ثانيا- نظريات و نماذج التفسير الداخلي لسلوك الدول الخارجي:
سنتطرق لعرض ثلاثة مقاربات أساسية قدمت نمــاذج و أطر نظرية، توضح مـــن خلالها الترابط و التأثير الداخلي في السياسة الخارجية:
1- مقاربة الربط لجيمس روزنو.
2- النظرية الليبرالية النفعية الجديدة و مستوى التحليل التحتي bottom-up approaches.
3- التفسيرات الداخلية للبنائية حول السياسة الخارجية.
1- نموذج الربط لجيمس روزنو:
كان جيمس روزناو James Rosenau)) أول من طرح أفكار الربط بطريقة ذات معنى في ستينيات القرن العشرين. فهي تشكل جزءاً من المنظور التعددي الذي يشكك بصلاحية النماذج التقليدية للسياسة التي تقوم على أساس الدولة([url=#_ftn1][1][/url]).
تندرج دراسة جيمس روزنو حول العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية في إطار الدراسات المقارنة للسياسة الخارجية، و كان روزنو أول من قدم في مطلع السبعينيات مدخلا نظريا للدراسة المقارنة للسياسة الخارجية.
إذا تبرز أهمية الدراسة المقارنة من خلال نموذج روزنو على أنها تزيد من فهمنا و استيعابنا للسياسة الخارجية لدولة معينة بحيث تساعد مثلا في تحديد الحالات الاستثنائية التي تحكم بها عناصر معينة سياسة خارجية، و ندرك معه حالات تأثير عامل معين وحالات انعدام تأثيره (داخـلي كان أم خارجي) و تسقط كذلك التفسيرات الأحادية و العقائدية للسياسة الخارجية ، وأيضا تحديد القضايا التي ترتبط في تأثيرها عامل محدد وهذا برصد تفاعل القضية-المجال Issue- Area ، وإجمالا هدف روزنو مساهمته في تقديم إطار نظري لترتيب عناصر التأثير حسب وزنهـا و في حالات مختلفة([url=#_ftn2][2][/url]).
مفهوم الربط عند روزنو:
عرف ٌRosenau مفهوم الربط Linkage بين النظام الوطني أو مجتمع الدولة و النظام الدولي، كأي سلوكية معينة متكررة تنشأ في نظام و تؤدي إلى ردة فعل في نظام آخر.فالسياسة الخارجية تنشأ في دولة معينة و تؤدي إلى ردة فعل في نظم أخرى ( نظام دولي أو نظم وطنية).
و تجادل نظرية الربط بأنه لا يمكن رسم حدود واضحة وثابتة بين السياسة المحلية والسياسة الخارجية. فالسياسة الخارجية تمثل مشكلة "حدود" بمعنى أنه لا يوجد وضوح بشأن مكان الحدود. فعبر ما يدعوه مُنظِّرو الاتصال حلقة تغذية رجعية (feedback loop) نجد أن الأحداث الداخلية تؤثر في الأحداث الخارجية والعكس بالعكس([url=#_ftn3][3][/url]).
من خلال هذا المفهوم الجديد قدم روزنو تفسيرا يستند فيه إلى تبيين حجم الترابط بين المتغيرات الداخلية و السياسة الخارجية بحيث قدم مجموعة المتغيرات المؤثرة في تحديد الســـلوك الخارجي، و حصرها في خمس فئات*:
- النظام الدولي.
- العوامل المجتمعية.
- العوامل الحكومية.
- العوامل المتعلقة بالدور.
- العوامل الفردية لصانع القرار.
يبدو أن روزنو أعطى أهمية و وزن كبير للمتغيرات الداخلية ، حيث جعل أربع فئات داخلية، بينما الخامس كان المتغير النسقي، و هذا ما يبرز أهمية الوزن النسبي لمتغيرات السياسة الداخلية في تفسير السلوك الخارجي للدول.
ثانيا- الليبرالية النفعية و أثر المصالح المجتمعية على أولويات السياسة الخارجية:
ظهرت المدرسة الليبرالية و قد وصفت بأنها أكثر مدارس العلاقات الدولية إملاء لقيم التعاون الدولي، حيث تنظر إلى ذلك التعاون على أنه الحالة الطبيعية في العلاقات الدولية، و إلى النزاعات –لاسيما المسلحة- على أنها الاستثناء([url=#_ftn4][4][/url]).لتأكد من جديد على أهمية الفرد و المجتمع في دراسة العلاقات الدولية، و مثل جوهر تفكيرها مسألة السلام،.و دافع ستانلي هوفمان عن هذا الرأي من خلال قوله:"إن جوهر الليبرالية هو الانضباط الذاتي و الاعتدال و الحل الوسط و السلام([url=#_ftn5][5][/url]).
فيما يتعلق بنظرتها حول تفسير السلوك الخارجي للدول، فالليبراليون الجدد ينطلقون في فهم السياسة الخارجية من منطلقات داخلية عكس ما ساد لدى الواقعية البنيوية التي اعتمد منهج تحليل تنازلي فوقي top-down approaches"، عبر إعطاء الأولوية في التحليل للمستوى النسقي الكلي.
كما رأينا بالنسبة للواقعية، فالليبرالية كنظرية أيضا متنوعة و مختلفة، فبالرغم من أن كل نظريات الليبرالية تتقاسم مرجعية مشتركة في خصوص الفرضيات الأساسية، إلا أنها تختلف في بعض النقاط و منها ما يهمنا في هذا الصدد قضية نظرتها حول الأثر النسبي للمتغيرات المؤثرة على توجهات السياسة الخارجية بين المحددات الداخلة و الخارجية،حيث تفترق – كما رأينا بالنسبة للمدرسة الواقعية-، بين نظريات تفسير داخلي صرفة للسياسة الخارجية مثل ( نظريات السلم الديمقراطــي)، و بين أخرى تؤكد التأثير الداخلي على السياسة الخارجية دون أن تنفي أثر العوامل و الضغوطات الخارجية المفروضة من بنية النظام الخارجي ( الليبرالية النفعية). لكن المهم في كلا التصورين هو إدخالهما للتفسيرات الداخلية بشكل واضح في تفسير السلوك الخارجي.
تعتمد الليبرالية النفعية Utilitarian Liberalism، تعتمد في التحليل "مقاربة تحليلية وفق منهج تصاعدي من أسفل نحو الأعلى" "bottom-up approaches" ،لذا فهي تندرج في إطار المستوى الفرعي sub- systemic level للتحليل. حيث تسعى لشرح السياسة الخارجية للدول "من الاسفل". وتفترض هذه النظريات أن السياسة الخارجية للدول يتم تحديدها أساسا بالتقاء عوامل داخلية([url=#_ftn6][6][/url]).
في معارضتها للنهج التنازلي للتحليل عند K.Waltz ، لم تنفي بصفة مطلقة تأثر سلوكات الدول بمعطيات الخارجية المفروضة من بنية النظام الدولي ، لكن في المقابل يؤكد الليبراليون النفعيون بأن السياسة الخارجية هي أساسا تعتبر وظيــفة للدولة، و الأولويات بالنسبة للسياسة الخارجية مصادرها الرئيسية تكمن في البيئة الداخلية للدول ، وتبرير الواقع يستلزم النهج التصاعدي لدراسة السياسة الخارجية. و بصفة أدق ، تؤكد بأن السياسة الخارجية لدولة ما هي الأهداف التي تحددها مصالح الفواعل المجتمعيه المهيمنة ، أي الدولة ستواصل هذه السياسة التي تخدم مصالح هذه الأطراف الفاعلة أكثر و باستمرار([url=#_ftn7][7][/url]) ،لذا تفترض على هذا الأساس أن الدول تعتبر فواعل غير وحدوية Non Unitary Actor، بحيث تنفرد كل دولة بنموذجها الخاص في السياسة الخارجية، انطلاقا من انفرادها بنموذج تفاعلي داخلي يعكس مصالح كل مجتمع، و التي تجسد لاحقا في سلوكات دولها الخارجية.
وفي هذا السياق تضيف هذه النظرية بأن السياسة الخارجية للفواعل تكون عقلانية من حيث الأهداف، و تعتمد في هذا على نموذج الرجل الاقتصادي the model of homo oeconomicus ، لذا تصنف في فئة النظريات العقلانية في السياسة rationalist theories of politics([url=#_ftn8][8][/url]).
بحيث تعاملت مع السياسة الخارجية باعتبارها " سياسة البحث عن الربح الصافي" net gains-seeking foreign policy (متغير تابع) كما تحددها مصالح مجتمعاتها (المتغير المستقل). فالفواعل من أفراد، جماعات و مختلف الفئات الاجتماعية سلوكاتهم تفهم كـفواعل موجهة الأهداف goal-oriented) ناتجة عن حسابات عقلانية للتكاليف والفوائد. و تتابع الفواعل بوعي و إدراك الأهداف التي تسعى الى تحقيقها بأدنى حد من التكاليف ، لذلك فالمنطق المعتمد هن هو منطق نتائجي " logic of consequentiality. لسلوك الفواعل. لذلك عندما يواجه الرجل الاقتصادي عدة خيارات ، يسأل نفسه الأسئلة التالية:
(1) ما هي خياراتي؟
(2) ما هي أهدافي؟
(3) ما هي النتائج المحتملة لكل خيار من خياراتي؟
(4) وما هو الخيار الأفضل بالنسبة لي ، في ضوء أهدافي ، بمعنى ماهو الخيار الذي يضاعف منفعتي الصافية my net benefit (أخذا في الاعتبار مختلف الاحتمالات من النتائج المحتملة المرتبطه بأي خيار معين)؟
و كنتيجه للتفاعل بين الأطراف المحلية الفاعله في عملية الوساطة للمصلحة المجتمعية the process of interest intermediation ، فهي تخلق شبكات سياسة في شكل نظام معين، و قدرة كل فاعل لتأكيد أولوياتـه في عملية صنع السياسة الخارجية و هذا يتحدد بالنظر لنسبة الهيمنة في الشبكه السياسة الداخلية([url=#_ftn9][9][/url]).
مصطلح الجماعات و الفئات الاجتماعية يشمل جميع فئات الفواعل الاجتماعية المنظمة المشاركة في عملية صنع قرار السياسة الخارجية ؛ أي ليس فقط الفواعل الاجتماعية و الاقتصادية بالمعنى الضيق ، مثل فواعل القطاع الخاص (الشركات والمؤسسات التجارية و العماليه وجماعات المصالح ، الخ) ولكن أيضا الفواعل الاجتماعية في مفهومها الواســــع ، مثل الفواعل السياسية و الاداريه PSA Actors([url=#_ftn10][10][/url]). كل واحد من هذه الفواعل يتحرك بدافع مصلحة أساسية للبقاء الذي يقوده إلى الحصول على كل من "السلطة" و "الوفرة" في الدخل المالي([url=#_ftn11][11][/url]).التي تساعده على استصدار قرارات خارجية تخدم مصالح الفئة التي يمثلها داخليا.
فالسياسة الخارجية بالنتيجة تعبر عن مصالح قطاعات المجتمع الذين هم في موقع لفرض أهدافهم على وكلاء يمثلون الدولة في الساحة الدولية ، وهذه المصالح المجتمعيه. تنبثق من شبكات السياسات التي تشمل كلا من الفعاليات التي تنتمي الى النظام الحكومي - الإداري PSA ، و الفواعل من القطاع الخاص ( الشركات ،جماعات الضغط الاقتصادية و يقصد الصناعة ورابطات الفلاحين والنقابات) الذين لديهم مصلحة في القضايا المطروحة([url=#_ftn12][12][/url]).
إذا فالنموذج التفسيري الذي تقترحه الليبراليه النفعيه لتحليل السياسة الخارجية للدول يستند على النقاط التالية([url=#_ftn13][13][/url]):
1) حساب المصالح الأساسية للفواعل المجتمعيه الأكثر تدخلا بشكل مباشر في عمليات الوساطة المصلحة المجتمعية processes of societal interest intermediation.
2) حساب لتكوين و بنية الشبكات الوثيقة الصلة بالسياسة الخارجية.
3) تقرير حول العوامل التي تحدد الجهة التي يرجح ان تهيمن على سياسة معينة ، وبالتالي شبكة المصالح الاساسية التي من المحتمل ان تنعكس في السياسة الخارجية للدولة وفيما يتعلق بالقضية المعنية.
و عليه يمكننا استنتاج ما يلي:
- حسب نظرة الليبرالية النفعية، فالسياسة الخارجية تتحدد بالمصالح التي تقررها الجماعات المجتمعيه الذين لديهم القدرة للسيطرة على عملية صنع قرار السياسة الخارجية، التغييرات في السياسة الخارجية بناءا على ذلك تكون مرتبطة بوظيفة التغييرات في أولويات الفواعل المهيمنة ، او بالتغيرات في تركيبة مجموعة الفواعل المهيمنة في كل قضية-مجال داخل الشبكة الاجتماعية ([url=#_ftn14][14][/url]).
- كذلك و من خلال مستوى أكثر تجريدا، السعي للمكاسب يشكل الحافز الأساسي المشترك بين جميع قطاعات المجتمع. الليبراليه النفعية تدعي أن الأهداف التي تسعى إليها أكثر والفواعل الاجتماعية سوف تتحول إلى أهداف الدولة في تعاملها مع دول ومجتمعات أخرى([url=#_ftn15][15][/url]).
- بالإضافة للطرح السابق لليبرالية النفعية نجد داخل هذا المنظور طرح آخر يؤكد فكرة تأثير شكل البنية الداخلية للنظام السياسي للدول على توجهاتها الخارجية، وهذا من خلال نظرية السلام الديمقراطي في تحليل السياسة الخارجية Democratic Peace Theory:
جاء أنصار الليبرالية الجديدة من خلال الطرح المتعلق بفكرة "السلام الديمقراطي"، مؤكدين حجم التداخل الكبير بين طبيعة النظم السياسية للدول و سلوكها الخارجي، فرغم أن آخر حلقة من النقاش حول "السلام الديمقراطي"، كانت قد ابتدأت فعليا قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، غير أن هذا المفهوم أصبح أكثر إسنادا بزيادة عدد الدول الديمقراطية وتراكم مزيد من الشواهد الإمبريقية المؤكدة للارتباط القائم بين الديمقراطية والسلام([url=#_ftn16][16][/url]).
و قد حاولت كل الجهود من طرف الليبراليين إرجاع الاختلافات الموجودة بين السياسات الخارجية الموجدة في البنيات السياسية الداخلية، و هذا ما دافع عنه Ray من خلال تمييزه بين السياسات الخارجية للفواعل الديمقراطية و السياسات الخارجية للفواعل غير الديمقراطية، و نفس الشيء فعله Geomans عام 1995 الذي ميز بين حكم القلة و حكم الفرد المطلق المستبد ([url=#_ftn17][17][/url]).
ثالثا- النظرية البنائية وأثر المتغيرات المجتمعية و الثقافية على السلوك الخارجي للدول.
ظهرت البنائية Constructuvism * في العلاقات الدولية في نهاية الثمانينات كانتقاد للاتجاهات التي كانت سائدة في العلاقات الدولية، كان Nicholas Onuf أول من استعمل المصطلح في كتابـــه world of our making)) حيث ركز على انتقاد أعمال الواقعية البنيوية **([url=#_ftn18][18][/url]).
شهدت العشرية الأخيرة من القرن العشرين تزايد الاهتمام بتصور الثقافة و مختلف المتغيرات القمية و الاجتماعية الموجودة داخل البنى الداخلية للدول، وقد برز الاتجاه البنائي مركزا على أهمية الأفكار والضوابط، لفهم و تفسير سلوك الدول الخارجي الذي يعتبر حسب منظري هذا الاتجاه امتداد لما يسود المجتمع من قيم و أفكار و خطابات اجتماعية معينة. فقد استعمل كــل من "توماس بيرقر" و "بيتر كاتزنشتاين" المتغيرات الثقافية لتفسير نزوع ألمانيا واليابان بعيدا عن السياسات العسكرية التي تعتمد على الذات. كما قدمت "إليزابيث كير" تفسيرات ثقافية للعقائد العسكرية التي سادت بريطانيا وفرنسا، في فترة ما بين الحربين. أما "لين جونستون" فقد قامت بتقصي حالات الاستمرارية في السياسة الخارجية الصينية فيما تعتبره "واقعية ثقافية" متجذرة[url=#_ftn19][19][/url].
إذا فهذا الاتجاه التفسيري ينطلق من الاعتقاد بأن الواقعة الدولية هي اجتماعية البناء في الأساس([url=#_ftn20][20][/url])، لهذا فقد بدأت الدراسات الحديثة و خاصة الاتجاهات النقدية الاجتماعية و البنائية في دراسة السياسة الخارجية للدول، مراعاة التداخل بين البيئة الاجتماعية Intr-Societal، و البيئة الاجتماعية الخارجية Extra-Societal([url=#_ftn21][21][/url]).
وصفت النظرية البنائية – و هنا نتحدث عن البنائيون الحداثيون Constructuvist Modernists ، Alexandr Wendt ، كمحاولة تركيب أكثر من أنها شكلت تحدي أو انتقاد لأبحاث الواقعية الجديدة والليبرالية ([url=#_ftn22][22][/url]). لذا يعتقد البعض أن الأهمية النظرية للبرنامج البنـائي تكمن في مــواقفه الإبستمــولوجية و الأنطولوجية و المعيارية الوسطية([url=#_ftn23][23][/url])، إذ تمثل البنائية تصورا وسطيا.و على هذا الأساس فالبنائيون في محاولة تفسيرهم للسلوك الخارجي للدول اعتمدوا مستوى تحليل وسط بين المستوى الكلي أو النسقي الذي يعتمد نظرة فوقية لسلوك الدولtop-down approaches" كما هو حال الواقعية الجديدة، و بين المستوى الثاني المعتمد على مقاربة تحليلية وفق منهج تصاعدي من أسفل نحو الأعلى" "bottom-up approaches,"عند الليبرالية النفعية.أما البنائية ، في المقابل ، تتخذ كلا مستويات التحليل - المجتمع الدولي والمجتمع المحلي – في الحسبان([url=#_ftn24][24][/url])*.بحيث ترى أن كلا المجتمعين المحلي و الدولي تحتوي على قيم مشتركة، تمثل محدد مهم لسلوك الدول الخارجي، لذلك لفهم سلوك السياسة الخارجية لدولة بعينها ، هناك نظامين اجتماعيين مختلفين يمثلان مرجعية مشتركة بالنسبة لهؤلاء الوكلاء أو العملاء ، أي صناع القرار سياستها الخارجية الذين يمثلون دولتهم و قيم مجتمعهم: المستوى الدولي وكذلك المجتمع المحلي.
اثر المعايير الاجتماعية على سلوك السياسة الخارجية لدولة يرجع إلى عمليات التنشئة الاجتماعية process of socialization التي يخضع لها صناع القرار. بالنسبة لعملاء الدولة هناك تحليلين متميزين للتنشئة الاجتماعية يحدثان في نفس الوقت. لأنهم في تفاعل بين نظامين اجتماعيين مختلفين في المجتمع الدولي والمحلي لكل مجتمع يواجهوه عمليات تنشئة اجتماعية مختلفة. فكما تؤثر القيم الداخلية على سلوك الفواعل، كذلك تلعب القيم الدولية من خلال المؤسسات الدولية و الإقليمية دروا مؤثرا في توجيه سلوك الفواعل، و يحدث أن تلاؤم الدول سلوكاتها بما يتناسب و بنية القيم الداخلية و كذلك الدولية، فكل دولة ترغب في تمرير قيمها للخارج لكن عبر التقيد بالإملاءات و القيم الدولية، كعدم شرعية الحرب كأداة لإثبات الهوية الخارجية. فالوكلاء الداخليون الممثلون لدولهم، يشبعون إلى جانب قيم مجتمعاته، بالقيم النابعة من الثقافة العالمية (ثقافة الأمن و السلم).
لكن هذا الموقف الوسط في خصوص مستوى التحليل المعتمد يتناسب أكثر مع غاية النظرية التركيبة، حيث أن المستوى المحلي و القيم السائدة داخل المجتمع تأخذ نسبة كبيرة في تحليل السلوك الخارجي ،إذا ما قورنت بمدى تأثير بنية النظام الدولي، و هذا ما سنلاحظه من خلال عرض للفرضيات و الأسس الرئيسية للنظرية في دراسة السلوك الخارجي للدول.و بحكم أن داستنا هذه تنصب على دراسة أثر المتغيرات الداخلية على السلوك الخارجي للدول، سنعمد إلى التركيز على إبراز التصور البنائي الذي يجعل من السلوك الخارجي امتداد للقيم المجتمعية الداخلية للدولة.
اعتمادا على تصور و إدراك Alexandr Wendt فإن البنائية تنطلق من الافتراضات الأساسية التالية لتقديم فهم أو إدراك أكثر عمقا للسياسة الدولية، و تتمثل هذه الافتراضات في[url=#_ftn25][25][/url]:
- الدول هي الوحدات الأساسية للتحليل.
- البنى الأساسية للنظام القائم على الدول، مبنية بشكل "تذاتاني" Intersubjective.
- هويات و مصالح الدول، تتشكل في معظم أجزائها بفعل البنى الاجتماعية، أكثر ماهي موجودة بشكل منعزل ضمن النظام.
عموما النظرية البنائية حسب Alexandr Wendt تطرح مجموعة اقتراحات أساسية لدراسة السلوك الخارجي، على النحو التالي([url=#_ftn26][26][/url]):
1- العوامل المجتمعية المؤثرة في السلوك الخارجي للفواعل :
أ- دور التنشئة الاجتماعية في تشكيل السلوك الخارجي.
ب-أهمية الأفكار و المعرفة في إلى جانب القوة المادية في تشكيل البنيات والسلوك الخارجي.
2- دور الهويات و تأثيرها على سلوكات الوحدات و مصالحها.
[url=#_ftnref1][1][/url] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، "الربط"، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، نقلا عن موقع: http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_......htm
[url=#_ftnref2]
[2][/url]
) ناصيف يوسف حتى، النظرية في العلاقات الدولية ، مرجع سبق ذكره، ص 193.[url=#_ftnref3]
[3][/url]
) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، "الربط"، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، مرجع سبق ذكره.* ) لنا عودة لذكر هذه المتغيرات بشكل مفصل في العنصر الموالي من هذا الفصل النظري، عند التطرق لتصنيف مكونات البيئة الداخلية المؤثرة في السلوك الخارجي للدول.في مستوى لاحق من الدراسة النظرية.[url=#_ftnref4]
[4][/url]
) جهاد عودة، النظام الدولي...نظريات و إشكاليات ، مرجع سبق ذكره، ص 54.[url=#_ftnref5]
[5][/url]
) جون بيليس و ستيف سميث، عولمة السياسة العالمية، مرجع سبق ذكره.ص 314.[ltr][url=#_ftnref6]
[6][/url]
( Volker Rittberger, Approaches to the study of Foreign Policy derived from international relations theories, op.cit.[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref7]
[7][/url]
( Ibid.[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref8]
[8][/url]
) Ibid[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref9]
[9][/url]
) Andrea Ribeiro Hoffmann , “A synthetic approach to foreign policy”, in site: http://www.isanet.org/noarchive/hoffmann.html[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref10]
[10][/url]
) Ibid. [/ltr]
[ltr][url=#_ftnref11]
[11][/url]
) Volker Rittberger, “ Approaches to the study of Foreign Policy derived from international relations theories”. op.cit.[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref12]
[12][/url]
(Ibid.[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref13]
[13][/url]
( Ibid.[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref14][14][/url] ( Ibid.[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref15][15][/url]( Volker Rittberger,“ Approaches to the study of Foreign Policy derived from international relations theories“ .op.cit.[/ltr]
[url=#_ftnref16]
[16][/url]
) ستيفن وولت ، "العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة"،مرجع سبق ذكره.[ltr][url=#_ftnref17]
[17][/url]
( James D.Fearon, Domestic Politics. Foreign Policy and Theories of International Relations, op.cit. p 303 .[/ltr]
*)أول من استعمل مصطلح البنائية كان "نيكولاس أنوف" في كتابه world of our making)) حيث ركز على انتقاد أعمال الواقعية البنيوية. كما كان للمقال المرجع لألكسندر وانت الملقب بأبي البنائية ، الصادر سنة 1992 و المعنون بـ (Anarchy Is What States Make of It: The Social Construction of Power Politics) .الأثر الكبير في إثراء و تطوير التفكير البنائي ،و البنائية متعددة حتى داخل المنظور الواحد، و يوجد هناك أكثر من اتجاه داخل هذا "البرادايم".بحيث أن العامل الابستومولوجي هو المؤشر الرئيسي للتمييز بين هذه الاتجاهات المختلفة. و هنا قد نجد البنائيين الوضعيين أو كما يسمون " البنائيون الحداثيون Constructuvist Modernists" أمثال Alexandr Wendt ، و "البنائيين النيوكلاسيين"، أمثال F. Kratochwill ، N.Oneuf، E.Adler إلى جانب Peter Katzenstein . و معظم هؤلاء يميلون إلى تبني ابستومولوجية وضعية. أما "البنائيون بعد الحداثيون" أو "بعد-البنيويون"، أمثال: Rechard Ashley، David Campbell، J. Der Darian إلى جانب R B. J Walker فهم يتبنون ابستومولوجية بعد وضعية
[url=#_ftnref18][18][/url] ) حمايدي عز الدين، دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية، جامعة قسنطينة ،دورة2005، ص 34.
**) تزامن ظهورا لبنائية مع نهاية الحرب الباردة، التي شكلت عقبة فشل أمام العديد من النظريات وخاصة النظرية الواقعية باتجاهيها، في التنبؤ بنهاية هذه الحرب بطريقة سلمية،كما ساهمت هذه الحرب في إضفاء الشرعية على النظريات البنائية لأن الواقعية والليبرالية أخفقتا في استباق هذا الحدث كما أنهما وجدتا صعوبة كبيرة في تفسيره، بينما تمتلك البنائية تفسيرا له، خصوصا ما يتعلق بالثورة التي أحدثها ميخائيل غورباتشيف في السياسة الخارجية السوفيتية باعتناقه أفكارا و قيما جديدة "كالأمن المشترك".
[url=#_ftnref19]
[19][/url]
) ستيفن وولت ، "العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة"، مرجع سبق ذكره.[ltr][url=#_ftnref20][20][/url] ( Giden Rose , op.cit, p 152.[/ltr]
[url=#_ftnref21][21][/url] ) مارسيل ميرل،سوسيولوجيا العلاقات الدولية، (ترجمة حسن نافعة، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1986)، ص ص 145- 146.
[ltr][url=#_ftnref22][22][/url] ) Toru Oga, ‘From Constructivism to Deconstructivism theorising the Construction and Culmination of identities”, in site: http://www.w3.org/TR/REC-htm.[/ltr]
[url=#_ftnref23][23][/url] ) عمار حجار. السياسة الأمنية الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط. مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية. جامعة باتنة. دورة جوان 2002 ،ص 45.
[ltr][url=#_ftnref24][24][/url]( Volker Rittberger, “Approaches to the study of Foreign Policy derived from international relations theories”, op.cit.[/ltr]
[url=#_ftnref25]
[25][/url]
) عمار حجار، السياسة الأمنية الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط. مرجع سبق ذكره ،ص 40.[ltr][url=#_ftnref26]
[26][/url]
) Toru Oga,” From Constructivism to Deconstructivism theorising the Construction and Culmination of identities”, op.cit.[/ltr]