- المقتربات المفسرة للمشاركة السياسية:
يرى هدا الاتجاه النفسي-اجتماعي أن البحث الدءوب الذي يقوم به الفرد لإشباع حاجاته الأساسية والثانوية هو المحرك الحقيقي للفعل الإنساني، وأن الأفراد يلجأون إلى المشاركة السياسية لتحقيق إشباعات معينة أخدا بعين الاعتبار أن النظام السياسي هو الموزع الأساسي للقيم المادية والمعنوية داخل المجتمع، هده الحاجات يمكن النظر إليها من خلال هرم مسلو 1950 ، الذي يأخد بتدرج الحاجات وفق بناء تصاعدي (انظر الشكل01).
/]
أولا: مقترب الفعل الجماعي والحرمان النسبي: Action collective et frustration relative
يربط هدا التيار النظري إيجابا بين الحركات الاجتماعية و عدم تلبية الرغبات والمطالب الاجتماعية. ففي مقال لـ James C. Davies 1962 بعنوان "نحو نظرية للثورة" يقرر دايفيس بأن كل ثورة كانت نتاج لوجود هوة واسعة بين الطموحات والاشباعات المحققة (fossé intolérable entre aspirations et satisfactions)، وقد بنى نموذجه انطلاقا من أحداث تاريخية مهمة كالثورة الأمريكية 1776، والثورة الفرنسية 1789، البلشفية 1917، الثورة المصرية 1952، بحيث استنتج أن كل هده الحركات كانت تشترك حول مفهوم الحرمان الجماعي، الذي شكل حافزا قويا لقلب تلك الأنظمة،(انظر الشكل02).
- ويذهب "Ted Gurr" في كتابه " 1970 Why men rebel," في نفس هدا الاتجاه، حينما يعقد علاقة سببية بين الحرمان من القيم المادية والمعنوية ( الخدمات العامة، الحقوق المدنية والسياسية)، ويعتبر الحرمان كمتغير مستقل، وبين الثورة التي يعتبرها كمتغير تابع.
ثانيا: نظرية الاختيار العقلاني:
يقرر "Mancur Olson" في كتابه " منطق الفعل الجماعي 1966" بأن الحسابات العقلانية (rationnels) لها أثر كبير على السلوك الشخصي. فالفرد يتصرف على أنه إنسان اقتصادي Homo Oeconomicus يتخذ مواقفه وفق حسابات الربح والخسارة، فهو يختار من بين مجموعة من البدائل، وذلك بحساب النتائج المترتبة عن كل واحد منها وانعكاساتها على مصالحه، ومن ثمة ينتقي البدائل التي تعود عليه بأفضل المحصلات.
وقد ارتبطت البدايات الأولى لهذا التوجه بكتابات وليام ريكرWilliam Riker والذي كان متأثرا بالتوجهات الكمية في علم الاقتصاد مما دفعه إلى استعارة الافتراض الرئيسي حول طبيعة السلوك السياسي. تحاول نظرية "الاختيار العقلاني" التوصل إلى تفسيرات عامة للسلوك السياسي- كالتصويت في الانتخابات- من خلال القاعدة التي تقول: إن الناخبين شأن السياسيين، والدبلوماسيين، وقادة الجيش، يهمهم في المقام الأول تعظيم مصالحهم وتقليص خسائرهم في الأجل القصير، وبالتالي، فإن صناع القرار يفاضلون بين الخيارات ليس بدافع الضعف وإنما من خلال حسابات الربح والخسارة. هدا الافتراض يصدق على جل الفاعلين السياسيين (الناخبون، والمشرعون، والأحزاب السياسية) الدين يتصرفون بعقلانية منطلقة من المصلحة الذاتية، وهو ما يعني أن يكون لدى الفاعل السياسي مجموعة من الأولويات المحددة والمرتبة والتي يكون على رأسها عادة بعض أشكال الكسب الشخصي وليس الصالح العام. ولذلك يعتقد "ريكر" أنه بافتراض العقلانية يستطيع علماء السياسة توقع السلوك السياسي وتفسيره على مستوى المجموع بنفس الطريقة التي تتيح فيها مسلمة عقلانية تعظيم المنفعة " utility maximization" لعلماء الاقتصاد توقع وتفسير سلوك السوق.
بقي أن نشير إلى أن Mancur Olson يعتقد بأن الفرد لا ينخرط دائما في العمل الجماعي، رغم إدراكه لمصلحته في دلك، ويعطي مثالا لدلك بالحركة النقابية التي ترمي إلى تحسين شروط العمل، رفع الأجور، المحافظة على المكاسب الاجتماعية... رغم دلك فإن بعض الأفراد لا ينخرطون في الإضرابات التي تدعو إليها هده النقابات لأن المنفعة ستصل إلى الفئات المعنية في حال نجاح النقابات في تمرير مطالبها، ويستفيد حتى أولئك الدين لم يشاركوا في الحركة النقابية. وهدا الصنف من الأفراد يطلق عليه Olson بالراكب المجان " free rider ".
ثالثا: المقترب الماركسي:
يرى ماركس بوجود نوعين من الحركية الداخلية وسط كل جماعة:
- الحركية الأولي ذات طبيعة ميكانيكية محضة، والتي تتجلى في البحث الدءوب لقوى الإنتاج عن صيغ قانونية وسياسية تتوافق مع تطورها الآني. حسب ماركس فإن النظام السياسي والقانوني هو تعبير عن علاقات الإنتاج السائــدة في المجتمع، بوصف النظام السياسي بنية فوقية متأثــرة ببنيــة تحتية هي النمط الإنتاجي. هدا النظام القانوني المنظم لعلاقات الإنتاج هو من صنع الطبقة البرجوازية، لهدا فهو يعد عقبة أمام الطبقة العمالية للتمتع بحقوقها. وهدا ما قد يؤدي إلى اصطدام الإرادات بين قوى الإنتاج المختلفة، وهده المسألة مطروحة بعمق في المجتمعات البرجوازية، خصوصا ما يتعلق بنوع وطبيعة الملكية.
- الحركية الثانية: تنطلق من الوعي الفردي إلى الوعي الجماعي لدى طبقة البروليتاريا (الطبقة العمالية) بطبيعة العلاقة الاستغلالية المفروضة عليها من طرف الطبقة البرجوازية المهيمنة، ويستخدم ماركس مفهوم الضمير الجمعي المسيس (politisée)، الذي يشير إلى حالة الجماعة التي تكتشف نفسها ومصلحتها، وأين تكمن هده المصلحة. ونظر ماركس إلى العلاقة الموجودة بين العمال والملاك على أنها استعباد مقنع، خاصة لما يتطرق إلى التناقض الموجود بين العمل ورأس المال "l’antagonisme capital-travail"، أين يطرح مفهوم فائض القيمة. لهدا فإن البروليتاريا مدعوة للثورة على امتيازات البرجوازية، وتغيير النمط الإنتاجي، وقلب النظام الاجتماعي ككل حسب ماركس.
رابعا: نظرية ماكس فيبر:
اعتمادا على نظرية ماكس فيبر حول الدوافع التي تقف وراء قيام الحركات الاجتماعية، يمكن رصد طبيعة الأسباب التي تفعل المشاركة السياسية، بأشكالها الاتفاقية وغير الاتفاقية، هده الأسباب تتجلى في :
1- الانخراط في الحركة الاجتماعية قد يكون بفعل التحفيز العقلي/ القيمي (value- rational)، بمعنى أن الأفراد انظموا إليها بعد تفكير وتدبر كبيرين، واقتنعوا بالأهداف المعلنة، وكدا بسلامة الوسائل المنتهجة.
2- وجود تحفيز عاطفي/ وجداني (EMOTIONAL-AFFECTIONAL) ، وإسهام الجماهير هنا ليس نتاج تصميم عقلي، وإنما يندفعون بسبب خبراتهم السابقة التي تهيج شعورهم وتثير عواطفهم، فيعلنون معارضتهم لبعض الشخصيات وولائهم لزعيم معين، أو للكتل الجماهيرية وتأثرهم بالخطاب الرمزي الذي يسوقه الزعماء عادة.
وفي الحركات الثورية المتطرفة تدخل العقيدة دائرة العواطف والشعور الحماسي، ولايمكن على هدا المستوى قبول النقاش والجدل.
3- التحفيز التقليدي (TRADITIONAL) ، حيث يمارس الأفراد وظيفة المشاركة تلقائيا بفعل الانتماء الأسري، أو لوجود تقاليد تخص جماعة سياسية معينة، كالانتماء إلى الأحزاب السياسية أو العضوية في البرلمان.
4- التحفيز العقلي / الغائي (purposive - rational) ، فقد ينجذب الأفراد إلى الحركات السياسية لأنها تحقق لهم أهدافا معينة، وتكفل لهم الظفر بالسيطرة السياسية، مثال دلك ما يقدمه الأشخاص من معونات مادية ومعنوية لفوز مرشح معين في الانتخابات، وأيضا دعم بعض الإعلاميين، والمحامين، وقواد الرأي عموما لحزب سياسي معين من أجل الفوز.
ويبدو جليا أن ماكس فيبر يأخذ الجماعة كوحدة تحليل أساسية للمشاركة السياسية عموما، والحركات الاجتماعية على وجه الخصوص، خصوصا أنه يعقد أهمية كبرى لقيم وعقيدة الجماعة، والجوانب الحماسية للجماهير، والموروث الاجتماعي الذي يظهر من خلال التحفيز التقليدي.
السوسيولوجيا الانتخابية:
تمهيد:
إن عملية التصويت ليست فقط شكلا اتفاقيا من إشكال المشاركة السياسية، ولكنها في المقام الأول هي الفعل الأول للمواطنة، والركن الأساس للديمقراطية التمثيلية أو النيابية.
وعملية التصويت تخضع إلى نفس طبيعة الدوافع المفعلة للمشاركة السياسية عموما، كل الأنظمة السياسية باختلاف طبائعها تحدد وتضع الشروط الواجب توفرها في المصوت، ومن له الحق في ممارسة هدا الحق السياسي،وأين،ومتى؟
لكن قرار المشاركة يرجع بالدرجة الأولى إلى المواطن نفسه.
في الديمقراطيات الليبرالية يعد عمل التصويت كحق مشروع لكل مواطن، يختار عن طريقه مواطنيه، وفي نفس الوقت عملية التصويت تمارس دورا رقابيا وانتقائيا، بمعنى انتخاب الممثلين المؤهلين الذين ينوبون عن المواطن في الحكم.
بقي أن نشير إلى أن عدم الوصول إلى المعلومة، وعدم القدرة على تفسير وفهم الخطاب السياسي، وعدم القدرة على الوقوف على الفروقات الموجودة بين البرامج لمختلف المترشحين.كل هده العوامل تعمل في غير صالح المواطن، فتمنعه من اتخاذ القرار الصحيح ، وأحيانا قد تدفعه إلى الإحجام عن إبداء صوته، وهذه الظاهرة تسمى الامتناع (Abstentionnisme)، هذه الظاهرة أخذت أبعادا متسعة في ظل الديمقراطيات الليبرالية الحديثة .
I/المنطلقات الأولى لدراسة الفعل الانتخابي :
من السباقين لدراسة السلوك الانتخابي، نجد الباحث الفرنسي André .Siegfried انطلاقا من مؤلفه الكلاسيكي الذي حمل عنوان الجدول السياسي لغرب فرنسا 1912 فقبل الحرب العالمية الأولى تساءل عن الامتدادات السياسية للجغرافية البشرية، بمعنى انه ربط السلوك الانتخابي بالعامل الايكولوجي (الجغرافي) كما لاحظ أن مواقف الناخب تخضع إلى توزيع جغرافي معين، أو بمعنى " يوجد المناخ السياسي، كما يوجد المناخ الطبيعي." فلما تعرض إلى طبيعة الأرض ( أرض جيرية، أو قرانيتية) ربطها بحجم التجمع السكاني بحيث أن التوزيع المشتت ، أو التركيز السكاني يرجع بالأساس إلى طبيعة الأرض ، وجغرافية الأرض في نفس الوقت هي التي تحدد نظام الملكية ( ملكيات صغيرة ،كبيرة ، استغلال مباشر أو استغلال ريعي)، فوجد أن سكان الأرض الغرانيتية يصوتون لصالح اليمين، وسكان الأرض الجيرية يصوتون لصالح اليسار، وبالتالي يظهر بان البنى الايكولوجية تحدد في النهاية البنى الاجتماعية ويمكن تلخيص هدا كله من خلال :
طبيعة الأرض الغرانيتية تكرس توزيع مشتت للسكان، وتنشئ ملكيات كبيرة للأرض، وتسمح بسلطة واسعة للكنيسة وبالتالي هناك اتجاه في التصويت نحو اليمين الليبرالي .
وقد تم إجراء الكثير من الدراسات الجادة في هذا الميدان فنجد مثلا دراسة Mattai Dogan ، التي حللت الاتجاهات السياسية للمرأة في أوربا و الو.م.ا فتوصل في جميع الحالات التي شكلت مجتمع البحث إلى أن الأحزاب الشيوعية و الاشتراكية حرمت من أصوات النساء، في حين استفادت الأحزاب المسيحية الديمقراطية والمحافظة من أصوات النساء، كما بينت دراسته أن اغلب النساء يصوتن في غير اتجاه أزواجهن.
وقد انعكست مجهودات المدرسة الفرنسية على المدرسة الانجلوسكسونية ، لهذا اعتبر P. Howard أن هذا النوع من الدراسة هو الكشف عن الاتجاهات السياسية الأساسية، المتأصلة في بناء المجتمع، والتي تستمر لفترات طويلة. كما أن هذا النوع من الدراسات يمكننا من مقارنة نتائج الانتخابات المحصل عليها من مناطق مختلفة، وهذا النوع من حيث البناء الاجتماعي ، ووضع ترابط بين مختلف دلالات السلوك الانتخابي ودلالات المميزات الاجتماعية الثقافية لهذه المناطق. وتبدو الفروقات الموجودة بين المدرستين الفرنسةو الانجلوسكسونية حول تفسير ظاهرة السلوك الانتخابي ، في كون أن المدرسة الانجلوسكسونية ركزت على عوامل محددة للموقف الانتخابي والتي يمكن حصرها في :
- العامل المهني – الديمغرافيا و الاثنيات – العامل الديني – الاقتصادي ، دون إعطاء أهمية خاصة للتمركز الجغرافي كما تقول به المدرسة الفرنسية .
II/ المقترب النفسو –اجتماعي في تفسير اتجاهات التصويت :
ويمثله *(P. lazersfeld) 1944.قام بتحديد عينة مكونة من 600 شخص، وحاول أن يلقي الضوء على ميكانيزم التشكل، ونقل وتنمية المواقف وآراء الناخبين المعرضة للدعاية الإعلامية . وتنطلق دراسته من أن التفضيل السياسي هو نتاج اعتبارات اجتماعية بالدرجة الأولى أين يلعب المركز الاجتماعي دورا بارزا statut socio-économique وكذا عامل الدين ،ومكان الإقامة .
- توصل إلى أن الأشخاص الذين يحتلون مكانة اجتماعية مرموقة يصوتون في غالبيتهم (71%) في غالبيتهم للحزب الجمهوري.
- 60%من المعتنقين للمذهب البرتستنتي يذهبون إلى التصويت.
- الكاثوليك يصوتون لصالح الديمقراطيين، وكذا سكان المناطق الحضرية . كما أن الباحث عقد علاقة سببية، أو تحدث عن تلازم موجود بين الانتماء إلى شريحة مهنية اجتماعية وعملية التصويت لصالح تيار سياسي معين .
- لاحظ بان الأحزاب المحافظة (الجمهوريين) تستفيد من أصوات الجماعات ذات لمركز الاجتماعي العالي : كفئة التجار ، مدراء المؤسسات ،المزارعين ، الإطارات السيامية ، الأطباء ، المحامين...
- الأحزاب التي ترفع شعار التغيير تستفيد من أصوات الشرائح الدنيا من حيث الترتيب في السلم الاجتماعي .
تجدر الإشارة انه في الجماعات الني تعلي من شان الحرية الشخصية، والاتجاه الفرداني فإنها تصوت لصالح اليسار، وانتماء الأفراد إلى هذه الليبرالية الثقافية مرهون بالفكاك من الاعتبارات الدينية و التقاليد .
في حين التصويت في صالح اليمين تقوم به الجماعات التي تثمن الأسرة، والتقاليد، وتحترم النظم القائمة. و الفرد الواقف في صف اليمين يتحد موقفا من منظور علائقي (علاقته بالمجتمع) حول قضايا مهمة جدا متعلقة بالقيم، تنظيم الأسرة، موقف معارض ضد التساهلية في العادات والأخلاق..(laxisme dans les mœurs).
هذه الدراسة أظهرت بان هناك تأثير ضئيل لوسائل الإعلام على تشكيل المواقف الانتخابية في فترات الحملات، لان الناخب قد حدد موقفه لصالح حزب محدد سلفا للاعتبارات التي شرحناها. وتفصيلا يقول lazersfeld إن ناخبا من بين اثنين قد حدد خياره قبل 06 أشهر من افتتاح الحملة الانتخابية ويقرر بان 80% من الناخبين سيسلكون نفس خيارات أسلافهم (الوالدين) أما تقلب المواقف فتشهده تلك الفئات التي لا تهتم بالسياسة عموما (اللامبالون).