الفكر التنموي ومقاييس التنمية البشرية
أ. م. د كامل المراياتي
http://www.madarik.net/mag2/10.htm التنمية (Development) مفهوم مركزي يتمحور حول الانسان والمجتمع وهو نقيض التخلف (Lag retardation) ومفهوم التنمية ذو صلة بكلمة النمو (Growth) التي يشير بعدها اللغوي الى النماء(1). ويرتبط بعدها البايولوجي بعلم نفس النمو(Development Psychology) الذي يعني بدراسة مراحل وتطور النمو والسلوك ونمو الشخصية الفردية او توقفها(2). متتبعا تغيرات البناء والشكل التي تمتد عند انتقال العضوية الفردية من اصلها الى نضجها، فضلا عن استخدامات الكلمة في الاشارة الى نمو اللغة والفهم والمهارة(3).
اما استخدام الكلمة في المجال الاجتماعي فانه يحولها للدلالة على عمليات التغيير الاجتماعي (Social change) التي تصيب البناء الاجتماعي عن طريق التطور الطبيعي والتحول التدريجي. وعندما يستخدم مفهوم التنمية في المجال الاجتماعي فانه يدلل على الجهود التي تبذل لاحداث سلسلة من التغييرات الوظيفية والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع عن طريق زيادة قدرة افراد المجتمع على استغلال الطاقة المتاحة الى اقصى حد ممكن لتحقيق اكبر قدر من الحرية والرفاهية للافراد وبأسرع من معدل النمو الطبيعي(4).
لقد عرّف بعضهم التنمية بانها عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة. ولذلك فان معالجة موضوعات التنمية وما يرتبط بها من ابعاد تستدعي عدم اغفال اتجاهات الفكر السوسيولوجي ونظريات التخطيط الأقتصادي وافكار التنظيم السياسي التي تتضمنها تلك الموضوعات، والتمييز بين مفاهيم متداخلة كالتطور (Evolution) والتقدم (Progress) والتغيير (Change) والأعمار والتحسين (Develupment) والذي نستخدمه هنا بمعنى التنمية(5).
وعموماً، وبصرف النظر عن اختلاف دلالات تلك المفاهيم فان التنمية كعملية لابد ان تتضمن بُعداً قصدياً ارادياً وفعلاً مخططاً لاحداث تغييرات مرغوبة. ولعلنا نستطيع تمييز موقفين عامين في عملية التغيير او التنمية اذا تجاوزنا الأختلافات الجزئية المتباينة داخل كل موقف او نهج عام.
الموقف الأول يرى في التنمية(عملية خيارية) تتطلب التزاماً قاسياً بالواقعية ونهجاً صارماً يتعامل مع حقوقٍ معينة ومع ترف الديمقراطية اومع تهيئة الخدمات الأجتماعية لاوسع قدر من السكان وكأنها حقوق يمكن تأجيلها ودعمها في وقت لاحق بعد ان تكون عملية التنمية قد حققت ثماراً كافية.
اما الموقف المضاد والقائم على الضربات العنيفة فانه يرى في التنمية (عملية وديّة) تتضمن تنشيط شبكات الضمان الأجتماعي الحريات السياسية التنمية الأجتماعية والتمويلات ذات النفع المتبادل. بمعنى ان هذا الخيار يرى في التنمية اساساً عملية توسيع للحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس، وان مسألة توسيع نطاق الحرية تتضمن كلاً من الغاية الأولية والوسيلة الأساسية ،او الدور التأسيسي والدور الأداتي للحرية في التنمية (6).
اما اذا توجهنا صوب البعد الأجتماعي للتنمية فاننا سنلاحظ اتجاهين اساسيين يتضمن كلاً منهما نظريات ومداخل متعددة ضمن تيار علم الأجتماع .
اتجاه ليبرالي محافظ يتضمن مذاهب وافكار متعددة تنطلق في معالجة ظواهر التقدم والتخلف والنموفي ضوء مقولات فكرية وقيمية وسايكولوجية وبايولوجية تحاول التركيز على قضايا النظام والتوازن والتساند داخل النسق، ولذلك فان ظواهر الفوضى والتخلف والتوتر والصراع ماهي إلاّ نتاج لافتقاد الصفوة قدرتها على الضبط والتنظيم والتحكم.
ثم هناك اتجاه مغاير وهو الأتجاه الثوري الراديكالي الذي يحاول تحليل قضايا التخلف والتقدم والنمو في ضوء متغيرات علاقات وقوى الأنتاج وعلاقات السيطرة والصراع الطبيعي(7).
ولعل مفهوم التنمية في حد ذاته قد تطور مع تطور الفكر الانساني الذي كان يسود كل مرحلة. ومؤسسيا فان استخدام مفهوم التنمية قد تطور منذ الخمسينات فانتقل من التركيز على التنمية الاقتصادية خلال الخمسينيات والستينات الى التركيز على الجانب الاجتماعي خلال السبعينات والثمانينات وصولا الى استخدام مفهوم التنمية البشرية كما ورد في تقارير الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة منذ عام 1990.
لقد كان الاعتقاد السائد خلال الستينات من القرن المنصرم بان التحول الاقتصادي (Economic growth) هو الاساس الذي يعول عليه لتحقيق التنمية . ورغم ان الفكر الاقتصادي قد تضمن في تلك الفترة محاولات لادماج البعد الثقافي والاجتماعي في عملية التنمية وتضمينها مؤشرات واساليب كمية قد تفوق في اهميتها النسبية اهمية البعد الاقتصادي في تكوين الناتج المحلي الاجمالي للفرد(. الا ان الهاجس الاقتصادي ظل يحتل المرتبة الاولى في ذلك التفكير ففي عام 1960صدر عن الجمعية العامة للامم المتحدة قرار برقم 1515حول العمل المشترك في سبيل الانماء الاقتصادي لرسم استراتيجية طريق الامم النامية من اجل تطوير اقتصاداتها. وكانت الوكالات والمجالس المتخصصة في الامم المتحدة قد اولت فكرة تنمية المجتمع اهمية خاصة في دراساتها ومشاريعها منذ عام 1950حين اتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في باريس 1955قرار بوصفه تنمية المجتمع وسيلة للتقدم الاجتماعي في المجتمعات النامية والمتخلفة(9). وقد صدرت عن منظمة الامم المتحدة سنة 1963دراسة بعنوان (تنمية المجتمع المحلي والتنمية القومية) حاولت ايجاد صيغة في الارتباط بين برامج العمل المحلي وبرامج العمل على المستوى القومي(10).
والواقع ان دراسات الامم المتحدة لاتسير في خط واضح ينبثق من بناء ايديولوجي متميز لانها تارة تحاول ربط حركة التنمية الاجتماعية المحلية بحركة قومية شاملة تعتمد على التخطيط القومي وتارة تجعل قضية التنمية عملية تربوية وتنظيمية تتعلق بالتثقيف والارشاد وتغيير الاتجاهات ، وتارة ثالثة تحيل التنمية الاجتماعية على عمليات وظيفتها تحقيق الظروف السابقة للنمو الاقتصادي بما يوحي بانها شيء يختلف عن التنمية الاقتصادية ولا يتضمنها، تارة رابعة تقوم بعقد موازنة بين برامج تنمية المجتمع وبين برامج الاصلاح الزراعي والبرامج التعاونية مما يوحي بان هذه البرامج الثلاثة برامج مستقلة يحاول الدارسون ايجاد اوجه التشابه والاختلاف بينها(11).
ويبدو ان تلك الدراسات تتحدث عما يطلق عليه (برامج الاصلاح التكنولوجي) (Technological reconstruction) حين نتناول برامج التنمية الاقتصادية المادية، وبرامج الاصلاح التنظيمي (Organization reconstruction) حين نتناول تغيير العلاقات التنظيمية في مجال الملكية والقوة والتعامل والادارة... لذلك كان مفهوم التنمية الاجتماعية (Developments) مفهوما غير واضح في تلك البرامج ، ثم توالت تلك الدراسات والاستراتيجيات فظهرت استراتيجية التصنيع للتصدير التي كانت تهدف الى انشاء صناعات تقوم بالانتاج للسوق الخارجية لتوفير الموارد المالية من العملات الاجنبية لتغطية المتطلبات الاستراتيجية من المستلزمات الراسمالية لانجاز المشاريع الراسمالية والحاجات الاخرى.
اما في السبعينيات فقد شهد العالم ولادة منهج تنموي جديد يعرف بمنهج الحاجات الاساسية (Basic needs approach) الذي يتمثل بنقل اهتمام حكومات البلدان المستقلة حديثا من التنمية بمفهومها المقترح بالتصنيع الى التنمية البشرية مباشرة. وكانت منظمة العمل الدولية (I. L. O) هي الجهة التي بادرت بطرح هذا المنهج وتطويره(12). استنادا الى ان على الحكومات واجب العمل على تقديم الخدمات الاساسية كالعناية الصحية والبنى التحتية الاساسية وخدمات التعليم.
وبدلا من اعطاء الاولوية للنمو الاقتصادي التدريجي الذي يقاس طبقا للانتاج القومي الاجمالي فان استراتيجية الحاجات الاساسية تحاول عمل شيئين هما:
أ. معالجة الفقر المطلق بأسرع ما يمكن من خلال المساعدة الكبيرة المباشرة لاولئك الذين يعيشون في ظروف بائسة.
ب. سد الحاجات الاساسية للجميع بقدر تعلق الامر بالحاجات المادية كالطعام والملابس والمأوى والوقود وكذلك الحاجات الاجتماعية كالتعليم والحقوق الانسانية ومايسمى(بالمشاركة) في الحياة الاجتماعية من خلال العمل والالتزام السياسي(13).
وفيما يتعلق بالظروف الريفية والحضرية فقد تضمن هذا المنهج استراتيجيتين لمعالجة الحرمان واشباع الحاجات الاساسية تجمعهما العديد من الاواصر مع النظرة الى الفقر (كحرمان نسبي) ففي المناطق الحضرية ذهبت منظمات العمل الدولية الى ان على الحكومة ان تدعم جميع الذين اضطروا الى الاعتماد على ذكائهم وفرصهم ومعونة اقربائهم في سبيل ايجاد عمل لهم في المدن. فالعديد من الناس الذين جاءوا الى المدن بحثا عن عمل لهم وجدوا ان العمل الكامل لطيلة ساعات الدوام قليل جدا في سوق العمل (غير الرسمي). واستجابة لذلك فقد تطور قطاع العمل (غير الرسمي) وانشغل الناس في مزيج من الانشطة الشرعية وغيرالشرعية كالمتاجرة بالبضائع في الاكشاك على جانب الطريق او المناداة عليها في الشوارع وغيرها من الانشطة الاخرى.
وتدعي منظمة العمل الدولية ان على أية حكومة ان تشجع القطاع غير الرسمي بدلا من تقييده.
وفي اواسط الثمانينيات ازداد ضغط المجتمع الدولي بهدف تطبيق سياسات الاستقرار الاقتصادي والتكيف الهيكلي مما يعني مزيدا من التخفيضات في الانفاق العام. فظهرت استراتيجيات التنمية البشرية. فبعد مخاضات طويلة وصعبة لحل اشكالية التوفيق بين متطلبات التنمية وضرورة المحافظة على البيئة وسلامتها ـ جاءت فكرة التنمية المستدامة.
لقد جاء اعلان وطرح هذا المفهوم في اطار تقرير اعده الاتحاد العالمي لحماية البيئة والموارد الطبيعية الذي اطلق عليه (استراتيجية حماية العالم ) وفي هذا التقرير عرفت التنمية على انها اي تعديل في المحيط الحيوي من اجل اشباع حاجات الانسان واما حماية البيئة فيقصد بها (ادارة استخدام الانسان لمحيطه الحيوي من اجل منفعة اكبر وادوم له ولاجياله القادمة) . ولما كان المحيط الحيوي هو المصدر لاشباع حاجات الانسان فلابد من جعل سلامة وحماية هذا المحيط في مقدمة اولوياتنا التنموية والتطويرية. وفي عام 1987اصدرت المنظمة العالمية للتنمية والبيئة (wced) منشورها المسمى (مستقبلنا المشترك) اشارت فيه الى التنمية المستدامة على انها (اشباع الحاجات الاساسية لكل الناس وتلبية طموحهم من اجل حياة افضل ومن دون الحاق الضرر او المساس بقدرات الاجيال القادمة على تلبية متطلبات معيشهم).
وهكذا يتضح ان مفهوم الاستدامة يستند على تأمين طاقات ومقدرات ومصادر نمو اجيال المستقبل.
فالتنمية المستدامة تنمية تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الاجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم. وهي تحتوي على مفهومين اساسيين.
1. مفهوم الحاجات وخصوصا الحاجات الاساسية لفقراء العالم والتي ينبغي ان تعطى الاولوية المطلقة .
2. فكرة القيود التي تفرضها حالة التكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي على قدرة البيئة للاستجابة لحاجات الحاضر والمستقبل(14).
وهكذا يتضح ان الحديث عن التنمية البشرية والفكر التنموي يستلزم الاشارة الى ان مسيرة التنمية البشرية ترتبط بشكل او بآخر بمسيرة نظريات النمو الاقتصادي من جهة وحركات البيئة من جهة ثانية وحقوق الانسان والاجيال القادمة من جهة ثالثة ونظريات التنظيم والفكر الاجتماعي من جهة رابعة.
فالتنمية البشرية جزء من كل. وان كانت التنمية الاقتصادية تشكل محورها وعمودها الفقري.
وهنا لابد في التوقف للقول ان بيئة المفهوم التنموي وبنيته تتضمن تداخلا مفاهيميا يتطلب الرجوع نحو مايزيل هذا الارتباك.
ان الفكر الغربي ينطلق في التعامل مع مفاهيم النمو والتنمية من قاعدة يرى فيها وجهين لعملة واحدة تنطلق اصلا من التمييز بين مجموعتين من البلدان في قدرات انتاج السلع والخدمات الاقتصادية والشروط السياسية والمؤسسية الاجتماعية المرافقة لتلك القدرات.
ففي حين تتميز البلدان المتقدمة بزيادة القدرة الاقتصادية وملائمة الشروط المصاحبة لتلك القدرات فان القدرات والشروط المصاحبة لتلك القدرات في البلدان الاخرى تختلف عن ذلك، وكذلك فان العلاقة بين النمووالتنمية انما تاخذ شكل علاقة سببية تكون فيها عملية النمو علة لعملية التنمية. وبالتالي فان التنمية ليست إلا أداة لتحقيق الشروط التي تجعل من عملية النمو عملية مستمرة ومستقرة(15).
وبعيدا عن الدخول في سجال ومناقشات بشأن سلامة هذا المنطق او خطله فان ما تجدر الاشارة اليه ان هذا المنطق حين يميز بين مجموعتين من البلدان فانه ينكر عملية النمو خارج النطام الراسمالي اولا وينكر كون عملية النمو عملية ديناميكية وان لكل مجتمع شروطاً خاصة للنمو من ناحية ثانية(16).
التداخل الثاني يبدو في الخلط بين مفهومي التنمية البشرية (H.D.I) والتنمية البشرية المستدامة (S. H. D) . ويبدو ان التمييز بينهما ينطلق من ان مفهوم التنمية البشرية المستدامة اشمل من مفهوم التنمية البشرية لانه يستند على ابعاد او متغيرات ثلاثة (تنمية ـ بشرـ استدامة)(17). ويعني به (توسيع اختيارات الناس وقدراتهم من خلال تكوين راس المال الاجتماعي الذي يستخدم باكثردرجة ممكنة من العدالة لتلبية حاجات الاجيال الحالية دون تعريض حاجات الاجيال المستقبيلة للخطر، ومما يؤكد امر الشمولية، ان مفهوم التنمية البشرية مفهوم مستقل عن البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، لذلك فان مفهوم التنمية البشرية المستدامة يعد انتقالة من تنمية شاملة محدودة واضحة الاهداف ومتسلسلة الخطى باتجاه تنمية بشرية (ذات صفات توزيعية للمنافع) اضف لذلك ان توزيع المنافع لابد ان يكون ذات صفة مؤسسية في المناهج والبرامج التنموية للبلد وهكذا يتوضح ان شروط التنمية البشرية تتعارض مع شروط ومتطلبات سوق حرة تلقائية واقتصاد حر لانها تحتاج الى اقتصاد مخطط مبرمج.
ومعنى هذا ان شروط التنمية البشرية تتقاطع مع شروط الاقتصاد الحر، لان عملية التنمية البشرية اساسا حصيلة لبيئة مخططة وبنية عالية التخطيط والتنهيج لسلوك التجمعات الانسانية بل ولسلوك الافراد ايضا وكل هذا التخطيط والتحكم المبرمج يتعارض حتما مع دعوات الخصخصة واجراءات بيع القطاع العام من جهة ومع حقائق الاختيار من جهة أخرى .
ويبدو ان مفهوم التنمية البشرية المستدامة (S. H. D) مفهوم جديد ظهر وتشكل من قبل البرنامج الانمائي للامم المتحدة (U. N. D. P) كتركيب شكل من استراتيجية التنمية البشرية الاصلية (N. D. I) كما عبرت عنها تقارير التنمية البشرية التي يصدرها البرنامج الانمائي للامم المتحدة ومن مفهوم واستراتيجية التنمية البشرية المستدامة كما طورها المعنيون بالبيئة وتم تبنيها من مؤتمر الامم المتحدة حول البيئة والتنمية الذي عقد في ريو دي جانيرو عام 1992.
ومع ان مفهوم التنمية البشرية المستدامة يهتم بالنوع الاجتماعي (Gender) ومتغيراته (ذكور ـ اناث)،الا انه لا يفرق بين الريف والحضر متجاوزا بذلك منهج الاحصاءات والدراسات السابقة في عقود التنمية(18). السابقة الامر الذي يدعونا كمتخصصين في الدراسات الحضرية الى شمول تلك المتغيرات في برامج التحليل لبيان اي أوساط بيئية اكثر تضررا من اوساط او جماعات اخرى وما هي السبل الكفيلة بالنهوض في مستويات الحياة تفصيليا ولا سيما ما تعلق منها بالبيئة الصحية والسكن الدائم.
لقد عرفت التنمية البشرية التي طرحت في العقود الاخيرة من القرن العشرين على وفق ادبيات الامم المتحدة بانها عملية توسيع لخيارات الناس. ويتحقق هذا التوسع بزيادة القدرات البشرية وطرائق العمل البشرية.
والقدرات الاساسية الثلاث للتنمية البشرية على جميع مستويات التنمية هي:
1. ان يعيش الناس حياة طويلة وصحية.
2. ان يكونوا مزودين بالمعرفة.
3. ان يكون بامكانهم الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق.
ان دليل التنمية البشرية الذي تستند اليه منظمة الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة في تصنيف الدول في تراتب ومواقع تبعاً لمحكات معينة ينتمي دون شك الى اتجاه المكانة الدولية كواحد من الاتجاهات الحديثة في دراسات التنمية والتخلف(19).
وحيث ان دليل التنمية البشرية هو المجموع المركب للمؤشرات الثلاثة السابقة فان البلدان التي تتميز بتنمية بشرية عالية قد تكون درجاتها منخفضة فيما يتعلق باحد المؤشرات في حين تسجيل درجة عالية في مؤشر اخر.
ففي عام 1995 مثلا اظهر دليل التنمية البشرية ان هولندا واحدة من اعلى عشرة بلدان في العالم بموجب مواقع الدليل ولكنها مع ذلك انحدرت قرابة 19نقطة في دليل النوع الاجتماعي الامر الذي ساعد الجماعات النسوية الهولندية في التاثير في خطط الحكومة وتغيير وضع المرأة.
لقد نشر اول تقرير للتنمية البشرية عام 1990. وعندها فكر الباحثون المعنيون في امكانية استخدام ادوات وطرق التحليل المعتمدة في التقارير الدولية على الصعيد القطري والوطني.
وفي عام 1992نشرت أربعة تقارير للتنمية البشرية الوطنية عن بنغلادش وبوتسوانا وكولومبيا والباكستان.
وفي عام 1994نشرت تقارير التنمية البشرية الوطنية على الصعيد القطري في ثمانية اقطار اخرى حتى بلغ عدد التقارير الوطنية عشرين تقريرا في عام 1996.
وفي نهاية القرن الماضي بلغ عدد الاقطار التي تنشر تقارير قطرية للتنمية الوطنية (138) قطرا(20).
كان دليل التنمية البشرية في السنوات الماضية يضم (174) دولة وانخفض هذا العدد في دليل عام 2000وعام 2001 الى (162) اذ تم اسقاط 12 دولة من بينها دولتان عربيتان هما العراق وجيبوتي بسبب غياب المعلومات اللازمة لهذا الدليل.
وتعد مقاييس التنمية البشرية المستدامة ومؤشراتها بمثابة انعكاس للمفاهيم المستخدمة في كل مراحل الفكر التنموي فكلما تطور المفهوم تطورت معه المقاييس لكي تعبر عنه بدقة.
فعندما كان الهاجس التنموي يدور حول قياس مستوى الفقر كانت المقاييس تعكس الفقر البشري بابعاده المختلفة (الفقر الفسلجي والفقر المعرفي والصحي...الخ) وهكذا وصولا نحو استخدام مفهوم التنمية البشرية المستدامة الذي تم تطوير مقاييسه ومؤشراته بما ينسجم وروح هذا المفهوم.
ويمكن القول عموما ان اطر النماذج السابقة كانت تنطلق من التعامل مع العنصر البشري وكأنه وسيلة للتنمية ويتم تجاوز مبدأ ان العنصر البشري هدف للتنمية وغاية لها.
ان المفهوم الاول في دليل التنمية البشرية المستدامة هو مفهوم البعد البشري والذي عبر عن نفسه في اكثر من مقياس. وأبرز تلك المقاييس هو دليل التنمية البشرية الذي يتشكل من ثلاثة مؤشرات هي:
1. طول العمر مقاسا بالعمر المتوقع عند الولادة.
2. التحصيل العلمي مقاسا بمؤشرات فرعية هي:
أ. نسبة البالغين الذين يقرأون ويكتبون.
ب. معدل التسرب الاجمالي لمراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية.
3. مستوى المعيشة مقاسا بنصيب الفرد الحقيقي من الناتج المحلي الاجمالي بالدولارات الاميركية محسوبا طبقا لمبدأ تعادل القوة الشرائية.
اما المقاييس الاخرى المرتبطة بالجانب البشري في المؤشر فهي.
دليل التنمية المرتبط بالجنس:
وهو مؤشر يشبه دليل التنمية البشرية من حيث المؤشرات الفرعية التي تشكل منها، الا انه ينصرف الى دراسة اوضاع المرأة في هذه المؤشرات ويعكس هذا الدليل فضلا عن البعد البشري مدى المشاركة في المجتمع او مظهرا من مظاهر هذه المشاركة.
اما مؤشرات الحرمان البشري فهي:
أ. سجل الحرمان البشري.
(profile of human Deprivation( )P. H. D)
ب. دليل الفقر البشري.(H. P. I).
ج. مقياس قدر القدرات.(C. P. M).
وتحتوي هذه المؤشرات على مؤشرات فرعية تتعلق بالوضع الصحي والمدني ومستوى المعيشة اللائق. وتهتم هذه المؤشرات بقياس الحرمان من القدرات الذي هو نتيجة لانعدام الفرص.
اما البعد البيئي في المفهوم فيعبر عن نفسه من خلال سجل التدهور البيئي الذي يتضمن جملة مؤشرات تعكس مدى الضرر او التحسين الذي يصيب البيئة في سياق النشاط الاقتصادي.
اما البعد الخاص بالمشاركة الاجتماعية او الاقتصاد الاجتماعي فيعبر عنه بجملة من المؤشرات التي تخص المشاركة السياسية والتمثيل ،فضلا عن الدلالات المتضمنة في المؤشرات المتقدمة اذ ان الفقراء لايستطيعون ضمان مشاركتهم في فعاليات المجتمع بسبب القيد المادي الذي يعوق تلك المشاركة. وكذلك فان الفقر المعرفي بدرجاته المختلفة يعد قيدا حاسما على المشاركة وسببا من اسباب تدهور الاقتصاد. هذا فضلاً عن أن درجة المشاركة القائمة على اساس الجنس او العرق او الدين او الاقليم تعد مظهرا من مظاهر الانسجام الاجتماعي او عدمه(21).
ولابد من القول ان مؤشرات التنمية البشرية المستدامة تمتلك اهمية تطبيقه لانها توفر:
أ. للحكومات المحلية ومنظمات المجتمع المدني وللافراد فرصة تخصيص الموارد المختلفة بالاتجاهات التي تضمن الارتفاع بمستوى التنمية البشرية.
ب. للمجتمع الدولي (دول ومنظمات دولية) امكانية ترتيب اوضاع الدول طبقا لمستوى التنمية البشرية في كل منها وذلك لتحديد الدول الاكثر حاجة للعون الدولي في مختلف اشكاله.
واخيرا فان احتساب مؤشرات دليل التنمية البشرية يتطلب توفير احصاءات شاملة ودقيقة وموثوق بها خلال المدة الزمنية المعينة وذلك لتعزيز ودعم الجهود التخطيطية واسنادها.
وقد اسهمت التقارير الوطنية للتنمية البشرية في تحقيق امكانية مناقشة القضايا المهمة بطرق علمية وعقلانية بما يعزز المسار الديمقراطي للبلد.
فقد اوضح تقرير عام 1999في كمبوديا مثلا ان هناك تمييزا واسعا ضد المرأة في ميادين التعليم والعناية الصحية. وكان من نتيجة ذلك ان استخدمت السلطة الحكومية المحلية والمنظمات غير الحكومية البيانات المتاحة في التقرير لتدريب الموظفين وزيادة خبرة العاملين في شؤون المجتمع المدني.
يضم الدليل 18دولة عربية بعد استبعاد العراق وجيبوتي فضلاً عن الصومال وفلسطين التي تم استبعادهما من قبل. ويبدو من خلال الاطلاع على مواقع وترتيب الدول العربية في ادلة التنمية البشرية لعامي 2000و2001ان البحرين احتلت الموقع الاول بالنسبة إلى الدول العربية بينما كان ترتيبها بالنسبة إلى دول العالم الموقع الاربعين(40).
بينما احتلت قطر المرتبة الأولى بحسب تقرير التنمية البشرية لعام2003 فقد جاءت موريتانيا في المرتبة الأخيرة بالنسبة لأقطار الوطن العربي وفي المرتبة(152) بالنسبة لأقطار العالم.(22)
وعموماً فقد قسم دليل التنمية البشرية الدول العربية على ثلاث مجموعات على وفق ما حققته من انجازات:
أ. مجموعة مرتفعة الاداء وتضم البحرين، الكويت، الامارات، قطر بالترتيب.
ب. مجموعة متوسطة الاداء.
ج. مجموعة منخفضة الاداء هي السودان واليمن وموريتانيا.
واخيرا نرى لزاما استعراض المؤتمرات التي عقدت في التسعينيات بدعوة من الامم والتي تناولت مختلف جوانب التنمية البشرية مع الاشارة الى ان المشاركة في تلك الندوات لم تقتصر على مندوبي الدول وانما تعدى ذلك الى مشاركة العديد من المنظمات غير الحكومية (N. G. O. S) والتي مثلت قطاعات المجتمع المدني في الدول المشاركة.
1. المؤتمر العالمي حول التعليم للجميع في جونتان، اذار 1990.
2. القمة العالمية للطفولة في نيو يورك، 29- 30 ايلول 1990.
3. قمة الارض في ريودي جانيرو، 3-14حزيران1992.
4. المؤتمر العالمي لحقوق الانسان في فينا،14-25حزيران 1993.
5. المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة، 5-13ايلول 1994.
6. القمة العالمية للتنمية الاجتماعية في كوبنهاكن، 6-12اذار 1995.
7. المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بيكين، 14-15ايلول 1995.
8. مؤتمر الموئل الثاني للمستوطنات البشرية في استانبول، 13-14حزيران 1996.
9. القمة العالمية للغذاء في روما، 13-17تشرين ثاني1996.
ومن استعراض المواضيع التي تركزت عليها المؤتمرات التي دعت اليها الامم المتحدة والتي تناولت مختلف جوانب التنمية البشرية 1990-1999.يمكن تشخيص المواضيع التالية:(23).
1. تعزيز وحماية حقوق الديمومة والبقاء للاطفال.
2. تعزيز وضمان العيش بمستوى معاشي وصحي وتعليمي لائق والقضاء على الفقر.
3. المشاركة الشعبية في التنمية والترابط بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
4. تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة وبين الطفل والطفلة وازالة التميز بينهما في ممارسة حقوق الانسان او ما تعارف على تسميته بالجندر والجنسانية واسهام المرأة في صنع القرارات.
وتشكل المواضيع الثلاثة الاولى محاور القدرات الاساسية الثلاثة للتنمية البشرية.
كيفية احتساب دليل التنمية البشرية
يتم احتساب دليل التنمية البشرية على اساس ثلاثة مؤشرات :طول العمر ،مقاساً بمتوسط العمر المتوقع عند الولادة،والتحصيل العلمي مقاساً بتوليفه في معرفة القرآءة والكتابة بين البالغين (ولها وزن مرجّح قدره ثلثان) ونسبة القيد الأجمالية في التعليم الأولي والثانوي والعالي معاً (ولها وزن مرجّح قدره ثلث) ومستوى المعيشة مقاساً بنصيب الفرد من الناتج المحلي الأجمالي الحقيقي (بالدولاربحسب تعادل القوة الشرائية). ولبناء الدليل حددت قيمة دنيا وقيمة قصوى ثابتتان لكل من هذه المؤشرات .
العمر المتوقع عند الولادة: 25عاماً و85عاماً.
معرفة القرآءة والكتابة عند البالغين: صفربالمئة و100بالمئة.
نسبة القيد الأجمالية: صفربالمئة و100بالمئة.
نصيب الفرد من الناتج المحلي الأجمالي الحقيقي (بالدولار بحسب تعادل القوة الشرائية)100 دولار(Y min) و40.000دولار(Ymax)
القيمة الفعلية للمؤشر(xi) - القيمة الدنيا للمؤشر(xi)
الدليل= القيمة القصوى للمؤشر(xi)- القيمة الدنيا للمؤشر(xi)
اما بناء دليل نصيب الفرد من الناتج المحلي الأجمالي الحقيقي المعدل (بالدولار بحسب تعادل القوة الشرائية) فيتم احتسابه على اساس القاعدة التالية:
Log y - Log y min
W(Y)=
Log y max - Log y min
وعلى هذا الأساس فان دليل التنمية البشرية هو متوسط بسيط لدليل العمر المتوقع،ودليل التحصيل العلمي،ودليل نصيب الفرد من الناتج المحلي الأجمالي الحقيقي المعدل (بالدولار بحسب تعادل القوة الشرائية) وهو بحسب قسمة حاصل جمع هذه الأدلة الثلاثة على3 . 24
المصادر والهوامش
1. معلوف، لويس، المنجد في اللغة، دار الشرق، ط35، مطبعة، مطبعة انتشارات 1996، ص813.
2. فضلي، عدنان عباس، وجزراوي، ميري، دليل الموسوعة المختصرة في علم النفس وطب نفس الاطفال، بغداد، وزارة الثقافة والاعلام،1983، ص20-26.
3. عاقل، فاخر، معجم علم النفس، بيروت، دار العلم للملايين، 1977، ص34.
4. بدوي، احمد زكي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، بيروت، مكتبة لبنان،1997، ص384.
5. الطاهر، عبد الجليل، مسيرة المجتمع ، صيدا، دار المكتبة العصرية،1966، ص199-200.
6. امارتياصن،التنمية حرية، ترجمة شوقي جلال،عالم المعرفة(303) الكويت2004،ص49-50.
7. نبيل السمالوطي ،علم اجتماع التنمية، دار النهضة العربية،بيروت1981 ،ص19.
8. مجموعة باحثين، دراسات في التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي، بغداد، بيت الحكمة،2001، ص33. آمال شلاش
9. السمالوطي، م.س، ص111.
10.anited nation, community
and economic development, 1966, pp. 40-41
11.united nation, 1966 report
on the world social situation .p194
12. مجموعة باحثين، م.س، ص77.صلاح عبد الحسن
13. ويبستر،اندرو،مدخل لوسيولوجية التنمية، ترجمة حمدي حميد يوسف ، بغداددار الشؤون الثقافية1981 ص45.
14. اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (مستقبلنا المشترك) ترجمة محمد كامل عارف، الكويت، عالم المعرفة،1989، ص83.
15. مجموعة باحثين، م. س، ص107. عبد الجبار محمود
16. الحسيني، السيد محمد، (واخرون) دراسات في التنمية الاجتماعية ، مصر، دار المعارف،1979، ص53-73.
17. مجموعة باحثين، م. س، ص33-34. آمال شلاش.
18. الحسيني، م.س، ص112.
19. مجموعة باحثين ، م.س، ص15-16. نادية حجاب.
20. م. ن، 116-137.
21. مركزدراسات الوحدة العربية ،بيروت،مجلة المستقبل العربي،،العدد322،كانون اول2005،ص195 الملف الأحصائي وكذلكUNDP , HUMAN REPORT.2005
22. www.geocities.com 1\12\2005
23. مجموعة باحثين ،م. س، ص15-16 باسل يوسف
24.مركز دراسات الوحدة العربية، المصدر السابق،ص196.