النزاع الإثني
نشرت بواسطة:المركز الديمقراطى العربى في قسم الدراسات والعلاقات الدولية, قسم الدراسات والنظم السياسي, مشاريع بحثية 0 1,816 المتواجدين الان
بحث أكاديمي من إعداد الباحثين جارش عادل و العيفاوي جمالتبسة (الجزائر): جامعة تبسة،كلية الحقوق والعلوم السياسية،تخصص دراسات إستراتيجية و أمنية،2014م. المقدمة: عرف حقل العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة جملة من التغيرات والتحولات الهامة التّي شكلت سمات النظام الدولي الجديد، ولعّل من أبرز هذه التغيرات تغير طبيعة النزاعات من نزاعات بين الدول إلى نزاعات داخل الدول، حيث تصاعدت حدة النزاعات الإثنية و أصبحت أحد القضايا الهامة التي جلبت اهتمام المجتمع الدولي لماّ تحدثه من آثار تتعدى حدود الدول رغم اعتقاد الكثير من الباحثين أنّ هذا الشكل من النزاعات ما هو إلاّ مرحلة من مراحل التاريخ سيزول شيئا فشيئا مع تصاعد موجات الحداثة التّي ستؤدي إلى اختزال تعدد الانتماءات الإثنية أحد أبرز مسببات النزاع الإثني، إلاّ أنّ هذه الاعتقادات أثبتت خطأها مع دينامية الوقائع الدولية في فترة التسعينات إثرّ تفكك الاتحاد السوفياتي إلى عدّة جمهوريات نتيجة لتصاعد المدّ الإثني القومي وتزايد حدة النزاعات في العديد من الدول لذلك فقد لا نكون بالغين إذا ما قلنا أنّ واقع عالمنا المعاصر يعيش عصر النزاعات الإثني .
وينطبق هذا التوصيف بكثرة على الدول التّي حصلت على استقلالها حديثا، وما زالت تعاني من صعوبات عملية عديدة حول كيفية دمج العديد من الإثنيات والهويات في دولة قومية واحدة للتخفيف من النزاعات الإثنية وتوليد الظروف الملائمة لبناء نظام سياسي متماسك ومستقر قادر على تحقيق رفاهية المجتمع .
ولا يمكن أنّ نستثني هذا الواقع أيضا عن الدول العربية التّي لطالما تعددت فيها مظاهر العنف والنزاعات الإثنية والعرقية والمذهبية…، تحت وطأة الضعف المتزايد للنخب السياسية وتعلقها بالسلطة ممّا أثرّ على استقرار وبناء الدولة، ومن بين هذه الدول السودان، لبنان، سوريا، الصومال.
ظاهرة من هذا النوع تستدعي بنا النظر فيها ومحاولة فهمها وتحليل مكوناتها و أجزائها بغية الإلمام بها، لذلك سنحاول في هذا العمل العلمي التطرق إلى موضوع النزاع الإثني من الناحية الإيتمولوجية والنظرية.
الإشكالية المقترحة في الدراسة
- كيف يمكن ضبط وتحديد مفهمة النزاع الإثني في ظل وجود أزمة التعددية (الاختلاف الأكاديمي بين المفكرين) ؟
و لتفكيك هذه الإشكالية وتبسيطها تم التطرق إلى عدة أسئلة، وهي كما يلي:
السؤال الأول : كيف يمكن دراسة النزاع الإثني مفاهمياً ؟
السؤال الثاني : ما هي أبرز النظريات المفسرة للنزاع الإثني ؟
الفرضيات المختبرة في الدراسة
الفرضية الأولى: تعقيد ظاهرة النزاع الإثني زاد في صعوبة الوصول إلى تعريف محدد وثابت ومتفق عليه لدى مختلف المفكرين .
الفرضية الثانية: تعدد اتجاهات ومدارس دراسة النزاع الإثني يساهم في بناء التراكمية العلمية لدراسة هذه الظاهرة.
الفرضية الثالثة: تعقد ظاهرة النزاع الإثني أعطى عدة تفسيرات نظرية لدراسته تماشياً بما هو موجود على ارض الواقع .
المناهج والأدوات المعتمدة في الدراسة
بحكم طبيعة هذا الموضوع والقضايا التي يثيرها، حاولنا في هذه الدراسة توظيف عدد من المناهج وهي كما يلي:
المنهج التفكيكي التركيبي : يقوم هذا المنهج على دراسة التفاعلات بين مجموعة من المتغيرات والفواعل الأساسية ، وقد تم اعتماده في هذه الدراسة حتى نتمكن من دراسة التفاعل بين عدة متغيرات مثل العلاقة بين متغير النزاع الإثني والفاعل الدولة والجماعات .
المنهج الوصفي : يقوم هذا المنهج على جمع الحقائق والمعلومات ووصفها وتحليلها وتفسيرها من خلال تحديد خصائصها وأبعاد هذه الظاهرة ،وقد تم الاعتماد عليه في هذه الدراسة لدراسة عدة خصائص من مثل خصائص الإثنية ومفهومها وأبعاد النزاع الإثني…
ملاحظة : هناك اختلاف أكاديمي كبير حول فكرة هل المنهج الوصفي هو منهج أمّ لا ؟ فالبعض يرى أنّ هذا المنهج هو منهج بينما الآخر يرى أنّ كلّ هذه المناهج وصفية.
أمّا من حيث الإقترابات، فقد تم الاعتماد في هذه الدراسة على الاقتراب النسقي من خلال دراسة مدى تأثير البيئة الداخلية والخارجية على النزاع الإثني وبناء الدولة .
و لتبسيط هذا العمل العلمي فسيتم دراسته في عدة نقاط، و هي كما يلي:
المقدمة
أولاً: دراسة مفاهمية للنزاع الإثني
1- الإثنية
2- الهوية
3- النزاع الإثني
ثانياً: المقاربات النظرية المفسرة للنزاع الإثني
1- المقاربات النظرية المفسرة للنزاع الإثني
2- المقاربات النظرية لإدارة وحل النزاع الإثني
الخاتمة
أولاً: دراسة مفاهمية للنزاع الإثني
تعتبر ظاهرة النزاعات الإثنية إحدى القضايا الهامة التّي برزت بكثرة في السّاحة الدولية خلال العقود الأخيرة، وذلك بسبب زيادة الإثنيات وتنازعها حول العديد من القضايا والمطالب الاقتصادية،السياسية، الاجتماعية، الثقافية… خاصة في الدول الحديثة الاستقلال مثل: السودان، الكونغو الديمقراطية، ميانمار، رواندا… ،وقد ساهم ذلك في إدراجها كقضية عالمية على سلم أولويات قضايا المجتمع الدولي نظراً للأثار التي تحدثها.
وكما هو متعارف عليه في أي بحث علمي لابد قبل دراسة أيّ ظاهرة في العلاقات الدولية لابدّ أولاً من البدء بتحديد المفاهيم التابعة لها والمتداخلة معها كون هذا يساهم في تبسيطها ويفك كلّ غموض أو لُبس يمكن أنّ يمس مراحل دراستها، لهذا سنحاول في هذا المبحث النظر إلى أهمّ المفاهيم المفتاحية التابعة للظاهرة المدروسة .
فما هي أهمّ المفاهيم المستخدمة عند تناول ظاهرة النزاع الإثني ؟
1- الإثنية
يعتبر مفهوم الإثنية من أكثر المفاهيم إثارة للجدل و النقاش بين المفكرين نظرا لاتساع مجال دراسة هذه المفهوم لاسيما بعد تصاعد المد الإثني القومي والهوياتي منذ مطلع التسعينيات، فالبعض يرّى أنّ هذا المفهوم يستخدم لوصف أقلية أو جماعة فرعية معينة أو قبلية…، بينما يرّى البعض الآخر أنّ هذا المفهوم يختلف عن المفاهيم الأخرى ولابدّ من الدقة العلمية في استعماله .
أ- مفهوم الإثنية
اشتقّت كلمة إثنية من الناحية اللغوية من اللفظ اليوناني (EøVIKOS)، وتعني الوثني أو البربري غير المتمدن، وكان هذا المصطلح يستخدم في الحضارة الإغريقية للدلالة على الشعوب التّي لم تتبنى نظام دولة المدينة (CITY OF STATE) (1) .
أمّا من الناحية الاصطلاحية فإنّ لفظ الإثنية كحالة يعتبر من الألفاظ المستحدثة نسبيا، إذّ لم يستخدم هذا المصطلح إلا بعد الخمسينيات من هذا القرن على يد الأنثروبولوجيين وعلماء الاجتماع، بحيث يتعلق هذا المفهوم بظواهر اجتماعية وسياسية معاصرة لدراسة المشاكل التّي تعاني منها الدولة في ظلّ التعدد والنزاع الإثنوهوياتي، وقد تتخطى حدود الدولة لتصبح مسائل يهتم بها المجتمع الدولي، كالمشكلة الكردية والأرمينية، والكشميرية…، ويشير العديد من المفكرين على أنّ مفهوم الإثنية يقصد به “مجموعة من الأفراد الذّين يقيمون في حيز جغرافي معين و يشتركون في عدة خصائص من مثل: اللّغة ، العادات ، الدين والعرق….”، وهذا ما يتفق معه المفكر اللبناني “برهان غليون” في حديثه عن الهوية الإثنية : حيث يعرفها على أنها : “جماعة من السكان الفرعية أو صغيرة نسبيا تعيش في مجتمع أكبر، و أنّ هذه الجماعة تربط بين أفرادها، أو توحد بينهم روابط العرق كالثقافة والدين واللّغة….”(2) .
وبالتالي فالمفكر “برهان غليون” أراد أنّ يبين لنا أنّ الإثنية هي عبارة عن مجموعة من الأفراد تشترك في بعض الخصائص، إلاّ أن تعريفه خالي من الدقة العلمية عندما حاول إخضاع الجماعة الإثنية للمعيار العددي عندما اعتبرها جماعة من السكان صغيرة نسبيا تعيش في مجتمع أكبر، وبهذا تصبح الأقلية هي نفسها الإثنية.
في حين يرى جون ستاك (John Stack) على أنّ الإثنية هي عبارة عن مجموعة من الأفراد الذّين يشتركون في عدة خصائص مشتركة كالعرق، القرابة، الدين، اللّغة، العادات، الإقليم…، لكّنه يعتبر أنّ الإثنية في الكثير من دول العالم برزت نتيجة تصاعد المدّ الإثني القومي في فترة التسعينات إثرّ تفكك الاتحاد السوفياتي بسبب الحروب الانفصالية (Separalists Wars)(3) .
أمّا أنطوني سميث (Antony Smith) يعتبر أنّ الإثنية هي المعبر الأساسي عن الهوية، حيث تستند إلى ستة عناصر رئيسية وهي : الاسم، التاريخ، الثقافة، الإقليم، التضامن بين الأفراد(4).
ومن خلال هذه التعريفات سالفة الذّكر يمكن استخلاص عدة نقاط رئيسية تشكل الوعاء الحقيقي لمفهوم الإثنية، وتتمثل هذه النقاط فيما يلي :
- أنّ مفهوم الإثنية يشير إلى هوية اجتماعية، حيث تشكل الإثنية الطريق الذي من خلاله ينظر الأفراد إلى أنفسهم و إلى الآخرين ( معرفة الأنا والآخر ) .
- لكّل جماعة إثنية معينة ممارسات ثقافية وخصائص ثقافية تريد الحفاظ عليها .
- وجود إثنية معينة لا ينفي وجود تمايزات واضحة داخل الجماعات الفرعية المكونة للإثنية .
ب – أهم المفاهيم المتداخلة مع مفهوم الإثنية
تتعدد المفاهيم التّي تتداخل مع مفهوم الإثنية على النحو الذّي يخلق شبكة معقدة من المفاهيم التّي تندرج في إطار الهوية، ومن أبرز هذه المفاهيم : العرق، القبلية، القوميّة، الأمّة، الأقليّة وسعيا لمحاولة فهم طبيعة ومضمون تلك المفاهيم وعلاقتها بمفهوم الإثنية لذلك سنحاول من خلال هذا العنصر التعرف على أهّم الفروق الموجودة بين مفهوم الإثنية و مفاهيم أخرى :
الإثنية والعرق (Ethnicity and Race): قبل فترة الخمسينيات كان ينظر للعرق على أنّه إثنية
وأنّهما الشيء نفسه لدى الكثير من الباحثين، حتّى أنّه استخدم كمفهوم مرادف للإثنية في كثير من الدراسات فمثلا في كتابات سليجمان (Seligman )سنة 1936م حول القارة الإفريقية تحدث في كتاباته على الجماعات العرقية واللّغوية والقبلية والإقليمية بدلاً من أنّ يوّظف مفهوم الإثنية في التحليل، إلاّ أنّه تمّ التمييز بينهما مع تطور علم الوراثة والبحوث الاثنوغرافية، فالعرق مصطلح بيولوجي يستخدم لتوصيف جماعة من الأفراد لديهم خصائص جسدية وفيزيولوجية متشابهة بحيث تنقل من جيل إلى آخر بفعل المكونات الجنية (Grène Pool)(5) ، وفيه دراسات أخرى معاصرة تبين أنّ للمناخ والتغذية دور كبير في بناء الصفة العرقية للأفراد (6)، و بالتّالي يمكن اعتبار أنّ العرق ينطوي تحت كل ماله صلة بالأمور الفطرية الخارجة عن قدرة تحكم الفرد على خلاف الإثنية التّي تتعلق بكل ما هو مكتسب بالبيئة المحيطة بالفرد ، و أنّ مصطلح الإثنية هو أشمل من العرق هذا الأخير الذّي قد يُسيس لأغراض شخصية مثلما هو حال استغلال فكرة العرق الآري على باقي الشعوب الأخرى في عهد الرئيس الألماني أدوولف هتلر (Adolf Hitler) الذي قام بسياسة التطهير العرقي* ضدّ الأعراق الأخرى غير الآرية.
الإثنية والقبلية (Tribalism and Ethnicity) : يمكن تعريف القبلية على أنّها عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يقيمون في حيز جغرافي معين، يتميزون بعدة خصائص معينة كالقرابة (Kin Ship) أو العصبية، الثقافة، التضامن المشترك، التنظيم القبلي.
وتذهب أغلب الدراسات إلى اعتبار أنّ الفرق الأساسي بين القبيلة و الإثنية يكمنّ فيما يلي :
- من حيث المجال: الإثنية أشمل من القبيلة فهي تضمّ مجموعة من القبائل .
- من حيث طبيعة المدلول: القبيلة مصطلح ذات مدلول سياسي عكس الإثنية التي تحمل مدلول ذا بعد اجتماعي و ثقافي أكثر(7).
الإثنية والأقليّة (Ethnicity and Minority): تعني الأقليّة لغة الجزء الصغير داخل مجموعة أكبر وهي عكس الكثير، أمّا اصطلاحا: فلقد تعددت التعريفات حيث يمكن تقسيم هذه التعريفات إلى قسمين :
-أنصار المعيار العددي (الكمي): يرى أنصار هذا الاتجاه أنّ الأقليّة هي مجموعة قليلة من الأفراد بالنسبة للعدد الكلي للمجموعة الكبيرة التّي تعيش في وسطها، و من أنصار هذا الاتجاه أسبرون أيدي (Asbjorn EIDE) الذّي اعتبر أنّ الأقليّة هي عبارة عن مجموعة قليلة من النّاس يعرفون بمحددات عرقية، وطنية، ثقافية أو دينية .
-أنصار الوضع السياسي والاجتماعي : يرّى أنصار هذا الاتجاه أنّ الأقليّة هي عبارة عن مجموعة من الأفراد تحرم من التمتع الكافي بحقوقها وبامتيازات مواطني الدرجة الأولى، حيث تعرفها الموسوعة الأمريكية في هذا ال
صدد الأقلية على أنّها: ” جماعة من الأفراد لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات لأخرى و السيطرة في المجتمع ، و لا تمتلك قدراً من القوة والنفوذ، وتمارس عددا أقل من الحقوق و غالبا ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني الدرجة الأولى(
.
إلاّ أنّ تعريفات أنصار الوضع الاجتماعي و السياسي تعرضت لكثير من الانتقادات أبرزها أنّه كثيرا ما نجد أقليات تتمتع بامتيازات مواطني الدرجة الأولى لكنها تسيطر على أغلب ثروات البلاد.
وعند الحديث عن الفروق و مكامن فإن الفرق الأساسي هو أن الإثنية أشمل من الأقلية، حيث يمكن اعتبار أن كل أقلية هي إثنية و العكس ليس صحيح(9).
الإثنية والقوميّة (Ethnicity and Nationalisme) : ينظر أغلب المفكرين إلى أنّ القوميّة هي حركة سياسية، تهدف إلى قيام كيان سياسي يشمل أبناء الأمّة التي تعبر عنها الحركة عبر بث الوعي لدى أبناء الأمة بعناصر وحدتها وتميزهم و حقهم في كيان سياسي مستقل(10) ، أمّا عن علاقتها بالإثنية فيرى مختلف الباحثين أن هذه الأخيرة تصبح قومية إذا سعت إلى بناء كيان سياسي مستقل، مثلما هو الحال في بعض الدول الأوروبية بعد الخمسينات التّي انطبق عليها مفهوم التقسيم نتيجة صعود المدّ الإثني الهوياتي فيوغسلافيا مثلا انقسمت إلى خمسة دول(11).
الإثنية والأمة (Ethnicity and Nation): يعتبر مفهوم الأمّة من أكثر المفاهيم تشابها واقتراباً مع مفهوم الإثنية ، فالأمّة تعرف على أنّها ظاهرة اجتماعية تعبر عن جماعة تشترك في العديد من الخصائص كالدين، اللغة، التاريخ، الثقافة و التواصل الجغرافي ، إلاّ أنّ الإثنية هي أضيق نطاقا من الأمّة و إنّ حصلت نفس الخصائص والسمات(12).
و تجدر الإشارة أنّه يمكن النظر للجماعات الإثنية من عدة زوايا عند محاولة تصنيفها فهناك تصنيفات تصنف الجماعات الإثنية على أساس التمايز بين الجماعات ، فقد تكون هناك جماعات إثنية دينية أو لغوية أو عرقية…، وقد تكون جماعات حسب معيار النفوذ إمّا مهمشة أو مسيطرة على الجماعات الأحرى من خلال تبوأها لأهمّ المناصب السياسية و الاقتصادية .
وكنتيجة نخلص إلى أنّ مفهوم الإثنية هو مفهوم معقد لذلك لابُدّ من الدقة العلمية في استعماله من خلال معرفة أهمّ السمات التّي يتميز بها هذا المفهوم .
2- الهوية
تعتبر مسالة الهوية من أهمّ القضايا التّي لاقت اهتمام العديد من المفكرين والسياسيين في ظل فشل بعض الدول والنخب السياسية في التوليف بين الهويات و تشكيل مايعرف بالتعايش الهوياتي خاصة في دول العالم الثالث ، الأمر الذي جعل هذا المفهوم محل نقاش بين المفكرين حول أهمّ ما يتضمنه وعلاقته بمفهوم الإثنية.
أ- مفهوم الهوية
يقابل مفهوم الهوية لفظ (Identité) باللغة الفرنسية، و(Identity) باللغة الإنجليزية، وكلاهما من أصل لاتيني ، بحيث تعني لّغة أصل الشيء وماهيته(13).
أمّا اصطلاحا، فيمكن تعريفها على أنّها مجموعة من الأوصاف والسلوكيات التّي تميز الشخص عن غيره
فحسب المفكر العربي عفيف بوني فالهوية هي “الخصوصيات والصفات التي تميز الشخص عن الآخر وتجعله معروفا” ، و في معنى أدق و أوسع يذهب محمد نور الدين في كتابه الهوية والاختلاف-معاني محدودة- إلى اعتبار أنّ الهوية لاتعبر عن الشخص لوحده وإنّما على ثلاث مستويات أساسية: مستوى فردي ( شعور الفرد بالإنتماء إلى جماعة ) و مستوى التعبير السياسي الجمعي (تنظيمات وأحزاب وهيئات…) و مستوى التعبير الحكومي عن الهوية، بحيث تعمل الحكومة من خلال هذا المستوى الدولة وفق على تجسيد هوية معينة داخل الدولة من خلال استراتيجيات وخطط ممنهجة مثل فرض الرئيس السوداني عمر البشير اللغة العربية والدين الإسلامي على جنوب السودان(14).
وكنتيجة نستنتج أنّ الهوية تعني الكيفية التي يعرف بها الناس أنفسهم والآخرين و هي مفهوم يستخدم للدلالة على أهم الصفات التي تميز الجماعات كالعرقيات، الإثنيات، القيم، اللّغة….
ب- علاقة الهوية بالإثنية
كثيرا ما تثار في الدراسات الأكاديمية قضية العلاقة بين الهوية و الإثنية، فمفهوم الهوية يتداخل بشكل كبير مع مفهوم الإثنية حتّى أنّ الكثير من الباحثين يعتبر أن مفهوم الهوية هو الإثنية، إلاّ أنّ هناك اختلاف بينهما يكمن فيما يلي :
- من حيث طبيعة المفهوم: الهوية مصطلح يطلق للتعبير عن ماهية الشيء وأصله أمّا الإثنية فهي عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يشتركون في عدة خصائص كاللغة و الدين و العادات و التقاليد…، و يذهب أنطوني سميث (Antony Smith) في هذا الصدد إلى اعتبار أن الهوية تعبر عن العناصر الأساسية التّي تميز الإثنية.
- من حيث المدة الزمنية مصطلح الهوية أقدم من مصطلح الإثنية، فمصطلح الإثنية هو عبارة عن ظاهرة تحديثية على حسب تعبير ريغز (Riggs) في كتابه “The Modernity of Ethnity and Conflict” ، وبروس يبرمان (Bruce Berman) في دراسته حول القارة الإفريقية أنّ أكبر عنصر أساسي لدراسة الإثنية هو التعرف على هويتها وخصائصها(15).
وكنتيجة نستطيع القول أنّه لا يمكن فصل الهوية على الإثنية لأنّها تعبر عن السمات التّي تتميز بها الجماعة الإثنية وتميزها عن الجماعات الأخرى.
3- النزاع الإثني
تعتبر ظاهرة الحرب والنزاع معلما بارزا في حياة الإنسان، حيث واكبت مسيرته منذّ ظهوره على هذه الأرض، وظلّت قانونا تاريخيا يحكم أغلب العلاقات بين الوحدات الإنسانية (أفراد ، جماعات…)، لذلك سنحاول في هذا العنصر تناول مفهوم النزاع الإثني، لكّن قبل ذلك لابدّ من التطرق إلى مفهوم النزاع وأهمّ المفاهيم المتداخلة معه .
ا- إيتيمولوجيا النزاع
من المتفق عليه أنّه لا يوجد تعريف محدد للنزاع فهو يختلف من مفكر إلى آخر، و يعود ذلك لعدم وجود تفسير عام لظاهرة، فالنزاع لّغة يأخذ يعني الاختلاف و التناقض و عدم التوافق، يقابله في اللّغة الانجليزية Conflict)) وفي اللّغة الفرنسية (Conflect)، أمّا اصطلاحا فيقصد به الوضع الناشئ عن اصطدام وجهات النظر بين دولتين أو أكثر أو تعارض مصالحها حول موضوع أو مسألة معينة(16)، حيث يعرفه ناصيف يوسف حتّى على أنّه :” تصاعد بين اتجاهات مختلفة أو عدم التوافق في المصالح بين طرفين أو أكثر ممّا يدفع بالأطراف المعينة إلى عدم القبول بالوضع القائم ومحاولة تغييره” (17)، بينما يعرفه المعهد الدولي لبحوث النزاع في هايد لبرغ على أنّه : ” ظاهرة إنسانية تنشأ عن تصادم المصالح واختلاف الموقف على بعض القيم وهي على الأقل بين طرفين، قد يكونان جماعات منظمة أو دولا، و هي مصممة على السعي نحو تحقيق مصالحها والحصول على أهدافها ” (18).
ومن خلال قراءة التعاريف السابقة يمكن أنّ نخلص إلى ثلاث محاور أساسية يقوم عليها النزاع : – أنّ النزاع هو تنازع بين الأطراف سواء أكانت جماعات أو دول….
- أنّ النزاع ينتج نتيجة لوجود مصالح و مواقف مختلفة تحرك الأطراف المتنازعة قد يكون سبب الاختلاف في الأهداف أو التصورات أو المصالح أو التطلعات
- هدف النزاع هو محاولة تغيير الوضع القائم .
كما أنه اتضح للكثير من المفكرين أنّ مفهوم النزاع يتداخل مع مجموعة من المفاهيم المختلفة لذلك نجد الكثير من الكتابات تركز على محاولة إيجاد مفهوم واضح و محدد له من خلال إيجاد أهمّ نقاط الاختلاف بينه و بين المفاهيم الأخرى، وأهمها ما يلي:
النزاع و التنافس (Conflict and Competition): التنافس هو التسابق في تحقيق الأهداف مع عدم وجود تصادم بين الأطراف المتنافسة و عادة ما يأخذ الطابع الاقتصادي كالتنافس الصيني الأمريكي في جنوب شرق آسيا وإفريقيا والتنافس الإيراني السعودي على منطقة الخليج العربي (19).
النزاع و التوتر (Conflict and Tension) : التوتر هو حالة من القلق وعدم الثقة المتبادلة من الطرف الآخر، لا يؤدي إلى اللجوء إلى استعمال القوة، لكن يحاول فيه كل طرف إلى عدم و صول الطرف الآخر إلى تحقيق أهدافه و مصالحه مثل التوتر الذي حصل سنة 2001 في العلاقات الأمريكية الصينية إثر تصادم مقاتلة صينية بطائرة تجسس أمريكية في الأجواء الصينية ، و التوتّر الحاصل بين إسرائيل والحدود اللبنانية الجنوبية بسبب وجود المقاومة اللبنانية حزب الله(20).
النزاع و التهديد (Conflict and Threat): يقصد بالتهديد أنّه حالة من القلق بين الأطراف حيث تتميز بكثرة التصريحات الإعلامية و الرسمية التي تهدد الأهداف العليا و الأمن القومي لدولة أخرى مثل التهديدات الأمريكية الإيرانية المتبادلة بسبب الملف النووي الإيراني، كمّا يمثل التهديد مرحلة ابتدائية للنزاع عادة ما يستمال فيه الأطراف و الخارجية لتأييد موقف معين(21).
النزاع و الأزمة (Conflict and Crisis) : الأزمة هي عبارة عن فترة قصيرة في العلاقات الدولية تتميز بعدّة خصائص أهمها: ضيق الوقت، كثرة الأحداث، عنصر المفاجئة و المخاطرة، فحسب أوران يونج(Oran Yong) فإنّ الأزمة هي عبارة عن “تداع سريع للأحداث تؤدي إلى تنشيط عناصر عدم الاستقرار في النظام الدولي على نحو غير مألوف يزيد من احتمالات اللجوء إلى العنف”، معنى هذا أنّ الأزمة تنقل العلاقات بين الأطراف من حالة تعاون إلى حالة اللاتعاون، وهي مرحلة من مراحل تطور السلوك النزاعي لذلك فهي تعرف بحمى العلاقات الدولية، كأزمة كوبا بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية سنة 1962م، و أزمة جزيرة ليلي بين اسبانيا و المغرب سنة2002 م(22).
النزاع و الصراع (Conflict and Struggle): الصراع هو ظاهرة ديناميكية لا متناهية التعقيد تتميز بتعدد المصادر والأبعاد والتفاعلات، تنتج عن زيادة التناقضات والأطراف المتنازعة، وعادة ما يتعلق الصراع بمسائل الهوية و القومية مثل الصراع العربي الإسرائيلي أو الصراع الحضاري بين الشرق والغرب عكس النزاع الذي يتعلق بقضايا عالقة مثل النزاع الحدودي أو الإثني وقد يصبح النزاع صراع إذا توفر شرطين أساسيين و هما:
- زيادة المدة الزمنية للنزاع .
- زيادة السلوك النزاعي الذّي يصاحبه صعوبات التقارب بين الأطراف المتنازعة(23).
النزاع و الحرب (Conflict and War): تعرف الحرب على أنّها صدام مسلح بين طرفين بحيث يحاول كل طرف تحقيق أهدافه، و تعتبر الحرب آخر مرحلة من مراحل تطور السلوك النزاعي(24).
وكنتيجة نستنتج ما يلي أن التنافس والتوتّر والتهديد والأزمة والحرب ما هي إلاّ مراحل لتطور السلوك النزاعي بين الأطراف .
ب- مفهوم النزاع الإثني:
يذهب أغلب الباحثين مثل جيري مولر(Jerry Moller)، وجيمس هيباريمانا(J Haibaraiman) إلى اعتبار أنّ النزاع الإثني و الشعور بالقومية هو موجة المستقبل لأنّ حدّة النزاعات الإثنية ازدادت بشدّة منذّ الستينات خاصة في الدول الإفريقية، لذلك فإنّ موجات الحداثة التّي تحدث عنها الكثير من الباحثين كبرجنسكي (Brjinsky) لم تغير شيء، فبدل أنّ تتقلص النزاعات الإثنية ازدادت و أصبح أحد التحديات الهامة التي تواجهها الدولة و حتّى المجتمع الدولي .
فالنزاع الإثني هو عبارة عن تصادم بين الجماعات الإثنية حول قضية أو مجموعة من القضايا تسعى فيها كل مجموعة إلى تغيير الوضع القائم .
فحسب جيمس فيرون وديفيد لابتي (James Firon and David Lapti) من خلال دراستهما للنزاعات الإفريقية سنة 1979م، فيعتبران أنّ النزاع الإثني هو نزاع بين الجماعات عادة ما يكون من أجل قضايا تتعلق بتوزيع الثروة و المشاركة في السلطة بحيث تهدف الجماعات من خلالها تغيير الوضع القائم(25).
ونجد لاك وروتشيلد (Lake and Rotchild) فيعرفها على أنّها حرب نتيجة وجود المأزق الأمني والخوف من نوايا المجموعات الإثنية الأخرى(26)، في حين يعرفها جون أنغسترن (Jhon angstron) على أنّها رغبة الجماعة في الانفصال، لكن ليست كل جماعة ترغب في الانفصال(27).