العلاقات الإيرانية الروسية بعد الصفقة النووية
نشر في : الإثنين 13 يوليو 2015 - 03:32 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 يوليو 2015 - 03:32 ص
المونيتور – التقرير
كان هناك الكثير من التخمين عن أثر رفع العقوبات، ورجوع الشركات الغربية إلى إيران، على علاقات طهران مع روسيا. النظرة التبسيطية هي أن إيران النامية قد تنافس روسيا كمصدر رئيس للنفط والغاز، مما يجبر موسكو على الوقوف في وجه تطوير إيران لصناعة النفط والغاز لديها. إلا أن الواقع أكثر تعقيدا، وأي إسقاط عن علاقات طهران وموسكو يجب أن يأخذ بعين الحسبان الصورة الأكبر، خصوصا الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه طهران في استراتجية موسكو المتنامية لتركيز بشكل أكبر على آسيا، كما أن وجود روسيا كفاعل نشط مع القوى الستة العظمى التي تفاوضت مع طهران يضع بعين الاعتبار أن موسكو كانت تحمي مصالحها في إيران والمنطقة.
ليس هناك شك أن موسكو كانت مشتركة في حسابات استراتيجية معقدة في سياستها تجاه برنامج إيران النووي. قبل ظهور سياسة التفاعل من الرئيس حسن روحاني، موسكو استخدمت ورقة السياسة الإيرانية لتأمين تنازلات من الحكومات الغربية، إلا أن سياسة طهران الأكثر استرضائية، بالإضافة لأحداث أخرى، غيرت المعادلة الاستراتيجية. التغيرات الناتجة يمكن أن تفسر مستوى الدبلوماسية العالي غير المسبوق بين طهران وموسكو خلال الـ 18 عشر شهرا الأخيرة. في الحقيقة، في 9 تموز/ يوليو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وروحاني عقدا اجتماعا آخر على هامش القمة المشتركة لـ BRICS (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا)، ومنظمة شنغهاي للتعاون في مدينة أوفا الروسية. في ذلك الاجتماع، قال روحاني “أظن أنه من واجبي شكر روسيا على الجهود التي قامت بها في التسهيل والتفاوض حول البرنامج النووي، والجهود الشخصية التي قام بها وزير خارجيتها لافروف”، مشيرا إلى “الدور المميز” الذي تقوم به موسكو على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي وقت سابق، أشارت المونيتور في شباط/ فبراير ٢٠١٤ إلى الجهد الخاص الذي بذله روحاني لتحسين العلاقات ممع روسيا. بالرغم من أن الدولتين المتجاورتين لم يكن بينهما يوما علاقات قريبة أو استراتيجية، إلا أن التطورات المحلية والدولية مهدت الطريقة لعلاقة جديدة. في ٢٠٠٩، روحاني، عضو مجلس الأمن القومي الأعلى حينها، قال إن “الوجود العسكري الأمريكي حول إيران، في أفغانستان والعراق ووسط آسيا والخليج الفارسي، بالإضافة للجهود الأمريكية لاحتواء القوة المتنامية للجمهورية الإسلامية، هي ضمن أسباب توضح تطور التفاهم المشترك بين طهران وموسكو حول القضايا الإقليمية”، مضيفا أن المعايير الجيوإستراتيجية قد تغيرت بالنسبة لإيران وروسيا وأمريكا.
بعد ستة سنوات، لم تكن هذه المعايير الجيوإستراتيجية أوضح مما هي عليه في أي وقت مضى. بسبب التطورات في أوكرانيا، أصبحت روسيا هدفا للعقوبات الغربية، بينما كانت روسيا تطور تجارتها وصلات الطاقة مع آسيا، خصوصا مع الصين. طهران لديها حكومة جديدة تضمنت سلطات خارجية، وقريبة من حل النزاع النووي طويل الأمد. كل القوى الثلاثة يواجهها خطر إستراتيجي متمثل بالتطرف الجهادي، والتغيرات الإقليمية، وتطورات قسم الطاقة، خصوصا سقوط سعر النفط منذ منتصف ٢٠١٤.
مسعى طهران في الفضاء الجيوإستراتيجي الجديد يقوده اعتقاد حكومي جديد بأهمية تطوير سيناريوهات (رابح – رابح) لكل اللاعبين. وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وضح هذا التوجه في لقاء متلفز عندما قال “الطرف المقابل لم يفهم أنك لا يمكن أن تتقدم على حساب الآخرين. لا تستطيع الحصول على الأمن وإنشاء الأمن لشعبك على حساب الآخرين”.
مسعى (رابح – رابح) يقود السياسة الإيرانية تجاه ورسيا كذلك. هذا هو السبب الذي دفع الجانبين للتوافق على تحسين التجارة الثنائية من ١.٥ مليار دولار في ٢٠١٣ إلى ١٥ مليار خلال سنوات قليلة. في الحقيقة، تأسيس إيران السياسي يسعى لعلاقة متوازنة بين القوى الشرقية والغربية. لذلك، فإن النمو غير المسبوق مع الدول الغربية كتبعات لصفقة نووية إيرانية سيكون ضروريا بالتفاعل مع روسيا، وبالتالي، فإن طهران لن تبعد نفسها عن موسكو بعد نهاية الصفقة النووية.
وبالرغم من التنافس بين إيران وروسيا في مجال الإنتاج الهيدروكربوني، خصوصا في مخزون الغاز الاحتياطي، فإن علاقة قريبة بين القوى العظمى بمجال الطاقة يمكن أن تظهر بعدد من الصناعات. مجالات النمو الرئيسية ستكون صادرات الأسلحة، وإنشاء حقول طاقة مستقبلية جديدة. ظهور صناعة الأسلحة قد يوضح لماذا أصرت موسكو أن العقوبات العسكرية على إيران يجب أن ترفع كذلك. مع أو بدون عقوبات على جانب إيران العسكري، فإن روسيا ستزيد صادراتها لإيران بالتوازي مع تعاون مستقبلي كثيف في المجال النووي، بما في ذلك إنشاء محطات نووية جديدة. روسيا قد تصبح لاعبا أساسيا في مجال معدات وآلات البترول محليا. وزارة البترول حددت عشر أصناف منتجات، خصوصا في مجالات الصناعات الثقيلة، حيث ستدعم الحكومة تقنيات النقل والصناعة المحلية. بالرغم من أن رجال أعمال وتكنوقراط إيران قد يفضلون تقنيات غربية أكثر تطورا، إلا أن الفراغ سيظل متاحا للشركات التقنية الروسية. كما أنه من المتوقع أن نمو الصادرات الروسية سيكون حاضرا في صناعات ثقيلة أخرى، مثل معدات التنقيب، السيارات الثقيلة، السكك الحديدية، وغيرها، وبالمقابل فإن النمو الصادرات الإيرانية المحتمل في قسم الطعام، والتنقيب، والبتروكيميائيات، والصناعات المعتمدة على الغاز، قد يجعل إيران تدخل السوق الروسية في هذه المجالات، خصوصا أن الشركات الأوروبية بعيدة عن السوق الروسي بسبب العقوبات.
وبعيدا عن التجارة والاستثمارات المحتملة المشتركة الموجودة أو الجديدة، فإن علاقة طهران وموسكو قد تعزز عبر تعاون ثلاثي مع وسط آسيا والشرق الأوسط. غياب الأمن والاستقرار في هذه المناطق محدد لأجندات الأمن القومي في موسكو وطهران، وكلاهما ينظر إلى هذه المناطق كأسواق تصدير ضخمة. نظرة روسيا تتضمن علاقات نووية مستقبلية مع السعودية، الخصم الإقليمي لإيران. كما أن أحداث ما بعد الربيع العربي في الشرق الأوسط مهدت الطريق لتعاون استراتيجي أكبر بين طهران وموسكو. علي أكبر ولايتي، رئيس مركز إيران للأبحاث الاستراتيجية ومستشار السياسة الخارجية لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، يعتقد أن الأمن في آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط آسيا والقوقاز سيعتمد على تعاون قريب بين طهران وموسكو وبكين. هذا التحليل يوضح لماذا تقدمت طهران لعضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، وستقدم لتعاون مستمر بين طهران وموسكو متجاوز للصفقة النووية ورفع العقوبات.
ما سبق يوضح أن علاقات طهران وموسكو يجب أن ينظر لها بتحليل متعدد الأبعاد، بما في ذلك معايير الطاقة والاقتصاد والسياسة والأمن. ليس هناك شك أن هناك تنافسا بينهما في عدد من المجالات، لكن تحسن العلاقات بين روسيا وإيران سيسعد أولئك الاستراتيجيين الإيرانيين الذين لا يريدون اعتمادا إيرانيا على التقنية الغربية، لكنه سيعزز، في الوقت نفسه، استراتيجية موسكو لتطوير وجودها في المناطق المحيطة بإيران.
المصدر
_________________