لعب الحرب في الحروب الحديثة

لعب الحرب في الحروب الحديثة
الكاتب: دكتور/ زيد حميد شعبان
تعتبر الحرب الميدان العملي لاختبار العقيدة القتالية وتنمية التجربة العملية في المجال العسكري ولكن كيف يتم تطوير أساسها النظري ما لم تختبر ميدانيا؟. ولهذا دأبت الجيوش على إيجاد وسيلة لاختبار وتنمية تجربتها القتالية في الحرب دون الخوض فيها , وكانت لعب الحرب البديل الأقرب للميدان العملي واختبار النظريات والأساليب القتالية .
يوحى إلى أذهان البعض أن مصطلح لعبة الحرب يعني خطة مرسومة ومعدة للتطبيق لحرب معينة ومعقدة في تفاصيلها إلى الدرجة التي تختص الدول المتقدمة حصراً في تطبيقها ضمن الواقع العملي . ويستخف البعض الآخر في وضع تصور لمعنى هذا المصطلح إلى الحد الذي يضعه بشكل موازي للمباريات الرياضية .وبالرغم من تباين هذين التصورين فان الحقيقة الواضحة لموضوع لعب الحرب هو ضرورتها في الحروب الحديثة. ولكن لماذا تعتبر لعب الحرب ضرورة ؟ للوقوف على هذا السؤال لابد من التعرف على مفهوم لعب الحرب .
مفهوم لعب الحرب
تعرف لعبة الحرب على إنها عملية عسكرية مشبهة تشتمل على قوتين متنازعتين أو أكثر تعملان طبقاً لقواعد وأساليب لتمثيل موقف حقيقي أو مفترض تعرف لعبة الحرب على إنها عملية عسكرية مشبهة تشتمل على قوتين متنازعتين أو أكثر تعملان طبقاً لقواعد وأساليب لتمثيل موقف حقيقي أو مفترض . ويمكن إجراء مثل هذه اللعب لأغراض التدريب أو لفحص خطط العمليات والممارسة عليها أو لأغراض البحوث ويمكن أن تكون يدوية أي بدون إستخدام الحاسبات الإلكترونية أو بمساعدة الحاسبات الإلكترونية أو باستخدام الحاسبات والإعتماد عليها بشكل مطلق. وقد إعتبرت معظم الدول المستثمرة لها بأنها طريقة رخيصة الثمن لتمكين صانعي القرارات السياسية والعسكرية من وضع تصور منطقي لميزانية الدفاع واتخاذ القرار على حجم وعدد القوات والتشكيلات العسكرية البرية والجوية والبحرية ودراسة النتائج التجريبية للأسلحة التي هي تحت التطوير والقرار على صلاحية الأساليب التعبوية المصممة للعمل في ميادين المعارك الحديثة فضلاً عن تقويم الحاجة إلى إعتماد تخصيصات مالية لأغراض البحوث والتطويرات العسكرية، ويميل أكثر الأكاديميون إلى تسمية مصطلح لعب الحرب (بالتشبيه) أو (النمذجة) ويذكر في هذا الجانب أن وزير الدفاع الأمريكي (ماكنمارا) قد أصدر أوامره عام 1961 بتبديل إسم هيئة لعب الحرب في وزارة الدفاع الأمريكية إلى وكالة التشبيهات (السياسية/العسكرية) ويعرف كلاهما بما يلي:
التشبيه : تمثيل منظومة أو جزء من منظومة أو نموذج مصمم له سلوك مماثل للمنظومة الأصلية .
النموذج : تمثيل كيان أو موقف بواسطة شيء أخر له مظاهر أو ميزات الكيان أو الموقف الأصلي .
تشترك معظم الأكاديميات العسكرية على أن لعبة الحرب هي تمارين بدون قطعات أو قوات ذات جانبين . وتختلف لعب الحرب عن التمارين الهيكلية في أن عمل العدو يكون مدبراً في الجانب الهيكلي من قبل هيئات السيطرة المختلفة والتي عليها أن تبين تفاصيله . أما في لعبة الحرب فيقرر قادة الطرفين إجراءاتهما ثم يتفرغ كل جانب لعمله ويسير التمرين قدر الإمكان على وفق خطط وأوامر الطرفين وهذا يبرر الشعور بوجود عدو فعلي مما يضع التمرين في إطاره الواقعي لذلك لايمكن إبراز دروس معينة نظرا لاعتماد سير التمرين على إجراءات الطرفين .


الخلفية التاريخية
يعد تمثيل وتصور المعارك عن طريق لعب الحرب وسيلة قديمة قدم التاريخ. فقد بدا العمل بها منذ عدة قرون إما بقصد التسلية أو كأسلوب لتدريب القادة على استيعاب دروس ميدان التعبئة وترويض الذهن على متابعتها . يعد تمثيل وتصور المعارك عن طريق لعب الحرب وسيلة قديمة قدم التاريخ. فقد بدا العمل بها منذ عدة قرون إما بقصد التسلية أو كأسلوب لتدريب القادة على استيعاب دروس ميدان التعبية وترويض الذهن على متابعتها . ويذكر التاريخ أن هناك عدد من لعب الحرب القديمة مثل ( واي – هاي) الصينية التي يعود تاريخها إلى ثلاثة ألاف سنة قبل الميلاد ولعبة ( الانطلاق) اليابانية ولعبة مشابهة للشطرنج كانت سائدة في عهد الملك حمورابي عام 1842 ق م ولعبة (الشاتورانغا) الهندية وتعتبر لعبة الشطرنج التي طورت في الهند في القرن السابع الميلادي والتي وصفت بأنها تجسد مفهوم المباراة بين كيانين ذكيين ولكنهما غير متكاملي الإبداع يتنافسان في سبيل الفوز وتعتبر أقدم لعبة حرب في التاريخ وفي تلك الحقبة ظهرت لعبة أخرى مماثلة كلعبة رانفا الهندية ولعبة جو اليابانية إلا إنهما لم تكونا بكفاءة لعبة الشطرنج ولو إنهما صممتا لنفس الغرض .
بحلول القرن السابع عشر تحولت مفاهيم اللعب إلى ظواهر أكثر إنطباقاً على أساس المهنة العسكرية السائدة فظهرت إلى الوجود لعب جديدة مثل لعبة الشطرنج العسكري ولعبة الدمى وغيرها وتعد لعبة الشطرنج العسكري اختراعاً ألمانياً تم فيه تحويل لعبة الشطرنج إلى أكثر من (1000) مربع وأدخلت رتب العسكريين في ساحة المعركة فعلا كالفريق واللواء والعميد والعقيد والنقيب والجندي وتمثيل الوحدات العسكرية مع تعيين طبيعة الأرض والمواقع والموانع والمدن وكانت جميعها تحرك حسب قواعد معينة تستوجب وجود مسيطرين وحكام .
كان الضباط يتعلمون مهنة الحرب عن طريق لعبة الشطرنج العسكري أما الملوك والأمراء فكانوا يتعلمون مهنة الحرب عن طريق الدمى (لعبة الدمى) باستخدام دمى صغيرة مصنوعة من الذهب والفضة لتمثيل الجنود والقطعات ثم يرسلون الجنود الحقيقيين إلى المعارك الحقيقية ويقاتلون طبقاً للدروس التي تعلموها في هذه اللعب وكانت الجيوش في حروب القرن السابع عشر تتكون من تشكيلات متراصة على غرار التعبية المتراصة المستعملة في لعبة الشطرنج العسكري لان الجميع يعدون الحرب ظاهرة تجري طبقاً لقواعد المنطق وقد قام خبير تعبوي ألماني بتأليف كتاب بعنوان (منظومة رياضية لتطبيق التعبئة وعلم الحرب) ثم وضع كتاباً آخر قيمت فيه القواعد الواجب إتباعها عند تطبيق لعبة الحرب وعرفت اللعبة الجديدة (كريغسييل) وكانت اللوحة مقسمة - إلى 2600 مربع لتمثيل الحدود الألمانية – البلجيكية الحقيقية وبمرور الوقت ألغيت هذه اللعبة وحلت محلها لعبة (كريغسييل) أخرى باستخدام الخرائط الحقيقية وقد وصف رئيس أركان الجيش الألماني هذه اللعبة عام 1824 بقوله ( إنها ليست بلعبة ... إنها تمثيل حقيقي للحرب وتدريب واقعي على الشؤون الحربية. وعلى إثر ذلك تم تزويد جميع الكتائب والوحدات بنسخ منها وأصدرت إليها الأوامر لممارستها بانتظام).
عام 1848 لعب البروسيون أول لعبة إستراتيجية لتمثيل الحرب المقبلة بينهم وبين النمسا وكانت اللعبة الأساس المتين للنصر. وبعد النصر البروسي عام1870على فرنسا تنبه العالم إلى أهمية لعب الحرب فبدأ اليابانيون بإجراء لعب الحرب وكانت حرب 1904 ثمرة هذه التجربة كما كانت معركة بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية أحد نتائج لعب حربهم وكانت خسائر الولايات المتحدة مقاربة للأرقام التي توصلت إليها اللعبة وكان قائد الهجوم الياباني أحد المشاركين في اللعبة . وفي عام 1939 أجرى الضباط الألمان أول لعبة سياسية /عسكرية إشترك فيها ممثلين من وزارة الخارجية وأفترض السيناريو تعرض ألمانيا إلى غزو بولندا . وكانت من الأسباب المهمة للإنتصارات الأولية للألمان في الحرب العالمية الثانية ,كما أفاد الجنرال كودريان مبتدع حرب الصاعقة بصدد العمليات تجاه فرنسا والإتحاد السوفييتي (قمنا بممارسة هذه الحملات مراراً على شكل لعب حرب وتمارين على الخارطة في جميع المستويات حتى السرية لدرجة أن الأمرين كانوا على بينة تامة عن كيفية تنفيذ مهامهم الأولية والمعضلات التي يمكن أن يواجهونها عند التطبيق وحجم القوات التي يمكن أن تواجههم والإجراءات المقابلة) وعندما قام كودريان بتطبيق خطة غزو فرنسا عام 1940 فانه لم يقم بأكثر من تبديل تواريخ وتوقيتات الأوامر التي سبق وإن أصدرها في أثناء ممارسة لعبة الحرب , أجرى الألمان لعبة حرب أخرى أقنعتهم باستحالة نجاحهم في غزو الجزر البريطانية . أما تمرين(اوتو) فقد مهد الطريق أمام غزو الإتحاد السوفيتي . وقد أجرى الألمان أكثر لعبهم واقعية في شهر نوفمبر عام 1944 حول معركة (الاردين) فقد إجتمعت هيئة الأركان للجيش المدرع الخامس لإجراء لعبة حرب دفاعية ضد هجوم أمريكي محتمل . ويقول التقرير النهائي للعبة (ما كانت اللعبة تبدأ حتى جاءت التقارير مشيرة إلى شروع الأمريكان بهجوم قوي جداً في منطقة هرتفن – سيمتر وهي المنطقة التي كان من المفترض شمولها بلعبة الحرب وتقرر استمرار الجميع في اللعبة باستثناء القادة وهيئات الركن للقطعات المتعرضة للهجوم , وتم الإستفادة من الرسائل الحقيقية الواردة من الجبهة كأساس لاستمرار اللعبة بدلاً من السيناريوهات المفترضة. بعد ساعات أظهرت اللعبة إتجاه التهديد الحقيقي وقرر اللاعبون زج الإحتياط العام للجيش وهي فرقة البانزر 116 وعلى أثرها نهض قائد الفرقة وأصدر أوامره للتنفيذ في مكان اللعبة .

لم تنل المفاهيم العسكرية الألمانية للعب الحرب الإحترام اللائق من القيادة البريطانية في أوائل الحرب العالمية الثانية لظهور نوع جديد من لعب الحرب العلمية الذي اتخذ تسمية جديدة هي (بحوث العمليات) وهي في الواقع عدد من المهمات والواجبات المتنوعة التي تقوم بها زمراً إختصاصية من العلماء والأكاديميين وعناصر أخرى , وقد تم إنجاز عدة مهام أقنعت العسكريين أن بمقدور المدنيين المساهمة وتقديم المساعدة في هذا الميدان فظهر إلى الوجود بعد الحرب مصطلح جديد بعد الحرب عرف باسم (بحوث العمليات العسكرية) علماً بأن البريطانيين كانوا على علم بلعب الحرب المستمرة التي كانت تجري بإشراف الجنرال الألماني شليفن للفترة من عام (1881حتى 1906) وتطوير خطته المشهورة (المروحة) لاحتلال فرنسا وخاصة حركة الإحاطة للجناح الأيمن باتجاه العاصمة باريس وقد أجرى البريطانيون لعبة حرب عام 1905 تنبأت بالغزو الألماني لبلجيكا وأكتشفوا وعالجوا المعضلات الإدارية والنفير عند بدء الحرب وتأكدوا من قيام ألمانيا بخرق حياد بلجيكا عند بداية الحرب .


جاء إهتمام الولايات المتحدة بلعب الحرب متأخراً . وظهرت بعض بوادر لعب الحرب خلال الحرب الأهلية الأمريكية ولكنها لم تكن بمستوى الإهتمام الأوربي حتى قيام الحرب العالمية الثانية والتي تزامنت مع ظهور بوادر أول حاسبة إلكترونية , فقد انشات جامعة بنسلفانيا عام 1946 أول حاسبة إلكترونية رقمية في التاريخ وتم استخدامها لحساب معطيات القصف الذري للقرار على أفضل معدل لإحداث التأثير المطلوب لهذا القصف وقد قامت القوات البحرية بالتعاون مع جامعة جون هوبكنز عام 1954 بتنفيذ لعبة المعركة المعقدة الكبرى باستخدام الحاسبات الإلكترونية وتعتبر أول لعبة لأغراض الدراسات تحليلية حيث قامت الحاسبات بحل أغلب معضلات القوات المسلحة وساهمت في تسريع لعب الحرب وغيرت طبيعتها سواءً من تمارين على مناضد الرمل إلى المجالات النظرية وباستخدام النماذج . وبذلك أضيفت للاعبين العسكريين عناصر أخرى تسمى(مصممي النماذج) تمثلت بتحليل الظواهر ومنذ عام 1945 حتى عام 1967 حيث استخدمت مؤسسة راند نموذج لتحليل التهديد والأزمات العالمية وفيه قسم العالم إلى الدول حسب أهميتها وعلى سبيل المثال توصلت هذه المؤسسة إلى أن الولايات المتحدة المهيمنة الأولى وجاء الإتحاد السوفيتي ثانياً وكانت لبنان في المرتبة الحادية والسبعين ونيكاراغوا التاسعة والثمانين و(اكتشف استراتيجيوا مؤسسة راند بان لعب الحرب العسكرية التقليدية لا تعلمهم إلا القليل من الدروس المفيدة واستنتج هؤلاء ضرورة اكتشاف أساليب منطقية جديدة للتعامل مع الحرب النووية غير التقليدية . وقد وجدوا أن نظرية المباريات تمثل أفضل هذه الأساليب من خلال إعداد جداول حسابات نظرية لمباريات معقدة لدرجة أنها لايمكن أن تستخدم إلا لذوي الإختصاص بالرياضيات وأدت إلى إنتقال لعبة الحرب العسكرية إلى بيئة جديدة وخرجت من السيطرة الشاملة للعسكريين وتحولت إلى (لعب سياسية /عسكرية) يسيطر عليها الأكاديميون واستحدثت (لعبة تقييم الإستراتيجية والقوات العسكرية) إبتداءً من عام 1962 وفي عام 1961 أنشا صنف مشاة البحرية منظمة خاصة داعمة للعب الحرب . وقد جاء في الدراسة الخاصة للمنظمة عام 1966 انه من بين 103 لعبة حرب وتشبيهات حربية قامت بها خمسون منظمة كان ثلاثون منها فقط لعب حرب عسكرية وصاحب إهتمام الاختصاصيون في وزارة الدفاع الأمريكية إهتمام بعض الهواة للعب الحرب وكان رائدها (جيمس اف دونكان) وهو صاحب أحد مخازن بيع لعب الهواة في نيويورك وأنتج عام 1972 لعب حرب عن الهند الصينية وعن معارك البحرية في المحيط الهادئ ولعبة تصدي عام 1983 ولعبة ضربة الخليج. واشترك بهذه اللعبة (14) دولة مختلفة و(910) قطعة لتمثيل الوحدات العسكرية وبستة جداول وكتابين لإيضاح قواعد اللعبة وثلاث خرائط تشبيكية وتنقسم اللعبة إلى خمسة سيناريوهات يعالج كل منها ناحية معينة من نواحي معضلة حرب الخليج ويتطلب الوقت لتطبيق جميع السيناريوهات (45) ساعة وقد ساهم دونكان بإنتاج (300) لعبة حرب تشبيهية للمعارك التاريخية في الحربين العالميتين الأولى والثانية فضلاً عن معارك إفتراضية وفي خريف عام 1980 إستدعت وزارة الدفاع الأمريكية دونكان وأطلعته على جميع المعلومات السرية وطلبت منه الإشتراك في إعداد لعبة حرب إستراتيجية على المستوى العالمي . وتم إنتاج اللعبة ولازالت تطبق في جامعة الدفاع الوطني . وتمكن هذه اللعبة المشتركين من تحليل القرارات الإستراتيجية للقيادة الوطنية العليا والقادة الميدانيين في مختلف مسارح العمليات وقيادة الأساطيل البحرية على ظهر المحيطات , وجرت عدة لعب في البيت الأبيض حضرها رؤساء الولايات المتحدة دون أن يشترك أي رئيس في اللعبة وذلك لعدم كشف إهتماماته . وأهم لعبة في هذا النطاق هي (ايفي ليبنغ) . وقد نشر تقرير مقتضب عنها عام 1981 وكان من إحدى نتائج اللعبة هو ربط (غرف الموقف) في البيت الأبيض بمركز القيادة الميداني بمنظومة مواصلات أطلق عليها ( منظومة القيادة والسيطرة العسكرية العالمية) ومنها لعبة الأزمة التي جرت عام 1983 لغزو مشاريع النفط في الخليج . كما عالجت التعامل مع معضلة إيران على ضوء معضلة موت الإمام الخميني وغياب التوازن في المنطقة والتحضير لحرب الخليج .حيث اعتمد قسم كبير من الخطط الدفاعية على ما تظهره النماذج القتالية لمسارح العمليات .
وفي أغسطس عام 1987 إجتمع (مجلس الدفاع العلمي) في معهد الدراسات البحرية وتم التوصل إلى إعداد لعبة حرب مثالية بالحاسبات الإلكترونية أطلق عليها إسم (سام يلاعب ايفان) والتي تميزت بالسيناريوهات المعقدة التي تتطلب نوعاًً جديداً من لعب الحرب تمزج بين التقديرات والأحكام البشرية وبين نماذج الحاسبات الإلكترونية كما تميزت باستخدام القدرات النووية وعلى جميع مستويات الأزمات والصراعات حتى تلك التي تحدث في أوقات السلم مروراً بالإستخدام الفعلي لهذه القوات وما بعد المدة التي تعقب الصراع النووي وعلى أوسع نطاق

تصنيف لعب الحرب
دأبت الجيوش على إيجاد وسيلة لاختبار وتنمية تجربتها القتالية في الحرب دون الخوض فيها , وكانت لعب الحرب البديل الأقرب للميدان العملي واختبار النظريات والأساليب القتالية . إن لعب الحرب هي وسيلة وليست غاية لذلك هي تحليل منتظم تستعمل من قبل المقرات والضباط لغرض فحص قراراتهم وتعديلها للوصول إلى صيغة منطقية مقبولة نهائية للقرار. إن اللعب تصنف إلى أنواع بغرض التدريس أو البحث أو التحليل ولذلك يعتبر تصنيفها غير ثابت بل يتحدد بموجب غاية اللعبة لذلك فان تصنيفها من حيث الغرض يكون :
لعب الحرب التدريبية :
ويكون غرضها الرئيس هو تزويد اللاعبين بالخبرة المطلوبة في اتخاذ القرار الصحيح وإدارة القطعات والسيطرة .
لعب الحرب التحليلية :
وهي اللعب التي لا تعطي أجوبة قاطعة لأسئلة خاصة ولكنها تشير إلى نقاط الضعف والقوة عند فحص خطة أو إسلوب أو مباراة ما بواسطتها , كما إنها لا تشير أو تعطي تنبؤات مستقبلية ولكن تؤمن نتائج محتملة لأعمال عديدة طبقت سابقا أو جرى فحصها مسبقا واعتمادا على الفعاليات وردود الفعل المدروسة وان لعب الحرب التحليلية تقسم إلى قسمين :
لعب الحرب التحليلية (العملياتية) :
تتعلق بالعقيدة (الناتجة أو المعروفة) والتنظيم والتجهيز والاستخدام وأساليب القتال.
لعب الحرب التحليلية (البحثية) :
تتعلق بالعقيدة والأفكار المستقبلية أو المخطط لها أو التنظيم والتجهيزات والاستخدام والبيئة . أي إن غايتها التحديث والتطوير .

أنواع لعب الحرب
تقسم لعب الحرب إلى أربعة أنواع رئيسية هي:

أولاً : لعب الحرب من حيث نوع العمل المطلوب دراسته
وفي هذا النوع من اللعب ثلاثة أنواع فرعية يجري إختيار النوع الذي سيتم تطبيقه على اللعبة المراد تطبيقها وكل نوع له ميزته وكما يلي:
اللعبة الفعالة :
وهي تطبيق للمناورة على الخارطة بعد الانفتاح الأولي ويتطور الموقف كما في الواقع وكما يأمر به كل جانب ويعدل على ضوء نتائج تدخلات كل قوة وحسب ما تقرره سيطرة التمرين . وقد تنفذ اللعبة هنا بأسلوب الزيادة الزمنية (تحديد وقت محدد لكل فعالية) أو بأسلوب زيادة زمنية تبدأ وتنسق ببعض الحوادث الحرجة (بداية الهجوم / احتلال هدف000 الخ) . ويقود هذا النوع لاستنتاجات عامة تتعلق بالخواص العملياتية / التعبوية (للتشكيلات / الوحدات ) فضلا عن المواقف الواقعية التي يمكن الدخول في تفاصيل تحليلها وتقييمها إحصائيا .
التحليل الجانبي :
وهو عبارة عن تطوير جانب أو أكثر لبعض الظروف المختلفة في موضع ما من اللعبة لغرض المقارنة مثلاً (إستخدام قوات خاصة لتدمير هدف بالعمق المعادي بدلاً من إستخدام مدفعية بعيدة المدى . أو يستخدم هنا التحليل الجانبي لتقييم الحلول لمعضلة معينة).
التحليل الثابت :
وهو عبارة عن فحص تفصيلي لمرحلة ما لموقف عسكري أو تنظيم ما لا يعتمد التحليل السليم فيه على الوقت بل على الموقف في ذلك الوقت وعلى سبيل المثال (توقف جميع فعاليات اللعبة ولاحظ أين ستكون كل وحدة من وحدات الدفاع الجوي في هذا الوقت ؟ ما هي الحالة العملياتية لكل منها حالياً؟ وبموجب ذلك يتم التحليل والتقييم لها بهذه المرحلة , وأمثلة أخرى هي تحليل حالة المواصلات / تنظيم هيئة الركن / إمكانيات النقل الجوي 000الخ).

ثانياً : لعب الحرب من حيث عدد الأطراف المشاركة
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
لعبة حرب بجانب واحد تقسم بدورها إلى :
لعبة الحرب بجانب واحد دون تمثيل للعدو :
الغرض منها دراسة لمعضلة ما عند عدم وجود تدخل للعدو وهذا النوع يمكن حله بواسطة الطرق الرياضية أو الخطوط البيانية وكمثال على ذلك عندما يكون الهدف هو عملية سد نقص لحجم معين من القطعات المتيسرة دون تدخل العدو .
لعبة الحرب بجانب واحد مع عدو تقوم بتمثيله السيطرة حيث أن السيطرة هنا لا تحاول ربح المعركة بوصفها عدو أو طرف ثان في اللعبة بل إن واجبها هو تحقيق الغرض أو الدروس المطلوبة من اللعبة .
لعبة حرب بجانبين :

حيث يمثل جانب محدد لقطاعاتنا والأخر للعدو وحسب ما يفترضه التمرين . تحدد القطاعات ورقعة الأرض والدروس والهدف من التمرين وبما يؤمن الغرض والغاية التي أعدت لها اللعبة وكل طرف سيمارس دوره بكل حرية أو حسب أي تحديدات يتطلبها التمرين بما يمكن إدارة التمرين من تحقيق الغاية والهدف منه .
لعبة الحرب متعددة الأطراف :
وهي اقل حدوثا في المجال العسكري وأكثر شيوعاً في المجال السياسي حيث يجري تقسيم الجوانب المشاركة إلى عدة أطراف منها قطاعاتنا والقوات المتحالفة والعدو والأطراف المحايدة وحسب متطلبات التمرين كما أنه لا يمكن لأكثر من دولة حليفة أن تقوم بهذا النوع من اللعب بفحص خطط عملياتية وإستراتيجية تجاه عدو متوقع أو محتمل بحيث يمكن أن تكون قطاعاتنا أكثر في جانب (المتحالفين) كما أن هناك جهات أخرى حيادية.

ثالثاً : لعب حرب من حيث السيطرة على الإستخبارات (المعلومات) :
إن لعب الحرب هي وسيلة وليست غاية لذلك هي تحليل منتظم تستعمل من قبل المقرات والضباط لغرض فحص قراراتهم وتعديلها للوصول إلى صيغة منطقية مقبولة نهائية للقرار. وهذا النوع يحتوي على قسمين :
لعب الحرب المفتوحة :
وهي تلك التي تدار بحيث يكون لجميع اللاعبين الحرية في الإطلاع على المعلومات الكاملة عن خطط الطرف الآخر وقواته حيث أنها تساعد على تقليل عدد الأشخاص والوقت ولكنها تبتعد عن الواقعية لأن إستخبارات الحرب ستكون محدودة ويصعب الحصول عليها في الوقت المطلوب.
لعب الحرب المغلقة :
وهي تلك اللعبة التي يستلم فيها اللاعبون ذلك المقدار من المعلومات التي يحتمل الحصول عليها في ظروف الحرب الحقيقية والتي يجري تمثيلها ، ويتصف هذا النوع من اللعب بالواقعية وهو السائد في المجالات العسكرية .

ثالثاً : لعب حرب من حيث السيطرة على الإستخبارات (المعلومات) :
وهذا النوع يحتوي على قسمين :
لعب الحرب المفتوحة :
وهي تلك التي تدار بحيث يكون لجميع اللاعبين الحرية في الإطلاع على المعلومات الكاملة عن خطط الطرف الآخر وقواته حيث أنها تساعد على تقليل عدد الأشخاص والوقت ولكنها تبتعد عن الواقعية لأن إستخبارات الحرب ستكون محدودة ويصعب الحصول عليها في الوقت المطلوب.
لعب الحرب المغلقة :
وهي تلك اللعبة التي يستلم فيها اللاعبون ذلك المقدار من المعلومات التي يحتمل الحصول عليها في ظروف الحرب الحقيقية والتي يجري تمثيلها ، ويتصف هذا النوع من اللعب بالواقعية وهو السائد في المجالات العسكرية .

رابعاً : لعب الحرب من حيث درجة السيطرة
ويحتوي هذا النوع على قسمين :
لعب الحرب المقيدة :
وهي التي تكون فيها السيطرة وإدارة التمرين أكثر تشدداً وتدخلاً في أعمال الطرفين ، حيث أنها تسيطر على مجريات التمرين وتمنعه من السير إلى نهاية سريعة ولتحقيق الهدف من ذلك تقوم السيطرة بمواجهة أحد الزمر اللاعبة أو جميعها بطرف من أطراف اللعبة ضمن موقف أو مواقف مرتبة بصورة خاصة لكشف إهمال اللاعبين وضعف خططهم . ولتحقيق غرض من أغراض اللعبة قد لا يتحقق إذا ما تركت الأمور على اللاعبين فقط لذلك فكلما كثرت تدخلات السيطرة كلما كانت اللعبة أكثر تقييدا . ويفضل هذا النوع من اللعب التي يكون غايتها التدريب وتزويد اللاعبين بالخبرة المطلوبة لاتخاذ القرارات السليمة .
لعب الحرب الحرة :
وتكون في هذا النوع السيطرة قليلة التدخل بل إنها ستركز على فحص الخطط والقرارات وتقييمها وإعطاء نتائج الفعاليات إستناداً إلى ذلك وتطوير المواقف بموجبها وتترك اللعبة تستمر على وفق تخطيط اللاعبين وبأقل توجيه وتدخل ممكن ، ويتبع هذا الأسلوب في تمارين فحص خطط العمليات والتمارين التحليلية لأن الغاية منها هو الفحص مع الوصول لأفضل صيغة للقرار سواءً كان لأغراض التحليل أو البحث .

خاتمة
تعتبر الحرب الميدان العملي لاختبار العقيدة القتالية وتنمية التجربة العملية في المجال العسكري ولكن كيف يتم تطوير أساسها النظري ما لم تختبر ميدانياً؟. ولهذا دأبت الجيوش على إيجاد وسيلة لاختبار وتنمية تجربتها القتالية في الحرب دون الخوض فيها , وكانت لعب الحرب البديل الأقرب للميدان العملي واختبار النظريات والأساليب القتالية .
لقد أخذت لعب الحرب ميداناً مستقلاً وحافزاً في تطوير علوم إنعكست أثارها وفوائدها حتى في المجال المدني ومنها علم (بحوث العمليات) ولعب الحرب السياسية والإقتصادية . وبدت ميداناً واسعاً لتطوير التجارب في مختلف العلوم . وهكذا أطلت لعب الحرب بقوة في ميدان التطور العسكري الحقل الأساس في ظهورها وتطورها وأصبحت ملازمة لأي تجربة ميدانية .
بسبب حجم المجالات والأغراض التي عنيت بها لعب الحرب أخذت أشكالاً نمطية متعددة لابد من الوصول إلى أفكارها وأسسها للغوص في تطبيقاتها واستثمارها إلى الحد الأقصى الذي يحقق الفائدة المطلوبة على ضوء التجربة والتاريخ الحافل باستثماراتها العملية .
http://www.aviadef.com/article.aspx?magid=39&artid=48&PageIndex=1