خاصة وأن الاستعمار كان يروج فى ذلك الوقت للفصل بين الشمال العربى وأفريقيا جنوب الصحراء، كما كان يسعى بكل جهده للحيلولة دون دور مصرى مؤثر فى أفريقيا وبوجه عام، فقد عولجت هذه القضية، عبر عدة طرق، منها حرص القيادات المصرية والنخب المثقفة فى هذا الوقت على تأكيد على أن الانتماء الأفريقى لمصر هو انتماء واقعى تحكمه عوامل الجغرافيا والبشر، كما تحكمه العوامل الثقافية والدينية، فضلا عن العوامل السياسية، كما قدم المصريون الحضارة الفرعونية باعتباره حضارة أفريقية، وأكدوا على أن سكان مصر، وخاصة فى الجنوب تجرى فيهم الدماء الأفريقية، وأكدت وثائق الثورة المختلفة سواء فلسفة الثورة أو الميثاق المصرى أو خطب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبيانات القيادات السياسية المختلفة، أكدت بصفة مستمرة على أن الدائرة الأفريقية، هى دائرة متميزة فى سياسة مصر الخارجية، وأنها تأتى بعد الدائرة العربية مباشرة، تليها الدائرة الإسلامية ثم عدم الانحياز، ثم الدائرة العالمية والأمم المتحدة، كما أكدت مصر على لسان أكثر من متحدث رسمى عنها المؤتمرات الأفريقية (محمد فايق، مراد غالب وغيرهما) أكدت على أنه لا تناقض بين العروبة والأفريقية فى الانتماء المصرى، وأن القومية العربية، سواء كمشاعر أو كنظام مؤسسى، مقل جامعة الدول العربية هى مظهر أو جانب من جوانب القومية الأفريقية، وأن العرب يمثلون قوة لأفريقيا وأن الأفريقيين هم قوة للعرب وأن التمييز أو الفضل بينهم هو بمثابة عمل استعمارى (26) وتجدر الإشارة كذلك، إلى أن الأفريقية ذاتها، المستندة إلى حركة الجامعة الأفريقية africaism pan لم تعد تمثل حركة لأفريقيا السوداء أو أفريقيا جنوب الصحراء ابتداء من مؤتمر مانشستر عام 1945، حيث برزت الروح الأفريقية من خلال فكرة الوحدة القارية، بمعنى وحدة أفريقيا بأكملها وهو ما أكدته بعد ذلك مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة، وكذلك مؤتمرات الشعوب الأفريقية بدأ من مؤتمر أكرأ 1958، وتونس يناير 1960، والقاهرة مارس 1961 وهى المؤتمرات التى عبرت عن الانتماءات الأفريقى بشكل أعمق من ذى قبل، وأقرت بإمكانية التعاون بين مختلف الأجناس فى أفريقيا، بما فى ذلك البيض، كما ظهرت خلالها فكرة إقامة المؤتمرات كومنولث أفريقى، يكون له الولاء لكل الأفارقة وحثت هذه المؤتمرات عموما على تشجيع الاختلاط والتعاون بين الشعوب الأفريقية على أساس قارى (27) ـ(3) الدور الإقليمى فى سياق الممارسة:
بلورت مصر سياستها الإقليمية تجاه أفريقيا تدريجيا منذ منتصف الخمسينات، كما بدأ يتبلور نموذج الدور الإقليمى المصرى فى القارة كمحرر لأفريقيا ومناهض للاستعمار، كما تجسد الدور الإقليمى كذلك فى تحقيق التضامن الأفريقى، وتمثل أخيرا فى دور الزعامة أو القيادة الإقليمية والذى استمر طوال هذه الفترة، وحتى ما بعد منتصف السبعينات تقريبا، وقد كانت البداية فى السودان أولا: تقرير مصر السودان: مع ثورة يوليو 1952، بدأت مرحلة جديدة فى علاقات مصر بالسودان، تختلف عن علاقات مصر الملكية بالقطر الشقيق وقد تمثل الاختلاف أساسا فى المناخ الجديد القائم على حرية الاختيار وتقرير المصير الذى أتاحته ثورة يوليو تجاه السودان فى سنواتها الأولى، على عكس الحكومات السابقة التى كانت تطالب بضم السودان فى إطار وحدة وادى النيل فقد كانت بريطانيا تتمسك قبل الثورة بضرورة استشارة السودانيين قبل اتخاذ أى إجراء يخص مستقبل السودان، وقد اقترح محمد نجيب دعوة زعماء أحزاب السودان جميعا للتفاهم معهم، قبل تقديم المقترحات المصرية الخاصة بدستور الحكم الذاتى، حتى يمكن ضمان تأييد السودانيين لأية مقترحات أما صلاح سالم فقد كان يرى ضرورة التفاوض مباشرة مع الإنجليز بحكم اشتراكهم مع مصر فى إدارة السودان وفى النهاية حدد مجلس قيادة الثورة موقفه بالنسبة للسودان فى جلسة عقدت فى منتصف أغسطس 1952، وذلك على النحو التالى (28) :
ـ أولا: الاعتراف بحق السودان فى تقريره مصيره، ووقف سياسة استجداء بريطانيا فى أمور علاقاتنا بالسودان ثانيا: زوال الحكم الإنجليزى المدنى والعسكرى من السودان كشرط أساسى لممارسة السودانيين لحق تقرير مصيرهم ثالثا: العمل على تعديل مشروع الدستور المقدم من الحاكم العام، يضمن أكبر قدر ممكن من السلطات للسودانيين خلال فترة الانتقال التى تمهد لتقرير المصير وقد كان الرأى السائد بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، أن السودان إذا ما أتيح له أن يختار بعيدا عن دسائس الإنجليز فسوف يختار الاتحاد مع مصر لكن هذا الأمل كان يمثل تبسيطا شديد للأمور بالنسبة للسودان، حيث كان ينبنى على الاعتقاد بأن الاتحاديين بزعامة الزهرى ومحمد نور الدين، سوف يقررون فى النهاية الوحدة مع مصر غير أن الأمور لم تتم على هذا النحو فقد أدت المفاوضات المصرية البريطانية إلى توقيع اتفاقية السودان فى 1953/2/12 حيث تم الاتفاق على منح السودان فترة انتقالية مدتها 3 سنوات يتم خلالها إقامة جمعية تأسيسية سودانية تكون مهمتها إعداد دستور للسودان، وانتخاب برلمان سودانى، على أن تكون الجمعية التأسيسة مؤهلة فى نهاية الفترة الانتقالية لتقرير مصير السودان، وأن تكون البدائل المتاحة أمام الشعب السودانى هى: إما الاستقلال أو الارتباط مع مصر بأى صورة من الصور كما نصت الاتفاقية على انسحاب كل من القوات المصرية والقوات البريطانية من السودان حتى يتم إقامة مناخ محايد لتقرير المصير وبناء على ذلك، تأسست أول حكومة وطنية سودانية برئاسة إسماعيل الزهرى، زعيم الحزب الوطنى الاتحادى فى 1954 حيث قامت الحكومة بسودنة الوظائف وإجازة الدستور المؤقت واعتماد علم للسودان وعملة خاصة به وقد أنهت كل من السودان فى شهر نوفمبر 1955 (29) وفى 1955/12/19 أصدر مجلس النواب السودانى قرارا يقضى بأن الأمور لا يدعو إلى إجراء استفتاء بشأن الحكم المستقبلى فى السودان ومن ثم فإن تمام جلاء الجيوش الأجنبية عن السودان يعتبر بمثابة إعلان باستقلاله وبالفعل تم إعلان قيام الجمهورية السودانية وتم إبلاغ دولتى الحكم الثنائى 1955/12/31 وأقر البرلمان الدستور، الذى أصبح نافذا ابتداء من الأول من يناير 1956 وقامت مصر بالاعتراف بالسودان دولة مستقلة وكانت بهذا أول دولة تعترف بالسودان كبلد مستقل وعلى أى الأحوال، كانت مسألة موافقة عبدالناصر، ومجلس قيادة الثورة بوجه عام، على منح السودان حقه فى تقرير مصيره ـ فى رأى البعض ـ خطوة واعية وتعبر عن إدراك عصرى لمستقبل العلاقات المصرية السودانية، فقد أراد عبدالناصر لأى رابطة تقوم مع السودان أن تكون منبثقة عن رغبة وليست استنادا إلى حقوق مكتسبة من التاريخ أو حق الفتحالخ، كما يمكن إضافة أن ثمن التخلى عن وحدة وادى النيل كان يتمثل فى أمرين هامين: أولهما خروج الإنجليز من السودان ومن مصر أيضا وتلك مسألة كانت حيوية للغاية ومكسبا لا يستهان به فى هذا الوقت، أما ثانيهما/ فكان يتمثل فى النموذج الذى طرحته مصر فى تعاملاتها الدولية:
إذ أن خروجها من السودان قد فتح أمام مصر مجال العمل فى أفريقيا كلها، بالتزامها وإخلاصها للمبادئ الأساسية التى قامت عليها سياستها الأفريقية بعد ذلك وهى تصفية الاستعمار وحق تقرير المصير (30).
وقد الاستجابة السودانية تجاه مصر، استجابة إيجابية للغاية فى سنوات الاستقلال الأولى، وتجلت هذه الاستجابة أفضل ما تجلت، فى موقف حكومة السودان إزاء العدوان الثلاثى على مصر فى عام 56 وأيضا فى مجال التنسيق المشترك بين البلدين فى سياسة مقاومة العدوان وتوحيد الصفوف العربية لرفض الاحتلال والتمسك بسياسة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز (31) وعموما فقد كان خروج مصر من السودان بداية لعهد جديد من العمل المصرى السودانى المشترك كدولتين شقيقتين عربيتين أفريقيتين وظل الاهتمام المصرى بالسودان رغم ذلك اهتماما مركزيا فى سياسة مصر الإقليمية على نحو دائم ثانيا: مصر وتحرير أفريقيا: يمثل مبدأ مناهضة الاستعمار والإمبريالية طريقا لتحرير أفريقيا، يمثل المفهوم الثابت والمسيطر فى سياسة مصر الثورة تجاه القارة، فضلا عن كونه يمثل المشروع الرئيس لفلسفة الثورة فقد وصفه الميثاق الوطنى بأنه قنوات ثلاث عميقة تجرى فيها السياسة الخاصة بالجمهورية العربية المتحدة التى تعبر عن المبادئ الوطنية كلها وأضاف الميثاق فى وصف المبدأ عبارة ـ الحرب ضد الإمبريالية والسيطرة ـ الكفاح ضد الإمبريالية بكل إمكانيات الوطن وبكل الطرق الممكنة كشف أشكالها وأقنعتها وشن حرب عليها فى كل مكان (32).
وقد اعتبر الرئيس جمال عبدالناصر أن الاستعمار هو السبب فى كل المصاعب والمشكلات التى واجهت مصر فى الداخل والخارج، وأنه عقبة فى طريق مستقبلها، واعتبر أن تصفية هذا الاستعمار هو بمثابة رسالة تحملها مصر: فى البداية أعلنت مصر أنها تشارك أساسا فى حركة مناهضة الاستعمار فى أفريقيا وبعد تطور الاهتمام المصرى بالقارى أعلن عبدالناصر أن مصر تعمل من أجل تحرير القارة من الاستعمار وتأمينها من السيطرة الإمبريالية وبعد استقلال عدد من الدول الأفريقية، أعلن عبدالناصر فى مؤتمر أديس أبابا 1963 أن الاستعمار الذى لم يرحل عن بعض أجزاء أفريقيا، يحاول بشكل آخر، وبأدوات أخرى تتقنع تحت رداء الأمم المتحدة التى جلبت على الكونغو أزمته العنيفة، وتلك إشارة إلى الاستعمار الجديد (33) وقد قاومت مصر الثورة الاستعمار فى أفريقيا فى إطار ثلاثة أشكال: الشكل الأول: فى مواجهة الاستعمار التقليدى وذلك عن طريق تأييد ومساندة حركات التحرر الأفريقية عسكريا وإعلاميا وسياسيا فقد وقفت مصر مع كل حركات التحرير فى القارة بدون استثناء ولم تظهر أى حركة تحرير إلا وكانت على اتصال بالقاهرة، وقد اتخذت مساندة القاهرة لحركات التحرير عدة صور فمن الناحية العسكرية كانت مصر أول دولة فى العالم تقدم مساعدات عسكرية لحركات التحرير، كما وفرت التدريب لكوادر هذه الحركات فى المعاهد المصرية، مثل مدرسة الصاعقة والكلية الحربية كما قامت المخابرات العامة المصرية بالإعداد والتنظيم لنقل هذه الأسلحة وتوصيلها إلى مناطق المقاومة، إضافة لتأمين وصول أفراد المقاومة للتدريب وعودتهم لبلادهم وقد ساهمت صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955 فى توفير جزء كبير من العتاد البريطانى السابق والذى يمكن استخدامه من قبل هذه الحركات فى المناطق البريطانية من أفريقيا على وجه الخصوص وحين أنشأت لجنة التنسيق لتحرير أفريقيا التابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، من قبل بعض الدول، كان من بينها مصر استأنفت مصر دورها فى دعم فى دعم حركات التحرير عبر هذا الإطار التنظيمى الأفريقى الجديد والملاحظ أن العمل العسكرى كان موجها أساسا ضد قوى الاستعمار، التى لم تكن مستعدة لتطوير الحكم الذاتى فى أقاليمها نحو الاستقلال، وبصفة خاصة، المستعمرات البرتغالية السابقة ونظم حكم الأقليات البيضاء فى كل فى روديسيا (زيمبابوى الآن) وجنوب أفريقيا كما كانت مصر تقدم مساعداتها العسكرية لجميع حركات التحرير مهما كانت انتماءاتها أو أشكالها فقط، فقط طالما كانت توجه نشاطها ضد الوجود الاستعمارى فى أفريقيا، ومن ثم احتفظت مصر بعلاقات طيبة بكل القوى الوطنية فى القارة، ودون أى تدخل لفرض أشخاص أو نظام معين (34).

كما أقامت القاهرة مكاتب سياسية دائمة لحركات التحرير وممثليها وذلك على غرار المكاتب على كانت الجزائر بعد قيام الثورة وقد كان تأسيس الرابطة الأفريقية عام 1956، 5 شارع أحمد حشمت بالزمالك بمثابة المقر الدائم لهذه الحركات والتى بدأت بمكتب اتحاد الشعب الكمرونى upc بقيادة زعيم الحزب فيلكس مومى والمؤتمر الوطنى الأوغندى unc وحزب كانو kanu من كينيا بقيادة أوجنجا أودنجا، كذلك حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى anc من جنوب أفريقيا ومكتب حزب استقلال روديسيا الشمالية unip (زامبيا) ـ مكتب سوابو(swapo ناميبيا الآن) والحزب الوطنى بزنجبار بقيادة على محسن، هذا فضلا عن بعض الأحزاب الصومالية والروابط الإريترية الخ، حيث يصل عدد هذه المكاتب نحو 10 مكاتب عام 1985، أو نحو 22 مكتبا وهيئة فى أوائل الستينات كما سبق البيان (35) ولم تقتصر القاهرة على تقديم المساعدات العسكرية بل قدمت مساعدات إعلامية، حيث أنشأ عبدالناصر صوت أفريقيا فى الإذاعة المصرية على غرار صوت العرب، وكان يبث باللغة السواحيلية متوجها لكينيا وشرق أفريقيا خاصة بعد أحداث ثورة الماوماو واعتقال الزعيم الكينى جومو كينياتا كما صممت برامج إذاعية أخرى باللغات الأفريقية المحلية لكل أجزاء أفريقيا المختلفة، ومنحت الفرصة لحركات التحرير ومكاتبها فى القاهرة لمخاطبة شعوبها مباشرة، وأصبحت مصر هى الدولة الولى فى العالم التى تتحدث باسم الثورة الأفريقية ضد الاستعمار مما أثار احتجاجات واسعة من قبل السفارة البريطانية فى مصر ـ (36).
وإضافة لذلك، وقفت مصر سياسيا بجانب القضايا الأفريقية أو قضايا التحرر الأفريقى، وذلك بتكتيل الرأى العام الدولى، فى المحافل الدولية المختلفة لصالح هذه القضايا وخاصة فى إطار حركة عدم الانحياز ودول المعسكر الشرقى (سابقا) كما ساهمت مصر بشكل مباشر فى دعوة حركات التحرير وإيفادها على نفقتها الخاصة، إلى نيويورك كى تتمكن من الدعوة لقضاياها أمام لجان المم المتحدة الخاصة، كلجنة الوصاية، فضلا عن تقديم الوفود الأفريقية للوفود الأخرى أثناء انعقاد دورات الجمعية العامة الشكل الثانى، كان يتمثل فى مواجهة الاستعمار الجديد والنظم العميلة والحركات الانفصالية فقد كان تصور عودة الاستعمار بطرق أخرى من الأفكار التى تؤرق القيادة المصرية، كما كان يؤرق قيادات كثيرة فى القارة الأفريقية آنذاك كما كانت معاهدات الدفاع التى تعقد مع البلاد التى استقلت أو الاحتكارات الأجنبية التى كانت تتحكم فى مقدرات هذه البلاد، أو زرع النظام العملية إلى غير ذلك من قبيل النشاط والتغلغل الإسرائيلى فى القارة، كل ذلك قاومته مصر بطرق مختلفة فقد ساعد مصر زامبيا بعد استقلالها، فى محاولتها لتأميم شركات النحاس، كما ساعدت الصومال حينما تعرض للضغط الإيطالى الحكومى ولضغط الشركات الإيطالية التى كانت تحتكر شراء وتوزيع الموز الصومالى الذى كان يعد محصولا قوميا وقدمت مصر قروضا لغينيا التى أحكمت فرنسا أيام حكم ديجول الضغط عليها لإسقاط حكومة سيكوتور نظرا لخروجها عن الصف واختيارها للاستقلال التام عن فرنسا وفضلا عن ذلك مساعدات مصر ـ عسكريا ـ بعض الدول الأفريقية المستقلة كى لا تلجأ لطلب المعونات العسكرية الأجنبية وخاصة من إسرائيل ومن تلك الدول مالى، إضافة إلى كينيا والصومال وغيرها (37) كما وقفت مصر بجانب الحكومات المركزية الوطنية الأفريقية ضد المحاولات الانفصالية المشبوهة سواء نيجيريا إبان الحرب الأهلية فى بيافرا، أو فى الكونغو، (كينشاسا) ضد انفصال كاتنجا، شابا فيما بعد، إضافة إلى السودان، ضد كل المحاولات الانفصالية من قبل القوى والأحزاب الجنوبية المدعومة من الخارج (38) الشكل الثالث، ساندت مصر الأغلبية ضد نظام حكم الأقلية البيضاء سواء فى روديسيا الجنوبية (زيمبابوى حاليا) عن طريق دعم حركات التحرير فيها ضد حكومة سميث وبالنسبة لجنوب أفريقيا فقد وقفت مصر ضد سياسات التمييز العنصرية والأبارتهيد التى كانت تتبعها الحكومة البيضاء ومنذ أن اعتبر عبدالناصر نفسه مسئولا وشريكا فى الصراع الجارى فى هذه المنطقة بين البيض والسود وضعت مصر نفسها فى مقدمة البلاد التى أعلنت قطع علاقتها مع حكومة جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك 30 مايو 1961، كما شاركت مع ـ 28 دولة أخرى لعرض قضية الأبارتهيد فى مجلس الأمن للمرة الأولى عام 1962 مما أدى فى النهاية إلى اعتبار سياسة التفرقة العنصرية سياسة تهدد السلم والأمن الدوليين وكان ذلك مقدمة للمقاطعة والحظر التطوعى على مبيعات السلاح لحكومة بريتوريا العنصرية (39) وفى نفس الوقت كان هناك اتصال مصرى بحركات التحرر فى جنوب أفريقيا من خلال كوادرها بالقاهرة كما كان الاتصال المصرى بالشعب الجنوب الأفريقى عبر البرامج الإذاعية الموجهة سواء باللغة الإنجليزية أو بلغة الزولو، خاصة منذ بداية المقاطعة فى الستينات، ولم تعترف مصر بالكيانات الاصطناعية التى أقامتها جنوب أفريقيا، والمعروفة باسم البانتو ستانات كإقليم ترانسكاى (40) وغيره وقد استمرت مصر على هذا النحو حتى بدأت الأمور تتغير بعد انتهاء الحرب الباردة.
ثالثا: مصر وبناء التضامن الأفريقى:
لا يمكن الحديث عن بناء تضامن الأفريقى ولا عن سيرة حركة الوحدة الأفريقية دون الوقوف عند الدور الرائد للرئيس جمال عبدالناصر وثورة يوليو، والدور المصرى بوجه عام فى هذه الأحداث وهذه الحركة القارية الكبيرة فلقد شاركت مصر الثورة فى حركة المؤتمرات التى شهدتها أفريقيا مع باكورة استقلال عدد من دول القارة فى أواخر الخمسينات سواء على مستوى الدول (مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة التى كانت تجسد التضامن القارى بصرف النظر عن الدين واللغة أو اللون أو الإقليم) أو كذلك على مستوى مؤتمرات الشعوب الأفريقية التى مثلت فيها الأحزاب السياسية الأفريقية ابتداء من مؤتمر أكرأ ديسمبر 1958 مرورا بمؤتمر تونس يناير 1961 وهى المؤتمرات التى عبرت عن الانتماء الأفريقى القارى بشكل أعمق من مؤتمرات الدول فقد أقر فى هذه المؤتمرات ـ (أكرأ 58) بإمكانية التعاون بين مختلف الأجناس فى أفريقيا بما فى ذلك البيض كما ظهرت فكرة إقامة كومنولث أفريقى يكون له الولاء الأول لكل الأفارقة، كما طالبت هذه المؤتمرات بتشجيع الاختلاط والتعاون بين الشعوب الأفريقية على أساس قارى (41) كما شاركت مصر بفاعلية فى حركة التجمعات السياسية التى بدأت تظهر مع بداية الستينات وكانت تعكس الاتجاهات السياسية للدول الجديدة فى القارة، خاصة من حيث الموقف من الاستعمار ومن السياسة الفرنسية فى الجزائرالخ فقد قادت مصر منظمة الدار البيضاء التى بدأت أولى اجتماعاتها فى المغرب فى يناير 1961 وكانت تضم كلا من مصر والمغرب وغانا وغينيا ومالى بالإضافة للحكومة الجزائرية المؤقتة وقد أطلق على هذه المنظمة أو المجموعة تعبير الدول الراديكالية أو الثورية نظرا لإيمانها بالانفصال عن الاستعمار ونظرا لأنها تضم كبار قادة أفريقيا الثوريين من أمثال جمال عبدالناصر ونكروما وسيكوتورى وذلك فى مقابل مجموعة منروفيا المحافظة (أثيوبيا نيجيريا تونس الصومال ليبريا آنذاك) وبصرف النظر عن توجهات هذه المجموعة، أيديولوجيا فقط كانت مجموعة الدار البيضاء برهانا على السياسة المصرية القارية التى تؤمن بوحدة أفريقيا حيث يلاحظ أن المجموعة كانت تضم دولا من الشمال الأفريقى أو شمال الصحراء ودولار من جنوب الصحراء ومن ثم فقد كانت بمثابة تجسيد للتضامن الأفريقى وتجاوزا للمفاهيم التجزيئية الاستعمارية ومع أن حركة التجمعات السياسية قد غلبت على السياسات الدولية الأفريقية فى مطلع الستينات وبدأت تمثل لونا من ألوان المحاور المتنافسة فيما بينها ـ
مجموعة الدار البيضاء ومجموعة منروفيا ومجموعة برازافيل إلا أن السياسة المصرية لم تناسق طويلا وراء فكرة المحاور بل رجحت الاتجاه الجماعى الأفريقى القارى، والذى انتهى فى سياق مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة ومبادرة الإمبراطور الأثيوبى بعقد مؤتمر أديس أبابا مايو 1963 والذى انتهى بإعلان ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ورغم أن الجدل قد ثار داخل مؤتمر أديس أبابا التاسيسى حول شكل الوحدة الأفريقية وطبيعة التنظيم المزمع إنشاؤه إلا أن الرئيس عبدالناصر أيد بشدة ضرورة الخروج بأى شكل يحفظ للقارة تضامنها دون النظر إلى المسميات وبصرف النظر عن أى خلاف، لقد قال عبدالناصر للحاضرين فى مؤتمر أديس أبابا التأسيسى لتكن جامعة أفريقية لتكن اجتماعات دورية لكل رؤساء أفريقيا وممثليها الشعبيين ليكن أى شئ شيئا واحدا لا تريده الجمهورية المتحدة هو أن تخرج من هناك بألفاظ حماسية أو بواجهات تنظيمية شكلية وفى هذه الحالة نخدع أنفسنا ونسئ إلى أفريقيا والسلام (42).
وهكذا تأسست منظمة الوحدة الأفريقية التى ظلت وعاء للعمل الأفريقى الجماعى لمدة تصل إلى 39 عاما، حيث جسدت الاتجاه الأفريقى الغالب والمتمثل فى التوجه التدريجى نحو الوحدة الأفريقية كما أسهمت إيجابيا فى تعزيز تضامن أفريقيا وخاصة على ضوء مساندة الدول الرئيسية كمصر وتشبث الحكومات الإفريقية بالمنظمة كمظلة قارية تحمى الهوية الأفريقية القارية بناء التضامن العربى الأفريقى ومقاومة التغلغل الإسرائيلى فى أفريقيا: ساهمت مصر الثورة فى بناء التضامن الأفريقى من خلال العمل النشط مع دول المجموعة العربية الأفريقية فى الشمال الأفريقى كما ساهمت فى بناء تضامن وتعاون عربى أفريقى موسع من خلال آليات متعددة أهمها الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية وكذلك من خلال منظمة الشعوب الأفريقية الآسيوية التى عقدت أول مؤتمراتها فى القاهرة فى أواخر عام 1977، كما كانت سياسة عدم الانحياز تجمع كلا الفريقين العربى والأفريقى فى إطار واحد (43) وفى سياق هذا العمل التضامنى سواء على الصعيد العربى الأفريقى أو على الصعيد الأفريقى الآسيوى فقد تم استثناء دولتين هما جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك وإسرائيل، حيث لم تشأ مصر أن توجه لكلا الدولتين الدعوة لحضور مؤتمر باندونج عام 1955 الذى ضم دولا عربية آسيوية هى السعودية والعراق والأردن لبنان واليمن ومن الدول الأفريقية غير العربية أثيوبيا وليبيريا فضلا عن غانا والسودان اللتين لم تكونا فى حكم الدول المستقلة بعد وبالرغم من أن الرئيس عبدالناصر لم يكن يميل إلى طرح قضية فلسطين وهى أخطر قضية العرب فى مؤتمر أديس أبابا التأسيسى عام ـ 1963 حيث اكتفى بالقول أن تقدم العمل الأفريقى المشترك سوف يكشف حقيقة إسرائيل باعتبارها أداة من أدوات التسلل الاستعمارى على ضوء عدوان 5 يونيو 1967، حيث طرح الصراع العربى الإسرائيلى على العمل الأفريقى الجماعى، وعلى أعمال المنظمة الوحدة الأفريقية ابتداء من الدورة التاسعة العادية لمجلس الوزراء سبتمبر 1967 ثم أخذت الجهود المصرية تكثف لطرد إسرائيل من أفريقيا إلى أن تم ذلك فى سياق التنسيق العربى الأفريقى، حيث قطعت كل الدول الأفريقية علاقاتها بإسرائيل إبان حرب أكتوبر ولم يتبق سوى بعض الدول الصغيرة التى تهيمن عليها جنوب أفريقيا (ملاوى، ليسوتو، سوازيلاند، وموريشيوس) وكان ذلك الموقف يمثل تضامنا مع مصر واعترافا بدورها، وقد ظلت الدول الأفريقية على موقفها هذا حتى استردت مصر أرضها وفى سياق هذا التنسيق العربى الأفريقى، الذى تقوده وترعاه مصر، أسرعت المجموعتان العربية والأفريقية فى بناء إطار من المؤسسات لدعم عملية التعاون ووصل الأمر ذروته كما هو معروف، بعقد مؤتمر القمة العربى الأفريقى الأول بالقاهرة مارس 1977، والذى ضم نحو 65 دولة عربية وأفريقية وأصدر إعلانا سياسيا حول المبادئ الأساسية التى تحكم التعاون العربى الأفريقى، وإعلانا أخر حول التعاون الاقتصادى والمالى العربى الأفريقى, كما أقيم هيكل مؤسسى للتعاون شمل مؤتمر القمة ومجلس وزراء عربى أفريقى، ولجنة دائمة للتعاون ولجنة للتنسيق، ومحكمة عربية أفريقيا تكون بمثابة جهاز قضائى لقد كان عقد هذا المؤتمر العربى الأفريقى، إشارة واضحة على ذروة النشاط المصرى الفعال فى الدائرتين الأفريقية والعربية ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل كثفت مصر تعاونها مع الدول العربية والإفريقية المجاورة، فى الدائرة الأضيق، وهى السودان وليبيا فبعد سلسلة من المحادثات وقعت كل من مصر والسودان وليبيا، ما عرف باسم ميثاق طرابلس فى ديسمبر 1969، كان ذلك فى حياة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وفى 14 إبريل 1971، أعلن الرئيس النميرى أن السودان لم تعد عنصرا فعالا فى ميثاق طرابلس بسبب مشكلاته الداخلية وعقب ذلك بنحو ثلاثة أيام، اجتمع كل من الرئيس الراحل أنور السادات والزعيم الليبى معمر القذافى والرئيس السورى الراحل حافظ الأسد فى بنغازى بليبيا وأعلنوا تأسيس اتحاد الجمهوريات العربية FAR ، وذلك تحت علم واحد ونظام اشتراكى ديمقراطى وجنسية واحدة صحيح أن تلك التفاعلات كانت تحدث فى إطار مقاومة العدوان الإسرائيلى، إلا أن الأمر لا يقلل من قيمة وأهمية التوجه المصرى الذى ارتكز أخيرا على منطقة شمال شرق أفريقيا العربية الأفريقية، مع ظهير أفريقى مساند وبالرغم من أن السودان لم يشارك بفاعلية فى هذه التفاعلات المتكاملة، إلا أن العلاقات المصرية السودانية شهدت بصفة خاصة، بعد حرب أكتوبر مباشرة وبعد توقيع اتفاق أديس أبابا المتعلق بالحكم الذاتى للجنوب فى السودان 1972، شهدت بداية العمل على طريق التكامل المصرى السودانى بالتوقيع على منهاج العمل السياسى والتكامل الاقتصادى فى 11 فبراير 1974، ثم تدعيمه بتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك فى 15 يوليو 1976، والتى أنشى بموجبها مجلس الدفاع المشترك بين البلدين (44)

ثالثا: القيادة (الزعامة) :
كان التصور المصرى السائد عن الدور الإقليمى فى القارة يستند على مسئولية مصر فى أفريقيا كرائدة للحرية وقائدة لها، كما تعكس ذلك النصوص المختلفة سواء فلسفة الثورة أو أحاديث الرئيس عبدالناصر أو منشورات وزارة الإعلام ومقالات كثير من الصحفيينالخ ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل اعتبر عبدالناصر أن مسئولية مصر تقتصر على مجرد قيادة أفريقيا نحو الحرية، بل حماية وحدة المسيرة الإفريقية، وأن ذلك، فى رأيه هو قدر مصر ومصيرها (45) وقد تمسك الرئيس عبدالناصر بقوة بهذا التصور، وكان يرى بشكل واضح أن مصر تلعب دورا قياديا فى القارة (46) ففى المؤتمر التأسيسى لمنظمة الوحدة الإفريقية مايو 1963 قال الرئيس عبدالناصر أن الجمهورية العربية المتحدة تأتى إلى هنا بقلب وعقل مفتوحين وبتقدير كامل لمسئولياتها وأنها مستعدة لتحمل أعباء مسئوليتها التاريخية تجاه القارة الإفريقية ذلك التصور المصرى لمسئولية مصر القيادية فى أفريقيا يستند بطبيعة عوامل مؤهلة، يجعل مصر جديرة يحمل لواء القيادة، ومن أهمها السبق فى الثورة على الاستعمار حيث قدمت مصر النموذج فى الثورة على الاستعمار من جهة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الجديرة بالاعتبار فى نفس الوقت من جهة أخرى، كما تعتبر القيادة الممثلة فى الرئيس عبدالناصر هى أيضا أحد العوامل المؤهلة لدور قيادى إضافة إلى الثقل الاستراتيجى السياسى لمصر، بطبيعة الحال وقد ساهمت سياسة عدم الانحياز التى أسسها عبدالناصر منذ باندونج وبريونى وبلجراد فى بناء وتعزيز الدور القيادى المصرى، وأثبتت أنها هى الأيديولوجية السياسية المناسبة أو النهج الذى ساهم فى بناء الزعامة السياسية لشخص عبدالناصر داخل أفريقيا، وفى المنطقة العربية، كما ساهم كذلك فى بناء دور إقليمى ريادى وقيادى لمصر أقنع الآخرين أو حتى أرغمهم على اليسر خلف القيادة المصرية خاصة فى ظل معترك الصراع الدولى وعصر الحرب الباردة لقد كانت مصر، فعليا هى إحدى القوى الأساسية القادرة على الحركة فى أفريقيا والمستعدة دائما لمواجهة أى تدخل أجنبى تتعرض له القارة، كما استطاعت كما يقول الأستاذ محمد فايق أن ترجح كفة عدم الانحياز فى أفريقيا وهى السياسة التى تبنتها منظمة الوحدة الأفريقية وكان لها الفضل الأول فى إنقاذ القارة، ولفترة طويلة من أن تكون مسرحا للحرب الباردة أو أرضا لصراع القوى العظمى (47).
ثانيا: المرحلة الانتقالية للدور الإقليمى المصرى ـ 1997 ـ 1999 التركيز على الداخل:
يدخل الدور الإقليمى المصرى ـ تدريجيا ـ منذ عام 1977 مرحلة انتقالية، طويلة نسبيا استمرت لنحو عشرين عاما، وذلك بفعل المتغيرات الداخلية الإقليمية والدولية، والتى أسهمت فى التأثير بشكل كبير على الأسس التى أنبنى عليها الدور الإقليمى المصرى فى القارة فى المرحلة السابقة فقد بدأت القضايا تتغير تدريجيا، كما تغيرت الأولويات، وكذلك الأشخاص على مسرح الأحداث، مما أدى إلى انحسار الدور الإقليمى بالمفهوم السابق الإشارة إليه بل ووصل الأمر فى نهاية هذه المرحلة إلى حد الأزمة المتغيرات الجديدة المتلاحقة: مع السبعينات تظهر تدريجيا مرحلة جديدة، أو أقل مرحلة انتقالية لسياسة مصر الأفريقية ودورها الإقليمى فى القارة، وقد بدأت ملامح هذه المرحلة تتبلور وتظهر جليا بشكل أوضح منذ عام 1977، وذلك بفعل عدد من المتغيرات سواء النابعة من النظام الدولى أو البيئة الإقليمية، فضلا عن الظروف الإقليمية فى مصر ذاتها فعلى المستوى الدولى، وبعد الوفاق الذى تم بين القوتين العظميين عام 1972 وتأثيراته السلبية على الوضع العسكرى وتوازن القوى بين مصر وإسرائيل بدأت علاقات مصر تتأثر سلبا مع حليفها الدولى الأول وهو الاتحاد السوفيتى السابق، حيث تم أولا طرد الخبراء السوفيت من مصر فى نفس العام ونشبت حرب أكتوبر 1973، وهى الحرب التى انتصر فيها الجيش المصرى على الإسرائيليين، وما تلى ذلك من اتفاقيات لفض الاشتباك على الجانب السورى المصرى بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، كل ذلك تمخض عنه اقتراب تدريجى من الولايات المتحدة باعتبارها تمتلك، كما قال السادات 99% من أوراق الحل فى الشرق الأوسط، وكلما اقتربت مصر من الولايات المتحدة والغرب عموما، ابتعدت عن الاتحاد السوفيتى إلى أن تم تجميد معاهدة الصداقة المصرية السوفيتية عام 1976 وهو التطور الذى أدى إلى تغيير فى نوعية الدور المصرى فى القارة، والذى استند تقليديا على دعم من نوعية الدور المصرى فى القارة، والذى استند تقليديا على دعم من الجانب السوفيتى وكتلته الاشتراكية وعلى المستوى الإقليمى، كانت مبادرة السلام المصرية التى قام بها الرئيس السادات بزيارته للقدس عام 1977، وما ترتب عليها بعد ذلك من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، كانت العامل الأساسى الذى أدى إلى تغييرات سلبية للغاية على الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا، بحيث يمكن القول بأنها تمثل بداية مرحلة حديثة فى هذا الصدد، وذلك من أكثر من زاوية: الزاوية الأولى، فيما حدث داخل الدائرة الأولى العربية، حيث قطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع مصر 17 دولة بحيث لم يستمر فى علاقاتها معا سوى دولتين فى منطقة حوض النيل وشرق أفريقيا، هما السودان والصومال ودولة واحدة من شبه الجزيرة العربية هى عمان فضلا عن منظمة التحرير الفلسطينية الأمر الذى سبب ارتباكا للدور الإقليمى المصرى بوجه عام ومن الزاوية الثانية، حاولت الدول العربية نقل معركتها مع مصر إلى الساحة الأفريقية ومن ثم فقد بدأت فترة عدم الاستقرار فى العلاقات العربية/ الإفريقية عموما، إذا ما لبث أن تجمد النشاط الذى كان قد بلغ ذروته عام 1977 كما سبق وذكرنا وتوقفت الآليات الجديدة فى معظمها عن العمل بسبب هذا الانقسام وبسبب انتقال الجامعة العربية من مقرها الدائم فى القاهرة إلى تونس وبالرغم مما شهدته أواخر الثمانينات من خطوات إيجابية للغاية فى سبيل عودة العلاقات بين مصر والشقيقات العربيات، خاصة بعد قمة عمان، نوفمبر 1987 والقمة العربية الطارئة التى عقدت فى الدار البيضاء بالمغرب (1989).
وهو الاتجاه الذى قاده الرئيس مبارك، وانتهى بتصحيح الأوضاع العربية وعودة مصر للنظام الإقليمى العربى وعودة الجامعة العربية إلى مقرها الدائم بالرغم من ذلك، فقد حدث متغيران كانت لهما أثارهما السلبية عن الدور الإقليمى المصرى فى القارة المتغير الأول، ويتمثل فى التغير الذى بدأ يحدث على مستوى النظام الدولى، خاصة على صعيد انتهاء عصر الحرب الباردة والقطبية الثانية، وانهيار النظم الاشتراكية وتفكك الدولة السوفيتية وحل حلف وارسو، وهى التغيرات التى أفضت إلى ظهورها ما يسمى بالنظام العالمى الجديد، الذى تهيمن عليه الدول الغربية التى انتصرت فى الحرب الباردة بزعامة الولايات المتحدة وبرغم من أن مصر من الجانب المنتصر فى ظل هذه التحولات الأخيرة، إلا أن الساحة الإفريقية اضطربت بشدة نتيجة هذه التغيرات المتلاحقة سواء بسبب تهميش القارة وعدم الاهتمام بها من قبل الدول الغربية، أو كذلك بسب انتشار ظاهرة الحروب الأهلية والصراعات وتفاقم الأزمات الاقتصادية، من جراء أزمة الديون الخارجية وأعبائها وتدهور شروط التجارة الدولية فى غير صالح أفريقيا، وبسبب مظاهر الفساد وسوء الإدارة إلى غير ذلك، هذا من ناحية المتغير الأول أما المتغير الثانى فيتمثل فى أن العلاقات العربية، لم تكد تتحسن حتى انتكست مرة أخرى بفعل الاجتياح العراقى للكويت (2 أغسطس 1990) وهو الأمر الذى أدى ـ على نحو ما هو معروف، إلى آثار سلبية مضاعفة على المستوى العربى، أبرزها انهيار مجلس التعاون العربى الذى تأسس عام 1989 وكان يضم مصر بين أعضائه، وانقسام وتشرذم الصفوف العربية وانتشار عدم الثقة ومخاوف العرب من بعضهم البعض ناهيك عن الاتفاق الباهظ الذى تكلفته عملية تحرير الكويت والتى تحملتها الميزانيات العربية المرهقة وفى ظل هذه الأمواج المتلاحقة من المتغيرات الدولية والإقليمية كانت المشكلة الاقتصادية تحتل مكان الصدارة فى اهتمامات القيادة المصرية مع أواخر السبعينات وتكثف هذا الاتجاه مع أوائل الثمانينات، وخاصة فى ظل حكم الرئيس حسنى مبارك، وفى هذا السياق تم تطبيق خطتين للتنمية خلال الأعوام من 1982 ـ 1983 حتى 1992 ـ 1993 استهدفتا إصلاح المظاهر الاقتصادية الحادة والاختلالات الكبيرة، وذلك فى ظل ظروف صعبة تتمثل فى انهيار عائدات البترول وانخفاض عائدات المصريين فى الخارج ودخل قناة السويس وتفاقم أزمة المديونية الخارجية كل ذلك فى ظل نمو سكانى متزايد (48) وفى ظل هذه الظروف الداخلية، التى استبدت فيها الأزمة الاقتصادية وحاصرت الاقتصاد المصرى منذ الثمانينات لم تتوفر لمصر أية إمكانيات ذاتية يمكن أن تسخر لخدمة أهداف السياسة الخارجية فى أفريقيا، ناهيك عن تحل مسئوليات أو أعباء إضافية لتعزيز التواجد والدور الإقليمى المصرى بشكل عام، لذا تم رفع شعار دبلوماسية التنمية (49) بغرض استثمار أدوات السياسة الخارجية لخدمة أغراض التنمية فى الداخل وحتى فى ظل هذا الشعار لم تستطيع مصر طوال معظم سنوات التسعينات أن تقترب من السوق الأفريقى أو المنتجين الأفارقة أو تطور علاقات أفريقيا لصالح التنمية المصرية، وإنما كان التطبيق الخاص بالشعار المشار إليه دائما ما ينصرف إلى بلاد الشمال الغنى والمتقدم فى إطار هذه البيئة بقضاياها ومتغيراتها المتلاحقة، واجه الدور الإقليمى لمصر تحديات كبيرة، بدأت تفرض عليه ضغوطا عظيمة وتثنى السياسة المصرية عن اهتماماتها التى اعتادت عليها منذ ثورة يوليو، ومع ذلك، اجتهدت السياسة المصرية فى أن تتمسك فى ظل المتغيرات المتلاحقة بعناصر الحد الأدنى من الالتزامات بالقضايا والموضوعات ذات الاتصال بالخط القديم لثورة يوليو، والتى تتفق مع هموم الجماعة الأفريقية، أو تلك التى تتصل بشكل وثيق بالمصالح المصرية فى القارة، وفيما عدا ذلك، تغير وجه السياسة المصرية، ومن ثم تغير الدور الإقليمى المصرى بدرجة كبيرة، سواء فى قوته أو أولوياته أو القوى المساندة له داخليا وخارجيا ووصل فى منتصف التسعينات لدرجة الأزمة لقد استمرت مصر فى مساندة العلم الجماعى الأفريقى من خلال منظمة الوحدة الأفريقية ومساندة الأفارقة فى مناهضة التمييز العنصرى فى الجنوب الأفريقى والمساندة هنا لا تعنى تحمل مسئوليات بقدر ما تعنى إصدار بيانات المساعدة واتخاذ بعض المواقف المساندة فيما عدا ذلك بدأ كل شئ يتغير تقريبا وذلك فى محاولة من الجانب المصرى للبحث عن دور جديد يتمشى مع المتغيرات الجديدة ويسمح بحماية المصالح المصرية الحيوية فى أفريقيا وخاصة فى حوض النيل والبحر الأحمر كما يسمح بمقاومة الاتجاهات الرامية لعزل مصر عن أفريقيا أو تصدير الأزمات لها على الجانب الأفريقى وخاصة فى منطقة الجوار والمنطق الحيوية وقد تمثل المحتوى الجديد للدور الإقليمى منذ عام 77 فصاعدا، فى التوجه بالمصرى نحو مناهضة المد السوفيتى فى القارة، خاصة وأن مصر بدأت تشعر بخطورته وخطورة الأنظمة الموالية له على المصالح المصرية فى المنطقتين الأفريقية والعربية على السواء، فمن جهة كان هذا الدور الجديد يمثل محاولة مصرية للخروج عن نطاق العزلة التى سعت الدول العربية لفرضها على مصر وأرادت أن تمتد بها للساحة الأفريقية ومن جهة أخرى كان هذا الدور يمثل محاولة مصرية لتعميق الروابط الجديدة مع الدول الغربية والولايات المتحدة التى كانت مهتمة بتزايد النفوذ السوفيتى فى أفريقيا والبحر الأحمر وفى إطار هذا الدور، بدأ التوتر يزداد بين مصر وليبيا ووصل إلى حد الاشتباك المسلح الذى وقع على الحدود عام 1977، حيث صرح الرئيس السادات أنه ـ أعطى القذافى درسا لن ينساه، وأن الأمر سيتكرر إذا لم يوقف الزعيم الليبى تصرفاته وعدوانه على مصر ـ ورغم المحاولات التى بذلت لرأب الصراع بين البلدين إلا أن كليهما ظل يحشد قواته على الحدود لسنوات عديدة فى ظل مناخ غير ودى (50) لكن بالنسبة للسودان، فقد كثفت مصر علاقاتها التكاملية مع هذا القطر الهام والشقيق فى ظل حكم الرئيس نميرى، حيث تم عقد أول مؤتمر أول مؤتمر لمجلسى الشعب المصرى والسودانى فى القاهرة 24 ـ 31 أكتوبر 1977 كما أنشئ مجلس الدفاع المشترك بين كل منهما بناء على اتفاقية الدفاع المشترك التى كانت قد وقعت فى مايو 1976 وأخذت العملية التكاملية دفعة قوية فى عهد الرئيس مبارك حيث تم التوقيع على ميثاق التكامل المصرى السودانى فى 2 أكتوبر 1982، وهو الميثاق الذى جرى العمل به لمدة قصيرة ولازمته بعض الإيجابيات والسلبيات إلا أن عدم الاستقرار فى السودان على إثر الانتفاضة ضد النميرى قد أثر سلبيا على التكامل حيث قامت الحكومة الانتقالية بتجميد النشاط التكاملى ثم قامت حكومة الصادق المهدى فيما بعد واستبدلت ميثاق التكامل بميثاق الإخاء الذى أعد على عجل وكان أقرب للشعار منه إلى وثيقة تكاملية كما تم تجميد اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، كل ذلك سبق مباشرة الانقلاب الذى جاء بحكومة الإنقاذ إلى الحكم فى الخرطوم عام 1989، لتشهد العلاقات المصرية السودانية أسوأ فتراتها على وجه الإطلاق فى التسعينات (51) وفى منطقة البحر الأحمر، والقرن الأفريقى، بدأت السياسة المصرية تواجه المتاعب منذ عام 1977/ 87 خاصة بعدما نجحت إثيوبيا التى يدعمها السوفيت والكوبيون فى التغلب على الصومال فى حرب الأوجادين، وعلى الإرتريين قبل ذلك، فأصبحت أثيوبيا تمثل أهم قاعدة للسوفييت فى البحر الأحمر ولم تعد السودان قادرة على مواجهة إثيوبيا بعد تدفق اللاجئين عليها من الجانب الإثيوبى وشرعت من ثم فى البحث عن طرق مختلفة للتعامل مع حكومة مانجستو المدعومة سوفيتيا، وقد حاولت مصر دعم الدولتين (السودان والصومال) اللتين تمثلان سندها فى المنطقة خاصة فى مواجهة التحركات السوفيتية الإثيوبية، وفى هذا الإطار أمدت مصر السودان بمساعدات متنوعة، وساندت الصومال بعدما دارت عليه الدوائر إبان حرب الأوجادين 1978، وقد تمكنت القاهرة بذلك من تعزيز موقف البلدين، وحالت بذلك دون انضمامها لمعسكر بغداد أو جبهة الصمود والتصدى المناوئة للسياسة المصرية بالسلام فى الشرق الأوسط (52) وحينما ظهرت بوادر إثيوبية للتأثير على مياه النيل هدد السادات إثيوبيا بالحرب عام 1980، إذا ما أقدمت على مثل هذه الأعمال (53).
وفى نفس السياق وقفت مصر موقفا مساندا لتنزانيا أثناء نزاعها مع أوغندا مارس 1979، خاصة بعد ما أرسلت ليبيا المدعومة سوفيتيا، بقوات لأوغندا ووقفت مصر موقفا مساندا لحكومة موبوتو فى زائير (الكونغو الديمقراطية) أثناء أزمة شابا عامى 1977 /1978 كما وقفت موقفا مؤيدا للجناح المناهض للجناح الذى تؤديه ليبيا فى تشاد حيث اتهمت الاتحاد السوفيتى بمحاولة وضع تشاد تحت الهيمنة السوفيتية أملا فى تكوين رأس حربة لشن هجمات ضد دول غرب أفريقيا لكنها توقفت عن ذلك بعد أن انسحبت ليبيا من تشاد (54) وقد خففت مصر منذ منتصف الثمانينات بوجه عام، من حدة موقفها المناوئ للنظم الماركسية أو الراديكالية فى أفريقيا والتزمت الحياد فى أغلب القضايا الشائكة خاصة مع أفول عصر الحرب الباردة حيث انطوى عهد، وبدأ عهد جديد، بأزماته ومشاكله أزمة الدور الإقليمى فى التسعينات: حول منتصف التسعينات واجه الدور الإقليمى المصرى فى القارة أزمة حقيقية تمثلت عناصرها الرئيسية فى تراجع أولوية الدائرة الأفريقية فى اهتمامات السياسية الخارجية المصرية، وعدم ملاءمة قضايا وموضوعات الاهتمام الأفريقى للسياسة المصرية أو الدور المصرى وتصاعد دور المنافسين الدوليين والإقليميين وجمود الحركة المصرية الفاعلة فى منطقة المصالح الحيوية الرئيسية (الدائرة النيلية ومنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقى) ـ
(1) تراجع الدائرة الأفريقية فى اهتمامات السياسة المصرية: مع بداية التسعينات تراجعت أهمية الدائرة الأفريقية فى أولويات السياسة الخارجية المصرية والتى انشغلت كما هو معلوم بدوائر الحركة الإقليمية الجديدة التى ظهرت مواكبة للمشروعات الإقليمية التى طرحت نفسها للمستقبل ودار حولها النقاش منذ المحادثات متعددة الأطراف الخاصة بإقامة نظام إقليمى شرق أوسطى للأمن والتعاون والتى بدأت رسميا منذ يناير 1992 فى إطار أعمال مؤتمر مدريد للسلام تلى ذلك عدة مؤتمرات اقتصادية بدأ بمؤتمر قمة الدار البيضاء للشرق الأوسط وشمال أفريقيا 10 ـ 30 ـ 1994/1/1 ثم مؤتمرات عمان والقاهرة والدوحة وفى نفس الوقت تقريبا بدأت سلسلة المشاورات والمؤتمرات التى انتهت على المستوى المتوسطى بإعلان برشلونة فى 27 /28/ نوفمبر 1995، والذى تبنته دول الاتحاد الأوروبى (ال15 حاليا) والشركاء المتوسطيين الإثنى عشر، بما فيهم مصر صاحب هذا الانفتاح التعددى للدوائر الإقليمية مرة واحدة، إضافة للدوائر التقليدية المعروفة منذ الثورة، صاحبه جدلا ونقاشا طويلا، يذكرنا كما قال البعض ـ بسياسات ما قبل عام 1952،حين تنافست تيارات العروبة والشرق الأوسط والبحر المتوسط والدائرة النيلية، أو وحدة وادى النيل (55) وفى نفس الوقت لم تطرح الدائرة الأفريقية كمجال للحركة المصرية فى هذا النقاش الدائر فى التسعينات تجدر الإشارة مع هذا، إلى أن لغة الخطاب السياسى المصرى الرسمى تعكس الاهتمام بالقارة وتنبه لأهمية الدور الإقليمى لمصر فى أفريقيا فالرئيس مبارك وهو يتحدث أمام جلسة مشتركة لمجس الشعب والشورى (نوفمبر 1944).,
يذكر بالنص: ـ ـ أن الدور لا يقتصر أبعاده على الوطن العربى بل يمتد إلى العالم الإسلامى فيضع أمامه الأولويات الصحيحة وينشغل بهمومه وقضاياه كما تمتد أبعاد هذا الدور إلى أنحاء القارة الأفريقية التى نعتز بانتمائنا إليها بترابها وتراثها ونسعى بكل ما أوتينا من قوة وعزم إلى زيادة قدراتها على مواجهة مشاكلها فى الاستقرار والتنمية وإعادة البناء (56) والواضح من السياق أن ترتيب القارة يأتى فى المقام الثالث بعد الوطن العربى والعالم الإسلامى وذلك فى ثنايا الحديث عن الدور، أما إذا نظرنا فى عينة من بيانات وأحاديث وزير الخارجية، فى نفس الفترة تقريبا نجد أن بيان السيد / عمرو موسى وزير الخارجية أمام مجلس الشورى عام 1992 يذكر ـ أن سياسة التعاون مع أفريقيا تعد جزءا من سياسة مصر الخارجية باعتبار مصر دولة أفريقيا وفى نفس الاجتماع طالب أعضاء مجلس الشورى بأن يكون توجه مصر الرئيسى نحو أفريقيا باعتبارها ستظل مجالا حيويا لمصر وأن كليهما بالنسبة للآخر يمثل الوجود والمصير والأمن (57) لكن الدكتور أسامة الباز، وهو يعرض للتحديات التى تواجه مصر فى القرن ال21 يشير إلى أن رؤية مصر لدورها الإقليمى والعالمى أنه لا يمكن أن ينفصل عن تغيرات القوة فى النظام الإقليمى والعالمى وقد شهد النظام العالمى تغيرا كبيرا فى التسعينات أنعكس على الخريطة السياسية فى العالم وانعكس على الخريطة الاقتصادية غير أن الدكتور الباز يركز كثيرا فى حديثه على انتماء مصر القومى العربى وهويتها العربية، ولا ينشغل بأفريقيا إلا فى حدود ضبط العلاقة بين الأقطار العربية والدول غير العربية فى المنطقة، وليس إسرائيل وحدها فيقول وهنا تبرز على الساحة إيران وتركيا، وربما جاز لنا أن نضيف إليها أثيوبيا وإريتريا اللتين تتداخل وتتلاقى مصالحنا الحيوية مع مصالحهما فى منطقة القرن الأفريقى ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى (58) وبالرغم مما تقدم، وهو يعكس إدراكا مصريا واضحا على المستوى الرسمى، لأهمية الدور الإقليمى فى القارة، وأهمية تنويع قضايا وموضوعات العلاقات بالرغم من ذلك أصبحت الدائرة الأفريقية حتى ما بعد منتصف التسعينات غير محددة الموقع فى أولويات السياسة المصرية ولا نقول أنها انحدرت أخر القائمة ويعزى هذا الوضع بصفة أساسية إلى عدة عوامل أهمها: ـ

ـ
(أ) سرعة التغيرات العالمية والإقليمية فى التسعينات، وما فرضته من اهتمامات وانشغالات جديدة على كافة الدول والأقاليم حيث انشغلت الدول بهذه التغيرات فى محاولة للتكيف معها ـ
(ب) الاهتمام المصرى بالدوائر الإقليمية الجديدة كان يتواءم مع طبيعة الاستجابة المصرية للضغوط الإقليمية المصاحبة لمفاوضات الشرق الأوسط، والأوضاع الدولية ومشروعاتها فى المنطقة لقد قال الوزير عمرو موسى للأهرام عام 1995 ـ أن تحرك السياسة الخارجية المصرية يسير وفق سياسة مركبة، ويحمل قدرا من التعقيد، ويتحرك من منافذ متعددة فى دوائر مختلفة، لكنه لم يذكر أفريقيا ضمن هذه الدوائر التى حددها وهى: الدائرة الأولى، هى الدائرة العربية للحفاظ على الهوية العربية ومحاولة إصلاح العلاقات العربية، وأن المنطقة العربية فى أمنها هى جزء من الأمن الدولى، الدائرة الثانية هى الدائرة الإقليمية محل الصراع الإقليمى الرئيسى وبدء صفحة جديدة فى التعامل بين إسرائيل والدول المجاورة بعد تسوية المشكلات الخلافية، وليس بإعادة صياغة الوضع الإقليمى أو إحلال إطار محل إطار آخر وأضاف الوزير، أن ما يقال عن الشرق أوسطية مازال مجرد مقولات نظرية أو إعلامية الدائرة الثالثة، هى الدائرة المتوسطية التى تتجه إليها السياسة الخارجية بثبات، وسوف تتصاعد أهميتها بشدة فى السنوات القادمة، ويتوقع أن يتوسع إطارها مع الوقت لتضم دولا أخرى فى المنطقة وفى أوروبا، لا تطل على البحر المتوسط مباشرة (59).
أن القضايا الأفريقية الجديدة لم تعد بنفس القدر من الجاذبية والاهتمام العام بشأن قضايا التحرر الوطنى والاستقلال ومناهضة التفرقة العنصرية والأبارتهيد، وهى القضايا التى سيطرت على العمل الأفريقى من الخمسينات، ولعبت فيها مصر دورا رائدا استقطبت فيه التأييد الأفريقى والدولى، فى ظل ظروف مواتية، أما قضايا وهموم التسعينات مثل المديونية ونقل التكنولوجيا والتنمية والسيطرة على النزاعات وحفظ الاستقرار والتحول الديمقراطىالخ فهى قضايا أكبر من أن تتحملها دولة فى حجم مصر أو حتى عدة دول وإنما هى قضايا يتحملها النظام الدولى وينبغى أن تتكاتف الدول الكبرى فى النظام الجديد للتصدى لها بالتعاون مع أفريقيا بطبيعة الحال ـ
(2) تصاعد الوزن النسبى لدور المنافسين الإقليميين: مع أفول عصر القطبية الثنائية والحرب الباردة، وفى ظل توقع بالاسترخاء والاستقرار فى أفريقيا سارت الأمور على نحو مختلف وهو ما عقد من أوضاع البيئة الأفريقية أمام الدور المصرى وقلص من الفرص المتاحة أمام مصر لمتابعة واستئناف دورها كدولة إقليمية كبيرة ومن أبرز مظاهر التعقيد فى سنوات التسعينات تصاعد الوزن النسبى والدور الإقليمى لقوى عديدة أفريقيا وغير أفريقية بدأت تنشط على الساحة الأفريقية بعد انتهاء الصراع الكبير والحرب الباردة، والأكثر من هذا أن أغلب هذه القوى يلعب دورا منافسا للدور المصرى، والبعض الآخر ينفرد بكل منه بقسم أو إقليم فرعى من أقاليم القارة، فى إطار نوع ما من أنواع تقسيم المناطق (60) كما هو الحال بالنسبة للتجمعات الفرعية التى ظهرت أو كانت موجودة وأعيد هيكلتها فى السنوات الأخيرة وكلها تدور حول دولة إقليمية كبيرة نسبيا هى الدولة القائد أو الدولة المحركة مثل نيجريا فى إطار الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS أو جنوب أفريقيا فى إطار جماعة التنمية لدول الجنوب الأفريقى SADC أو كينيا فى إطار السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقى ـ COMESA ال PTA سابقا) أو أثيوبيا فى إطار الهيئة الحكومية للتنمية IGAD الخ كل هذا يحدث دون أن يكون لمصر حتى هذا الوقت (1997) أى تجمع إقليمى فرعى، أفريقى أو غير أفريقى يوازن تلك التجمعات التى ظهرت على الساحة الأفريقية أو يربط مصر بالتفاعلات الاقتصادية والسياسية القائمة ومن ناحية أخرى ظهرت إسرائيل على الساحة الأفريقية مرة أخرى، وبشكل أقوى مما كانت عليه سابقا، وخاصة بعد مؤتمر مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل وبعد انفراج الوضع فى جنوب أفريقيا بالإفراج عن نلسون مانديلا (فبراير 1990).
وبداية الحوار بين القوى السياسية والحكومة فى بريتوريا فى إطار هذا المناخ، استطاعت إسرائيل أن تستأنف علاقتها مع نحو 38 دولة أفريقيا بعد أن كانت خرجت من أفريقيا تقريبا فى السبعينات والثمانينات، وقد ركزت إسرائيل على منطقة حوض النيل والبحر الأحمر (61) وهى المناطق المؤثرة على الأمن القومى المصرى والعربى، كما باتت تلعب دورا منافسا لمصر فى مجال تقديم المعونات العسكرية والفنية أو حتى فى مجالات الزراعة والرى، وهى المحاولات كانت حكرا على المصريين والأخطر من ذلك أن إسرائيل تعد بلدا غير متحفظ فى علاقاته وسياساته الأفريقية، ولا تضع فى اعتبارها سوى مصالحها الأنانية دون مراعاة للبيئة الأفريقية وخصوصيتها أو لمصالح الآخرين (62) وفى نفس الوقت دخلت إيران بثقل كبير فى أفريقيا، خاصة بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وتمتعت بنفوذ قوى داخل السودان مستغلة الظروف الداخلية ووصول نظام جديد للحكم عام 1989 يستند إلى حزب الجبهة الإسلامية بزعامة الترابى وظروف الحرب الأهلية فى الجنوب وحاجة السودان للمعونة، حيث تم عقد تحالف استراتيجى بين إيران والسودان منذ زيارة هاشمى رفسنجانى للخرطوم فى ديسمبر 1991 ومن خلال السودان انطلق النفوذ الإيرانى عبر الجماعات والتنظيمات الإسلامية المختلفة فى بلدان القرن الأفريقى وشرق أفريقيا، وتمكنت إيران من تعزيز نفوذها فى أفريقيا واستعانت بالعناصر الشيعية الموجودة فى شرق القارة، وبعض الشيعة من الجالية اللبنانية المنتشرة فى غرب أفريقيا وذلك من أجل تدعيم النشاط الإيرانى بوجه عام فى القارة الأفريقية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الرامية لاستعادة مكانتها كقوة إقليمية ونشر عقائدها الفكرية والدينية سواء بين الشيعة أو السنة أو الجماعات الأخرى (63) كانت الدولتان إسرائيل وإيران تعملان بشكل منافس ولا نقول مناوئ للسياسة المصرية فى سنوات التسعينات وكانت للدولتين مصلحة مؤكدة فى تمزيق النظام الإقليمى العربى لصالح مشروعات منافسة، مما جعل دورها المتزايد فى أفريقيا يحمل معه مؤشرات ودلالات الأزمة التى يواجهها الدور الإقليمى المصرى فى القارة، فى ذلك الوقت ـ
(3) جمود الحركة المصرية الفاعلة فى منطقة المصالح الحيوية (حوض النيل) : فى التسعينات، وبينما كانت القوى الأخرى تكتسب وضعا مميزا داخل القارة الأفريقية، كما سبق أن أشرنا، بدأت مصر تتراجع وتجمد قدرتها على الحركة الفاعلة داخل دائرتها الأفريقية الأولى حيث تمت تصفية الوجود المصرى التاريخى فى السودان (64) ولم تنجح المساعى المصرية فى تأسيس تنظيم إقليمى مؤسسى ومستقر لمجموعة دول حوض النيل، بعد أن تجمد الاندوجو منذ عام 1991 (65) بل أنها لم تستطع أن تنضم لبعض التنظيمات القائمة التى تكفل تفاعلا اقتصاديا وتجاريا مع شرق أفريقيا وجنوبها، وقد كانت المنطقة ميدانا طبيعيا للحركة المصرية طوال التاريخ لاحظ محاولات الانضمام المصرى لمنطقة التجارة التفضيلية عام 1988 والكوميسا عام 1994 هكذا، وجدت مصر نفسها بعد سنوات قليلة من التسعينات فى منطقة إقليمية فرعية يلفها أكبر قدر من عدم الاستقرار وحتى أكثر المناطق التصاقا بمصر وأخطرها تأثيرا عليها، السودان وليبيا، أصبحت من أكثر المناطق عرضة لخطر الاهتزاز، ناهيك عن تنامى موجات عدم التعاطف وعدم الترحيب أو التعاون مع مصر داخل ميدان الدائرة النيلية، والذى امتد إلى الشمال الأفريقى واتحاد المغرب العربى، والذى قدمت مصر طلبا بالانضمام له أواخر عام 1994، لكن محاولتها لم تفلح، وربما لاعتراض البعض من دول الشمال الأفريقى عليها وربما لتجمد أعمال الاتحاد نفسه فى العام التالى لتقديم الطلب لقد كان ذلك يمثل وضعا تكاد تنفرد به مصر، وليس له نظير حول أى قوة أفريقية رئيسية من القوى التى تمارس أو المرشحة للممارسة دور إقليمى أو قارى فى أفريقيا المرحلة الراهنة، استئناف الدور الإقليمى النشط منذ عام 1998: لم تكن مصر، التى كانت تقودها ثورة 23 يوليو، هى التى تهمل أفريقيا أو يتراجع دورها فيها بحيث تصير فى حجم دولة عادية فابتداء من عام 1998، بدأت مصر تنشط فى الدائرة الأفريقية، وتبلور دورها الإقليمى فى شكل أو نموذج جديد، ومضمون جديد، تمثل أساسا فى دور الدولة المعاون للنظام الإقليمى الأفريقى بما يعكس رؤية صانع القرار بأهمية التزام مصر التزاما بعيد المدى بالجهود التعاونية مع الدول الإفريقية الأخرى لبناء جماعات ومجتمعات أوسع أسواق أكبر، ونظم فرعية أوسع وأكثر أهمية، كما تمثل الدور الجديد فى تحول مصر لتكون حلقة وصل، وجسر دولى بين الأقاليم والدول النظم الفرعية، وكذلك بين الثقافات والحضارات، لقد أصبح هذا واضحا تماما فى لغة الخطاب السياسى الرسمى وشبه الرسمى وفى السلوك السياسى المصرى الذى يعبر عن التصرف كحامل رسالة التعايش بين الشعوب والثقافات والأديان المختلفة فى أفريقيا، وفيما بين أفريقيا والعالم أولوية أفريقيا فى السياسة المصرية تتحسن: لقد كانت البداية حينما شكل مجلس الوزراء المصرى مجموعة وزارية مشتركة، تضم 23 وزارة، وذلك فى أغسطس 1997 ـ وهذه المجموعة تقرر لها أن تجتمع مرة كل شهرين على مستوى وكلاء الوزارة، ورئاسة مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية وقد كلفت هذه المجموعة ببحث سبل تطوير العلاقات مصر بأفريقيا، حيث تم وضع دول حوض النيل تليها الدول المميزة اقتصاديا، ثم الدول العربية والإسلامية على سلم أولويات العمل الأفريقى (66)
وتعتبر هذه المجموعة أو الآلية بمثابة هيئة تنسيق كانت تفتقدها العلاقات المصرية الإفريقية، وهو إطار رغم أنه متأخرا إلا أنه ملائم ولا بأس به فى مجال تنسيق السياسات والبرامج المشتركة شريطة أن تكون الاجتماعات مرنة بحيث تحقق الاستجابة لضرورات التعامل وقضاياها المختلفة وبالنسبة للخطاب السياسى الرسمى فقد بدأن يتحسن نسبيا فيما يتعلق بالنظر للدائرة الأفريقية فى السنوات القليلة الماضية ويكفى أن نشير هنا فقط إلى كلمة السيد /أحمد ماهر وزير الخارجية أمام أكاديمية ناصر العسكرية يوم السبت 4 مايو 2002، وجاء بها ـ إن وزارة الخارجية تعمل من جانبها على ضمان وصيانة الأمن القومى خارج حدود الوطن من خلال تنفيذ توجيهات القيادة السياسية فى مجال السياسة الخارجية، والتى تركز العمل على مواجهة مصادر التهديد للأمن القومى المصرى وتوسيع دائرة علاقات التعاون والصداقة القائمة على المصلحة والمنفعة المتبادلة مع كافة دول العالم فى إطار الثوابت الأساسية للسياسة الخارجية المصرية والدوائر التى تتحرك فيها بدءا بالدائرة العربية ومرورا بالدوائر الأفريقية والإسلامية والعالم الثالث والدائرة المتوسطية وغير ذلك (67) وفى لقاء آخر على هامش قمة الكوميسا 24 مايو 2002، أشار أحمد ماهر فى تصريح له إلى التقدير الذى يكنه الأفارقة لدور مصر والرئيس حسنى مبارك، والحرص دائما على أن تكون مصر فى مركز الصدارة من العمل الأفريقى من أجل تحقيق المصالح الأفريقية وأضاف ـ أن الرئيس مبارك يحرص دائما فى كل اجتماع أو مؤتمر على الحديث عن مشاكل أفريقيا فى التنمية والديون الأفريقية وضرورة العمل على أن تشكل أفريقيا سوقا قويه، مثلما ينادى بإقامة سوق عربية حتى يكون مركز أفريقيا قويا فى المفاوضات التجارية والمؤسسات الاقتصادية الدولية (68) لاشك أن لغة الخطاب السياسى أصبحت أكثر تحديدا بالنسبة لموقع الدائرة الأفريقية، التى عادت لتحتل المرتبة الثانية فى الحركة المصرية كما وضعتها ثورة يوليو هذا وبينما توارت دائرة الشرق أوسطية على ضوء تردى المسيرة السلمية والسلوك الإسرائيلى البداية مرة أخرى من السودان:

بدأت مصر تتحرك تجاه السودان، فيما يتعلق بالبحث عن أسلوب للمصالحة الوطنية وإنهاء الحروب الأهلية، وقد كانت المبادرة المشتركة الليبية المصرية بشأن الوفاق بين الحكومة والمعارضة فى السودان هى الاقتراب الذى رأته القاهرة ملائما للمهمة وقد انطلقت المبادرة بإعلان ليبيا يوليو 1998، أنها ستتبنى مسألة الوفاق بين الحكومة السودانية والمعارضة بمساعدة مصر، واستجابت الخرطوم بالإعلان عن أنها لا تمانع فى قيام مصر وليبيا بالاتصال وتنسيق المواقف مع دول الجوار الأفريقى وبدأ التنسيق المصرى الليبى بالفعل على أثر لقاء تم بين الرئيس حسنى مبارك والقذافى قائد الثورة الليبية والمبادرة تنطوى على معالجة شاملة لمشكلات السودان، وتتعامل مع كل الفرق والأطراف دون أن تقتصر على الجوانب فقط كما هو شأن مبادرة الإيجاد المطروحة منذ عام 1994 ومنذ مطلع عام 1999، بذلت جهود مصرية ليبية مشتركة لجمع التجمع الوطنى السودانى للمعارضة والحكومة السودانية، جنبا إلى جنب وذلك لتحسين العلاقات المتبادلة وهو ما قبله الطرفان من حيث المبدأ، الأمر الذى تواكب مع رفع العقوبات عن ليبيا، وسعيها لتنشيط دورها الأفريقى وقد تم طرح خمس أفكار لحل الأزمة السودانية فى إطار المبادرة وهى: ـ
(1) وقف جميع الأطراف للعمليات العسكرية، ووضع آلية لمراقبة وقف إطلاق النار ـ
(2) وقف الحملات الإعلانية ـ
(3) الشروع فى حوار مباشر مع الحكومة عبر ملتقى عام للحوار الوطنى السودانى يهدف إلى حل شامل ـ
(4) تشكيل لجنة تحضيرية للملتقى برعاية ليبيا، تتحدد مهمتها فى تحديد مكان انعقاد الملتقى وتاريخه وتحديد المدعوين له ووضع جدول أعماله ـ
(5) أن تتولى ليبيا الاتصال بدول الجوار للتنسيق معها وبعد مزيد من التنسيق المصرى الليبى، تبلورت مبادراتهما المشتركة فى إطار اللجنة المصرية الليبية المكلفة بتنسيق الجهود بإيجاد حل سياسى شامل للمشكلة السودانية مستندا على المبادئ الآتية:ـ ـ ـ
(أ) وحدة السودان أرضا وشعبا ـ
(ب) المواطنة فى السودان هى الأساس للممارسة الحقوق والواجبات ـ
(ج) الاعتراف بالتعدد العرقى والدينى والثقافى للشعب السودانى ـ
(د) تحقيق الديمقراطية ـ
(ه) تحقيق السلام والأمن والاستقرار فى السودان وقد رحبت الحكومة السودانية بالمبادرة المشتركة، وأعلنت عن اتخاذها بعض الإجراءات التمهيدية التى طالب بها التجمع الوطنى المعارض وبالرغم من الجهود المصرية الليبية المشتركة مازالت تراوح مكانها فى ظل اتفاق بين الأطراف السودانية وفى ظل تدخل أمريكى متزايد (69).
فإن الأمل مازال منعقدا على جهود الشريكين فى عملية لإحلال السلام فى السودان، وكيفية التنسيق بين مبادرة الإيجاد والمبادرة المشتركة ووضع آلية فاعلة لذلك، مع توفر إرادة سياسية عربية أفريقية مصممة على تحقيق السلام الاندماج المصرى مع السواق الأفريقية: انضمت مصر، ولأول مرة، لتجمع اقتصادى أفريقى فرعى فى يونيو 1998، واختارت منطقة شرق وجنوب القارة، COMESA أو السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا، وهو التجمع الذى يضم العشرين دولة هى مصر والسودان وأثيوبيا وإريتريا، كينيا، تنزانيا الكونغو الديمقراطية، أوغندا، رواندا، بوروندى، مالاوى، زيمبابوى، ناميبيا، أنجولا، سوازيلاند، بتسوانا، موريشيوس، جزر القمر، سيشل (70) وبانضمام مصر لهذا التجمع فإنها تدخل مرحلة جديدة فى علاقاتها الأفريقية وخاصة على الصعيد الإقليمى الفرعى حيث تقبل مصر على حركة تفاعلية اندماجية فى المجال الاقتصادى مع نحو 19 دولة أفريقية وعربية فى الإقليم، (أنظر بعض البيانات الأساسية عن هذه الدول فى الجدول رقم (1) فضلا عما يوفره هذا الانضمام والتفاعل من توفر مناخ ملائم للحفاظ على مصالحها الحيوية فى المنطقة وتنميتها، سواء كانت تتعلق هذه المصالح بالمياه، حيث كل دول حوض النيل ضمن هذه المجموعة فيما عدا تنزانيا، أو تتعلق بالأمن والاستراتيجية والاقتصاد والثقافة، أو حتى المكانة الإقليمية والدولية (71).
وبعد ذلك بأقل من 3 سنوات انضمت مصر لتجمع أفريقى أخر هو تجمع دول الساحل والصحراء (س ص) وذلك فى دورته الثالثة فى الخرطوم فى 12 ـ 13 فبراير ـ 2001 والتجمع الذى تأسس منذ فترة وجيزة أى فى فبراير 1998، ويضم الآن 18 دولة، هى: الجماهيرية الليبية، بوركينافاسو مالى، النيجر، تشاد، السودان، أفريقيا الوسطى السنغال، إريتريا، جيبوتى، جاميبيا، المغرب، تونس، نيجيريا، الصومال، توجو بنين، مصر وهذا التجمع يهدف إلى إقامة اتحاد اقتصادى شامل ويعد من التجمعات الواعدة التى تجتمع فيها دول قوية نسبيا كمصر ونيجيريا وليبيا والمغرب كما أنه تجمع يجمع بين دول عربية شمال الصحراء ودول أفريقية غير عربية فى جنوب الصحراء، ويشكل رقعة كبيرة فى الفضاء الأفريقى الذى يمتد من البحر الأحمر شرقا حتى المحيط الأطلنطى غربا ومن البحر المتوسط شمالا حتى أوساط القارة جنوبا (72) وعلى الرغم من أن تجارة مصر مع دول أفريقيا بوجه عام ـ خصوصا غير العربية ـ مازالت ضئيلة إذ تبلغ بالأرقام نحو 7381 مليون دولار صادرات، وحوالى 20057 مليون دولار واردات، وهى تمثل كما هو واضح نسبة ضئيلة من تجارتنا الخارجية بوجه عام ناهيك عن كونها فى غير صالح الميزان التجارى المصرى (أنظر الجدول رقم 2) رغم ذلك، فإن انضمام مصر لهذه المجموعة الاقتصادية من المنتظر أن يحسن من فرص التجارة معها، وهو ما حدث على سبيل المثال بين مصر ودول الكوميسا، إذ تتضاعف حجم التجارة عام ـ 2001 بعد نحو ثلاث سنوات من انضمام مصر عام 1998م.
غير أن إمعان النظر فيما تحقق على هذا المستوى الإقليمى الفرعى، ليوضح مدى التداخل أو التكامل المصرى الذى أخذ طريقه نحو مزيد من الانخراط فى البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأفريقية فى السنوات الأخيرة فمصر الآن ترتبط بشكل مباشر مع 34 دولة أفريقية فى ظل التجمعين المشار إليهما، كما أن منطقتى التجمعين تمثلان أهم المناطق الإفريقية التى تتطلع مصر لمزيد من الارتباط بها لاعتبارات أمنية ومائية واقتصادية وسياسية التعاون الإقليمى فى إطار مبادرة حوض النيل NILE BASIN INITIATIVE: مع التعاون والتكامل الاقتصادى بدأ منذ نفس العام (ديسمبر 1998) تفعيل مبادرة حوض النيل بعد انتهاء الفترة المقررة ـ للتيكونيل ـ حيث أقر وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل مبادرة جديدة، تشمل وضع استراتيجية للتعاون بين الدول النيلية والتحرك من مجرد مسألة الدراسات إلى مرحلة المشروعات التى تقوم على مبدأ المنفعة أو الفائدة للجميع WIN ـ MIN وتتكون المبادرة من عدة محاور (73) أولها الآليات، حيث تتبنى المبادرة هيكلا تنظيميا يتكون من ثلاثة مستويات: ـ (أ‌) مجلس وزارى (ب) لجنة فنية استشارية (ج) سكرتارية دائمة أما المحور الثانى فيتعلق بالاستراتيجية والتى تتكون من شقين: الأول مشروعات الرؤية المشتركة على مستوى الحوض كله، وهى عبارة عن دراسات لنحو 7 مشروعات الشق الثانى فيختص بما يسمى مشروعات الأحواض الفرعية وهى: ـ (1) النيل الشرقى ويشمل مصر والسودان وأثيوبيا ـ (2) البحيرات الاستوائية ويضم أوغندا وكينيا، وتنزانيا، رواندا ولا يقتصر الأمر على مبادرة حوض النيل التى تمثل آلية جديدة بين دول حوض النهر بشكل غير مسبوق، بل سعت مصر فى السنوات الأخيرة إلى إبداء مساعى التعاون الثنائى مع بعض دول حوض النيل التى تحتاج للمساعدة، وهنا تجدر الإشارة إلى التعاون المصرى مع أوغندا وتقديم مساعدة لها فى إطار مشروع مكافحة ورد النيل فى بحيرة فيكتوريا وهو المشروع منذ عام 1998 هذا إضافة لبروتوكول التعاون الفنى الذى وقع مع بوروندى عام 1999 وذلك لمساعدتها فى إدارة مشروعات المياه الجوفية وغيرها هكذا، وفر هذا الإطار الجديد للتعاون مناخا وديا فى العلاقات ونقلها من مرحلة المواجهة والشكوك المتبادلة إلى مرحلة جديدة التعاون قائم على الاستغلال الكامل، والمنصف للموارد المائية الضخمة غير المستغلة فى دول الحوض، هذا دون الإضرار بالحقوق المكتسبة والتاريخية، كما عبر وزير الموارد المائية المصرى وتجيد الإشارة إلى أن الجوانب القانونية والسياسية لمسألة عدم الضرر ينبغى التحسب بشأنها، وبصفة خاصة فى إطار هذا المناخ الجديد الذى قد يترتب على التعامل فى إطاره سوابق تؤخذ فى المستقبل على حساب الحقوق المكتسبة الاتحاد الأفريقى ومبادرة النيباد: انضمت مصر لعضوية الاتحاد الأفريقى الذى يحل محل منظمة الوحدة الأفريقية بعد انتهاء الفترة الانتقالية التى بدأت رسميا منذ ـ 26 مايو 2001، وقال وزير الخارجية المصرى أحمد ماهر أمام مؤتمر القمة الأفريقى فى لوساكا (يوليو 2001) أننا نفخر بالإنجاز الكبير الذى تحقق بالإجماع الإفريقى على إنشاء الاتحاد والذى عكسه توقيع كافة الدول واستكماله للنصاب القانونى اللازم لدخوله حيز التنفيذ ولذلك فإننى أعلن أمامكم أن مجلس الشعب المصرى قد صدق فى 2 يوليو 2001 على القانون التأسيسى ومن دواعى سرورى أن نودع وثائق تصديقنا عليه لدى الأمانة العامة خلال الأيام القلية القادمة (74) ويعتبر الاتحاد الأفريقى بمثابة التنظيم الإقليمى القارى الجديد الذى سينتقل أفريقيا إلى قارة أكثر تكاملا وقوة،

كما ينعقد عليه الأمل فى نقل إفريقيا من حالة الفوضى وعدم الاستقرار والصراعات والحروب إلى حالة من الاستقرار والسلام والأمن الأمر الذى يهيئ القارة لعملية التنمية والإصلاح الاقتصادى المنشود، كما أن الاتحاد يمثل أمل شعوب أفريقيا فى أن يكون الوعاء التنظيمى الملائم لنقل أفريقيا بين حالة الإهمال الدولى والتهميش التى فرضتها ظروف العولمة وغيرها، إلى حالة أفضل من الاهتمام والتعاون وبناء شراكات إيجابية بناءة مع القوة الدولية المختلفة (75) ولا شك أن الاتحاد الأفريقى سيلقى على مصر، باعتبارها دولة محورية، مسئوليات أكبر على الساحة الأفريقية، أصبحت هى الآن أكثر استعداد لتحملها عن ظل الاهتمام والانخراط المصرى المتزايد فى شئون القارة أما مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا new partnership far Africa ـ s development ) Nepad) فهى عبارة عن إطار استراتيجى شامل وخطة متكاملة لتنمية القارة الإفريقية، لكن من منظر أفريقى، وتنطوى الخطة أو المبادرة على تعهد القارة الأفريقية، بموجب القضاء على الفقر ووضع البلاد الأفريقية فرديا وجماعيا، على طريق النمو المطرد والتنمية المستديمة والمشاركة فى الوقت نفسه بصورة فعالة فى الاقتصاد العالمى بشئونه السياسية والمبادرة التى تعد مشروعا لنهضة أفريقيا من قبل منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقى، قامت على أساس دمج المبادرات الأفريقية المتعددة التى كانت مطروحة من قبل وتتمثل أساسا فى برنامج شراكة الألفية لإنعاش أفريقيا الذى قام على أفكار النهضة الإفريقية لتابومبيكى Millemminm ـ partnership for Africa ـ s recovery (map).
وشارك فى هذا البرنامج كل من الرئيس النيجيرى أوباسانجو، والجزائرى بوتفليقة كما كانت هناك أيضا خطة سنغالية قدمها الرئيس السنغالى عبدالله واد فى مؤتمر الفرانكوفونية فى الكاميرون يناير ـ 2001، وهى خطة omega وقد قامت مصر، فى ظل هذا الوضع، وبالتعاون مع بعض الدول الأخرى، بالعمل على دمج هاتين الخطتين، وذلك عبر سلسلة من الإجراءات والاجتماعات التى جرت فى السنغال والجزائر ومصر وجنوب أفريقيا، وذلك إلى أن تم التوصل إلى مبادرة أفريقيا الجديدة new Africa initiative ) nai) والتى قدمت للقمة الأفريقية فى لوساكا 11 يوليو 2001، حيث تمت الموافقة عليها واستكمال شكلها النهائى كإطار للعمل فى 23 أكتوبر 2001، وذلك باسم ال NEPAP وتعتبر مصر من الدول الخمسة المؤسسة للمبادرة والمسئولية عن الملف الزراعى والنفاذ للأسواق الخارجية بالسلع الزراعية، كما أنها من الدول الخمس التى تقود المبادرة، ضمن اللجنة التنفيذية لرؤساء الدول والحكومات، وذلك بالاشتراك مع كل من نيجيريا والجزائر وجنوب أفريقيا والسنغال ومع هذا الإطار، شارك الرئيس مبارك فى القمة التى دعت لها فرنسا، وضمت رؤساء الدول والحكومات والأعضاء فى مبادرة ال nepad وعبر الرئيس فى هذه القمة عن أمله عن أن تثمر المبادرة الأفريقية الجديدة nepad من مشاركة جديدة وبناءة بين الدول الأفريقية والمجتمع الدولى ككل ووجه التحية لمجموعة الدول الثمانى الكبرى على دعم المبادرة من خلال خطة عمل جنوا من أجل أفريقيا وأضاف لا بد من خلق الظروف المواتية للتنمية من القارة الأفريقية من خلال مجهوداتنا فى إطار المبادرة فلا بد من أن يعم السلام والاستقرار فى أفريقيا من خلال جهود مشتركة يمكن أن تسهم فيها مجموعة الثمانية، كما عبر الرئيس كذلك عن حتمية دعم الجهود الذاتية التى تقوم بها الدول الأفريقية فى مجال الإصلاح السياسى والديمقراطى أخذا فى الاعتبار الخصوصيات الثقافية والدينية لمناطق القارة ودولها (76).
خاتمة: هكذا فإن الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا الذى شهد عصره الذهبى مع ثورة يوليو مازال متواصلا، وإن كان قد تأثر لفترة طويلة بعد نهاية عصر الاستعمار ومع التسليم بأن مسألة الدور المصرى القيادى المطلق كانت مجرد مرحلة تاريخية لها ظروفها، وأن طبيعة المرحلة التى تمر بها أفريقيا والعالم الآن لا تسمح بقيام دولة عظمى إقليمية فإن الدور المصرى الآن مازال أكثر أهمية فى زمن العولمة والهيمنة، وما زال مطلوبا بشدة فى القارة الأفريقية وربما يكون دور مصر فى ضبط عملية التوازن بين دول القارة الأفريقية وأقاليمها وبين القوى المختلفة فى العالم، من المسائل التى تعد على جانب كبير من الأهمية خاصة فى هذه المرحلة الراهنة ستقبل فيها القارة على الاندماج فى النظام الدولى لقد نظمت مصر العلاقات الأفريقية حينما استضافت القمة الأوروبية الأفريقية الاستراتيجية الأولى (القاهرة أبريل 2000) والتى صدر عنها إعلان متوازن، ومازال هذا الدور مطلوبا خاصة فى إطار التنسيق بين مصر وبين الدول المحورية فى القارة، كما أن تنظيم العلاقة بين عناصر المنظومة الإقليمية الجديدة، الممثلة فى الاتحاد الأفريقى والجماعة الاقتصادية الأفريقية والمنظمات والتجمعات الإقليمية الفرعية ستحتاج لجهد وإدارة سياسية جيدة سواء من مصر أو من دول القارة ومن نافلة القول، أن السلام والأمن هما مفتاح النهضة الأفريقية مفتاح التنمية، ولعل الاقتراح الذى عرضته مصر وتم إقراره، ويدعو لاجتماع وزراء خارجية الدول الأفريقية لتدارس الخطوات التنفيذية لعقد مؤتمر الأمن والاستقرار والتنمية والتعاون فى أفريقيا، يعتبر من المبادرات الهامة التى يمكن أن تضبط العلاقات الدولية الأفريقية، سواء فيما بين القارة أو فيما بين الدول القارة والعالم فى السنوات والعقود القادمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أد. محمود أبو العينين/ استاذ العلاقات الدولية وعميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية السابق،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش: ـ
(1) أقامت مصر مفوضية وقنصلية فى إثيوبيا (أديس أبابا) فى فترة ما بين الحربيين العالميتين كما تبادلت التمثيل القنصلى مع جنوب أفريقيا، منذ عشرينات القرن العشرين منذ عشرينات القرن العشرين، ثم تبادل التمثيل الدبلوماسى على مستوى قائم بالأعمال فيما بين الحربيين وأوفدت مصر أول سفير ومندوب فوق العادة إلى منروفيا، حيث قدم أوراق اعتماده فى الاحتفالات الرسمية بتنصيب رئيس جمهورية منروفيا يناير 1951 ـ
(2) د محمود ابوالعينين، الدور الإقليمى المصر فى أفريقيا: ومتغيرات التسعينات فى د إبراهيم نصر الدين (محرر) مصر وأفريقيا مسيرة العلاقات فى عالم متغير (القاهرة: معهد الدراسات الأفريقية 1996) ـ
(3) أنظر: حلمى شعراوى، أفريقيا/ قضايا التحرر والتنمية (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1981) وخاصة الجزء الذى يركز على علم السياسة وقضية انتماء مصر العربى الأفريقى، ص 292 وما بعدها ـ
(4) أحمد يوسف القرعى، الدائرة الأفريقية فى اهتمامات القيادة المصرية، فى إبراهيم نصر الدين (محرر) م س ذ ص ص 24 ـ 25 ـ
(5) محسن محمد، مصر والسودان: الانفصال بالوثائق السرية البريطانية والأمريكية (القاهرة: دار الشروق، 1994) ص ص 55 ـ 57 ـ
(6) محمد فايق، عبدالناصر والثورة الأفريقية (القاهرة: دار المستقبل العربى، 1982) ص 25 ـ
(7) TAREQ ISMAEL THE UAR IN AFRICA (LONDON: ANN ARBOR, REPRINTED ON DEMAND BY UNIVERSITY MICROFILMS ـ INTERNATIONAL, 1971) , P36 ـ
( Cool

محمود محمد إبراهيم ابوالعينين، حق تقرير المصير، مع دراسة مقارنة لقضيتى إريتريا والصحراء الغربية، رسالة دكتوراه، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ـ جامعة القاهرة، 1987، ص ص 96 ـ 97 ـ
(9) ARTHUR GOUSHON: CRISIS IN AFRICA: BATTLEGROUND FOR EAST AND WEAT (LONDON, BENGUIN BOOKS, 1982) PP 149 ـ 150 ـ
(10) وعموما، فقد بدأت الولايات المتحدة تظهر بوجه آخر، حينما بدأت المواجهات تتسع فى أفريقيا بين الشرق والغرب واختلطت فيها عوامل النفوذ السوفيتى ـ الشيوعى بعوامل مقاومة الاستعمار البرتغالى ونظم التمييز العنصرى، أنظر مزيدا من التفاصيل فى PP 150 ـ 151 IBID ـ
(11) محمد فايق، م س ز ص 58 ـ
(12) محمود ابوالعينين، الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا ومتغيرات التسعينات، فى م س C ص 132 ولاحظ فى هذا الأمر، احتجاجات حكومة العراق فى الخمسينات، وهى ضمن حلف بغداد على قلة مساعدات الغرب لها، قياسا على مصر ـ
(13) أنظر: د محمود ابوالعينين والتحولات الراهنة فى النظام الدولى فى د عبدالعظيم رمضان (محرر) مصر وأفريقيا: الجذور التاريخية للمشكلات الأفريقية المعاصرة (القاهرة الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة تاريخ المصريين رقم (95) ، 1996 ص 281 ـ 2820، وأيضا: ـ GABEIEL R WARBURG, EGYPT AND THE SUDAN: STUDY IN GISTORY AND POLITICS (USA) FRANK CASS& CO LTD, 1985,PP 166 ـ ـ 167 وأنظر كذلك: COLIN W LARWSON, SOVIET ECONOMIC AID TO AFRICA, IN AFRICAN AFFAIRS,1988, P 405 349, VOL 87, OCTOBER ـ
(14) د إسماعيل صبرى عبدالله وزملائه، (ومحررين) تطور الاقتصاد المصرى 1952 ـ 1977 (القاهرة: الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978) ص 262 وما بعدها ـ
(15) حلمى شعراوى، أفريقيا قضايا التحرر والتنمية، م س ذ ص 299 تابع الهوامش: ـ
(16) جمال عبدالناصر، فلسفة الثورة (القاهرة: المطبعة العالمية، بدون تاريخ) ص ص 77 ـ 78 ـ
(17) TAREQ USMAEL, OP CIT, P25 ـ
(18) حلمى شعراوى، أفريقيا: قضايا التحرر م س ذ ص 302 ـ
(19) Boutros Boutros Ghali, The Foreign Policy Of Egypt, In Olajide Aluko, The Foreign Policies Of African States (London: Hodder And Stoughton, 1977) Pp 42 ـ 43 ـ
(20) Gabriel R Warburg, Op Cit, P 166 ـ
(21) Ibid, P 196 ـ (22) Tareq Ismael, Op Cit, P 36 ـ (23) Idem ـ
(24) حلمى شعراوى، ثورة يوليو وأفريقيا، مع إشارة خاصة للعلاقات المصرية السودانية (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2001) ص ص 38 ـ 40 ـ (25) محمد فايق، م س ذ، ص ص 1983 ـ 186 ـ
(26) المرجع السابق ـ
(27) كولين ليجوم، الجامعة الأفريقية: دليل سياسى موجز، ترجمة أحمد محمود سليمان (القاهرة: الرابطة المصرية للتأليف والترجمة يونيو 1966) ص ص 53 ـ 56 ـ
(28) محسن محمد، مصر والسودان، م س ذ، ص ص 69 ـ 70 ـ
(29) سارعت حكومة الثورة بسحب قواتها فور تلقيها طلبا بذلك من الجمعية التأسيسية السودانية عام 1955، بل أنها تركت الأسلحة الثقيلة هدية للجيش السودانى، كما أنها لم تتمسك بإجراء الاستفتاء وسارعت بالاعتراف بالجبهة السودانية المستقلة ـ
(30) محمد فايق، عبدالناصر والثورة الأفريقية، ص ص 26 ـ 27 ـ
(31) حسام الدين العزبى، العلاقات المصرية السودانية وأثرها على الأمن القومى المصرى، رسالة دكتوراه، غير منشورة أكاديمية ناصر العسكرية العليا، 1997، ص 17 وأيضا محمد فايق م س ذ ص 42 ـ
(32) TAREQ ISMAEL, OP CIT, PP 24 ـ 25 ـ
(33) IDEM ـ
34) أنظر بصفة عامة، محمد فايق، م س ذ، ص ص 46 ـ 47 وأنظر كذلك أحمد يوسف السيد أحمد القرعى، سياسة مصر الخارجية تجاه تصفية الاستعمار البرتغالى والنظم العنصرية فى أفريقيا (1952، 1967) رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات الأفريقية جامعة القاهرة مايو 1978 ـ
(35) حلمى شعراوى، ثورة يوليو وأفريقيا فى م س ذ، ص ص 38 ـ 39 وكذلك محمد فايق، م س ذ ص ص 43 ـ 44 ـ
(36) المرجعان السابقان ـ (37) محمد فايق، ص ص 51 ـ 76 ـ
(38) أنظر المرجع السابق مباشرة صفحات متفرقة، وأنظر كذلك بصفة عامة: الان ب ميريام، مأساة الكونغو، ترجمة حسن التميمى (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ط1 1970) وكذلك: نازلى معوض أحمد يوسف) الحركة الانفصالية فى نيجيريا ـ قضية مباشرة رسالة ماجستير كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، 1974 ـ
(39) أحمد يوسف القرعى، مصر ودبلوماسية تحرير جنوب أفريقيا فى السياسة الدولية، العدد 116، أبريل 1994، ص 170 أنظر كذلك: د رجاء إبراهيم سليم، جنوب أفريقيارؤية جديدة، فى د إجلال رأفت (محرر) العلاقات العربية الأفريقية (القاهرة مركز البحوث والدراسات السياسية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة، 1994) ص ص 188 ـ 192 و ص ص 196 ـ ـ 1980 وكذلك
(39) AFRICAN RESEARCH BULLETIN, SEPTEMBER 16 TH, 15, IN: OCTOBER 1993, P 11421 تابع الهوامش: ـ
(40) أحمد يوسف القرعى ن م س ص 171 ـ
(41) أنظر: كولين ليجوم الأفريقية دليل سياسى موجز، ترجمة م س ذ ص 51 وما بعدها وأنظر كذلك: د عبدالرحمن إسماعيل الصالحى، مصر منظمة الوحدة الأفريقية القاهرة: الجمعية الأفريقية، مايو 1988) ص ص 15 ـ 18 ـ (42) د عبدالرحمن إسماعيل الصالحى، المرجع السابق، ص ص 25 ـ 26 ـ
(43) سياسة عدم الانحياز والتضامن الأفروآسيوى على العلاقات العربية الأفريقية والدور أنظر: كولين ليجوم، الجامعة الأفريقية م س ذ، ص ص 49 ـ 50 ـ
(44) أنظر بصفة عامة جمهورية مصر العربية، وزارة الخارجية، التكامل بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان الديمقراطية 1974 ـ 1987 (القاهرة: وزارة الخارجية المصرية، 1983) وكذلك، د عبدالعظيم الجنزورى، التكامل المصرى السودانى فى مصر المعاصرة القاهرة العدد 397 ن يوليو 1984) ـ
(45) TAREQ ISMAEL, OP CIT, P25 ـ (46) كولين ليجوم م س ذ، ص 49 ـ (47) محمد فايق، م س ذ، ص 195 ـ
(48) حول سياسات الإصلاح الاقتصادى وأوضاع الاقتصاد المصرى أنظر: التقرير الاستراتيجى العربى 1992 (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية: الأهرام 1993) ص 64 وما بعدها وأنظر كذلك: أحمد عبدالحليم محمد على (محرر) الاقتصاد المصرى فى مواجهة التحديات العالمية، بحوث المؤتمر الأول لكلية التجارة (بنات) بجامعة الأزهر، 29 ـ 30 أبريل 1997 القاهرة: دار الكتاب المصرى الطبعة الولى (1998) ـ (49) الأهرام الاقتصادى، ندوة الاقتصاد فى: نحو دبلوماسية مصرية للتنمية الأهرام الاقتصادى القاهرة مؤسسة الأهرام وأنظر: د مصطفى علوى، السياسة المصرية فى أفريقيا ـ المحددات الداخلية (القاهرة: دار الهانى لطباعة الأوفست 1986) ـ ص ص 28 ـ 33 ـ
(50) أنظر بشكل أكثر تفصيلا علاقات مصر وليبيا فى هذه الفترة، فى: ـ SALAH EL SAADANY, EGYPT AND LIBYA, FROM INSIDE, 1969 ـ 1976 TRANSLATED BY MOHAMED EL ـ BAHAIRY (NORTH CAYOLINA AND ـ LONDON MEFARLAND CONPANY INC PNHLISHERS 1994 PP 176 ـ 177 ـ
(51) حول مزيد من التفاصيل عن تجربة التكامل أنظر: المجلس العلى للتكامل ـ الأمانة العامة للتكامل المصرى السودانى ـ ـ الخلفية التاريخية لشعب وادى النيل إعداد يوسف فضل حسن لواء أ ح/ إسماعيل محمد شوقى (القاهرة، مطابع الأوفست، من أعمال الندوة الاستراتيجية للقوات المسلحة نوفمبر 1983) أنظر كذلك و د ميرغنى النور جاويش، العلاقات المصرية السودانية ما بين التكامل وميثاق الإخاء ورقة مقدمة لندوة العلاقات المصرية السودانية من الماضى والحاضر والمستقبل، مركز البحوث والدراسات السياسية ـ كلية الاقتصاد ـ جامعة القاهرة، وشعبة العلوم السياسية ـ كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية ـ جامعة الخرطوم، القاهرة: 13 ـ 15 مايو 1989) ـ
(52) أنظر: جمال حمدان، شخصية مصر: دراسة فى عبقرية المكان ـ المجلد الثانى (القاهرة: عالم الكتب، سبتمبر ـ 1981) ص ص 940 ـ 941 ـ
(53) GABRIEL R WAR BURG, PP 169 ـ 180 تابع الهوامش: ـ
(54) د محمود ابوالعينين، الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا ومتغيرات فى م س ذ، ص 135 ـ
(55) د عبدالملك عودة ـ دوائر السياسة الخارجية المصرية ـ فى الأهرام 19 ديسمبر 1995 ـ
(56) مقتطف من نص خطاب الرئيس حسنى مبارك أمام جلسة مجلسى الشعب والشورى بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية لمجلسى الشعب بتاريخ 1994/11/12 ونص الخطاب منشور بالأهرام، 1994/11/13 ـ
(57) نص بيان وزير الخارجية عمرو موسى فى ختام مناقشة تقرير لجنة الشئون العربية والعلاقات الخارجية والدفاع والأمن القومى حول التعاون العربى الأفريقى، منشور بالأهرام 20 مارس 1992، وكذلك 19 مارس 1992 ـ
(58) د أسامة الباز مصر فى القرن ال21: أمام التحديات والآمال منشور بالأهرام، بتاريخ 7 يوليو 1996 ـ
(59) د عبدالملك عودة، دوائر السياسة الخارجية المصرية فى م س ذ ـ
(60) كان ثمة اعتقاد فى التسعينات بأن هناك أربع دول فى أفريقيا تمثل الدول المحركة أو القوى الإقليمية الرئيسية، وهى مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وكينيا وأثيوبيا وقد سعت جنوب أفريقيا لتعزيز هذا الاعتقاد والطرح منذ عام 92 /193 قبل التحول الديمقراطى وقد رحبت بذلك نيجيريا حيث ردد أوباسانجو نحو هذا الطرح عند زيارتنا لجنوب أفريقيا وحينما زاد ديكلير رئيس وزراء جنوب أفريقيا السابق كينيا، عبر عن نفس الاتجاه، كما عبر عنه وزير خارجية جنوب أفريقيا حين زار مصر أوائل عام 1994، أنظر فى ذلك: د عبدالملك عودة، السياسة الخارجية لدولة جنوب أفريقيا تجاه الدول الأفريقية والعربية، فى السياسة الدولية، العدد ـ 120 أبريل 1995، ص ص 188 ـ 189 وأيضا لنفس المؤلف وهكذا تكلم وزير خارجية جنوب أفريقيا فى الأهرام بتاريخ 1994/4/2 ـ
(61) أنظر: د محمود ابوالعينين الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا فى م س ذ، ص ص 150 ـ 151 وأنظر كذلك عادل حمودة، ـ خصخصة مياه النيل وبيعها لإسرائيل فى الأهرام بتاريخ 28 أغسطس 1999 ـ
(62) ويعكس ذلك، موقف إسرائيل من الصراع فى منطقة البحيرات الكبرى، وتأييدها ومساعداتها عسكريا للحكومات والمتردين فى أن واحد، كما يعكس دورها فى الحرب الإريترية، ومساعداتها للطرفين المتحاربينالخ ـ
(63) مدت إيران نشاطها الدينى والثقافى والتجارى لمعظم بلدان أفريقيا، كأوغندا وتنزانيا وإثيوبيا، وزائر وأفريقيا الوسطى والسنغال وزيمبابوى ومدغشقر وزامبيا، شطت فى جنوب أفريقيا وزادت واستثماراتها فى مناجم الذهب وشرعت فى دعم علاقاتها الاقتصادية مع جنوب أفريقيا فى مجال النفط وتخزينه ـ
(64) اتخذت حكومة الخرطوم مع أوائل التسعينات عدة إجراءات من شأنها تعريض المصالح الحكومية المصرية للخطر، وتصفية الوجود التاريخى المصرى فى السودان من بينها: ـ (أ) ترحيل البعثة التعليمية المصرية والاستيلاء على المدارس المصرية وجامعة القاهرة فرع الخرطوم بدعوى سودنة التعليم ـ
(ب) الاستيلاء على ممتلكات المصريين من استراحات وغيرها ـ
(ج) تجميد نشاط أجهزة الرى المصرية، بما فى ذلك تجميد التعاون فى الهيئة الفنية الدائمة لمياه النيل ـ
(د) التلويح بإغفال اتفاقية الانتفاع بمياه النيل لعام 1959 وتليه بعض الخزانات وحفر الترع وإقامة بعض المجارى المائية بينها وبين ليبيا الخ ـ
(ه) إثارة مشكلة الحدود فى منطقة الحدود فى منطقة حلايب واستغلالها ـ
(و) التورط فى محاولة الاعتداء الفاشلة على الرئيس مبارك فى أديس أبابا، وما سبق ذلك من عمليات إرهابية الغرض منها زعزعة الاستقرار فى مصر تابع الهوامش: ـ
(65) تجمع الاندوجو (الإخاء باللغة السواحيلية) تأسس بناء على مبادرة مصرية عام 1983، وعقدت اجتماعاته التى كانت تتم على مستوى وزارى بداية من ذلك العام، وتركز نشاطه على التعاون الفنى وتبادل الخبرات والمعلومات فى إطار حوض النيل وكانت الدول المؤسسة هى مصر والسودان وزائير وأفريقيا الوسطى، ثم انضمت رواندا وبوروندى، وكانت كل من أثيوبيا وكينيا فى وضعية مراقب ولم يتمكن التجمع من عقد سوى سبعة اجتماعات، كان آخرها فى أبريل 1991، ثم تجمد التجمع وانصرفت الدول المكونة لها للبحث عن إطار أكثر فاعلية، انطلاقا من تشكلها فى جدواه وأهدافه، وخاصة أثيوبيا وكينيا ـ
(66) سفير ـ محمد شعبان، فى محاضرة بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية ـ جامعة القاهرة فى 1998/3/30 ـ
(67) TEXT: SPEECH BY FOREIGN MINISTER AHMED MAHER BEFORE NASSER MILITARY ACADEMY CAIRO: MAY4, 2002 (INTERMENT: HTTP: WWW MFAGOVEG ـ FRAMES: ASP? ID=NET ـ (68) EGYPTIAN ـ LIBYAN ـ SUDANESE MEETING AN THE MARGIN OF COMESA SUMMMIT ADDID ABABA, MAY 24,2002 INTERNET:ـ ـ HTTP: //WWW MFAGOVEG ـ FRAMES: ASP? IOL=NET ـ (69) أنظر د عبدالملك عودة، السياسة الأمريكية والمصالحة السودانية، الأهرام، 8 فبراير 2002 وأنظر كذلك: ـ Francis M Deng & Stephen Morrison US Policy To End Sudan ـ s War: Report Of The Crisis Task Force On US Sudan Policy ـ February 2002 By The Center For Strategic And International Studies, Mannington DC ـ (70) كان التجمع يضم 21 دولة، وهو الآن يضم 20 دولة بعد انسحاب تنزانيا ـ
(71) أنظر بوجه عام: د محمود ابوالعينين ـ العلاقات السياسية بين مصر ودول الكوميسا (المستوى الثنائى) فى آفاق أفريقيا (الهيئة العامة للاستعلامات، المجلد الأول، العدد الأول، ربيع 2000) ص ص 55 ـ 93 ـ
(72) حول مزيد من التفاصيل بصدد هذا التجمع، أنظر/ ساميه بيبرس، تجمع دول الساحل والصحراء فى آفاق أفريقية المجلد الثانى العدد السابع، خريف 2001) ص ص 84 ـ 94 ـ
(73) للمزيد من التفاصيل حول المبادرة أنظر: ـ Internet, Nile Initiative, Sequence Of Major Events Of The Nile Initiative Process, Http: // Www Miledasin, Org/ ـ Ndihistory ـ Htm ـ
(74) بيان السيد أحمد ماهر وزير الخارجية أمام الدورة العادية ال37 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية لوساكا (زامبيا) من 9 إلى 11 يوليو 2001 ـ
(75) حول المزيد من التفاصيل بشأن الاتحاد الأفريقى، أنظر الكتاب المهم الآتى: د محمود ابوالعنين (محرر) الاتحاد الأفريقى ومستقبل القارة الأفريقية (القاهرة: مركز البحوث الأفريقية ـ جامعة القاهرة، أكتوبر 2001) ـ
(76) نص خطاب السيد الرئيس محمد حسنى مبارك فى القمة التى دعت لها فرنسا رؤساء الدول والحكومات الأعضاء فى المبادرة الأفريقية الجديدة (nepad) باريس 8 فبراير2002

العلاقة الصومالية المصرية … الماضي والحاضر والمستقبل

المقدمة
العلاقة بين الصومال ومصر ليست وليدة اليوم أو صناعة الأحداث التي تضمحل بزوال الحدث وانما هي علاقة مبادئ وقيم ضاربة جذورها في عمق التاريخ، «لما بين البلدين من وحدة الجنس ووحدة الثقافة والمدنية الحامية بالإضافة إلى عوامل أخرى كانت كوسائل ربط وتدعيم بين الأمة المصرية والأمة الصومالية في العصور القديمة ، بل على طول التاريخ حتى يوم الدين ، وذلك هو وجود كل من الصومال ومصر على الطريق الملاحي التجاري العظيم وهو طريق البحر الأحمر … فمصر تتحكم في المدخل الشمالي للبحر الأحمر – والصومال تتحكم في المدخل الجنوبي١».هذه العلاقة التي نشأت منذ ذلك التاريخ ستكون باقية الي يوم الدين، فاتحة كل يوم آفاقا جديدة من التطور والتقدم تعكس على متانة العلاقة وجذورها التارخية المليئة بالمحبة والمشاعر الطيبة.
في العصور القديمة كانت بلاد الصومال الوجهة التجارية المفضلة لدى المصريين ، وكانت السفن التجارية المصرية لا تفارق السواحل الصومالية تنقل منها البخور والعطور والمواشي والذهب والأشجار الثمينة «حتى غدا الصومال بلدا يغذي باستمرار خيال الشعب المصري٢» في حين كان ملوك مصر القديمة ترسل بعثات متتالية الي الصومال بغية تمتين أوصر الصداقة بين البلدين والشعبين ولتكون أكثر حميمة واستراتيجية. ومن أهم تلك البعثات، بعثة ملكة حتشبسوت خامسة فراعنة الأسرة الثامنة عشر التي لا تزال آثار ها تحتفظ في سجلات تاريخ البلدين.
وفي عصر الدولة الحديثة، ازدادت العلاقة الثنائية الأخوية بين الصومال ومصر تمسكا ورسوخا في ظل القيادات الرشيدة التي مرت بالبلدين وتوطدت أكثر فأكثر حين وقف المصريون والزعيم الراحل جمال عبد الناصر الي جانب الصوماليين في حربهم ضد الاستعمار والجهل. وكانت مصر من أوئل الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام ١٩٦٠، ولا يزال الصوماليون يذكرون بكل تقدير اسم الشهيد المصري كمال الدين صلاح مندوب الأمم المتحدة لدي الصومال الذي دفع حياته عام ١٩٥٧ثمناً لجهوده نحو حصول الصومال علي الاستقلال والحفاظ علي وحدته.
وعلى قدر الذي وقف المصريون الي جانب الصومال في نضاله ضد الاستعمار البريطاني والإيطالي كانوا أيضا سباقين في دعمه خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال في مختلف المجالات لا سيما في مجال التعليم، حيث تواجدت المدارس المصرية والأساتذة المصريين في العاصمة الصومالية مقديشو، ولعبت البعثات الأزهرية والمعلمين التابعين للأزهر الشريف دور ا كبيرا في نشر العلم وتعاليم الإسلام الصحيح في ربوع الصومال وهذا هو سر الإحترام والود الذي يكنونه علماء الصومال للأزهر الشريف. كما لعبت البعثات المصرية دورا رائدا في بناء الكوادر التعليمية وتعريب الصومالين في اطار حملة واسعة يمكن للمتابع ان يقرأ من خلال جهود الحكومات المصرية في دعم الصومال في جميع مجالات الحياة كي يعزّز موقعه الطبيعي ويكون جزاء أصليا من الوطن العربي.
وتأكيدا للدور المصري والعلاقة الأخوية بين البلدين، قام محمد سياد بري الرئيس الصومالي الأسبق عام ١٩٧١ بزيارة تاريخية إلى مصر، فاستقبله الرئيس المصري الراحل أنور السادات بحفاوة غامرة من المحبة والإخاء في منتجعه بمدينة الأسكندرية مؤكدا على عمق وصلابة العلاقات بين مصر والصومال٣. وهذه الزيارة التاريخية فتحت آفاقا واسعة للتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، حيث جرى بعدها توقيع اتفاقيات مهمة شملت جميع المجالات ولاسيما مجالي الإقتصاد والتعليم ومن أهم هذه الإتفاقيات، إتفاق نقل جوي عام ١٩٧٤ وإتفاق تجاري عام ١٩٧٨ واتفاق التعاون بين معهد الدبلوماسية المصرية ومعهد الدبلوماسية في الصومال عام ١٩٨٩.(٤) وكذلك نتيجة الجهد العظيم الذي بذلته القيادة المصرية، تم قبول الصومال عضواً في جامعة الدول العربية عام ١٩٧٤. (٥)
الدور المصري أثناء الحرب الأهلية
خلال الحرب الأهلية لم ينس المصريون إخوانهم في الصومال ووقفوا الي جانبهم، بل كانت مصر من الدول المعدودة التي بذلت جهدا كبيرا لمنع اندلاع الحرب الأهلية. وشهدت القاهرة والسفارة المصرية في مقديشو، لقاءات واجتماعات بين المسؤولين في نظام محمد سياد بري والجبهات المعارضة، للحيلولة دون اندلاع الحرب الأهلية وانهاء الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة بالطرق السلمية٦، وأبرز ميثال في ذلك المبادرة المصرية الإيطالية عام ١٩٨٩ (٧) لكن نتيجة لتدخلات قوية من قبل بعض دول الجوار لم تكلل تلك الجهود بالنجاح ودخل الصومال في اتون حرب أهلية راح ضحيته الآف المواطنين الأبرياء.
وبعد اندلاع الحرب في الصومال لم تتوقف جهود مصر لوقف نزيف الدم وحماية وحدة تراب دولة الصومال وتماسك مجتمعها، بل كانت حاضرة بقوة في جميع الجهود الدولية للمّ شمل الصومالين، ورفضت تقسيم الصومال والإعتراف بانفضال اقليم الشمال «صومالاند»٨. كما نظمت مصر عددا من المؤتمرات المصالحة للأنهاء الاقتتال الداخلي في مقديشو واحلال السلام في ربوع الصومال شارك فيها معظم الفصائل المتناحرة. ومن بين تلك المؤتمرات، مؤتمر المصالحة في القاهرة الذي استمر في الفترة بين ١٢ نوفمبر ١٩٩٧ – ٢٢ ديسمبر ١٩٩٧ وتم التوصل فيه الي قررات كانت في غاية الأهمية لإنهاء الحرب الدائرة آنذاك في مقديشو، أطلقت عليها «اعلان القاهرة»٩.
وفي المجال الإنساني، لعبت مصر دورا فعالا في عملية أعادة الأمل التي قادتها الولايات المتحدة عام ١٩٩٢ لدعم الصومال، وقررت ارسال أكثر من ٧٠٠ جندي الي مقديشو ضمن القوات الدولية لانقاذ المنكوبين جراء المجاعة عام ١٩٩٢، وبحكم علاقات مصر القديمة مع الصومال ومكانتها لدى الصوماليين تمركزت هذه القوات في المواقع الحساسة بالعاصمة مقديشو واسند اليها مهمة تأمين وحماية المطار والميناء وبعض أهم التقاطعات في المدينة، كما قامت هذه القوات بدور محوري في عمليات الإغاثة وتوزيع المعونات على القرى والتجمعات القريبة من مناطق تمركزها واقامة مستشفيات ميدانية لمعالجة المرضى الذين بلغ عددهم أنذاك ما بين ٣٠٠- ٤٠٠ حالية يوميا(١٠).
لم تقتصر جهود القوة المصرية التي كانت ضمن القوات الدولية ( يونيصوم) على مجال الإغاثة وانما شاركت أيضا في اعادة بناء القوات الصومالية، حيث دربت القوة المصرية ما بين ١٥٠٠- ٢٠٠٠ فرد من قوات الشرطة الصومالية أي حولي ٢٠٪ من قوة الشرطة التي كان يجري إعدادها آنذاك وزودتها ما كانت تحتاجها من أسلحة وعتاد وأجهزة اتصالات قبل ان تنسحب القوة االمصرية مع باقي القوات الدولية من الصومال عام ١٩٩٥.(١١)
وفي فترة الحرب الأهلية وصل الي الأراضي المصرية آلاف الصوماليين الذين نزحوا من ويلات الحرب، فأستقبلتهم مصر ومدت لهم يد العون، ولم تنشأ لهم مخميات كما تفعل بعض الدول لكن سمحت لهم الإندماج مع الشعب المصري ومنحت الحكومة لهم تعليما مجانا أو أمرت ان يتم معاملتهم كمعاملة المصريين والأجئين السوريين في المدارس والجامعات . وهذه المعاملة الأخوية هي التي أدت ان يتخرج من الجامعات المصرية آلاف من الشباب الصوماليين في كل عام الذين يتقلدون اليوم بعض منهم مناصب عليا في الحكومة المركزية والحكومات الأقليمية في الصومال فيما البعض الآخر يحاضرون في الجامعات الصومالية وبعض الجامعات في دول الجوار.
الدور المصري بعد إنتهاء الحرب الأهلية
وسط التحولات التي يشهدها الصومال في الآونة الأخيرة وتحسن الأوضاع الأمنية في العاصمة مقديشو، بدأت مصر تستعيد دورها الرائد في الشأن الصومالي بشكل مباشر وخصوصا فيما يتعلق بدعم الصومالين والمساهمة في اعادة بناء مؤسساتهم الوطنية التي إنهارت أثناء فترة الحرب الأهلية سواء من حيث التدريب فى مجال الأمن ودعم المؤسسات التعليمية داخل وخارج مقديشو، وتوفير عدد من الخدمات الصحية بالإضافة الي دعم دور الأزهر الشريف لنشر الإسلام الوسطى ومكافحة الأفكار المتطرفة، وتتواجد حاليا داخل الصومال خبراء من الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا، وبعثات تعليمية من الأزهر الشريف، وأخرى من وزارة التربية والتعليم تبلغ عددها حوالي 90 مصرياً يساهمون في الجهود الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الجارية لإعادة احياء المؤسسات الحكومية ولاسيما قطاعي التعليم والثقافة١٢.
يتركز دور مصر الحالي على ثلاثة محاور أساسية:
١- المحور السياسي: وفي ضوء التقدم المحرز على صعيد تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال، زار محمد كامل عمرو، وزير الخارجية المصري الأسبق مقديشو واعلن من هناك إعادة افتتاح سفارة مصر في مقديشو عام ٢٠١٣ وتعين السفير محمود عوف، كأول سفير مصري للصومال يتخذ من مقديشو مقرا له بعد ٢٤عامًا من عمله في نيروبي، وذلك للتأكيد على أن مصر شريك أساسي للحكومة الصومالية في مواجهة كافة التحديات التي تواجه الشعب الصومالي، وإبراز دعمها المتواصل لجهود القيادة الصومالية الهادفة لإرساء الأمن وتحقيق الاستقرار.
وفي هذا الإطار، جرت لقاءات في أعلى المستويات بين المسؤولين المصرين والصوماليين سواء في القاهرة أو على هامش المؤتمرات الدولية بهدف تعزير عمق العلاقات بين البلدين وبحث سبل تقديم مصر جميع اشكال الدعم للصومال. وفي ٠٩-٠٦-٢٠١٤ قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة للقاهرة للحضور في حفل تصيب الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي واجرى خلالها لقاءا مع الرئيس السيسي تناول بحث تقوية أوصر العلاقة الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، ودعم الصومال في حربه ضد الإرهاب وبناء مؤسساته الأمنية. ونتيجة لهذا اللقاء ، بقيت الإتصالات بين القيادتين منذ ذلك الحين ساخنة وتبحث القيادة المصرية بشكل دائم، بتوجيه من الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي مع نظرائها الصوماليين، آخر التطورات على الساحة الصومالية وسبل دعم جهود الحكومة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.
٢- المحور التعليمي: منذ استقلال الصومال عام ١٩٦٠ كانت مصر ولاتزال من أكثر الدول الداعمة للصومال في مجال التعليم ووقّع البلدين اتفاقيات تعاونية في مجالي التعليم والثقافة من بينها اتفاق التعاون الثقافي عام ١٩٦١ وبرنامج تنفيذي ثقافي علمي بين عامي ٢٠٠٥- ٢٠٠٧ . (١٣)
وفي هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الصومال اطلقت مصر مبادرات ومشاريع عملاقة تهدف إلى دعم قطاع التعليم في الصومال من بينها، مشروع المساعدات العينية للطلبة من ذوي الدخل المحدود في مدارس الحكومية المصرية، وتغطية مصاريف الطلبة المسجلين في برنامج البعثات الجامعية خارج الدولة، ومبادرات تحسين الظروف المادية للطلبه المحتاجين وتمكينهم من مضاعفة جهدهم وزيادة تحصيلهم العلمي.
وفي هذا السياق كانت المفاجأة السارة، عندما وافق الرئيس عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي على زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة لطلاب الصومالين بالجامعات المصرية لتصبح ٢٠٠ منحة جامعية سنوياً،ومعاملة الطلاب الصوماليين الدارسين في مختلف الجامعات المصرية معاملة الطلاب المصريين والسوريين. وطبقاً للبرنامج الثقافي بين البلدين، يحصل الصوماليون حالياً على ٥٠ منحة جامعية سنوياً إلى جانب ٤٠ منحة أخرى يتم تقديمها من خلال التعاون بين وزارة الخارجية المصرية وسفارة دولة الصومال بالقاهرة١٤.
وبتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي وتحت رعاية مشيخة الأزهر والإمام الدكتور أحمد الطيب، قام في ١٧ -١١-٢٠١٣ وفد أزهري ضم مستشار شيخ الأزهر، الدكتور محمود عزب ود. محيي الدين عميد كلية العلوم الإسلامية ود. أحمد عامر المراقب المالي للرابطة العالمية لخريجى الأزهر الي مقديشو، لمعرفة الوضع التعليمي في الصومال والتمهيد لعودة البعثة الأزهرية الي مقديشو ويتوقع في الأيام القليلة المقبلة بحسب مصادر في السفارة المصرية بمقديشو ان تعود البعثة الأزهزية الي مقديشو وتبدأ نشاطاتها التعليمي بشكل رسمي وخصوصا في مجال تدريب الكوادر التعليمية١٥.
٣- المحور العسكري:  بدأت الحكومة المصرية منذ فترة بلعب دور فعال في الجهود الدولية التي تبذل لإعادة بناء المؤسسات الأمنية الصومالية المنهارة وذلك في اطار خطة مصرية طويلة الأمد لتدريب الشرطة والجيش وتوفير ما تحتاجهما من أجهزة وعتاد. ويقوم الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا الذي انشأ عام ١٩٨٠ بدعوة الجانب الصومالي للمشاركة في الدورات التدريبية التي ينظمها بصفة دورية في مجال الشرطة. في اطار الاستراتيجية المصرية لدعم المؤسسات الأمنية الصومالية وصل مؤخرا الي العاصمة مقديشو أولى مراحل مساعدات عسكرية من دولة مصر الشقيقة تشمل معدات عسكرية وأجهزة للجيش الصومالي.
مستقبل الدور المصري في ظل الإهتمام الدولي والإقليمي بالصومال
بحكم موقع الصومال الأستراتيجي، تتزايد في الآونة الأخيرة الأهتمام الدولي والاقليمي بالصومال، حيث دخلت على الخط دول كبرى لا تربطها علاقات تاريخية مع الصومال للاستثمار في هذا البلد الغني بالموارد الطبيعية والبشرية. ويمكن للمتابع بالشان الصومالي رؤية التنافس الدول الكبري في النفاذ الي الصومال بشكل واضح. وأبرز ملامح تنامي هذا الإهتمام يتجسد على صعيدين:
أولا: الصعيد السياسي والعسكري: منذ منتصف عام ٢٠٠٧ عندما استولت المحاكم الشرعية على معظم مناطق الصومال ، أبدت دول كثيرة وخصوصا الدول الكبري إهتمامها لما يجري في هذا البلد الإستراتيجي والغني بالنفظ والغاز والثروات الطبيعية الأخرى، معلنة عن فتح صحفة جديدة معالصومال، واستعدادها للمساهة في الجهودة الدولية لإعادة الاعمار وبناء مؤسسات الدولة والحرب ضد الإرهاب ولكن كل ذلك ليس شيكا على بياض.
ومن أهم هذه الدول التي دخلت الخط بقوة وابدت استعدادها لدعم الصومال سياسيا وعسكريا، ثلاث دول أقليمية ( إيثوبيا وكينيا وأوغند) وبريطانيا والولايات المتحدة.
١- الدول الثلاثة (إيثوبيا وكينيا وأوغند). تتواجد قوات كبيرة من تلك الدول في الأراضي الصومالية ولا تخفي رغبتها في استخدام الصومال كورقة لتثبيت هيمنتها الاقليمية وحماية مصالحها في العالم، وخير شاهد على ذلك عندما هددت أوغندا نوفمبر عام ٢٠١٢ بالانسحاب من الصومال للضغط على المجتمع الدولي من أجل سحب اتهامات دولية لها بدعم متمردين شرق الكونجو، في حين لا تزال ايثوبيا وكينيا تسخدمان وجودهما العسكرية في الصومال ونفوذهما في ادارات بعض المناطق، للتأثير في مواقف الحكومة المركزية تجاه التطورات الحاصلة في المنطقة. فالحكومة الكينية بات أمرها مكشوفا حيث ظلت تسيئ استخدام نفوذها الكبير في اقليم جوبا جنوب الصومال وتستغله أحيانا للضغط على الحكومة المركزية حتى تمرر مشروعاتها في الصومال والمنطفة.
أما إثيوبيا بالرغم من العدواة القديمة، تتمتع اليوم بعلاقات قوية مع إدارتي بونت لاند وصومالاند ولها قنصليات في جروي وهرجيسا، كما يتوقع ان تهيمن الإدارة الأقليمية المعلن في بيدوة قريبا وذلك بحكم تواجد جنودها في المدينة ولا يمكن ان نستبعد رغبتها في استخدام هذا النفوذ بهدف حماية مصالحها الاقليمية والدولية.
٢- بريطانيا والولايات المتحدة: تعتبر بريطانيا من أهم الدول التي دخلت الخط قريبا، وقادت تحركا دوليا لدعم الصومال. منذ عامين، بدأت بريطانيا بالإضطلاع بدور كبير في تحريك ملف الصومال، وإعادته الي الواجهة. فقد نظمت خلال عامين متتالين مؤتمرين دوليين حول مساعدة الصومال، كان الأول في شهر فبراير عام ٢٠١٢، والثاني مايو ٢٠١٣ ، وعد المشاركون في المؤتمر الأخير أكثر من٩٠ مليون دولار لإعادة بناء مؤسستي الأمن والعدالة.لكن فيما يبدو ينصب اهتمام بريطانيا على الجانب الإقتصادي وتريد الحصول على نصيب الأسد من عقود النفط والغاز في الصومال.
أما الولايات المتحدة: فقد إعترافت العام الماضي الحكومة الصومالية، لأول مرة منذ عام ١٩٩١م على خلاف الحكومات السابقة وأعلنت نيتها في اعادة فتح سفارتها بمقديشو في حين استقبل سفير الصومال في واشنطن، عمر عبدالرشيد شرماكي بحفاوة كبيرة من قبل الرئيس الامريكي باراك أوباما. وجاء هذا التطور في العلاقة السياسية بين الصومال والولايات المتحدة في ظل اعلان الأخيرة بان لديها تواجد عسكري في مقديشو لدعم بناء المؤسسات الأمنية الصومالية والقوات الأفريقية لحظ السلام ومساعدتهما في الحرب ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ثانيا: الصعيد الاقتصادي: لسنوات طويلة، لطالما رأى العالم الصومال، برغم غناه بالموارد الطبيعية، دولة تعاني على الدوام من الحرب والمجاعة، والفقر ، ودولة باتت سواحلها البحرية مرتعا للقراصنة الذين يختطفون السفن المارة في ساحل المحيط الهندي، الا أن السنوات الأخيرة حين تغير المشهد السياسي والأمني في الصومال بدأت نظرة العالم تجاه الصومال تتغير ولاح في الأفق تنافسا دوليا وسباقا نحو الاستثمار في الصومال والاستحواذ والسيطرة على عقود اعادة الاعمار. ويتجلى هذا الاهتمام في تحركات ثلاث دول كبري: الصين، تركيا، بريطانيا.
١- الصين :  في ظل تحسن الأوضاع الأمنية وعودة الاستقرار السياسي نسبيا وتشكيل حكومة صومالية تحظى باعتراف دولي وتمتع بشخصية قانونية كاملة في مجالات عقد الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول والمنظمات الدولية عكس الحكومات السابقة، بدأت الصين بالاهتمام بالصومال والبحث عن موطأ قدم لها في الساحة الصومالية حيث تمت لقاءات وزيارات قام بها مسؤولون في البلدين تم تتويجها في الزيارة الأخيرة التي جاء بها تشانغ مينغ ، نائب وزير الخارجية الصينية الي مقديشو للمشاركة في اعادة افتتاح السفارة الصنينة في الصومال متعهدا بفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين الصومال والصين. كما جرى خلال الشهور الماضية توقيع اتفاقيات عديدة بين البلدين شملت مجالات الصحة، والثقافة، وبناء شبكات الطرق. فقد تعهدت الصين في إطار المرحلة الأولى من هذه الإتفاقيات على ترميم استاد مقديشو الدولي، والمسرح الوطني، ومستشفى بنادر، وهوالمستشفى الوحيد لأمراض الأطفال والنساء بإلإضافة الي إعادة بناء طريق (جالعيوـ برعو) وهو طريق حيوي، يربط جنوب الصومال بشماله (صومالاند).
لا يقتصر دور الصين في مساعدة الصومال بتنفيذ مشروعات تنموية، بل تشارك أيضا في توفير دعم مالي ومادي للقوات الأفريقية في الصومال كما بدأت الصين في السنوات الأخيرة بإستقبال الطلاب الصوماليين في جامعاتها. ويدرس حاليا عشرات منهم في الجامعات الصينية العريقة، وفي تخصصات مجالات العلوم التطبيقية، وهذه سياسة ثقافية تستخدمها الصين في التأثير على الدول الأفريقية وكسب شعوبها.
٢- تركيا:  تعد تركيا من أهم الدول التي لها وجود قوي في الصومال، وكانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي السابق، رجب طيب أردوغان وعائلته ووزرائه لمقديشو عام ٢٠١١ بداية الدور التركي الذي لم يقتصر على تقديم إغاثات عاجلة للمتضرّرين من المجاعة في الصومال، بل اهتم في مجال الاستثمار، حيث تدير الشركات التركية حاليا المطار والميناء أهم المصدرين للدخل الحكومي، والطيران التركية تعد الجسر الجوي المباشر الوحيد الذي يربط الصومال بأوروبا والولايات المتحدة . أضف الي ذلك، تزايد أعداد المدارس والمستشفيات التركية في الصومال والتي لها طابع اقتصادي. كما تساهم تركيا في عدة مجالات أخرى، منها: تدريب الجيش والشرطة وبعض موظفي الحكومة .
٣- بريطانيا: لا تخفي بريطانيا اهتمامها بالنفط والغاز الصومالي. وجرت مباحثات على أعلى المستويات بين مسؤولين بريطانيين ونظرائهم الصوماليين بشأن استغلال احتياطيات النفط المكتشفة في مناطق شمال شرق الصومال. وللتأكيد على هذا الإهتام قامت بريطانيا بتظيم مؤتمرات دولية في لندن حول اعادة اعمار الصومال واخرى عن فرص الاستثمار في مجال النفط والغاز في الفترة ما بين عام ٢٠١٢- ٢٠١٤. كما أسس رجال أعمال بريطانيون شركة «صوما للنفظ والغاز» عام ٢٠١٣ التي نظمت حى الآن مؤتمرين حول النفط والغاز الصومالي في لندن (٧-١٠-٢٠١٣ و ٢٠-١٠-٢٠١٤) ووقعت شهر أغسطس الماضي ( ٢٠١٤) اتفاقية مع الحكومة الصومالية في مقديشو للبدء في استكشاف النفط في مناطق شمال شرق الصومال.
أهمية الدور المصري في الصومال
كما أشرنا آنفا ان الصومال بلد استراتيجي، وأرض خام، وشعب شاب، تخطفه القارة العجوز، وتتسارع الأمم إلى خيراته وثرواته الطبيعية سوى الأشقاء العرب، وهم أولى بها، تربطهم وشائج القربى، وصلة الدم، وعروة لا تنفصم بالجفاء. ليس من المبالغ القول أن الصومال يمثل رغم الحرب والمجاعة، سلة غذائية استراتيجية للدول العربية كافة، ومنطقة صالحة للاستثمار، تعيش فيها قوة بشرية، قادرة على المساهمة في إعادة الحضارة العربية العريقة. هل هذا الشعب يستحق أن يترك في ايدي دولا لا تربط معهم علاقات تاريخية ودول اقليمية لا تريد أن ترى الصومال قويا ومستقلا بقراراته وحماية مصالحه في المنطقة والعالم ؟ وهل من المعقول ان يكون دور الدول العربية الشقيقة وعلى رأسهم مصر في الصومال هامشيا وعلى حساب دول اقليمية باتت تحاول تهديد المصالح المصرية – مصر أقوى من أن تهدد مصالحها- في الإقليم. الآ يمثل الصومال العمق الاستراتجي لمصر وسندها القوي في المحافظة على أمنها المائي الذي هو جزء اساسي من أمنها القومي، وأمنها البحري الذي له علاقة مباشرة بالصومال وذلك بسبب وجود كل من الصومال ومصر على الطريق الملاحي التجاري العالمي الذي هو طريق البحر الأحمر. فمصر تتحكم في المدخل الشمالي للبحر الأحمر – والصومال تتحكم في المدخل الجنوبي .
ولهذا يبدو انه من الأهمية بمكان بالنسبة للصومال في هذه المرحلة المفصلية من تاريخه، وفي ظل إهتمام العالم به الآخذ في الارتفاع ان ترفع مصر سقف دورها في الصومال وأعتقد أن القراءة الواقعية لما يحدث في الصومال وجواره الأفريقي لا سيما ما يرتبط بملف مياه النيل يكفي ان تكون مصر في قلب الحدث والصومال أحوج ما يكون الي هذا الدور، لأنه يخلق توازنا في الوجود الأجنبي ويعزز مواقف الحكومة الصومالية أمام أي مخطط لاستضعاف بلادها وفرض احتلال واقعي أو وصاية عليه من قبل محيطه الإفريقي أو الدولي.
وعلى الصعيد الإقتصادي يمكن لمصر في ظل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ان تستحوذ وتسيطر على مشروعات اعادة الإعمار والاستغلال من الثروات الطبيعية التي حباها الله للصومال وذلك بسبب طبيعة العلاقة بين الشعبين والود الكبير الذي يكنه الصوماليون لمصر شعبا وحكومة. ومن أبرز المجالات التي يمكن ان تسثمر مصر ،مجال التعليم وصناع الانسان، ومجال الطيران، والزراعة، والثروة الحيوانية وهذه المجالات كلها خامة ولم يتم استثمارها بشكل جيد منذ أكثر من ٢٠ عاما .
حفظ الله مصر من سوء وأبقاها ذخرا لإخوانها في العالم ..

المراجع

١- كتاب تاريخ الصومال قديما وحديثا لـ الأستاذ (حمدي السيد سالم) الخبير العربي بوزارة الاستعلامات الصومالية 

٢- نفس المصدر http://www.tpu-shield.com/p/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84_%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A7_%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D8

٣- الهيئة العامة للإستعملات المصرية http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv6vVfF_PI 

٤- موقع جامعة الدول العربية http://www.lasportal.org/ 

٥- موقع كيد ميديا الصومالي http://www.keydmedia.net/editorial/article/top_secret_-_sulux_manifesto_iyo_dagaaladii_sokeeye_ee_somalia_daawo_v/ 

٦- موسوعة مقاتل من الصحراء .moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/HarbSomal/sec07.doc_cvt.htm 

٧- نفس المصر http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/karn-Afric/sec07.doc_cvt.htm 

٨- الهيئة العامة للإستعملات المصرية http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 

٩- موسوعة مقاتل من الصحراء http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/karn-Afric/sec07.doc_cvt.htm 

١٠- نفس المصدر http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/karn-Afric/sec07.doc_cvt.htm 

١١- الهيئة العامة للإستعملات المصرية http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 

١٢- نفس المصدر http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 

١٣- نفس المصدر http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 

١٤- مركز مقديشو للدراسات والبحوث http://mogadishucenter.com/?p=1723 

١٥- نفس المصدر http://mogadishucenter.com/?p=5732

عودة مصرية قوية إلي الصومال وجنوب السودان

16 مارس 2013
كتب - أحمد سيد أحمد:

العلم المصري يرفرف على مقر السفارة المصرية في مقديشو

شهدت الدبلوماسية المصرية الأسبوع الماضي انطلاقة كبيرة صوب محيطها الجنوبي في إفريقيا وحوض النيل‏,‏ مع الزيارة التاريخية التي قام بها وزير الخارجية محمد كامل عمرو للصومال.

والتي تعد الأولي منذ أكثر من عشرين عاما وأعاد فتح السفارة المصرية في مقديشيو, وكذلك الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء هشام قنديل لجوبا وافتتاح عدد من المشاريع التنموية والتعاون مع جنوب السودان, لتمثل هاتان الزيارتان صفحة جديدة في توجهات مصر الجديدة بعد الثورة.

وبالطبع فإن كلا الدولتين تشكلان أهمية استراتيجية كبيرة لمصر سواء في جوانبها الاقتصادية حيث إمكانيات وفرص التعاون في مجال المشروعات والاستثمارات المشتركة وفتح أسواق جديدة للسلع المصرية, أو في جانبها السياسي والأمني حيث أهمية التنسيق للحفاظ علي مصالح مصر المائية في حوض النيل وتأميل باب المندب والملاحة في قناة السويس.

وبالنسبة للصومال فهي أشبه بالغائب الحاضر في السياسة المصرية, فرغم أنها تعاني منذ عام1991 وبعد انهيار نظام الرئيس سياد بري, من حالة اللادولة حيث دخلت في أتون الحرب الأهلية بين المليشيات المسلحة وأمراء الحرب ونظام المحاكم الإسلامية, ثم بين الحكومة وحركة شباب المجاهدين, وتداخلت أطراف دولية وإقليمية عديدة في الصراع, ونتج عن كل ذلك غياب حالة الاستقرار السياسي وانتشار الانفلات الأمني وظاهرة القرصنة البحرية, وتعثر بناء مؤسسات الدولة وانحسار سيطرة الحكومة داخل العاصمة, وتزامن مع ذلك كله انتشار المجاعة والفقر والتدهور الاقتصادي, رغم الموارد الطبيعية الضخمة التي تمتلكها البلاد, رغم هذا كله كانت الصومال حاضرة في السياسة المصرية حيث تدير السفارة المصرية في نيروبي المصالح المصرية هناك, لكن تلك الفترة أشبه بحالة من الانقطاع أوجدتها ظروف الصومال من ناحية وتراجع الاهتمام المصري بأفريقيا بشكل عام والصومال بوجه خاص من ناحية أخري.

ولذا فإن العودة المصرية للصومال, مع تحسن الأوضاع الأمنية هناك وتشكيل حكومة جديدة وتراجع حدة العنف, لن تبدأ من نقطة الصفر, فمصر لديها رصيد استراتيجي وتاريخي مع بلاد بونت منذ قديم الزمان, ولعبت مصر دورا كبيرا في تحقيق استقلال هذا البلد والمساهمة في تنميته. ومن هذا العوامل أولا الترحيب الصومالي الكبير الشعبي والرسمي لعودة مصر إلي الصومال. وثانيا حاجة الصومال للجهد والدعم المصري لإعادة بناء مؤسسات البلاد المنهارة, وثالثا أهمية الصومال في أجندة السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة والتي تسعي إلي تعديل دوائر تلك السياسة والاهتمام بالدائرة الإفريقية.

ولذا تعد الصومال بداية تأمين الأمن القومي المصري وتأمين الملاحة في قناة السويس عبر باب المندب, ولذا من مصلحة مصر إعادة بناء الدولة الصومالية المركزية للسيطرة علي سواحلها والقضاء علي ظاهرة القرصنة, ورابعا وهو مرتبط بالتوازن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي والحاجة للوجود المصري هناك لموازنة أدوار القوي الإقليمية التي تحاول التأثير علي المصالح الاستراتيجية المائية لمصر.

وذات الحال ينطبق علي دولة جنوب السودان وأهميتها الكبيرة لمصر اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا, فجنوب السودان بعد استقلالها أضحت أحد الدول المهمة الحوض النيل, وتبرز أهمية تدعيم التعاون معها في كافة المجالات, خاصة أنها أيضا دولة حديثة تحتاج للمساعدات والجهود المصرية لاستكمال بناء مؤسساتها المختلفة, وتحتاج أيضا إلي الاستثمارات والخبرات المصرية في مجالات التعليم والصحة والبنية الاساسية والاستثمار. وهنا فإن العلاقة بين مصر وجنوب السودان ينبغي أن تحكمها عدد من المحددات الأساسية أولها أن تقوية العلاقات معها ليس علي حساب تقوية العلاقات مع شمال السودان, وإنما في إطار التعاون الثلاثي الذي يحقق الأمن والاستقرار والنفع كل الأطراف, ولهذا تبرز أهمية الدور المصري في تسوية القضايا العالقة بين الشمال والجنوب خاصة ترسيم الحدود ومنطقة أبيي ووقف كل صور التوتر بينهما, وتحويل العلاقة بين الشمال والجنوب من علاقة صراع إلي علاقة تعاون وتكامل, لأن تجربة الحرب واستمرار التوتر يعيق الاستقرار داخل كل منهما ويعرقل مشروعات التنمية وتوظيف الموارد.

وثانيها أن علاقة مصر بالجنوب لا تختزل فقط في قضية مياه النيل ومنع أي تصرفات من قبيل إقامة السدود قد تضر بمصالحها وحصتها المائية المشروعة قانونيا وتاريخيا, وإنما يجب أن تكون العلاقة شاملة ومتكاملة تحقق مصالح الطرفين في كافة المجالات, فالجنوب لا يحتاج إلي المياه بقدر ما يحتاج إلي تحقيق الاستقرار والتنمية وتوظيف موارد النفط والقضاء علي مشكلات الفقر والبطالة والأمية وغيرها, وهو ما يمكن أن تساهم فيه مصر بشكل كبير. ومصر تحتاج إلي المياه وكذلك إقامة المشروعات والاستثمارات في الجنوب, بل والتعاون مع كل دول الحوض لتعظيم موارد النهر وتقليل المهدر منه.

وثالثها إن علاقة مصر مع الجنوب تقوم علي الإحترام المتبادل وفي إطار العلاقات المصرية المتوازنة والتعاونية مع كل دول الحوص واستبدال ثقافة ومنهج الصراع والتنافس بمنهج التكامل والتعاون لخدمة مصالح كل شعوب دول حوض النيل.

ولاشك أن فاعلية السياسة الخارجية المصرية مرتبط بتقوية بالجبهة الداخلية وإنعاش الاقتصاد المصري, وإذا كانت السياسة الخارجية تلعب دورا تنمويا يخدم الاقتصاد فإن وجود الاستقرار السياسي والاقتصادي القوي سوف يستفيد بدوره من توجهات السياسة المصرية الجديدة, خاصة تجاه إفريقيا ودول حوض النيل.
http://www.ahram.org.eg/NewsPrint/136801.aspx

» شهود ثورة يوليو - أحمد حمروش
» النظام السياسى المصرى قبل و بعد ثورة 25 يناير
» الأحادية الأمريكية بين الاستمرارية والزوال
» الدين والثورة في مصر 1952-1981
» النخبة المصرية الحاكمة 1952 - 2000