التحزب والتجاذب السياسي يلبس الحق بالباطل

يتخذ ملف تعويض المساجين السياسيين منذ الثورة ذريعة لتجاذبات سياسية و تسجيل مواقف حزبية غير أخلاقية و منافية للقيم الحقوقيّة … العبث بآلام الناس و معاناة عائلاتهم التي طالت اكثر من عقد و نصف … بين قائل ان المساجين الذين يقبلون بالتعويض مرتزقة و قائل إن المناضل لا يطلب مقابلا عن نضالاته و قائل نحن لم نفوضهم للنضال نيابة عنا و قائل انهم مجرمو حق عام و قائل إنّهم كانوا يدافعون عن حزبهم لا عن الوطن و قائل إنها عملية إثراء حزبي غير مشروع و قائل إنها أكبر عملية نهب دولة في تاريخ تونس … و جميعها أقوال مريضة متهافتة تفتقد لأبسط القواعد الأخلاقية و الحقوقية الدولية في الفهم و التقييم … و حتى نخرج من جدل التعويضات و مشروعيتها و أثرها السياسي … ليعلم الجميع أنّ الأغلبيّة الساحقة للمساجين السياسيين السابقين يعيشون تحت خطّ الفقر لا يملكون مورد رزق قار و لا مقر سكن قار و لا تغطية اجتماعية و لا شهادات عليا تفتح بابا لوظيفة … و في المقابل يملكون الكثير من الكرامة و الإرادة و الشجاعة و الصمود و الصبر عند الشدائد و الذاكرة الجماعية المليئة بصور التعذيب و الانتهاكات و التنكيل و التشريد و التفقير و التجويع و التهميش … و لا يمنون على أحد بعذاباتهم و ليس في قلوبهم حقد على أحد و ليس في نيتهم الانتقام من جلاديهم و يعلمون بأنّ المتواطئين مع جلاديهم سابقا هم أنفسهم من يعترضون اليوم على حقهم في التعويض عن سنوات الجمر … هؤلاء الذين لا يمكن لأحد أن يسحب منهم مواطنتهم أو يمحو ذاكرتهم من ذاكرة الوطن يطالبون الدّولة إن لم يكن باعتبارهم أصحاب حق متنازع حوله فباعتبارهم المنسيين من خيرات هذا الوطن طيلة عقود المحروميين من عائدات التنمية مثلهم مثل عمال الحضائر و العاطلين عن العمل و المسحوقين … يطالبونها بالعيش الكريم و الحق في الشغل و الكرامة الوطنية