منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

» الفكر السياسي الاغريقي
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:29 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Empty
مُساهمةموضوع: مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر   مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyالإثنين مارس 11, 2013 1:44 pm

مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر

عبد الواحد العلمي*


ما زالت أعمال ماكس فيبر تثير اهتماما متزايدا في شتى المجالات السوسيولوجية. كان ريمون أرون قد عبر منذ الخمسينيات من القرن الماضي عن هذا الحضور المتصاعد لفيبر ولأعماله في مقال له تحت عنوان (فيبر معاصرنا)(1)، قام فيه بتغطية مؤتمر أقامته الجمعية الألمانية للسوسيولوجيا عن فيبر بمناسبة الذكرى المئوية لولادته. وتساءل آرون متعجبا آنذاك: ما الذي يوقظ -بعد ما يقرب عن نصف قرن من وفاة فيبر- كل هذا السجال المنفعل حوله؟ هل يا ترى يحدث ذلك بسبب أعماله أم بسبب شخصيته؟

نقل أرون أجواء المؤتمر الذي حضره ابرز السوسيولوجيين والمؤرخين والفلاسفة في أوروبا خاصة والغرب عامة آنذاك، على رأسهم هربرت ماركيوز وتالكوت بارسونز وهربرت لوثي إضافة إلى الشاب يورغن هابرماس. لاحظ أحدهم انه كما يوجد ماركسيون في كل مكان فانه أصبح يوجد فيبريون بنفس القدر. استقبل الأمريكيون عمله باعتباره علما صادرا عن عالم، وغضوا النظر عن السياسي في شخصيته، بينما انزعج بعض الماركسيين المخضرمين بل؛ وحتى المتنورين منهم أمثال ماركيوز من انطباق كثير من نبوءاته وتحليلاته السوسيولوجية بشكل مدهش جعلهم يغتاظون من كون هذه النبوءات لم تصدر عن عالم اجتماع ماركسي بدلا من صدورها عن عالم لم يكترث أبدا بضوضاء الايدولوجيا الماركسية بل جعلها موضوعا باثولوجيا بعض الأحيان(2).

اليوم وبعد مرور أكثر من نصف قرن على هذا المؤتمر الصاخب لا زال ماكس فيبر واطروحاته في قلب الجدل السوسيولوجي والسياسي بنفس الشكل أو يزيد على ذلك العهد، ونظرة بسيطة على ما يصدر سنويا عنه في جميع اللغات الأوروبية تكفي لتعطينا فكرة كافية عن حجم هذا الاهتمام.

تحتل سوسيولوجيا السياسة مكانة متميزة داخل أعمال ماكس فيبر وهي ما فتأت تثير النقاش والسجال بين دارسي فكره والمستلهمين لأطروحاته السوسيولوجية والفلسفية والسياسية، بل لا نبالغ إذا قلنا إن مدار سوسيولوجيا السياسة المعاصرة يكاد لا يغادر المواضيع والإشكالات التي اشتغل عليها فيبر مثل ماهية الدولة المعاصرة وعلاقتها بالاقتصاد الرأسمالي وأنماط الإدارة البيروقراطية ورصده لأشكال السياسة الانتخابية وأنماط السلطة وأشكال الشرعية، ولا نبالغ إذا قلنا إن أكبر المشاريع السوسيولوجية والفلسفية أيضا كان لا بد لها -لبناء صروح مشاريعها- من المرور عبر بوابة السوسيولوجيا الفيبريية إن استلهاما أو نقدا(3).

لكن إذا كانت أعماله السوسيولوجية قد لاقت ترحيبا وقبولا علميا كبيرا مثل ما كان مع أطروحته عن الرأسمالية والأخلاق البروتستانتية، فإن الأمر لم يكن كذلك مع فكره السياسي أو سوسيولوجيا السياسة عنده. إن هناك انقساما شديدا بين دارسي أعماله السياسية حول تأويل تلك (الفجوة) الواقعة بين كثير من المواقف التي اتخذها فيبر في حياته السياسية، وبين بعض أفكاره حول مفاهيم مثل الديمقراطية، والهيمنة والشرعية. فبفضل بعض مواقفه السياسية (العملية) ظهر فيبر لمدة طويلة باعتباره (مفكرا ديمقراطيا) لكن منذ نشر كتاب مواطنه فولفغانغ مومسن(4) سنة 1959م لم يعد بالإمكان التغاضي عن مواقفه النظرية الصريحة التي لم يتردد البعض أن يفهم منها معاداة للديمقراطية وتقززا من مفهوم (حقوق الإنسان) وإعجابا بالنموذج الكاريزمي الذي لا يبعد كثيرا، بحسبان البعض، عن التوتاليتارية التي عمت كل أرجاء أوروبا بعد سنوات قليلة من وفاة فيبر. وقد تجسد هذا النزوع مثلا في تلك العبارة التي وجهها فيبر إلى الجنرال لودندورف في حوار له معه سنة 1919م قائلا (في الديمقراطية ينتخب الشعب زعيما يثق به، يقول المنتخب للشعب بعد ذلك: الآن، أغلق فمك وعليك الطاعة فلا يستطيع لا الشعب والأحزاب بعد الانتخابات التدخل في شؤون الزعيم..الشعب له أن يحكم بعد ذلك)(5).

بالنسبة لكثير من الدارسين إن أعمال ماكس فيبر الليبرالي -الذي كان يطالب، إبان الإمبراطورية، بتقوية وتعضيد سلطة البرلمان- أقل أهمية بكثير من ماكس فيبر قارئ نيتشه الذي كان مشروعه من البداية هو أن يصبح (ماركس البورجوازية)(6).

سنحاول فيما يلي تحليل مفهوم الشرعية ورصد مصادرها وأنواعها كما وردت في فكر ماكس فيبر. ومعلوم أن هذه الصنافة التي قام بِها فيبر كان لها تأثير كبير في الأعمال السوسيولوجية المعاصرة. ولكن رغم أنها (أي هذه الصنافة) تشكل مصدر كل النقاشات حول مفهوم الشرعية في العلوم السياسية المعاصرة منذ سنوات الخمسينيات من القرن الماضي فان هناك انطباع عام سرعان ما يتحول إلى حكم واضح بين كثير من الدارسين؛ بفشل هذه الصنافة في المهمة التحليلية التي (يجب على كل نظرية في الشرعية أن تقوم بِها ألا وهي صياغة معيار واضح يخول لنا التمييز بين أشكال السلط الشرعية وغير الشرعية، ثم تصنيف كل أشكال الحكم التي وجدت في هذا القرن، والأهم من ذلك أن يخول لنا القيام بتحليل منسجم ومتجانس لشرعية الديمقراطية الليبرالية)(7).

يحتل مفهوم الهيمنة الشرعية مكانة مركزية في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر، فقد وردت صنافته المشهورة في أكثر من خمس مواقع في أعماله وفي سياقات مختلفة. جاءت النسخة الأكثر نضجا في كتابه الضخم الصادر بعد وفاته الاقتصاد والمجتمع(Cool. في هذا السياق جاءت صنافته بمثابة مقدمة ومبدأ لتنظيم للفصول الأساسية التي تتناول بالتحليل وبالترتيب البيروقراطية والبطريركية والباتريمونيالية ثم الفيودالية والسلطة الكاريزمية.

هذه الصنافة نفسها يثبتها ناشر الكتاب -مع اختلاف طفيف- في الجزء الأول من طبعة لاحقة من نفس الكتاب، مع المقولات السوسيولوجية الأساسية المقدمة للكتاب في مجموعه. وتظهر الصنافة مرة أخرى في كتاب آخر(9) كمقدمة في سياق تقديمه للمصطلحات المستعملة في دراسة الأديان الرئيسية في العالم. ثم نجدها أيضا في كتابه (السياسة باعتبارها مهنة)(10) كأداة لتحليل دور الكاريزما داخل الأحزاب وفي السياسات الانتخابية. ونجد أخيرا هذه الصنافة مع الخصائص العامة لكل نوع مثبتة بشكل مختصر في المقال الذي نشر بعد وفاته تحت عنوان: الأنواع الثلاثة للهيمنة الشرعية(11).

ويدل الحضور المكثف لهذه الصنافة في أعمال فيبر على أهميتها على صعيد جميع ميادين سوسيولوجيته الاقتصادية والسياسية والدينية وعلى أهمية مفهوم الهيمنة في فكره(12).

سوسيولوجية الهيمنة: هيمنة الشرعية أم شرعية الهيمنة؟

إن الهيمنة حسب فيبر شكل خاص من الفعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية. وهي (علاقة قيادة وطاعة بحيث إن الذين يخضعون للقيادة ينفذون تعاليمها دون الالتفات إلى مضمونها)(13). إن وجود أشخاص ذوي خصائص معينة تجعلهم في موقع يمكنهم من فرض هيمنتهم على الآخرين بشكل أو بآخر أصبح موضع سؤال عند فيبر، ولإيضاح هذا الواقع يطرح فيبر الأسئلة الآتية:

ما هي الخصائص الشخصية التي يمتلكها سواء أولئك الذين يصدرون الأوامر أو أولئك الين يخضعون لها فينفذونها والتي تجعل من هذه العلاقة -التي هي اجتماعية في جميع الأحوال- أمرا ممكنا؟

ما هي الشروط التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تجعل من هذه العلاقة أمرا ممكنا أو صعبا؟

ما هي النتائج التي تفرزها هذه العلاقة الاجتماعية في مختلف مستويات الواقع الاجتماعي؟

للإجابة عن هذه الأسئلة عمل فيبر على (تطوير) منظومة مفهامية تضم ثلاثة مفاهيم مركزية: القوة والهيمنة والامتثال(14) يعبر عنها كما يلي:

(إن القوة تعني ذلك الحظ الذي يسم علاقة اجتماعية ما والذي بموجبه يفرض فرد إرادته الخاصة رغم الميول المعادية لذلك ومهما كان أساس هذا الحظ. إننا نطلق اسم هيمنة على كل نظام وجد ذلك الحظ في جلب طاعة أشخاص معروفين ونعني بالامتثال ذلك الحظ في إيجاد طاعة سريعة وأوتوماتيكية عند العديد من الناس المعروفين بموجب ترتيب معين)(15).

لم يهتم فيبر بتبسيط القول والتحليل بخصوص مفاهيم مثل مفهوم القوة والامتثال فهو لم يتحدث عن القوة إلا في سياق علاقتها بالاقتصاد أو مفهوم الطبقة والحزب أو النظام. كذلك لم يقارب مفهوم الامتثال إلا بشكل عابر في علاقته بالعسكر أو الدين مثلا(16)، إنما الذي أخذ اهتمامه العلمي والسياسي هو ظاهرة الهيمنة لأنها تؤسس العلاقة الاجتماعية ذاتها: فمن جهة هناك إرادة هيمنة ومن جهة أخرى هناك (إرادة) خضوع وطاعة.

يفضل فيبر استعمال مفهوم الهيمنة على مفهوم القوة ومفهوم السلطة الذي يعتبره مفهوما غائما وغير محدد، إضافة إلى ذلك إن مفهوم الهيمنة ليس بالضرورة مفهوما سياسيا، وهو لا يصبح كذلك إلا بوجود جماعة على أرضية* معينة تدار شؤونها وتسير من قبل مجموعة من الأشخاص معترف لهم بهذا الدور تحديدا. هكذا فالهيمنة الممارسة من قبل رب العائلة مثلا ليست سياسية، لأنها أولاً لا تنسحب إلا على عدد قليل ومحدود من الأشخاص وثانيا لأنها لا تستعين بهيئة إدارية تنفذ الأوامر.

أما الهيمنة العارضة المؤقتة المحصل عليها عن طريق القوة أو علاقة قوة فإنها لا تهم السوسولوجيا حسب فيبر، لكن الهيمنة المقصودة هي تلك التي تتسم بقدر كاف من الاستقرار والاستمرارية يجعلها قابلة للفهم والتفسير. بمعنى آخر إن مفهوم الهيمنة لا ينطبق إلا على تلك التي تستند إلى شرعية الطاعة الناتجة عن الانتماء والاقتناع بضرورة هذه الطاعة وليست تلك التي تستند على الخوف. يكون فيبر في هذا السياق وفيا لمنهجية الفهم التي يستند عليها في سوسيولوجيته عامة، فانه داخل الوعي تتم تمثلات أولئك الذين (يقبلون) بالهيمنة، وفيبر ينشغل بفهم هذه التمثلات الذاتية للفاعلين الاجتماعيين أكثر مما ينشغل بوصف واقع خارجي ذي حيادية وموضوعية مزعومة.

إن الشرعية من ثم هي الإيمان بالقيمة الذاتية أو المحايثة للنظام الاجتماعي(17) الذي يعيش داخله المهيمن عليهم.بذلك يضفي المهيمن عليه (معنى) لهذه الهيمنة التي يخضع لها، ولا يمكن أن تبقى مجرد عادة أو نتيجة للعقلنة الأداتية، لا بد لها أن تصبح مرغوبا فيها عنده (أي المهيمن عليه) بالدرجة الأولى، وإلا فالنظام الاجتماعي المستند إلى هذه الهيمنة معرض للاهتزاز في كل لحظة. ولا يتجلى هذا المعنى في المنفعة لان المنفعة معرضة للاهتزاز بمجرد إعادة توزيع الثروة مثلا، ولا يتجلى أيضا في العادة لأن العادة قد تتغير يوما ويتعرض هذا النظام للاهتزاز من جديد. لا بد لهم إذن من (الاعتقاد) في شرعية هذا النظام أو ذاك.يقول فيبر:

(إن النظام الذي يحترم فقط لأسباب عقلانية هو عامة أقل استقرارا من النظام الذي يحترم على أساس العادة، ذلك بسبب الطابع الروتيني للسلوك، ولأن ها هنا أيضا، من بين كل المواقف الخاصة، إن العادة هي السلوك الأكثر شيوعا. لكن مع ذلك إن العادة نظام أقل استقرارا بالمقارنة مع النظام الذي يتأسس على جاذبية المثالية والوجوب أقصد الشرعية)(18).

في الفصل الثالث من الجزء المخصص لـ(مراتب السوسيولوجية) من كتابه الاقتصاد والمجتمع المعنون بـ(أنواع الهيمنة) يحاول ماكس فيبر أن يميز بين أشكال الهيمنة وأنواعها.

يخلص فيبر بعد تحليل طويل إلى انه إزاء مزاعم الهيمنة فان تفسير أسباب الخضوع والطاعة متعددة تتراوح بين تفسير ذلك بـ(التعود الخامل) إلى تفسيرات أكثر عقلانية. لكن المشترك بين كل هذه التفسيرات والتعليلات هو كون (هناك حد أدنى من إرادة الطاعة، إذن مصلحة (داخلية أو خارجية) للطاعة)(19).

من جهة أخرى لا يمكن سحب مفهوم الهيمنة على العلاقات الاقتصادية اللامتكافئة. إن إمكانية تلاعب البعض بالشروط الاقتصادية للتأثير على بعض الفاعلين الاجتماعيين وتوجيههم لا يمكن أن نقارنها بعلاقات السلطة.يقول فيبر:

(إن إطلاق نعت هيمنة على قوة اقتصادية ناتجة عن الاحتكار الذي تقوى معه إمكانية إملاء شروط التبادل على الشركاء، لا يزيد عن إطلاقنا نفس النعت على ذلك التأثير الناتج عن التفوق الايروتيكي أو الرياضي أو الخطابي أو أنواع أخرى من التفوق)(20).

ينطلق فيبر أولا من اعتبار الهيمنة ظاهرة ذات وجود واقعي وليس اعتبارا مثاليا، فهي لا تستنج عقديا أو قانونيا من قيمة ما أو معيار معين لكنها توجد فعلا وواقعا: فهي توجد كلما كانت هناك سلطة زاعمة لإصدار لأوامر محددة تتبع فعلا على نطاق واسع.

يعارض فيبر أي تأويل قيمي ومعياري للهيمنة ويقرر أن كل تنفيذ لأمر يجب أن يوصف عن طريق هذا المفهوم. مع ذلك يعتقد فيبر أن النتيجة الخارجية وحدها -يعنى تنفيذ الأمر- لا تكفي لفهم المتغيرات المختلفة للسلسلة السببية ابتداء من إصدار الأمر وانتهاء بتنفيذه.

إن المهيمن يحتاج –عادة؛ لكي يحافظ على (حظه) في تنفيذ أوامره من قبل المهيمن عليهم إلى (هيئة إدارية). وتختلف أنماط الروابط التي تصل هذه الهيئة بالمهيمن حسب أنماط الفعل الاجتماعي التي قررها فيبر في مكان آخر. وهي(21):

1- الفعل التقليدي الذي تمليه التقاليد والعادات الموروثة والمعتقدات التي تصبح بمثابة طبيعة ثانية. والفاعل ها هنا لا يكون مقودا بهدف أو قيمة ولا واقعا تحت تأثير عاطفة ما ولكنه ببساطة يستجيب لتقاليد راسخة في حياته العملية.

2- الفعل العاطفي وهو الذي تمليه حالة الوعي أو مزاج الإنسان في لحظة معينة كالصفعة التي تناولها الأم لابنها الذي تظن انه لا يطاق أو لكمة لاعب فقد أعصابه لآخر خلال مباراة كرة القدم. إن الفعل هنا لا يتم بالارتباط بهدف ما أو قيمة ما وإنما عن رد فعل عاطفي من قابل الفاعل في ظروف معينة.

3- الفعل العقلاني المرتبط بهدف/مقصد وهو يطابق -كما يرى ذلك ريمون آرون- مفهوم (الفعل المنطقي) عند باريتو(22)، وهو الفعل الذي يكون فيه الفاعل الاجتماعي واعيا بالهدف ومحصلا للأسباب المؤدية إليه مثل المهندس الذي يبني نفقا أو المضارب الذي يجتهد للربح.

4- الفعل العقلاني المرتبط بالقيمة مثل الموت في سبيل الوطن أو مثل ذلك القبطان الذي يفضل الغرق مع سفينته ولا ينجو بنفسه لان ذلك يجلب العار. وهذا النوع من الفعل عقلاني لا لأنه يروم تحقيق هدف محدد بل فقط للإخلاص لفكرة الشرف أو الأمانة الأخلاقية.

حينما تكون الرابطة بين المهيمن والهيئة الإدارية مادية وعقلانية هادفة فهي تفرز لنا هيمنة غير مستقرة لهذا تنضاف أحيانا دوافع ذات صبغة عاطفية وعقلانية قيمية. لكن رغم اجتماع هذه المصالح والروابط العقلانية المرتبطة بهدف والعقلانية المرتبط بالقيمة والعقلانية المرتبطة بالعاطفة فإنها لا تشكل أسسا متينة للهيمنة. في هذه الحالة هناك عامل آخر أكثر اتساعا ينضاف إلى ذلك إنه (الاعتقاد في الشرعية).

لهذا لا نبالغ إذا قلنا: إن ما شغل الفكر السوسيو-سياسي لماكس فيبر ليس هو هيمنة (الشرعية) التي تبقى مفهوما جد غامض حتى في الدراسات السوسيولوجية والسياسية اللاحقة، لكن ما شغله هو كيفية (تشرعن) مختلف أشكال الهيمنة التي وجدت عبر التاريخ الإنساني.

اعتقاد المهيمن عليه هو مصدر الشرعية الأول

يرى فيبر أن التجربة تبين أن امتلاك حظوظ أكثر للاستمرار في الهيمنة لا يتوقف فقط على أسباب مادية أو عاطفية أو عقلانية قيمية. إن كل هيمنة تبحث بالأحرى عن بث الوعي والاعتقاد في شرعيتها. لهذا فإنه من المناسب -حسب فيبر- التمييز بين أنماط الشرعية وفق أنماط الهيمنة.

إن الهيمنة على هذا النحو تظهر كأنها شكل مميز من أشكال الفعل الاجتماعي ومن العلاقات الاجتماعية. ويتخذ هذا الفعل الاجتماعي مناحي أو اتجاهات متعددة. ويجب التنويه هنا إلى أن نظر فيبر إلى الشرعنة والشرعية جاء في سياق أوسع وأشمل أي في إطار بحثه لأنماط الهيمنة وركائزها. وما جاء حديثه عن الشرعية إلا أداة مفهامية لوصف أشكال الهيمنة والهيمنة الشرعية منها على الخصوص.

إن المشكل المركزي في سوسيولوجية السياسة عند فيبر هو مشكلة الهيمنة الشرعية وليس مفهوم الشرعية في حد ذاته، وكما يلاحظ السوسيولوجي الكندي لورنس مكفالس، إن فيبر لم يستعمل مصطلحات من مثل شرعي/غير شرعي* إلا على نطاق محدود جدا سواء في كتاباته النظرية أو في كتاباته السجالية(23). وحين استعملهما فانه قد استعملهما في سياقات مختلفة عما درج استعماله في العلوم السياسية فيما بعد.

ففي فصل تحت عنوان (الهيمنة غير الشرعية: تصنيف المدن) من كتابه (الاقتصاد والمجتمع) يقارن فيبر بين المدن في القرون الوسطى والمدن القديمة ويخلص إلى أهمية شكل المدينة القروسطوية ودورها في الانتقال إلى (شكل استفتائي) على مستوى تسييرها مما مهد لظهور الفكرة المعاصرة المتعلقة بالمدينة باعتبارها شراكة حرة للأفراد. وهو بخلاف ما ذهب إليه البعض لا يشرعن أو ينظر في هذا الفصل لشكل من الهيمنة العنيفة الثورية بقدر ما يصف شكلا من الهيمنة جديد واع بقطعه مع الشرعية القديمة القائمة على السلطة التقليدية الارستقراطية والدينية. فهو يصف البوبولو الايطالي* الذي شكل سلطة بلدية في مختلف المدن الايطالية في بداية القرن الرابع عشر باعتباره (أول شراكة سياسية لاشرعية وثورية بشكل واع) وهو يستعمل لفظ اللاشرعي ها هنا مريدا به وصف هيمنة تقطع بشكل واع مع المطالبة بشرعية من طراز قديم. (فلاشرعية الهيمنة الجديدة لا توجد إلا في مقابل هيمنة أخرى تقيم بأنها شرعية، وهذا يعني أن مفهومي الشرعي واللاشرعي ليسا عند فيبر إلا مفاهيم نسبية ذاتية ومعيارية، أي أنها أحكام قيمة وليست وقائع لها مصداقية تحليلية)(24).

لكن الأمر درج في بعض أوساط العلوم السياسية على الحديث عن شرعية نظام سياسي كأنها خاصية موجودة واقعا غيابها يفضي بالضرورة إلى (أزمة شرعية).

هكذا فأنماط الهيمنة الشرعية تقابل أنماط الفعل الاجتماعي(25) كما أوردها فيبر في كتابه الاقتصاد والمجتمع،حيث أنماط الهيمنة الشرعية ثلاث: الهيمنة التقليدية والهيمنة العقلانية والهيمنة الكاريزمية.

تستند الهيمنة التقليدية على الإيمان المستمر بالطابع المقدس للتقاليد المحفورة في الذاكرة والعادة المرسخة في الإنسان على احترامها. ففي مجتمع مطبوع بعلاقات شخصية وملتحمة بفضل معتقدات مشتركة نجد أن الاستقرار مفضل ومقدم على التجديد، وبالتالي فإن احترام التراتبية الاجتماعية بموجب هذه الاعتقادات المترسخة يصبح أداة لحفظ الهيمنة وضمانها. لهذا فإن كل نظام حكم يملك هذه التقاليد المرسخة بالمعتقدات المشتركة فإنه يمتاح منها شرعية متصاعدة فيصبح بمعنى من المعاني نوعا من السلطة الطبيعية أي السلطة التي لا تجد أساسها وأصلها محل تساؤل وتشكيك.

أما الهيمنة العقلانية فهي تتأسس على الإيمان بشرعية القانون ومرتبطة بمفهوم المجتمع الذي يقوم على التعاقد والمساواة القانونية بين أفراده. وهذه الهيمنة تتسم بالطابع المؤسساتي القوي وكذلك بالبيروقراطية التي هي خاصية أساسية للسلطة السياسية المبنية على العقلانية. فالقواعد العامة واللاشخصية تأخذ مكان الامتياز والحظوة، والتوظيف السياسي يتم على أساس الكفاءة وليس على أساس القرابة والمحسوبية. إن المحكومين والحكام على السواء يجدون أنفسهم مسوقين إلى سلوك عقلاني* أي أنهم يسلكون إلى تحقيق أهدافهم ومقاصدهم مسلكا عقلانيا منضبطا لقواعد اللعبة المتعارف عليها.

أما الهيمنة الكاريزمية فإنها تقع في درجة عالية من العاطفية. إن قوة سيطرة المهيمنين على الخاضعين تستند -كما يقول فيبر- على (جماعة عاطفية) وعلى خضوع، غير عادي ذا طابع مقدس، من قبل الخاضعين إزاء الفضائل البطولية أو الدينية أو الخطابية والاستثنائية لشخص ما. إن الزعيم الديمقراطي آو التقليدي يمكن له أن يعول -إذا أراد أن يفرض نفسه- على (منح الذات) الطوعي الذي يدفع الخاضعين إلى تفان مطلق يحركه حماس ما أو ضرورة. إن الهيمنة الكاريزمية تستجلب جميع الأدوات والوسائل من اجل افتتان الخاضع بشخصية المهيمن واجتذابه إلى الإعجاب بِها وهو ما يمكن أن يشوش على باقي نمطي الهيمنة الأخريين أي الهيمنة التقليدية والهيمنة العقلانية. فيمكن أن تتحول الزعامة الدينية أو التقليدية القائمة على الهيمنة التقليدية إلى زعامة كاريزمية فتتوارى الشرعية التقليدية لصالح الشرعية الكاريزمية، أو تنزلق الزعامة الديمقراطية نحو نظام استفتائي يعلق القواعد القانونية القائمة.

لكن الأهم من ذلك هو أن هذه الأنماط من الهيمنة لا يمكن أن تؤسس شرعيتها على دعائم خارجية مادية فقط بل لا بد لها من (اعتقاد) الخاضعين لها في شرعيتها. إن فيبر في تنظيره لمشكل الشرعية كان يفكر في محرك للتغيير الاجتماعي انطلاقا من منطق ذاتي قصدي(26) يقول فيبر:

(تظهر التجربة أنه لا توجد هيمنة تقتصر إراديا على بناء استمراريتها وبقاءها على مجرد دوافع مادية أو عاطفية أو عقلانية. خلافا لذلك كل أنماط الهيمنة تبحث عن بث الاعتقاد في شرعيتها عند الخاضعين لها)(27).

لكن هذا لا ينفي وجود أسباب أخرى مادية مثلا تكون سببا في ظهور بعض أشكال الهيمنة، نلاحظ ذلك مثلا حيين يذهب فيبر إلى تفسير احتداد البيروقراطية وتصاعدها في الولايات المتحدة بالعوامل الخارجية دون اللجوء إلى مفهوم الشرعية المبني على الاعتقاد الذاتي(28). وهذا ما يعزز الصورة الغامضة واللامنسجمة التي تتهم بِها السوسيولوجيا السياسية عند ماكس فيبر.

من جهة أخرى لا يمكن لنا أن نستجلي الدوافع الحقيقية والواقعية لهذا الاعتقاد فالدوافع الحقيقية للطاعة يمكن أن تتعدد لكن هذه التعددية ليس لها معنى سوسيولوجي بما أن الفهم السوسيولوجي لا يتطلب بالضرورة أن (نحيي أو نعيد تركيب الدوافع الحقيقية لفعل اجتماعي معين)(29).

إن البحث عن الشرعية لا نهاية له وما يهم فيبر ليس هو معرفة ما إذا كان ادعاء ما بالشرعية ينجح أم لا في ديمومة الهيمنة، لكن ما يهمه هو (كيف) يساهم شكل هذا الادعاء في تشكيل وتنظيم العلاقات داخل هذه الهيمنة.و هذا ما يدفعه إلى تأسيس صنافته للهيمنة على ثلاثة أشكال مجردة يمكن لمطالبة بالشرعية أن تأخذها.

و ما تؤكد عليه تحليلات فيبر أنه ليس هناك اكتفاء ذاتي لشكل من الأشكال الثلاثة للشرعية، ففي ظل الهيمنة التقليدية يزعم المهيمن أنه يمثل مبدأ تنبع مصداقيته من أقدميته، بينما يزعم المهيمن كاريزميا أن مبدأ جديد يقطع مع الماضي ينبع من شخصه الاستثنائي هو، وأخيرا إن الهيمنة العقلانية المعتمدة على مجموعة من القواعد المقبولة من طرف الجميع تدعي أنها فوق كل الأشخاص.

لا يمكن الحديث إذن عن شرعية تقليدية أو كاريزمية أو عقلانية كأنها واقع، فالنظام الملكي الذي يعتمد على شرعية وراثية مثلا لا يمكن أن يستغني، بين الفينة والأخرى (عن استدعاء (الخصائص الاستثنائية) لشخصية الملك، أو محاولة عقلنة التسيير الإداري وإلا سيكون في خطر الانزلاق نحو اللامعقول تماما كما هو أمر البيروقراطية المعقلنة فهي سرعان ما تتحول إلى تقليد متجمد في غياب دفعة كاريزمية. وبالمثل إذا استمر الإداريون في ظل النظام الثوري يعملون فقط من أجل وفي إطار ما هو سياسي دون تطعيمه بدفعة عقلانية فانه سرعان ما سيسقط في الفوضى.

هناك إذن انزلاق مستمر من نمط إلى آخر من أنماط الشرعية، وما يهم فيبر هو فهم التمظهرات المتغيرة لمختلف أشكال الشرعية من اجل وصف كيف تولد الاختلال الملازم لكل نمط والتوترات الحاصلة بينها. وهذا ما قام به في تحليله لنظام الرايخ في عهد جيوم الثاني الذي كان في طريقه للانهيار. والملفت في تحليله ذاك -كما يقول لورنس ماكفالس في مقاله سابق الذكر- هو عدم وصفه لذلك النظام باللاشرعية رغم نقده الراديكالي له، ذلك أن هذا التقييم المعياري شرعي/لا شرعي ليس له عند فيبر آية قيمة تحليلية.

مآلات النموذج الكاريزمي ونقد سوسيولجيا فيبر السياسية

لقد قوبل مفهوم الشرعية أو الهيمنة الشرعية بكثير من النقد ابتداء من المفارقة التي يحملها هذا المصطلح التركيبي المتجسدة في الجمع بين الهيمنة والشرعية في مفهوم يروم الوصف المنسجم للظواهر الاجتماعية أو بالأحرى لتمثلات معينة لهذه الظواهر الاجتماعية، مرورا بإلصاق مفهوم الشرعية بالاعتقاد الذاتي للفاعلين الاجتماعيين دون اكتراث بالمحددات الموضوعية والقانونية، وصولا إلى المبالغة في التفسير النفساني لمسألة تقبل الهيمنة عند المهيمن عليه، حتى لكأن الاعتقاد الذي يبديه المهيمن عليه -نتيجة تقبله الأمر الواقع- يشرعن لسلطة الأمر الواقع ولسلطة الأقوى.

لعله مما عرض مفهوم فيبر عن الهيمنة الشرعية إلى النقد الشديد إضافة إلى غموضه هو الاستثمار بل والاستغلال الأديولوجي الذي تعرض له بعد وفاته حتى أنه قيل إن (وفاة فيبر في الرابع عشر من يونيو 1920م تسجل بداية أعماله بكل ما تعنيه كلمة البداية من معنى)(30). لقد عملت مختلف القراءات -خاصة تلك التي قامت في ظل جمهورية فيمار- على استقطاب كثير من المفاهيم الفيبيرية بما فيها مفهوم الهيمنة الشرعية ومفهوم الكاريزمية ومفهوم الديمقراطية الاستفتائية لغايات عملية وسياسية أو، بالنسبة للبعض الآخر للدفع بأطروحاتهم التي توخت فهم وتفسير تلك اللحظة التاريخية سوسيولوجيا وقانونيا(31).هكذا ظهرت قراءة هانز كلسن التي من نتائجها المفارقة يكون فيبر احد المنظرين الكبار للديمقراطية، وقراءة كارل شميت الذي سيدفع بالنموذج الكاريزمي الفيبري إلى تخوم التوليتارية الرئاسية إضافة إلى قراءة ريشار توما التي تترجم قلق العبارة الفيبرية بكلمات واضحات حول نخبوية الديمقراطية وارستقراطيتها وهيمنة الأفضل داخلها(32).

ولا يمكن إغفال دور غموض الاصطلاح الفيبيري وتشابك تصنيفاته إضافة إلى تردده السياسي والفكري إزاء مجموعة من المفاهيم في حدوث مثل هذا الاستغلال الأديولوجي والسياسي لأطروحته السوسيولوجية والسياسية. فوق كل ذلك لا يمكن إغفال دور انخراطه السياسي وتشابك طموحاته العملية مع ميوله النظرية في خلق غموض موقعه من الفكر اللبرالي والديمقراطي.

لقد كان فيبر ميالا إلى ديمقراطية برلمانية يحكمها رئيس قوي ذو حظوة كاريزمية تمكنه من التخفيف من غلواء الخصومات البرلمانية، إذ إن فيبر كان معاديا للنظام البرلماني الخالص الممثل آنذاك بالجمهورية الثالثة وقد صرح علنا سنة 1918م أن (النظام البرلماني ومعه الخصومات الحزبية ممكن تجنبه إذا كان المجلس التنفيذي الموحد للرايخ في يد رئيس منتخب من طرف الشعب كله) فكان يأمل بذلك أن يكون هناك (رئيس يستند إلى الشرعية الثورية للانتخابات الشعبية)(33) فكان ميالا بذلك إلى ما يسميه بالديمقراطية الاستفتائية حيث الرئيس بكاريزميته المطلوبة له هيمنة وسلطة تعلو على سلطة البرلمان.

لكن نعتقد أنه من التبسيط اعتبار السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر مجرد نظرية من تلك النظريات المضادة للديمقراطية التي انتشرت في القرن التاسع عشر. فتحليلاته للنزعات الاوليغارشية للأنظمة والمنظمات (الديمقراطية) يمتزج عنده بتحليل التناقضات الداخلية للمبادئ المعاصرة للشرعية، فيجب إذن التمييز داخل سوسيولوجيا الهيمنة عنده بين ما يتأسس على تحليل التمثلات المعاصرة وبين ما يتأسس على إعادة بناء دينامكية الصراعات الاجتماعية. فلا ينبغي في أي حال من الأحوال تقريب أو مقارنة هذا المشروع الفيبيري من النموذج التوليتاري(34)، لأنه بكل بساطة تجربة التوليتارية هي تجربة لاحقة ستعرفها ألمانيا وايطاليا ما قبل الحرب العالمية الثانية إضافة إلى الاتِّحاد السوفياتي وغيره. فهذا النموذج لم يكن أبدا ينتمي إلى أفق التفكير السوسيولوجي لهذه الفترة.

لكن وكما يقول مومسن نفسه(35) ربما كان دستور الجمهورية الخامسة في عهد رئاسة شارل دوغول هو الأقرب إلى ما كان تتطلع إليه الديمقراطية الاستفتائية التي نظر لها ماكس فيبر، وربما لو قدر لفيبر أن يعيش إلى حدود سنة 1933م لكان أدرك واقعيا المآلات البعيدة والدرامية لهيمنة النموذج الرئاسي الكاريزمي الذي طالما تطلع إليه.

***********************

الحواشي

*) أكاديمي من تونس مقيم في بروكسل.

Raymond Aron; Les étapes de la pensée sociologique-1, Edition Gallimard،1967.p564

2- انظر عرضا لوقائع هذا المؤتمر في المقالة المشار إليها أعلاه.

3- نذكر على سبيل المثال أعمال مدرسة فرانكفورت التي اتخذت أعمال فيبر رمزا للمآلات البئيسة للعقلانية المعاصرة، ونكر أعما يورغن هابرماس وأعمال كارل شميدت وتالكوت بارسونز الذي ترجم فيبر إلى الانجليزية..أما بيير بورديو فهو مدين بالشيء الكثير لماكس فيبر في بناء مفهومه عن (الرأسمال الرمزي)..نذكر أعمال ميرلوبونتي الفلسفية.

W.Mommsen ; Max Weber et la politique allemande 1890-1920-4، trad.، Paris، Puf، coll.) Sociologie (،1986.

M.WeberM: Gesammelte Politische Schriften-5،Tübingen 1988، p499

6 - Philippe Raynaud ; Max Weber et les dilemmes de la raison -moderne. Presses Universitaires de France.p158.

7 - David Beetham ; Max Weber et la légitimité politique ; dans -Revue européenne des sciences sociales، Tome XXXIII، 1995، N°101، pp 11-22.

8 - Wirtschaft und gesellschaft، Tübingen،J.C.B.Mohr

نعتمد في ها المقال على الأصل الألماني والترجمة الفرنسية له تحت عنوان:

Economie et Société،Paris: Pocket، 1995.

9 -Wirtschaftsethik der Weltreligion.

Politik als Beruf.-10

Die drei reinen Typen der legitimen Herrschaft.-11

Herrschaft.-12

13- Wirtschaft und gesellschaft -، Tübingen،J.C.B.Mohr.p 549.

Dirk Kaesler: Max Weber: savie -14، son oeuvre، son influence، Paris: Fayard، c1996.p187.

15Wirtschaft und gesellschaft -، p28.

- Dirk Kaesler; ibid p 187.-16

*) Territorialität/Territorialité

17- يعرف فيبر النظام الاجتماعي كالتالي (المحتوى الدال لعلاقة اجتماعية ما، حيث يوجه الفعل بناء على قواعد يمكن استبيانها) انظر:

Max Weber: (les concepts fondamentaux de la sociologie), Economie et Société، tome 1، Plon، Paris، 1995.p65

- Economie et Société -18، T1/ p65.

- Dirk Haesler -19، p188.

20- Economie et So ciété -، p286.

Raymond Arond ; Lesétapes de la pensée sociologique -21، Edition Gallimard،1967.p500.

دأب ماكس فيبر على تصنيف الظواهر وفق اختيار ما يسميه النماذج الصافية التي تمثل بحسبانه المنهج الوحيد الذي يخول لنا احترام التعددية اللانهائية للقيم التي توجه أبحاث السوسيولوجيين. فالنموذج الصافي أو المثالي هو تمثل للواقع، تمثل لا بد أن يكون جزئيا ومتحيزا وهو يتجسد في اختيار بعض المتغيرات على حساب أخرى لا تدخل ضمن اهتمامات الباحث. انظر:

Madeleine Grawitz: Méthodes des sciences sociales.Précis Dalloz, 1993.p 101

ibid.p500.-22

*) legitim/nicht legitim

23- Laurence McFalls:)L’Etat bâtard: illégitimité et légitimation -chez Max Weber(dans Lalégitimité de l’Etat et du droit Autour de Max Weber،sous la direction de Michel Coutu et Guy Rocher.L.G.D.J e les Presses de l’Université Laval

*) Popolo

البوبولو نعت يراد به جزء من ساكنة بلديات ايطاليا ما بين القرن 12 والقرن 14 التب لم تكن تنتمي إلى طبقة النبلاء وكانت تتشكل خاصة من التجار الذين اغتنوا عن طريق ازدهار التجارة في كبريات المدن الايطالية ما بين القرن 11 والقرن 14.

*) Zweckrational

24- Laurence McFalls:)L’Etat bâtard: illégitimité et légitimation -chez Max Weber(dans Lalégitimité de l’Etat et du droit Autour de Max Weber،sous la direction de Michel Coutu et Guy Rocher.L.G.D.J e les Presses de l’Université Laval.p49

25- Economie et Socité، p285.

وفي الحقيقة لا تقابل الأنواع الثلاثة للفعل الاجتماعية الأنواع الثلاثة للهيمنة، فهناك نوع من الفعل الاجتماعي يبقيه فيبر دون مقابل للشرعية حيث ثلاث أنواع من الشرعية تقابلها أربعة أنواع من الهيمنة وقد أثار هذا الاختلاف تفسيرات متعددة فريموند أرون مثلا يذهب إلى أن ذلك يعود إلى أن اصطلاحات فيبر مضببة وعائمة ودليله على ذلك هو ورود صنافة أخرى له في موضع آخر للأنظمة الشرعية تقابل الأنماط الثلاث للفعل الاجتماعي، بينما يذهب فليب رينو إلى أن الصنافتين غير متطابقتين فالأولى تنظر إلى الشرعية كما يمكن أن يزعمها المهيمنون بينما الصنافة الثانية تنظر إلى الشرعية كما يمكن أن ينظر إليها المهيمن عليهم، وبالتالي عنده إن الشرعية العقلانية تقابل نمطي الفعل العقلاني المرتبط بهدف والمرتبط بالقيمة معا. (انظر كتاب ريمون أرون المذكور أعلاه ص555 وكتاب فليب رينو المذكر سابقا ص158-159).

26- بورديو سيأخذ بعين الاعتبار هذا المنطق الذاتي لكن بالتخفيف من غلواء هذه القصدية وذلك في صياغة نظريته في الأبيتوس.

27- اقتصاد ومجتمع، ص544-545 النسخة الألمانية.

28- يفسر فيبر صعود البيرقراطية واشتدادها بكونها (غالبا تقام باقل تكلفة وبكون) إن السبب الحاسم في تقدم البرقرطة كان دائما بسبب تفوقها التقني بالأساس على كل أشكال التنظيم (الاقتصاد والمجتمع).

29- اقتصاد ومجتمع ص545 النسخة الألمانية.

30-Carlos Miguel Herrera:)Comment assumer l’héritage wébérien sous Weimar ? Légitimité، démocratie، changement social(dans Lalégitimité de l’Etat et du droit Autour de Max Weber،sous la direction de Michel Coutu et Guy Rocher.L.G.D.J e les Presses de l’Université Laval.p221.

31- يقول كارلوس ميكيل هيريرا: (إن تلقي أفكار فيبر في ظل جمهورية فيمار كانت محط رهان سياسي فيما يتعلق بنظرية الدولة) المرجع السابق ص214.

32- انظر تحليلا لمختلف أشكال التلقي لأعمال فيبر السياسية في المرجع السابق 221-236.

4) W.Mommsen ; Max Weber et la politique allemande 1890-1920 33- trad.، Paris Puf coll(Sociologie)1986.p430.

34- فعلا لقد خطا الكثيرون هذه الخطوة وربطوا بشكل صريح بين فكرة الكاريزما عند فيبر وبين ظهور ادولف هتلر، مثل أوتو كولروتر وكارل لوفيث. انظر مومسن المرجع السابق ص510-511.
35- Ibid.p 512-513.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Empty
مُساهمةموضوع: من هو ماكس فيبر:   مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyالإثنين مارس 11, 2013 1:46 pm

ماكس فيبر



من هو ماكس فيبر:

اسمه بالكامل ماكسيميليان كارل إميل فيبر ولد في مدينة إرفورت بألمانيا 21 افريل عام 1864 في وسط عائلي بروتستانتي ثري. فعائلته كانت كبيرة وتحوي صناعيين مختصين بالنسيج بالإضافة إلى موظفين كبار وأساتذة جامعيين. وكان والده أحد الأعضاء المهمين في الحزب القومي الليبرالي وهو حزب المثقفين والطبقة البورجوازية. وكثيرا ما كان فيبر يرى في بيته شخصيات سياسية وفلسفية كبيرة من أمثال ديلتي ومومسين و.... وبالتالي فقد نشأ في بيت علم وسياسة وفكر. ومنذ شبابه الباكر راح ماكس ويبر يقرأ كبار المفكرين من أمثال ماركس، ونيتشه، وهيغل وكانط. وكان يحب المطالعة كثيرا. وقد شغف بالتاريخ والفلسفة، وعلم اللاهوت، والجماليات... ثم واصل دروسه في كلية الحقوق والاقتصاد، وراح يحضر أطروحة جامعية عن المجتمعات التجارية في القرون الوسطى. وبعد أن ناقش هذه الأطروحة أمام الأساتذة وبحضور حشد من الطلاب منحوه شهادة الدكتوراه بدرجة الشرف الأولى. وبدءا من ذلك الوقت راحوا ينظرون إليه كأحد كبار علماء الاجتماع. ثم عينوه أستاذا في جامعة فرايبورك أولاً عام 1894 وجامعة هايدلبرك ثانياً عام 1896 ، حيث درس علم الاقتصاد السياسي. الانهيار النفسي الذي عانى منه في عام 1898 أدى إلى انسحابه من التدريس الأكاديمي، إلا أن ذلك الانسحاب لم يؤثر على كتاباته، التي قدم مجموعة كبيرة منها. الفكرة الموحدة في كتاباته كانت التركيز على العلاقة المتبادلة بين التشكيلات القانونية والسياسية والثقافية في جانب، والنشاط الاقتصادي في الجانب الآخر. وفي عام 1904 أسس ماكس فيبر مجلة كان لها الدور في تطوير نظريات علم الاجتماع لاحقا. وكان عنوانها: "أرشيف العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية". ثم شارك عام 1910 في تأسيس الرابطة الألمانية لعلم الاجتماع . وبعدها انخرط ماكس فيبر في العمل السياسي وأصبح معارضا سياسيا للإمبراطور غليوم الثاني وعضوا فعالا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. وقد شارك بعد الحرب العالمية الثانية . وقد طلبت منه السلطات بعدها بلورة دستور جديد للجمهورية الألمانية. ثم قدموا له كرسي علم الاجتماع في جامعة ميونيخ عام 1918. ولكنه مات بشكل مفاجئ ومبكر ويلاحظ أن فيبر لم يحترف علم الاجتماع إلا قبل وفاته بعامين، و هو من آتى بتعريف البيروقراطية و قدعرف الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي لقوة الطبيعية. درس فيبر جميع الأديان وكان يرى أن الأخلاق البروستنتانتية أخلاق مثالية ومنها استقى النموذج المثالي للبيروقراطية والدي يتميز بالعقلانية والرشادة ومن الصعب تطبيقه في الواقع ولو طبق في التنظيم لوصل لأعلى درجات الرشادة .ولقد توفي 17 جوان عام 1920 قبل أن يتم مؤلفه الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية الاجتماعية وهو الاقتصاد والمجتمع ( Economies and Society) لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في سنة 1922 هي جمع شتات هذا المؤلف بعد أن تركها فيبر في صورتها المبدئية. وهكذا لم يعش أكثر من ستة وخمسين عاما، ولكنه ترك بصماته الكبرى على علم الاجتماع وأصبح أحد كبار الثلاثة المؤسسين له: كارل ماركس، إميل دوركهايم و ماكس فيبر.

ولقد ميز فيبر بين ثلاثة نماذج مثالية للسلطة تعتمد على تصورات مختلفة للشرعية هي:

*السلطة الملهمة

*السلطة التقليدية

*السلطة القانونية

اهتمام ماكس فيبر بتحليل ظاهرة الحداثة:

وقد اشتهر ماكس فيبر بأنه أحد المفكرين الذين انهمكوا في تحليل ظاهرة الحداثة وكيفية نشوئها وتشكلها وسيطرتها على المجتمعات الصناعية المتقدمة. ولذلك فإن أي مثقف معاصر يريد أن يتحدث عن الحداثة مضطر للعودة إلى ما كتبه ماكس فيبر عنها من نظيرات وأطروحات. والسؤال الذي كان يطرحه ماكس فيبر هو التالي: لماذا ظهرت الحداثة العلمية والتكنولوجية والبيروقراطية في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية فقط؟ بمعنى آخر: لماذا تطورت العقلانية في هذه المنطقة من العامل أكثر مما حصل في سواها؟ نقول ذلك ونحن نعلم أن الحداثة تعني عقلنه العالم أي دراسة العالم بشكل علمي، موضوعي، عقلاني لا بشكل غيبي، ميتافيزيقي، خرافي. هنا يكمن الفرق بين مجتمعات الحديثة والمجتمعات التقليدية. فهذه الأخيرة تسيطر عليها الرؤيا القديمة المليئة بالخرافات والمعجزات والأساطير. ثم جاءت الحداثة فتبخرت كل هذه الأساطير والخرافات وظهر العالم على حقيقته المادية والفيزيائية والبيولوجية.



النماذج المثالية :

تستند دعائم التصور النظري لفيبر على مسألتي النموذج المثالي ونظرية التنظيم فبالنسبة للنموذج المثالي فلقد أشار إلى أن أفضل طريقة في دراسة المعاني الذاتية للظواهر الاجتماعية تتمثل في استخدام النموذج المثالي وهو ليس فرضاً بل إنه يوجه الباحثين لوضع الفروض وليس وصفاً للواقع بل يستهدف توفير الوسائل للتعبير عن الواقع والنموذج المثالي من وجهة نظر فيبر عبارة عن بناء عقلي من المفاهيم المجردة والذي لا يوجد له نظير في الواقع التجريبي. هذا النمط المثالي لأي ظاهرة اجتماعية يكون مصمماً ليساعد في فهم الواقع التجريبي لتلك الظاهرة أو عدة ظواهر وهكذا يمكن استخدام النمط المثالي كأداة من أجل المقارنة بين ظاهرتين أو أكثر أو لقياس مدى تقارب الظاهرة المعطاة من النمط المثالي، فالنموذج أو النمط المثالي عبارة عن " المجموع الكلي للمفاهيم التي ينشئها المتخصص في العلوم الإنسانية بصورة نقية وبعيدة عن أي تحيز لتحقيق أهداف البحث. وعلى نحو ما يقول تيماشيف عام 1972 :" إن النموذج المثالي ليس فرضاً، إنه أداة أو وسيلة لتحليل الأحداث التاريخية الملموسة والمواقف، وهذا التحليل يتطلب بدوره أن تكون المفاهيم محددة بدقة وواضحة إلى أبعد الحدود لكي تستطيع مواجهة النماذج المثالية"، فالنموذج المثالي إذن مفهوم محدود نقارن به المواقف الواقعية في الحياة والأفعال التي ندرسها ويذهب فيبر إلى أن دراسة الواقع الملموس على هذا النحو تمكننا من الحصول على علاقات سببية بين عناصر النموذج المثالي. و قد واجهت النماذج المثالية لفيبر بعض الصعوبات فمثلاً بالنسبة لتصنيف فيبر الرباعي للفعل الاجتماعي وحيث تستند كل فئة من فئات الأفعال الأربعة إلى شكل معين من التوجيه السلوكي فهناك فئتان من الأفعال تتميزان بالعقلية إحداهما تستخدم الوسائل الملائمة لتحقيق الأهداف العقلية المختارة، والثانية تستعين بوسائل مشابهة لإشباع قيم مطلقة وأهداف أخلاقية أما الفئتان الأخريان من الأفعال فهما فئة الفعل التقليدي وفئة الفعل الوجداني وهو هنا يطرح سؤال " إذا كان النموذج المثالي يرتكز على أساس الفعل العقلي فكيف يمكن بعد ذلك إقامة نماذج مثالية للأفعال غير العقلية".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر   مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyالإثنين مارس 11, 2013 1:49 pm

المثالية النقدية وفكرة العقلنة عند ماكس فيبر ………… الشقيري عبد المنعم
August 18, 2012

الشقيري عبد المنعم ………..

يكمن ثقل التراث الفلسفي الألماني في درجة استيعابه وهيمنته على كل المجالات المعرفية والفنية بما في ذلك الموسيقى والنحت ولا ينحصر الأمر عند هذا المستوى بل يتجاوزه إلى مستوى تحديده لمسارات ومعالم هذه المجالات من خلال تقديم رؤى وتصورات للتاريخ والوجود والإنسان.

لقد ظلت السوسيولوجيا الفيبرية هي الأخرى رهينة هذا الثقل الفلسفي الضخم. يتجسد ذلك بشكل واضح عبر أثر المثالية النقدية على شروط التفكير الفيبري بصدد العقلنة. فقد منح للظواهر القيمية منطقا وقانون تطور محايث لا تنتج إلا منه، إذ تظهر في كل مرة بوصفها السبب الأخير للسيرورة الإجمالية الشاملة. يقول في هذا الصدد “أن المصالح المادية والمثالية، وليست الأفكار هي التي تحكم مباشرة سلوك الناس، ومع ذلك فإن “تصورات العالم” التي خلقتها الأفكار هي التي تحدد غالبا المساوات التي تندفع عبرها التصرفات متأثرة بدينامية المصالح”*. إننا أمام نفحة من نفحات الفكر الفلسفي المثالي الألماني والذي تجلى في عمق الارتباط بين روح البروتستانتية والفلسفة المثالية.

إنها حركة لا يمكن حصر أصولها وجذورها، إلا في ألمانيا حيث وجدت أعمق تعبير لها عند كانط وفيخته وهيجل، هؤلاء الأشخاص ذوو التكوين الفلسفي الذين استطاعوا التعبير عن الفكرة الأساسية للإصلاح. لقد عبر إرنست ترولتش Ernest Troeltshعن هذه الروح الألمانية التي أهلت للعقلنة الغربية بأنها “تجسيد لديانة الوعي والاعتقاد الشخصي منسجمة مع الحضارة الفردانية الحديثة”**.

على هذا الأساس يقتضي منا فهم الإنتاج الفيبري عامة، ومسألة العقلنة بالخصوص، وقفة تحليلية دقيقة لطبيعة الشروط الإبستيمية، التي عملت على إنضاج وبلورة تصوراته حول مفهوم العقلنة، بصيغة أخرى، سنحاول الوقوف على الأفق الإبستيمي الذي لم يكن بمقدور فيبر Weberسوى التفكير به ومن داخله في هذا المفهوم.

لن نعمد إذن إلى البحث عن تاريخ المفهوم بقدر ما سنحاول البحث عن الروابط الخفية التي أهلته للتفكير في موضوع العقلنة. من هذا المنطلق ارتأينا الفرضية التالية:
I- لم يكن بالإمكان التفكير في مفهوم العقلنة إلا بعد هضم روح الفلسفة الكانطية والكانطية الجديدة بتداعياتها، انطلاقا من العناصر التالية:
1- وحدة الوعي.
2- الذات كقوة عقلية.
3- الذات كقوة أخلاقية.
I- الكانطية والكانطية الجديدة أو [الخلفية الفلسفية لتناول مفهوم العقلنة].

شكل إرث الكانطية والكانطية الجديدة أرضية فلسفية، أطرت تصورات وأفكار فيبر سواء بالنسبة للمناهج المرتبطة بالتاريخ والاقتصاد والاجتماع، بل إنها مثلت الخلفية الأساسية لموضوعه الجوهري المتعلق بالعقلنة، إذ لا يمكن فهم العمل الفيبري إلا من خلال المظاهر الواسعة للتفكير الكانطي وما استتبعه من تصورات الكانطية الجديدة والتي يمكن التعبير عنها في ثلاث نقط رئيسية:
1- وحدة الوعي:

يرى كانط أن النشاط الفكري موجه عبر مجموعة من الأفكار المركبة والمتناسقة أو ما يفر بنسقية التفكير، حيث “تقوم الذات العاقلة بجمع المعطيات الحسية عبر الإدراك الحسي لتحويلها إلى معقولات بواسطة إقحام مقولات كالوحدة والسببية والإمكانية والتي تجعلها قابلة للتفكير”(1).

نجد في نفس السياق هرمان كوهن (1918-1942) Herman Cohen(2)الذي يرى أن ليس هناك موضوع غريب عن الفكر، وليس هناك معطى خارجي فكل حقيقة أو واقعة هي من إنتاج الفكر. لقد استثمر كوهن Herman Cohenأطروحة كانط وتجاوزها بادعائه العقلاني “إن الفكر الخالص هو الوحيد الذي ينتج بذاته المعارف الخالصة، إذ ليس هناك معطى حدسي خارج التفكير أو سابق عليه فكل مضمون كلي هو من إنتاج الفطر”(3).
2- الذات كقوة عقلية:

يبرز إيمان كانط بالقوة العقلية للذات، من خلال نقطتين أساسيتين:

أ- الأفكار ودورها الفعال كسبب في التحول الاجتماعي والسياسي.

ب- الوجود الإنساني وقدرته على تشكيل دلالات رمزية وتأويلية لعالمه(4).

هاتان النقطتان هما اللتان جعلتا رائد مدرسة ماربوغ Marbourg [الكانطية الجديدة المنطقية]، هرمان كوهن يعتبر الفكر وحده كفيلا بإنتاج موضوعاته سواء كانت عملية [داخل علم الفن] أو أخلاقية (داخل عالم الفصل) أو حسية (داخل عالم الفن). إذ يتخذ الوعي صبغة عفوية تلقائية: إنه قمة التعبير عن الاستقلالية الكبرى للعقل(5).

- عالمية التجربة الإنسانية: ليس هناك حدود للفكر أو لوقائع خارجة. يقول Martin Albrow “بهذه العناصر، أصبحت إمكانية الحديث عن مفهوم مركزي وأساسي وهو مفهوم [رؤية العالم] والذي سيكون له وقع كبير في التفكير الفيبري، فحينما تعامل فيبر مع فكرة العقلنة فإننا نجده قد تعامل مع ثقافة متحولة عما استحدثه كانط من رؤية جديدة للفكر الألماني”(5).

لقد أصبح العقل بمثابة قوة نافذة داخل التفكير الفيبري، إذ تتجسد قدرته في تجميع كل المعارف التاريخية المشتتة في إطار ما أسماه “بالنمط المثالي” لتجميع وانتقاء المعلومات والمعطيات حتى تيسر عقلنتها. إذ يبحث العقل عن الوحدة داخل التعدد كتعدد كتعميم مجموعة من القوانين داخل مبدأ عام. صحيح أن العالم الخارجي يعرف الفوضى والشتات، إلا أن مهمة العقل هي محاولة تشكيل وتنميط هذا العالم عبر الفهم. هناك إذا “علاقة منطقية اتجاه عالم الموضعات، وهي التي تسمح ببناء موضوعات العالم، إنها بؤرة أساسية لعقلنة وفهم في ارتباطه بهذا البناء، كأن نضع شيئا معينا نستطيع من خلال فهم باقي الأشياء نجد نفس الأمر عند فيبر Weberحيث يطرح مفهوم العقلنة كمفهوم مركزي داخل علم الاجتماع لضبط وفهم آليات التطور الذي حصل في المجتمع الإنساني”(7).

إننا أمام وحدة يقوم بها العقل الإنساني، وبعبارة أخرى الذات حينما تقوم بتوحيد وعقلنة الموضوع أو ما درجت الكانطية على تسميته.

بالعقل والذات الأخلاقية:

يرى كانط أن العقل جوهر وسند الذات الأخلاقية من تم فإنه يشترط في صحة الفعل الأخلاقي:

أ- تحديد الفاعل الحر.

ب- تبني هذا الفعل من طرف الآخرين.

ج- تحول هذا إلى قانون كوني(Cool.

شكلت هذه لعناصر العقلانية للفعل الأخلاقي منطقيا لتصورين متناقضين للفعل الأخلاقي. الاتجاه الذي يرى صحة الفعل الأخلاقي بنتائجه، وهو ما يدعى بالأخلاقية الغائية Teleologiqueوتداعياتها النفعية في المقابل نجد نظرية أخلاق الواجب Deontologieالمتبناة من طرف كانط، والتي ترى معيار صواب الفعل رهينا بمدى مطابقته لقاعدة أو أمر ما. وهو يفترض تمتع الذات الفاعلة الأخلاقية بحيز كبير من الحرية إنها غاية وليست وسيلة تبرز هذه الإدارة الحرة للذات من خلال المفاهيم التالية:

أ- “الذات وقدرتها على تطبيق القواعد والامتثال لها.

ب- صحة القواعد رهين بكونيتها.

ج- حضور عنصر الوعي والإرادة في اتابع مقابل الاندفاع والاختيار اللاعقلاني”(9).

لقد جعلت هذه التصورات والأفكار كلا من فيند لبند (1945-1848) Wilheln Windelbandوريكرت (1963-1863) Heinrich Rickertيقومان بتعويض واستبدال الوعي المعياري بالأنا المفكرة فقد حول فيند لبند Windelband(10)المثالية الكانطية إلى مثالية أخلاقية ليصبح بموجبها موضوعية وحقيقة تمثل ما رهين بمعياريته أي درجة تطابقه وملاءمته لمعايير التفكير.

تصبح المعرفة من هذا المنظور حكما Jugementذا صبغة عملية وحتى تكون ثمة قيمة معرفية لهذا الحكم، يجب أن لا تنتصب الذات حكما، بل عليها أن تترك ذاتها مسيرة وموجهة عبر الإحساس بالواجب يقول ريكرت Rickertفي هذا الصدد “ما يقود حكمي ومن تم معرفتي هو الإحساس بأنه يجب أن أحكم بهذا الشكل وليس ذاك”(11). فالوعي الأخلاقي يجعل الذات مقدمة داخل عالم خاص مختلف عن عالم الوجود، إنه عالم القيم وقد عبر عن ذلك بمقوماته المشهورة “أن تعرف يعني في العمق أن تقوم بتقييم” هذه القيم ليست منطقية فقط، ولكنها أخلاقية واستطيقية.

لا يمكن إذا فصل المشروع الابستمولوجي الفيبري عن طبيعة الصراعات القائمة آنذاك بين مجموعة من الاتجاهات بما في ذلك أطراف الكانطية الجديدة مدرسة ماربورغ المنطقية ومدرسة باد الأكسيولوجية والتيارات الوضعية أو بين النزعة الكلية Holisteوالنزعة السيكولوجية إذ يمكن القول أن”هذا الصراع الغير محسوم قد شكل جوهر الفلسفة الفيبرية”(12) ومع ذلك تبرز آثار وأبعاد المثالية النقدية داخل الفلسفة الفيبرية خصوصا في مستوى تناول العقلنة. يبدو جليا حينما نستنطق عناصر التأثير، بالنسبة للعضو الأول المتمثل في:
1) وحدة الوعي:

نجد أن هذا العنصر قد فتح آفاق للتصور الفيبري لمفهوم النمط المثالي. فإذا كانت الذات العاقلة تجمع بين عناصر الإدراك الحسي والإدراك العقلي، في إطار وحدة الوعي عند كانط فإن فيبر يرى أن النمط المثالي: “تصعيد وجمع بين وجهة نظر أو مجموعة وجهات نظر وتسلسل وترابط مجموعة من الشواهر المعطاة بشكل منعزل منتشرة ومتسترة بهذا فإننا نرسم لوحة منسجمة”(13).

يسير فيبر على خطى كانط من حيث تركيب العناصر وتنسيقها، ومع انتقائها إذ يستند إلى مفهوم (الدلالة الثاقفية)، وهي الأفكار أو القيم التي ترتبط بها هذه العناصر، والتي لا تعطيها أهمية في ذاتها وإنما في علاقاتها بموضوعاتها.

تبرز نبرات المثالية في التصور الفيبري في كون “النمط المثالي مجرد لوحة أوجدول من الأفكار. إنه ليس الواقع التاريخي وليس أيضا الواقع “الأصيل” بل يصلح كخطاطة من خلالها يتم تنظيم وترتيب الواقع إنه المثل أو النموذج الذي لا دلالة له سوى أنه تصور محدود مثالي خالص، من خلاله نقيس الواقع لتوضيح المضمون الاختياري لبعض العناصر المهمة التي تقارنه بها”(14)إننا أمام خطاطات وقوالب ذهنية يتم الاعتماد عليها في تركيب وتأليف عناصر أحداث ما. فما هو أساس داخل هذه الأداة هو عملية الانتقاء وترتيب الجوانب المهمة داخل عالم الوقائع أكثر من كونها صورة أو نسخة لأي جزء من أجزاء أو عناصر هذا الواقع ويزداد الأمر أكثر وضوحا وتظهر الصورة الكانطية لمفهوم وحدة الوعي حينما نتأمل قولة فيبر معبرا عن قيمة التصورات كوسيلة لتنظيم المعطيات الاختيارية “إنها ليست غاية في ذاتها، إنها وسائل ذهنية تساعد العقل لكي يصبح سيدا على المعطيات الطبيعية”(15).
2- إيمان كانط بقوة العقل:

متجليا في أهمية الأفكار ودورها في التأثير وكسبب في التحولات الاجتماعية والسياسية من جهة وفي علاقته بالوجود الإنساني وقدرته على تشكيل دلالات رمزية وتأويله لعالمه يتبين مدى تأثير العنصر الأول في العمل الفيبري من خلال الأولوية التي يعطيها فيبر للبناءات الفكرية ودورها في فهم وتفسير الأحداث، ومبررا المجتمع يستلزم تحديد طبيعة أفكاره وتصورات أفراده، يقول في هذا الصدد: “يمكن دور النمط المثالي في التمكن من الأفكار التي تحكم سلوكات الناس في عصر معين. إنها حركت أناسا غير محددين رغم اختلافهم وهي واضحة من حيث المعنى، وكذلك من حيث الشكل والعمق”(16) يبدو أن فيبر على عكس أطروحة ماركس بدل الخضوع لوجود الناس لتحديد وعيهم وأفكارهم وتصوراتهم نجده يذهب إلى مضمون الوعي والأفكار لاستنطاقها كعنصر محدد، لكل ما هو واقعي واختياري هذه الخلقية المعرفية جعلت فيبر يقيم علاقة شبه سببية بين العقلنة وبين التصورات والقيم والأخلاق.

يبدو تأثير هذين العنصرين من خلال التعريف الذي يقدمه فيبر لمفهوم الثقافة “إنها من وجهة رؤية الإنسان بمثابة خط مستقيم متناهي، يقوم الفكر باستثماره من حيث أهميته ودلالاته بالنسبة لمال العالم اللامتناهي الغريب عن كل دلالة”(17) نلاحظ اعتراف فيبر بالقيمة الاعتقادية للدلالات ذات المضامن الثقافية، ودورها في توجيه البحث والتعرف على الواقع المتفردة إذ بدون الاعتقادات لن يكون للبحث أو للمعرفة أي معنى العلاقة بالقيمة ذلك أن موضوعية العقل عند فيبر رهينة بمفهوم العلاقة بالقيمة، وهي تقتضي توجيها نحو الأحداث الثقافية. فالثقافة مفهوم قيمي بل يصبح الواقع التجربي في هذا الإطار ثقافة بقدر ما نقربه وننسبه إلى أفكار قيمة فتصورنا للثقافة هو تصور للقيمة إذ أن الواقع الاختياري هي ثقافة في أعيننا، من حيث أننا نربطها بأفكار القيمة. إنها تلتحم بعناصر الواقع، خصوصا حينما تكتسب هذه العناصر دلالات بالنسبة لنا عبر العلاقة بالقيمة فنحن أمام جزء من واقع اقتطعناه يأخذ كل مرة لونا معينا حسب القيمة التي نضيفها عليه وهو ما عبر عنه دلتاي Diltheyبمفهوم “من الحياة إلى الحياة”.

لعل هذا ما جعل رينسمان Runicemanيخلص إلى حقيقة عناصر النزعة المثالية في التصور الفيبري من خلال مفهوم [العلاقة بالقيم] حيث يقول: “يتفرع مفهوم العلاقة بالقيم من معرفة ضمنية خفية مثالية أكثر مما هي وضعية”(18) وهو في نظره خطا فيبري. فمن عيوب هذا التصور القيمي للفعل الإنساني جعل عالم الاجتماع محاصرا بمعيار واحد أثناء دراسته لمعنى سلوك ما كما عبر عن ذلك فتجنشتين Wittgenstienحينما نستوفي البرهان على علاقة بين سبب ونتيجة، فإن السبب يتحول إلى تصور، وهذا هو جوهر المشكل لأنه يسقطنا في أحادية جديدة. صحيح أن مفهوم العلاقة بالقيم يمكن الباحث من فهم الظاهرة، إلا أن هذا لا يمنع المرور إلى مستوى التفسير والبحث عن القوانين الضابطة المفسرة كما هو الشأن بالنسبة لعلوم الطبية فعالم الاجتماع مطالب بتقديم تفسيرات لائقة على مستوى المعنى وتفسيرات ملائمة من الجهة العلمية. وحتى يضمن فيبر شروط الانتقال من مستوى فهم المعنى إلى مستوى التفسير السببي، فإنه يقوم بافتراض النمط العقلي للفعل: حيث يستخدم الفاعل الوسائل المناسبة على الوجه الذي يتيسر فيه معرفتها من الناحية العلمية. كأن نقول مثلا بتفسير الفعل عبر إرجاعه إلى غاية يفكر فيها الفاعل بتوظيفه لوسائل مطابقة لتلك الغاية. إلا أن العلية هنا في نظر فيبر، ليست مسألة ضبط القوانين بقدر ما هي مسألة علاقات عينية فردية. فلا يتم إرجاع حادثة إلى قانون عام يضبطها ويفسرها، وإنما إسنادها إلى عناصر معينة ساهمت في تشكلها واستخراجها إلى أرضية الواقع. فالرأسمالية مثلا هي حصيلة تشكل مجموعة من العناصر مثلث العقلنة الرأسمالية التي انعكست بدورها على ظهور النمط الاقتصادي.

ليست العلية في نظر فيبر غاية، بل هي وسيلة تيسر عملية الإسناد السببي لظاهرة من حيث أهميتها من الوجهة الثقافية أو الدلالية. وهنا تبرز أيضا ملامح النزعة المثالية الفيبرية، فعوض الرجوع إلى طبيعة المكانة، والوضعية تي يحتلها الموضوع، فإنه يتم الرجوع إلى بناء تمايزات وترابطات نوعية هدفها على حد تعبير فيبر الانتقال من مستوى المعنى الظاهري إلى مجال الموضوع ذاته، بحيث تعطى الأسبقية للمقولات التي ينطلق منها الباحث على موضوع البحث الأمر الذي جعل رينسان Runucimanيخلص مرة أخرى إلى حضور النفحة المثالية “فخلف كل تفسير لسلوك اجتماعي هناك ارتباطات سببية بين إجرائية المتغيرات المحددة التي من خلالها يتأسس ما هو خفي وكامن”(19).

هناك من أراد تخليص فيبر من هذه الصورة المثالية، فقد ادعى تيرنر Brayan Turnerتأكيد فيبر على أن أي تصور، يدعي أن الرأسمالية هي خلاصة مرحلة الإصلاح أي الأخلاق البروتستانية يعتبر تصور أقرب إلى الغباء والمذهبية”(20)بل إن مفهوم السببية هو أكثر تعقيدا مما يتصوره ذوو الزعم المثالي. ومع ذلك يرجع تيرنر Turnerإلى نفس المقاييس، التي استعملها رينسمان Runucinmanلإثبات عناصر الفلسفة المثالية خلف تصوراته المنهجية، حيث يقول: “لقد كان فيبر مهتما بتوضيح واكتشاف العلاقات وأوجه الالتقاء المعقدة بين المهن والمعقدات والتصرفات ذات المعنى. فمهمة عالم الاجتماع هي فهم دوافع الفاعلين الاجتماعيين ليخلص إلى أن فيبر لا يأخذ بوجهة النظر الوضعية أو الهيومية (نسبة إلى ديفيد هيوم) في تصور السببية ولكنه يحاول تفسير التصرفات أو الأفعال عن طريق فهم المعاني الذاتية”(21).

يبدو أن جوهر الأطروحة الفيبرية هو تبرير أي سلوك عبر الحوافز الفردية التي تعتبر أساس تشكل التصورات، فوراء كل فعل هناك حافز “إذ لا يمكن البرهنة عن الفعل من خلال الفهم المتوالي للحوافز باعتبارها الخزان الحقيقي لتفسير السلوك الملاحظ”(22)، فليس هناك أي اتساق في إرجاع الفعل إلى الحافز لتفسيره. قد يكون هناك علاقة منطقية بين الحوافز والأفعال على حد تعبير رينسمان ولكن لا يعني أن تتحول إلى علاقة سببية. وهو ما جعل فيبر لا يفسر الأشياء انطلاقا من ذاتها بل يقوم بتوحيد الغاية والحافز، كضرورة قبلية للتفسير والشرح. إننا أمام صورة من صور المثالية النقدية الكانطية، التي تحضر بكثافة داخل النص الفيبري. يتجسد هذا الحضور في الموازنة والمطابقة التي يقيمها فيبر بين العقلنة القيمة، وبين العقلنة الغائية فالفعل العقلاني القيمي هو فعل يقوم بعقلنة ولا يطابقها وما نظرية الفهم سوى الأفعال والمواقف ومعتقدات الذوات الفردية مفهومة متضمنة لمعنى [يعطيه الفاعل لسلوكه] وهو الكفيل بأن يكون سببا حقيقيا للفعل، سواء كان معتقدات أو مواقف أو قيم فأداة الفهم بمثابة إثبات لوجود عقلانية خلف العقلنة الدينية، والتصورات القيمية التي يحملها البروتستاني اتجاه العالم في سلوكه وأفعاله. يقول فيبر: “تجد المعتقدات ووضعية الذوات الاجتماعية تفسيرها في أسباب قوية معقولة، إذ نعثر وراء هذه الاعتقادات على مبررات عقلية، وهذا لا يصدق على الاعتقادات العلمية فقط بل على الاعتقادات الأخلاقية والدينية”(23) المثال الفيبري الذي يقدمه بدون Boudon : نموذج اعتقادات الفلاحين السحرية وعدم مقدرتهم على التنبؤ بمآل الظواهر الطبيعية. فهم يرفضون التصديق بخضوع الظواهر لقانون ونظام ثابت لأنه يعني بالنسبة لهم التقليل من إمكانية التكهن المتعدد الأوجه والذي تتيحه الاعتقادات الطقوسية السحرية. فهو سلوك مبرر عقلانيا بل إن عقلانيته تمكن في سياق الغايات التي يطمح إليها هؤلاء الفلاحين. ينقلنا هذا إلى العنصر الأخير من عناصر وإرث المثالية الألمانية المؤثرة في التفكير الفيبري.
3) الذات كقوة أخلاقية:

سبق أن أشرنا إلى الذات كقوة أخلاقية عند كانط وطبيعة الفعل الحر والإرادة الحرة وما أبدعته الكانطية الجديدة بصدد تحويل الحقيقة من عالم المعرفة إلى عالم القيم. في هذا السياق يرى كانط أن تحقيق كمال الوجود الإنساني رهين باتباع الواجب الأخلاقي فعن تساؤلاته بصدد هذا الواجب الأخلاقي: من أين يستقي قوته ورهبته؟ ما هو سنده وأصله الذي يجعله ينفذ إلى أعماق نفوسنا؟ بل ونكن له كل هذا التقدير والاحترام. يجيب كانط: “لن يكون ذلك الأصل أقل من ذلك الذي يسمو بالإنسان فوق ذاته، بوصفه جزءا من العالم المحسوس، لن يكون شيئا آخر غير الشخصية أي الحرية والاستقلال تجاه قوانين الطبيعية بكاملها، متصورين في الوقت ذاته بوصفها قدرة يمتلكها كائن خاضع لقوانين خاصة أي لقوانين عملية خالصة معطاة بواسطة عقله الخالص”(24)يتم التعبير عن حرية الفرد دالخ الاتباع المستقل والعقلاني للواجب. والذي يجب مشروعيته داخل قواعد عقلية كونية، تمنح الذات القدرة على استيعاب المفارقة التالية حرية الفرد داخل الاتباع المستقل والعقلاني للواجب. والذي يجد مشروعيته داخل قواعد عقلية كونية، تمنح الذات القدرة على استيعاب المفارقة التالية حرية الذات الفاعلة وخضوعها للقاعدة الأخلاقية في نفس الوقت.

استلهاما للروح الكانطية فقد أثر مفهوم الإرادة الحرة للذات الفاعلة لدى كانط على فيبر في بنائه للعقلانية للمنهجية الفردية من خلال أطروحته بصدد ارتباط الوثيق بين “الإرادة الحرة ومفهوم العقلنة”(25)يظهر ذلك واضحا من خلال رؤيته للفرد، التي أسندها للطهري في كتابة الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية حيث يقول: “يحاول الطهري كما هو الحال بالنسبة لأي نمط زهدي عقلاني، تأهيل إنسان ما، وجعله قادرا على الحفاظ والتصرف فوق غرائزه الثابتة. من هذا المعنى السيكولوجي الصوري للكلمة، فإن المهمة المستعجلة هي تحطيم اللذة العفوية الاندفاعية بما أن الوسيلة المهمة تتمثل في القيام بتنظيم السلوك”(26). فالشخصية الطهرية تتسم بالفعل العقلاني، الذي يقصي كل الميولات والأفعال اللاعقلانية الغريزية بل تصبح العقلنة تساميا للواجب حيث يتم بناء الشخصية عبر اتباع الواجب. إننا أمام فعل إنساني مرتبط باختيار صحيح لوسائل ملائمة لغايات عوض خضوعه لضغوط وإكراهات. وهو الذي يفتحنا كليا على التحليل العقلاني يقول فيبر في هذا الصدد: “بقدر ما يكون القرار حرا غير خاضع لإكراهات خارجية والتقويم خاصا بالفاعل، بقدر ما ينضبط الحافز لمقولة الغاية والوسيلة، وفي نفس الوقت يصبح من السير والسهولة تحليله عقلانيا، بل وإدماجه داخل خطاطة الفعل العقلاني”(27)، يعتبر هذا النص بمثابة أرضية أساسية لتحديد رؤية فيبر لمنطق العلوم الاجتماعية خصوصا فيما يتعلق بالمفهوم الكانطي “لحرية الإرادة” الذي ظل عائقا أمام عملية العلوم الإنسانية، بخرقه لمنطق السببية حسب ادعاءات الاتجاه الوضعي.

فهناك على حد تعبير فيبر اعتقاد ميتافيزيقي لحرية الإرادة الإنسانية والتي تمنع الرجوع تصورات عامة وقواعد لتفسير السلوك الإنساني، كما أنها لا تسمح بإمكانية التنبؤ”(28) بعبارة أخرى هناك اتجاه يربط بين مفهوم حرية الإرادة الحرة مرتبطا بمفهوم العقلنة.

كيف زواج فيبر بين الإرادة الحرة وبين العقلنة أو الفعل العقلاني الواعي؟ وكيف يكون الفعل الحر فعلا عقلانيا؟ ومتى تكون حرية الإرادة مطابقة لمنطق التفسير السببي الذي يعتبر إحدى خصائص التفسير العلمي؟

ينقلنا هذا إلى الحوار العميق الذي أجراه ماكس فيبر مع أحد كبار المؤرخين الألمان إدوارد مايير Edouard Mayer (1930-1855)أثناء قيامه بعزل العناصر الغربية، عن التصور العلمي للتاريخ والتي نجد من بينها مفهوم “القرار الحر” فقد تعرف الحقيقة مفهوم الصدفة الذي لا يعني “الغياب الموضوعي للسبب بقدر ما يعني عدم إمكانية أو الاستحالة المطلقة لمعرفة الترابطات بين بعض مظاهر الشروط التي تحدد النتيجة”(29). ولذلك لا يتعارض هذا المفهوم مع المبادئ العلمية، فالعلوم نفسها تؤمن بهذا المبدأ. فيحين أن مفهوم الإرادة يتعارض مع مفهوم التطور التاريخي، كسيرورة خاضعة لقوانين معقولة. فحرية الإرادة تنفي إمكانية خضوع الفعل التاريخي لقوانين منضبطة، وبالتالي لكي تصبح هناك قوانين الطبيعة كي تستطيع ضمان مفهوم الحتمية.

يفترض هذا التصور لمفهوم حرية الإرادة المعادلة التالية “عقلانية الطبيعة أمام لاعقلانية الإنسان” أي أنه كلما توغل الإنسان في الطبيعة، كلما تحققت عقلانية وموضوعية الفعل الإنساني وكلما تحرر هذا الفعل عن الطبيعة وارتهن بالإرادة الإنسانية صار لاعقلاني.

من تم يرى مايير Mayerأن القوانين السببية التي تضمن الموضوعية مرتبطة أساس بالأحداث والواقع أكثر من ارتباطها بالأشخاص، باستثناء الإلمام بالظروف المحايثة لهم. آنذاك نستطيع أن نتنبأ ونرتقب نتائج أي قرار، انطلاقا من “الشروط المعطاة المرتبطة بالدائرة الطبيعية الجامدة التي تفترض، أولا الوقوف على العناصر المعطاة القابلة للحساب، والتي يمكن تمثيلها بصفة كمية، ثانيا الشروط المساهمة في التطور والتي يمكن التعرف عليها بشكل واقعي وملموس حيث تصير قابلة للدقة والضبط والحسابي”(30) هذه العناصر القابلة للتكميم المتعارض مع كل ما من شأنه أن يحيل إلى مفهوم الحرية أو الكيف، إنها تحيلنا إلى القوانين المضبوطة بشكل موضوعي على المستوى الملموس، سواء من حيث التقدير أو من حيث ترقب النتائج الحتمية.

يقودنا مفهوم الحرية لدى مايير Mayerكحدث إنساني داخلي إلى التجربة الحميمة، وهي بدورها تقودنا إلى البحث عن الحوافز الذاتية ومسؤولية الفرد وهي مسألة ثانوية في البحث العلمي، لأنها تتجاوز الدقة والموضوعية، من لا يستطيع مجال حرية الإرادة تجاوز عالم الأحكام القيمية. وهذا مخالف للعلمية لكونه يقحمنا في مجال القيم، عوض مجال القوانين.

يرد ماكس فيبر Weberعلى هذا التصور بوجود علاقة وطيدة بين القرارات الشخصية الواعية وبين مفهوم السببية الذي نفاه مايير Mayer، بل إن فيبر يرى إمكانية إضفاء صفة السببية(31) على أي قرار مفهوم شخصي ذاتي، واعي بالمقياس الذي يمكن اعتبار هذا القرار عاملا أساسيا داخل السيرورة التاريخية. صحيح أن يجعل مفهوم [حرية الإرادة] في نظر فيبر تتوحد مع لا عقلنة السلوك هو خاصيتها وقدرتها على تمويه تنبؤاتها حيث لا نستطيع أحيانا التعرف مسبقا على الحدث ومع ذلك يرى فيبر أن الأفعال التي لنا وعي تام بتطبيقها عقلانيا هي تلك تصاحبها أحاسيس اختيارية حرة، لكونها أفعال خارجة عن كل الإكراهات النفسية والمادية والوجدانية، أوعوارض تعوق وضوح الحكم الذي يجعل الفعل يتبع غاية ما، بوعي وبوضوح انطلاقا من [الوسائل] الأكثر مطابقة، حسب معرفتها وحسب قواعد التجربة”(32)من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس يصبح مفهوم العقلنة، رديف الفعل العقلاني الاختياري مشكّلة خصوصية العقلنة الغربية ومتميزة بذلك عن باقي المجتمعات الأخرى التي لم تبرح عتبة الأفعال الوجدانية أو التقليدية والتي لم تؤهلها إلى مستوى العقلنة الغربية.
* هوامش

(1) Albrow Marin 1990 Max weber’s Construction of social theory. Mac Millan education LTD London P31.

(2) يعتبر هرمان كوهن Herman Cohenأحد مؤسسي الكانطية الجديدة المنطقية المسماة مدرسة مايورغ لـBoutot Alainراجع ص26 من كتاب La pensée allemande Moderne PUF.

(3) Boutot Alain : La pensée allemande Moderne PUF 1995 que sais je P27.

(4) Len Hardt Christian : Max Weber and the legacy of critical Idealism in. the barbarism of reason : Max Weber and the twilight of Englightemment. Asher Horowitz and Terry Maey Editors P25. University of Toronto / press 1994 P25.

(5) Boutot Alain : La pensée allemande Moderne P29.

يلاحظ: مدرسة ماربوغ التي أعادت قراءة كانط انطلاقا من كتاب العقل الخالص.

(6) Albrow Marin : Max weber’s construction of social theory. Mac Millan education LTD London 1990 P31.

(7) Albrow Marin : Max weber’s construction of social theory. P35.

(Cool Lenhardt Christian : Max Weber and the lagacy of critical Idealism P30.

(9) Lenhardt Christian : Max Weber and the lagacy of critical Idealism P32.

(10) للتذكير يعتبر فيندليند مؤسسا لمدرسة باد Badeالكانطية الجديدة التي ركزت على إعادة قراءة العقل العملي حيث أعطيت الأولوية للعقل العملي على حساب العقل النظري [إذ تصبح الحقيقة قيمة].

(11) Boutot Alain : La pensée allemande Moderne PUF que sais je P37.

(12) Runiciman. W. G. : Acritique of Max Weber’s philosophy of social science cambridge university press 1972. P10.

(13) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. Libraire plan 1965. P172.

(14) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. Libraire plan P177.

(15) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. P193.

(16) Weber Max : (14) Weber Max : Essais la théorie de la science. P179.

(17) Weber Max : P160.

(18) Runiciman W.C. : Acritique of Max Weber’s philosophy of social science cambridge university press P79.

(19) Runiciman W.C. : Acritique of Max Weber’s philosophy of social science cambridge university press P79.

(20) براين تيرنر: علم الاجتماع والإسلام (دراسة نقدية لفكر ماكس فيبر) ترجمة الدكتور أحمد باقادر. دار القلم ط2، 1987، ص25.

(21) براين تيرنر: ص26-27.

(22) Runiciman W.C. : Acritique « Max Weber’s philosophy » of social science. P25.

(23) Boudon Raymon : « La rationalité asciologique » une notion essentielle pour l’analyse des phénomènes normatifs : sociologie et société XXXI printemps 1999 n°1 p.104.

(24) Kant Emmanuel : Critique de la raison pratique PUF Parie 1965 P. 91.

(25) Albrow Marin : Max weber’s construction of social theory. Mac Millan education LTD London 1990 P43.

(26) Albrow Marin : Max weber’s construction of social theory. P44.

(27) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. P70.

(28) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. P75.

(29) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. P211.

(30) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. P213.

(31) يبدو أن هناك تعارض بين السبيبة كما هي في العلوم الطبيعية والسبيبة في العلوم الاجتماعية ففي هذه الأخيرة لا يعدو أن تكون مسألة إسناد وليست إخضاع الظاهرة كما هو الحال في علوم الطبيعة من تم فإن معرفة القوانين الاجتماعية لا يعني معرفة الواقع الاجتماعي عند فيبر.

(32) Weber Max : Essais sur la théorie de la science. P219.

—————————————————

* ) براين تيرنر: علم الاجتماع والإسلام (دراسة نقدية لفكر ماكس فيبر) ترجمة الدكتور أحمد باقادر. دار القلم، ط:2، 1987، ص:39.

** ) Gunther Roth. Rationalization in Max Webre’s development hitory in : Rationality and Modernity Ed By San Whimster and Scott Lash. Allen And Unwin 1987, p. 21
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Empty
مُساهمةموضوع: الشرعية والمشروعية   مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر Emptyالإثنين مارس 11, 2013 1:53 pm



ويتمثل عدم رضا الشعب عن السلطة في حجم الأزمات التي تحدُث داخل البرلمان أثناء تشريع القوانين، فدائمًا الحكومة تنحاز إلى القوانين "التقييدية" مثل قانون الطوارئ وحبس الصحفيين والحبس الاحتياطي والوقوف أمام الرغبة الجامحة من الشعب في استقلال القضاة، وأيضًا أثناء الرقابة، فحجم الشفافية في الإعلان عن الميزانيات في بعض المؤسسات غير متوفر ويسوده الضبابية والغموض.



والمشروعية تعني مدى التزام المؤسسات والحكومة بالقانون والدستور، فمن خرج عن القانون والدستور صار محظورًا ومن وافق القانون صار مشروعًا



يميّز الفقه بين فكرة الشرعية و المشروعية على النحو الآتي :
ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنه لا يوجد فرق بين مصطلحي الشرعية و المشروعية و أنهما يدلان على معنى : <ضرورة إحترام القواعد القانونية بأن تكون جميع تصرفات السلطات العامة في الدولة متفقة و أحكام القانون بمدلوله العام>.
لكن أغلبية الفقه يميّز بين المفهومين كالآتي :
الشرعية : légalité يقصد بها السلطة أو الحكومة التي تستند في وجودها إلى القواعد المحددة في الدستور أو في النظام القانوني، فإذا وجدت سلطة أو حكومة دون أن تعتمد على السند الدستوري أو القانوني فإنها تسمى سلطة أو حكومة فعلية أو واقعية، و بالتالي فهي لا تتمتع بصفة الشرعية.
و نشير إلى أنه ليس هناك ترابط بين صفة الشرعية و الواقعية أو الفعلية للحكومة و بين مضمون نشاطها و أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها و إنما العبرة من إستنادها في وجودها إلى سند قانوني لممارسة السلطة فإذا وجد هذا السند القانوني كانت حكومة أو سلطة شرعية أو قانونية أما إذا إنعدم السند القانوني فإنها تكون حكومة فعلية.

المشروعية : رغم صعوبة وجود معيار موضوعي واحد لتعريفها غير أنه في الغالب يقصد بالسلطة أو الحكومة التي تتمتع بصفة المشروعية تارة تلك السلطة التي تتفق تصرفاتها و نشاطاتها مع مقتضيات تحقيق العدالة، و تارة أخرى يقصد بها السلطة التي تستند إلى رضا الشعب، و من ثم يمكن القول أن سلطة الحاكم المطلق أو المستبد غير مشروعة و إن إستندت إلى نص الدستور القائم أي حتى و لو كانت سلطة قانونية، و على العكس تكون سلطة الحكومة الثورية مشروعة و لو قامت على أنقاض حكومة قانونية كانت تستند إلى أحكام الدستور.
و مثال التفرقة بين الحكومة أو السلطة التي تأتي عقب ثورة شعبية فهي تكون حكومة غير شرعية لكنها تتصف بالمشروعية لأن عملها يتقبله الشعب أما السلطة الإنقلابية فهي غير شرعية لأنها لم لم تستند في وجودها إلى سند قانوني و كذلك فإنها غير مشروعة لأن عملها لا يرضى به الشعب.
إذا لا يمكن القول بأن هناك :
* سلطة تتمتع بالشرعية و المشروعية، و * سلطة شرعية لكنها لا تتمتع بالمشروعية و هناك * سلطة غير شرعية و لكنها تتمتع بالمشروعية (السلطة الثورية) و هناك * سلطة غير شرعية و لا تتمتع بالمشروعية في نفس الوقت (الحكومات الإنقلابية



الشرعية والمشروعية ــ والاستثناءات التي تتعلل بها السلطة التنفيذية ــ وسيادة الدستور

بات من المسلمات الان، ان لايكفي لحماية حقوق الافراد وحرياتهم العامة، ان تتأكد سيادة القانون في شأن علاقتهم بعضهم مع البعض الاخر، بل اصبح يلزم لتوكيد هذه الحماية ان يسود القانون علاقتهم مع الدولة، وما يتفرع عنها من هيئات عامة. “1”
ومن البديهي ان القواعد القانونية تفقد قيمتها، إن هي فقدت سيادتها. فالقواعد القانونية وجدت لتحكم علاقات اجتماعية بهدف توجيهها وجهة تحقق الغرض الذي وجدت من اجله. فان اختلف الاتجاه الذي تسكله العلاقات الاجتماعية عن الاصول المفروضة في القواعد القانونية، دون ان يمكن تقويمها.. فقدت هذه القواعد مبرر وجودها، وبالتالي تقوضت سيادتها. فحين تتغاير الاتجاهات المتكونة في القواعد القانونية مع خطوط سير المصالح الاجتماعية التي تحوز الحماية القانونية .



نكون ازاء وضع تتخبط فيه سيادة القانون بين الواقع والتطبيق، وبين الاقوال المجردة وتبعا لدرجة التغاير التي تحوزها القواعد القانونية ومثيلتها التي تصب فيها روافد العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية والسيادسية، “2” مما يتطلب الحل الصحيح، وباجراءات مشروعة وقانونية.
وتوجد فكرة عامة وشائعة ومسلم بها من قبل الاكثرية، حول من يمارس السلطة، وكيفية ممارسة هذه السلطة، ومدى خضوع الدولة للقانون.
وتعددت النظريات والاسس التي ساقها المفكرون الليبراليون، في تبرير وتفسير، وجوب خضوع الدولة للقانون، وان القواعد القانونية وخطابها تشمل السلطة ومؤسساتها، بهدف الوصول الى نوع من تقييد نشاط الدولة وعدم السماح لها بالتدخل في مجالات النشاط الاقتصادي، ولتبقى تلك المجالات حكرا للنشاط الفردي. ولما كانت العملية التشريعية تتم في صورة المجالس او البرلمانات، او ماشابه ذلك، فان اي تدخل من قبل الدولة في اي مجال، يمكن ردعه مقدما عن طريق عدم الموافقة عليه، بالصورة القانونية عبر التشريع من منطلق هيمنة الطبقة البرجوازية على تلك الاجهزة التشريعية ووفقا للمبادئ والافكار السائدة ووفقا لمصالحها.
ومن خلال ذلك، اي من خلال اخضاع الدولة للقانون. تحت شعار (مبدأ سيادة القانون) تكون النشاطات الاقتصادية وغيرها بمنأى عن اي تدخل محتمل من قبل الدولة حسب الفكر الليبرالي السائد.
ويلخص الاستاذ (محمد طه بدوي) الاتجاهات التي يعتمدها الفقه الليبرالي في هذا الشأن في معرض بحثه عن خاصية التعميم والتجريد في القاعدة القانونية في كتابه “الثورة بين الشرعية والحتمية” قائلا. “3”
“ان خاصية التعميم في القاعدة القانونية ليست معناها تعميم سريان القاعدة القانونية، ففي ظل النظم الحديثة لاتدع ايا كان، في داخل نطاق الجامعة السياسية ــ الدولة ــ يفلت من الامتثال لها، او يتمكن من الاخلال بها، وذلك دون تمييز بين حاكم او محكوم، او بين هيئة خاصة او عامة. وجملة القول، ان التعميم في القاعدة القانونية من شأنه إخضاع المحكومين والهيئة الحاكمة على السواء، للقاعدة. فليس للاخيرة ان تسمح لنفسها بالخروج على احكام القاعدة القانونية، بحجة انها موجهة الى المحكومين فحسب. ان السيادة في النظم الحديثة ــ للقانون ــ انه يتسلط على كل تصرف او اجراء يصدر عن اية سلطة داخل الدولة، مهما علا شأنها. ان السلطات العامة، تخضع في كل مايبدو منها من نشاط وما تتخذه من اجراء، للقواعد القانونية القائمة، فلا يفلت اي اجراء يصدر عنها من سريان القواعد القانونية التي تقدمته ــ انه نظام ــ المشروعية.
ان السلطة تعد في هذا النظام جائرة، اذا جاءت تصرفاتها مخالفة لقاعدة عامة مجردة معمول بها وقت وقوع التصرف، وان السلطة لاتكون عادلة الا اذا التزمت فيما تتخذه من قرارات او اجراءات، القواعد القانونية القائمة وباسم القانون.
فنظام الشرعية هذا يعلي القانون، على كل اعتبار اخر، وحتى على السلطة العامة. ان هذه السلطة لاتقوم ولاتسود في ظل نظام الشرعية الا عن طريق القانون.
ان القانون هو الذي يسود السلطة العامة، فمنه تستمد وجودها وسيادتها، فهي تحكم باسمه وعليها ان تستلزم حدوده فيما تتخذه من قرارات او اجراءات، او فيما تصدره من اوامر. ولقد سجل دستور 1791 الفرنسي الثوري هذا النظام، إذ نص، على انه ليس ثمة سلطة في فرنسا، أسمى من سلطان القانون، إن الملك لايحكم الا بمقتضاه وبأسمه. “4”
ومن الجلي ان الدستور عبارة عن تجسيم للفكرة القانونية السائدة، والتي هي اساس شرعية كل تصرف في هذا المجتمع السياسي. فالدولة عند وضعها القوانين، إنما تتبع قواعد معينة بالدستور، تحدد اختصاصها، وتبين ميادين نشاطها. فهي اذن مقيدة، بحدود مرسومة لها، لايجوز لها ان تتعداها، وهذا هو فيصل التفرقة بين الدولة الخاضعة للقانون، وبين انواع اخرى، من الدول التي لاتتقيد بحكم القانون.
فهناك في الدولة التي تخضع للقانون، قواعد قانونية مختلفة الدرجة من حيث الالزم، يخضع بعضها لبعض. ويترتب على هذا التدرج، ان القواعد التنظيمية يجب ان تعمل في الحدود التي ترسمها القواعد التي تسمو عليها. فالمرسوم يخضع للقانون والاخير يخضع للحدود الواردة في الدستور. ويتضح من ذلك، ان الدولة لايمكن ان تكون شرعية الا اذا كانت تصرفاتها في حدود القانون. وبغير ذلك تسقط عن الدولة صفتها القانونية. اما اذا كانت السلطات تستطيع التصرف خارج حدود القانون، فعندها لايمكن ان تتصف الا بالاستبداد، حتى وان اختار النظام السياسي، شكل ناظم ديمقراطي ويلبسه لبوسا معسولا بينما يطبق من حيث الواقع نظاما استبداديا تعسفيا استند فيه على الطائفية والعنصرية وسياسة الحزب الواحد، وبعيدا عن حرية الرأي، وسياسة الرأي والرأي الاخر، ولم يتقيد بكل قيد قانوني يفرضه الدستور الواجب احترامه من قبل الجميع.
لذلك نقول لابد للدولة الخاضعة للقانون بين التقيد في الحدود الواردة في دستورها، طالما ان الدستور ممثل للفكرة القانونية السائدة، او بعبارة اخرى ــ لابد ان تخضع السلطات جميعا ــ رئيس الجمهورية ــ رئيس الوزراء والوزراء والبرلمان لمبدأ شرعية تصرفاتهم. ويترتب على ذلك ضرورة الرقابة على تصرفات تلك السلطات ومنها السلطة التشريعية عند ممارسة نشاطها في سن القوانين. حيث عليها ان تحترم الحدود والقيود الواردة في سلطاتها وان تلتزم بها. والقضاء العادي او المتخصص هو المطبق لتلك القوانين. ويكون حارسا لهذا الاحترام وضامنا لهذا الالتزام، ويكون ذلك عن طريق تقرير حقه في مراقبة دستورية القوانين استنادا الى مبدأ شرعية تصرفات المسؤولين (الحكام) في الدولة التي تخضع للقانون. “5”
ان كل تصرف في نطاق العلاقات الاجتماعية، يتطلب نوعا من القيود، او بالاحرى القواعد، التي تقتضي، ليكون ذلك التصرف صحيحا، وان يتم بالاستناد الى تلك القواعد، وقد لاتكون تلك القواعد قانونية، بل قد تكون اخلاقية او اجتماعية، متعددة الطابع والطبيعة، وبالتالي يدور التساؤل حول علاقة هذه المطابقة التي تجري مع المبادئ الاجتماعية المتعددة بتلك التي تقع مع القواعد القانونية السائدة؟.
ان الفكرة القريبة من مبدأ “المشروعية” والتي نقصدها من “عمليات المطابقة التي تجري مع المبادئ الاجتماعية المتعددة او مع غير القواعد القانونية هي فكرة الشرعية، والمحل الذي تدور فكرة الشرعية حوله بصورة خاصة هو “السلطة” وبتعبير ادق حول مصدر السلطة في المجتمع وحول طريقة ممارستها”. “6”
ففي كل وقت يقول الدكتور الشاوي، ولاقول للاستاذ “سمير خيري ــ في رسالته للماجستير ــ في مبدأ سيادة القانون” “توجد فكرة عامة وشائعة ومسلم بها من قبل الاكثرية حول من يمارس السلطة وكيفية ممارسة هذه السلطة وانتقالها، وعليه فالسلطة تكون شرعية، اذا كان من يمارسها وطريقة ممارسته لها تتفق والرأي السائدة في المجتمع حول هذه الامور”. “7”
ففي كل مجتمع بشري كبيرا كان او صغيرا، نرى افرادا او مجموعة افراد، يقبضون على قوة إرغام يفرضونها على الاخرين، وهنا يجب ان نسلم بوجود سلطة اي “دولة”.
ونستطيع القول ان معادلة السلطة تتضمن طرفين ــ الحكام والمحكومين ــ وان طبيعة العلاقة بين الحكام والمحكومين تقوم اساسا على فكرة الامر والطاعة. لكنهم ادركوا عبر التأريخ، ان سلطة الحكام ستكون اكثر احتراما، اذا سلم المحكومون من ذاتهم بهذه السلطة، وآمن المحكومون بسلطة الحكام اي بشرعيتها. ولكن المسألة الاساسية هي:
ــ وفق اي مبادئ وتصورات تكون السلطة شرعية، ويكون التمييز بين الحكام والمحكومين مقبولا؟ لذلك فان مسألة شرعية سلطة الحكام هي اساس وجوهر كل بناء وتنظيم سياسي وقانوني.
ففي عملية وضع القاعدة القانونية او صحتها، ومن قبل الحكام يجب الاخذ بنظر الاعتبار دور السلطة ــ اي الهيئة ــ التي تضع القاعدة، وبالتالي إيجاد المحل المناسب لها في السلسلة او الهرم القانونية في الدولة بين القاعدة العليا التي تنفذها والقاعدة الدنيا التي تضعها.
فالقاعدة القانونية تكون وضعية وصحيحة وكاملة لمجرد انها تصدر عن سلطة مؤهلة، وتستقي هذا التأهيل من سلطة ناجعة، والسلطة الناجعة هي السلطة المطاعة والسلطة المطاعة هي السلطة الشرعية. كما ان القاعدة القانونية لابد ان تكون عامة مجردة، وان تتضمن امرا بعمل او إمتناع عنه.. وسوف نوضح ذلك لاحقا في بحث مستقل.
واخيرا فالشرعية هي اولا وقبل كل شيء معتقد او ايمان غالبية اعضاء المجتمع ايمانا حقيقيا، بان السلطة وقبل كل شيء يجب ان تمارس بطريقة قانونية والا فقدت مبرر طاعتها.
على ان الجزاء جزء من القاعدة القانونية، بل لاوجود للقاعدة من الناحية القانونية اذا لم تقترن بجزاء، فانها عندئذ ستكون أشبه بالوصايا والاقوال السياسية غير الملزمة قانونا.
ويرى البعض ان السلطة السياسية ضرورة ولانها ضرورة فهي دائما شرعية.. فذاك مانفرد له بحثا خاصا نشير فيه الى الاتجاه السلطوي الذي قد يصنع الاستبداد. ويمكن القول اخيرا ان الحياة الاجتماعية تقوم على اساسين هما المشروعية والشرعية، وعلى ادراك العلاقة والانسجام بينهما تقوم الحضارة. “8”


قيل غالباً بأن الانظمة تحتاج الى شرعية وأن فكرة خلق شرعية إصطناعية ترد بصورة طبيعية الى أذهان أغلب القادة، إن لم يكن جميعهم. إن العملية التي تتم بها محاولة هندسة شرعية اصطناعية تعرف بكونها مشروعية legitimation)).

إن الطريقة الخام او البدائية التي تتم بها تنشئة مشروعية هي عبر الدعاية. ومع تطور الاعلام الجماهيري، ففي التفكير الاولي، أن بإمكان الدعاية أن تنجح في تغيير أذهان السكان. إن وجهات النظر هذه كان يجب أن يتم التخلي عنها تدريجياً. إذ أن الانظمة التي تقوم على الدعاية قد سقطت، وأن كثيراً من المجهود الدعائي بدا بأنه لا ثمرة فيه ولا طائل. لقد بدا الآن واضحاً بأن لا أحد بإمكانه إن يسبغ مشروعية على الانظمة عن طريق الدعاية وحدها.

لقد تمت محاولة صناعة مشروعية عبر طرق أخرى. فمع تطور آليات استطلاع الرأي العام على نطاق واسع، فإن الحكومات منخرطة الى حد كبير في عملية المشروعية بصورة شبه يومية، أولاً للحكومة نفسها، وثانياً في حالات عديدة على الاقل للنظام السياسي أيضاً. في الماضي، كان على القادة الاتكال على القمع، وغالباً التشويه، حول الدعم الذي يحظون به: إنهم يزرعون جواسيس يتولون إدارة عمليات استطلاع خاصة من أجل اكتشاف الدعم الشعبي. وقد فعلوها. إن فكرة زيادة دعمهم تظل في أذهانهم بإستمرار، وأن أعمالهم موجّهة غالباً عن طريق هذه الفكرة.

وبحسب رؤية هذا الطريق، فإن مسألة الدعم تصبح على هذا النحو: الدعم يبقى لأن المجتمع يقنع الافراد ويستحثهم على تقديم الدعم. إن المشروعية تصبح جزءا من عملية الاجتماع والشراكية، ويصبح الافراد بمعنى ما التعبير عن القوى الاجتماعية: والنتيجة تبدو مبالغة، ولكن التناظر حولها يظل قائماً ومتصلاً.



مفهوم الشرعية في الفكر الإسلامي (3)

وعلى صعيد آخر، فإن مفهوم الشرعية في اللغة العربية يختلف - إلى حد ما - عن المفهوم في الفكر الغربي كنتاج لاختلاف البيئتين. في اللغة العربية: الشرع والشرعية والشريعة والتشريع والمشروع والشرعة كلها من جذر لغوي واحد "شرع"، والشرع لغة: البيان والإظهار، ويقال شرع الله كذا أي: جعله طريقًا ومذهبًا، والشرع مرادف للشريعة، وهي ما شرع الله لعبادة من الأحكام، والشرعي هو المنسوب إلى الشرع. وفي هذا السياق فلقد استخدمت الشرعية كصفة للأفعال المطابقة للقانون أو المقيدة به، ويقصد بالقانون الأحكام المستندة للشريعة الإسلامية.

ويلاحظ أن مفهوم الشرعية قد حُرِّف عن أصله اللغوي وسياقه الفكري في اللغة العربية بدعوى تطور المفهوم، وتحولت معاني المفهوم مع تزايد معدلات العلمنة؛ بحيث أصبح يعني القانون الوضعي والشرعية الوضعية. ولقد تحدثت بعض الموسوعات الحديثة، مثل موسوعة معن زيادة ، عن تعدد التعريفات لمفهوم الشرعية - طبقًا للرؤى الغربية- وكذلك عن أشكال النظام "الشرعي"، مما يضفي على مفهوم الشرعية عدم الثبات(4) .

وفي الواقع، فإن مفهوم الشرعية يشكل مركزًا لرؤية متكاملة في الفكر الإسلامي، وترتكز هذه الرؤية على المحاور التالية(5) :

&Oslash; مفهوم الشرعية مفهوم متكامل الجوانب: باعتبار أن الدين الإسلامي هو دين له بُعد سياسي،والسياسية الإسلامية هي سياسية دينية، والشرعية لا بد أن تكون دينية، وهي بهذا المعنى واحدة ومطلقة - كلية وشاملة، تمتلك العديد من العناصر والتطبيقات؛ أخلاقية واجتماعية وأيضًا قانونية وسياسية. -

&Oslash; السياسة الشرعية سياسة عادلة: ترتبط الشرعية الدينية في الإسلام بالجوانب السياسية، وذلك يعتبر ربطًا بين الفكر والتنظير في قواعد التأسيس في الشريعة الإسلامية، فالشريعة لها جوانب حركية متمثلة في السياسة أي القيام بالأمر وتدبيره بما يصلحه وفق النسق القيمي الإسلامي. ويلاحظ أن السياسة الإسلامية متصفة بالعدل باعتباره فريضة تتواءم مع روح الشريعة. -

&Oslash; الشرعية بين الحاكمية والعلمانية: يعتبر الحديث عن سياسة الدنيا في الإسلام جزءًا لا يتجزأ من الدين، طالما كان قانون الدولة الذي يحكمها "الشريعة"، وبهذا يعد الدين مفهومًا توحيديًا بين ما هو ديني وبين وما هو سياسي. ولا تنطبق هذه المقولة على الخبرة الغربية، التي يُستبعد فيها أي تأثير أو توجيه ديني على تنظيم المجتمع والعلاقات الإنسانية داخل المجتمع والقيم التي تحتويها هذه العلاقات فيما يعرف بـ "العلمانية". -

&Oslash; الشرعية: الطاعة والرضا والولاء والتغلب والخروج: ترتبط الشرعية بشبكة من المفاهيم المتعلقة بممارسة المحكومين لعلاقتهم بالسلطة السياسية. وترتكز الشرعية على أساس من الطاعة لأولي الأمر الذين يتحقق تجاههم الرضا الشعبي، والذين يتعلقون بأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بين الناس بالشريعة العادلة. وقياسًا على ذلك فإن "إمامة التغلب" - أي الاستيلاء على الحكم قهرًا- تفتقد أهم عناصر الرضا والاختيار في عقد الإمامة- أي افتقاد الشرعية ذاتها، وكذلك لا يمنع الخروج على السلطة غير المؤدية لمهامها. -

وترتكز الدولة الشرعية في الرؤية الإسلامية على العقيدة باعتبارها مؤسسة لقيم الممارسة السياسية الشرعية، وتجمع بين الحق - أي ما يحدده الشرع - والقوة - في حدود الحق المنزل. والأمة هي قاعدة الدولة الشرعية باعتبارها الجماعة السياسية المنوط بها: حاكمية الشرع والعقيدة، وإنجاز الأمانة ، وتحقيق الخلافة. وتستند شرعية الحاكم في الدولة الإسلامية إلى عقد البيعة - أي مبايعة الرعية للحاكم بحيث تصير شرعية القيادة بالموافقة والرضا.


تأسيس السلطة السياسية

بين واقع تنازع المشروعيات ومتطلبات تحديد قواعد الشرعية في الدول العربية





يحتل غياب الديموقراطية وضرورة تفعيلها موقعا لا يستهان به في جل الدراسات التي تتولى تحليل بنية الأنظمة السياسية العربية. بيد أن الإشكال الذي تثيره هذه الدراسات هو تركيزها علي مظاهر هذا الغياب دون النفاذ إلى تحديد أسبابه للوقوف عند عمق الإشكاليات التي يطرحها. من هنا تبدو أهمية التعامل مع هذا الغياب من منطلق آخر تتحكم فيه ضرورة الانتقال من تنازع المشروعيات إلى تحديد قواعد الشرعية، هذا الانتقال الذي يتم عبر الانخراط في مسلسل تأسيس السلطة السياسة لجعلها متوافقة مع متطلبات الديموقراطية ودولة القانون. إن هذا التعامل يقتضي أولا وضع تلك العناصر في قلب إشكالية التحول الديموقراطي التي يعد تأسيس السلطة السياسية من متطلباتها، وثانيا تحديد مضامين تأسيس السلطة السياسية المتمثلة في الدمقرطة والتقنين، وثالثا رصد أبعاد تأسيس السلطة السياسية التي ترتبط بإعادة هيكلة السلطة السياسية وتحديد إمكانية تداولها. من هنا الفكرة الأساسية المتمثلة في تأسيس السلطة السياسية بين واقع تنازع المشروعيات ومتطلبات تحديد قواعد الشرعية، والأفق هو من أجل الارتقاء بالممارسة السياسية إلى متطلبات تأسيس السلطة.

I – إشكالية الانتقال الديموقراطي ومتطلبات تأسيس السلطة السياسية:

بالفعل لا أحد يجادل في أن غياب الديموقراطية يشكل الآفة التي تتجاذب –وبصفة متفاوتة- الأقطار العربية مما يطرح ضرورة تفعيلها بإلحاح. إن مظاهر هذا الغياب متعددة : غياب تعددية حزبية فعلية، غياب الانتخابات الحرة والنزيهة الخ. إن رصد هذه المظاهر من الأهمية بمكان، ولكنه يطغى على تحديد الأسباب بالشكل الذي يجعلنا أمام النتيجة لا أمام السبب، بمعنى أن هذه المظاهر على الرغم من أهميتها فهي لا تفسر لماذا تعد الديموقراطية غائبةK ولذلك يتعين البحث في اتجاه تحديد الأسباب.

إن تلك المظاهر تمثل بالنسبة لنا تجليات إشكالية لازالت معلقة، وهي إشكالية الانتقال الديموقراطي بحيث يتعين البحث لا في اتجاه تحديد تجلياتها فقط، بل أيضا –وأساسا في اتجاه تحديد أسبابها. هنا أنتقل إلى صلب الممارسة السياسية اليومية- التي يتداخل فيها الخطاب السياسي لتحديد طبيعة الصراعات السياسية المهيمنة، لأقول بأن هذه الصراعات السياسية لازالت تتحكم فيها ممارسة سياسية لم ترتق بعد إلى مرحلة تأسيس السلطة السياسية بالطريقة التي تجعلها متوافقة مع متطلبات الديموقراطية ودولة القانون. إن التنازع بين المشروعيات لازال يهيمن بدرجات متفاوتة، وبصفة صريحة أو ضمنية، على الصراعات السياسية ولم يتراجع إلى حد أن يستقر في إطار تحديد وتمتين قواعد الشرعي، الدستورية والديمقراطية، في آن واحد، أي قواعد اللعبة السياسية، التي تعد بمثابة الضوابط الموضوعية للحياة السياسية، في جانبيها السياسي والقانوني. إن تنازع المشروعيات بقدر ما يتمحور حول السلطة السياسية للمحافظة عليها أو الاستيلاء عليها، بقدر ما يتركز التنازع حول تحديد قواعد الشرعية في إطار إعادة هيكلة السلطة السياسية.

إن تحديد طبيعة الصراعات السياسية بالنظر إلى مجال الشرعية والمشروعية، أي بالتساؤل فيما إذا كنا أمام تنازع حول المشروعية أو الشرعية، لم يتم بمفهوم القطيعة بينهما، وإنما تم بدافع تحديد المجال المهيمن في دائرة الصراعات السياسية والممارسة السياسية. فالمجال المهيمن في الصراعات السياسية هو الذي يوجه الحياة السياسية ويمكن من تحديد المسافة التي تفصلنا عن الارتقاء إلى مرحلة تأسيس السلطة السياسية بالمفهوم الذي ذكرناه، أو من الوقوف عند التعثرات التي تعترض هذا الارتقاء. فبقدر ما يتركز التنازع حول المشروعية بقدر ما نبتعد عن تأسيس السلطة أو نخل به ويكون الالتفاف حول قواعد الشرعية الديموقراطية والدستورية –عندما لا يتم رفضها- تاكتيكيا خاضعا لمتطلبات الظرفية السياسية ولميزان القوى السياسية. وبقدر ما يصب التنازع في اتجاه تحديد قواعد الشرعية بقدر ما تصب بالممارسة السياسية في تأسيس السلطة السياسية بدعم قواعد اللعبة السياسية في أفق تأسيس ضوابط للحياة السياسية بالشكل الذي يجعلها، مهما كانت تغيراتها، لا تتنافى وسلطة المؤسسات واستقلاليتها لتندرج في إطار سيادة وسمو الدستور. هذا على أنه بقدر ما يحتل الصراع دائرة المشروعية بقدر ما يؤثر ذلك سلبا على كل الأطراف السياسية الفاعلة في النظام السياسي، وبقدر ما يتركز في دائرة الشرعية بقدر ما يستتبع ذلك تقوية كل الأطراف السياسية الفاعلة في النظام السياسي بما فيها قدرة هذا الأخيرة على الاحتواء.

عندما نحدد بأن هيمنة التنازع حول المشروعيات على الصراعات السياسية، هذا التنازع الذي قد يكون علنيا أو ضمينا، فذلك بالمعنى الذي يفيد بأن التعبير عن هذه الهيمنة يتم على مستوى الممارسة السياسية بأساليب مختلفة. إن هذه الأساليب تتراوح بين رفض مشروعية السلطة القائمة الذي يستتبع رفضا لقواعد الشرعية الديموقراطية والدستورية وبين خضوع الانخراط في قواعد الشرعية إما إلى رواسب ممارسة سياسية سابقة هيمن عليها رفض مشروعية السلطة القائمة، وإما إلى غياب تراكم في الممارسة السياسية بالشكل الذي يعبر عن تطورها الكيفي للارتقاء بها إلى مرحلة التأسيس، أو إلى هذين العاملين معا. إن هذا يستدعي التريث في الحكم على الأشكال الظاهرية التي اتخذها –في تجربة دولة كالمغرب- انخراط القوى التقدمية في قواعد اللعبة السياسية وذلك بالنفاذ إلى باطن الممارسة السياسية دون الاكتفاء بظاهرها. إن باطن الممارسة السياسية يهيمن عليه البحث عن أقصر الطرق للوصول إلى السلطة أو عن أنجع السبل للمحافظة عليها ولا يستبعد الانخراط في سياسة التوافقات للبحث عن الحلول السياسية. إن بحثا كهذا لا يستبعد تمرد كافة القوى السياسية على قواعد الشرعية الدستورية بإخضاع سيادة الدستور إلى اعتبارات تاكتيكية وظرفية، والاحتكام إلى سلطة الأشخاص بدل سلطة المؤسسات وإلى ما هو ضمني بدل ما هو صريح. وبدلا من أن تصب الممارسة السياسية في اتجاه الانخراط في مسلسل تأسيس السلطة السياسية وإنجاز متطلبات التحول الديموقراطي فإنها تبتعد بها عن هذا الارتقاء لتزج بها في متاهات التحول الديمقراطي التي يتحكم فيها الصراع حول السلطة السياسية. هنا نسقط في التنازع حول المشروعيات الذي يحمل في ثناياه ممارسة سياسية معبرة عن التنازع حول السلطة السياسية بدلا من الاتجاه إلى تأسيسها أو بالأحرى إلى الانخراط في مسلسل تأسيسها.

II – مضمون تأسيس السلطة السياسية: الدمقرطة والتقنين:

عندما نتحدث عن تأسيس السلطة السياسية الذي يوجد في صلب متطلبات الانتقال الديموقراطي وذلك إما بالارتقاء إليها كمرحلة أو بتجاوز التعثرات التي يعرفها، فإننا لا نختزل التأسيس في كونه الطفرة النوعية، أو القفزة النوعية. إننا نقصد به مسلسلا يتطلب الانخراط الواعي لكافة الفعاليات السياسية وتتجاوز حدوده تفعيل الديموقراطية لدرء غيابها. إنه مسلسل يرتبط به تأسيس الثقافة الديموقراطية من جهة والثقافة القانونية من جهة أخرى، مما يفضي إلى تأسيس ثقافة المعارضة الديموقراطية وتقويم الممارسة السياسية. إن هذا المسلسل تتحكم فيه ممارسة سياسية تنطلق من استقرار التنازع في مجال تحديد قواعد الشرعية وتصب في اتجاه التقاطع بين البعد القانوني والبعد الديموقراطي، حيث التأسيس كطفرة نوعية يتحقق بالتقاطع بين هذين البعدين. هذا على أن تأسيس السلطة كمسلسل لا يخضع في مضمونه لتعاقب المراحل: التقنين الذي تليه الدمقرطة، وإنما تتداخل فيه العمليتان وتتكاملان في آن واحد لتتمثل بداياته في الدفع بالممارسة السياسية في اتجاه التقاطع بينهما.

أوضح بأننا عندما نقول بأن تأسيس السلطة السياسية له بعدان: بعد سياسي يتمثل في دمقرطة السلطة، وبعد قانوني يتمثل في تقنين السلطة، فإننا لا نتكلم عن البعد القانوني كنتيجة للبعد السياسي أو كتابع له. قد نقول بأن هناك تداخلا بينهما، ولكن هذا التداخل ليس بمفهوم استيعاب أحدهما للآخر، أو بالضبط باكتساح البعد السياسي (الديموقراطي) للبعد القانوني. إنني أتحدث عن البعد القانوني كمجال مستقل يمكنه أن يتطور إلى أن يصبح البعد السياسي من مكوناته ولكن دون أن يحد هذا التطور من استقلاليته. وعندما أقول بأن عدم الالتزام بالقانون يطرح غياب ثقافة قانونية فأنا لا أعني بأن الالتزام به يستوجب أولا أن يكون القانون ديموقراطيا. فوق هذا الاعتبار نجد أن مسألة الحكم عن ديموقراطية قانون ما أو عدمها هي مسألة نسبية تتحكم فيها اعتبارات متعددة. وحتى لو افترضنا أن الالتزام بالقانون هو ثقافة وممارسة فإن هذا لا يمكن أن يتأسس بين عشية وضحاها بدمقرطته. وحتى ولو كان القانون ديموقراطيا حسب مقاييس خيالية فإن الانخراط في متاهة الحلول السياسية لا يستبعد تجاوز القوانين التي وضعت لتأسيس الامتيازات. إن ممارسة سياسة كهاته تدفع للقول بأن خرق القانون كيفما كان محتواه هو مسألة منافية للديموقراطية. لأية ديموقراطية ستؤسس على إمكانية تجاوز القانون حسب متطلبات الظرفية السياسية؟ إن الإشكالية التي تطرحها العلاقة بين القانون والديموقراطية يتعين حلها في إطار عملية تأسيس السلطة السياسية ولن تتم خارجها.

بالفعل لقد تم الحديث عن عدم الالتزام بالقانون وذلك بعدم تطبيقه. ولكن عدم الالتزام هذا ورد وكأنه نتيجة لغياب الديمقراطية. بيد أن تفعيل الديموقراطية لا يترتب عنه حتما تفعيل العمل بالقانون، خصوصا وأن الممارسة السياسية تفيد بأن تجاوز القانون يمكن أن يتخذ أشكالا أخرى يتعين ضبطها. فهناك الحالات التي تتعايش فيها القوانين الضمنية (لا أقصد العرفية) مع القوانين الصريحة، الدساتير الضمنية مع الدساتير الصريحة، ويتجاوز الأمر أحيانا التعايش ليصبح الضمني هو المتحكم في سير الحياة السياسية، وتفضي بنا هذه الحالات إلى أخرى لها علاقة وثيقة بها تعد معبرة عن اختلال العلاقة بين المرجعية التأويلية والمرجعية المكتوبة بحيث يطغى ما هو مؤول على ما هو مكتوب ويتعذر الاحتكام إلى سلطة القانون والمؤسسات.

إن هيمنة الدستور الضمني في مراحل حاسمة من الحياة السياسية كالانتخابات أو الإصلاحات الدستورية، تبلغ ذروتها عندما تتدعم بإجماع كافة القوى السياسية حولها لاعتبارات ظرفية وتكتيكية يتحكم فيها هاجس الصراع حول السلطة بدلا من تأسيسها، وتفسح المجال إما بتعليق العمل بالقانون أو تطبيق قانون بدلا من آخر أو الاتجاه إلى ممارسة تشكل خرقا سافرا للدستور الصريح. هنا نكون أمام تمرد كافة القوى السياسية على قواعد الشرعية الدستورية تحت ستار الإجماع والتوافق. في هذه الحالة نقول بأن الإجماع، كيفما كانت درجته، لا يمكن في أي من الأحوال أن يبرر خرق القانون أو تهميشه. في حالات كهاته كم تبدو المطالبة بدعم دولة القانون دون معنى، وكم يبدو الاتجاه إلى دمقرطة الحياة السياسية بالانخراط في عمليات انتخابية أو حتى بإشراك قوى تقدمية في مؤسسة حكومية أو بتعديل الدستور في ظل ممارسة تخرق الدستور القائم واهيا متنافرا مع دعم سلطة المؤسسات، وكم يبدو "الإجماع" مهزوزا ومختلا عندما لا يتم في إطار سيادة الدستور الصريح. إننا هنا أمام خلل في الممارسة السياسية يستوجب تداركه تقويم الأسس التي تقوم عليها. إن رصد خلل كهذا يفسر كيف أن تفعيل الديموقراطية يظل مبتورا إذا تم بمعزل عن دعم سلطة المؤسسات واستقلاليتها، وإن التفكير في المسافة التي تفصلنا عن الديموقراطية يتطلب التفكير في المسافة التي تفصلنا عن دولة القانون. هنا تطرح ضرورة الانخراط في عملية تأسيس السلطة السياسية التي تعد بمثابة تأسيس الضوابط القانونية والسياسية للحياة الدستورية والسياسية وتتجلى انعكاساتها على مستوى هيكلة السلطة، بمعنى أن هذه العملية دون أن يوجهها التنازع حول السلطة من أجل الاحتفاظ بها أو الاستيلاء عليها، فإنها لا تستبعد إمكانية انتقالها وتداولها.

III – أبعاد تأسيس السلطة السياسية: إعادة هيكلة السلطة وإمكانية التداول

إن تأسيس السلطة السياسية يبتعد بنا عن جعل التحولات الديموقراطية خاضعة لطرح يقوم على اعتبار أن انتقال السلطة أولوية وعلى أن التداول مسألة حتمية ناتجة عن تفعيل الديموقراطية. إن رهن التحولات الديموقراطية لا بتأسيس السلطة وإنما بانتقالها هو طرح يبدو من خلال التعامل مع التداول تارة على أساس أنه بند من البنود المعطلة، الأمر الذي يتطلب وضعه موضع التطبيق، وأخرى على أساس أنه مبدأ. هنا أعرج أولا على النصوص القانونية والدستورية التي عندما تنظم وتضبط مسألة انتقال السلطة بإخضاع مؤسسة معينة للتجديد فإنها لا تضبط بالضرورة مسألة التداول وإنما تفسح المجال بصفة ضمنية لإمكانية التداول الذي تتحكم فيه عوامل، كالحزبية مثلا، لم تضبطها النصوص الدستورية خصوصا إذا كان الأمر يتجاوز الأشخاص إلى الأحزاب، والمؤسسة الرئاسية إلى المؤسسة الحكومية والتشريعية. هنا أعود إلى التداول لأقول بأنه سواء تم تناوله كبند أو كمبدأ ففي كلتا الحالتين يتم التعامل معه كما لو كان من قبيل الحتميات لا من قبيل الإمكانيات. إن اعتباره كأولوية تفسح المجال لانتقال السلطة لا يترتب عنه بالضرورة –وفي العمق تحول في الممارسة السياسية أو في طبيعتها، وذلك عن طريق إعادة هيكلتها، وكأننا، بفعل طرح كهذا، أمام مرجعية هيمنت لمدة طويلة ولا زالت رواسبها قائمة، تتمثل في البحث عن أقصر الطرق للوصول أو للاستيلاء على السلطة السياسية كبديل للعجز عن الوصول إليها بواسطة العنف. من هنا كان توظيف التناوب بالطريقة التي يبدو أنها لم تستوعب بعد متطلبات التأسيس التي لا بد لها من مقدمات ومراحل تنخرط بفعلها جميع القوى السياسية في عملية التحول الديموقراطي وتعمل على مد الجسور بين مفاهيم الثورة والإصلاح، بدل الانزواء في طروحات وممارسات تعبر عن أن الالتفاف حول الديموقراطية وحقوق الإنسان والتداول لم يتحول إلى قناعة توجه الممارسة السياسية.

هل يعني هذا أن تأسيس السلطة السياسية يتنافى مع انتقال السلطة ومع التداول؟ إننا عندما نقول بأن تأسيس السلطة يتداخل فيه بعدان: بعد سياسي يتمثل في دمقرطة السلطة وبعد قانوني يتمثل في تقنين السلطة، بحيث يبدو التأسيس القاعدة الصلبة للديموقراطية، فإن أبعاده لا تتجلى في انتقال السلطة وإنما في إعادة هيكلة السلطة، كما لا تقتصر على الاحتكام إلى الديموقراطية فقط بل تمتد إلى الاحتكام إلى دولة القانون. إن القوى السياسية الفاعلة فيه لا تقتصر على هرم السلطة بل تتطلب انخراط كافة القوى السياسية الفاعلة في النظام السياسي. إن التفكير هنا لا ينصب على أقصر السبل للوصول إلى السلطة عن طريق انتقالها وإنما على أقصر الطرق لتحقيق الانتقال الديموقراطي الذي يعد تأسيس السلطة السياسية –كمسلسل طويل النفس- الوجه الآخر له. إنه مسلسل لا يتضمن بالضرورة عملية انتقال السلطة كما لا يشكل بالضرورة إرجاء لها. فهي يمكن أن تتخلل إحدى مراحله دون أن تشكل نهاية المطاف وذلك باعتبارها حلقة لا تعوق استكمال عملية التحول الديموقراطي التي تتأتى بالانخراط الواعي لكافة الفعالية السياسية فيها. هكذا يكون تأسيس السلطة السياسية بمثابة تأسيس شروط التناوب – الإمكانية التي يتداخل فيها البعد القانوني والبعد السياسي. بهذا يكون الانخراط في عملية تأسيس السلطة السياسية، بالمفهوم الذي ذكرناه، باعتبارها الوجه الآخر لعملية الانتقال الديموقراطي متضمنا لعناصر تحويل الصراع السياسي والممارسة السياسية من تنازع حول المشروعيات إلى تنازع حول قواعد الشرعية الديموقراطية. إنه بعبارة أخرى الارتقاء بالممارسة السياسية إلى متطلبات تأسيس السلطة السياسية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مصادر قوة رئيس الجمهورية في الأنظمة السياسية
» المحاضرة السادسة: الفكر السياسي لـ ماكس فيبر
» مصادر التنشئة السياسية ودورها في تنمية التفكير الأيديولوجي لدى الأفراد
» الاحزاب السياسية بين الشرعية و المشروعية
» الصحافة وأنواعها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الأولى علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1