انعكاسات الإسلاموفوبيا على العلاقات المتوسطية بعد 11 سبتمبر 2001م
الأستاذ : لخميسي شيبي
بعد انتهاء الحرب الباردة ظهرت العديد من الأطروحات النظرية الغربية التي سعت إلى الإعلاء المنظومة الليبرالية على حساب باقي النظريات ذات البعد العالمي خصوصاً بعد سقوط اللاعقلانية المتمثلة في قانون القوة والظلم والإدارة اللاعقلانية للواقع الاجتماعي عند المعسكر الشيوعي ، فكان تحدي استمرار الغرب ككتلة متجانسة خصوصاً بعد انهيار العدو واختلال ميزان القوى ، وهنا تبرز أهمية إيجاد عدو مختلف قيمياً و حضارياً ، فجاءت أطروحات نهاية التاريخ و صدام الحضارات و عودة الإسلاموفوبيا و الفكر الاستشراقي الجديد للتضخيم الآخر المختلف و المتخلف .
وبعد هجمات ال11 سبتمبر 2001 م ، انتعشت هذه الأطروحات بل كثير منها وجد طريقها إلى السياسة العالمية ، و انعكست بوجه التحديد على العلاقات المتوسطية .
إشكالية الدراسة : تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة على التساؤل الآتي :
ما هو تأثير الإسلاموفوبيا في السياسات الغربية على العلاقات المتوسطية بعد ال 11 سبتمبر ؟ .
ويتفرع عن هذه الدراسة الأسئلة البحثية الآتية :
1 – ما هو الإدراك الغربي لتهديدات الإسلاموفوبيا في حوض المتوسط ؟.
2- ما هي أنماط الإستجابة الأمريكية و الأوروبية تجاه الإسلاموفوبيا بالمنطقة ؟ .
3 – هل ساهمت ظاهرة الإسلاموفوبيا في استقرار المنطقة ؟ .
أولاً : المعنى الإستراتيجي للتهديدات الجديدة :أعدت مؤسسة راند دراسة- بتكليف من وزارة الدفاع الإيطالية- حول إمكانية إقامة حوار أطلسي – متوسطي، وقدمت نطاقاً موسعاً للبحر المتوسط، يمتد من البحر الأحمر إلى جبل طارق، ورأت مصادر تهديد الأمن الأوروبي تتمثل في قوسين للأزمات هما:
1- القوس الشرقي : يمتد من شمال أوروبا منحدرًا جنوبًا ما بين ألمانيا وروسيا والبلقان.
2-القوس الجنوبي : يشمل شمال أفريقيا البحر المتوسط فالشرق الأوسط وصولاً إلى جنوب آسيا(1).
لكن الملاحظ أن القوس الشرقي قد تم إدماجه أو "إسكان" معظم دوله في معمارية الأمن الأطلسي، أو في البناء الأوروبي، غير أن الحلف أصبح يدرك أن عليه التعامل مع تحديات جديدة في القوس الجنوبي.
وحسب الدوائر الأطلسية فقد تم ضبط التحديات التي تفرضها الضفة الجنوبية في:
1- صعوبة الفصل بين أولويات التحديات الأمنية الإستراتيجية في المتوسط (أولوية البعد العسكري أو أولوية الأبعاد الأخرى : اقتصادية، سياسية، ثقافية).
2- اعتبار الإسلام تحدياً جديداً في المتوسط، ويمكن إيضاح ذلك في النقاط الآتية:
أ- رغم تراجع دور الايديولوجيا في السياسة الدولية، إلا أن الغرب لم يسقطها من رأيته الإستراتيجية، ومن ناحية أخرى تعتبر القومية والإسلام سمة مميزة لدول الضفة الجنوبية للمتوسط.
ب- إن فكرة الصراع توجد مبررًا لبقاء وتماسك الحلف، وهو ما حدث أثناء الحرب الباردة، لكن مع سقوط الاتحاد السوفياتي (العدو الأحمر)، كان هناك تحدٌٍ آخر استمرار الحلف وبقائه، ولتحقيق هذا الهدف، لم يكن أفضل من الإسلام (العدو الأخضر) باعتباره عدوًا جديدًا للغرب. فقد صرح الأمين العام السابق لحلف الأطلسي ويلي كلاس بأن: " الإسلام عدو للغرب" (2).
بالإضافة إلى أن هذا التفكير يجد تأصيله النظري في أطروحة صراع الحضارات، كما أن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغينيو بريجنسكي قد أعلن " الجهاد " ضد الهلال الإسلامي الذي يمكن أن يشكل كتلة اقتصادية بامتداد غير محدد المعالم من شمال أفريقيا والشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل) وجنوب غرب آسيا وإيران وباكستان ودول آسيا الوسطى وتركيا (إذا ما رفضتها أوروبا)، ويصل إلى حدود الصين حيث القواسم المشتركة مثل الإحساس الموحد بالاقتصاص من الغرب(3).
ج- وقوع العالم الإسلامي على طول منطقة الحواف، وهي مؤثرة جدًا على الأمن الجيوليتيكي للأطلسي.
د- العودة القوية للإسلام السياسي لدى غالبية الهلال الإسلامي، وهو ما يعتبره الحلف تهديدًا لأمنه ومصالحه بالمنطقة.
ذ- النظر إلى الإسلام كعامل تغيير في الدول العربية، حيث يكون بصورة جدل حول فلسفة الحكم تارةً، وبصورة صراعات مسلحة للوصول إلى السلطة في أحيان أخرى، فهذه الصراعات الداخلية قد تدفع إلى تدفق موجات بشرية من الضفة الجنوبية إلى الضفة الشمالية، وانتقال هذه الصراعات إلى داخل أوروبا و بخاصة دولها الجنوبية ، من خلال المهاجرين والمواطنين من أصول عربية(4).
3- الانفجار الديموغرافي في دول الضفة الجنوبية، حيث يتوقع في غضون الربع الأول من القرن الحادي والعشرين أن يتجاوز سكان تركيا ومصر والجزائر والمغرب عدد سكان غرب أوروبا، وهذا النمو السكاني لا يوازيه تنمية اقتصادية واجتماعية، كما أنها لم تحقق تحولات ليبرالية جوهرية في الديمقراطية والحكم والحياة الاقتصادية.
4- اعتماد أوروبا المتزايد على موارد الطاقة المستوردة من الضفة الجنوبية، وتخوفها من انقطاع إمدادات النفط والغاز بسبب حدوث اضطرابات بها، أو في حال اندلاع حرب عربية – إسرائيلية، كما أن 65% من إمدادات الغاز والنفط تمر عبر المتوسط(5).
5- هناك تهديدات من القوس الجنوبي للأمن الأطلسي من خلال امتلاك دوله لتقنية عسكرية متطورة وأسلحة دمار شامل وصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، قادرة على الوصول إلى جنوب أوروبا على الأقل. وينعكس هذا الوضع على الأمن الأطلسي من ناحيتين هما:
أ- علاقة الأمن والاستقرار بين الأطلسي وجنوب المتوسط : يرى حلف الأطلسي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية أن امتلاك دول عربية أو إيران لأسلحة دمار شامل أو صواريخ متوسطة وبعيدة المدى تشكل تهديدًا عسكريًا للمصالح الأطلسية، ففي حالة حدوث توتر حاد، قد تلجأ تلك الدول إلى هذه الأسلحة كملاذ أخير، وعندها قد لا يجد حلف الأطلسي الرد المناسب والسريع عليه، خصوصًا في حال عدم تماسك الحلف، وهو ما يجعل الولايات المتحدة أمام عمليات عسكرية منفردة أو مدعومة بعدد قليل من الدول، في وقت تتزايد فيه معارضة العمليات العسكرية التي تفتقد إلى الشرعية الدولية .
ب- توازن القوى : هناك قناعة أطلسية بأن امتلاك أية دولةٍ عربيةٍ لأسلحة دمار شامل أو صواريخ متوسطة أو بعدية المدى ستؤثر مباشرة على توازن القوى بين العرب وإسرائيل، وهو ما ينعكس مباشرة على عملية التسوية التي انطلقت منذ مؤتمر مدريد للسلام، كما يتوافق مع الالتزام الأمريكي بحرمان أي قوة إقليمية من إمكانية تحقيق سبق عسكري على إسرائيل لأنه سيفضي إلى هيمنة إقليمية تتعارض مع المصالح الأمريكية، وهو ما حدث للعراق(6).
6- تنطوي العلاقات العربية – العربية أو العلاقة العربية - المتوسطية والشرق أوسطية على عوامل صراع لا يستبعد أن تنفجر، مثل العلاقة بين تركيا وسوريا، تركيا والعراق، سوريا وإسرائيل... بسبب خلافات متعددة منها الخلافات حول الحدود والمشاكل الديموغرافية والأقليات والطوائف والصراع على الموارد وبخاصة النفط والغاز والمياه.
7- حاجة الحلف إلى توفير متطلبات قوة التدخل السريع، في مناطق الأزمات التي ستكون الدول العربية أحد ميادينها، لذا يرى الحلف ضرورة إشراك الدول العربية في تحمل نفقات هذه القوة، والحصول على التسهيلات المطلوبة، وكذا مراقبة الدول العربية للحئول دون امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل أو الصواريخ قصيرة أو متوسطة المدى قادرة على تهديد الأمن الأورو – أطلسي.
ثانياً : أنماط الاستجابة الأوروبية و الأمريكية تجاه الإسلاموفوبيا بالمنطقة :
1 - مبادرات الإصلاح الأوروبية والاتحاد من أجل المتوسط :
1 -2 - مبادرات الإصلاح الأوروبية :
استند الأوروبيون في إطلاق دعوات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية في العالم العربي لسنة 2002م، الذي يبرز ثلاثة نقائص مطلقة للدول العربية، وهي الحرية والمعرفة وتمكين المرأة، حيث أكدت اللجنة الأوروبية التزام الاتحاد الأوروبي بميثاق الحقوق الأساسية المعلن عنها في نيس 2000م، في ما يتعلق بعلاقاتها مع الدول المتوسطية، حيث يتضمن:
1- دعم مبادئ الحرية واحترام الحريات الأساسية.
2- تشجيع الديموقراطية.
3- احترام حقوق الإنسان ودولة القانون.
وحددت اللجنة الأوروبية سبب تراجع حقوق الإنسان في المنطقة إلى :
1- محدودية تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
2- ضعف دور المنظمات غير الحكومية.
3- فشل المنظومات التربوية وعدم استجابتها لمتطلبات سوق العمل.
4- انتعاش الحركات المتطرفة بسبب الاستبداد وفشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وهذه الحركات رافضة للمبادئ العالمية لحقوق الإنسان باسم الإسلام(7) .
5- فشل تجارب التحول الديمقراطي و تهميش دور المرأة الذي أثر على مشاركتها وتمثيلها السياسيين.
6- اتساع الهوة بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .
وهنا دعت اللجنة الأوروبية دول جنوب المتوسط إلى اتخاذ بعض الإجراءات الضرورية لدعم حقوق الإنسان، منها:
1- تشجيع دور المجتمع المدني في ترقية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
2- مكافحة العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب.
3- إلغاء عقوبة الإعدام.
4- احترام حقوق الأقليات.
5- الدفاع عن حقوق المرأة والطفل.
6- إلغاء التعذيب أثناء التحقيق و إصلاح السجون (
.
كما قدم الاتحاد الأوروبي مبادرتين رئيسيتين هما:
أ- سياسة الجوار الجديد : في مارس 2003م، طرحت المفوضية الأوروبية وثيقة بعنوان أوروبا الموسعة والجوار لتحدد السياسات الأوروبية المستقبلية تجاه المحيط الإقليمي الإستراتيجي للاتحاد الأوروبي من جهة الشرق والجنوب بعد عملية التوسع، الذي يعد المجال الحيوي لأوروبا، وهذا ما عرف بسياسة الجوار الجديد لتشكل الإطار الجيوبوليتيكي الأوروبي لما بعد عملية التوسع(9).
وانطلاقًا من فكرة أن الجوار الجغرافي يتيح فرصًَا أكبر للتعاون، ترى الوثيقة ضرورة تركيز السياسات الأوروبية تجاه الدول المتوسطية في المديين المتوسط والبعيد على المبادئ الآتية:
1- العمل مع الشركاء لتقليص الفقر وإقامة منطقة رخاء مشتركة قائمة على تكامل اقتصادي مكثف، وتعزيز مجالات التعاون السياسية والثقافية وأمن الحدود ومنع وإدارة الأزمات.
2- مبدأ الإشتراطية، حيث هناك نسبة وتناسب في منح المزايا والعلاقات التفضيلية لدول جنوب المتوسط، مع ما تحققه من إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية استنادًا للمعايير الأوروبية(10).
وقد تعرضت الوثيقة إلى ثلاث مجالات للتعاون هي:
1- الجانب السياسي والأمني: أكدت الوثيقة على أهمية الجانب السياسي والأمني باعتباره محور تطور المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي هو تجسيدًا للسياسة الدفاعية الأوروبية الجديدة، حيث أكدت على:
1-1- دراسة تهديدات الأمن المتبادل التي تشمل انتشار الأسلحة النووية، أو الهجرة غير الشرعية، التهريب، الإرهاب والجريمة المنظمة...
1-2- دعم عمليات التحول الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان... خصوصًا أن دول الجوار الجديد ليس لها خبرة في الحكم الديموقراطي وسجل ضعيف في مجال حماية حقوق الإنسان، وليس فرضها من الخارج و بالقوة.
1-3- التأكيد على الأثر السلبي للصراعات في عملية التنمية السياسية والاقتصادية.
1-4- أهمية دور الاتحاد الأوروبي في منع الأزمات وإدارتها، مثل قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية.
ب- مبادرة الاتحاد الأوروبي لتعزيز الشراكة مع العالم العربي : جاءت المبادرة الأوروبية لتعزيز الشراكة مع العالم العربي في إطار سلسلة المبادرات الغربية للإصلاح السياسي والاقتصادي بالعالم العربي، حيث تقرر في قمة تسالونيك الأوروبية باليونان التي عقدت في يونيو 2003م ، ما يلي:
- التأكيد على أهمية التعاون الأورو- متوسطي في إطار عملية برشلونة، والمحافظة على المكاسب التي تم تحقيقها.
- دعوة الاتحاد الأوروبي إلى بلورة إستراتيجية للاستقرار الإقليمي دون استثناء أي دولة بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي واليمن وسوريا التي تتهمها الولايات المتحدة بدعم الإرهاب، وإيران بسبب برنامجها النووي(11).
2 - الاتحاد من أجل المتوسط :
اقترنت فكرة الاتحاد من أجل المتوسط بالرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي الذي طرح المشروع للأول مرة قبل أشهر من الإنتخابات الفرنسية، وكان في البداية يقتصر فقط على دول حوض المتوسط، وهو ما أثار حفيظة ومعارضة دول أوروبا وبخاصة منها غير المطلة على المتوسط، ومنها ألمانيا التي رأت فيه مشروعًا لتعزيز دور فرنسا في المتوسط، وهو مشروع منافس للاتحاد الأوروبي وبديل عن عملية برشلونة.
ويختلف مشروع الاتحاد من أجل المتوسط عن عملية برشلونة بإطاره المؤسسي المتين كما يقوم أيضًا على مبدأين هما:
- الندية والمساواة.
- الهندسة المخيٍرة، بمعنى أن تنفيذه مشروط بتطوع أي دولة ترغب في تنفيذه(12).
وسعت فرنسا من هذا المشروع إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1- الأهداف الداخلية : نذكر منها:
أ- تقليص الهجرة غير الشرعية.
ب- إعادة تأهيل الأجانب المقيمين بفرنسا ودمجهم في المجتمع الفرنسي.
2- الأهداف الخارجية : وتتمثل في:
أ- القيام بدور مهيمن في المتوسط.
ب- تعزيز الحضورالفرنسي في المغرب العربي الذي تراجع كثيرًا أمام النفوذ الأمريكي خصوصًا بعد مشروع إيزنتشات I وإيزنتشتات II، فضلاً عن الدور الصيني المتنامي.
ج- موازنة النفوذ الألماني المتزايد في وسط و شرق أوروبا.
د- الرغبة في بناء نظام دولي متعدد الأقطاب تكون أوروبا قطبًا أساسًيا في تفاعلاته.
ذ- قطع الطريق على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي واكتفائها بعضوية الاتحاد من أجل المتوسط.
ر- إدماج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي(13) .
وأطلق مشروع الاتحاد المتوسطي خلال مؤتمر روما الثلاثي الذي جمع كل من إيطاليا، فرنسا وإسبانيا في 20 ديسمبر 2007م، الذي صدر عنه نداء روما، الذي دعا الدول المتوسطية إلى طرح رؤية شاملة حول الاتحاد المتوسطي، وفي 13 يوليو 2008م، عقدت قمة باريس بمشاركة 43 دولة، أين أعلن عن البيان المشترك لعملية برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسط .
3 - مشروع الشرق الأوسط الكبير :
مع انتهاء الحرب الباردة، ساد اتجاهان رئيسان داخل الحزب الجمهوري وهما: الاتجاه المثالي والاتجاه الواقعي، هذا الأخير انقسم إلى:
أ- تيار المعتدلين : ضم كل من جورج بوش الأب وجيمس بيكر و مستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت.
ب- تيار المحافظين : ويضم كل ديك تشيني ومساعده بول وولفوفتز...
ولئن كان المحافظون والمعتدلون متفقون على سيادة وريادة الولايات المتحدة للعالم، إلا أنهما اختلفا حول أسلوب وشكل هذه السيادة، حيث يرى التيار المعتدل وجود سيادة نسبية تسمح بوجود شركاء آخرين خصوصًا منهم الحلفاء الأوروبيين.
أما التيار المحافظ فيرى ضرورة السيادة المطلقة والمنفردة للولايات المتحدة، بحيث يغيب معها مفهوم المشاركة(14).
وبتكليف من وزير الدفاع ديك تشيني، قام بول وولفوفتز بإعداد مشروع لمواجهة تحديات السياسة الخارجية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين تحت عنوان دليل التخطيط الإستراتيجي، ويتضمن:
- سعي الولايات المتحدة منع أي قوة منافسة مرتقبة، تعادلها في القوة والتقدم.
- القيام بضربة عسكرية ضد العراق لإعادة ترتيب الأوضاع وميزان القوى القائم في الشرق الأوسط و لصالح إسرائيل(15).
لكن الرئيس جورج بوش الأب رفض المشروع، الذي أعيد طرحه وأصبح المحور الأساسي للإستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي، التي وضعت في 20 سبتمبر2002م، والتي عرفت في ما بعد بمبدأ بوش.
ويرى وولفوفتز أن خريطة الشرق الأوسط خريطة أوربية تعكس التنافس الفرنسي الإنجليزي على المنطقة، ويرى ضرورة رسم خريطة أمريكية خاصة بها، من خلال تفكيك الدول العربية أو فرض صيغ الفيدرالية أو الكونفيدرالية عليها أو إنشاء كونفيدرالية موسعة في الشرق الأوسط تكون إسرائيل فيها جزءًا عضويًا ومحوريًا. وهو ما يتوافق مع طرح هنري كيسنجر الذي يقدم أورشليم كعاصمة للشرق الأوسط(16).
وهنا استخدمت الولايات المتحدة نمطيين للتدخل في المنطقة هما:
1- النمط الأول : استند إلى استخدام القوة العسكرية لإسقاط النظم السياسية، وهو ما طبق في أفغانستان والعراق بحجة مكافحة الإرهاب والتورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001م، والعلاقة بتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، أو حيازة أسلحة الدمار الشامل أو نشر الحرية والديموقراطية... غير أن هذا النمط أوضح العديد من جوانب القصور في إستراتيجية الولايات المتحدة في فهمها لطبيعة المنطقة والتعامل معها، كما أظهرت الحرب على العراق الإنقاسم العميق بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والرأي العام العالمي، حتى مع حلفائها الأوروبيين بخاصة فرنسا وألمانيا و بلجيكا... من حيث عدم شرعيتها، وهو ما يفسر وبشكل كبير تحيٌِيد الحلف في هذه الحرب، بالإضافة إلى المقاومة غير المتوقعة في أفغانستان والعراق وتراجع شعبية بوش...وكلها عوامل دفعت بالولايات المتحدة إلى إتباع نمط مغاير لأسلوب التدخل العسكري المباشر.
2- النمط الثاني: يركز على فرض الإصلاح السياسي وتغيير الأوضاع الداخلية لدول المنطقة التي أفرزت الإرهاب، وهذا لا يكون من خلال الإجراءات والترتيبات الأمنية فقط، بل من خلال عملية إصلاح شامل داخل دول المنطقة(17).
ومن خلال النمطين نلاحظ تغييراً في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، حيث كانت تربط بين استقرار المنطقة ومصالحها الحيوية بالإقليم. وهذا الاستقرار كان يقوم على مبدأين هما:
- دعم النظم السياسية الصديقة للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.
- إيجاد حل شامل للنزاع العربي الإسرائيلي من خلال الانسحاب من الأراضي المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية.
أما التغير فقد ظهر من خلال :
2-1- تخلي إدارة بوش عن مبدأ أولوية استقرار الأنظمة العربية وتفضيلها للأولوية الديموقراطية، حيث صرح جورج بوش في نوفمبر2003م بأن :" ستين عامًا من تبرير الدول العربية لانعدام الحرية في الشرق الأوسط لم يحقق شيئًا يجعلنا آمنين، لأنه أظهر أنه لا يمكن على المدى البعيد مقايضة الاستقرار على حساب الحرية، وطالما بقي الشرق الأوسط مكانًا لا تزدهر فيه الحرية فسيظل مكانًا للركود، والاستياء والعنف الجاهز للتصدير" . وفي خطاب آخر ألقاه في معهد أميركان أنتربرايز قال أنه : " لا بد أن تقوم الولايات المتحدة بدور قيادي في عملية تحول اقتصادي وسياسي واجتماعي بالمنطقة" (18).
2-2- فك الارتباط بين حل النزاع العربي- الإسرائيلي ومصالح الولايات المتحدة وأمنها.
وهو ما ترتب عليه تغير في مواصفات العدو والصديق، حيث تم تحديد العدو في الإرهاب الذي هو عربي الجنس ومسلم الديانة وهو مدعوم من نظم الحكم العربية(19).
وهنا تبرز معادلة جديدة للأمن المنطقة، وهي أن التهديدات لم تعد مصادرها من خارج المنطقة، وإنما هي من داخلها، وهذا يتطلب إعادة بناء الداخل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنياً...
وقد سبق طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد تقرير أهداف الألفية للتنمية في المنطقة العربية صدر عن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر2003م، حيث يثير مخاطر عدم تبني الدول العربية لإصلاحات جذرية في جميع المجالات (تعليم، صحة، تشغيل…)، وتوقع استمرار الأوضاع الحالية حتى سنة 2015م، على الأقل . ثم صدر تقرير آخر عن الأمم المتحدة حول التنمية الإنسانية في العالم العربي، وهولا يختلف عن مضمون التقرير الأول.
وهنا أعلنت الولايات المتحدة عن مبادرة الشرق الأوسط الكبير في فيفري 2004م، ويمكن إرجاع الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى التركيز على نمط الإصلاح السياسي وتغيير الأوضاع الداخلية إلى الأسباب الآتية:
3-1- زيادة عمليات المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال من حيث النوع والكيف، بالإضافة إلى فشل سياسة إعادة إعمار العراق، والتكلفة الباهظة لتمويل العمليات في العراق وأفغانستان، وهذا ما دفع بإدارة بوش إلى التراجع عن فكرة التغيير باستخدام القوة العسكرية.
3-2- اقتراب الانتخابات الأمريكية وتراجع شعبية الرئيس بوش، كما أنها كانت ذات أهمية بالغة من حيث تجاوز الانتهاكات الدستورية الخطيرة التي حدثت في انتخابات سنة 2000م، وكذا استكمال تنفيذ برنامج لجنة الخطر الداهم التي وضعها المحافظون الجدد(20).
3-3- استباق القمة العربية التي عقدت بتونس، وفرض مشروع الشرق الأوسط الكبير، وكذا تسويقه وإقراره في قمة الثمانية بسي أي لاند الأمريكية وذلك في 8 جوان 2004م، ثم في مؤتمر أمريكا- أوروبا بأيسلنده في 23 جوان2004 م، وبعده قمة حلف الأطلسي باسطمبول في 28 جوان 2004م.
3-4- كسب تعاطف الرأي العام العربي من خلال إثارة قضايا ذات أهمية بالغة للمواطن العربي مثل الحريات العامة، الديموقراطية، المشاركة السياسية... والتركيز على دبلوماسية الرأي العام كما دعى إلى ذلك جوزيف ناي(21).
3- 5- التأثر بدعوات الإصلاح السياسي الصادرة عن أوروبا خصوصًا بعد إعادة إحياء الشراكة عبر الأطلسي والعمل بمبدأ التنسيق والتوفيق بين أولويات السياسة الأمريكية وأولويات السياسة الأوروبية .
دور الحلف في البيئة الأمنية المتوسطية والشرق أوسطية: يمكن لحلف الأطلسي القيام بالمهام الآتية:
1- تدعيم التعاون العسكري في مجال الأمن الناعم .
2- قيام الحلف بعمليات عسكرية في عرض البحر المتوسط لمواجهة التهديدات الإرهابية وخصوصًا في الممرات والمضايق، وذلك في إطار عملية المسعى النشط.
3- دفع دول المنطقة للقيام بإصلاحات في مجال الدفاع والأمن، وإخضاعهما لسلطة مدنية منتخبة ديموقراطيًا.
4- تكوين قوة مساعدة أجنبية حيث تكون الدول العربية مشاركة فيها وتحت قيادة الحلف.
5- تكثيف الوجود العسكري بالعراق والمساهمة في تدريب قواته وإعادة بناء مؤسساته الأمنية
6- المشاركة في عمليات الإصلاح والتغيير الداخلي (22).
كما يقترح ريتشارد لوجار في مبادرته المكملة لمشروع الشرق الأوسط الكبير دوراً مهماً لحلف الأطلسي، حيث يقترح :
1- وجود الحلف بأفغانستان أين يتولى قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية.
2- تحمل دور رسمي في العراق والمساهمة في إنجاح إعادة تأهيل العراق و إعماره.
3- تطوير العلاقات العسكرية مع دول الشرق الأوسط في إطار برنامج التعاون من أجل السلام مشابه لبرنامج الشراكة من أجل السلام الذي أطلقه الحلف مع دول وسط وشرق أوروبا(23).
4- قيام الحلف بعمليات حفظ السلام و نشاطات أخرى في إطار الأمن الناعم...
كما يتضمن برنامج العمل السنوي، الأبعاد العسكرية الآتية:
1- قيام عناصر بحرية تابعة للحلف بزيارات إلى موانئ دول الحوار.
2- إرسال الحلف فرق التدريب لتنظيم برامج تدريب موقعي لتطوير مهارات المدربين في دول الحوار الجنوبية.
3- قيام خبراء من الحلف بزيارات لدول الحوار الجنوبية لتقييم إمكاناتها في تحقيق المزيد من التعاون في المجال العسكري.
4- إلحاق عناصر وضباط من دول الحوار الجنوبية ببرامج دراسية ونشاطات أكاديمية أخرى في كل من كلية الحلف التي تشرف عليها القيادة العليا لقوات الحلف بأوروبا (Shape) التي توجد بمدينة أوبراميجاو الألمانية، وكلية الناتو الدفاعية بروما(24).
5- قيام دول الحوار الجنوبية بزيارات لمنشأت الحلف العسكرية.
6- توجيه الحلف دعوات لدول الحوار لحضور التمرينات والمناورات العسكرية التي تتم في إطار برنامج الشراكة من أجل السلام، أو حتى المشاركة فيها.
كما أن الحوار الأطلسي - المتوسطي، يضمن للحلف تحقيق الأهداف الآتية:
1- إن إدارة العمليات في الحرب على العراق سنة1991م، كشفت عن مخاطر جسيمة أثرت على تنفيذها، وكانت قضية التنسيق بين دول حلف الأطلسي والدول المشاركة غير الأطلسية من حوض المتوسط والشرق الأوسط من أعقد القضايا بسبب اختلاف العقائد العسكرية وفن القتال ومنظومة الأسلحة... ولهذا أصبح من الضروري إقامة الحلف لحوار أمني ذي أبعاد عسكرية مع دول المتوسط غير الأطلسية، من أجل التدريب على التعاون العسكري خصوصًا في حال وجود عمليات يقوم بها الحلف أو مجموعة من أعضائه أو الولايات المتحدة داخل الفضاء المتوسطي(25).
2- من وجهة النظر الأطلسية والأمريكية تحديدًا، فإن الحوار الأطلسي – المتوسطي سيكبح اندفاع أوروبا في تبني سياسة ذات بعد عسكري وأمني في الفضاء المتوسطي، خصوصًا أن الولايات المتحدة لا يرجح لديها خيار تعدد المؤسسات ومراكز القرار في قضايا الأمن الأطلسي – الأوروبي .
3- إن مبادرة إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال سنة 1995م، لإنشاء قوات أوربية،قادرة على التدخل في مناطق الأزمات لتحقيق الأمن والاستقرار بالمتوسط، تتوافق مع المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف، الذي أصبح المرجعية الإستراتيجية للمبادرة الأوروبية .
كما أن هذه المبادرة تتكامل مع جهود بناء معمارية للدفاع والأمن الأوروبي، وهي أكثر ارتباطًا مع الحلف، حيث إن إقراره تكوين قوات المهمات المجمعة المشتركة أدى إلى أن تكون الخطوات الأوروبية المستقلة غير منفصلة عن أهداف الحلف العامة، كما تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بأن تكون كل مبادرة أمنية أوربية في إطار الحلف، الذي هو المرجعية والضمان الأول لأمن المنطقة الأورو – أطلسية(26).
وهنا يكون الحواران الأورو – متوسطي والأطلسي- المتوسطي متكاملين وغير متباينان في الحوار والتعامل مع الأمن المتوسطي، الذي هو مكمل للأمن الأورو- أطلسي. وتجدر الإشارة إلى أن كلاَُ من الأردن ومصر والمملكة المغربية كانت قد تعاونت عسكريًا في عمليات يقودها الحلف في إطار القوة الدولية بالبوسنة والهرسك قوة تحقيق الاستقرار وفي إطار قوة كوسوفو ، كما قدمت إسرائيل مستشفى ميدانياً بكامل طاقمه وتجهيزاته لمساعدة لاجئي كوسوفو، أما من خارج دول الحوار المتوسطي، فقد قامت الإمارات العربية المتحدة بإرسال فرقة عسكرية كبيرة إلى كوسوفو، كما ساهمت أيضًا في إصلاح مطار كوكس الألباني وإعادة تشغيله، الذي كان قد دمرته القوات اليوغوسلافية(27).
وللإشارة فقد أقر الحلف سنة 2002م المفهوم الإستراتيجي لمحاربة الإرهاب ، حيث حدد العمليات التي يحتمل أن يقوم بها ، التي صنفها إلى أربع فئات و هي :
أ – الإجراءات الدفاعية لمكافحة الإرهاب .
ب- إدارة نتائج العمليات الإرهابية .
ج- العمليات الهجومية لمكافحة الإرهاب .
د- التعاون العسكري ضد الهجمات غير العسكرية .
ثالثًا : الإسلاموفوبيا و استقرار المنطقة المتوسطية : سيتم تحليل العلاقات بين المتغيرين من خلال التعريف الإجرائي للاستقرار السياسي ، وهنا نقدم بعض المؤشرات وهي الإنفاق العسكري في المنطقة الحروب و الإرهاب .
1 - الإنفاق العسكري : حسب التعريف التوجيهي الذي يستخدمه السيبري للإنفاق العسكري فإنه يتضمن الإنفاق على النشاطات و الجهات الفاعلة وهي القوات المسلحة، وزارة الدفاع ومشاريعها المشتركة مع باقي الهيئات الحكومية، القوات شبه العسكرية، النشاطات العسكرية في الفضاء ، كما يشمل الإنفاق على الأفراد العسكريين و المدنيين ، بما في ذلك رواتب تقاعد العسكريين و الخدمات الاجتماعية للأفراد، عمليات الصيانة ، المشتريات، البحث و التطوير ، المساعدة الاقتصادية .
وقدر إجمالي الإنفاق العسكري العالمي بنحو 1464 مليار دولار عام 2008 بزيادة حقيقية قدرها 4.0% عن 2007م، أي 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أو 217 دولار للفرد، وبزيادة 45% عن الفترة 1999 – 2008م،