كتاب " لبنان .. تعايش في زمن الحرب " لـ تيودور هانف
عرض: صفاء عزب
http://almadasupplements.com/news.php?action=view&id=1390
"لبنان .. تعايش في زمن الحرب" .. كتاب هام للكاتب الألماني "تيودور هانف"، ترجمه للعربية "موريس صليبا"، وهو صادر عن مركز الدراسات العربي الأوروبي ، وتتجاوز صفحاته ثمانمائة صفحة من القطع المتوسط ، قسمه المؤلف إلى أحد عشر فصلا، تتناول بعمق وتحليل دقيق كل ما يدور داخل لبنان من حسابات خاصة بأطياف المجتمع اللبناني وعلاقتها بدول الجوار ، وتأتي أهمية الكتاب من كونه يشرح مشكلة تعدد القوميات أو الطوائف في بعض المناطق ،
وخطورة ذلك على الوضع السياسي ، مع التطبيق على النموذج اللبناني باعتباره بلداً يعاني من الفرقة والاختلاف والقلاقل العرقية من آن لآخر بسبب اختلاف وجهات النظر النابعة من اختلاف التوجهات السياسية القائمة على أسس طائفية ودينية ، ويقول مؤلف الكتاب أن سبب اختياره لبنان نموذجاً لدراساته التجريبية حول مشكلات التعايش في دولة تعددية ، هو أنه يضم بين سكانه تجمعات اثنية من جهة، وتجمعات وطوائف دينية من جهة أخرى ، موضحاً أنه على مدار أكثر من ثلاثة عقود اعتبر لبنان نموذجاً لتعايش ناجح وسلمي وديمقراطي ليكون أحد الدول القليلة خارج القارة الأوروبية التي نجحت فيها ديمقراطية التوافق.
جذور النزاع
يبدأ المؤلف كتابه بشرح جذور النزاع اللبناني ، وتحليل مخاوف الطوائف الدينية المختلفة هناك ، ودورها في إذكاء أو تهدئة الخلاف الداخلي ، مشيراً إلى أن شكل هذا النزاع اتخذ عدة جولات ، وأنه في جولته الأولى دار الصراع فيه على الكرسي الفلسطيني ، وأنه منذ عام 1975 ، تحول الصراع إلى الكرسي اللبناني ، بعد أن جلس الإسرائيليون على كرسي الفلسطينيين بينما انصرف الفلسطينيون للبحث عن كرسي لهم في لبنان كبديل عن كرسيهم المفقود ، موضحاً أنه قبل عام 75 تقاسم المسيحيون والمسلمون الكرسي اللبناني بنوع من التفاهم والانسجام قبل أن يثور الخوف بين المسيحيين اللبنانيين من اختلال التوازن بينهم وبين مسلمي لبنان بسبب إضافة أكثر من نصف مليون فلسطيني مسلم إلى لبنان ، وكذلك بسبب وجود قوات فلسطينية مسلمة على الأرض اللبنانية لا سلطة ولا رقابة للحكم اللبناني عليها ما يزعزع أسس ومقومات الدولة الوحيدة ذات النظام الديمقراطي الليبرالي في الشرق العربي على حد وصف المؤلف .
سنة وشيعة
و يذكر " هانف " أن الخوف كان هو القوة المحركة للطوائف الإسلامية في لبنان بسبب فقدانهم البطيء للسلطة ؛ حيث كان أهل السنة يشكلون الأكثرية المطلقة والسلطة الحاكمة ، ولكنهم في لبنان " الجمهورية " تحولوا إلى أقلية بين أقليات في ظل تنامي قوة الطائفة الشيعية وزيادة عددها ، وهذا لا يعني أن الطائفة الشيعية لم يطاردها الخوف هي أيضاً ؛ فقد كانت تخشى خطراً داهماً بسبب وقوعها ـ بحكم وجودها في الجنوب اللبناني ـ بين مطرقة الإسرائيليين وسندان الفلسطينيين ، ثم ينتهي المؤلف إلى أن الأمر يرتبط بلعبة الطوائف اللبنانية التي يتجاوز فيها عدد المغلوبين نظيره في المنتصرين.
تعايش ما قبل الحرب
وفي الفصل الثاني من الكتاب يحلل المؤلف الأسباب التفصيلية التي يرجع إليها الفضل في استقرار اللبنانيين وتعايشهم في فترة ما قبل الحرب، ليصل إلى أن اللبنانيين قبل الحرب، كانوا يعتمدون على تطبيق هادىء للاستراتيجيات الخاصة بكل طائفة من طوائفهم، وأن الجميع كان يدرك أن تنفيذ أية استراتيجية بشكل كامل هو أمر غير ممكن إلا بالعنف وبكلفة باهظة على الجميع ، لذا عمد جميعهم إلى تحسين نسبي لوضعهم الطائفي القائم ضمن نظام لبناني شامل ، ومن ثم فإن لبنان ما قبل الحرب ـ وبحسب ما يقرره المؤلف ـ قام على تخويف ، وتخويف معاكس لاستراتيجيات معاكسة، مما أقنع المسؤولين السياسيين بأن الحصول على جزء من قطعة الجبن ، هو أفضل من الحصول على القطعة كاملة ، لذا يرى المؤلف أنه عندما طبق النموذج بطريقة سلبية ، حدثت النزاعات اللبنانية ، وانه حتى وإن حلت تلك النزاعات بالطرق السلمية إلا أنها سرعان ما انهارت تسوياتها عندما حاول أحد الفرقاء أو إحدى الطوائف ، استخدام استراتيجيتها الخاصة للحصول على كل شيء ، وليس للحصول على مكاسب نسبية . ويؤكد المؤلف أن لبنان " الميثاق الوطني " عرف بصورة عامة مرحلة من الزمن لم تكن خالية إطلاقاً من الأمراض ، ولكنها كانت بالإجمال مرحلة سعيدة ، كما يرى أن " لبنان الميثاق " هذا قد اغتيل وأنه لا يمكن إلصاق التهمة بالمغدور ، ولكن لا يمكن أيضاً تبرأته من المشاركة في اغتيال نفسه.
وسط العاصفة
وفي فصل آخر من الكتاب ، تطرق المؤلف إلى الأسباب الخارجية التي أشعلت نيران النزاع في لبنان ، حيث يرى تحديداً أن هناك أحداثاً مسؤولة عن هذا النزاع ؛ منها الصراع العربي الإسرائيلي وتأثيراته على السياسة العربية ، مضيفاً إليه الحركة القومية الفلسطينية ، إضافة لسبب ثالث هام يتعلق بأزمة القومية العربية ويقظة الأصولية الإسلامية ، ويشرح المؤلف كيف أثرت تلك المتغيرات على لبنان ؛ ويذكر أنه على سبيل المثال كان لسياسة التحالفات التي اتبعتها المنظمات الفلسطينية تأثير جانبي هام ؛ فأكثر الحلفاء اقتناعاً كانت الأحزاب اليسارية ، حيث زادت قوتها ونفوذها بسبب حصولها على الأسلحة والتدريب ، ومن ثم كان إقامة العلاقات الوثيقة بين اليسار اللبناني والفلسطينيين لها أهداف واستراتيجيات تجاوزت ما كانت تطمح إليه منظمة التحرير الفلسطينية ، التي كانت تتطلع إلى إحداث تغيير مجتمعي وسياسي في لبنان لتدعيم مواقعها التي حققتها في لبنان واستخدامها في النضال من أجل فلسطين ، ويشير المؤلف إلى أنه بعد أيلول الأسود بأشهر قليلة ، مال ميزان القوى في لبنان لصالح الفلسطينيين كثيراً، ولم يعد بإمكان أحد ردعهم عن التدخل بالشؤون اللبنانية الداخلية، وتحولوا عن طريق حلفائهم إلى عنصر جوهري في السياسة اللبنانية.
ثوابت أساسية
ويمضي بنا المؤلف عبر سطور الكتاب مؤكداً ، أن كل أطراف النزاع الداخليين والخارجيين ، قد وقعوا في حسابات خاطئة أدت في النهاية إلى زعزعة الاستقرار ، ثم يتطرق إلى تفاصيل خاصة بتركيبة الطوائف الدينية في لبنان ، وترتيبها من حيث الثراء والفقر ، والعدد والفروقات الاجتماعية الأخرى ؛ خاصة المتعلقة منها بالمستويات التعليمية لأبناء تلك الطوائف ، ويؤكد المؤلف أن الاستعداد الدائم للبنانيين للتعايش والتسامح والبحث عن التوافق مع الاحتفاظ بالتباينات ، هو من الثوابت الأساسية في الثقافة السياسية اللبنانية ، استناداً لما كشفت عنه سلسلة التحقيقات منذ عام 1981 ، وحتى عام 1987 ، ويخصص المؤلف بعد ذلك فصلاً كاملاً بعنوان " انهيار التحالف " يتناول فيه لمحات عن بذور تكوين النزاع واستمراره ، حيث ساق بعض العناوين المهمة في هذا الإطار منها " لبنانيين ضد لبنانيين " ، " عسكرة النزاع " ، " التطور لدى أطراف النزاع اللبناني " ، " وجود تصورات خاطئة لمصالح الحلفاء الخارجيين "، بالإضافة إلى " أهداف الجيران العرب " ، ووصولاً إلى " نهاية ديمقراطية التوافق بسبب فشل النخبة والأزمة الدولية " .
انهيار الدولة
وتحت هذا العنوان ، تناول المؤلف فترة نهاية الثمانينيات وما صاحبها من مظاهر سلبية حول وحدة لبنان ، مشيراً إلى أن تلك الدولة بدأت في الانهيار ، وكذلك الجهود التي بذلت لاستعادة بنائها ، انتهت إلى تفتيت أوسع وارتباط متزايد لبعض أجزائها بالدولة السورية المجاورة ، ثم يستعرض المؤلف بعض الأحداث الهامة في تلك الفترة ، منها محاولة العماد " ميشيل عون " إعادة بناء الدولة ، وعمليات القصف المدفعي ، والحصارات التي تمت آنذاك ، ثم يتوقف عند ظاهرتين مهمتين أولهما " المتفرجون " من الأطراف الكثيرة ذات الصلة بلبنان ، سواء من القوى الداخلية أو الإقليمية أو الدولية ، وتأثير هؤلاء المتفرجين على الأزمة اللبنانية ، وثانيهما " الوسطاء " ممن يتدخلون في القضية لإنهاء الأزمة . ليصل بنا المؤلف للحديث عن وقوع الحرب بين الجيش والميليشيات في المنطقة المسيحية، وما نجم عنها من فقدان للمصداقية في المجتمع اللبناني، وما أدى في النهاية إلى خسائر اقتصادية كبيرة خلال الخمس عشرة سنة من وقوع الحرب الأهلية عام 1975 ، ويكشف المؤلف في النهاية أن حرب ميشيل عون ضد السوريين والقوات اللبنانية ، كلفت لبنان حوالي ألف قتيل وثلاثة آلاف وخمسمائة جريح ودمرت خمسة وعشرين ألف مسكن، وبسببها كان عام 1990 من أسوأ السنوات بعد أن انخفضت نسبة الإنتاج الوطني إلى 20% ودمرت المنشآت الكهربائية والمائية ، كما شل تماماً القطاع الصناعي وبلغت نسبة العجز في الموازنة العامة ما يقارب 65% وهو ما أدى إلى هجرة عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى الخارج هرباً من الفقر والقهر على حد وصف المؤلف.
انبعاث أمة
ويختتم المؤلف كتابه بفصل خاص بالتوقعات والآمال المعقودة على المستقبل اللبناني ، وسط سؤال مطروح حول ما إذا كانت لبنان أمة تنبعث متأخرة جداً ، محاولاً الإجابة على السؤال بتأكيد أن لبنان كانت دولة مستقلة ثم أخذت تتحول إلى أمة عندما تعرضت لخطر الموت، مشيراً إلى أن هذا البلد قطع مرحلة متقدمة من التبعية لسوريا التي في ظلها لم يكن ممكنا للبنان أن يشهد ازدهاراً أو استثماراً ، لعدم ضمان دولة القانون في الأرض اللبنانية ، كما أن اللبنانيين الموجودين في الخارج لن يعودوا قبل التأكد من ممارسة حرياتهم الثقافية واحترام حقوقهم المدنية ، خاصة حرية الفكر والكلمة ، ومن ثم يتوقع المؤلف مستقبلاً زاخراً بالركود الاقتصادي في ظل هذه الأجواء ، لذا فهو يرى أن تطور المستقبل اللبناني لا يرتبط فقط باللبنانيين أنفسهم ، بل يرتبط أكثر فأكثر بطبيعة علاقاتهم الشائكة بجارهم الكبير سوريا