تأثير الاغتراب السياسي على المشاركة السياسية :
يتفق الباحثون على أن مفهوم الاغتراب السياسي صعب التحديد، وتأتي هذه الصعوبة من حداثة المفهوم، والذي يستخدم دون تحديد للإشارة إلى كل أنواع الاتجاهات السلبية نحو المجتمع والنظام السياسي بصفة خاصة .
في هذا الصدد يعرف أولسن Olson الاغتراب السياسي بأنه " الفصل أو الغربة بين ذات المرء وبعض الجوانب البارزة في البيئة الاجتماعية " ويقسمه إلى فئتين عريضتين : عدم القدرة السياسية، والسخط أو عدم الرضا السياسي، أما سيمان Seeman فقد حدد معاني الاغتراب السياسي في خمسة وهي " انعدام القوة، وانعدام المعنى، وانعدام المعايير، والعزلة، والغربة الذاتية "، فهو يعبر عن حالة من التناقض القائم بين ذات الفرد وبين مؤسسات النظام السياسي والقائمين على زمام السلطة، بل على العملية السياسية ذاتها ونتائجها(1) .
ويعرف لـونـجLong الاغتراب السياسي بـأنه " حالة من الشعور بعدم الرضا وخيبـة الأمـل والانفصال عن القادة السياسيين والسياسات الحكومية والنظام السياسي "، ويرى أن مشاعر الاغتراب تضم على الأقل خمسة مكونات وهي : الشعور بالعجز، الاستياء، عدم الثقة، الغربة، اليأس(2) .
ويسهم فينيفتر Finifter بدوره في تنمية مفهوم الاغتراب السياسي، من خلال اعتباره بأن صيغ الاغتراب السياسي ما هي في حقيقتها إلا أبعاد لشيء واحد، ويحدد هذه الصيغ في أربعة أبعاد :
أ- انعدام القوة السياسية : " اللاقوة السياسية "، بمعنى شعور الفرد بأنه لا يستطيع التأثير على تصرفات الحكومة، وبأن توزيع السلطة للقيم في المجتمع عملية ليست خاضعة لأي تأثير من ناحيته.
ب- انعدام المعنى : بمعنى عدم قدرة الفرد على التمييز بين الاختيارات السياسية ذات معنى، لأن الفرد لا يستطيع التنبؤ بنتائجها المحتملة، وبالتالي لا يمكنه استخدامها في تغيير الظروف الاجتماعية .
ج- انعدام المعايير : " اللامعيارية السياسية "، بمعنى إدراك انهيار المعايير في العلاقات السياسية, أي الشعور بأن المسؤولين السياسيين ينتهكون الإجراءات القانونية في التعامل مع الأفراد، أو في الوصول إلى القرارات السياسية .
د- العزلة السياسية : بمعنى رفض قواعد السلوك والأهداف السياسية التي يعتقد بها الكثير من أعضاء المجتمع، وكذا الشعور بأن قواعد اللعبة غير عادلة وغير شرعية(3) .
كما يعرف رايت Wright الاغتراب السياسي بأنه " انفصال الفرد عن المؤسسات السياسية القائمة "، إنه وبلا شك حسب رنشونRenshon " الحالة التي يصل فيها الفرد إلى الشعور بأنه غريب عن النظام السياسي، لأن هناك فجوة كبيرة في القيم بينه وبين النظام تتمثل في رفض معايير المجتمع وثقافته "، حيث يرتبط الاغتراب في هذه الحالة بالشعور بعدم الانتماء .
وفي تعريف أكثر دقة يرى ميلبراث وجويل أن الاغتراب السياسي هو " شعور الفرد العميق بالغربة والرفض والسلبية والتعاسة تجاه النظام السياسي أو جوانبه الهامة "(4) .
الاغتراب السياسي إذن هو إحساس المواطن بالغربة عن حكومته وعن النظام السياسي، واعتقاده بأن السياسة والحكومة يسيرها آخرون لحساب آخرين، طبقا لمجموعة قواعد غير عادلة حيث تتحكم أقلية متميزة على جهاز الدولة، وهو يشعر في هذه الحالة بأن المجتمع والسلطة لا يحسان به، ولا يعنيهما أمره وبأنه لا قيمة له في ذلك المجتمع, فالمغترب بطبيعته لا يميل إلى المشاركة السياسية، لأن مشاعر اللاقوة السياسية تشكل حواجز نفسية تمنعهم من المشاركة في الأنشطة السياسية، هذا الرفض يمثل بالنسبة للمغتربين الطريقة الوحيدة المتاحة التي يعبر فيها عن مشاعرهم باللاقوة السياسية لديهم، خاصة في المجتمعات السلطوية التي تعاقب بقوة الردع السلوك السياسي المخالف أو المعارض(5) .
هذا ما يؤدي بالفرد إلى فقدان الحماس والدافع والباعث على المشاركة الفعالة في العمل السياسي، كما يلاحظ تأثير الاغتراب السياسي على فكرة الفعالية السياسية من خلال شعور الفرد بمدى قدرته على التأثير في مجريات العملية السياسية، على هذا الأساس اعتبر الفرد الذي يشعر بضآلة الفرص أمامه للتأثير على هذه العملية في مجتمعه بأنه مغترب سياسيا(6) .
فالمغتربون لا يدلون بأصواتهم في الانتخابات ولا يهتمون بالأحداث السياسية الجارية، إذن المغترب لا يشارك لكراهيته للسياسة، بينما غير المهتم فهو شخص تمت تنشئته على اهتمام قليل بالسياسة، وبالتالي فالمغترب لا يشارك كنتيجة لكراهيته للسياسة، بينما غير المهتم لا يشارك لأن الأمر بكل بساطة لا يعنيه أصلا، والمغترب قد يشارك ولكن صوته يكون صوت الرفض والاستياء، أما غير المهتم فلا يشارك أصلا. وفي دراسة أخرى قام بها تومبسون Thompson وهورتون Horton عام 1960، أظهرت النتائج ارتباط الاغتراب السياسي بشكل جوهري بالسلبية السياسية، وأن المغتربين إذا شاركوا فإن مشاركتهم تتسم بالرفض والسلبية، وقد أوضحت نتائج دراسة أخرى قـام بها ديـن Dean عـام 1960 ارتباط متغيرات الاغتراب (فقدان القوة، اللامعيارية، العزلة الاجتماعية) بمكونات اللامـبالاة السياسية (اللامبالاة في التصويت، اللامبالاة في التأثير، اللامبالاة في الاهتمام)، وكانت جميع الارتباطات دالة بشكل جوهري، وقد أثبتت هذه الدراسة كذلك على وجود ارتباط جوهري بين أبعاد الاغتراب واللامبالاة السياسية بالأنظمة السلطوية، كما أوضحت أيضا أن ارتفاع المستوى الاجتماعي للفرد يقلل من شعوره بالاغتراب، وفي دراسة أخرى قام بها هيرينج Hering سنة 1989، فقد أوضحت نتائجها بأن المغتربين لا يختلفون عن نظرائهم من غير المغتربين في السلوك السياسي فحسب، بل إن الاختلافات الجوهرية كانت بين المغتربين أنفسهم، فالمغتربون الذين يشعرون بالغبن الوظيفي كانوا أقل احتمالا للمشاركة في السياسة، أما المغتربون الذين لديهم بعض الثقة في المؤسسات القائمة، فقد كانوا أكثر احتمالا للإقدام على أنماط المشاركة التقليدية، بينما المغتربون الذين يشعرون بالشك في النظام السياسي، فقد كانوا أكثر ميلا للاحتجاج السياسي(7) .
الملاحظة الأكيدة إذن أن مجمل التعريفات التي تطرقت لمفهوم الاغتراب السياسي، أجمعت على أنه يعبر عن أنواع المشاعر السلبية وعدم الرضا تجاه المجتمع والنظام السياسي والمؤسسات السياسية، وهو بالتالي يعبر عن حالة من عدم الرضا عن الأوضاع السياسية القائمة، والإحساس بالعجز وعدم القدرة على التغيير بالطرق الشرعية التي يتيحها النظام القائم(
، إنه وبلا شك يعبر عن حالة الفرد السيكولوجية حيث يشعر بأنه غريب عن مجتمعه وعن الثقافة التي يمثلها ذلك المجتمع، فهو يعبر بشكل عام عن جميع أنواع المشاعر السلبية تجاه المؤسسات الرسمية والمناصب الرسمية(9) .
على هذا الأساس نلاحظ بأن الاغتراب السياسي يؤثر على درجة المشاركة السياسية من خلال ثلاثة مستويات :
1 – المستوى الأول : يؤدي الاغتراب السياسي إلى الإحجام عن المشاركة السياسية من خلال عملية التصويت، نفس الشيء ينطبق على أشكال المشاركة السياسية الأخرى .
2 – المستوى الثاني : يؤدي الاغتراب السياسي إلى ازدياد نزعة المعارضة والتصويت السلبي، وكذا بروز ظاهرة العنف السياسي .
3 – المستوى الثالث : يتمثل في أن العلاقة بين الاغتراب السياسي والمشاركة السياسية علاقة طردية(10) .
يرتبط الاغتراب السياسي إذن بشكل سالب و دال بالمشاركة السياسية، فالمغتربون يكونون أقل مشاركة حينما يشعر الفرد بنقص في الحوافز وإحساسه بعبثية المشاركة، كما تلعب التنشئة السياسية دورا بارزا وفعالا في تنمية عملية المشاركة، من خلال تحكم عنصري الوعي السياسي والكفاءة الشخصية لأن عدم الثقة بالنفس يرتبط إيجابيا بعدم المشاركة السياسية، وأن هذه الأخيرة ترتبط إيجابيا بتقديرات الذات من أجل الرقي بها .
كما يؤثر الوضع الاقتصادي والاجتماعي على كافة أساليب وطرق المشاركة بشكل جوهري, إذ أن العلاقة بين الاغتراب السياسي والمشاركة السياسية تكون أكثر وضوحا، في حالة تدني مستوى المكانة الاجتماعية والاقتصادية للمغتربين سياسيا, كما تتفاقم ظاهرة الاغتراب السياسي حينما تكون قنوات الاتصال بين الأفراد وبين النسق السياسي ضعيفة وغير مجدية، الشيء الذي يشجع على طغيان السياسات العامة التي تفرض نوعا من عدم العدالة التوزيعية للنظام، مما يشجع بالتالي على تنامي - داخل نفسية المغترب - ظاهرة العداء السياسي والشك السياسي تجاه النسق السياسي .