منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد امين بويوسف
عضو فعال
عضو فعال
محمد امين بويوسف


تاريخ الميلاد : 05/09/1991
العمر : 33
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 153
نقاط : 469
تاريخ التسجيل : 15/11/2012
الموقع : mamino.1991@hotmail.fr
العمل/الترفيه : طالب + لاعب كرة قدم + عاشق للفيس بوك

الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Empty
مُساهمةموضوع: الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي    الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي  Emptyالخميس نوفمبر 29, 2012 11:20 am


لا نبالغ إن قلنا بأنّ هيجل كان أحد الفلاسفة الأوائل الذي انتبه إلى ما يشكّله هذا الالتباس في مفهوم الحق من انعكاسات خطيرة على صعيد العلاقة التي يجب أن تسود بين الدولة والمجتمع. من هنا حاول أن يبلور تصوّرا جديدا لما ينبغي أن تكون عليه تلك العلاقة، تصور حاول من خلاله إقامة نوع من التلاحم الجدلي المتوازن بين الدولة والمجتمع المدني، بين السياسة والأخلاق.
لهذا وجدنا بأن تصور هيجل السياسي يقدّم ذاته باعتباره التتويج النهائي لنظرية الدولة، حيث في ثنايا ذلك التصور ستعثر الدولة على "مبرّر وجودها في التاريخ". لكن في الوقت ذاته وبموازاة ذلك، نجد بأنّ التحليل المتضمّن في التصور الهيجلي يسعى إلى تجاوز وجهتي النظر المتعارضتين الآنفتي الذكر في مقاربة علاقة الدولة بالمجتمع. لهذا يجب أن ننظر إلى فلسفة هيجل السياسية باعتبارها محاولة أصيلة وطريفة لتحقيق نوع من المصالحة بينهما، وذلك عبر إجراء نوع من التركيب بين الموقفين المتعارضين، الموقف الذي يستلهم "النموذج الحربي" في بناء نظريته للدولة، والموقف الذي يستلهم "النموذج الاقتصادي" في صياغة تصوره للدولة. الموقف الأول يمثّله أنصار نظرية السيادة، والموقف الثاني يجسّده أنصار نظرية الحق الطبيعي.
1- نقد هيجل لنظرية التعاقد:
ينتقد هيجل بشدة نظرية التعاقد لدى روسو، حيث يحمّلها المسؤولية عن الأخطاء التراجيدية الناجمة عن الثورة الفرنسية والتي كانت لها انعكاسات سلبية وخطيرة على المجتمع الغربي الحديث. لقد كان الغلط الأكثر خطورة هو ذاك الذي يتمثّل في الفكرة التي تروم تأسيس الدولة انطلاقا من الفراغ وابتداء من لاشيء. إنّ فكرة تأسيس الدولة على أساس البداية المطلقة هي فكرة آية في التجريد وتفتقر إلى المحتوى الملموس. لهذا كان تطبيقها على أرض الواقع، كما جسّدت ذلك ثورة 1789 في فرنسا، أفضى إلى ارتكاب الكثير من الفظاعة والعنف، وأشاع الكثير من الرعب والفزع مما أدّى إلى الإساءة إلى مفهوم الثورة والتوجّس من كلّ فعل جديد. إنّ هذا التصور العدمي يتأسس في نظر هيجل على الإفتراض التالي: وهو أنّ الأفراد المتّحدين تحت ظل عقد اجتماعي معين، هم وحدهم القادرين على تأسيس الدولة. لكن الدولة حتى إن كانت تعبّر عن إرادة ما، فلن تكون تلك الإرادة هي الإرادة الفردية، بل لابدّ من إرادة جماعية لتأسيس دولة. وهذا يقتضي إحداث تغيير في تصوّرنا لماهية الدولة. فالدولة ليست هي حاصل تجميع أجزاء مفصولة عن بعضها البعض، بل هي عبارة عن وحدة عضوية يمكن القول بأنها سابقة على الفرد والجماعة وليست لاحقة عليهما كما يتوهّم روسو في نظريته في التعاقد. إن الدولة عبارة عن كلّية تضمن لكل عضو فيها هوية ومكانة داخل المجتمع. وبتعبير آخر، الدولة ليست حاصل تجمّع أفراد، وليست حاصل فعل الأفراد، ولكن هي ما يمنح لهؤلاء شكل وجودهم وماهيتهم.
إنّ الفكرة الأساسية هنا في تصور هيجل، هي أنّ الدولة ليست بناء اصطناعيا ناجما عن عملية توافقية وتعاقدية، ولكنها وحدة عضوية أصيلة وراسخة. وفي الحقيقة فإنّ هيجل يعود بنا هنا إلى فكرة أرسطو التي تعتبر بأنّ المدينة أسمى من الفرد وسابقة عليه. لكن مع ذلك يجب أن نعرف بأنّ هيجل يتحدّث عن الدولة وليس المدينة. وهذا المفهوم يقتضي إقامة تمييز بين المدينة والدولة وهو التمييز الغائب عن التقليد الإغريقي. إنّ الدولة في صيغتها المكتملة هي نتاج لسيرورة ولتاريخ طويل زاخر بالأحداث والمغامرات.

2- تصور هيجل للمجتمع المدني:
لقد نشأ المجتمع المدني، حسب هيجل، حينما كفت الأسرة أن تكون غاية للفرد، حيث أصبحت ذاته ومصالحه هي الغاية من وجوده، كما أصبح كل فرد يعامل الآخرين على أنهم وسائل لتحقيق غاياته، وهذا كله كان وراء نشأة فكرة الاعتماد المتبادل بين الأفراد التي توجد في أساس المجتمع المدني. إنّ استقلال الأفراد عن الأسرة ودخولهم في علاقات خارجية بوصفهم ذوات اجتماعية متعددة ومستقلة يؤدي إلى تكوين المجتمع المدني. إنه يمثّل حالة اعتماد الأفراد على بعضهم البعض باعتبارهم شخصيات مستقلة. فعندما كان الفرد عضوا داخل الأسرة كانت غايته هي الأسرة وهي غاية كلّية، إذ هو لا يصارع من أجل نفسه فحسب، لكنه يكافح من أجل الكلّية التي تمثّلها الأسرة. لكنه الآن قد ارتدّ وأصبح ذرة اجتماعية ونظر إلى نفسه على أنها غاية، ولدا فإنّ كلية الأسرة تختفي لتحلّ محلّها الفردية أي الغاية الشخصية الذاتية. بيد أن كلية الأسرة هو العنصر الأخلاقي أو العقلي فيها، ومن ثم يبدو المجتمع المدني وكأنه فقد العنصر العقلي والأخلاقي، إذ كل فرد داخل المجتمع المدني يسعى إلى تحقيق غاياته الخاصة وهذه هي الجزئية واختفاء لحظة الكلية التي كانت متجسّدة في الأسرة.
يتميز المجتمع المدني بالتسيير الذاتي الذي تضبطه مؤسسات. وهو يتسم بالخصائص التالية: الاستقلالية، والحصانة الذاتية، والمساواة، والجمع بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية، والتجريد وتعميم العلاقات، والاستحقاق والمسؤولية.
إنّ الاستقلال الذاتي، يعني أنّ العلاقات بين الناس تتمتع بوجود مستقل بحيث لا تخضع لإرادات الأفراد. وهذه الاستقلالية هي التي تجعل "النسق الاجتماعي" يفرض نفسه على الأفراد ويفرض قواعده على تصرفاتهم. تعني الاستقلالية إذن بأن الوساطة الموجودة بين الأفراد والتي تفرض نفسها عليهم للخروج من القوقعة الفردية باتجاه خلق إطار عام ومشترك للعمل، فتنتقل بهم من الخصوصية الفردية إلى الشمولية المجتمعية، وبالتحام العنصرين معا يتحقق المجتمع المدني بما هو مجتمع للمساواة، أي مجتمع يسود فيه المستوى الواحد الأفقي الذي يكون من أهم نتائجه، إعادة الاعتبار لإنسانية الإنسان ولفرديته كقيمة أخلاقية. تقتضي المساواة إذن إحلال العلاقات الأفقية محلّ العلاقات العمودية، أي إلغاء الامتيازات الطبيعية وتلك التي لها علاقة بالجنس والسلالة والنسب. شرطها الأساسي إذن هو إلغاء عنصر القرابة كمتحكّم في الاقتصاد والسلطة. أي القضاء على عنصر القرابة كأساس لتنظيم المجتمع حيث لا يسمح للعائلة أو للقبيلة لتأهيل أفرادها لامتيازات معيّنة أو لحرمانهم منها.
ما يهم في تأسيس المجتمع المدني هو سيادة العلاقات الأفقية وإحلالها محلّ العلاقات العمودية بغضّ النظر عن مستوى تطور المجتمع. وإيجابية سيادة المستوى الأفقي هو أنه يلغي العنصر الطبيعي، عنصر القرابة.
الخاصية الأخرى للمجتمع المدني هي التجريد، أي تعميم العلاقات وإضفاء عليها طابع العمومية. فما يميز المجتمع المدني عند هيجل هو غياب المقدّس على جميع المستويات، وهو الذي يعني سيادة المستوى الواحد بالنسبة لجميع الأفراد.
كما يتميز المجتمع المدني عند هيجل بخاصية أخرى هي الجمع بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة، بين الإرادة الفردية والإرادة العقلية العامة، دون أن يعني ذلك إلغاء للإرادة الفردية بل تحقيق لها. إنّ هيجل هنا يدافع عن موقف هو على النقيض من الموقف السائد في الفكر السياسي الحديث. فهذا الأخير يقوم على الدعوة إلى الفصل بين السياسة والأخلاق، في حين يطالب هيجل بفرض الأخلاق داخل المجتمع المدني كما تفرض القوانين في مجال الحقوق. مبرّر الجمع بين السياسة والأخلاق، بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة يربطه هيجل من جهة، بالتقدم الذي حققه المجتمع الغربي حيث أصبح الصالح العام(أي مبدأ الخير) مجسّدا على أرض الواقع، لدا لا يمكن الإبقاء على حالة الفصل بين المصلحتين التي كانت سائدة من قبل. ومن جهة ثانية فإنّ الفصل بين الأخلاق والسياسة هو الوجه الآخر للفصل بين العقل والواقع، بين الفكر والوجود، في حين أنهما يشكّلان شيئا واحدا وهو الذي يجسّده لنا مفهوم الإنسان. فالفصل بينهما يعني تكريس التعامل مع الإنسان باعتباره مجموعة من الحاجيات والنزوات والأهواء. وهو الذي يعني اختزال الكائن الإنساني في المستوى الطبيعي الحيواني وفصله عن بعده العقلي الذي يوجد في أساس إنسانيته. فمهما كان مستوى التقدم الذي يمكن تحقيقه في ضبط تلك الحاجيات وإشباعها، فإننا نظل دائما دون المستوى المطلوب- بحكم لانهائية الرغبة وتجدّدها- إن لم نراعي البعد العقلي، بمعنى أننا سنحكم على المجتمع بالتقهقر نحو ماهو لا إنساني، فينقلب ضد أهدافه وضد روحه. بل إنّ هيجل يعتبر بأنّ الربط بين السياسة والأخلاق، هو الكفيل بتحصين المجتمع من النزعة التوسعية الاستعمارية، لأنه بدون ذلك الربط يعني ترك المجتمع يتطور وفق ذاته أي وفق حاجاته ورغباته، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى فيض في الإنتاج فيصبح في حاجة إلى أسواق خارجية وإلى مواد أوّلية.
بالإضافة إلى هذا الربط بين السياسة والأخلاق الذي يحققه المجتمع المدني، فهو أيضا ينتزع التربية من الأسرة ويعطيها طابعا مؤسسيا، بحيث لن تعود وظيفتها هي المراقبة والضبط، بل تصبح مهمّتها هي تنشئة الأطفال تبعا لطموحات المجتمع وأهدافه، وهذا هو البعد العقلي في التربية وفي المجتمع المدني لدا هيجل.
الخاصية الأخرى للمجتمع المدني الهيجلي هي المسؤولية لأنه مجتمع يقوم على الاستحقاق الذي هو أساس التدبير والتسيير. وتعني المسؤولية التمتع بالحقوق والقيام بالواجبات. والتوصل إلى هذا المستوى من التنظيم يعبّر عن تطور فائق في بنياته، إذ لا يقرّ المجتمع المدني بتساوي الأفراد في الفضيلة فحسب، بل وأيضا في الرذيلة(أي في الشر). وبحكم ذلك لا يتوفر الفرد على أي حصانة غير الحصانة التي يقرّها المجتمع. فلا يمكن أن تكون للفرد حصانة طبيعية أو عائلية. ولهذا يجب الاحتياط من الأفراد الذين توكل لهم مهام معينة خاصة. وهذا يعني أن المراقبة داخل المجتمع المدني يجب أن تكون أفقية وليست عمودية كما هو الشأن في المجتمع الذي يتأسس على عنصر القرابة. والطابع الأفقي للمراقبة يجعلها تؤدي بالمجتمع إلى التعاضد والالتحام والديمقراطية.
الخاصية الأخرى للمجتمع المدني عند هيجل هي العلاقة الوطيدة بين مبدأ الفردية ومبدأ الشمولية. فما يميز المجتمعات القديمة مثل اليونان مثلا، هو غياب مبدأ الفردية، حيث الفرد خاضع للقيم الجماعية ويجسّد الكلّ الشمولي. في حين يعتبر هذا المبدأ هو أساس المجتمع الغربي الحديث. لهذا يرى هيجل بأنّ السؤال المتعلّق بالعدالة وبالمدينة الفاضلة سؤال غير ذي موضوع في المجتمع الحديث الذي يسوده مبدأ الفردية. لكن هيجل يعتبر بأن الحرية الفردية في إطار المجتمع المدني لا تصبح طاغية لأنّ هناك ضوابط تجعلها معقولة ومسؤولة ولا تتناقض مع المصلحة العامة. فالفرد يفكّر فيما هو عام، وما هو عام يفكّر في الفرد. بل حتى الدولة ذاتها لا تجرأ على المسّ بهذه الحرية التي هي أساس المجتمع المدني. فهناك علاقة جدلية بين الدولة والمجتمع المدني، فالأولى تمثّل العقل والثانية تمثّل حرية الفرد، والدولة لا يمكن الاستغناء عنها لأنها تسهر على مصالح الأفراد وتحافظ على حرياتهم.
هذه الخصائص تجلي الطابع الشمولي والمعقد لمفهوم المجتمع المدني عند هيجل. فهذا الأخير يستعمل هذا المفهوم للدلالة على تصور معيّن للدولة، وللنشاط المادي الاقتصادي للمجتمع. وهو يتجلى من خلال مظهرين مرتبطين بشكل عضوي هما المظهر السياسي والمظهر الاقتصادي. فمن حيث المظهر السياسي فالمجتمع المدني هو نظرية الدولة الحديثة التي تكوّنت في العصر الحديث في تعارض مع الدولة القديمة. إنها دولة الليبرالية التي من وظيفتها الأساسية حماية حقوق الأفراد ومصالحهم. ومن حيث المظهر الاقتصادي يمثّل المجتمع المدني "دولة الحاجة" أو "نظام الحاجات" وإشباعها عن طريق العمل والتبادل.
ينتقد هيجل المجتمع المدني الحديث لأنه فشل في تحقيق تنظيم عقلاني للعمل، وتوزيع عادل للثروة، فظلّ بذلك في مستوى النزعة الذرية الخالصة. ولقد أدرك هيجل شر الليبرالية وعجزها عن تقديم الحلول للمشكلة الإنسانية. بل إنّ تناقضاتها الاقتصادية تولّد الاستياء والإحساس بالغربة اتجاه حياة الدولة، أي إنّ انعكاساتها السياسية خطيرة على مستوى علاقة الفرد بالدولة. من هنا أحسّ هيجل بأهمية تدخّل الدولة وقام بإعادة النظر في علاقة الدولة بالمجتمع المدني.
إنّ الفرق الأساسي بين المجتمع المدني والدولة هو أن الفرد في المجتمع ينظر إلى نفسه على أنه يشكّل غاية في ذاته، في حين أن الدولة تعدّ غاية أعلى يوجد الفرد من أجلها لدرجة أن غايته تصبح كلّية. فالمجتمع المدني تجمّع يسعى أساسا إلى تحقيق الغايات الجزئية والشخصية وحمايتها، ويسلك الفرد داخله باعتباره موجودا اقتصاديا واجتماعيا وليس باعتباره سياسيا يعبّر عن إرادته وروحه. فالمحرّك لهذا المجتمع هو المصلحة الذاتية لا المبدأ أو المثل السياسي الأعلى، لأنّ أساس المجتمع المدني هو العلاقات المادية، ولهذا فوحدته ضعيفة لأنّ المبدأ المؤسس له هو الشخص الجزئي. فما يلاحظ في هذا المجتمع هو أنّ الفرد الواحد يراعي أهداف الأفراد الآخرين الذين يشتركون معه في وحدة المصير، ولكن هذه المراعاة ليست ناتجة عن مبدأ أخلاقي أو إيتيقي، وإنما تمليها متطلبات وحاجيات الفرد ذاته. فمن مصلحة الفرد الشخصية أن يراعي مصلحة الآخرين، وإذا لم يفعل ذلك لن يتمكّن بدوره من تحقيق مصالحه. وعليه فالخضوع لما هو عام لا يأتي من الاقتناع بهذه الضرورة بحدّ ذاتها، وإنما لارتباط مصلحته بمصالح الآخرين. وهذا يعني أنّ الطابع الشمولي الذي يتسم به هذا المجتمع هو من طبيعة خارجية وليس نابعا من اقتناع داخلي للإنسان. لهذا وجدنا هيجل ينعت المجتمع المدني بالدولة الخارجية، "دولة الفهم والحاجة". فضرورة الاجتماع هنا ضرورة خارجية وليس مصدرها الاقتناع الداخلي بها، أي ليس مصدرها هو الحرية. لهذا السبب يعتبر هيجل المجتمع المدني بمثابة روح خارجية تتوسّط بين الأسرة والدولة. وهو يرقى إلى مستوى الحياة الإيتيقية لأنّه يضع حدا لإفراطين تعرفهما الحياة الإنسانية: الإفراط الأول ناتج عن ارتباط الإنسان بالحرية المجرّدة، حرية الأهواء والنزوات والميول غير المحدودة. أمّا الإفراط الثاني فهو الذي يؤكّد على الحرمان والبؤس، أي الاتجاه الذي لا يعترف بالرغبات والأهواء الفردية. يستطيع المجتمع المدني أن ينهي هذين الإسرافين لأنه يحقق الجمع بين مبدأ الفردية ومبدأ الشمولية. وتحقيق الربط بين الفردي والشمولي، بين المتناهي واللامتناهي يعدّ مسألة جوهرية في تصوّر هيجل للمجتمع المدني. وتوجد داخل هذا المجتمع ثلاثة مكوّنات تفرض الطابع الشمولي على الممارسات الفردية وهي: نسق الحاجيات، حماية الملكية، التنظيم وائتلاف الفئات.
يتحوّل المجتمع المدني إلى دولة عندما تصبح إرادته ومثله العليا منظمة بشكل واع، ومصاغة في دستور يتخذ كإطار عام لتنظيم الحياة داخله. أي حينما يصبح أساس الدولة هو الإرادة العامة، وحينما يوجد الكائن داخله ككائن حي عضوي حيث يتداخل مصير الفرد مع مصير الكلّي.
يتكوّن المجتمع المدني من ثلاث لحظات أساسية هي على التوالي: نظام الحاجات، والهيئة القضائية، والشرطة والنقابات. نظام الحاجات وهو الاعتماد المتبادل للأفراد يعضهم على بعض في إشباع حاجاتهم وتحقيق أهدافهم الشخصية. فكل فرد يعمل من أجل إشباع حاجاته، والآخرون يستفيدون من ذلك العمل في إشباع حاجاتهم أيضا. وفي هذا الاعتماد المتبادل تظهر الكلّية الضرورية للروح البشري. كما تظهر أيضا في العمل، بما هو تشكيل للمادة الخام في أشكال وصور تلائم إشباع الحاجات الإنسانية. ويؤدي هذا إلى تقسيم العمل. كما تظهر هذه الكلّية أيضا في الثروة التي هي نتاج تقاطع أعمال جميع الأفراد. وينشأ من نظام الحاجات التقسيم الاجتماعي إلى طبقات. وتنقسم الطبقات تبعا لنوع الحاجات التي يتم إنتاجها. وهناك ثلاث طبقات: طبقة المزارعين والفلاحين، وطبقة التجار والصناع، والطبقة الكلّية وهي التي تنشد في عملها تحقيق المصالح الكلّية للمجتمع والدولة، وهي تمثّل الطبقة الحاكمة التي تعتمد العقل في التدبير. وهكذا فالطبقة في التصور الهيجلي لا يتم تحديدها انطلاقا من المولد أو النسب. بل إنّ هذا يتوقف عنده على مقدرة الفرد واختياره الحر. وهيجل يلوم أفلاطون لأنه جعل تقسيم الطبقات يتوقف على الحكام، وفي ذلك إنكار للحقوق الذاتية ولحرية الفرد. كما ينتقد هيجل نظام الطبقات المغلق السائد في الهند في عصره، الذي يجعل من المولد العامل الوحيد الحاسم في تحديد الطبقة.
أما النقابة فهي تمثّل المؤسسة التي يكتسب الفرد داخلها وعيا بوظيفته الكلّية، وبارتباط غايته بغاية الكلّي المجتمعي.
أما مؤسسة القضاء فمهمتها هي وضع حد للخلافات بين الأفراد. أما مؤسسة الشرطة فتحرس على توفير الحماية لمصالح كل الأشخاص.
إنّ التحرر الذي يتحقق داخل المجتمع المدني يعتبر تحرّرا محدودا وصوريا لأنّ خصوصية الأهداف وجانبها الفردي هما أساس هذا التحرّر. وحينما يصبح الشمولي هو الذي يوجّه الكلّي المجتمعي، ينتقل التحرر من "الصورية" إلى "الواقعية" وهذا لا يتحقق إلا في إطار الدولة.
إنّ الشمولية المتحققة داخل المجتمع المدني هي شمولية مجرّدة، وهي كذلك لأنّ مفهوم الشمولية لم يتحقق بعد في كليته، وهو الذي يعني أن هناك عناصر ينطوي عليها المفهوم لم تتحقق بعد. إنّ الشمولي في المجتمع المدني مجرّد لأنّ حضوره لازال ناقصا بحيث لم يتطابق المعطى مع مضمون المفهوم. الطابع الذي يأخذه الشمولي هنا هو الملكية وهي حقّ خاضع لإرادة العدالة ويؤطّره القانون. وهكذا فالشمولية تفرض نفسها بشكل تدريجي على مستوى العمل والحاجيات، ثم على مستوى القانون الذي يتساوى أمامه الناس.
3- تصور هيجل للدولة:
تمثّل الدولة عند هيجل وحدة الأسرة والمجتمع المدني. فليست الدولة كفكرة غير وحدة الاختلاف الذي يمثّله المبدأ الكلّي للأسرة والمبدأ الجزئي للمجتمع المدني. إن الدولة بحكم كونها تركيب للحظة الكلّية ولحظة الجزئية فهي تمثّل اللحظة الثالثة التي تمثّلها الفردية. لا يتعلق الأمر بالفردية الذرية التي هي فردية المجتمع المدني، بل هي فردية الكائن الحي العضوي. فالدولة هي كائن حي تسري في داخله وبين مختلف أجزائه حياة كلّية. وهذا يعني أنّ الحياة الحقيقية للأجزاء أي للأفراد، إنما توجد في حياة الكلّ وتتحد معها في هوية واحدة. فالدولة هي الكلّي المتحقق بالفعل وبالتالي فهي الفرد وقد تموضع وتحقق بالفعل. إنها بكلمة واحدة هي "الكلّي الملموس". وعلى هذا النحو ليست الدولة سلطة أجنبية غريبة تفرض نفسها على الفرد من الخارج وتكبت حريته. بل الدولة هي الفرد وداخلها يحقق فرديته. لهذا السبب تجسّد الدولة في المنظور الهيجلي، أسمى تجلّ للحرية، وذلك لأنّ الفرد حينما تحدده الدولة فإنما تحدده ذاته الجوهرية أو ما هو كلّي وحقيقي فيه. تلكم إذن هي الفكرة الشمولية عن الدولة. وهناك دول لم تصل إلى هذا المستوى الشامل الذي تمثّله فكرة الدولة لأنها تجسّد مبادئ غير حقيقية. غير أن وجود هذه الدول الفاسدة أمر لا مفرّ منه. لأنّ الدولة بالرغم من نقصها فهي تتضمن باستمرار اللحظات الجوهرية لوجودها. والدولة الحقة في نظر هيجل هي تلك التي تجسّد حرية الفرد ولا تلغيها.
إن الدولة تتسم بالوجود العاقل، لأنها وجود كلّي، ومن ثم فهي تجسيد للفكرة الأخلاقية وتحققها الفعلي. ولما كانت دائرة الأخلاق هي دائرة تموضع الإرادة، كانت الدولة هي التحقق الفعلي للإرادة. إنّ الدولة هي الجوهر الأخلاقي الواعي بذاته. صحيح أنّ الأسرة تتسم بدورها بكونها كلّية وعقلانية إلاّ أنّ عقلانيتها تتخذ صورة وجدانية يجسّدها الحب. فمضمون الأسرة كلّي من حيث أنّ غاياتها كلّية، إلاّ أنّ صورتها ليست كلّية لأنها ليست فكرا بل هي وجدانا، فهي لا تعرف وإنما تشعر وتحسّ. أما الكلّي المطلق فهو كذلك من حيث المضمون والصورة معا. ومثل هذه الكلّية المطلقة الواعية بذاتها لا نصل إليها إلا في الدولة. فهي تسعى عن وعي إلى تحقيق غايات كلّية.
الدولة وجود عاقل لأنها ليست نتاجا للصدفة، أكان مصدرها قوى طبيعية، أم نزوة من نزوات الإنسان، وإنما هي نتاج لتطور ضروري للعقل الكلّي وهي تجسيد للمطلق. كما أن الدولة ليست وسيلة لشيء آخر، بل هي غاية في ذاتها. ولأنها غاية أعلى من الفرد فقد تطلب منه أن يضحّي من أجل غاياتها العليا وهي غايات عقلية. لهذا فتصور هيجل للدولة لا يجب أن يؤوّل تأويلا إيديولوجيا بحيث تصبح ذريعة لتبرير الأعمال العشوائية التي يقوم بها الحكام حينما يعملون على تحقيق مصالحهم الخاصة الذاتية، ويقدّمونها في صورة الغايات الحقيقية للدولة. هكذا فالفرد من حيث هو عضو في الدولة يتمتع بمجموعة من الحقوق وعلى رأسها حريته الفردية. من هنا خطأ النظريات السياسية التي ترى بأن الدولة مجرّد تجمع محض للأفراد يقصد به حماية المصالح المتبادلة. أو أن الدولة وجدت لكي تنمّي الثروة وتقوّي الأعضاء، أو إنها اتفاق وتعاقد بين الأفراد على الحد من حرياتهم لصالح الدولة. كل هذه النظريات مرفوضة من قبل هيجل لأنها تجعل من الدولة مجرد وسيلة لتحقيق غايات الفرد، في حين أن الدولة هي على العكس غاية عليا.
كما يرى هيجل بأن الأصل التاريخي للدولة لا صلة له بالأساس العقلي للدولة وطبيعتها وفكرتها الشاملة. ذلك لأن الدولة قد تكون قد نشأت عن طريق القوة، أو النصب، أو الاغتصاب، أو بأية طريقة أخرى. ومعنى هذا أن الأصل التاريخي للدولة لا يتماهى مع فكرة الدولة وكنهها.
وهكذا فالدولة الهيجلية تمثّل الحقيقة، ومحتواها يتحدّد في تعارض مع المجتمع المدني. ذلك لأنّ الخلط بين الدولة والمجتمع المدني، يعني في التصور الهيجلي، أن نجعل كهدف لها، السهر على حماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية؛ وفي هذه الحالة ستصبح المصلحة الفردية هي التي ستشكّل الغاية النهائية لوجود الدولة والوحدة، ومن شأن هذا أن يستتبع أن انتماء الأفراد إلى الدولة يتوقف على إرادة أولئك الأفراد وعلى حريتهم. في حين أن الدولة مادامت تمثّل "الروح الموضوعي" فإنّ الفرد لا يمكن أن تكون له أية حقيقة أو أي وجود موضوعي أو أي حياة أخلاقية إلا من حيث هو عضو داخل الدولة. فاتحاد الفرد بالدولة غاية في ذاته، إنه الغاية الحقيقية والمحتوى الحقيقي مادام مصير الفرد هو أن يعيش حياة كلّية وشمولية ومتحدة. وهذا يعني أن المحتوى الحقيقي للدولة ليس هو تنظيم العلاقات بين الأفراد ومراقبتها بل هو "إتمام تلك العلاقات" L’accomplissement des rapports . إتمام العلاقة إذن هو الحقيقة الذاتية للدولة. وهذا يعني أن الحقيقة الذاتية-كما يفهمها هيجل- ليست هي الفردانية بحاجاتها ومصالحها وحقوقها، ولكنها العلاقة بين الفردانيات كعلاقة مع الروح، أو علاقة الروح مع نفسها. هكذا إذن فالدولة الكلّية هي الذاتية بما هي عضوية مفارقة للتنظيم الاجتماعي.
نستنتج مما سبق أن هناك مشكلتان تهيمنان على نظرية الدولة عند هيجل هما: علاقة الدولة بالفرد، ومشكلة تنظيم الدولة. فتصور هيجل لعلاقة الدولة بالفرد يختلف عن تصورين يمكن أن نعترهما متطرّفين هما : التصور الأفلاطوني والتصور الليبرالي. ففي التصور الأفلاطوني-الذي يمكن أن نعتبره جذر التصور التوتالتاري- يتم التضحية بحقوق الفرد لصالح وحدة الكلّ، وذلك لأنّ الفردية أو الخصوصية ينظر إليها في إطار هذا التصور كعنصر فوضى وانشقاق. أما في التصور الليبرالي الحديث فالدولة مجرد تجمّع وجد من أجل حماية حقوق الأفراد، وبالتالي فهي فاقدة لكلّ طابع جوهراني وكلاّني. أصالة التصور الهيجلي تتجلّى في السعي للبرهنة على أنّ الدولة الحديثة يمكن أن تبقى "دولة جوهرية"، وفي نفس الوقت تعمل على إشباع حاجات الأفراد، وتحقيق طموحاتهم، والنمو الحر لشخصياتهم. لهذا وجدنا هيجل ينتقد ادّعاء الدولة الليبرالية المتنثّل في اعتبار نفسها جهازا غايته القصوى هي حماية المصلحة الفردية. ويرى بأنّ الحروب تكذّب هذا الادعاء حيث تسود قوة الدولة المطلقة. فحينما يصبح وجود الدولة مهددا، فإنها ترغم المواطنين على التضحية بحياتهم ومصالحهم. من هنا يستنتج هيجل أن للدولة غايتها الخاصة بها. فهي لها حق سام على الأفراد، إذ واجب هؤلاء أن يكونوا أعضاء داخل الدولة. وبهذه الصفة يحقّقون درجة عالية من الحرية والأخلاقية وذلك لأنّ إرادتهم الذاتية متفقة ومتناغمة مع الإرادة الكلّية والشمولية.
إن الدولة هي حقيقة الحرية الملموسة. وهذه الأخيرة تحتوي على لحظتين غير منفصلتين: فعلى الشخصية الفردية أن تنال تطورها الكامل وأن يعترف بحقوقها، ولكن في الوقت ذاته فالأفراد مطالبون بالاندماج في الصالح العام حيث يعترفون به كروح جوهري وكغاية نهائية لنشاطهم.
والدولة من حيث هي "حقيقة أخلاقية" ليست سوى الاندماج الحاصل بين الجوهرية والخصوصية، حيث الخصوصية لحظة أساسية داخل الدولة والإشباع الكامل لمتطلّباتها مسألة ضرورية.
إذن خلاصة تصور هيجل لعلاقة الدولة بالفرد، تبيّن أنهما يشكّلان مظهران متكاملان في نظرية الدولة الهيجلية: فمن جهة لا يمكن للفرد أن يحقق غاياته إلا إذا كان عضوا في الدولة، ومن جهة أخرى فإنّ الدولة لا يمكن أن يستمر وجودها وحياتها إذا لم تشبع طموحات الفرد. فالفرد حينما يصبح عضوا داخل الدولة، فهو لا يحمي مصالحه فحسب، بل يحقق شخصيته كما يحقق حريته. ومن جهتها فالدولة تستمد قوّتها من ولاء وإخلاص أعضائها.
أمّا فيما يتعلق بتصور هيجل لتنظيم الدولة الذي يجسّده "الدستور"، فهو يعتبره غير منفصل عن حياة الشعب وروحه. فليس الدستور عنده مجرّد نصّ قانوني، بل هو مجموعة من العادات والتقاليد والقواعد الحية داخل ذاكرة ووعي شعب ما. الدولة المنظمة بشكل جيّد لا يمكن اختزالها- كما هو الشأن بالنسبة إلى المجتمع المدني- إلى نظام ذرّي، بل هي "كلّ منظم" أو "كلّ عضوي".
أمّا فيما يتعلق بمظاهر الدستور الأساسية المتلائمة مع العصر، فيحدّدها هيجل في المظاهر التالية:
أ- فهي دولة يحكمها المونارك وليس الشعب. وذلك لأنّ الشعب كتلة من الأفراد لا تعرف ما تريده، كما يمكن أن تقوم بممارسات متطرّفة جدا طالما أنّ الذي يحرّك القطيع هما الغريزة والجهل.
ب- لا يتعلق الأمر – بالنسبة لهيجل- بترك الأفراد خارج تنظيم الدولة بل ضرورة مساهمتهم في تسيير شؤون الدولة، ولكن ليس عن طريق ممثليهم المنتخبين بكيفية ديمقراطية عن طريق الاقتراع العام، بل عن طريق اللجان والتنظيمات والحرف والنقابات حيث تكون ممثّلة لجميع حالات وتنظيمات المجتمع. وهذا يعني أن التصور الهيجلي يقصي كل تمثيلية شعبية لصالح التمثيلية الحرفية. والدليل الذي يؤسس عليه هيجل هذا التأكيد هو أنه داخل هذه التجمّعات الحرفية فحسب، وفي فضائها يتجه مصير الفرد نحو الكلّي ويتوحّد بمصيره. فهو لا يعتبر عضوا في الدولة من حيث هو فرد، بل من حيث هو عضو داخل دائرة أو تنظيم اجتماعي معيّن. لهذا السبب يرفض هيجل التصور الليبرالي للدولة ويتبنّى تصورا عضويا للدولة حيث الأساسي ليس الفرد بما هو فرد، بل التنظيم والتجمّع الذي ينتمي إليه ذلك الفرد. بالإضافة إلى هذه التمثيلية الحرفية، توجد طريقة أخرى للمشاركة في التسيير السياسي للدولة وذلك عن طريق الصحافة وصنع الرأي العام[i].
4- نقد التصور الهيجلي للدولةSadالعروي وماركس)
أ- لابدّ أوّلا من التأكيد على الطابع الإيجابي الذي تكتسيه فكرة الدولة في الفلسفة الهيجلية. فهي لا تكتفي بالتمثيل، ولا بالسادة والقمع، بل تساهم أيضا في نشر القيم الروحية والمبادئ العقلية التي هي أساسية بالنسبة للمجتمع ولإنسانية الإنسان. ذلك لأنّ المؤسسات المكوّنة للمجتمع المدني لها دور كبير في التأثير على سير مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة المونارشية ذاتها. كما أن إيجابية الدولة ستتأكّد من خلال النجاح الذي حققته الماركسية على الصعيد العملي. وتتمثّل تلك الإيجابية على صعيد استقلالية الدولة عن الطبقات التي تمثّلها وهي التي تؤدّي مستقبلا إلى خلق فئة البيروقراطية، كما يرى الفكر السياسي المعاصر. بطبيعة الحال لم يكن هيجل منتبها إلى هذا التطور الذي سيطرأ على الدولة مستقبلا ولكنه كان يؤكّد على إيجابيتها. ولا شكّ أن الدور الإيجابي للدولة يرتبط لدى هيجل بوظيفتها الأخلاقية. فإذا كانت الدولة ما قبل هيجل ومند القرن السادس عشر تهتم فحسب بتحقيق السيادة وضمان الاستقرار، بحيث كان دورها منحصرا في حدود القمع والضبط. إلا أنّ وظيفة الدولة عند هيجل تتمثّل في خلق المجتمع المدني وجعله يجسّد العقل والحرية. بينما نجد أن إيجابية السلطة لدى فوكو تنحصر في الوسائل التي تنتجها لتأكيد ذاتها والتغلب على الطرق الكلاسيكية التي تعتمد على الظهور والقمع. وهذا الجانب يجلي بعد الدهاء والمخاتلة في الممارسة السياسية.
المظهر الآخر لإيجابية الدولة عند هيجل يتمثّل في فكرة التجسيد. فالدولة كمطلق إنما هي تجسيد للعقل وللحرية وللحق والمعرفة الإنسانية. فالدولة لا تكون تجسيدا للمطلق إلا حينما تجسّد مصالح ومطامح كل الأفراد المكوّنين للمجتمع الذي تسود فيه. فإذا كانت الدولة تتجسّد مصالحها في مصلحة كل فرد على حدة، فذلك لأنّها إذ تجسّد مصالحه فهي في الوقت ذاته تسهر على توعيته وتنبيهه من أجل خلق الوعي المصلحي الفردي كإسهام في التطور العام الذي يحصل في المجتمع المدني.
تتضح مسألة التجسيد أكثر حينما يتناول هيجل المؤسسة المونارشية. فدور الأمير يتمثّل في تجسيد السيادة وليس الرمز لها والانفراد بها في مجال من المجالات. ولن تستجيب المونارشية لمقتضيات الشمولية والدولة المعاصرة إلا إذا كانت تسود في مجتمع تحقق فيه بدوره الشمول بشكل أفقي وعلى مستويات متعددة، في مجتمع أصبحت فيه المصلحة ذات طابع مدني وليس عائلي. وهناك علاقة وطيدة بين القوة التي يجسّدها المونارك والقوة التي يجسّدها الشعب: بحيث المونارشية لا تستجيب لمقتضيات العقل المطلق إلا حينما ترتبط سيادتها بتحقيق سيادة المجتمع المدني. وهكذا فهيجل لا يوحّد بين الدولة والمونارشية، فهذه الأخيرة مؤسسة من مؤسسات الدولة الأخرى ولا يمكن أن تحلّ محلّها.
ب- النقد الماركسي للدولة الهيجلية:
يرى ماركس بأن التعريف الذي يقدمه هيجل للدولة هو تعريف عقلاني آية في التجريد. ذلك لأنها في نظره تجسّد الإرادة العامة الجوهرية، هي العقل في ذاته ولذاته. ثم يحاول بعد ذلك أن يبحث عن واقع خاص يبرر به تلك الدولة العقلية. غير أن تجسيد العام في الخاص يتجسّد لديه بالعفوية، والنتيجة هي – حسب ماركس- الانتقال من المثل الأعلى إلى الملموس بدون مبرر معقول، مما يجعله يضفي على الملموس حلّة زائفة من العقلانية.
إنّ النظرية الهيجلية في الدولة مبنية كلها على نقد نظرية التعاقد التي هي أساس فلسفة الأنوار، وإليها يرجع ماركس في نقده للدولة الهيجلية.
نقطة التحول الأساسية في التصور الماركسي هو إدراكه الواضح أن حادث انسلاخ الدولة اتلسياسية (الصورة) عن دولة المجتمع الإنتاجي (الاقتصاد) يشكّل حادثا مستجدا في التطور التاريخي للإنسان. وأنّ التناقض بين الفرد المنتج والدولة السياسية- المطلقة عند هيجل- واقع تاريخي محدد وليس ضرورة منطقية كما يرى هيجل. إنّ هذا التناقض حادث لأنه لم يكن موجودا مند الأزل حيث الدولة الجوهرية الموضوعية تعبّر بكيفية مباشرة عن الأسرة والمجتمع المدني. بل إنّ ماركس يؤكد على أنه قبل الثورة الفرنسية لم تكن هناك سياسة بالمعنى الدقيق للفظ، بل كان المجتمع الإنتاجي يكوّن مباشرة الدولة. لهذا يستنتج ماركس بأن هناك حنين هيجلي إلى التاريخ القديم والوسيط، ورفض للتحولات الجذرية التي نتجت عن الثورة الفرنسية. لهذا لم يفهم هيجل "فلسفة الأنوار" التي جاءت كتعبير عن الحقيقة التاريخية. ويرى ماركس أنّ استبدال التاريخ بالمنطق هو السبب الكامن وراء وضع هيجل للجوهر والشكل في غير موضعهما. فعوضا من أن يستشفّ المستقبل يتقهقر إلى الماضي نحو التنظيمات القروسطية التي قضت عليها الثورة الفرنسية لعدم ملاءمتها مع متطلبات الإنتاج والتطور.
إنّ قيمة نظرية الدولة الهيجلية تتمثّل في نظر ماركس في إدراكها للتناقض الذي وقعت فيه نظرية الأنوار بين المجتمع المدني(الإنتاج) والدولة(السياسة)، لكن خطأه تمثّل في اعتبار هذا التناقض تناقضا منطقيا وليس واقعيا كنتاج للتطور التاريخي. فحينما نستقرئ الوقائع نجد بأنه في القديم لم يكن هناك تناقض ولا انفصام بين المجتمع والدولة، بحيث كان التنظيم الاجتماعي هو في الوقت ذاته تنظيما سياسيا، حيث كانت الملكية والنفوذ والسلطان مظاهر واقع واحد، ولم تكن هناك سياسة ولا دولة بالمعنى الدقيق المتداول. ولم يحصل الانفصام إلا في العصر الحديث. لم تبق الدولة موازية للمجتمع، حيث نشأت إدارة خاصة بالمجتمع، وتعالت الدولة حتى أصبحت تشكّل إيديولوجيا قائمة بذاتها. لكن تجاوز واقع الانفصام لا يتم، في نظر الماركسية، بإحياء الوضع القديم(الدولة الجوهرية) بل بتغيير الوضع الذي تسبب في الانفصام، والذي يتمثّل في نظام الملكية. هكذا يستنتج ماركس بأن هيجل ينتهي إلى حقيقة لا يهتدي إلى حلّها: حقيقة وجود انفصام بين المجتمع والدولة. هذا هو جوهر مشكل الإنسان المعاصر. بيد أن الحل الوحيد الممكن يكمن في نظر ماركس في تغيير نظام الملكية. يتعلق الأمر بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وإحلال محلّها الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.

5- قيمة فلسفة هيجل السياسية:
يرى كاسرير في كتابه "أسطورة الدولة" Le mythe de l’Etat بأن قيمة فلسفة هيجل السياسية تتمثّل في تأثيرها القوي على الفكر السياسي المعاصر، بحيث ليس هناك أي نسق سياسي كبير لم يتأثّر بهيجل. ولقد تم هذا التأثر على حساب فلسفة هيجل المنطقية والميتافيزيقية التي كانت تعتبر أساس الفلسفة الهيجلية.
يرى كاسرير بأن سر انبعاث الفكر السياسي الهيجلي يتمثّل في كون مثاليته على عكس مثالية أفلاطون التي تعتبر بأن العادات والتقاليد والأخلاق لا قيمة لها في المجال السياسي، في حين يدمج هيجل السياسة بالأخلاق.
يرى كاسرير بأن النظرية السياسية الهيجلية تقوم على نزعتين متناقضتين: هناك التوجه الشمولي ذو المقاربة الكلّية للدولة، حيث ينظر إلى مختلف الدول التي عرفها تاريخ الإنسان، باعتبارها تحقيقات وتجلّيات مختلفة ومتفاوتة للعقل الكلّي المطلق. وهناك نزعة أخرى وتوجه آخر ينطلق من الجزئية والخصوصية، حيث ينطلق من واقع المجتمع الألماني والدولة البروسية بصفة خاصة.
غير أن كاسرير يعتبر بأنّ ما يهم في النظرية السياسية الهيجلية ويتمتّع بقيمة كبرى، ليس هو مبدأ ه السياسي، ولكن هو التوجّه السياسي الذي يتيحه نسقه الفلسفي، وأنماط الأسئلة التي يسمح بطرحها.
لقد بنى هيجل تصوره للدولة أوّلا من خلال رفضه لنظرية الحق الطبيعي للدولة(نظرية روسو) والتي ترى بأن أصل الدولة هو التعاقد.
كما بنى هذا التصور ثانيا من خلال نقده للأخلاق الكانطية، لأنها تجعل الإنسان يعيش صراعا داخليا بين الواجب الأخلاقي المجرد من جهة، وبين الميولات والرغبات الذاتية للفرد من جهة أخرى. فهو يقيم تعارضا بين مملكة الحرية(مملكة الأخلاق والغايات) وعالم الطبيعة(مملكة الضرورة والعلل والأسباب). في حين يرى هيجل بأن الجوهر الأخلاقي لا يتجسّد في قاعدة أو قانون صوري مجرد، بل يجد دلالته وتعبيره في واقعة راهنة وملموسة في حياة الدولة. ويرى كاسرير بأنه في هذا المنظور لا تخضع الدولة لأي إلزام خلقي أو إكراه. كما أن الواجب الوحيد للدولة هو الحفاظ على وجودها وبقائها. فالدولة هي وحدة عضوية حيث الكل يهيمن على الأجزاء، ولكنها وحدة جدلية تقبل بالاختلاف والتناقض داخلها، بل إنها تشترطه وتتطلّبه. إنّ محرّك التاريخ عند هيجل وصانعه هو النشاط الإنساني في التاريخ الناتج عن حاجاته ورغباته وأهوائه، في حين يعتبر الفضائل الأخرى المجردة مثل حبّ الوطن على سبيل المثال لا الحصر ليست إلا ثانوية.
وحسب كاسرير لقد حدث تطور مهم في تصور هيجل للدولة: ففي المرحلة الأولى هيمن فيها النسق الميتافيزيقي على تفكير هيجل، مما جعل تصوره للتاريخ تصورا شموليا وكلّيا يلغي دور الفرد والعنصر الخاص والذاتي. وسيهجر هيجل هذا التصور حينما بدأت فلسفته الميتافيزيقية تفقد سلطتها لصالح فلسفته السياسية.
في هذه المرحلة الثانية سيؤاخذ هيجل على كل من كانط وفيخته والثورة الفرنسية رفعهم لشعار عن الحرية يتميز بطابع صوري ومجرد، أي أنّ تفكيرهم قد فارق الواقع ولم يعد متصلا به. ذلك لأنّ العالم الواقعي والحقيقي هو العالم التاريخي، في حين – كما يلاحظ هيجل- نجد بأنّ الثورة الفرنسية قد هدمت هذا النظام وتنكرت له. من هنا يستنتج كاسرير بأن الخلفية الإيديولوجية لنظرية هيجل في الدولة تتمثّل في تأكيده على أن كل فترة من فترات التاريخ لا توجد إلا أمة واحدة تمثّل حقيقة روح العالم وتجسّده، وهي التي لها الحق أن تحكم باقي الأمم.
لكن بالرغم من هذا، يرى كاسرير، بأنّ تصور هيجل للدولة يتناقض جذريا مع التصور التوتالتاري للدولة. فهو لا يربط عظمة الدولة بقوتها، أي باتساع قوتها الجغرافية وضم أراض جديدة لها-إذ أن الاستعمار المتمثّل في ضم أراض جديدة هو، في نظره، يشكّل بداية ضعف واضمحلال الدولة. كما أن الدولة التوتالتارية تقوم على مبدأ آخر للإقصاء تعارضه الدولة الهيجلية. إنها تقوم على محو وإقصاء جميع أشكال الحياة الاجتماعية والثقافية التي تعبّر عن الاختلاف. إنها تقصي جميع أشكال التمايز والاختلاف. في حين يرى هيجل بأن هذا الإقصاء للاختلاف لا يؤدي إلى تحقيق الوحدة العضوية، ولكنه يؤدي إلى تحقيق وحدة مجردة هشة، في حين أنّ أساس الوحدة هو الاختلاف والتناقض. ويرى هيجل بأنّ هذا الخطأ هو ذاته الخطأ الذي وقعت فيه الثورة الفرنسية التي ربطت قوة الدولة بإقصاء الحركات المختلفة، ونسيت بذلك أنّها تقوّض أحد الدعامات الأساسية للدولة ألا وهي الحرية. إنّ المثال الذي يستلهمه هيجل في بناء تصوره للدولة هو حدث الثورة الفرنسية. ففشل هذه الأخيرة في تحقيق أهدافها راجع إلى كونها ألغت عنصر الاختلاف والتنوع داخلها، وهو شرط لحرية الدولة وتحررها. ويرى كاسرير بأنّ هذه المسألة تعدّ اختلافا جذريا بين تصور هيجل والتصور الشمولي والتوتالتاري للدولة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور هيجل السياسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الأولى علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1