ظاهرة "الإسلاموفوبيا" تتصاعد في أوروبا

بسام ناصر

باتت ظاهرة العداء للإسلام "الإسلاموفوبيا" تتنامى في أوروبا بشكل كبير وملحوظ، فقد حذّر الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي من تزايد ظاهرة العداء للإسلام في بعض الدول الأوروبية، واستخدامها مادة للمزايدة في الانتخابات، كما يحدث في فرنسا، كما حذّرت منظمة العفو الدولية من الأمر نفسه.
في تشخيصه لطبيعة الظاهرة وبيان أدوارها ومراحلها، أوضح أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا دخلت بالفعل مرحلتها الثالثة، مشيرا إلى أنّ المرحلة الأولى تمثّلت في استغلال حرية التعبير للإساءة إلى الإسلام كما حدث في الرسوم الكاريكاتورية، أمّا الثانية فتمثّلت في مأسسة العداء للمسلمين، كما جرى في الاستفتاء الشعبي الذي شهدته سويسرا وأسفر عن قرار منع بناء المآذن.
في رصدها لمظاهر العداء التي تواجهها الأقليات المسلمة في أوروبا، حذّرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها، أكدت فيه ازدياد حالة العداء تلك، وأشارت إلى أنّ حالة العداء تزداد من خلال منع ارتداء النقاب، واستثناء المسلمين من التوظيف، بالإضافة إلى حظر بناء المساجد، فضلا عن التشريعات الداخلية التي تستهدف التضييق على المسلمين، وحذّرت المنظمة من تصاعد اليمين المتطرف الأوروبي عبر الانتخابات، الأمر الذي تجلّى في النتيجة التاريخية التي سجّلها اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تنتظر بدء دورتها الثانية في السادس من أيار المقبل.
ظاهرة العداء للإسلام في تناميها وازديادها في المجتمعات الأوروبية تكشف عن طبيعة العقلية الأوروبية وموقفها من الإسلام والمسلمين، وهي العقلية التي تغذّت على مقولات المستشرقين وأبحاثهم ودراساتهم، والتي تقف في غالبها موقفا عدائيا من الإسلام وأهله، مع توافر جملة منها كانت موضوعية وأكاديمية في منهجيتها وبحثها. من خلال توافر تقنيات التواصل والحوار الحديثة، كالحوارات التي تجري عبر برنامج البالتوك، يدهش المرء لحجم ونوعية الشبهات التي يثيرها نصارى العرب في غرفهم وغرف المسلمين تجاه القرآن الكريم والرسول عليه الصلاة والسلام والإسلام، وحين التأمل والتدقيق لا يصعب اكتشاف أنّ مصدر تلك الشبهات هو الدراسات الاستشراقية المختلفة.
من المؤكد أنّ تكاثر الأقليات المسلمة في أوروبا، ومحافظة غالبية أبنائها على تقاليدها الشرقية، وطقوسها الدينية، تدفع الأوروبيين للتعرف على الإسلام عن كثب، فترجع للكتب المتوفرة بلغاتها عنه، والتي في غالبها من إنتاج المستشرقين، والتي تقدّم الإسلام بصورة عدائية، فتصوّر المسلمين على أنّهم يغزون بلاد الآخرين، بحجة الدعوة إلى الدين، فيقومون بقتل الناس وسلب أموالهم وممتلكاتهم، الأمر الذي يدفع الأوروبي لمعاداة الإسلام وكراهية المسلمين.
كما أنّ علوّ صوت إسلاميي العنف بما قاموا به من أحداث عنفية وتفجيرية في بريطانيا ومواقع أخرى من العالم، أوصل للأوروبيين صورة مشوّهة وقلقة عن الإسلام والمسلمين، فهم يرون المسلمين عبر التفجيرات والأعمال العنفية، لا يجيدون إلاّ لغة القوة والعنف، ولا يقيمون وزناً للحياة الإنسانية، حيث يعتدون على الأبرياء نساء وشيوخا وأطفالا، وفي الأماكن العامة، ذلك النموذج لا يمكن إلاّ أن يكون دافعا قويا لترسيخ عداء الأوروبيين للإسلام وأهله.
إسلاميو العنف، الذين يجيدون فتح الجبهات في كل مكان، ولا يرون خدمة الدين إلاّ من خلال التفجيرات، ولعلعة الرصاص، لا يمكن إلاّ أن يقدّموا صورة مشوّهة عن الإسلام، وهم في كثير من الأحيان يقدّمون خدمات مجانية لاتجاهات وأحزاب اليمين المتطرف، الذي يحسن توظيف تلك الأعمال العنفية لصالح أفكاره في إثارة روح العداء للإسلام، والكراهية للمسلمين.
أصحاب فكرة "عولمة الجهاد"، والتي تعني منازلة الأعداء في كل مكان، دون التمييز بين عدو داهم، وآخر ساكن، بتهديد مصالحهم وتقويض استقرار بلادهم، وإثارة القلاقل في مجتمعاتهم، لا يزِنون أعمالهم بميزان المصالح والمفاسد، ولا يكلّفون أنفسهم عناء تقييم أعمالهم ومراجعتها في ظل الأرباح والخسائر، فما هي المصالح المترتبة على تأليب بلاد العالم كلها على الإسلام ودعاته؟ ألا يدرك أصحاب تلك الرؤى والأجندات كم جرّت أحداث 11 أيلول على المسلمين في أمريكيا وأوروبا وسائر أنحاء العالم من مصائب واعتقالات ومصادرات وتضييقات؟ ألا يعلم أولئك أنّهم بأعمالهم تلك يكونون سببا جوهريا في تنامي ظاهرة العداء للإسلام في أمريكيا وأوروبا؟
الإسلام دين هداية ورحمة للعالمين، وكم هو بحاجة إلى دعاة عالميين يظهرون قيمه السامية ومعانيه الكريمة في حب الخير للناس، والحرص على هدايتهم، ودخولهم في دين الله، أين هم المسلمون الذين يظهرون للعالم أنّهم لا يحرصون على دخول الناس في النار، بل هم في غاية الحرص على إيصال نور الهداية لهم، تأسياً بمعلمهم الأول، ومتابعةً لطريق من جعله الله أسوة حسنة، الذي خاطبه ربه مسليا عنه من شدة ما أخذه الكرب والشدة عليهم "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا"، "فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ".
مصدر المقالة