إبادة محاصيل زراعية للمواطنين البدو في النقب من قبل الدولة بواسطة رشها بمواد كيماوية من الجو
منذ عام 2002 وحتى 2004 أبادت دائرة أراضي إسرائيل ("المنهال") نحو 29,700 دونم من الأراضي الزراعية في النقب. وكانت هذه الأراضي مزروعة بالقمح والشعير من قبل المواطنين العرب البدو في النقب، الذين يسكنون في القرى "غير المعترف بها"، وهي تشكل بالنسبة لهم مصدرا أساسيا ووحيدا للرزق.
تمت عملية إبادة المحاصيل خلال سبعة تواريخ مختلفة، فقد تم رشها بمادة كيماوية باسم "راوند-أب" (Round up) بواسطة طائرات إستأجرتها دائرة أراضي إسرائيل (يشار اليها فيما يلي ب: "دائرة الأراضي"), وقامت هذه الطائرات، بالتعاون مع مفتشي "الدوريات الخضراء" ترافقها قوات كبيرة من الشرطة، بالتحليق فوق الأراضي الزراعية - وفي بعض الحالات حتى فوق المراكز السكنية البدوية القريبة من الأراضي الزراعية، كما سنوضح لاحقا – ورشت المواد الكيماوية.
من الشهادات التي جبتها المؤسسة العربية لحقوق الانسان (يشار اليها فيما يلي ب: "المؤسسة العربية") من المواطنين البدو الذين تم رش أراضيهم بمواد كيماوية, يتضح أن عمليات الرش تمت:
(1) بشكل مفاجئ ودون تحذير المواطنين مسبقا؛
(2) دون اللجوء الى الاجراء القانوني الذي يمنحهم حق الاستماع الى طعوناتهم قبل تنفيذ عملية الرش؛
(3) دون منحهم أية امكانية للتوجه الى القضاء مسبقا لمنع تنفيذ عملية الرش، أو فحص مدى قانونيتها على الأقل؛
(4) دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود نزاع بينهم وبين دائرة الأراضي، منذ عدة سنوات، حول ملكية الأراضي الزراعية التي تم رشها لم يتم حسمه بعد؛
(5) دون مراعاة حقيقة تواجد بعض المواطنين العرب في المناطق الزراعية، في بعض الحالات التي تمت فيها عمليات الرش، الأمر الذي أدى عمليا الى تساقط المواد الكيماوية عليهم واستنشاقهم لها، وهو ما أدى الى صعوبات التنفس، الصداع، الدوخان والشعور بضعف عام في الجسم، واضطر بعضهم الى العلاج الطبي؛
(6) دون الأخذ بعين الاعتبار ان عمليات الرش أدت في بعض الحالات الى نفوق بعض الحيوانات؛
(7) دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود العديد من الأبحاث التي تشير الى وجود مخاطر عديدة على صحة الانسان والحيوان جراء استعمال هذه المواد الكيماوية، التي تستعمل منذ عدة سنوات لابادة الأعشاب السائبة وغيرها من النباتات الضارة. كما إن تعليمات استعمال هذه المواد المرفقة تمنع استعمالها عن طريق الرش جوا، ناهيك عن الاستعمال قرب أماكن السكن.
تدعي دائرة الأراضي، بأن المواد التي استعملت للرش (“راوند-أب”)، مصادق عليها من وزارة الزراعة، قسم حماية النباتات، وهي ليست سامة وغير مضرة للانسان والحيوان. غير أن بحوزة المؤسسة العربية رأيين خبيرين من مختصين – أحدهما مختص بالكيمياء والثاني في الطب – تدحض هذه الادعاءات، أو تشكك بصدقيتها وصحتها على الأقل. على كل حال، بناء على رأي المختصين، وبناء على تعليمات الاستعمال المرفقة مع المواد الكيماوية، فإنه يمنع رش هذه المواد من الجو، فكم بالحري رشها بالقرب من المراكز السكنية.
خلفية ابادة المحاصيل تعود الى نزاع بين الدولة – ممثلة بدائرة الأراضي– والمواطنين العرب البدو، حول ملكية الأراضي في النقب. وبدأ هذا النزاع منذ إقامة دولة إسرائيل، وما زال مستمرا حتى يومنا هذا. تدعي دائرة الأراضي، إن الأراضي التي يزرعها المواطنون العرب البدو هي أراضي دولة, وأن المواطنين البدو استولوا عليها وزرعوها بدون إذن وبشكل غير قانوني، لذلك فإن أعمال الرش هي أعمال قانونية تهدف الى إخلائهم ومنع استيلائهم عليها مجددا. وبالمقابل، يدعي المواطنون العرب أنهم يملكون هذه الأراضي ويفلحونها منذ القدم – منذ عهد الحكم العثماني في فلسطين، أو قبل قيام دولة إسرائيل على الأقل – لذلك فان ملكيتها تعود لهم، ومن حقهم مواصلة زراعتها الآن أيضا.
تركزت التغطية الاعلامية لعمليات الرش، والنقاش الجماهيري حولها، غالبا، حول مسألة النزاع على الأراضي في النقب بين الدولة والمواطنين العرب البدو. وبكلمات اخرى، التعامل مع عمليات الرش والنقاش حولها كان عبر مرآة هذا النزاع فقط. وفي الحقيقة فقد كتب القليل جدا عن قانونية استعمال هذه الوسيلة، خاصة حول تبعيات استعمال هذه المواد بالقرب من مراكز السكان، وحول المس الخطير بالحقوق الأساسية للمواطنين البدو.
يتناول هذا التقرير مسألة قانونية استعمال المواد الكيماوية لرش الأراضي الزراعية للمواطنين البدو من الجو، وكل ما يتعلق بها، دون علاقة بمسألة النزاع على ملكية الأراضي. ترى المؤسسة العربية أن هذه الوسيلة غير قانونية بشكل قاطع، وتمس بحقوق الانسان للمواطنين البدو بشكل صارخ، مثل: الحق في الصحة وفي بيئة صحية، الحق في العيش وفي توفر الحد الأدنى للمعيشة الانسانية، الحق في العمل واختيار نوع العمل والحق في الملكية. لذلك يمنع كليا استعمال هذه الوسيلة، حتى لو افترضنا أن مكلية هذه الأراضي تعود للدولة وأن المواطنين البدو استولوا عليها وزرعوها بدون إذن وبشكل غير قانوني، كما تدعي دائرة الأراضي.
يستعرض الفصل الثاني من هذا التقرير، بشكل موجز، مسألة النزاع على الأراضي بين الدولة والمواطنين البدو من وجهة نظر تاريخية، أي: منذ فترة الحكم العثماني في فلسطين وحتى يومنا هذا. يهدف هذا الاستعراض تقديم خلفية كافية لفهم التوترات القائمة بين الدولة والمواطنين البدو، التي أدت الى تنفيذ عمليات الرش من قبل الدولة.[1] أما الفصل الثالث فيعرض وصفا لعمليات الرش من قبل الدولة، منذ عام 2002 وحتى كتابة هذا التقرير, وكذلك إدعاءات الدولة وتسويغاتها لاستعمال تلك الوسيلة. يشمل الفصل الرابع تلخيصا لرأيين اختصاصيين - أحدهما مختص بالكيمياء والثاني مختص بالطب – المتوفرين لدى المؤسسة العربية، حول المخاطر المترتبة عن استعمال مادة "راوند-أب" ورشها من الجو. في الفصل الخامس نتناول مسألة صلاحية دائرة الأراضي في رش المحاصيل الزراعية للمواطنين البدو في مواد كيماوية من الجو كوسيلة لإخلائهم منها. الفصل السادس يتناول الحقوق الأساسية للمواطنين البدو التي أنتهكت من الدولة عن طريق استعمال عمليات الرش. الفصل السابع والختامي يشمل تلخيصا للفصول السابقة واستنتاجات, كما يشمل توصيات مستقبلية حول استعمال وسيلة رش المحاصيل الزراعية من الجو بمواد كيماوية.
النزاع حول الأراضي في النقب بين الدولة والمواطنين البدو في مرآة التاريخ[2]
أ) فترة الحكم العثماني (القرن السادس عشر حتى بداية القرن العشرين)
يستدل من الدراسات التاريخية حول المواطنين البدو في النقب، أنهم قدموا الى البلاد من شبه الجزيرة العربية منذ القرن الخامس ميلادي. وفي عهد الامبراطورية العثمانية في فلسطين (من القرن السادس عشر حتى بداية القرن العشرين)، كان البدو هم السكان الوحيدون في النقب. وهم الذين حازوا على الأرض وفلحوها. حددت حقوق ملكية الأراضي في تلك الفترة بناء على قوانين الدين الاسلامي (الشريعة). لم يتم إجراء تغييرات جذرية على القوانين العثمانية المتعلقة بالأراضي، التي بلورت في منتصف القرن التاسع عشر، مقارنة بالقوانين الإسلامية، لكن تم توسيع تعريفات أنواع الأراضي المختلفة.
في الحادي والعشرين من شهر نيسان 1858، نشرت الحكومة العثمانية قانون الأراضي العثماني، في محاولة لوضع حد للفوضى التي سادت في مجال حقوق الأراضي في أرجاء الامبراطورية العثمانية. حاولت الامبراطورية العثمانية التوصل الى أصحاب الحقوق وتسجيل الأراضي التي بحوزتهم. وفي الرابع عشر من كانون الأول 1858 سن العثمانيين قانون الطابو، الذي فرض على كل من طالب بحق على الأرض تسجيلها على إسمه في سجل العقارات واقتناء حقوق الملكية الكاملة عليها. في اعقاب هذا القانون، صادرت الحكومة جميع الأراضي التي لم يطالب بها أحد. وقد عمد النظام العثماني الى تحويل الأراضي التي لا ادعاء عليها الى أراضي الدولة.
لم يقم المواطنون البدو في النقب بعمل ما يلزم بناء على قانون الأراضي العثماني من عام 1858 بهدف تثبيت حقوقهم على الأراضي التي كانت بحوزتهم وقاموا بفلاحتها.[3] ونتيجة ذلك تم تعريف الأراضي التي بحوزتهم وتصنيفها كأراض "موات"[4], وذلك رغم أنها كانت ضمن استعمال المواطنين البدو. وبناء على قانون الأراضي العثماني، فإن كل من استصلح أرضاً من نوع "موات" بموافقة السلطات، يحق له الاستفادة من ثمارها، لكنها تبقى تحت ملكية للدولة.
ب) فترة الحكم البريطاني (1917-1948)
بعد قيام الحكم البريطاني على فلسطين عام 1917، سادت حالة من الفوضى في تسجيل العقارات. لذلك عمد الحكم البريطاني الى توضيح القانون القائم وسن قوانين إضافية. ضمن هذه الخطوات تم عام 1921 تأسيس محاكم الأراضي، التي هدفت الى تسوية الحقوق على الأراضي.
بالاضافة الى ذلك، أصدر البريطانيون في عام 1928 أوامر الأراضي (تسوية الحقوق على الأراضي)، بهدف تسجيل الأراضي بطريقة عصرية في سجل العقارات. أيضا هنا لم يقم المواطنون البدو في النقب بالعمل بناء على تلك الأوامر ولم يطالبوا بحقوقهم على الأراضي التي كانت في حوزتهم وكانوا يستصلحونها، وهكذا لم يتم تسجيل حقوقهم على الأراضي في سجل العقارات.[5]
كما أن أوامر أراضي الموات لعام 1921 منعت إمكانية استملاك حقوق الملكية الشخصية على الأراضي من نوع "الموات" عبر حيازتها أو استصلاحها؛ هكذا منع هذا القانون المواطنين البدو من تسجيل حقوقهم على الأرض, حتى وأن طالبوا بهذه الحقوق بناء على أوامر الأراضي (تسوية الحقوق على الأراضي).
يعود عدم نجاح المواطنين البدو في النقب في تسجيل الأراضي التي كانت في حوزتهم، والتي كانوا يفلحونها فترة الحكم العثماني والبريطاني الى عدة أسباب، أهمها: أولا، عدم وجود نزاعات داخلية بين البدو على الأراضي، حيث اعترفت العشائر، فيما بينها، بحقوق العشائر الأخرى على الأراضي التي كانت بحوزتها؛ أما داخل العشيرة نفسها، فقد قام زعماء العشائر بتوزيع أراضي العشيرة على أبنائها. ثانيا، لم يجد المواطنون البدو أية حاجة لاثبات ملكيتهم على الأرض، لأنهم تصرفوا بها كما يتصرف اصحاب الأملاك بملكهم، ودون أي تحفظ من السلطة. لذلك لم يروا حاجة لتسجيل أراضيهم.
ج) بعد إقامة دولة إسرائيل (1948 - )
خلال حرب 1948 وحتى عام 1953، قامت السلطات الإسرائيلية بطرد ثلاثة أرباع المواطنين البدو من النقب، خاصة من النقب الغربي، من أراضيهم. طرد بعضهم خارج حدود الدولة، وتم تجميع البعض الآخر في المنطقة الواقعة شرقي مدينة بئر السبع، المسماة اليوم منطقة "السياج". وتشمل هذه المنطقة مواطنين بدواً كانوا يسكنون هناك قبل إقامة دولة إسرائيل، ومواطنين بدواً تم نقلهم اليها بالقوة من قبل السلطات الإسرائيلية، بعد أن تم وعدهم بالعودة الى أراضيهم بعد استقرار الأوضاع الأمنية. علماً ان هذه الوعود لم تنفذ بالمرة، وما زال هؤلاء المواطنون البدو يسكنون منطقة "السياج" حتى يومنا هذا.
عاش المواطنون البدو تحت الحكم العسكري حتى عام 1966، وقد منعهم من مغادرة منطقة "السياج". كما تم الاعلان عن غالبية الأراضي التي كانت بحوزتهم والواقعة خارج منطقة "السياج" مناطق عسكرية مغلقة، مما منعهم من العودة اليها, حتى بعد انتهاء فترة الحكم العسكري.
استغلت الحكومة الإسرائيلية هذه الوضعية، وقامت بمصادرة غالبية الأراضي الواقعة خارج منطقة "السياج" بطرق عديدة، بهدف اعداد هذه الأراضي للاستيطان اليهودي: الطريقة الأولى كانت بواسطة قانون وضع اليد على الأراضي من عام 1950، الذي تم بموجبه مصادرة أراض بغرض "الدفاع عن الدولة، سلامة الجمهور، وجود احتياطي ضروروي، خدمات عامة ضرورية، استيعاب المهاجرين، تأهيل الجنود المسرحين أو الجنود المعاقين". الطريقة الثانية، بواسطة قانون "أملاك الغائبين لعام 1953"، الذي يعرف أملاك المواطنين البدو الذين كانوا "غائبين" عن أراضيهم لكنهم مكثوا داخل حدود الدولة،[6] على أنها "أملاك غائبين". الطريقة الثالثة، بواسطة قانون استملاك الأراضي (تصديق اجراءات وتعويض) 1953، الذي أقر السماح بمصادرة الأراضي للحاجات الضرورية إذا توفرت الشروط الثلاث التالية: (1) أن العقار لم يكن بتاريخ 1/4/1952 تحت تصرف صاحبه؛ (2) أنه استعمل أو خصص في الفترة ما بين 14/7/1948 و 1/4/1952 لأغراض تطوير حيوية، للاستيطان أو لأغراض الأمن؛ (3) أنه ما زال مطلوبا لواحد من الأغراض المذكورة في البند (2) أعلاه. أستغلت السلطات الإسرائيلية حقيقة تجميع المواطنين البدو من النقب الغربي في منطقة "السياج"، لتقوم بمصادرة أراضيهم بحجة أنهم مواطنون "غائبون"، متجاهلة بذلك حقيقة نقلهم الى هذه المنطقة عنوة من قبل السلطات الإسرائيلية نفسها، وعدم السماح لهم بالعودة الى أراضيهم، حتى بعد إنتهاء الحكم العسكري.
في عام 1969 تم سن قانون الأراضي، الذي عَرَّفَ طريقة استملاك الحقوق على الأراضي وحجم هذه الحقوق. وقد استغلت دولة إسرائيل هذا القانون من أجل عدم الاعتراف بحقوق المواطنين البدو في أراضيهم حتى داخل منطقة "السياج"، إذ يحدد القانون بشكل واضح،[7] ان الأراضي التي تعرف كأراضي "الموات" عشية سريان القانون، تسجل كأراض تابعة للدولة.
إضافة لذلك، وجد المواطنون البدو صعوبة في اثبات ملكيتهم على الأراضي التي كانت في حوزتهم بالإستناد على هذا القانون، ذلك لسببين رئيسين: أولا، اعتاد غالبية البدو نقل الملكية على الأراضي شفاهة، ودون استعمال الوثائق، وهو ما لا يعترف به القانون؛ ثانيا، لم يقم العثمانيون والبريطانيون بتسوية الملكية على أراضي النقب، لهذا لم تسجل حقوق المواطنين البدو في سجل العقارات.
حاول المواطنون البدو، منذ قيام دولة إسرائيل، المطالبة بتسجيل الأراضي التي كانت في حوزتهمم، بعدة طرق: الطريقة الأولى كانت بواسطة الاعتماد على الحق النابع من الحيازة الفعلية للأرض، الوراثة والهدية. لكن المحاكم الإسرائيلية لم تقتنع بأي من هذه الادعاءات، وقررت أن حقيقة استمرار مكوث المواطنين البدو في هذه الأراضي، لا تمنحهم حقوقا على الأراضي. الطريقة الثانية، بواسطة ادعاء "الإحياء"؛[8] ومع أن دولة إسرائيل كانت قد تبنت قانون الأراضي العثماني، إلاّ أنها لم تعترف بإدعاء "الإحياء" للمواطنين البدو ورفضته. الطريقة الثالثة، بواسطة الاعتماد على إثباتات دفع الضرائب عن الأراضي التي كانت بحوزتهم. هذا الادعاء أيضا تم رفضه بالاستناد الى التحديد الوارد في أوامر الأراضي (تسوية الحقوق على الأراضي)، القائل بأن التسجيل في سجلات الضرائب لا يضمن الملكية، بل يستطيع، في أفضل حال، اثبات الحيازة خلال فترة دفع الضرائب فقط.
بعد عام 1966 بدأت عملية لتسوية الأراضي في النقب. في أعقاب ذلك، خلال السبعينيات، رفع المواطنون البدو لمأمور التسويات دعاوى بهدف تسجيل حقوقهم على الأراضي التي كانت بحوزتهم وكانوا يفلحونها.[9] لكن، منذ تقديم الدعاوى من المواطنين البدو، تم تجميد عملية التسوية من قبل الدولة عمداً، ولم يبحث مأمور التسوية في دعاوى المواطنين البدو.[10] ولا يزال التجميد قائما حتى هذا اليوم، مما يعني عدم حسم قضية ملكية الأراضي المتنازع عليها حتى الآن.
في الأعوام 1975-1976 أقترحت الحكومة الإسرائيلية على المواطنين البدو صفقة لتسوية القضية وإنهاء النزاع بينهما حول تلك الأراضي. وتقترح تلك التسوية إبقاء 20% من مجمل الأراضي التي يستطيع المواطنون البدو إثبات ملكيتهم عليها في أيدي البدو، إضافة الى حصولهم على تعويضات بحجم 65% من ثمن مجمل 30% من باقي الأراضي، بينما يتم مصادرة ال 50% المتبقية من الأراضي لصالح الدولة دون تعويض.
رفض المواطنون البدو هذه الصفقة، وهم يواصلون منذ تلك الفترة النضال من أجل الحصول على إعتراف بملكيتهم على الأراضي التي في حوزتهم، بما في ذلك عن طريق المحاكم، لكن دون نجاح.[11] في المقابل، ومنذ اقتراح صفقة التسوية، تقوم سياسات جميع الحكومات الإسرائيلية على نقل جميع أراضي المواطنين البدو الى ملكية الدولة بشكل فعلي. وتتجسد تلك السياسات في الخطة التي بدأت نهاية الستينيات وبداية السبعينيات لـ"توطين البدو"، أي: نقل المواطنين البدو من مكان سكناهم على الأراضي التي بحوزتهم، وتجميعهم في مناطق قرى تجميع أقامتها الدولة لهم, بهدف تطبيق السياية الداعية لقطعهم عن أراضيهم وطريقة حياتهم الخاصة[12]. يشار الى ان بعض عمليات النقل هذه كانت تتم بطرق شرسة وعنيفة.[13]
استمرارا لسياساتها، أعلنت الحكومة الإسرائيلية في بداية عام 2003، عن خطة خماسية جديدة لنقل المواطنين البدو المتبقين[14]، ممن لا يسكنون في التجمعات السكنية السبعة الثابتة، الى ثلاثة تجمعات جديدة ستقيمها الدولة، على غرار التجمعات السابقة.[15]
الحقائق حول تنفيذ عمليات الرش من قبل دائرة الأراضي
أ) وقائع الأحداث[16]
في صباح يوم 14/2/2002، بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار، قامت سبع طائرات تابعة لدائرة الأراضي بالتحليق في سماء النقب، وخلال ست ساعات قامت برش مواد كيماوية على نحو 12,000 دونم من الأراضي الزراعية، التي كان المواطنون البدو قد زرعوها بالقمح والشعير. تمت هذه العملية بمشاركة مفتشي "الدوريات الخضراء" وبمرافقة قوات كبيرة من الشرطة، وذلك بحجة التخوف من أعمال "الشغب" من قبل المواطنين البدو.[17]
شرح أفيغدور ليبرمان، وزير البنى التحتية والمسؤول عن إدارة اراضي الدولة في حينه، دوافع القيام بعملية الرش على النحو التالي:
"علينا منعهم من الإستمرار بالغزو غير القانوني لأراضي الدولة, وذلك بكل الإمكانيات الممكنة. بالبدو ليس لديهم أي إعتبار لقوانيننا وفي العملية الجارية فإننا نخسر المصادر الأخيرة للدولة المتعلقة بالأرض. إن أحد المهام الرئيسية هي إعادة القوة والصلاحية إلى دائرة الأراضي في تعاملها مع تهديد غير اليهود لأراضينا"[18] [الإبراز أُضيف].
في الأيام التي سبقت علمية الرش، نُشرت في الاعلام الإسرائيلي – العربي واليهودي – تقارير حول نية دائرة الأراضي إبادة أراض زراعية التي زرعها المواطنون البدو، بواسطة رشها بمواد كيماوية من الجو.[19] اعتمدت هذه التقارير على ما كشفه عضو الكنيست يوسي سريد، من حزب "ميرتس"، ورئيس كتلة المعارضة في حينه، من معلومات لوسائل الاعلام.[20]
في أعقاب هذا النشر، توجهت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل الى دائرة الأراضي طالبة الحصول على ردها الفوري على مخططها كما نشر في وسائل الاعلام, كما وطالبت الجمعية دائرة الأراضي بالعمل حالا على وقف الخطة فورا، في حال وجود مخطط كهذا.[21]
في ردها على رسالة جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، قالت دائرة الأراضي ، ان دولة إسرائيل، بواسطة دائرة الأراضي والدوريات الخضراء، تخوض معركة متواصلة للحفاظ على أراضي الدولة، من أجل ضمان إستعمال هذا المورد القومي لمصلحة جميع مواطني الدولة؛ وان دائرة الأراضي والدوريات الخضراء تعملان بلا هوادة، وبوسائل مختلفة، لطرد الغزاة من أراضي الدولة، وهذا من أجل إعادتها الى إدارة دائرة الأراضي ومن أجل تمكين المواطنين الذين إستأجروا هذه الأراضي بشكل قانوني استعمالها للغرض الذي تم استئجارها من أجله.[22]
لم يكن واضحا من رسالة المحامية زكاي-نويمان، فيما إذا كانت دائرة الأراضي تنوي إبادة المحاصيل الزراعية للمواطنين البدو حقا, إذ أن كل ما جاء في رسالتها هو أن دائرة الأراضي والدوريات الخضراء تعملان بلا هوادة، وبوسائل مختلفة، لطرد الغزاة من أراضي الدولة، لكنها لم تشر فيما إذا كانت إبادة المحاصيل الزراعية بواسطة رشها من الجو هي احدى هذه الوسائل. لذلك، توجهت المحامية شغري-بدارنة لدائرة الأراضي مرة أخرى، وأشارت الى هذه الحقيقة مستعرضة ثانية طعوناتها من الرسالة السابقة.[23] ولم تحصل المحامية شغري-بدارنة على جواب من دائرة الأراضي على رسالتها هذه.
في أعقاب النشر في وسائل الاعلام، عقدت لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست جلسة[24] في تاريخ 13/2/2002 للنظر في القضية ومناقشة مخطط دائرة الأراضي لإبادة المحاصيل الزراعية للمواطنين البدو بواسطة رشها بمواد كيماوية من الجو.[25]
بناء على أقوال ممثلي الوزارات الحكومية المختلفة على مدار المناقشات داخل اللجنة، كان واضحا أنهم لا ينكرون الحقيقة حول نية دائرة الأراضي في إبادة المحاصيل الزراعية للمواطنين البدو بواسطة رشها بمواد كيماوية من الجو،[26] بل على العكس، فقد حاولوا تبرير استعمال هذه الوسيلة.[27] لم تخرج اللجنة، في نهاية النقاش، بتوصيات تمنع استعمال هذه الوسيلة من رش المحاصيل بمواد كيماوية من الجو، لكنها، مع ذلك، أوصت بابلاغ المواطنين البدو مسبقا وقبل التنفيذ، في حال وجود نية لاستعمال هذه الوسيلة، لتمكينهم من التوجه الى المحكمة لمنع عملية الرش،[28] في حال توفر سبب قانوني لذلك.
غداة اجتماع اللجنة، في تاريخ 14/2/2002، تمت عملية الرش الأولى لنحو 12,000 دونم من الأراضي الزراعية التي يزرعها المواطنون البدو.[29] وخلافا لتوصيات اللجنة، لم يتم تحذير المواطنين البدو أو إعلامهم مسبقا.[30]
نتيجة عمليات الرش، أبيدت جميع المحاصيل الزراعية.[31] في اعقاب ذلك، اجتمعت اللجنة البرلمانية المشتركة (الداخلية والعمل) للقرى غير المعترف بها في النقب في تاريخ 19/2/2002[32] وناقشت مسألة عملية الرش من تاريخ 14/2/2002.[33] وفي ختام الجلسة صدرت عن اللجنة المشتركة التوصيات التالية[34]:
"الرئيس طلب الصانع: