مفهوم الصرع الدولي و المنطلقات النظرية له
تأثرت البيئة الأمنية في مطلع القرن 20 بمجموعة عوامل بعضها على الأقل لا سابق له و إذا اعتبرنا أن البيئة الأمنية هي المناخ الذي تخلق منه مختلف النظريات العلاقات الدولية و التي أخذت تبحث عن حلول أمنية في ظل ظروف مختلفة عن أي من الظروف التي خلقت مشكلات صادفتها .
و من المنطقي أن نشوء حالة تجد الدول القوية و الضعيفة بشكل واع و مكشوفة أمام التهديدات لابد أن يدفع في اتجاه إيجاد إطار معرفي يحتوي مختلف المستجدات في صيغة علمية موضوعية .و على اعتبار أن الصراع سمة إنسانية، ارتبطت دراسة العلاقات الدولية بثنائية ( صراع / تعاون ) و هي الصيغة الأساسية التي يندرج ضمنها حقل التنظير للصراع الدولي و الذي يهتم بالتعقيد و الذي زاد حده بعد الحرب العالمية الثانية مما اثر على بلورة العديد من النظريات الاستراتيجية التي تركز على الكيفية التي يمكن من خلالها ادارة الصراعات الدولية و التعامل معها و كان منها نظرية اللعبة – الردع – الاحتواء و غيرها من النظريات .
و لمعالجة هذه الدراسة نطرح الإشكالية كالآتي :
الاشكـــالية :
- هل التطور الذي مرت به نظريات الصراع الدولي و فن المستجدات الدولية الحاصلة خضع لآلية التكيف أم التغيير .
الفرضيات:
1 – حافظت بعض النظريات على مسلماتها و تكيفتها وفق الوضع الدولي القائم
2 – حصل تغيير ملحوظ في نظريات الصراع الدولي و كان ذلك بالانتقال من مرحلة إلى أخرى في النظام الدولي .
و لإثبات بعض هذه الفرضيات نتطرق الى
I- مفهوم الصرع الدولي و المنطلقات النظرية له
1- الصراع و المفاهيم المشابهة :
تعد نظرية الصراع الدولي من النظريات التي تؤكد أن العلاقات الدولية لا تخلو من الصراعات، هذه الظاهرة المعقدة المستمرة الناتجة عن اختلاف الأهداف القومية للدول التي تنعكس على سياساتها الخارجية ، و أن ظلت أدوات الصراع مثل التهديد ، التفاوض الحصار، الضغط ، الاحتواء ، التحالف ، المساومة إلى أخر هذه الأشكال قائمة و تتغير طبقا لمتغيرات الموقف الدولي إلا أنها في النهاية تكون بعيدة عن حافة الحرب و الصدام المسلح .
و الصراع كمصطلح مجمع عليه من طرف الباحثين لأنه يستخدم للتدليل على تلك المواقف التي تتضمن تعارضا ما و صريحا في القيم و الأهداف و المصالح للطرفين .
و قد عرفه جوزيف فرانكل : joseph frankel موقف ناجم عن الاختلاف في الأهداف و المصالح القومية (1)
أما لويس كوسر Lewis Cocerيعتبره تنافس على القيم و على القوة و الموارد يكون الهدف فيه بين المتنافسين هو تجسيد أو تصفية أو لإيذاء خصومهم (2)
و تجدر الإشارة إلى أن معظم التعاريف التي تناولت مفهوم الظاهرة الصراعية لم تتضمن صراحة تعبير الصراع الدولي و لم تحدد طبيعة أطراف الصراع بمواصفات أطراف الصراع الدولي .
و رغم أن الدول هي الأطراف الفاعلة التي غالبا ما يدور بينها الصراع الدولي إلا أن هناك فواعل أخرى كالمنظمات الدولية و حركات التحرير و يعتبر الصراع بين حلف الناتو و حلف وارسو صراع دولي و الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل صراع دولي
كذلك ان الصراع يمكن ان تتنوع مظاهره و أشكاله فقد يكون سياسيا أو اقتصاديا أو مذهبيا أو دعائيا و حتى حضاريا و يكون الصراع في أعلى مستوياته قتال و في مستويات اقل استراتجيات قصيرة ( تكتيكات ) بإتباع أسلوب المباريات مثلا .(3)
و في هذا السياق يجب التفرقة بين الصراع و بعض المفاهيم مثل التوتر – الأزمة – الحرب حيث أن كل هذه المفاهيم جاءت من خلال التطور التاريخي للصراع .
التـــــــــوتر :
حالة مرافقة للصراع لا يتصف بالعنف يؤدي في أكثره إلى انكسار العلاقات
الازمة :
هي الصراع نفسه يتميز بالرغبة في الحدوث و هي مرحلة مقدمة منه و هي تفجيرات خطيرة و مواجهة متوترة بين الأطراف قد تؤدي إلى الحرب .
الحرب :
هو صراع مسلح بين وحدتين مثلا على درجة كبيرة من العنف و تمثل المحطة الأخيرة في تطور بعض الصراعات الدولية (4)
و رغم ذلك يبقى الصراع بكل توتراته دون نقطة الحرب المسلحة لان المراحل التي تسبق وقوع الحرب يكون مجال أوسع لإدارة الصراع و التكيف مع ضغوطه في اتجاه أو أخر مع الاحتفاظ بالمقدرة على الاختيار من بين البدائل العديدة المتاحة أمام كل طرف من الأطراف الداخلة فيه .(5)
2 – المداخل و المنطلقات النظرية لظاهرة الصراع في العالم :
إن تعقد ظاهرة الصراع الدولي عن غيرها من ظواهر العلاقات الدولية راجع إلى تعدد أبعادها و اختلاف مسبباتها و مصادرها و تشابك تفاعلاتها و تفاوت فاعليها أدى إلى تعدد المداخل التي تدرس هذه الظاهرة و نذكر منها :
1 – المدخل السيكولوجي :
و ترتكز تفسيرات هذا المدخل في معالجة ظاهرة الصراع العلاقات الدولية على الاتجاه الذي يربط بين النزعة إلى العدوان و بين الطبيعة الإنسانية نفسها ذلك أن نزعة الإنسان إلى التدمير تجد أساسها في غريزه حب التسلط و السيطرة ( نابوليون – هتلر – ستالين ) كذلك الانتقام و توتر الصراعات و الحروب الفرصة لإرساء مثل هذه النزاعات مثل هذا الاتجاه ( فرويد ) (6)
إضافة إلى ذلك نعتبر lentez و Bus أن الصراع هو التعود على الهجوم .
و يعد الإخفاق و الإحباط من الجوانب العامة المؤدية إلى الصراع الدولي حسب نظرية الإحباط التي تعتبر أن الدول التي تحقق حاجات شعوبها بصورة معقولة اقل استعدادا من الناحية السيكولوجية للصراع بين الدول التي يشعر شعبها بعدم الرضا و خذلان الآمال من منظربها Fromm و flugel (7)
2 – المدخل الإيديولوجي :
وفقا لهذا المدخل فان التناقضات الإيديولوجية بين القوى العظمى الكائنة في المجتمع الدولي تمثل مجال كبير للصراعات الدولية و دعاة هذا المدخل يدعونه من اخطر أسباب الصراعات بين الدول . و يركزون على الأيديولوجية الماركسية التي هي في صميمها منهاج الصراع .(
و المنهج الذي تعتمده الإيديولوجية الماركسية قائم على افتراض أن الحرب كنقطة نهاية فالصراع ظاهرة طبيعية تاريخية و أنها تحدث عند كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع الإنساني .(9)
و التحليل الماركسي للصراع القائم على تصنيف الطبقي حيث اعتبر أن جوهر الصراع يمكن في التضارب و التناقض بين مصالح الطبقات الاجتماعية التي تقررها طبيعة العلاقات الإنتاجية التي يكونها الإنسان مع وسائل الإنتاج التي تقود إلى الصراع الطبقي الدائم و يعتبر التحليل الماركسي المدخل العلمي الوحيد و الصحيح لدراسة ظاهرة الصراع الدولي في العالم هذا لما لإيديولوجية البرجوازية الغربية ضد الإيديولوجية الماركسية ( النظام الشيوعي و الرأسمالي ) في تكوين نظرية معاصرة للصراع الدولي المتمركز حول فكرة الصراع الإيديولوجي .(10)
3 – المدخل الجيوبوليتيكي :
ينطلق من الضغوط التي تولدها ظروف المكان الطبيعي على عملية الصراع من اجل البقاء و كان راترل مثلا ينظر إلى الحدود الدولية على أنها مناطق غير ثابتة و قابلة للتبديل طبقا للقوة الدولية التي تسعى إلى التوسع و يكون لديها فكرة المجال الحيوي و هو ما يؤدي إلى الصراعات الدولية و خير مثال اعتناق ألمانيا لفكرة المجال الحيوي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية .(11)
4 – المدخل السياسي :
و هو ما يضيف سبب رئيسي لأسباب الصراع حيث أن وجود تكتلات أو تحالفات متصارعة يؤدي إلى الصراع .
إن التحالف مكون أساسي من مكونات الصراع الدولي إذ لا ندخل الدول في أي صراع إلا و هي في حالة تحالف مع قوى أخرى و لولا انتشار الصراعات لما انتشرت التحالفات حيث أن قيام التحالفات هو حاجة سياسية ملحة لكل دول العالم و بالتالي مكون أساسي و دائم الوجود في كافة الصراعات الدولية .(12)
و تعتبر التحالفات أداة من أدوات سياسة توازن القوى و التي تقوم على الحيلولة دون تمكن دولة أو كتلة ما من فرض هيمنتها على النظام الدولي بشكل يهدد أمنها و مصلحتها مما يؤدي إلى خلق حالة من التعادل و التكافؤ الدولي لان أي حلف او تكتل جديد يحدث خللا في التوازن للقوى و يؤدي حتما الى صراعات دائمة و يدخل فيه أيضا طبيعة الأنظمة ذلك ان أنظمة الحكم الشمولية بحكم عقيدتها و دوافعها تعد السبب الرئيسي و الأكبر في تزايد حدة الصراع في المجتمع الدولي .(13)
5– المدخل الاقتصادي :
إضافة إلى النظرية الماركسية التي تقوم على التفسير المادي و التفسير الاقتصادي للتاريخ بمعنى أن الحروب الواقعة نتيجة دوافع اقتصادية هناك نظريات تفسر دخول الدول إلى حرب نتيجة رغبتها في رفع مستوى حياتها من خلال الحصول على إقليم اكبر ، موارد اضافية استعاب الضغوط الاقتصادية الداخلية و محاولة حلها .(14)
6 – المدخل السوسيولوجي الديمغرافي )
تجمع النظريات الديمغرافية إلى جانب مضمونها السوسيولوجي أبعاد اقتصادية جيوبوليتكيه واضحة و تعتقد أن الزيادات السكانية الضخمة تشكل السبب الرئيسي للصراعات و الحروب لأنها تدفع إلى الحصول على مجال حيوي اكبر .(15)
إضافة إلى نظرية الدورات الديمغرافية التي تعتبر ان كل الدول في تطورها السكاني يمر بـ ثلاث مراحل : النمو – الانفجار – الاستقرار و تعد كل من مرحلة النمو و الانفجار لما لهما من تأثير ضاغط على الدول يدفعها الى خلق صراعات للدول المحيطة او التي تجد لديها مصالح تسهم في حل مشاكلها .(16)
3- مراحل وسائل إدارة الصراع الدولي :
- مراحل الصراع الدولي :
تاخذ الصراعات الدولية في تطورها احد المراحل التالية :
إما أن تأخذ مرحلة التصاعد أو مرحلة التناقص أو مرحلة الاستقرار أو مرحلة التلاشي أو الانتهاء.
وتصاعد الصراع يعني الزيادة في تنامي المدى والكثافة أي اتساع حدوث صراع وارتفاع درجة التوتر فيه .
أما تناقص الصراع فهو يعني الانخفاض والانكماش في المدى والكثافة للصراع .
و المدى في الصراع يرتبط بعدة معطيات منها: الحدود الجغرافية للصراع ،عدد الأطراف المشاركة في الصراع حجم الموارد والإمكانيات المخصصة للصراع ، نوعية الأسلحة المستخدمة في الصراع إذا وصل لنقطة المواجهة العسكرية المسلحة والأهداف التي تحددها الدول لنفسها و هذه المعايير تمثل المعايير الكمية المستخدمة في قياس مدى التوتر والعنف في أي صراع دولي لكن توجد معايير اخرى كيفية تدخل في عملية التقييم إلا أن عدم دقتها وعدم موضوعيتها ترجع إلى الإختلاف في التصورات التي ينظر من زاويتها إلى الصراع فقد يكون الاتجاه نحو التصاعد بينما يكون في تقديرات أخرى نحو اتجاه وسائل التناقض وهكذا ودواليك. (17)
وسائل إدارة الصراع الدولي
-الوسيلة الديبلوماسية : تعد هذه الوسيلة الأولى في السياسة الخارجية للدول وتعرف على أنها عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول والدبلوماسية الناجحة هي تلك المدعمة بأدوات أخرى سواء كانت دعائية أو عسكرية أو اقتصادية والمقصود بالإدارة الدبلوماسية هو أن كل طرف من أطراف الصراع يحاول بوسائله إقناع خصمه لكسب الرأي العام العالمي لصالحه وهذا عبر أجهزته الدبلوماسية المختلفة كوزارة الخارجية والسفارات والقنصليات إضافة إلى الملاحق الثقافية .
-الوسيلة الدعائية : هي وسيلة حديثة ظهرت ببروزالإتحاد السوفييتي كقوة عظمى حيث استخدمت ضد الولايات المتحدة الأمريكية والكتلة الغربية بشكل عام كما استخدمت هذه الوسيلة بفاعلية من طرف النازية والفاشية وفي هذا الصدد يرى الكثير من المحللين أن الحرب الباردة هي حرب دعائية و الشيء الذي أدى إلى تزايد الدعاية الغربية هو اتساع نطاق التفاعل بين الدول نتيجة تطور وسائل الاتصال والإعلام وتأثير العوامل الثقافية والإيديولوجية في استقطاب مشاعر الرأي العام وتعتمد الجانب الفكري والإيديولوجي والجانب الدبلوماسي.
- الوسيلة العسكرية: تستعمل هذه الوسيلة العسكرية عندما تفشل كل الوسائل الدبلوماسية فهي آخر وسيلة تستعمل لإدارة الصراع بين الطرفين أو أكثر وعند استعمالها يتحول الصراع إلى حرب بين الأطراف كما أن هذه الوسيلة لا تقتصر فقط على الحروب وإنما تستعمل في التدخلات العسكرية في مختلف بؤر التوتر في العالم كما أن هذه الوسيلة تستعمل كمعونة عسكرية لدولة معينة أو مجموعة من الدول وخاصة في دول العالم الثالث الذي يعرف النوع من اللاستقرار الناجم عن نشوب الحروب الأهلية هنا وهناك والتي تقتضي من هاته الدولة أو تلك إبرام العديد من الصفقات العسكرية بينها وبين الدول الممددة للأسلحة وبالتالي فالعالم الثالث هو بمثابة السوق رقم واحد لمنتجات الأسلحة للعالم المتقدم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية .
- الوسائل السياسية : تعتبر هذه الوسيلة من أفضل الوسائل لإدارة الصراع الدولي وتحتوي هذه الوسيلة على ما يلي:
* المفاوضات : تعني المداولات بين ممثلي دولتين أو أكثر وتكمن أهميتها في كونها تسمح بالمساومة وكل هذا بعيدا عن القواعد القانونية الصلبة و الجامدة القضية الفلسطينية الارض مقابل السلام.
* المساعي الحميدة والوساطة : وتعني تدخل طرف ثالث بمبادرة منه أو بطلب من آخر أطراف الصراع لغرض جمع أطراف الصراع والخروج الى حل يرضي الطرفين المتصارعين أما الوساطة فان الطرف الثالث المتدخل قد يلعب دور المراقب الأخلاقي ويشارك في التفاوض ذلك بتقديم النصائح الاقتراحات .
* التحقيق والتوفيق : يعتبر التحقيق من نتائج مؤتمر لاهاي 1907 وفي التحقيق تقوم مجموعة من اللجان بالاطلاع على الوقائع والتأكد من الأسباب التي أدت إلى حدوث النزاع وذلك عن طريق القيام بالتحريات أما التوفيق فيتجاوز التحقيق في كونه يطرح حلا سلميا وهو تحصيل حاصل للتحقيق.
- الوسائل القانونية : يعتمد على قواعد ومباديء القانون الدولي ويتمثل فيما يلي :
-التحكيم : هو وسيلة قديمة تعمل على حل الصراعات الدولية ويعتبر قرارات المحكمة الدولية ملتزمة للأطراف وعلى هذه الاخيرة ان تقوم بتنفيذها بحذافيرها.
- المحاكم القضائية : ويتمثل في المحكمة التي تشكل جزء من هيئة الأمم المتحدة ومن اختصاصاتها الفصل في النزاعات الدولية التي ترفع إليها وفقا للقانون الدولي وتشكل محكمة العدل الدولية أرقى نظام قضائي دولي ذو اختصاص شرعي.(18)