النظام شبه الرئاسيمفهومه:
هو نظام وسط بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي(Hybride)، يولف بين مميزات كل من النظامين.ففي هدا النظام تظهر جليا ثنائية السلطة التنفيذية بمؤسساتها رئيس الدولة ورئيس الحكومة ، فالرئيس المنتخب من طرف الشعب، يقوم بتعيين رئيس حكومته، وهدا الأخير مسؤول أمامه وأمام البرلمان.
تقدم الجمهورية الخامسة لشارل ديغول أهم نموذج للنظم شبه الرئاسية التي تأسست عام 1958، كذلك يظهر نظام الحكم في الجزائر خاصة مع دساتير التعددية 1989- 1996، والنظام الإيراني.
وفلسفة الحكم تقوم على أساس تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكدا مبدأ الرقابة المتبادلة، في إطار التوازن بين السلطات، مع رجحان كفة الرئيس، وعدم مسؤوليته أمام البرلمان، بل المسؤولية تترتب في حق رئيس الحكومة. كما أن هناك توزيع للصلاحيات بين مكونات السلطة التنفيذية، بحيث يتولى الرئيس الإشراف على الشؤون الخارجية، بينما يضطلع رئيس الحكومة بصياغة وتنفيذ السياسات الوطنية.
مزايا النظام شبه الرئاسي:- من حق الحكومة إصدار لوائح تنظيمية لها قوة القانون، وهدا ما يعرف بالتشريع الفرعي
- تعد الحكومة الفاعل القوى في رسم السياسات العامة بطرح مشاريع قوانين على البرلمان، وهده المشاركة في التشريع تتسم بالسرعة والفعالية، والأهم هو أن هده السياسات تشكل موضوع إجماع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية
- التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يما يخص الحق في إسقاط الآخر، فرئيس الجمهورية يستطيع خل البرلمان، كما أن البرلمان يستطيع إسقاط الحكومة.
- رئيس حق اللجوء إلى الاستفتاء ونتائجه لها قوة القانون.
- المرجعية الدستورية في هدا النظام هي المجلس الدستوري، ويتشارك كل من الرئيس والبرلمان في تعيين أعضائه.
عيوب النظام شبه الرئاسي:
1)المشكلة الأساسية هي عندما تتصادم مصالح أو رؤى رئيس الجمهورية مع رئيس حكومته، فقد عرفت هده الظاهرة "بمشكلة التعايش المزدوج " في فرنسا، بمعنى على رئيس الحكومة أن يكسب ثقة الرئيس وثقة البرلمان المستمرة. خاصة إدا كان رئيس الحكومة دو توجهات فكرية مناقضة للاتجاه الذي يمثله الرئيس، كما حدث للرئيس الفرنسي "ميثران" الاشتراكي عندما حتمت عليه الجمعية الوطنية أن يختار السيد شيراك اليميني ليكون رئيسا للوزراء عام 1986.
2) إساءة استعمال قانون الطوارئ من طرف رئيس الجمهورية .
3) يمارس الرئيس صلاحيات واسعة وسيدة فهو سلطة حقيقية لكنه ليس مسؤولا إلا في حدود المسؤولية الجنائية، فهو ليس مسؤولا سياسيا أمام ممثلي الشعب لهدا يذهب بعض المفكرين إلا اعتبار هده الأنظمة بأنها رئاسية مشددة (présidentialiste) رئاسوية.
4) إن حق الرئيس في حل البرلمان يجعل هدا الأخير رهين السلطة التنفيذية، فهو يسعى دائما لمنح ثقته للحكومة والموافقة على سياستها ومشاريعها حتى لا يحدث تصادم في الإرادات يتدخل الرئيس لصالح طرف معين، و هو بدلك يؤثر على الاختصاص الرقابي للمجلس النيابي و يجرده من استعمال آليات الرقابة التي تترتب عليها مسؤولية الحكومة.
من جهة أخرى تتيح بعض الدساتير حل المجلس من دون تقيده بحالة معينة كما فعل شيراك اليميني لما حل البرلمان سنة1992 لأنه مشكل من أغلبية يسارية، فألزمه الشعب الفرنسي بنفس هيكلة البرلمان السياسية، فأحجم عن حل البرلمان في مرحلة تالية من الناحية الأخلاقية.(1)
-------------------------
(1) لا يجوز قانونا للرئيس حل البرلمان أكثر من مرة في السنة.(فرنسا)
التنشئة السياسية:
I تعريفها:
1) وضع هربت هاسمان كتابا سنة 1959ضمن عنوانه مصطلح التنشئة السياسية والدي كان يعني بها "عملية تعليم الفرد لأنماط اجتماعية عن طريق مختلف مؤسسات المجتمع التي تساعده على أن يتعايش مع هدا المجتمع سلوكيا ونفسيا"
2) من الباحثين من يرى أن التنشئة السياسية هي التلقين الرسمي وغير الرسمي، المخطط للمعارف والقيم والسلوكيات السياسية، وخصائص الشخصية ذات الدلالة السياسية ودلك في كل مرحلة من مراحل الحياة، عن طريق المؤسسات السياسية والاجتماعية الموجودة داخل المجتمع.
3) ويعرف محمد علي العويني:"التنشئة السياسية بأنها العملية التي بمقتضاها يكتسب الطفل ثم البالغ المعتقدات السياسية وهي عملية معقدة، وقد تحدث بشكل مباشر من خلال التعليم والتلقين أو بشكل غير مباشر من خلال اكتساب القيم الاجتماعية وهنا يأتي دور الجماعات المنظمة أو غير المنظمة".
II تعدد المنظورات بشان التنشئة السياسية:
أ) المنظور الوظيفي: التنشئة السياسية تستجيب لحاجة النظام.
لتأكيد ثقافته وقيمه، وتلقين مبادئ تساهم في النهاية في إيجاد مواطن يؤمن بالقيم الوطنية السائدة،ويتفاعل إيجابا مع الخطاب السياسي الذي يطرحه النظام.
ب) التحليل النسقي: تشكل الثقافة السياسية كعامل إسناد للنظام " soutien"و دعمه، والحفاظ على توازنه و استمراره، كما أن الثقافة
والتنشئة تعمل على زرع قيم مند الطفولة (المنظومة التربوية والأسرة) تؤدي إلى فعل إدماجي للمواطن داخل بيئتة العقدية و القيمية.
إن الاتجاه البنيوي الوظيفي لا يخرج عن إطار الإيدلوجيا المحافظة (conservatrice)، التي تريد سيادة ودوام ثقافة معينة، عموما هي الثقافة الفردية الليبرالية
ج) التحليل الماركسي: ينظرا إليها على أنها غير مفصولة عن الصراع الطبقي، فثقافة الطبقة المهيمنة(البرجوازية) هي التي تلقن للأفراد، تنقل هده الثقافة عبر الجهاز الأيدلوجي للدولة، والتي ترمي في النهاية إلى إعادة إنتاج نفس طبيعة العلاقة بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
يعتقد (Pierre Bourdieu ) بأن الثقافة السياسية أخدت مكان العوائق الوظيفية، و المعوقات المادية بتكريس مفهوم جديد هو العنف الرمزي ، بمعنى أن كل طبقة تحافظ على حدودها المعنوية بمعنى لا تسمح بأن يصعد فرد من طبقة إلى طبقة أرقى.
وظائف التنشئة السياسية:
1) التنشئة تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي، حسب المبدأ الأفلاطوني "التربية جزء من استقرار الدولة" لهدا يعمل النظام السياسي على غرس قيم معينة بين الأفراد ليحدث التوافق بسن ثقافة الأفراد ومراكز اهتمامه في النهاية.
2) اعتبرها بورديو بأنها القناة الحقيقية الموصلة إلى مفهوم الرأسمالي الثقافي، فهي تقوم بتلقين سياسي يساهم في إعداد المواطن المستقبلي.
3) التنشئة السياسية تساهم في تدعيم شرعية النظام السياسي بحيث أن التأكيد على قيم معينة عن طريق المناهج التعليمة أو تسويقها عن طريق وسائل الإعلام ستدعم مركز النظام في النهاية وتكسبه شرعية في محيطه.
مثال: الدول الليبرالية تتبنى مناهج تشيد بهذه الايدولوجيا وتعمل على غرسها في الإفراد منذ حداثة سنهم، وبالتالي المحافظة على الثقافة السائدة.
4) التنشئة السياسية هي إحدى وسائل التغيير السلمية تحافظ على السلم الاجتماعي، فمثلا تعمل بعض الأحزاب على غرس قيم جديدة واتجاهات رأي في الأوساط الشعبية، تقدم نفسها كبديل للنظام القيمي السائد، خاصة في أوقات الأزمات، مثال :الأزمات المالية التي مر بها النظام الرأسمالي أدت إلى تحفيز نشر الاشتراكية كبديل عبر العالم .
5) هناك من المفكرين من تحدث عن حتمية لصيقة بمفهوم الثقافة السياسية بمعنى تفعيل هذا المفهوم سيعيد لنا إنتاج النماذج الفكرية و العلمية السائدة ويحافظ على استمرار النظام المعياري ككل والعقدي للنظام السياسي، وتعمل هنا المدرسة دورا بارزا .مثال :المناهج التعليمية في إسرائيل تكرس في الأجيال صور نمطية سيئة عن العرب في مخيلة وتصور الطالب، انطلاقا من ثقافة النظام السياسي العدائية تجاه العرب، هذه الثقافة يتم توارثها جيلا عن جيل .
6) حسب j.Coleman فانه هناك تزايد الاهتمام بإشكالية : التعليم / السياسة / التنمية ، لتشكيل المواقف، و القيم ، والشخصية التي تستجيب للتغيير الاجتماعي و السياسي.
7) التنشئة السياسية تعد وسيلة دفاعية ضد غزو أفكار و قيم غريبة عن المجتمع فحسب B.Creck (1967)، فان اهتمام النظام السياسي الأمريكي بالتنشئة السياسية يرجع إلى أعقاب الحرب الأهلية 1861، فالطبقة البرجوازية الصناعية المنتصرة سارعت إلى إدماج مواضيع قيم الوحدة الوطنية، والسلم لتجنب ظهور صراعات قد تؤدي إلى تقسيم البلاد.
كما أن إنشاء أقسام خاصة بعلم السياسة في الو.م.ا هو نابع في إحدى دوافعه إلى الحد من تأثير بعض الجامعات الأوربية التي كانت تشهد سيطرة الفكر الاشتراكي عليها، والذي انعكس على توجهات طلبة البعثات الأمريكية، الذين رجعوا مشبعين بالفكر الماركسي.
-الثقافة السياسية-
I- تعريف الثقافة السياسية:
- تعريف الثقافة لغة:
أ- لغة:
إن دراسة الثقافة والهوية كمفهومان يحيلان إلى الواقع نفسه منظورا إليه من زاويتين متمايزتين.
- أصل مصطلح ثقافة لاتيني مأخوذ من كلمة cultura، والتي تعني رعاية الحقول، أو قطعان الماشية. لينتقل مفهومها إلى فعل الزرع وليس الشيء المزروع بعد دلك.
-في القرن 16م أصبح يدل على تنمية الملكات الذهنية.
- فرض المصطلح نفسه مجازا بعد دخوله معجم الأكاديمية الفرنسية (ط1718)، وألحق بها المضاف، وصار يقال:ثقافة العلوم، ثقافة الآداب، ثقافة الفنون.
وشيئا فشيئا تحررت كلمة ثقافة من مضافها وأصبحت تعني تكوين، تربية العقل.
-في معجم الأكاديمية الفرنسية 1798 تحدث عن "عقل طبيعي بدون ثقافة" مشيرا بدلك إلى التعارض المفهومي بين الطبيعة والثقافة، فالثقافة هي سمة مميزة للنوع البشري.
ب- اصطلاحا:
- تفرق المدرسة الألمانية بين كلمة ثقافة، وكلمة حضارة فحسب ( (Braudel. On history الذي يقول : "انه لمن المضلل أن نأمل على الطريقة الألمانية في فصل الثقافة من أساسها الحضارة.... الحضارة هي فضاء، مساحة ثقافية، إنها توليف من خصائص، وظواهر ثقافية.
-يجمع بوزيمان(Bozeman.Cirilisation Under stress)بينهما . فيعتبر الثقافة والحضارة كإطار يجمع القيم والمبادئ، والمؤسسات، وأنماط التفكير والتي تعطي لها الأجيال المتعاقبة في مجتمع ما أهمية أولية.
- أما سمويل هنتغتون فيضع الثقافة والحضارة في تراتيبة حيث ينظر إلى:
"الحضارة هي أعلى تجمع ثقافي للبشر وأوسع مستوى من الهوية الثقافية يكاد يكون شعب ما قد وصل إليها، والتي تميز بني البشر عن الأنواع الأخرى".
- مثال: * ثقافة قرية في جنوب ايطاليا تختلف عن مثيلتها في شمال ايطاليا.
* لكنها دائما في إطار الثقافة الايطالية.
* التي تختلف في دورها عن الثقافة الألمانية.
* ولكنهما دوما في إطار الثقافة الأوربية.
* التي تختلف عن الحضارة الصينية أو الهندوسية.
2- تعريف الثقافة السياسية:
- تعريف1: هي مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، والشرعية والمشاركة.
- تعريف2: منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة، وضوابط هدا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ادن:- الثقافة السياسية تتعلق باتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص ظواهر سياسية معينة. فالثقافة بدلك تختلف عن الموقف السياسي، أو الانطباع الظرفي. أو لأنه في نفس الوقت هما نتاج الثقافة السياسية ذاتها.
- الثقافة السياسية ثقافة فرعية، فهي جزء من ثقافة المجتمع، تربطهما علاقة جدلية.
- الثقافة السياسية ثقافة متغيرة، فهي ليست مستقرة أو ثابتة بالمطلق ومدى التغير مرتبط بتبدل البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكدا اهتمام الصفوة الحاكمة بالتغير الثقافي.
- ليست بالضرورة أن بكون نمط واحد من الثقافة السياسية داخل الدولة الواحدة بل قد تتعدد الثقافات بحسب عامل التقسيم الطبقي، أو العرقي، أو تكون ثقافة الصفوة الحاكمة تختلف عن ثقافة الصفوات الهامشية والتي قد تأخذ حتى شكل التناقض.
- مثلا : في الدول العربية التي تأخذ في جلها بنماذج الاقتصاد و السياسة الغربية تجد معارضة لهذا التوجه من طرف ثقافات خارج النظام السياسي الحاكم تضع تصور الدولة وفلسفة الحكم والمرجعيات المعتمدة محل نظر .
-الثقافة السياسية داخل النظام السياسي ليست متجانسة.
لهذا هناك ثقافة مهيمنة سلطويا نقابل ثقافات سياسية تنتمي إلى النسق الاجتماعي الكلي.
II/ الثقافة والهوية والدولة :
مع نشوء الدولة القومية ، أصبحت الهوية شأنا من شؤون الدولة وما يتبع ذلك من ثقافة سياسية، فمنطق الدولة القومية الحديثة هي أن تكون صارمة مع موضوع الهوية لأنها تسعى إلى توحيد الهوية " Mono identification" .
فأما لأنها لا تعترف إلا بهوية ثقافية واحدة لتحديد الهوية الوطنية (فرنسا) أو أنها بعد قبولها لنوع معين من التعدد الثقافي في كنف الأمة الواحدة ، تقوم بتحديد هوية مرجعية تكون الهوية الوحيدة الشرعية (الو.م.ا) ، أما الهوية الوطنية المتعصبة فهي دولة إيديولوجية تقوم على أساس محاصرة الثقافات الفرعية، ولا تؤمن بالتعدد الثقافي الهوياتي، وقد تتطرف بعض الدول في هذا المنحى حتى تصل إلى فعل التطهير العرقي (مثال كسوفا).
- في بعض المجتمعات أو الدول التي تدقق في هوية أفرادها أو مواطنيها فتضع ملاحظات على بطاقات الهوية أحيانا تخص الانتماء العرقي أو الطائفي كما هو الشأن في لبنان أو رواندا ، ففي حالة نشوب نزاع داخلي سيؤدي إلى أثار وخيمة.
- هناك تنامي لظاهرة مطالبة الأقليات باعتراف الدولة (الجهاز الديمقراطي) بوجودها وخصوصيتها واحترامها، خاصة عند شعورها بالاضطهاد (حركة السود في الو.م.ا).
III/ مكونات الثقافة السياسية:
1) المرجعية:
وتشير إلى الإطار الفكري و الفلسفي المتكامل، فهي الأرضية التي ننطلق منها لتفسير التاريخ، وتحديد الأهداف و الرؤى، وتقدم سندا لتبرير المواقف و الممارسات، وتكسب النظام الشرعية.
عادة ما يتم الاتفاق والإجماع على مرجعية محددة بين أعضاء المجتمع السياسي الواحد، وهو ما يشكل داعما أو دعامة لاستقرار النظام السياسي، في حين الاختلاف حول مرجعية النظام السياسي قد يؤثر على استقراره وقد ينشئ انقسامات وأزمات تتعلق بمسالة الهويـــة و الشرعية .
ومن أمثلة المرجعيات الفكرية : الديمقراطية ، الاشتراكية ، الليبرالية ، العلمانية ، المرجعية الإسلامية.
- هناك إجماع في الديمقراطيات الغربية على مرجعية محددة كالشكل الديمقراطي للنظام و المذهب الفرداني ، والاتجاه الليبرالي، في حين تعاني البلدان النامية من مشكلة الاختلاف على المرجعيات الواجب الأخذ بها، واحد أسباب ظهور هذا المفهوم -الثقافة السياسية- نشا أصلا عندما تبين أن البلدان المتحررة من الاستعمار والتي سارعت إلى استيراد المؤسسات الديمقراطية، لم يوفر هذا المسلك ضمانة كافية لعمل الديمقراطية، فاستنتج علماء السياسة أن المشكل يقع على مستوى العلاقة بين المنظومة السياسية والمنظومة القيمة والثقافية.
وفي هذا الصدد قام كل من الموند ، وسدني فيربا بتناول خمسة بلدان (الو.م.ا) بريطانيا، ألمانيا، ايطاليا، المكسيك). ضمن دراسة مقارنة، انطلاقا من تحليل أشكال متنوعة من السلوكيات السياسية ، وتوصلا إلى وضع تصنيف للثقافات و البنى السياسية المتكيفة مع تلك الثقافات من الناحية الوظيفية:
- الثقافة الرعوية " paroissiale " التي تهتم بالمصالح المحلية بمعنى سياسية تقليدية لا مركزية.
- ثقافة الخضوع التي تنمي السلبية لدى الأفراد ترتبط بأنظمة تسلطية.
- ثقافة المشاركة التي تنسجم مع البنية الديمقراطية.
- الثقافة السياسية المحسوسة هي خليط يجمع بين الأنواع الثلاثة.
ملاحظة: نفرق بين الثقافة ومفهوم التثاقف (Acculturation)، الذي يعني الانسلاخ عن الثقافة الوطنية وتبني لنمودج ثقافي مستورد.
المشاركة السياسية
تعد المشاركة السياسية مؤشرا قويا على مدى نضج الممارسة الديمقراطية، بل إنها إحدى المحددات الحقيقية لتوصيف طبيعة النظام السياسي، فعلى ضوئها يتم التفريق بين الأنظمة الديمقراطية التي تأخذ بقيم الحرية والعدالة والمساواة وانفتاح المجال السياسي، وتلك الأنظمة الشمولية التسلطية التي تهمين على الحياة السياسية وتوجهها، وتسد كل قنوات التواصل بينها وبين أفراد المجتمع.
1- تعريف المشاركة السياسية :
يعرفها أحمد وهبان بأنها: "مجموعة التصرفات الإرادية التي تستهدف التأثير في عملية صنع السياسات العامة، وإدارة شؤون المجتمع، وكدا تلك التي يتم من خلالها اختيار القيادات السياسية على كافة المستويات الحكومية من قومية ومحلية ودلك بغض النظر عما إدا كانت هده التصرفات منظمة أو غير منظمة، مؤقتـــة أو مستمرة، مشروعة أو غير مشروعة..."
أما (Nelson et Bray (1999 فيعتبرانها: "كل سلوك من شأنـه التأثير – بصورة مباشرة أو غير مباشرة- في عملية اتخاذ القرار العمومي (الصادر من السلطة)، للحصول على هدف سياسي محدد".
Nelson et Bray définissent la participation politique comme « un comportement quelconque visant à influencer directement ou indirectement le processus de prise de décision publique, en obtenant ainsi un résultat politique particulier.».
يميز جلال عبد الله معوض بين المشاركة والاهتمام والتفاعل. فالاهتمام يعني الابتعاد عن السلبية، فالمواطن يشعر بانتمائه للدولة، وهو معني بالشؤون العامة حتى ولو لم يشارك في قراراتها. أما التفاعل فيقصد به التجاوب الإيجابي المفضي إلى المشاركة، فهو موقف وسط بين الاهتمام والمشاركة الفعالة.
2- مستويات المشاركة السياسية :
لا تنحصر المشاركة السياسية في عملية التصويت فقط، فحسب هـ. ماكولسكي، فيربا، روش هناك عشرة مستويات للمشاركة مرتبة ترتيبا تصاعديا من التصويت إلى تقلد المناصب السياسية، حسب الدرجات التالية:
1- تقلد المناصب السياسية أو الإدارية ( نميز بين المنصب السياسي والمنصب البيروقراطي).
2- السعي لشغل منصب سياسي أو إداري.
3- العضوية النشطة في تنظيم سياسي (الحزب مثلا).
4- العضوية العادية في تنظيم سياسي.
5- العضوية النشطة في تنظيم شبه سياسي ( الجمعيات المدنية، النقابات).
6- العضوية العادية في تنظيم شبه سياسي.
7- المشاركة في الاجتماعات السياسية العامة (ندوة، تجمع حزبي).
8- المشاركة في المناقشات السياسية غير الرسمية (داخل الأسرة ، العشيرة، المؤسسة ، الطائفة، الإثنية).
9- الاهتمام العام بالسياسة (وسائل الإعلام المرئية و/ أو المسموعة أو المكتوبة).
10- التصويت.
من خلال العرض السابق يمكن النظر إلى المشاركة من زاويتين: رسمية وغير رسمية، كما يمكن التمييز أيضا بين الأشكال الاتفاقية (conventionnelles) للمشاركة السياسية كتقلد المناصب السياسية، الانتخاب...
والأشكال غير الاتفاقية (Non conventionnelles) كالمظاهرات، الثورات، الإضرابات، إمضاء العرائض( (pétitions العصيان المدني، والتطرف السياسي...
- تتمثل السلبية السياسية في ظاهرتين بارزتين هما:
أ- اللامبالاة السياسية: وتعني عــدم اهتمام الفرد بالحياة السياسية، وقضايا الشأن العام، فهو منصـــرف إلى الحياة الاجتماعية / الاقتصادية، ولا يمارس حتى فعل التصويت كحد أدنى من المشاركة، وهده الظاهرة مشاهدة حتى في الديمقراطيات الغربية، كما تشير إحدى دراسات (1968 L. Milbrath) عن الولايات المتحدة، مع دلك يمكن للأزمات أن تغير في مراكز اهتمام الأفراد وتستقطبهم إلى المجال السياسي، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأزمة البترولية لعام 1973، أو قضية الحرب على ما يسمى بالإرهاب.
ب- الاغتراب السياسي: يتمثل في شعور الفرد بعدم الانتماء والتهميش من طرف النظام السياسي، بفعل عامل التنافر بين الفرد والنظام، المتولد من ثقافتين سياسيتين متناقضتين، أو من الحرمان من حقوق المواطنة، قد يؤدي إلى انعزالية سياسية (انسحاب من الحياة السياسية)، كما قد يؤدي إلى اللجوء لأساليب العنف، كما هو الشأن بالنسبة للثورات. أو ثورة البروليتاريا حسب التحليل الماركسي