الجمعة 13 آذار 2009 - العدد 3245 - صفحة 20 | |
[rtl]« » لنبيل خليفة بحث جيو ـ سياسي في واقع لبنان ودوره ومصيره [/rtl]
[rtl]
يقظان التقي[/rtl]
بحث جيو ـ سياسي في واقع لبنان ودوره ومستقبله ومصيره. لبنان هو نموذجه، نموذج للحيز الذي تحتدم فيه وحوله منافسات وصراعات القوى المحلية والدولية لاحتوائه أو احتيازه أو بسط النفوذ والسيطرة عليه.
كتاب جامع باحث في العمق في مجتمع لبناني تعددي ودولة ـ حاجز بين دولتين توسعيتين وهو يمتلك ثروات معنوية ومادية على أرض ضيقة، ويتمتع بميزات استراتيجية تزيد من الضغوطات عليه. وانطلاقاً من نظرية أرنولد توينبي الحضارية في «التحدي والرد على التحدي» نشأت فيه مقاومات فئوية ثم تحولت الى مقاومة شعب في ثورة 14 آذار 2005، بعد استشهاد رفيق الحريري.
يطرح المؤلف سؤالاً مركزياً: ما العمل؟ ما هو الخيار الذي يناسب لبنان الدور والرسالة، لبنان: الإنسان الدولة والكيان للرد على مجمل التحديات التي تواجهه؟.
يأتي هذا الكتاب في توقيته المناسب مع بحث اللبنانيين عن استراتيجية بقائهم وبقاء الدولة والكيان، ويُخرج اللبنانيين من الاستيهامات، أي من التصورات التخيلية الخادعة وحروب البروباغندا. ولئن كان اللبنانيون على موعد الجلوس طويلاً على طاولة الحوار، والبحث في الاستراتيجية الدفاعية المناسبة لوطنهم، فإن هذا الكتاب أشبه بمرجع مفتوح على استشارة بحثية مهمة في شؤون موضوعات الحوار والاستراتيجية وهو يقدم رؤية لمستقبل لبنان: لبنان الازدهار.. والسلام.
المؤلف نبيل خليفة، مواليد حدتون/ البترون (1939). دكتور في الآداب وباحث في الفكر السياسي. من مؤلفاته لبنان والخيار الرابع: الحياد أو التحييد (1984)، لبنان في استراتيجية كيسنجر (1991). الاستراتيجيات السورية والإسرائيلية والأوروبية حيال لبنان (1993). مدخل الى الخصوصية اللبنانية (1997)، مؤسس ومدير مركز بيبلوس للدراسات والأبحاث (1990).
يسعى المؤلف لبلورة رؤية استراتيجية لبنانية متكاملة. «إن دراسة الجيوبولتيك هي المدخل الحتمي لدراسة الاستراتيجية، فمن دون قراءة الجيوبولتيك تبقى القراءة الاستراتيجية باهتة وغامضة ومفتوحة. إن تحليل التنافس والصراع بين قوى محلية أو دولية لديها أهدافها وتكتيكاتها للسيطرة على «الحيز» أي لبنان وسكانه، هي المدخل لفهم استراتيجيات هذه القوى الداخلية منها والخارجية: قوى السيطرة والاحتلال والنفوذ.. وفي وجهها قوى المواجهة!» (ص11).
ثروات لبنان السبع
يتناول الدكتور خليفة ثروات لبنان السبع وهي: المياه والمناخ والتراث والديموقراطية والشبيبة/ التفوق والانتشار في العالم.. والنفط أيضاً! ثم يتناول وضعية الدولة اللبنانية كدولة ـ حاجز تخضع للتجاذب الإسرائيلي ـ السوري وتفسح في المجال لنشوء مقاومات بدأت مقاومات طوائف (اللبنانية والمسيحية والوطنية والشيعية) وتحولت الى مقاومة شعب من ثورة 14 آذار 2005 بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وكما يقول الأب ميشال حايك «فإن الدفاع عن الحرية هو أحد أبرز المقاومات لدى الشعوب».
من يهدد لبنان؟ كيف نحميه من التهديد والاعتداء والاحتلال ونخرجه من وضع الكوندوميثيوم؟ ما العمل لمواجهة مطامع إسرائيل ومطامع سوريا في لبنان؟ كيف نواجه مساعي الدول العظمى لفرض نفوذها على وطن الأرز؟ وبالتالي ما هي الاستراتيجية الدفاعية المناسبة للبنان؟
يحاول الكاتب الإجابة عن هذه الأسئلة المصيرية من خلال عرض دقيق موضوعي وشديد الوضوح ينطلق الى فلسفة الحياد كخيار بديل لرسم استراتيجية الدولة «فإن الحياد هو رهان لبنان السلام بعد نصف قرن من الرهان على لبنان الحرب. فلماذا لا نجرب هذا الرهان البديل.. فنريح ونستريح؟» (ص13).
في مفهوم الاستراتيجية
في القسم الأول يشرح المؤلف مفهوم الاستراتيجية الذي شهد تطوراً في مفهومه وأبعاده من مفهوم عسكري بحت الى مفهوم وجودي شامل. حيث لا يمكن الكلام في العصر الحديث عن السياسة والديبلوماسية بمعزل عن الاستراتيجية. فالديبلوماسية والاستراتيجية هما وجهان متكاملان لرسم السياسة الخارجية للدولة وبالتالي الى تنظيم وتحديد علاقة هذه الدول ببقية دول العالم تحقيقاً لمصلحتها القومية.
لا بد لكل دولة سيدة وحرة ومستقلة من العمل على تأمين:
1 ـ حماية سيادتها وأمنها وسلامتها الإقليمية الى الحفاظ على وجودها وحدودها.
2 ـ تنمية قدراتها العملية والتكنولوجية لزيادة قوتها.
3 ـ تحقيق نموها الاقتصادي.
4 ـ الدفاع عن فلسفة الدولة (إيديولوجيتها).
5 ـ صيانة الثقافة الوطنية.
6 ـ العمل من أجل السلام لأن فيه مصلحة لخير البشر.
«فالاستراتيجية لم تعد فقط عملاً عسكرياً... بل إن الحد الأعلى للاستراتيجية هو السياسة التي تشمل كل النشاطات لبلد ما وتنظيمها» وبناء عليه، فإن القاعدة الأساسية لدى صياغة الاستراتيجية لبلد ما هي «ان القرارات الكبرى وفي مقدمها الاستراتيجية هي دوماً من اختصاص السلطة السياسية في هذا البلد» (ص27).
لبنان الوطن/ الاتساع/ الكل
من القسم الثاني، الفصل الأول من الكتاب وتحت عنوان الموقع الاستراتيجي يختزل الدكتور فيليب حتي أهمية لبنان الاستراتيجية بالقول: «لقد ازدحمت حوادث التاريخ بالخطيرة في لبنان، لبنان الغني بالزمن، الصغير بمساحته، كما لم تزدحم في أي بقعة أخرى من بقاع الدنيا مساحتها مساحة لبنان. فمنذ أقدم العصور صاحب التاريخ لبنان ولا يزال يصاحبه ويلازمه حتى اليوم.. وسبب ذلك يعود الى طبيعة لبنان الجبلية (في منطقة صحراوية) وقربه من البحر وموقعه في مركز متوسط في البلدان التي كانت مهد الحضارة (الأديان) وموقعه عند مفترق الطرق العالمية، وكونه جزءاً من الطرق الدولية التي تربط بين قارات ثلاث» (ص40).
باختصار، إن لبنان في محيطه هو بلد ذو أهمية استراتيجية كامنة وثابتة ومسمّرة «لأنه بلد التفاعل والتأثير الإيديولوجي الأول في المنطقة».
بكلمة، إن موقع لبنان الفعلي هو موقع الاعتدال وموقع لبنان الأطلسي هو موقع الانفتاح، وموقع لبنان السياسي هو موقع الوسط والوسيط، وموقع لبنان الاستراتيجي هو موقع نقطة المركز في دائرة الشرق الأوسط، وهو ما اختصره المؤرخ البريطاني الأشهر أرنولد توينبي بكلمة واحدة: «لبنان هو مفتاح عقد العتبة (clé de Voute) لآسيا الغربية. هذا الجزء المركزي من العالم المتحضر» (ص43).
مقومات الجيو ـ استراتيجيا اللبنانية
إذا كانت الروحية الجديدة وضعت لحدود العالم كله... فإنها في عمقها وبلاغتها المشهورة لدى السيد دي فيلبان تعبّر بالتأكيد عن فلسفة حدود «لبنان في ذاته» حسب شارل مالك أي الروحية المطلوبة للحدود اللبنانية، في ضوء الشرعية الدولية، وما يتخطى التمثيلات الإيديولوجية التي تبقي هذه الحدود مدخلاً للنزاع بين لبنان وجارتيه: سوريا وإسرائيل ويؤكد هنا خليفة على أربعة أمور:
1 ـ ضرورة تقيد إسرائيل بدقة بالحدود المرسّمة بين البلدين منذ العام 1923، والتي هي حدود الهدنة بانتظار التوصل الى سلام عادل ودائم للنزاع العربي ـ الإسرائيلي.
2 ـ وجوب ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.
3 ـ إن معظم مشكلات العالم كما يقول ميشال فوشيه تتعلق بأرض الدول، وبحدودها خاصة، ليس الحدود الرسمية (السياسية) فقط، بل ما يسميه «الحدود الاستراتيجية أو حتى حدود النفوذ، بالإضافة الى الحدود الإيديولوجية».
4 ـ إن كل استراتيجية لبنانية تستوجب الأخذ في الاعتبار وضعية حدود لبنان من كل أبعادها الجغرافية والتاريخية والسياسية والقانونية والاقتصادية والبشرية والاجتماعية والإيديولوجية في إطار مفهوم جديد وروحية جديدة للحدود تكلم عنها دومينيك دي فيلبان (ص59).
التراث والديموقراطية
إذا كانت الديموقراطية شعاراً لأنظمة الحكم في العديد من البلدان في العصر الحديث، ولا سيما الدول الغربية التي تعتمد النظام الليبرالي، فإنها في لبنان ثروة جوهرية نمت بدورها منذ القدم وشكلت علامة فارقة في تاريخ لبنان واللبنانيين. بمعنى آخر، فإن لبنان لا يستورد الديموقراطية، بأي مفهوم كانت، بل هي نزعة أصيلة لدى شعبه على امتداد التاريخ عاشها ومارسها بوجوده وأشكال مختلفة من زمن الفينيقيين وربما قبلهم الى العصر الحاضر. «لقد شارك لبنان منذ البدايات في وضع الجذور الفكرية التي قامت عليها فلسفة الحريات والمؤسسات الديموقراطية، وهكذا فإن رسالة لبنان الحضارية قوامها العقل والحرية، إنها رسالة الديموقراطية في جوهرها وأهدافها. هذا الكلام ليس شوفينياً بل هي انعكاس مباشر لفلسفة تاريخ لبنان» (ص107).
الشبيبة/ التفوق والانتشار اللبناني
في الفصل السادس نظرة مهمة الى الشبيبة اللبنانية كواحدة من الثروات اللبنانية بمقدماتها الثقافية والأخلاقية والديموغرافية وعقليتها المستقبلية والتزاماتها الوطنية، وكما جرى التأكيد في فاتيكان الثاني على «ان الشبيبة هم قوة المجتمع المعاصر وبناة السلام» كما أكد المجمع البطريركي الماروني في نصه الحادي عشر حول الشبيبة «إنهم رجاء المستقبل» (ص116).
إن أي استراتيجية لبنانية بالمعنى الوحدوي/ الفلسفي للكلمة تقوم على رؤية صحيحة لدور الانتشار اللبناني في العالم في خدمة الوطن الأم. وفي الخلاصة أن الاستراتيجية اللبنانية ـ الاغترابية تقوم على أربعة أعمدة: التحرر والانفتاح والنمو والسلام. وبناء عليه فإن تأكيد حق المنتشرين بالحصول على الجنسية اللبنانية وفي ممارسة دورهم السياسي/ الاجتماعي/ الاقتصادي في لبنان هو حق مكتسب وليس منّة من أحد وليس مجرد مسألة سياسية (ص 129).
لبنان دولة نفطية
فصل سابع هو الأكثر اثارة الذي يتحدث عن الثروة السابقة: النفط وعن مؤثرات النفط في لبنان ووجوده وحجمه مسترجعاً حكاية النفط اللبناني وملكية الموارد النفطية في أواخر الأربعينيات، تلك التي اثارها الاستاذ غسان تويني وامتداداً الى ما قامت به شركة سبكتروم الانكليزية من اعمال تنقيب العام 2000 على الشاطئ اللبناني، وأكدت وجود حقل نفطي داخل المياه الاقليمية والممتد الى المياه الدولية بين لبنان وقبرص.
وفي ندوة نظمها المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2007 اكد هلغ سميث المشرف على اعمال التنقيب وجود النفط في الحياة الساحلية الشمالية على عمق تراوح بين 1000 و1500 متر وفي المنطقة البحرية بين لبنان وقبرص (ص 132). وهكذا لبنان بين مادتين استراتيجيتين ملتهبتين: المياه والنفط.
الأرض والمياه والأمن والمجتمع
يتعرض لبنان الدولة ـ الحاجز الى ضغوط جارته الجنوبية منذ انشائها. فاسرائيل كما يقول ميشال شيحا هي مشروع دولة حلم حققتها الصهيونية بروح دولة امبراطورية وسوبر ـ دولة عنصرية وتوسعية. وهو مشروع لم ولن يتم الا على حساب جيران اسرائيل بما يضع لبنان في موقع الخطر الدائم.
ثم يأتي المستور السوري الذي يعمل لفكرة سوريا الكبرى والذي يعطي الاولوية الأولى للسيطرة على لبنان لاسباب واعتبارات جيوبوليتيكية ولأن الفكر الأقلوي يرتاح الى الحيز المحدود: سورية الكبرى (لدى العلويين) ولبنان الكبير (لدى الموارنة) والنتائج السلبية لفشل الوحدة السورية ـ المصرية (1958 ـ 1961)، والعلة الثالثة وأهمها ادراك الرئيس حافظ الأسد ان ثنبيت دور سوريا ومركزها الاقليمي من المشرق لن يكون الا «بسط نفوذها على لبنان والاردن وفلسطين» (ص 176) كما يقول باتريك سيل.
المقاومة الشيعية... وتجربة حزب الله
يفتتح نبيل خليفة الفصل الرابع من القسم الرابع بمقطع من البيان التأسيسي لحزب الله ـ السفير 17/2/1985: «نحن أبناء امة حزب الله التي نصر الله طليعتها في ايران وأسست نواة دولة الاسلام المركزية في العالم. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه.. ويتولى كل منا مهمته الجهادية وفقا لتكليفه الشرعي في اطار العمل بولاية الفقيه القائد، ولا نخفي التزامنا بحكم الاسلام، وندعو الجميع الى اختيار النظام الاسلامي الذي يكفل وحده العدل والكرامة للجميع... ونواجه النظام القائم في لبنان لكونه صنيعة الاستكبار العالمي وجزءاً من الخارطة السياسية المعادية للاسلام، ولكونه تركيبة ظالمة في اساسها لا ينفع معها اي اصلاح وترقيع بل لا بد من تغييرها من جذورها» (ص 250) ويخلص المؤلف الدكتور خليفة الى ان «تربية حزب الله» وتوجيهه واعلامه ونشاطه ورموزه وشعاراته ومظاهراته وتظاهراته وشاراته وشعاراته وموسيقاه وكلماته ومقابلاته وعملياته وممارساته واستعراضاته ومؤسساته الحزبية، كلها تمجد على العموم، العنف البطولي سبيلا الى العدل في الارض وطريقا لاقامة «الحكومة الاسلامية» كما صاغها وارساها الامام الخميني» (345)
الخيار الوحيد المناسب للبنان
حياد لبنان وشروط تلك الحيادية سوسيولوجياً واستراتيجياً متوفرة ولها ميزات خاصة ومعنى الحياد هو الالتزام: التزام بلبنان الاستقرار والازدهار والسلام والتزام بالقضايا العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية والحياد ضرورة لانه يشكل مجتمعاً تعددياً تحمل فيه الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان اهمية كبرى من اي مكان آخر وخلاصة الخلاصات في كل ذلك هي ان خيار الحياد هو عملياً، خيار لبنان اولا، والحياد والدفاع لا يتفارقان، بل العكس هو الصحيح فعلى الدولة الحيادية واجب دولي هو جعل الآخرين يحترمون حيادها، وان تكون قادرة على الدفاع عن نفسها وهي المهمة التي يقوم به الجيش الوطني (ص 375).
الخاتمة العامة
ليست الاستراتيجية الدفاعية سوى جزء من الاستراتيجية اللبنانية المتكاملة. ان الوصول الى رؤية صحيحة للاستراتيجية الدفاعية ينبغي اذن ان يستوعب وضعية لبنان الجغرافية والتاريخية بكافة ابعادها. وهذا ما حرصنا عليه في دراسة جيوبوليتيك لبنان وصولاً الى تصور الاستراتيجية الدفاعية المناسبة التي تقوم على اعتماد خيار «حياد لبنان الدولي». ويهدف هذا الخيار الى تحقيق غايات نبيلة طالما تاق اليها اللبنانيون وهي: حماية لبنان، والمحافظة على التوازن الاقليمي. وحماية السلم الدولي، والحفاظ على وحدة الوطن ومنع ارتهانه للخارج بالحياد. لن يكون لبنان مجالاً حيوياً «ولا بستاناً خلفياً» لأية دولة، ولا ممراً ومستقراً ومنطلقاً لتهديد امن الآخرين، ولا خاصرة رخوة تهدد الامن القومي لسوريا، بل درع يحمي لبنان وسوريا في آن. وفوق ذلك فهو مظلة تحمي الوجود المدني الفلسطيني في لبنان بانتظار الحل والعودة، ولن يكون من معنى ومشروعية للبندقية الفلسطينية في دولة لبنان المحيدة» لا خارج المخيمات... ولا داخلها ايضا!.
لكن قبول مبدأ الحياد للبنان ليس فكرة سهلة لدى جهات داخلية واقليمية ودولية تناهض الحياد لاعتباراتها ومصالحها الفئوية، فالحياد قد يلغي الدور الاقليمي السياسي لبعض الدول عبر لبنان، ويوقف الرسائل المتبادلة بالدم. ودم اللبنانيين على الساحة اللبنانية، «ويقطع ارزاق» الذين يستفيدون من لبنان «كورشة حرب» مستمرة ومزدهرة، لتحقيق مشاريعهم الاقليمية والداخلية ويضعف القدرة على تبرير الايديولوجيا الرومنسية بوجهيها الديني والقومي، والحياد يلغي عامل التماس الجغرافي المتفجر، ويثبت مقولة نجاح التعددية المجتمعية اللبنانية في وجه الخائفين منها، ويؤكد نجاح تجربة الليبرالية الديموقراطية في وجه الهاربين منها... ويلغي حرص بعض الدول الكبرى على ابقاء لبنان موقعاً متقدماً لمكافحة الارهاب الدولي!.
صحيح ان بين اللبنانيين خلافات داخلية، ولكن جذور الخلافات الأساسية التي طالما أدت الى الحروب، تعود في معظمها الى علاقتنا بالخارج. ولهذا رأى الرئيس شارل حلو «ان على اللبنانيين السعي في الخارج الى ايجاد حل قانوني لهم وهو الحياد: ان جوهر هذا الحياد وطابعه القانوني تحددهما اللجنة اللبنانية ـ العربية ـ الدولية التي تكلف بوضع النظام الاساسي للبنان المحيد. وسيكون هذا الحياد، بالتأكيد، مفتوحاً على امكانيات التعديل والتطوير في ضوء التجربة. فهو ليس «حياداً ايديولوجياً» بحسب تعبير ايف لاكوست. المهم ان يكون حياداً مدعوماً من الرأي العام اللبناني ومختلف القوى الدولية لأنه، كما يقول لاكوست ايضا: «ان مفهوم كل خطة دفاعية يبقى ناقصا ما لم يبن على دفاع شامل يطال كل المجتمع.
ان الأزمة اللبنانية، على شدة تعقيدها وتفرعاتها، ليست ازمة مستعصية بل يمكن حلها. وهذا لن يكون الا في ضوء قراءة موضوعية للوضعية اللبنانية في مختلف ابعادها. وعلى الرغم من صعوبة ان يتمكن الباحث الملتزم بقضية وطنه وشعبه من الفصل بين القلب والعقل، فان التاريخ العام للأمم والشعوب يبقى غنياً بالوقائع والمواعظ في تحديد ما يناسبها في مراحل معينة من تاريخها!
... منذ اكثر من مئة سنة، ولبنان يعاني من حروبه وحروب الآخرين فيه وعليه! فلماذا لا يكون للبنانيين فرصة للرهان على الحياد؟ فقد ينجح هذا الرهان في تحقيق الأمن والاستقرار.. وقناعاتنا انه سينجح! وفي كل الأحوال فان هذا الحياد سيبقى موضوعاً على محك التجربة خارج الأحكام المسبقة باعتبار «ان التجربة اكبر برهان» بحسب الأمثال اللبنانية.
... انه الحياد ـ الرهان على لبنان الاستقرار.. والازدهار.. والسلام!!