قراءة في كتاب “في مصادر التراث السياسي الإسلامي دراسة في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل”.

قراءة في كتاب “في مصادر التراث السياسي الإسلامي دراسة في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل”.
بقلم: أمجد أبو العلا* – يقظة فكر
مقدمة
كتاب في مصادر التراث السياسي الإسلامي دراسة في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل للأستاذ / ناصر عارف، من أهم الكتب التي تناولت مدى تأثير التراث السياسي الإسلامي على جمهور الباحثين السياسيين، والمفكرين والفقهاء في العصر الحديث، حيث أوضح إشكالية المنهج العلمي عند هؤلاء الباحثين من عدم إحاطة بكثير من كتب التراث الإسلامي، والاعتماد على الكتب المشهورة والعلماء المشهورين ، وعدم تنوع المصادر الذي يعتمد عليها المفكر والباحث في كتبه وأطروحاته، مما يعكس جفوة هائلة بين علماء العصر الحديث والتراث السياسي الإسلامي، فينعكس ذلك بصورة مباشرة على نهضة الأمة، فنهضة أي أمة، تتوقف على القدرة على استيعاب تراثها، وفهمه في سياق الواقع المحيط به على أساس نسق معرفي موحد، وهو في حالتنا القرآن والسنة، ومن ثم تطوير منهاجية معرفية تحدد لها مسالك التعامل مع مثالياتها وموروثها وواقعها وتمكنها من الوصول إلى الحقائق في مظانها ومتوقعات وجودها، وقد أوضح الكاتب أن هناك كتبا ذاع صيتها واشتهر الاستدلال بها ،في الوقت الذي لم يرجع في بحثه إلا إلى كتابين من التراث ، مثل كتاب الشيخ على عبد الرازق ” الإسلام و أصول الحكم ” الذي اعتبر علامة بارزة يستند إليها الكثيرون في تعاملهم مع الإسلام وعلاقته بالفكر السياسي وبالسياسة لم يرجع إلا لمصدرين فقط هما ” مقدمة ابن خلدون ” ، و”العقد الفريد” لابن عبد ربه ، كذلك د.محمد أحمد خلف الله الذي ملأ الدنيا ضجيجا حول الإسلام والسياسة بصورة تنفي تماما أن يكون هناك سياسة في الإسلام لم يرجع إلى أي مصدر تراثي في علم السياسة.
وقد قسم الباحث الكتاب بعد أن أوضح منهاجيه الكتاب إلى فصلين على النحو التالي:
الفصل الأول: حول منهجية التعامل مع التراث السياسي الإسلامي
لقد أفاد الباحث بأن الدراسات المعاصرة عند تعاملها مع مثل هذه الظواهر التاريخية، تعتمد على المتاح الإطلاع عليه بصورة سهلة مبسطة، وتعتبر أن ذلك هو كل التراث السياسي الإسلامي، و أن ما تم التعرف عليه ودراسته من مصادر التراث السياسي الإسلامي لا يتعدى عند جميع المؤلفين فيه أكثر من 18 ٪ ولم يتعد عند أي منهم منفردا أكثر من 6 ٪ من مجمل الكتابات الإسلامية في علم السياسية، وذلك من خلال ما توصل إليه الباحث ومن جهد لم يستوعب إلا نسبة صغيرة من الكتب و خزائن المخطوطات.
وقد تناوله في ثلاثة مباحث
المبحث الأول: موقع المصادر التراثية في الدراسات المعاصرة عن الفكر السياسي الإسلامي دراسة كمية
يقول الباحث أنه توصل إلى 307 من مصادر تراثية مباشرة في علم السياسة كما عرفه المسلمون.
105 كتب مطبوع بنسبة 34.5 بمائة، و 127 كتاباً مخطوطاً محدد المكان بنسبة 41.5 بمائة، و 75 مصدرا لم يستطيع الوصول إلى تحديد أماكنها بعد إثبات وجودها التاريخي ، وذلك وكما يقول لأنه لم يقم بحصر ما يقل عن 5 بمائة من فهارس المخطوطات الموجودة في العالم، و75 مصدرا لم يستطيع الوصول إلى تحديد أماكنها بعد إثبات وجودها التاريخي، وذلك وكما يقول لأنه لم يقم بحصر ما يقل عن 5 بمائة من فهارس المخطوطات الموجودة في العالم.
و بعد أن أطلع على 74 كتابا معاصرا تتناول الفكر السياسي الإسلامي أو أحد ظواهره لتحديد موقع المصادر التراثية من هذه الكتابات خرج بالنتائج التالية:
كتاب واحد رجع إلى 33 مصدر بنسبة 11 ٪ , كتاب واحد رجع إلى 19 مصدرا بنسبة 6.5 ٪ ,كتاب واحد رجع إلى 16 مصدر بنسبة 5 ٪ وكتاب واحد رجع إلى 14 مصدرا بنسبة 4.6 ٪ وكتابان رجعا إلى 13 مصدر بنسبة 4.4 ٪ وخمسة كتب رجعت إلى 12 مصدرا بنسبة 4 ٪ وثلاثة كتب رجعا إلى 11 مصدر بنسبة 3.6 ٪ وسبعة كتب رجعت إلى 10 مصادر بنسبة 3.2 ٪ ,سبعة كتب رجعت إلى 9 مصادر بنسبة 3٪ وثلاثة كتب رجعا إلى 8 مصادر بنسبة 2.6 ٪ ,ستة كتب رجعت إلى 7 مصادر بنسبة 2.3 ٪ وخمسة كتب رجعت إلى 6 مصادر بنسبة 2 ٪ وثلاثة كتب رجعت إلى 5 مصادر بنسبة 1.6 ٪ و ثمانية كتب رجعت إلى 4 مصادر بنسبة 1.3 ٪ وخمسة كتب رجعت إلى 3 مصادر بنسبة 1 ٪ و كتابات رجعا إلى مصدرين بنسبة 0.7 ٪ وكتابان رجعا إلى مصدر واحد بنسبة 0.3 ٪ و اثنا عشر كتابا لم ترجع إلى أي مصدر بنسبة صفر بمائة.
كما أوضح بعض الحقائق الهامة تعليقا على ما سبق فتنوع الباحثين لم ينتج تنوع في المصادر ، كم أن المفكرين اعتمدوا على كتب بعينها لشهرتها مع وجود أكثر تخصصا وعمقا منها لنفس الكاتب ،مثل كتاب الأحكام السلطانية للماوردى ، واعتماد أغلب الباحثين على كتب بعينها لشهرتها وأوضح أن نسبة 80 ٪ مما كتب في علم السياسة الإسلامية لم يرجع لأكثر من عشرة مصادر أو 3.5 ٪ مما توصلت أليه هذه الدراسة إلا إنهم يكررون المصادر نفسها، فقد حقق كتاب الماوردي ” الأحكام السلطانية ” أعلى نسبة للتكرار حيث تكرر وروده في 55 كتابا من أصل 74 بنسبة 74 ٪ يليه ” مقدمة ابن خلدون 45 من 74 بنسبة60٪ ثم كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية 44 .
المبحث الثاني: منهجية الدراسات المعاصرة في التعامل مع التراث السياسي الإسلامي
أوضح الباحث الكريم أن إشكالية الدراسات السياسية المعاصرة ، تنطلق من مجموعة من المسلمات والأسس المنهجية تحكم تعاملها مع التراث السياسي الإسلامي في مجمله وتحدد ماهيته وحدوده ،وتمثل مصدرا للتبرير ولإضفاء الشرعية على المنهج ونتائج البحث ، ثم قام الكاتب بالتعليق على أهم الأخطاء المنهجية التي شابت الدراسات المعاصرة وذلك نتيجة للتأثر ببعض القناعات والأسس ومن أهمها:
• الانطلاق من مرجعية يونانية في التعامل مع التراث السياسي الإسلامي.
• حصر التراث السياسي الإسلامي في وقت ظهور الفكر السياسي المسيحي وإسقاط ما قبله وما بعده
• النظر إلى التراث السياسي الإسلامي على انه مجموعة من العمالقة المبدعين من المفكرين قياسا على مفهم البطل في التاريخ ، ولم يتم النظر إليه على انه تراث ممتد فيه نوع من التراكم والتواصل والتفاعل مع الواقع يبنى كل لاحق على فكر سابقه ، كما أن جميعهم مصدرهم نسق معرفي واحد (القرآن والسنة الصحيحة) والوجود (التاريخ والواقع ).
• البحث عن الأشخاص وليس الأفكار بصورة تؤدى إلى تعامل غير ممنهج.
• تم اعتبار كبار علماء الإسلام وفقهاءه مصدرا لكل شئ وأصبحوا يستنطقون بما لم يفكروا به أو لم يهتموا به.
• الوقوف عند الشكل والعنوان والأسلوب دون التعمق والتحليل لمضمون الأفكار مثل عدم التعامل مع بعض المصادر لأنها صيغت بصورة عاطفية أو أدبية أو شعرية أو مسرحية في الوقت الذي تم التعامل فيه مع التراث اليوناني بصورة مختلفة.
• ربط التراث السياسي الإسلامي بالمنظور الفقهي واعتباره جزءا من الفقه ،رغم أن هناك فارق بين الفقه والفكر لغة واصطلاحا وظاهرة معرفية.
المبحث الثالث: حول الضوابط المنهجية لدراسة التراث السياسي الإسلامي
تحدث الكاتب هنا عن ضرورة البحث في محددات منهجية تضع ضوابط في كيفية التعامل المنهجي الآمين مع تلك المصادر بصورة تؤدى إلى فهمها ومعرفة مضمونها وحقيقة أفكارها كما هي ، ولتحقيق ذلك التفاعل المنهجي مع التراث الاسلامى يقترح النظر إلى مجموعة من الضوابط أهمها :
• ضرورة فهم حدود العلاقة بين الفكر والواقع والفصل بين الزمان والمكان وخصوصية الإنسان.
• ضرورة التفرقة بين الفقه السياسي والفكر السياسي وان التفرقة بينهم تنصرف إلى أبعاد ثلاثة من حيث المرجعية العلمية والمعرفية ، المنهجية ، وحدة التحليل الأساسية.
• منهجية التعامل مع المفاهيم التراثية وفهما في سياقها التاريخ وليس حسب مدلولها وما تعرف به الآن.
• إشكالية الترجمة وطبيعة النسق المعرفي.
الفصل الثاني: مصادر التراث السياسي الإسلامي المباشرة والغير مباشرة .
وقد تم تناوله في مبحثين
المبحث الأول: المصادر غير المباشرة أو غير المتخصصة.
وهى المصادر التي لا تعالج الظاهرة السياسية بالأصالة و إنما تعرض لها في سياق آخر ،ومن أهم الأمثلة على ذلك تفاسير القرآن وشروح الأحاديث ، كتب الفقه ، كتب أصول الفقه ، وأبواب الإمامة في علم الكلام ، خطب الخلفاء الراشدين ، كتب التاريخ ، كتب الأدب الشعبي ، وكتب التعريفات ومعاجم اللغة.
المبحث الثاني: المصادر المباشرة أو المتخصصة .
وهى الكتب التي استطاع الباحث أن يصل إليها من خلال مجموعة من الخطوات قام بذكرها في منهجية البحث ،وقد قام الكاتب بذكرها وسرده طبقا لكاتبيها تسلسلا تاريخيا تنازليا من عصر النبوة حتى كتاب الدستور المعلم في أحوال سياسة بني آدم لكاتبه إبراهيم بن يعقوب ثابت المتوفى عام 1918 م ،ولم يدخل الباحث ما صدر بعده من كتب في البحث كالخلافة لمحمد رشيد رضا حيث عند هذا الكتاب تم التحول التام في الترجمة للكتب السياسية الغربية بعيدا عن النسق الإسلامي.
التقييم
في ختام البحث المنهجي الفريد من نوعه في هذا المجال، والذي يحتاج إلى جهود أضعاف مضاعفة لتدعيم دراسة التراث السياسي الإسلامي، كما أوضح الباحث أن هذه الدراسة أثبتت أن هناك عملية عمدية أو غير عمدية طمست تاريخ التراث الإسلامي ، كما أن كل ما تم التوصل إليه من خلاصات وتعميمات وتقويمات حول الفكر السياسي الإسلامي في حاجة إلى إعادة نظر على ضوء كم المصادر الذي تم التوصل أليه ، وذلك من الناحية المنطقية والمنهجية البحتة بغض النظر عن مدى الاختلاف في النتائج التي سوف يتم التوصل إليها ، إذ لا يمكن التعميم من عشر معشار ظاهرة دون معرفة تسعة أعشارها ، كم أن الناظر في الكتاب يجد ايضا بالرغم من المجهود الرائع للكاتب إلا أنه قد قصر في تغطية المخطوطات والكتب باللغات الأخرى وهو ما جعله يقع في ما أخذه على الباحثين السابقين .