- معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية و أمن الدول غير الحائزة على الأسلحة النووية

-مقدمة:
معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية (NPT أو TNP) معاهدة دولية، تم الاعلان عنها في 1 يوليو 1968 بنشرها في آن واحد في كل من لندن، و واشنطن و موسكو للحد من سباق التسلح النووي بين القوى العظمى في ظروف الحرب الباردة التي كانت تسود العلاقات الدولية خاصة المعسكر الليبرالي الغربي و المعسكر الشيوعي الشرقي. و بدأ التوقيع على المعاهدة و الانضمام إليها ابتداء من ذلك التاريخ إلا أن أصبحت ملزمة و سائرة المفعول على كافة الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة في سنة 1970.
و تم الانضمام غلى المعاهدة من طرف الدولتين النوويتين العضويتين في مجلس الأمن الدولي و هما الصين الشعبية و فرنسا في ما بعد.
2-لمحة تاريخية عن المعاهدة:
برزت منذ الخمسينيات أصوات مناهضة لعمليات الاختبار والتسلح النووي، حيث أُجري منذ 16 يونيو 1945 وحتى 31 ديسمبر 1953 أكثر من خمسين انفجاراً نووياً تجريبياً، مما حدا بالكثير من الشخصيات العالمية إلى التعبير عن رفضها لهذه الأفعال، ومن أبرزها جواهرلال نهرو رئيس وزراء الهند آنذاك والذي دعا إلى التخلي عن إجراء أي اختبارات نووية، دون أن تلقى دعواته آذاناً صاغية من القوى العظمى آنذاك بسبب انهماكها في تفاصيل الحرب الباردة.
بدأت أولى المحاولات للحد من الأسلحة النووية في عام 1963، حيث وقعت 135 دولة على اتفاقية سُميت معاهدة الحد الجزئي من الاختبارات النووية وقامت الأمم المتحدة بالإشراف على هذه المعاهدة علماً بأن الصين وفرنسا لم توقعا على هذه المعاهدة وكانتا من الدول ذات الكفاءة النووية.
و في 10 سبتمبر 1996 فُتِحَت مُعاهدة جديدة للتوقيع سَميت معاهدة الحد الكلي من إجراء الاختبارات النووية وفيها مُنِع أجراء أي تفجير للقنابل النووية؛ حتى لأغراض سلمية. تم التوقيع على هذه المعاهدة من قبل 170 دولة حتى الآن.

3-مبادئ و محتوى و أبعاد المعاهدة:
تقوم اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية على عدم التوازن المطلق بين الدول التي تملك السلاح النووي قبل 1968 و التي لها الحق بالاحتفاظ به و باقي الدول الأخرى التي يجب أن تتعاهد بعدم السعي للحصول على هذا النوع من السلاح. كما يعقد الوضع وجود تحالفات عسكرية كحلف الناتو الذي يضمن لأعضائه من غير الحائزين على السلاح النووي بمضلة الولايات المتحدة على الصعيد أمنها الاستراتيجي و دول أخرى على المستوى التكتيكي و العملياتي.
و في المقابل، تعاهدت هذه الدول (الدول المالكة للأسلحة النووية) على عدم نقل التكنولوجيا النووية إلى الدول الأخرى (غير المالكة للأسلحة النووية) وعلى أن لا تقوم بتطوير ترسانتهم من الأسلحة النووية، و أن لا تستعمل السلاح النووي إلا إذا تعرضت من قبل دولة أخرى إلى هجوم بواسطة هذه الأسلحة.
واتفقت الدول الموقعة أيضا على تقليل نسبة ترسانتها من الأسلحة النووية واستعمال قدراتها النووية لأغراض سلمية.
ومن الجدير بالذكر أن محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد صرح بان 40 دولة قادرة على تصنيع أسلحة نووية في حال اتخاذ حكوماتها قرارا بهذا الشأن.
و من أهداف الاتفاقية تطوير ظروف الاستعمال السلمي للطاقة الذرية خاصة في مجال إنتاج الطاقة و التطبيقات العلاجية و المجالات الاقتصادية العديدة التي تعرف استعمال الذرة. و لا يجب على الدول المصنعة احتكار المعلومات الخبرات التي تقصي الدول النامية من الوصول إلى هذا المسعى و أن تنعم دول البشرية كلها بفوائد استغلال الذرة (المادة 4 للمعاهدة).
كما تشير المادة 5 إلى إمكانية الاستفادة من تفجيرات نووية لأغراض سلمية بطلب من دولة لا تملك السلاح النووي موجه لدولة مالكة و ضرورة الاستجابة لذلك دون شروط انتهازية لتقييم البحث و التطوير المتعلق بصناعة و تخزين المتفجر النووي من طرف الدولة المقصودة.

4-توقيع المعاهدة و دخولها حيز التطبيق:
وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة عام 1968 و كانت بمثابة الدول الراعية للاتفاقية.
وقعتا فرنسا والصين عام 1992. وانسحبت كوريا الشمالية منها في عام 2003.
وفي عام 1995 وصل عدد الدول الموقعة إلى 170 دولة ولا تزال المعاهدة مفتوحة للتوقيع.
حتى الآن وقع على الاتفاقية 191 دولة. مع ذلك ما زال خارج الاتفاقية دولتين نوويتين أكيدتين (تملكان تجارب نووية مصرح بها) هما الهند وباكستان ودولة نووية محتملة هي إسرائيل (لم تصرح إسرائيل حتى الآن عن امتلاكها للسلاح النووي رغم الكثير من المؤشرات التي تؤكد ذلك). إحدى الأطراف التي يحتمل امتلاكها لقوة نووية هي كوريا الشمالية أيضا ما زالت خارج الاتفاقية. تم اقتراح الاتفاقية من قبل ايرلندا وكانت فنلندا أول من وقع عليها.
حتى يومنا هذا قامت بعض الدول من بين تلك التي يجب أن تُصادِق على المعاهدة بالتوقيع. و لم توقع الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وقامت دول أخرى بالتوقيع ولكنها لم تتخذ قرارا بتصديق المعاهدة، وهذه الدول هي الصين وكولومبيا ومصر وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة وإندونيسيا وفيتنام. ولا يتوقع أن تقوم أي من هذه الدول بالتصديق على المعاهدة في المستقبل القريب حيث تشهد معظم هذه المناطق توترا سياسيا يحول دون التصديق على هذه المعاهدة.
تحوط الشكوك بمدى التزام الدول ذات الكفاءة النووية بهذه المعاهدة فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة بتزويد دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي بما يصل إلى 180 سلاحا نوويا. ولم توقع حتى يومنا هذا إسرائيل والهند وباكستان على المعاهدة وقامت كوريا الشمالية بالانسحاب من المعاهدة عام 2003 وقامت إيران بتوقيع المعاهدة إلا أن الولايات المتحدة اتهمت إيران بخرق المعاهدة وتقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاليا بمحاولة إجراء تفتيش على المفاعلات النووية الإيرانية ومن الجدير بالذكر أن آية الله علي خامنئي قد أصدر فتوى بتحريم تصنيع الأسلحة النووية حسب هذا المصدر.
تعقد الدول الموقعة اجتماعا واحدا كل 5 سنوات لمراقبة مدى تطبيق المعاهدة و التطورات المسجلة و الصعوبات التي تقف دون ذلك.
5-الندوات التقييمية:
قد حددت مدة صلاحية المعاهدة لربع قرن (25 سنة) من الزمن، ابتداء من 1970 تاريخ دخولها حيز التطبيق و القيام بتمديد هذه المدة في اجتماع الدول الأعضاء بعد هذه الفترة. و في ندوة 1995 تم الاتفاق على تمديد صلاحية المعاهدة لأجل غير محدود شرط أن تتحصل المجموعة الدولية على تجريد إسرائيل من أسلحتها النووية بطلب من الدول العربية الموقعة على المعاهدة.
كما تنظم وكالة الدولية للطاقة الذرية ندوات تقييمية كل خمس سنوات للنظر في كيفية و طرق تطبيق المعاهدة من طرف الدول الأعضاء و تسليط الضغوط على الدول الخارجة عن المعاهدة لإقناعها بالانضمام إليها.
و في ندوة نيويورك سنة 2000 تم تحديد برنامج عمل بثلاث عشر نقطة أو مرحلة للتطبيق الفعلي لبنود المعاهدة. لكن لم تحقق ندوة 2005 الأهداف المسطرة و لم يتوصل المشاركون على اتخاذ بيان مشترك بسبب اختلافاتهم في العديد من القضايا شكليا و جوهريا.

6-إلزامية التجريد التطوعي من السلاح النووي:
كما تشمل أيضا المعاهدة بندا فيما يخص التوقف عن التسابق في ميدان التسليح النووي و الوصول إلى التجريد الكامل من هذا النوع من الأسلحة تحت إشراف و مراقبة المجتمع الدولي. و تسمح الندوات التقييمية بالنظر في مدى تطبيق بنود المعاهدة مع ضرورة أخد القرارات الضرورية من أجل ذلك.

7-البرتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية:
تسمح ترتيبات البرتوكول الإضافي لـ22 سبتمبر 1998 للوكالة الدولية للطاقة النووية القيام الفعلي بجرد و مراقبة كميات المواد المشعة و النووية القابلة للاستغلال في صناعة المتفجر النووي التي تملكها الدول المجرود من الأسلحة مبدئيا. و ذلك بعد اكتشاف عدد من الدول الأعضاء التي لأسباب توازنات قوة جهوية بادرت في سرية في برامج تخضيب مواد نووية موجهة للاستعمال كوقود لصناعة الأسلحة. و يمكن ذكر إسرائيل و الهند و باكستان و العراق سابق و إيران الخ... و حتى الآن لم تمضي سواء 58 دولة من أصل 191 البرتوكول الإضافي الذي يشكل حقيقة أداة مراقبة فعلية للتصدي لظاهرة انتشار الأسلحة النووية.

8-حدود المعاهدة:
بسبب عدم المساواة المبدئي بين الدول المالكة للسلاح النووي و الدول التي لا تملك و التي تعاهدت بعدم السعي للحصول عليه و بسبب استمرار استعمال القوة العسكرية من طرف الدول القوية لتحقيق أغراضها السياسية تنشط العديد من الدول النامية و الصاعدة في برامج نووية تحت غطاء الأنشطة المدنية السلمية للوصول إلى القدرات التقنية التي تمكنها من صناعة الأسلحة النووية عند الضرورة . و يعتبر كل من الهند و إسرائيل و كوريا الديمقراطية و باكستان القدوة التي يجب تتبعها لكسب الردع اللازم لصيانة السيادة الوطنية و ضمان الأمن القومي بأنجع الوسائل.
و ما زاد في الوضع تأزما عدم المبادرة في التجريد التطوعي من الأسلحة النووية من طرف الدول المالكة و دوام مخالفة الترتيبات المتعلقة بهذا الشأن ما يشكل غياب الثقة بين الدول و ضرورة بذل مجهودات كبيرة لإعادة بنائها.