[rtl]المحاضرة الثالثة :[/rtl]
[rtl]البعد الديني في العلاقات الدولية في العصور الوسطى : الحروب الصليبية و الفتوحات الإسلامية[/rtl]
[rtl]ظهرت الأديــان الرئيسية في العالم في الفترة ما بين 600 ق.م. و611م تقريبا، وكان أول الأديان السماوية ظهورا اليهودية وتلتها النصرانية ثم ختمت بالإسلام، آخرالأديان والمهيمن عليها، أما الأديان الوثنية فأشهرها الهندوسية والزرادشتية والبوذية والكونفوشية والطاوية والشنتو.[/rtl]
[rtl] لقد كان للدين وما يزال أثر كبير في حياة الأمم والشعوب، فقد كان للإسلام واليهودية وبدرجة أكبر للنصرانية، الأثر الكبير في تكوين الثقافة الغربية، كما أدت هذه الأديان الثلاثة، وخاصة الإسلام دورًا أساسيًا في نمو ثقافات الشرق الأوسط. بينما نجد أن ثقافة آسيا أسهمت في تشكيلها البوذية والكونفوشية والهندوسية والشنتو والطاوية. [/rtl]
[rtl]1- المسيحية والعلاقات الدولية من الظهور إلى الحملات الصليبية[/rtl]
[rtl]أ- المسيحية : المدلول والانتشار[/rtl]
[rtl]النَّصْرانيّة Christianity ديانة سماوية أُنزلَتْ على عيسى ـ عليه السلام ـ مكملة لرسالة موسى ـ عليه السلام ـ ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، وموجهة خاصة لبني إسرائيل، ولكن التحريف دخل هذه الديانة كما حرِّفت اليهودية؛ الأمر الذي أشارإليه القرآن الكريم، وأثبتته الدراسات النقدية الحديثة لمصادر النصرانية ومعتقداتها، وقد قامت معتقدات النصارى على العناصر التالية:[/rtl]
[rtl]- التثليث: يمثل التثليث جوهر معتقد النصارى في الألوهية، ويصورون هذا المعتقد بقولهم: طبيعة الله هي ثلاثة أقانيم متساوية: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس. [/rtl]
[rtl]رغم اتفاق النصارى حول هذه العقيدة فإنهم يختلفون حول مفهومها، فبينما يقول الأرثوذكس بالتجسُّد؛ يقول الكاثوليك بالتعدُّد، فعند الأرثوذكس أن الله واحد ولكنه مرّ بثلاثة أطوار، تعالى الله عن ذلك، فقبل نزوله إلى الأرض يسمى الأب، وبعد خروجه من بطن مريم يسمى الابن، وبعد صلبه وصعوده يسمى الروح القُدُس، فالله عندهم هو عيسى.[/rtl]
[rtl] أشار القرآن إلى هذا المعتقد، وبيّن خطأ القائلين به، قال تعالى: ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾ المائدة :72، أما الكاثوليك فيقولون: إن الله غير الابن، والابن غير الروح القدس، وقد أشار القرآن أيضًا إلى بطلان هذا المعتقد، قال تعالى: ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم﴾المائدة: 73.[/rtl]
[rtl]- الدينونة: يعتقد النصارى أن المسيح ـ عليه السلام ـ هو الله الابن ويحاسب الناس على خطاياهم.[/rtl]
[rtl]الصلب:يعتقد النصارى أن المسيح ـ عليه السلام ـ قد صلب فداء للخليقة، وتكفيرًا عن الخطيئة التي ارتكبها آدم أبو البشر وورثها أبناؤه من بعده، والنصارى مختلفون في الطريقة التي تم بها الصلب، والقرآن يدحض هذا الزعم كلية فيقول: ﴿وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله،وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينًا 157 بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا158﴾النساء: 157، 158.[/rtl]
[rtl]التعميد:الانغماس في الماء، أو رش الشخص باسم الأب والابن وروح القدس تعبيرًا عن تطهير النفس من الخطايا والذنوب.[/rtl]
[rtl]الاعتراف:البوح بكل مايقترفه الإنسان من ذنوب وآثام إلى رجل الدين، ويدّعون أن ذلك يسقط العقوبة ويطهّر الذنوب.[/rtl]
[rtl]العشاء الرباني:يدعي النصارى أن المسيح ـ عليه السلام ـ جمع الحواريين في الليلة التي سبقت صلبه، وأنه وزع عليهم خبزًا بينهم وخمرًا،وأن الخمر يشير إلى دمه، والخبز إلى جسده.[/rtl]
[rtl]الاستحالة: يعتقد النصارى أن من أكل الخبز وشرب الخمر في يوم عيد الفصح استحال فيه وأصبح كأنه أدخل في جوفه لحم المسيح ودمه، وأنه بذلك امتزج بتعاليم المسيح.[/rtl]
[rtl] خلال القرون الثلاثة الأولى، كان هناك صراع يدور بين حواريي عيسى والجماعات التي كانت امتدادًا لهم، أو ما يعرفون بالنصرانية اليهودية الموحدة، وبين تيار نصراني آخر كان يقوده بولس؛ الذي كان يهوديًا متعصبًا ضد النصارى، وممن شارك في اضطهادهم ثم انقلب فجأة مدافعًا عنهم مدعيًا أنه تلقى وحيًا ضمنه فيما يعرف بالرسائل المنسوبة إليه، واستمر هذا الصراع حتى تغلب تيار بولس على تيار التوحيد، وظهرت نصرانية مستندة إلى تعاليم بولس التي استمدها من الفلسفات القديمة والديانات الوثنية، فأدخل في النصرانية تأليه المسيح وعقيدة التثليث وأفكار الصلب والفداء والتعميد، إلى غير ذلك من العقائد التي سبقت الإشارة إليها.[/rtl]
[rtl]
قرر بولس أن النصرانية ليست مذهبًا يهوديًا خاصًا ببني إسرائيل، بل هي دين جديد؛وأن عليها أن تجعل دعوتها مفتوحة لغير اليهود، كما تساهل بولس في بعض التشريعات والطقوس؛ سعيًا إلى كسب الوثنيين من الرومان وغيرهم. [/rtl]
[rtl]
ساهم التيار الذي قاده بولس في اعتناق الإمبراطور قسطنطين للنصرانية، وبحلول عام 392م، أصبحت النصرانية الديانة الرسمية للدولة الرومانية، وانتشرت على إثر ذلك في أوروبا الغربية جميعها، بل إن تاريخ أوروبا ارتبط في مساره العام بالنصرانية.[/rtl]
[rtl]
في القرون النصرانية الأولى، كانت كلمة كنيسة Church تعني مجتمع كل النصارى، ولكن في عام 1054م حدث انقسام بين كنيسة غرب أوروبا وكنيسة شرق أوروبا وغرب آسيا،أصبحت الكنائس في شرق أوروبا وغرب آسيا تعرف بالأورثوذكسية الشرقية، أما الكنائس في غرب أوروبا فأصبحت تعرف بالكاثوليكية الغربية.[/rtl]
[rtl]
ب- الحملات الصليبية[/rtl]
[rtl]شهدت العصور الوسطى محاولات النصارى الاستيلاء على الأراضي المقدسة في فلسطين ، فيما يعرف بالحروب الصليبية بين القرنين العاشر والثالث عشر الميلاديين.[/rtl]
[rtl]كانت الحملات الصليبية Crusadesاسما أطلق على الحملات العسكرية النصرانية المنظمة بشكل رئيسي للاستيلاء على فلسطين بين القرنين الخامس والثامن الهجريين، الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين، وذلك لأهمية موقعها الجغرافي بوصفها حلقة وصل بين الشرق والغرب، ولرغبة استعمارية في السيطرة على الأماكن المقدسة، كما أنها كانت رد فعل لفتوحات المسلمين وانتصاراتهم التي جسَّدت التسامح الديني بين مختلف الأديان السماوية، وقد نظم الغزاة القادمون من أوروبا الغربية ثماني حملات رئيسية، فيما بين 490 و 669هـ ، 1096 و1270م. وتعد تلك الفترة فترة توسع اقتصادي لأوروبا الغربية وزيادة قواتها المسلحة، وكان الصــليبيون جزءًا من الحركات التوسعية النصرانية الواسعة.[/rtl]
[rtl]طلب الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنينوس عام 489هـ، 1095م المساعدة من البابا أوربان الثاني بابا الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في قتاله ضد السلاجقة ،ووافق البابا على ذلك، حيث كان يرغب في الاستيلاء على الأماكن المقدسة انطلاقًا من التعصب الديني، وكذلك لكسب القوة والهيبة للكنيسة، وعقد أوربان في خريف 1095م مجلسًا لقادة الكنيسة في كليرمونت الفرنسية، حثَّ فيه الأوروبيين على وقف القتال فيما بينهم، والاستيلاء على الأراضي المقدسة، ووعدهم بمكافآت روحية ومادية مقابل أعمالهم، وأثارت الرغبة في القتال أوروبا الغربية، وانضم الآلاف للأسباب سالفة الذكر.[/rtl]
[rtl]كما التحق العديدون بالحملات الصليبية لأسباب مختلفة أخرى، منها الحصول على الأراضي، وتوسيع التجارة، إضافة لرغبة العديدين في التخلص من شظف العيش وصعوبته.[/rtl]
[rtl]- الحملة الأولى 1096 - 1099م.[/rtl]
[rtl] وصل الأوروبيون القدس في صيف 1099م، واستولوا على المدينة المقدسة بعد ستة أسابيع من القتال، ثم عاد معظمهم لأوطانهم، وقسّم القادة الأراضي التي احتلوها إلى أربع دول سمّوها دول الصليبيين اللاتينية، وتضم مقاطعة إديسا (الرها) وإمارة أنطاكية، ومقاطعة طرابلس، ومملكة القدس.[/rtl]
[rtl]الحملة الصليبية الثانية1147 - 1149م[/rtl]
[rtl]دعا إليها القديس برنارد كليرفو بعد أن استرد عماد الدين زنكي الرها، وبدأ سلسلة من المعارك ضد الصليبيين انتهت بإجلائهم عن الشرق الإسلامي، وقاد الحملة الصليبية ملك فرنسا لويس السابع وكونراد الثالث الألماني، وقاد الجيوش الإسلامية نور الدين محمود الذي خلف أباه عماد الدين زنكي، واستطاع أن يستولي على بعض ما كان قد احتله الصليبيون.[/rtl]
[rtl]الحملة الثالثة:1189 - 1192م[/rtl]
[rtl] تابع المسلمون مهاجمتهم للغزاة، وتمكن السلطان صلاح الدين الأيوبي من توحيد مصر وســورياعام 1183م، وهزم الصليبين عام 1187م في معركة حطين، وظلت المدن الساحلية مثل: صور، وطرابلس، وأنطاكيا، في أيدي الغزاة وكان أبرز القادة الأوروبيين في هذه الحملة، الإمبراطور الألماني فريدريك الأول (المدعو بربروسا) والملك البريطاني ريتشارد الأول (قلب الأسد) والملك الفرنسي فيليب الثاني (أوغسطس)،ولما فشلت هذه الحملة في احتلال القدس، عقد ريتشارد هدنة مع صلاح الدين لمدة ثلاث سنوات سمح بموجبها للنصارى بزيارة بيت المقدس.[/rtl]
[rtl]الحملة الرابعة 1202 - 1204م[/rtl]
[rtl] أقنع البابا إنوسنت الثالث الأوروبيين بالانخراط في الحملة الرابعة التي يفترض أن تتوجه للأرض المقدسة، إلا أن قادتها قرروا مهاجمة مصر لإضعاف القوة الإسلامية، وتعاقدوا مع تجار البندقية لنقلهم بالقوارب إلى مصر؛ ولكن لم يصل إلى البندقية إلا ثلث العدد المتوقع الذي لم يتمكن من دفع تكاليف السفن.[/rtl]
[rtl]حملة الأطفال1212م[/rtl]
[rtl] دعا إليها ستيفن كلوي وهوصبي فرنسي فلاح، وتبعه آلاف الأطفال المغرَّر بهم من الذكور والإناث ممن بلغت أعمارهم بين 10 و18 سنة، وكانوا من فرنسا وألمانيا، ولكن لم يصل أي منهم إلى فلسطين؛ فقد خطف تجار الرقيق هؤلاء الأطفال وباعوهم في أسواق النخاسة مما أثار أهليهم وذويهم، ودفع البابا إلى أن يستغلهم ويتخذهم وسيلة لإثارة الأحقاد ضد المسلمين.[/rtl]
[rtl]الحملات الصليبية الأُخرى[/rtl]
[rtl] استمرت الحملات الصليبية في القرن الثالث عشر الميلادي، ففي الحملة التي عرفت بالحملة الخامسة (1217 -1221م)، استولى الصليبيون على مدينة دمياط في مصر في بداية الأمر، وانتهت حملتهم بالفشل، وقاد الحملة السادسة (1228 - 1229م)، الإمبراطور فريدريك الثاني الذي أغضب البابا بتوقيعه اتفاقًا مع سلطان المسلمين الملك الكامل قضى بسيطرة النصارى على بيت لحم والقدس، وظلت بقبضتهم حتى استعادها المسلمون عام1244م. وقاد لويس التاسع ملك فرنسا الحملة السابعة(1248-1254م)، بادئاً بمصر لاعتقاده بأن الهيمنة عليها تيّسر السيطرة على الأراضي المقدسة في فلسطين؛ ولكن المسلمين أسروه وجيشه في زمن شجرة الدر زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب ثم أطلق سراحه لقاء فدية كبيرة، ولكنه عاد وقاد الحملة الثامنة عام1270م وأنزل قواته في تونس ثم هلك بعدها إثر تفشي الطاعون في صفوف قواته، وكان نصيب الحملة التاسعة التي قادها الأمير إدوارد الأول الفشل عام 1271 1272- م، واستعاد المسلمون عكا آخر معقل للصليبيين في فلسطين عام 1291م.[/rtl]
[rtl]تمكّن المسلمون من استعادة كافة المدن من الغزاة الصليبيين، وأخفقت العديد من المحاولات في القرنين الثامن والتاسع الهجريين، الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، وانصرفت أنظار الأوروبيين إلى ما وراء المحيط الأطلسي.[/rtl]
[rtl]2- الفتوحات الإسلامية ومدلولها في تاريخ العلاقات الدولية[/rtl]
[rtl]- الفتوحات الإسلامية[/rtl]
[rtl]تمثل الفتوح الإسلامية Islamic Conquests حركة نشر الإسلام عن طريق الدعوة والقدوة أو عن طريق القتال لمن صدَّ وأبى وأظهر العداوة، ويقصد بها أيضًا افتتاح دار الحرب، والانتصار على محاربيها، فطبيعة الإسلام تقتضي دخوله تلك الديار سلمًا عن طريق الدعوة والقدوة الحسنة، فإذا رفض أصحاب تلك البلاد الإسلام والتعايش مع النظام الإسلامي؛ أمر الخليفة المسلمين بفتحها، ولقد تكثفت هذه الفتوح في عصر صدر الإسلام.[/rtl]
[rtl]كان من أهداف هذه الفتوحات حماية الدعوة من عدوان خصومها، سواء أكانوا من عرب الجزيرة نفسها، أم من خارجها، كالفرس والروم، وبذلك كانت الفتوح الإسلامية في بدايتها حربًا دفاعية، ولقد توخَّت تلك الفتوحات أيضًا تخليص الشعوب من طغاتها الظالمين ومن أوضاعها الدينية والاجتماعية السيئة، وقضت على الحق الذي كان يزعمه الملوك والرؤساء لأنفسهم من أنّ مشيئتهم هي مشيئة الله وأن الخضوع لهم خضوع لله، فعندما سأل رستم ـ قائد الفرس في معركة القادسية ـ ربيعة بن عامر مبعوث سعد بن أبي وقاص إليه عن سبب مجيء المسلمين إلى فارس، ردّ: الله جاء بنا، وهو بعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه، فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه، ومن أبى قاتلناه حتى نُفضي إلى الجنة، أو الظفر ، وعندما سأله رستم إن كان هو زعيم المسلمين، فردّ بقوله: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد، بعضهم من بعض، يجير أدناهم على أعلاهم· [/rtl]
[rtl]أرادت الأمة الإسلامية أن تنقل مُثُلَها التحررية إلى الشعوب المضطهدة، تلك المثل التي نلمحها في قول واحد من عامة الناس لعمر بن الخطاب وعلى الملأ ، والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقَّومناه بسيوفنا، ولو كان حكام المسلمين مثل حكام الروم لما أمر عمر بأن يقتصّ ابن قبطي مصري من ولد واليه على مصر ـ عَمْرو بن العاص ـ وفي ملأ من الناس، لأن ابنه تجرأ على الظلم لمكانة والده، وقال عمر في ذلك : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ [/rtl]
[rtl]لقد كانت الفتوحات الإسلامية حروبًا أخلاقية تقيدت بمبادئ الحق والعدالة والرحمة مع المغلوبين والمحاربين، وتمثل شيء من ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه حين وُلِّيَ الخلافة، وفد عليه قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة ابن مسلم دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين بغير حق، فكتب عمر إلى عامله بأن ينصِّب لهم قاضيًا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين، أخرجوا، فنصَّب لهم جميع بن حاضر الباجي قاضيًا، فحكم بإخراج المسلمين، على أن ينذرهم قائد الجيش الإسلامي بعد ذلك، وينابذهم وفقًا لمبادئ الحرب في الإسلام، ولكن أهل سمرقند كرهوا الحرب، وأقروا المسلمين للإقامة بين أظهرهم.[/rtl]
[rtl]لم يستغل الفاتحون سلطانهم لقهر الأمم التي غلبوها، وعندما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين بعهودهم معهم وحسن سيرتهم فيهم، أصبحوا عيونًا للمسلمين على أعدائهم، واعترفوا بالفارق بين الحضارتين الإسلامية والرومية، ومن ذلك عندما أمر أبو عبيدة برد الجزية التي أخذها من أهل حمص حين أيقن بعجزه عن حمايتهم من الروم، ويقول المستشرق روبنسون: ¸إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين معاملة الأجانب بالحسنى، وبين محبتهم لنشر دينهم، وكان من أثر هذه المعاملة الحسنة أن انتشر الإسلام بسرعة، وعلا قدر رجاله الفاتحين بين الأمم المغلوبة، وأدت هذه المعاملة إلى انحسار النصرانية عن شمالي إفريقيا·[/rtl]
[rtl]استمرت حركة الفتح الإسلامية التي خرجت بالإسلام من الجزيرة العربية إلى بلدان الهلال الخصيب المجاورة، واستطاعت في النهاية ـ وبعد أن تابعها الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، والثالث عثمان بن عفان ـ هزيمة الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، ففتحت سوريا والعراق وفلسطين ومصر، واستمرت حركة الفتح متصلة الحلقات،على عهد الدولة الأموية والدولة العباسية، حتى وصل الإسلام إلى أسبانيا غربًا وإلى الصين شرقًا.[/rtl]
[rtl]العلاقات الدولية في الإسلام[/rtl]
[rtl]هناك أسس كثيرة بنى عليها الإسلام علاقاته الدولية والإنسانية، و أهم تلك الأُسس:[/rtl]
[rtl] 1- العدل في المعاملة والحكم بين الناس بالعدل مطلقا بغض النظر عن أديانهم، وأجناسهم، وألوانهم، ولقد تضافرت النصوص التي تحض وتأمر بالعدل حتى مع الأعداء ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنَّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ المائدة: 8[/rtl]
[rtl]-2 - احترام الكرامة الإنسانية انطلاقًا من إيمانه بأن الناس كلهم من أصل واحد، ومن نفس واحدة، وإنما جعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا ويتآلفوا، لا ليختلفوا، ويتنافروا ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ الحجرات: 13. [/rtl]
[rtl]3- اعتبار الناس كلهم أمة واحدة، وفي الحديث الشريف(كلكم لآدم وآدم من تراب)وذلك بعد أن يقرر أن أصل الناس كلهم واحد، وأن الأجنبي ليس عدوًا مطلقًا مادام الأصل واحدًا.[/rtl]
[rtl]4- الحث على التعاون الإنـساني على نصرة المظلـوم، وإغاثـة الملهوف ورفـع الظــلم، وردع الظالمــين المجرمــين، ولذلك ليـس من عجـب أن يكـون التعاون أصـلاً من أصول الإيمـان﴿وتعاونوا على البرّ والتقوى، ولاتعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ المائدة: 02. [/rtl]
[rtl]- 5بناء العلاقات الإنسانية على التسامح غير الذليل وهذا التسامح أساسٌ طبّقه الرسول صلى الله عليه وسلم مع ألدّ أعدائه في حروبه، وطبَّقه في معاهداته كما يشهد لذلك جليا موقفه من قريش الذين منعوه من العمرة ودخول المسجد الحرام ظلما عام الحديبية.[/rtl]
[rtl] 6- بناء العلاقات الإنسانية على مراعاة الحرية الشخصية، لأن في ذلك تحريرا للنفوس من سيطرة الأهواء والشهوات، ولذلك لم يشأ الإسلام إكراه أحد على اعتناق العقيدة﴿لا إكراه في الدين﴾ البقرة: 256[/rtl]
[rtl]-7- التمسك بالفضيلة في معاملة الناس وحمايتها في كل الأحوال واعتبارها أساس العلاقات الدولية في حالتي الحرب والسلم، ولا غرو أن يحفظ التاريخ تلكم الوصية الخالدة التي يقولها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لجيوشه عندما يبعثهم: اخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله،لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع)رواه أحمد في المسند بإسناد حسن)[/rtl]
[rtl]8- وجوب الوفاء بالعهد ضمانًا لبقاء عنصر الثقة في التعامل بين الناس أفرادًا وجماعات وحكومات، ولذلك جعل الإسلام هذا الأساس مستلزمًا من مستلزمات الإيمان بالله،﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق﴾ الرعد: 19، 20. [/rtl]
[rtl]9- تأمين الرسل والسفراء على أنفسهم حتى يعودوا سالمين إلى من بعثهم، لذلك أقر الإسلام الحصانة الشخصية لمبعوثي الدول والسفراء ـ الدبلوماسيين ـ فلم يُجِز التعرض لأشخاصهم وأموالهم وأسرهم، وأتباعهم، وأقر كذلك الحصانة القضائية لهم، فلم يلزم الوالي بتنفيذ العقوبات التعزيرية عليهم ، وقرر الإسلام الحصانة المالية لهم، فذهب الفقهاء إلى القول بإعفائهم من متعلقات الحصانة المالية.[/rtl]
[rtl]تحدث علماء الإسلام عن الإقليم فقسمه بعضهم إلى دار إسلام ودار كفر، وبعضهم قسم الإقليم إلى دار إسلام ودار كفر ودار عهد.[/rtl]
[rtl]هناك أكثر من تعريف لدار الإسلام، من ذلك:[/rtl]
[rtl] 1- دار الإسلام كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة.[/rtl]
[rtl] 2- دار الإسلام كل إقليم يتوفر فيه للمسلم الأمن على نفسه وعرضه وماله، ويتمكن من ممارسة شعائره الدينية، وهذا رأي أبي حنيفة والزيدية. [/rtl]
[rtl]3- دار الإسلام كل إقليم تظهر فيه أحكام الإسلام، ويكون مسكونًا من قبل المسلمين وهذا مذهب الشافعية.[/rtl]
[rtl]4 - دار الإسلام هي الإقليم الذي تطبق فيه شرائع الإسلام، فإذا ظهرت أحكام الكفر فهي دار كفر، وهذا مذهب الحنابلة ويؤيده بعض الأحناف[/rtl]
[rtl]أما دار الكفر فهي كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة وواضحة، وهي كل مكان يسكنه غير المسلمين، ولم يسبق فيه حكم إسلامي، وقد درس العلماء أحكام الهجرة والإقامة في دار الكفر، كما درسوا العقود والجنايات فيها وغير ذلك.[/rtl]
[rtl]في حين أن دار العهد هي الإقليم الذي بينه وبين المسلمين عهد (معاهدة) ينظم العلاقة بين الطرفين، ويمكن القول بأن دول العالم كلها تقريبًا من هذا النوع بالنسبة للمسلمين.[/rtl]
[rtl]إن هذا الإلمام يبين أن الإسلام عبارة عن نظام متكامل، ينظم أمور الفرد كلها، الديني منها والدنيوي، وتعالج شريعته كل مناحي الحياة في المجتمع، الديني منها والسياسي والاقتصادي والحربي والاجتماعي والتربوي، لذا فإن التعمق فيه كرسالة سماوية بمقدوره أن يبرز لنا إطار قيما لفهم العلاقات الدولية وكيف يجب أن تكون.[/rtl]