أساليب إدارة المرافق العامة
ملخص:
يعد المرفق العام وسيلة من الوسائل المعتمدة في تحقيق حاجات المجتمع بانتظام فهو مظهر من مظاهر الوظيفة الادارية في الدولة . و التي ترتكز عليها في تحقيق النفع العام كقاعدة أساسية ، إلا أن التطورات الحاصلة والظروف الراهنة ، وسعت ونوعت في مجال الخدمات والحاجيات عما كان عليه الوضع في السابق ، نتيجة للنمو الحضري المرتفع وتطور وتنوع الأنشطة مما إقتضى تدخل القطاع الخاص لتوفير التمويل اللازم ، و إستدعى البحث عن أساليب جديدة للتدبير والتسيير سعيا لإستمرار سير المرفق العام وتأدية مهامه بإنتظام وإطراد.
مقدمة:
إن من أهم وظائف الإدارة في الدولة الحديثة توفير الخدمات العامة وإشباع حاجات الأفراد في المجتمع ، و الأصل أن يتولى الأفراد مهمة إشباع حاجاتهم بأنفسهم ، بحيث لايكون للإدارة أي تدخل في هذا الشأن إلا بصدد المشروعات و الخدمات ، التي يجب ألا تترك للأفراد نظرا لبعض الإعتبارات المتصلة بسيادة الدولة أو أمنها العام ، و ذلك بحسب الفلسفة الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية السائدة في الدولة .
و تعد فكرة المرفق العام من الأفكار الأساسية في القانون الاداري ، بل إن جوهر نشاط الحكومة في أي دولة من الدول يتجسد في تشغيل المرافق العامة ، ولعل ما يؤكد أهمية المرفق العام أنه يعتبر أحد النظريات التي كرست خصوصية القانون الإداري و تم بناء مفردات هذا القانون على أساسها فقد بقي لفترة طويلة المحور الذي تدور عليه نظريات القانون الاداري ويتحدد في إطاره إختصاص القضاء الاداري ، للنظر في المنازعات الادارية و لذا فإن القانون الاداري في نظر مدرسة المرفق العام هو قانون المرافق العامة الذي ترد جميع مبادئه ، و أحكامه إلى المرفق العام حيث عرف العميد" بونارد" القانون الإداري بأنه قانون المرافق العامة على أساس أن الدولة هي مجموعة متكاملة من المرافق العامة ينظمها ويشرف عليه الحكام .
وبناءا على ما سبق تتبين لنا أهمية المرافق العامة و حاجة المجتمع اليها ، و لذلك أردنا أن نسلط الضوء من خلال هذه الورقة البحثية على تعريف المرافق العامة وتبيان أهم صورها في ظل تزايد المتطلبات الاجتماعية والانفتاح العالمي وتكنولوجيا المعلومات حيث تطورت حاجيات المجتمع وازدادت عما كانت عليه في وقت مضى .فما المقصود بالمرفق العام وماهي الأساليب المتبعة في إدارته وتسييره ؟
و للإجابة عن الإشكالية قسمنا ورقتنا البحثية و فقا للاتي :
أولا :تعريف المرفق العام .
ثانيا: طرق إدارة وتسيير المرافق العامة .
أولا:تعريف المرفق العام:
التعريف اللغوي للمرفق العام :هو ما إرتفقت به وهو ما يستعين به.
وقال تعالى "و يهيئ لهم من أمرهم مرفقا" (1)
ومرافق البلاد أي ما ينتفع به السكان عموما ولذلك ذكر أهل اللغة أن كل ما ينتفع به يطلق عليه مرفق داخل الدار ، أو خارجها و بذلك يطلق لفظ المرفق على الأشياء التي ينتفع بها الانسان ويستعين بها لتحقيق مقصوده.
التعريف الإصطلاحي للمرفق العام : تتجه فكرة تعريف المرفق العام اتجاهين أساسيين (2)،احدهما يركز في تعريفه للمرفق العام على الجانب العضوي باعتبار المرفق العام منظمة أو جهاز إداري عام ، في حين يركز الاتجاه الثاني على الجانب المادي الموضوعي للمرفق العام ، باعتبار المرفق نشاط عام يستهدف تحقيق أهداف عامة تتمثل في اشباع الحاجات العامة في الدولة.
إضافة للاتجاهين السابقين هناك إاتجاه آخر يجمع بين الجوانب المادية والعضوية لفكرة المرفق العام ، ومن بين هذه التعريفات التي تركز على المعنى والجانب العضوي الشكلي ذلك الذي يعرف المرفق العام على أنه منظمة عامة من السلطات والاختصاصات ، التي تكفل القيام بخدمة معينة للجمهور على نحو منتظم.
ومن بين أهم التعريفات التي تركز على الجانب المادي والموضوعي لفكرة المرفق العام ،أي المرفق كنشاط يستهدف تحقيق مصلحة عامة ، هناك تعريف "ليون دوجي " والذي يقوم على أن المرفق العام "كل نشاط يجب يكلفه وينظمه ويتولاه الحكام ،وان هذا النشاط لا يمكن تحقيقه على أكمل وجه إلا عن طريق تدخل السلطة الحاكمة "(3)
أما التعريفات التي تجمع بين الجوانب الشكلية والجوانب الموضوعية لفكرة المرفق العام تعريف الدكتور سليمان الطماوي ، والذي يقرر فيه أن المرفق العام هو "مشروع يعمل بإطراد وانتظام ،واشراف رجال الحكومة بقصد أداء خدمة عامة للجمهور مع خضوعه لنظام قانوني معين "
وهناك تعريف آخر للدكتور عثمان خليل والذي يقوم على أن "المرفق العام هو "مشروع تتولاه الإدارة لأداء خدمة "(4)
يستعمل المرفق العام للدلالة على معنيين أحدهما عضوي والآخر مادي ، فالمعنى العضوي يطلق على الهيئة العامة التي تمارس النشاط ذا النفع العام (مستشفيات عمومية ،وزارات ،مدارس ،جامعات عمومية) ، اما المعنى المادي فيطلق على النشاط أو العمل الذي يمارسه المرفق تحقيقا للمصلحة العامة ( الصحة ،الأمن ،الدفاع ،العدل ) وتبعا لهذه المقتضيات المختلفة لعدم التمييز بين مرافق عامة عضوية ، ومرافق عامة مادية يصعب وضع تعريف مانع لفكرة المرفق العام(5).
بالنسبة لتعريف المرفق العام في الفقه الإسلامي:فهو غير منصوص عليه في الكتب الفقهاء ، فالقارئ لكتب الفقه الاسلامي لا يجد فيها مصطلح المرفق العام غير انه يجد المقصود به فالفقهاء تكلموا عنه في ابواب عديدة ومن امثلة ذلك ما ذكروه عن الزكاة والوقف وغيرها ولكن بغير هذا المسمى ، أي المراد به ليس بعيدا عن المراد عند القانونيين ،فالمعنى واحد .
و لابأس بأن نشير إلى صور المرفق العام في الفقه الإسلامي كالمساجد والجوامع والتي تعد ملكا لجميع المسلمين، و لهم حق الإستفادة منها و الجسور و الآبار و الحدائق و المراعي ، المدارس ودور العلم ، و غيرها من المرافق التي ينتفع بها عامة المسلمين تعد هي الاخرى من المرافق العامة (6 ).
أ/عناصر المرفق العام:
وبعد تعريف المرفق العام لابد من بيان العناصر التي يقوم عليها هذا الاخير والتي ميزته عن عن غيره من الاجهزة الإدارية الاخرى ،والتي تتمثل في :
1/المرفق العام مشروع :يعتبر المرفق العام مشروع عام يقوم بنشاط معين ومنظم تمارسه مجموعة بشرية قيادية وتوجيهية وادارية وتنفيذية عن طريق وسائل مادية فنية وقانونية لتحقيق الهدف.( 7)
2/المرفق العام يحقق المصلحة العامة:إن الهدف من المرافق العامة هو تحقيق المصلحة العامة ، أو ما يعرف بالنفع العام، فعلى المرفق العام ضمان تخقيق وتقديم الخدمة لافراد المجتمع دون انقطاع وبإستمرار والا أ3عتبر هذا الأخير عاجزا عن تلبية حاجيات المجتمع مثل مرافق الصحة والعدل والأمن .فالخدمة العامة تعد عنصرا أساسيا من عناصر المرفق العام بالرغم من كونها فكرة فضفاضة ومرنة وتختلف من مجتمع لأخر .
3/المرفق العام مرتبط بالإدارة وبالدولة :
حتى يكون المرفق عاما لابد من أن يتصل بالإدارة العامة إتصالا وظيفيا وعضويا على وجه الخصوص والدولة على وجه العموم ، لكون المرفق العام يشكل الأداة التي تسعى الدولة من خلالها إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.أي أن المرفق العام يخضغ لسلطات عامة من سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية سواء تعلق الامر بإنشاء المرفق أو تسييره أو تنظيمه أو حتى الرقابة عليه .(Cool
ب/النظام القانوني للمرافق العامة:و في هذا الإطار سنتعرف على القواعد الخاصة بإنشاء المرفق العام من جهة أما من جهة أخرى فسنتعرض للمبادئ التي تحكمه.
1/كيفية إنشاء المرافق العامة:إن إنشاء المرافق العامة في الدولة كأداة لأجل تحقيق حاجيات أفراد المجتمع يتم عن طريق إستحداث مشاريع عامة لأول مرة ، أو عن طريق تحويل المشاريع الخاصة إلى مشاريع عامة لأجل تحقيق مصلحة عامة للجمهور .
إن إنشاء المرافق العامة يتم بناءا على قانون صادر من السلطة التشريعية التي تخول السلطة التنفيذية سلطة انشاء مرافق عامة (9) ،و ليس للأفراد الحق في المطالبة بإنشاء مرافق عامة ، وإنما السلطة التقديرية تعود للسلطة المختصة . إلا أنه وبعد صدور دستور 1958 في فرنسا تغيرت هذه القاعدة التقليدية ، اذ نص هذا الاخير في محتوى المادة 34 منه على تحديد إختصاصات السلطة التشريعية والتي لم يكن من بينها إختصاص إنشاء المرافق العامة ، وبالتالي أضحى هذا الإختصاص من شأن الإدارة ، ولا يتدخل البرلمان فيه إلا عند طلب الموافقة على اعتمادات مالية جديدة.
2/إلغاء المرافق العامة : ان القاعدة التي تحكم إلغاء المرافق العامة تقضي بإلغاء هذه الأخيرة يكون على نفس النهج الذي أنشأت به ، فالمرفق الذي تم إنشاءه بقانون لا يتم إلغاءه إلاا بقانون ، أاما المرفق الذي جاء بناءا على قرار من السلطة التنفيذية فيلغى بقرار من السلطة التنفيذية ، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك ، أما بالنسبة للأموال التي تخصص للمرفق العام لأجل القيام بمهامه ، ففي حالة إلغائه فإنها تؤول للجهة التي ينص عليها القانون ، فإذا لم ينص القانون على ذلك فإنها تضاف للشخص الإداري الذي كان يتبعه المرفق الملغى (10).
ج/ المبادئ التي تحكم سير المرافق العامة :أساسية مشتركة سواء تعلق الأمر بمرافق إدارية أاو تجارية أو صناعية ، وسواء كانت هذه المرافق تدار عن طريق الإستغلال المباشر أو بأي شكل من الأشكال.
1/مبدأ سير المرفق العام بانتظام و اطراد :و يقو م هذا المبدأعلى ضرورة قيام المرفق العام بماعليه من واجبات دون تقطع وبشكل منتظم لان اي توقف سوف يصيب قطاع الخدمات العامة والاقتصادية بشلل ينعكس صداه مباشرة على الجمهور التي لا تجد بديلا اخر لأداء هذه الخدمات (11)، وإن يتم تنظيم الاضرابات التي يقوم بها الموظفين .وكذلك الحال بالنسبة للإستقالة التي لا تنتج اثرها إلا بعد قبولها من الجهة المختصة ، وعلى الموظف القيام بالمهام الموكلة إليه على أن لا يعطل سير المرفق العام .
2/مبدأ مساواة المنتفعين أمام المرافق العامة :فالمساواة أمر ضروري خاصة بالنسبة للمرافق العامة التي لم تأت إلا لتحقيق المصلحة العامة ، ولهذا عليها معاملة الجميع معاملة مبنية على المساواة وعدم التمييز ،وعندما نتحدث عن المرفق العام لابد من الإشارة الى مساواة العامة في الإلتحاق بالمناصب الوظائف العامة في الدولة ، وهذا ما أكدته المادة 51 من الدستور الجزائري " يتساوى جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة دون أية شروط اخرى غير الشروط التي يحددها القانون ".
أما بالنسبة للمساواة بين المنتفعين فمعناه عدم التمييز أو إقصاء أي خدمات المرفق العام توجه لجميع أفراد المجتمع ، حيث جاء في المادة 31 من الدستور الجزائري مايلي" تهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان ، و تحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية والإقتصادية و الإجتماعية والثقافية "
وبصفة عامة يمكننا القول أن مبدأ المساواة من أهم المبادئ الذي يجب أن تعمل وفقه المرافق العامة ، والتي لم تنشأ في الأصل إلا لتقديم الخدمات لكافة افراد المجتمع دون تمييز ، وهذا الأساس أشارت اليه المادة 26 من الدستور الجزائري "كل المواطنين سواسية امام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرقأ الجنسأ أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو إجتماعي (12).
3/مبدأ قابلية المرفق العام للتغيير والتبديل :إن الهدف من إنشاء المرافق العامة كما أشرنا سابقا هو تحقيق النفع العام ،فإذا ما تغيرت الظروف لابد من من تغيير نظام العامل الذي يسير وفقه المنفع العام في تقديم خدماته ، حتى يتماشى والمستجدات و التطورات الحاصلة في هذا المجال من جهة ، ومن جهة أخرى فإن التبديل أو التغيير الهدف منه الحفاظ على مستوى معين في تقديم الخدمات ، ومن هنا جاء هذا المبدأ ليكون مبدأ عام يحكم المرافق العامة جميعها ، وليس لآي موظف حق التمسك بالنظام القديم الذي كان يحكمهم كما أنه ليس من حق المنتفعين التمسك بمجانية الخدمة إذا غيرت الإدارة الأسلوب من طريقة الإستغلال المباشر إلى أسلوب المؤسسة (13)
ثانيا :طرق إدارة وتسيير المرافق العامة :
تختلف طرق إدارة وتسيير المرافق العامة ، فهناك من المرافق ما يتم سييرها مباشرة من قبل الدولة أو أحد أشخاص القانون العام ، وهناك من المرافق ما يتم تسييرها من قبل أحد أشخاص القانون الخاص ، والذي يتولى مهمة إدارة المرفق على نفقته لقاء مقابل نقدي من المنتفعين من خدماته و هذا ما يعرف بعقد الإمتياز ، والذي يعد أحد الأساليب التي تلجأ اليها الدولة لإدارة المرفق العام .
وقبل الحديث عن مختلف الطرق المتبعة في تسيير المرافق العامة لابأس وأن نشير إلى معنى التسيير والتدبير في إطار المرافق العامة .
فالتدبير العمومي كمفهوم هو مجموعة وسائل سياسية وإدارية من أجل تحقيق أهداف معينة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي …، فهو يعني كذلك مجموعة معاني مختلفة تميزه في إطار العمل الاقتصادي، الاجتماعي أو السياسي عن فعل ( action ) الإدارة. إن التدبير العمومي يعني أيضا في مجمله الحرية في التصرف والمغامرة زيادة على رصد الأهداف والسعي نحو الوصول إليها ولا يعير أي اهتمام للمخاطر عكس الفعل الإداري الصادر عن الإدارة بالمعنى التقليدي لمفهوم التسيير ( gestion )، فبهذا المعنى الأخير هناك توخي للحذر سواء في الفعل أو القرار ، وعدم الحرية في النظر إلى الأشياء بحيث يكون الرجوع إلى السلطة العليا في الهرم الإداري هي السمة الغالبة ، مما يجعل قراراتها دائما مبنية على جهل ولا تتسم بالوضوح.
بشكل مختصر، فالتدبير العمومي يقتضي عقلية مبادرة وجريئة، وليس فقط عقلية دفاعية، فهو يقتضي تكامل البنيات المؤسساتية من أجل تلبية رغبات المستفيدين وذلك بأقل تكلفة وفي احترام تام للتنظيمات المعمول بها قانونا أخذا بعين الاعتبار المبادئ الأساسية المبني عليها المرفق العام(14) .
مصطلح التدبير العمومي يرجع من حيث الأصل إلى العمق الأنجلوسكسوني والذي يعبر على مستوى الإطار العام ككيفية للقيادة بمعنى أنه مجموعة من الرجال والنساء يعملون من أجل الوصول إلى أهداف معينة تكون متجانسة ومتلائمة.(15)
أ/الاستغلال المباشر للمرفق العام :
يتولى الشخص المعنوي العام الذي يتبعه المرفق العام إدارته مباشرة إذ يقوم يتنظيمه داخليا ويتولى أيضا تسيره و موظفيه ،أي تلعب الحكومة دورا مباشرا في الإدارة الباشرة وتكون لها الكلمة العليا في إتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بتسيير المرفق (16 ) ، و هناك من يعرف هذا النوع من أساليب التسيير المباشر على أنه "تسيير مباشر من قبل المجموعة العامة التي تتولى مسؤولية هذا المرفق "(17).
فالشخص المعنوي العام الذي يتولى تسير المرافق العامة هو الجهة المسؤولة عن توفير التمويل الضروري ، والأشخاص الطبيعيين لضمان سير المرفق العام وتقديمه للخدمات الموكلة إليه بإنتظام ،فالمرافق العامة التي تدار وفق هذا المنهج ليس لها شخصية قانونية مستقلة عن شخصية الشخص المعنوي العام المشرف عليه ، وبالتالي هذا الأخير هو من يتمتع بالحقوق و يتحمل الإلتزامات الناتجة عن نشاط المرفق (18) .
فهذا النوع من المرافق العامة والتي تدار مباشرة عن طريق شخص معنوي عام تقوم مهمتها على تقديم خدمات ذات منفعة كبيرة تتعلق بجوهر وكيان الدولة .وهي تخضع لنظام القانون الإداري وتفض منازعاتها أمام المحاكم الإدارية ومثال ذلك المستشفيات والجامعات .
ب/ أسلوب المؤسسة العامة :من بين الاساليب المتبعة في تسيير المرافق العامة هناك ما يعرف باسلوب المؤسسة و الذي يقوم على ادارة المرفق العام من قبل اشخاص عامة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي و التي تسمى الهيآت العامة اذا كانت تقدم خدمات عامة او تسمى المؤسسسات العامة اذا كان موضوع نشاطها تجاري او صناعي او زراعي او مالي .
وتهدف طريقة المؤسسة العامة إلى حسن إدارة المرفق العام و هي ذات أهمية من حيث تخفيف عبئ تسييرها فهي تتمتع بذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للجهة أو الشخص الذي أنشأها ، حيث تكون تلك الذمة وعاءا لحقوقها والتزاماتها المترتبة عن نشاطها .
ج/ أسلوب الامتياز : يعتبر عقد الامتياز من بين الأساليب المعتمدة لتسيير المرافق العامة ويعرف عقد الامتياز فقها على انه "عقد اداري يتولى الملتزم فردا كان او شركة بمقتضاه وغلى مسؤوليته ادارة المرفق العام عام اقتصادي ، واستغلاله مقابل رسوم يتقاضاها من المنتفعين مع خضوعه للقواعد الاساسية الضابطة لسير المرافق العامة ، فضلا عن الشروط التي تضمنها الادارة عقد الامتياز، او انه طريقة تعهد بمقتضاها الادارة (الدولة او احد الاشخاص الاقليمية )الى احد الافراد او الشركات بادرة مرفق عام اقتصادي واستغلاله لمدة محددة و ذلك عن طريق عمال واموال يقدمها الملتزم وعلى مسؤوليته في مقابل تقاضي رسوم من المنتفعين بهذا المرفق العام "(19)
وعرفه الاستاذ لباد ناصر على انه " عقد او اتفاق تكلف الادارة المانحة سواء كانت الدولة او الولاية او البلدية بموجبه شخصا طبيعيا (فردا) او شخصا معنويا من القانون العمومي (البلدية) او من القانون الخاص (شركة مثلا)، يسمى صاخب الامتياز ،بتسيير واستغلال مرفق عمومي لمدة محددة ويقوم صاحب الامتياز بإدارة هذا المرفق مستخدما عماله و امواله و متحملا المسؤولية الناجمة عن ذلك ، وفي المقابل القيام بهذه الخدمة اي تسيير المرفق العمومي و يتقضى صاحب الامتياز مقابل مبلغ مالي يحدد في العقد،يدفعه المنتفعون بخدمات المرفق (20)
ويعتبر أسلوب الامتياز الاكثر شيوعا في إستغلال المرافق العمومية . و يتميز عقد الامتياز لكونه يحتوى علي نوعين من الشروط ،شروط تعاقدية :تخضع لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين وشروط تنظيمة وهي شروط تملك الجهة الادارية سلطة تعديلها في أى وقت وكلما دعت حاجة المرفق العام لذلك .
وهناك من يعتبر اسلوب الامتياز نموذجا رئيسيا للإدارة الرأسمالية وانه قد يشكل خطرا اذا كان المرفق العام يتعلق بنشاط اقتصادي حيوي تعهد ادارته بواسطة الامتياز الى الشركات الاجنبية والتي قد تحدث أضرارا بالمنتفعين نظرا لسعيها إلى تحقيق أكبر ربح ممكن على حساب المنتفعين (21)
د /أسلوب التدبير المفوض:و هو أحد الاساليب الحديثة في تسيير المرافق العامة وكان أول ظهور له في فرنسافي سنة 1987و هو عقد إداري يقوم على تسسير المرفق العام الصناعي و التجاري المحلي لمدة محددة تنتهي بإنتهاء مدة العقد (22).
إستخدم المشرع الفرنسي مصطلح تفويض المرفق العام أول مرة بفرنسا سنة1987 و إستخدم مصطلح تفويض المرفق العام في قانون السادس من فيفري 1992الخاص بالإدارة اللامركزية للجمهورية ، وعرف هذا التفويض ، على أنه طريقة جديدة من بين الطرق المعتمدة لتسسير المرفق العام تشابه مع عقد الامتياز لإن المدة الزمنية لعقد الإمتياز تكون أطول، إضافة إلى أن الملتزم يتعهد بتوفير الأموال والمستخدمين.بينما في التدبير المفوض تبقى التجهيزات في ملكية الإدارة ، كما يحتفظ المفوض له بالمستخدمين مع مراعاة حقوقهم (23).
فنظام التدبير المفوض من شأنه أن يعود بعائدات مالية مهمة ويحسن خدمات المرافق إلا أن هذا النوع من أنماط التسيير لا يعطي النتائج المتوخاة منه ، إلا إذا كانت هناك عمليات تقييمية لعمل الشركة المفوض لها المشروع ،أي لابد من الرقابة هذه الشركة ومتابعة أعمالها .
يعد عقد البوت من الأنظمة الحديثة التي تعتمدها الدول لتنفيذ المشاريع الضخمة الخاصة بالبنية التحتية وغيرها مثل المطارات والجسور ،و معناه عقد البناء والتشغيل و إعادة الملكية وقد عرف هذا العقد على أنه إتفاق يتم بين الدولة وشركة متخصصة من شركات القطاع الخاص ، توكل بموجبه الدولة إلى الشركة مهمة القيام بأعمال تدخل في نشاطات القطاع العام عن طريق منح هذه الشركة إمتيازا لأجل إنشاء المشروع ، حيث تقوم الشركة الخاصة بانشاء المشروع وتمويله على نفقتها على ان يتم تشغيله وإدارته لعدد من السنوات وتسترد تكاليف البناء وتحقق أرباحا من تشغيل المشروع و إستغلاله تجاريا و في نهاية مدة الإمتياز تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة ضمن قواعد قانونية وفنية متفق عليه مسبقا ، وتقوم الشركة بإستثمار المشروع لحسابها الخاص مدة من الزمن ثم تقوم بنقل ملكيته وكل ما يتعلق به إلى الدولة أو إحدى الإدارات أو المؤسسات العامة .(24)
و لقد عرفت لجنة الأمم المتحدة للقانون النموذجي (الانسترال) عقود البناء و التشغيل و نقل الملكية بأنها شكل من أشكال تمويل المشاريع ، تمنح بمقتضاه حكومة لفترة ما من الزمن أحد الإتحادات المالية الخاصة ، و يدعى شركة المشروع إمتياز لتنفيذ المشروع معين وتقوم الشركة ببنائه ةتشغيله لمدة وتسترد تكاليف المشروع وتحقق الارباح من تشغيله واستغلاله تجارياوتنتقل في الاخير ملكيته الى الحكومة(25).
وعادة ما تكون مدة التشغيل بين 20الى 30سنة ، وبعد المدة المتفق عليها تعود الملكية لصاحب المشروع سواء من القطاع الخاص أو القطاع العام.
و/طريق الإقتصاد المختلط :من بين الاساليب المتبعة في تسيير المرافق العامة ادارة المرافق عن طريق شركات مختلطة ذات طابع صناعي تجاري هدفها تحقيق الربح وتحقيق النفع العام في ان واحد .
ويقوم هذا النوع من المرافق العامة على ما يسمى بشركات الاقتصاد المختلط والتي تعد اشخاصا معنوية من اشخاص القانون الخاص تشترك مع افراد القانون العام في راس المال بهدف ادارة نشاط له علاقة بالمصلحة ، اي ان شركات الاقتصادالمختلط تقوم على مساهمة الدولة أو أحد اشخاص القانون العام في راس المال ، و تأخذ هذه الشركات عادة شكل شركة مساهمة وهي شركات تجارية تخضع للقانون التجاري و قد تكون حصة الدولة في الشركة حصة نقدية او عينية (عقارات).
وتعرف شركات المساهمة على أنها"هي الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى حصص وتتكون من شركاء من القانون الخاص ، او أحد أطرافها شخص عام ولا يتحملون الخسائر الا في حدود أو بقدر حصصهم في راس مال الشركة. و تخضع هذه الشركات لرقابة الدولة أن غالبية رأس المال مملوك للدولة.
خاتمة:
عرف المرفق العام تطورا ملحوظا وركزت عليه مدارس عدة و إرتبطت به مفاهيم كثيرة من قبيل المصلحة العامة ، والسلطة العامة فهو الذي تضمن به الدولة إنجاز وتحقيق وظيفة إشباع الحاجات بإنتظام وفي أفضل صورة ، ونظرا لتنوع المرافق العامة وتدخل الدولة في مختلف مجالات هذا الميدان أدى بالضرورة إلى تنوع ، و تعدد كيفيات وطرق تسيير وإدارة المرافق العامة ، و تختلف وتتنوع طرق و أساليب إدارة المرافق العامة بإختلاف هذه الأخيرة وتنوع نشاطها من جهة ، و وفقا للظروف التي تحيط بمجال تدخل الادارة في المرفق العام عامة فهناك طرق تقليدية وطرق مستحدثة في تسيير المرافق العامة .
فالطرق التقليدية التي إعتمدت عليها الدولة في تسيير المرافق العامة ، والمتمثلة في الإستغلال المباشر والمؤسسة العامة وأسلوب الإمتياز ، أضحت في ظل تطور دور الدولة في الحياة الإقتصادية بحاجة الى تجديد و إستحداث اساليب جديدة لفتح المجال امام الدولة للتدخل في العديد من المجالات التي كان ينظر اليها على أنها حكرا على الافراد في ظل النظام الرأس مالي .
وهذا ما أدى إلى ظهور أساليب جديدة ومتطورة مثل أسلوب التدبير المفوض ، وعقود البوت التي تخفف من أعباء الدولة في تحمل نفقات إنشاء مشاريع ضخمة ، وتشغيلها حيث يوكل المشروع في هذا العقد الى شركات خاصة ، والتي تلتزم تسليم المشروع بعد بنائه واستغلاله لفترة من الزمن إلى الدولة في حالةجيدة وقابلة للتسيير وبناءا على ما سبق هناك مجموعة من النتائج استخلصناها من هذه الدراسة وهي.:
-أن هذا التنوع والإختلاف في إعتماد الطرق والأساليب يقتضي بالضرورة الوقوف على حماية المال العام ، وذلك وفق آليات مقننة ، فالمرفق العام يقدم خدمات كثيرة ومتنوعة في الحياة اليومية للمواطن لكنه غالبا مل يتعرض للإتلاف والإهمال فلا بد من المحافظة عليه .
- إن المرفق العام نشاط منظم تمارسه مجموعة بشرية تستعين بوسائل قانونية ومادية وفنية من أجل تحقيق هدف معين. ويستخدم المرفق فى سبيل تحقيق اهدافه وسائل قانونية اهمها القرارات الإدارية ، والعقود ووسائل مادية تتمثل فى الأداوت و الأموال العقارية والمنقولة ، ووسائل فنية تختلف من مرفق لمرفق اخر. ولا يخفى عنا أن المرفق العام مجرد مشأة وأن الاصل فيه الطاقم المسير له من مديرين وموظفين الذين يجب أن يمتازوا بالاخلاق و التكوين والتطور في نفس الوقت لأجل اداء الخدمة على احسن وجه.
-إن تحديات العصر الحديث تلزم على مسيري القطاعات والمرافق العامة زيادة على توفر شرط الأخلاق ، التكيف مع الأساليب العلمية الحديثة بأسلوب رفيع يهدف الرفع من مستوى إنتاجية ومردودية الموظفين ، ذلك أن النمط البيروقراطي الهرمي والمنحصر فقط في وظيفتي الإمتثال والأمر، وتنفيذ التعليمات والرقابة والتأديب أصبح متجاوزا وحلت محله إدارة تدبيرية حديثة قائمة على شكل أفقي تواصلي يرمي في الأصل إلى ضرورة الانفتاح والتحاور واستخدام آليات التواصل الحديثة خدمة للمصلحة العليا للبلد بروح أخلاقية عالية. و بهذه الطريقة يمكن خلق قناة للتواصل بين المرفق العام و المواطن مبني على الحداثة في الإستقبال وتقديم الخدمات النوعية.
قائمة المراجع :
1- القرآن الكريم ، الاية 16 من صورة الكهف.
2- د/رياض عيسى ،نظرية المرفق العام في القانون المقارن ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر سنة 1984 ،ص11.
-3د/ عمار عوابدي ،القانون الاداري الجزء الثاني ،النشاط الاداري ، الطبعة الرابعة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،سنة2007، ص57.
4- ص21د/محمود حافظ ،نظرية المرفق العام ،جامعة القاهرة ،كلية الحقوق ،دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ،السنة الجامعية 1963-1964،(16-18).
5-د/ مليكة الصروخ القانون الإداري ، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، ص 286.
6-د/ خالد الظاهر ،ضوابط المرفق العام في الفقه الاسلامي ،المعهد العالي للقضاء ، جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية.
7- د/ جبار جميلة ،دروس ومحاضرات في القانون الاداري ،منشورات كليك ،الطبعة الاولى ،الجزائر سنة2014 ،ص165 .
8- د/ جبار جميلة ،مرجع سابق ،ص 166.
9- د/سليمان الطماوي، مبادئ القانون الاداري ،دار الفكر العربي ،القاهرة، ص28.
10/نفس المرجع ، ص 35.
11-د/محمد فاروق عبد الحميد ، نظرية المرفق العام في القانون الجزائري بين المفهومين التقليدي والاشتراكي،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر، دون سنة ص169
12- دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1996 المعدل والمتمم لدستور 1989.
13-د/ عمار بوضياف الوجيز في القانون الاداري ،،جسور للنشر و التوزيع ط2 الجزائر 2007، ص348.
14-Mohamed Finioui, La problématique de la gouvernance dans le management public : cas de Tunisie et du Maroc / in Revue marocaine d’audit et de développement, n° 19 décembre 2004, p 72.
15-إن فكرة التدبير العمومي هي فكرة حديثة على مستوى المرافق العامة بحيث أننا أمام فكرة وليست نظرية للتدبير العمومي، فهذا المصطلح يتضح لأول وهلة بعيد عن المؤسسة العمومية بحيث أن هذا المفهوم ظهر أساسا في القطاع الخاص.
16-د/محمد فاروق عبد الحميد ، مرجع سابق، ص 154.
17-د/أحمد محيو محاضرات في المؤسسات الادارية ، ترجمة محمد عراب صاصيلا ،ديوان المطب
18/على خطار شطناوي ص 280
19-د/أحمد سلامة ،العقود الادارية و عقد البوت ،مكتبة دار النهضة العربية، القاهرة 2003 ص 124.
20-د/ناصر لباد،الوجيز في القانون الاداري ،ط1،منشورات لباد ،الجزائر 2006 ص212.
21/د/رياض عيسى، مرجع سابق ،ص19
22-د/محمد يحيا المغرب ،المغرب 2002 ص 350.
23-د/عبد الله حداد ، الوجيز في قانون المرافق العامة الكبرى ، منشورات عكاظ سنة2001 ، ص152
24-م/نادر عبد العزيز شافي ، ما هي عقود البوت ولماذا يتم اعتمادها ، مجلة الجيش العدد 318، كانون الاول سنة2011.
25-د/ نوفان العقيل العجارمة ،عقد البناء والتشغيل ونقل الملكية وتطبيقاته في نظام القانون الاردني ،دراسات الشريعة والقانون ،المجلد 40 الملحق الأول ، سنة 2013 ، ص1051