العلاقــات الدوليــة المعاصرة
Date: 08\08\2008
العلاقــات الدوليــة المعاصرة
د. رافع ابو رحمة *
مقدمة:
كان الهدف العام للدبلوماسية القديمة هو الاستقرار الأوروبي وليس المساواة العالمية ، وقد تحقق هذا الهدف من خلال الاتفاق الأوروبي عام 1815 الذي حقق لأوروبا مائة عام تقريباً من السلام ، وكان أبطال هذا الإنجاز هم رجال الدولة الدبلوماسيين مثل بسمارك ومترينخ وكاسترو. غير أننا يجب أن نلاحظ أن هذه المائة عام من السلام قد قامت في ظروف اسثنئاية ونتيجة لسياسة توازن القوى ووجود شبكة من المصالح المتبادلة في التجارة، كما كان عدد الفاعلين في المسرح الدولي قلة، وقدم لهم صغر القارة الأوروبية فرصة التفاعل السريع حيث زادت الإلفة بين رجال الدولة والسفراء والتي تجاوزت الحدود القومية ومع بلاطهم الملكي الذي كان نشطاً بشكل خاص في الدبلوماسية كون رجال الدولة والدبلوماسيون مجتمعاً ارستقراطياً تجاوز القوميات .
غير أنه ومع مطلع القرن العشرين بدا أن النظام الدولي سوف يتميز بالاضطراب العنيف لا بالتناسق والاستقرار، فقد أزاحت الحرب الأولى أربع امبراطوريات كبرى من القوى السبع التي كانت على المسرح الدولي، وكان على الدبلوماسية التقليدية في جوهرها أن تهيئ نفسها وتتكيف مع عصر ثوري جديد وكان التجديد الحاسم في هذا العصر هو إنهاء الاحتكار الأوروبي نتيجة لدخول الولايات المتحدة في المجموعة الصغيرة للأعضاء الكبار في المجتمع الدبلوماسي.
وقد توافق مع هذا التطور بدء تعرض الدبلوماسية القديمة او التقليدية وأساليبها لهجوم مستمر منذ الحرب العالمية الأولى واستمر هذا الهجوم الذي صحبته تطورات جذرية في البيئة الدولية حتى كادت الدبلوماسية القديمة أن تنبذ منذ نهاية الحرب الثانية. ويلخص "هانز مورجانثو" الحجج التي استند عليها الهجوم على الدبلوماسية القديمة في :
1- أنها مسؤولة عن الكوارث السياسية التي حاقت بالبشرية خلال الحقب التي سيطرت فيها أساليبها، والمنطق يقول إن الأساليب التي ثبت عدم صحتها يجب أن تستبدل.
2- أن الدبلوماسية التقليدية إنما تتعارض مع مبادئ الديموقراطية لذلك كان على الدبلوماسية أن تكون مفتوحة ومعرضة للفحص في كل عملياتها.
3- أن الدبلوماسية التقليدية بشكلياتها غير ذات جدوى ومضيعة للوقت ومتعارضة بمساوماتها مع المبادئ الأخلاقية.
أما العوامل الحاسمة التي أدت إلى تراجع الدبلوماسية القديمة ونشوء الدبلوماسية الجديدة فكانت نتيجة لثلاثة تطورات رئيسية : التغيير الذي لحق بتكوين الأسرة الدولية، طبيعة الاهتمامات الدولية ومن ثم أهداف العملية الدبلوماسية ، وأخيراً ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وهي موضوع بحثنا.
• مشكلة البحث:
تتمثل مشكلة البحث في معرفة اثر تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مهام البعثات الدبلوماسية ودورها في تأسيس العلاقات بين الدول ، حيث كان لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا في ترابط وتشابك العالم وتقليص الاعتبارات الجغرافية السياسية للدول الى حد كبير ، ويمكن تلمس ابرز معالم هذا التطور الذي شهدته العلاقات الدولية والدبوماسية بما يلي :
1- أن العلاقات الدولية في عصر (المعلو اتصالات) تتسم بسيادة المعرفة والتقدم التكنولوجي وبما أن المعلومات والمعرفة لا تعترفان بحدود سياسية سيادية للدول فان ادارة العلاقات الدولية تأخذ هذا الامر بالاعتبار وتدار باساليب تتجاوز قيود الفرضيات الدولية التي سادت ابان مرحلة الحرب الباردة.
2- لم يعد بامكان الدول الحديث عن السيادة الاعلامية والتحكم في عملية تدفق المعلومات إلى داخلها والعمل على تشكيل عقول ابناء شعبها وضمان ولائهم التام لصالحها ، أما الان ومع تعاظم فرص الاتصال عن طريق شبكات المعلومات والاتصالات ظهر ضعف الدول في امكانية التحكم على نوع وكم المعلومات بالتالي ضعف قدرة الدول على تصريف شؤونها الخارجية وعلى علاقاتها مع الدول الاخرى.
3- انتشار ثقافة التغريب والميل نحو الاعجاب بثقافات الغرب في (العنف والجنس والشهرة والثروة والقوة وقيم الاستهلاك والوفرة الفردية والانانية) وانحسرت قيم الانتاج والتقشف وروح الجماعة مما اثر على دور الدول في تنمية عقول ابناء شعبها وضعف ايدولوجياتها الشعبية الوطنية أو الدينية .
4- اسهمت الثورة التكنولوجية في احداث التوحد على النطاق العالمي وفق مصلحة الدول الصناعية (المركز) فهي تتسبب في مزيد من التفكك واللامركزية على النطاق المحلي والداخلي للدول.
5- بروز دبلوماسية الاقمار الصناعية والاعلام الكوني في نشر الاخبار والصور مصحوبة بالجمالية والالوان والاثارة والغبن مما تسببه من حرج وضغط للقنوات الرسمية المعتمدة من قبل الدول في ادارة شؤونها الداخلية. حتى أن هذا النوع الجديد في الاعلام الفضائي يسبب للدول شعورا بالقلق والارباك لانها لم تعد قادرة على التحكم الاعلامي والخبري الداخلي وميل ابناء شعبها للثقافات الخارجية المثيرة والمؤثرة.
6- اختراق القنوات الدولية لحدود السيادة الدولية وتراجع مفهوم (السيادة الوطنية) وبعد انتشار الثقافة التلفزيونية المعتمدة على الاقمار الصناعية ، وبالتالي فان الدول سوف تفقد سيطرتها على تدفق المعلومات والاتصالات ذات الطابع الدولي الذي له اثر سلبي مباشر على تماسك الشعب وولائه لدولته التي يقطنها وينتمي اليها. تحت شعارات ترسيخ الثقافة العالمية وترسيخ قيم المعرفة العلمية ونزع مجتمعات الاطراف من ثقافاتها الوطنية.
7- أن قدرة التكنولوجيا الكونية في تهميش دور الدولة – الحكومة على فرض سيطرتها على ابناء شعبها يناظره تهميش لدور الدولة في الحياة الاقتصادية باتجاه افقارها وتدني عائداتها وتراجعها في اداء واجباتها المتعلقة بصيانة امنها القومي ودفاعها الوطني وبروز الرغبة المتزايدة لدى بعض القوى الدولية المهيمنة على الوضع الدولي الجديد إلى اداء ذلك الدور نيابة عن الدول مقابل قدر عال من الكلف المادية بالاضافة إلى تعزيز مستلزمات هيمنتها العالمية وضمان مصالحها الدولية.
فهل الدول قادرة على الثبات والديمومة باستيعاب اسرار ثورة (المعلو اتصالات) ؟ وهل أن هذا الامر يدعوها إلى الانغلاق على الذات بل التعامل مع التكنولوجيا الدولية الجديدة باستفادة من مزاياها المتعددة والا فان (عالم جديد سيظهر إلى الوجود) على انقاض الدولة الوطنية التي رسمت اركانها معاهدة ويستفاليا عام 1648 لرسم معالم علاقات دولية جديدة!
• متغيرات البحث:
تحدد مشكلة البحث متغيرين تفترض وجود علاقة بينهما. الأول وهو المتغير الأساسي المتمثل بالعلاقات الدبلوماسية وتطورها ونشوء الدبلوماسية الحديثة وأبعادها الاقتصادية ، الاجتماعية ، السياسية والثقافية الجديدة . والمتغير الثاني هو ثورة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات حيث سينصب البحث على دراسة الأثر الذي سيحدثه هذا المتغير بالمتغير الأساسي الأول .
• أهمية البحث:
تبرز أهمية مشكلة البحث في أنها تلفت النظر الى دور ثورة الاتصالات والمعلومات التي جاءت لكي تحدث تغييراً نوعياً في ظهور الدبلوماسية الحديثة. فالثورة التكنولوجية في مجال النقل والاتصالات أصبحت تسمح بإجراء اتصالات طويلة ومشاورات بالبرقيات والفاكس والخط الساخن الذي يربط بين الرؤساء خاصة ، وأصبح من الممكن عقد مؤتمرات وحوارات عبر الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية ومكن هذا المتفاوضين وهم على مائدة المفاوضات من الاتصال بعواصم بلادهم والحصول على التوجيهات من صناع القرار في عواصمهم . كما كان لثورة المعلومات وسرعة نقلها عبر الشبكات والقنوات التلفزيونية تأثيراً حاسماً على عمل الدبلوماسي وكمية ما هو متاح له من أخبار ومعلومات وتقييمات وجعله في مركز الأحداث العالمية وهو في مكتبه وجعله هذا في سباق مع الزمن لكي يلاحق هذه الاحداث ولا يتخلف عنها.
• أهداف البحث:
يهدف البحث الى التركيز على العلاقات الدولية من خلال البعثات الدبلوماسية وإبراز أثر العولمة والاتصالات بأبعادها المختلفة عليها لتحقيق التالي :
- التعريف بالدبلوماسية الحديثة : المفهوم ، المعوقات وعلاقتها بالسيادة . وتأثير العولمة على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي .
- التعريف بالسيادة الوطنية بعد تعزيز التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول ، وتغير الأجندة السياسية الدولية ، والتغيير الذي رافقه في مصالح الدول على الساحة الدولية وتبدل إمكانيات وسائل تنفيذ سياستهم الخارجية.
- توضيح أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مفهوم "قوة الدولة" والتتغير الحاصل من الاعتماد على القوة العسكرية إلى الاعتماد على تطوير الموارد المالية والاقتصادية والمعلوماتية والفكرية للدولة.
- دور القانون الدولي العام في ظل هذا التطور الغير محصور للعلاقات الدولية في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات .
• فرضيات البحث:
يفترض البحث وجود علاقة اقتران بين العلاقات الدبلوماسية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات . بمعنى أنه كلما زادت مظاهر تكنولوجيا الاتصالات أثر ذلك سلباً على دور البعثات الدبلوماسية التقليدي وزاد من فرصة عولمة العلاقات الدولية .
فلم يعد يقتصر دور الدبلوماسي بممارساته التقليدية من حفلات ومآدب عشاء وغذاء واستقبالات أو بكتابة التقارير والتحليلات والتنبؤات ، إنما أصبح الدبلوماسي اليوم هو الذي يدير وينسق نطاقا عريضا من النشاطات والاهتمامات العريضة للبلد المعتمد فيه وبحيث يمكن القول ان الدبلوماسي الحديث يجب ان يتوقع معالجة كل مظاهر الحياة البشرية إذ أن كل مظهر للوجود البشرى أصبح اليوم تقريبا له بعض الأبعاد الدولية ، الأمر الذي جعل من الدبلوماسية التي كانت يوما ما عملا بسيطا عملية معقدة ليس فقط نتيجة للعدد المتزايد من المشكلات والقضايا المعقدة والمتشابكة التي تواجه الدول والمجتمع الدولي وإنما أيضا نتيجة للعدد المتزايد من الدول.
وقد فرضت هذه المهام الجديدة على الأجهزة الدبلوماسية أن تعيد تنظيم هياكلها وأولوياتها بحيث أصبحت الإدارات والأقسام التي تعالج هذه القضايا لها الأولوية على غيرها من الإدارات التقليدية التي تعالج القضايا السياسية ، وانسحب هذا على الأفراد الذين يتولون هذه المهام ، واصبح هناك تنافس بين أعضاء الأجهزة الدبلوماسية على العمل والتخصص في هذه الأنشطة الجديدة والتي أصبحت تتطلب ثقافة وتكوينا جديدا ، وأصبح ترتيب حضور هذه المؤتمرات وكذلك احتمال تنظيمها موضوعيا وإداريا وفنيا من أهم ما يشغل وزارات الخارجية والتي تتولى مسؤولية هذه المؤتمرات الدولية التي تعقد في بلادها حتى تلك التي تعالج قضايا بعيدة عن القضايا السياسية التقليدية سواء من حيث المشاركة الدولية فيها أو من الناحية التنظيمية ، وإعداد الكوادر الفنية اللازمة : السكرتارية ، الترجمة ومصاحبة الوفود الزائرة.. الخ.
• منهج البحث:
يعتمد البحث في فحص الفرضيات المناهج التالية :
المنهج القانوني : لما كانت طبيعة الدراسة بالأساس تستند الى قواعد القانون الدولي المنظم للعلاقات الدبلوماسية الثنائية سواء اتفاقية فيينا لعام 1961م الخاصة باتفاقية العلاقات الدبلوماسية للدول ، أو لاتفاقيات عام 1975م الخاصة بالمنظمات الدولية ، أو لبعض أحكام اتفاقية فيينا الثانية لعام 1963م الخاصة بالعلاقات القنصلية ، فان استخدام المنهج القانوني في تحليل وتفسير النصوص القانونية الواردة بصلب موضوع العلاقات الدبلوماسية والتمثيل الدبلوماسي، يصبح أمرا في غاية الأهمية لهذه الدراسة ، فضلاً عن ذلك فان أهميته تكمن أيضاً في ضرورة إيجاد التكيّف القانوني لعملية لدور العلاقات الدبلوماسية في بناء العلاقات الدولية في إطار القانون الدولي العام ، بهدف الوصول الى مقارنة ومقاربة بين تفسير تلك النصوص على أرض الواقع من جهة ، والممارسة الدبلوماسية السائدة في التطبيق الدولي من جهة أخرى .
المنهج التاريخي : و ذلك لحصر الأحداث وضبط دوافع التطور و النتائج المترتبة عليها .
المنهج الوصفي : من خلال معرفة أهم الصفات المميزة للدبلوماسية والعلاقات الدولية ، وفي ذات الوقت الصفات المميزة لعصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .
المنهج الأحصائي : من خلال استبيان يتضمن العديد من التساؤلات حول تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على دور البعثات الدبلوماسية سيوزع على كافة البعثات التمثيلية في بكين لتقديم إجابات واقعية وعملية تكون أساساً لتنبؤات ونتائج البحث.
المنهج التحليلي : وذلك لتحليل الظواهر المترتبة على الثورة التكنولوجية ومحاولة استشراف الرؤية المستقبلة لتأثيرها على مهام البعثات الدبلوماسية و بالنتيجة على العلاقات الدولية .
تنظيم محتويات البحث :
تم تقسيم البحث الى فصل تمهيدي ، إضافة الى ثلاثة فصول رئيسية على النحو التالي :
الفصل التمهيدي : العلاقات الدبلوماسية بين الأصول النظرية والتاريخية :
المبحث الأول : مفهوم العلاقات الدبلوماسية في إطار القانون الدولي العام .
المبحث الثاني : واجبات وحقوق البعثات الدبلوماسية الدائمة .
المبحث الثالث : التطور التاريخي للعلاقات الدبلوماسية .
الفصل الأول : الدبلوماسية الحديثة :
المبحث الأول : مفهوم الدبلوماسية الحديثة وأسباب نشوءها .
المبحث الثاني : أشكال ومعالم الدبلوماسية الحديثة :
أولاً : الدبلوماسية الشاملة .
ثانياً : الدبلوماسية الترابطية .
ثالثاً : الدبلوماسية المتعددة .
المبحث الثالث : العلاقات الدولية في ظل الدبلوماسية الحديثة .
الفصل الثاني : تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في العلاقات الدولية :
المبحث الأول : أشكال وظواهر تكنولوجيا المعلومات والإتصالات .
المبحث الثاني : آلية تأثير ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مهام البعثات الدبلوماسية .
المبحث الثالث : آلية تأثير ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية .
وفي هذا الفصل أيضاً أفردت مبحثاً خاصاً لواقع البعثات التمثيلية في جمهورية الصين الشعبية ، وهو الرابع تحت عنوان ( أثر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وعلى مهام البعثات التمثيلية في بكين )
المبحث الرابع : أثر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وعلى مهام البعثات التمثيلية في بكين .
الفصل الثالث : دور القانون الدولي العام في تنظيم العلاقات العلاقات الدبلوماسية الحديثة .
المبحث الأول : التنظيم القانوني لمجال المعلومات والاتصالات .
المبحث الثاني : التنظيم القانوني للعلاقات الدبلوماسية الحديثة .
الخاتمة :
أولاً : النتائج والتنبؤات لمستقبل العلاقات الدبلوماسية في ظل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات .
ثانياً : التوصيات .
المراجع والمصادر
أ – المراجع الاساسية :
أولاً : الوثائق
ثانياً : الدوريات
ثالثاً : الكتب
ب – المراجع الثانوية : -
اولاً : الرسائل الجامعية :
ثانياً : منشورات المؤسسات :
ثالثاً : الصحف :
رابعاً : المواقع الإلكترونية :
العلاقات الدبلوماسية متعدِّدة الأطراف
تختلف بالطبع الدبلوماسية الثنائية عن الدبلوماسية متعددة الأطراف ، ولعل أن أو ما يلفت الانتباه إلى الاختلاف بينهما ، ان الأولى تتم بين الدول فقط ، بينما الثانية تتم بين الدول والمنظمة الدولية ودولة المقر أو الدولة المضيفة ، أي أنها علاقة ثلاثية الترابط ، بيد أن الاختلاف والفروق بينهما أكبر من ذلك بكثير وتُسقط مباشرة على مختلف تفاصيل العلاقة البينية ، وعلى النحو التالي:
أولا : في الدبلوماسية الثنائية تتمثل العلاقة بين دولتين ، الدولة الموفدة والأخرى المستقبلة ، بينما في الدبلوماسية متعددة الأطراف تأخذ العلاقة أبعاد ثلاثية بين الدولتين الموفدة والمستقبلة من جهة ، والمنظمة الدولية من جهة ثانية .
ثانياً : في الدبلوماسية الثنائية لا بد من موافقة كل دولة على رئيس البعثة وباقي أعضاء البعثة الدبلوماسية عن طريق الاستمزاج مسبقاً واعتماده قبل الوصول الى الدولة المستقبلة ، بينما في دبلوماسية المنظمات الدولية لا يوجد مثل هذا التقليد او الوضع القانوني سواء بالنسبة للموظفين الدوليين التابعين للمنظمة او بالنسبة للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها من قبل الدول، من منطلق ان هذه البعثات ممثلة للدول لدى المنظمة وليس للدولة المضيفة ، رغم تمتعهم بجملة ضمانات دولية تمنح لهم من المنظمة نفسها وعلى حساب سيادة دولة المقر أو الدولة المضيفة .
ثالثاً : من حق الدولة في التمثيل الدبلوماسي الثنائي أن تعلن شخصاً ما شخص غير مرغوب فيه او تقوم بطرده أو طلب سحبه من عضوية البعثة ، بينما –نظريا- لا يتم ذلك في علاقة الدولة مع المنظمة الدولية ، حيث لا تملك دولة المقر او الدولة المضيفة حق طرد او طلب سحب عضو من أعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المنظمة إلا من خلال المنظمة نفسها .
رابعاً : في الدبلوماسية الثنائية تطبق الدول مبدأ المعاملة بالمثل بينهما ، بينما ليس لهذا المبدأ أي دور في العلاقة غير المتكافئة بين الدولة والمنظمة الدولية ، والسبب أن الدولة تملك سلطة تطبيق ما تشاء ويقرره أمنها الوطني على مختلف أجهزة المنظمة الدولية المادية والبشرية ، بينهما المنظمة لا تملك سلطة فعلية –وليس قانونية- للرد بالمثل مقارنة بالدولة صاحبة السيادة والإقليم .
خامساً : وثمة فرق أخر يتمثل في معيار الأسبقية في التمثيل ، إذ في الدبلوماسية الثنائية تكون الأسبقية محددة بمعيار زمني (ساعة وتاريخ وصول رئيس البعثة إلى الدولة المستقبلة أو وقت تقديم أوراق اعتماده ) ، بينما في نطاق الدبلوماسية متعددة الأطراف يكون المعيار ثابت ومحدد في الترتيب الهجائي لأسماء الدول وفقا للنظام الجاري العمل به في المنظمة .
سادساً : في الدبلوماسية الثنائية يكون التمثيل أحادي من كلا الجانبين ، بمعنى ان البعثة بطاقمها البشري جزء واحد في تمثيل مصالح الدولة ، بينما في دبلوماسية المنظمات الدولية تكون الدولة ممثلة بواسطة بعثة دبلوماسية دائمة (لدى) المنظمة ، ويكون لها في نفس الوقت عضوية ممثلة (في)([1])المنظمة من خلال مشاركتها ممثليها في نشاطات أجهزة المنظمة الفرعية، وربما يكون من ذات الدولة موظفين دوليين تابعين للمنظمة ومستقلين في عملهم وارادتهم تبعاً لاستقلال وارادة المنظمة الدولية ، مثل الموظفين المصريين في جامعة الدول العربية في القاهرة ، والموظفين الأمريكيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك .
سابعاً : الجهاز البشري للدبلوماسية الثنائية بين الدول يتكون من الدبلوماسيين والموظفين الفنيين والإداريين والملحقين ، وهم بالغالب الأعم من أبناء الدولة الموفدة ، بينما يشمل الجهاز البشري تبعا لعلاقات المنظمة ، وكما أشارت إلى ذلك اتفاقية امتيازات وحصانات منظمة الأمم المتحدة لعام 1946.
المتغيرات التي تطرأ على العلاقات الدبلوماسية بين المنظمة والدول الأعضاء