دونالد رامسفيلد يكشف أوراقه:مهمّة 1983: سلام بين لبنان وإسرائيل
هو رجل كل الفصول الأميركية في الشرق الاوسط. دونالد رامسفيلد كان أصغر وزير دفاع في عهد الرئيس جيرالد فورد وأكبرهم في عهد جورج والكر بوش. شغل مناصب عدة في الادارة الاميركية، وفي بداية الثمانينيات، أرسله الرئيس رونالد ريغان مبعوثاً خاصاً لحلّ أزمات الشرق الأوسط المشتعل. علاقة رامسفيلد بالمنطقة والمسؤولين العرب والإسرائيليين ليست حديثة العهد اذاً. لكن رجل كواليس الأزمات، انتقل عام ٢٠٠١ الى قيادة «الحرب على الإرهاب»، فكان وزير حربي أفغانستان والعراق ومهندس إشعال الفتن والفوضى في عهد بوش.
بعد خروجه من الحكم، ها هو رامسفيلد يقرر نشر بعض الوثائق التاريخية السريّة التي خطّت مراحل حساسة من السياسات الخارجية الاميركية التي شارك فيها شخصياً. على طريقة «ويكيليكس»، وتزامناً مع صدور مذكّراته عام ٢٠١١، وضع رامسفيلد مكتبة الكترونية مفتوحة عرض فيها جزءاً يسيراً من الوثائق السريّة التي أفرج عنها قانونياً. فصول موثّقة منذ الحرب الباردة حتى غزو العراق.
٨٥ وثيقة هي حصة لبنان في مكتبة رامسفيلد، شملت سنوات متقطعة بين ١٩٧٦ و٢٠٠٦. «الأخبار» تنشر في حلقتين متتاليتين أهمّ تلك الوثائق في فترات ١٩٧٦ (تجدونها على الموقع الالكتروني فقط) و١٩٨٣ ــ ١٩٨٤ ووثيقة واحدة في عام ٢٠٠١. علماً أن برقيات ١٩٨٣ و١٩٨٤ الخاصة بلبنان لا ترد في تسريبات «ويكيليكس»، كما المذكرات الخاصة بوزارة الدفاع الأميركية. في الحلقة الاولى، ننشر محاضر اجتماعات رامسفيلد مع مسؤولين لبنانيين وعرب بين ١٩٨٣ و١٩٨٤ حول اتفاق ١٧ أيار والاجتياح الإسرائيلي للبنان. «الإرهاب السوري والسوفياتي أشدّ خطورة على العالم العربي من إسرائيل»، هذا ما أقنع به رامسفيلد معظم من التقاهم في «مهمته الخاصة».
الجميّل: يلوم الإسرائيليين على انسحابهم من الشوف
الرئيس أمين الجميل
في ٢١ تشرين الثاني ١٩٨٣ التقى المبعوث الأميركي دونالد رامسفيلد الرئيس اللبناني أمين الجميّل ضمن جولته على المسؤولين العرب والاسرائيليين. رامسفيلد أبلغ الجميّل بأن هناك دعماً عربياً وإسرائيلياً قوياً له، كما أن هناك شبه إجماع عربي على أن سوريا هي المشكلة، وأن حلف الولايات المتحدة ــــ إسرائيل أقوى من حلف الاتحاد السوفياتي ــــ سوريا. المبعوث الاميركي كتب ملاحظة على الهامش تقول إن آراء الجميّل بدت متأثرة بأجواء زيارته الاخيرة الى المملكة السعودية. رامسفيلد شدّد على وجوب تمسّك الحكومة اللبنانية باتفاق ١٧ أيار لأن «ذلك يزيدها قوة». وحذّر الجميّل من القيام بأي صفقة سياسية مع السوريين على حساب الاتفاق لأن «هذا سيكون أسوأ ما يقوم به اللبنانيون».
الجميّل ردّ أولاً على رسائل الاسرائيليين واحتجاجهم على عدم عقده لقاءات مباشرة معهم، بالقول «إنهم يطلبون منا أن نعطي الكثير ولا يهبوننا شيئاً في المقابل». وتابع: «هم يضغطون من أجل التطبيع وأنا أريد أن احافظ على أوراق اعتمادي العربية»، مردفاً أن «الملك فهد بن عبد العزيز كان صارماً جداً حول هذه النقطة خلال لقائنا الاخير».
الجميّل لام الاسرائيليين «بمرارة» على انسحابهم من الشوف ووصف خطوتهم بـ «التصرف الاجرامي الذي ألحق ضرراً كبيراً به وبلبنان». كما اعترض على «تزويد إسرائيل القوات اللبنانية والدروز بالسلاح في الوقت نفسه». الرئيس اللبناني أبدى استعداده «لإقامة استراتيجية مشتركة مع إسرائيل والولايات المتحدة شرط أن لا يكون ذلك على حساب علاقاته مع العرب وخصوصاً مع السعوديين».
وفي الختام شكر السفير الأميركي في لبنان ريجينالد بارتولوميو، قرار الحكومة اللبنانية قطع علاقاتها مع إيران الذي سيعلن بعد يومين.
في لقاء ثان، وخلال زيارة رسمية الى واشنطن في ٢ كانون الاول ١٩٨٣ مع وفد لبناني رسمي، ناقش الجميّل مع وزير الخارجية الاميركية جورج شولتز النقاط التي يجب إعلانها للصحافة حول نتائج الزيارة. الجميّل شدد على ضرورة الحديث على «أننا بحثنا في موضوع الانسحابات من لبنان وأننا اتخذنا التدابير اللازمة لتحقيق أهدافنا». لكن شولتز ردّ بالقول إن «جوابنا سيكون كالآتي: اتفاق ١٧ أيار قد نوقش والرئيس والولايات المتحدة أكدوا دعمهم له».
وهنا قاطع الرئيس الجميّل بالقول «إن الرأي العام اللبناني يتطلّع الى سماع أن هناك تدابير عملية اتخذت لتطبيق الاتفاق ومن المحرج لي أن يؤتى على ذكر الاتفاق فقط». وعندما لم يوافق شولتز على مطلب الجميّل، قال الأخير «علينا أن ننسى الاتفاق بحدّ ذاته ونركّز على تطبيقه». وهنا نبّه شولتز الجميّل: «يجب أن تنتبه الى كيفية انتقاء كلماتك. فالحديث عن نسيان الاتفاق يعني أن يخسر لبنان الولايات المتحدة وإسرائيل»، فسارع الجميّل الى التوضيح: «لم أقصد ذلك أبداً».
قائد الجيش اللبناني: فلتقصِف القوات الأميركية أكثر!
العماد إبراهيم طنوس
في لقاء جمع دونالد رامسفيلد بقائد الجيش اللبناني العماد إبراهيم طنّوس، بتاريخ ١١ كانون الاول ١٩٨٣، لم يتردد الأخير في تقديم جردة لعتاد الجيش اللبناني وعديده، مطالباً بتزويده بكمية أكبر من السلاح «وإلا فلتحارب أميركا بنفسها في لبنان». لكن طنّوس بدا في حديثه مع رامسفيلد كقائد ميليشيا مسلحة يناشد قصف القوات الاميركية بعض المناطق اللبنانية المدنية! الجنرال اللبناني كشف أيضاً عن تأسيس كتيبة خاصة للمناطق الجنوبية التي تحتلها القوات الاسرائيلية وأنه «ينتظر موافقة الجيش الاسرائيلي عليها».
رامسفيلد سأل طنوس عن أداء طائرات «هوكر هانتر» فطمأنه الجنرال بأنها «أبلت بلاء حسناً في معركة سوق الغرب. وحتى لو افتقدت الى دقة التصويب الا أنها كانت جيدة في الضربات المدفعية والصاروخية».
«هي حرب تخريبية لا تظهر فيها سوريا بشكل مباشر، لكن مجموعات عدة تعمل لصالحها في لبنان وهي منظمة التحرير الفلسطينية، وشيعة البقاع والحزب التقدمي الاشتراكي»، شرح طنّوس لرامسفيلد.
قائد الجيش اللبناني أثنى على قصف القوات الاميركية لمنطقة الشوف أخيراً وقال إن «تأثيره كان كبيراً، إذ أن جنبلاط بات خائفاً حتى الموت والسوريون يصفون الوضع بالخطير». طنّوس شرح استراتيجية الجيش الحالية في الردّ على قصف بيروت وذلك بـ «قصف قرى معيّنة في الجبل». وعندما أبدى الأميركيون قلقهم من قصف الجيش أماكن مدنية، قال طنّوس إن «هدفنا ليس قصف المدنيين لكن التأثير على صنّاع القرار». الجنرال اللبناني توجّه الى رامسفيلد بالقول «يجب أن تستمر الولايات المتحدة في أعمالها العدائية في لبنان بغية بث القلق في نفوس السوريين والمعارضة اللبنانية».
رامسفيلد سأل عن الكتيبة التي تشكّل في مناطق جنوب الأولي الخاضعة للاحتلال الاسرائيلي، فشرح طنّوس تفاصيلها ولكنه أشار الى أن «ردة الفعل الشعبية عليها كانت كارثية». وردّ طنّوس سبب الرفض الشعبي لها الى ما قاله النائب اللبناني إدمون رزق، وهو أحد المشاركين في تأسيس الفرقة، بأن «الكتيبة ستطبّق اتفاق 17 أيار مع إسرائيل». وتابع « لا يمكن أن نظهر بأننا نتعامل مع الجيش الاسرائيلي، يجب أن يبدو الجيش كأنه مؤسسة وطنية».
قائد الجيش أكد لرامسفيلد أن «الكتيبة الخاصة بالجنوب ستكون جاهزة خلال شهر واحد اذا وافق الجيش الاسرائيلي على ذلك».
طنّوس ختم قائلاً إن جيشه «يقاتل ميليشا الاشتراكي وأمل حالياً، لكن المسيحيين خائفون كثيراً لذا لا يبدو مناسباً الآن أن تُحَلّ ميليشيا القوات اللبنانية».
جنبلاط: التدخّل الأجنبي مفتاح الحلّ في لبنان
جنبلاط يتوسط نبيه بري وياسر عرفات
بعد لقائه مع وليد جنبلاط، يوم ١٤ كانون الاول ١٩٨٣ في عمّان، استنتج دونالد رامسفيلد في ملاحظاته أنه «علينا تحيّن الفرصة المناسبة لإبعاد جنبلاط عن السوريين وإقناعه بالتحدث جدّيا مع (أمين) الجميّل». وحول عقد مؤتمر مصالحة لبنانية في جنيف اشترط جنبلاط «وقف اطلاق النار أولاً» ووضع «معاهدة وطنية تأخذ في الاعتبار التوازن الديموغرافي الجديد. فالدروز لا يشكّلون سوى ٧٪ من السكان لكن الشيعة يشكلون على الأقل ثلث الشعب اللبناني».
وعن اتفاق ١٧ أيار علّق رامسفيلد أن «السوريين يتذرعون باتفاق ١٧ أيار للبقاء في لبنان»، فردّ جنبلاط بأن الاتفاق «ينتهك السيادة اللبنانية. وهو ليس مفيد بشيء بل يشكّل عائقاً».
وبعد أن كرر رامسفيلد مراراً سؤاله عن امكانية لقاء الزعيم الدرزي بالجميّل «وعقد اتفاق معه»، وافق جنبلاط على أن يلتقي الرئيس في العاصمة الاردنية أو في السعودية. لكنه سأل: «هل سيعترف الجميّل بحاجتنا لإعادة توزيع السلطات والثروات ووضع دستور جديد للبلاد؟ أنا مستعد للذهاب الى جنيف لكن الموارنة لن يتشاركوا السلطة معنا. هم استخدموا سوريا ضدنا عام ١٩٧٦ وإسرائيل عام ١٩٨٢»، وأضاف الزعيم اللبناني: «لبنان، ببساطة، ليس دولة، على الرغم من انجذاب البعض لمثاليات جمال عبد الناصر والقومية العربية».
الدروز لن يحاربوا من أجل الموارنةوعندما تكلّم رامسفيلد عن «أن إيران وسوريا وليبيا والاتحاد السوفياتي هي موطن للإرهاب» ــ كما ردد على مسامع كل من التقاهم من الزعماء العرب ــ كان جنبلاط السياسي الوحيد الذي قاطعه قائلاً «من المهمّ تعريف الارهاب أولاً قبل ان نتكلّم عنه».
رامسفيلد دعا الى عودة الدروز الى صفوف الجيش اللبناني لاعادة التوازن الطائفي الى المؤسسة العسكرية، لكن جنبلاط ردّ بأن «الجيش ليس متعدد الطوائف في قياداته العليا. والدروز لا يمكن أن يحاربوا من أجل الموارنة».
جنبلاط أكد أن قائد الجيش الجنرال إبراهيم طنوس «لديه طموحات سياسية ويريد أن يصبح رئيس جمهورية».
وفي إطار المعارك مع الجيش، قال جنبلاط إن «قوات المارينز هم مع الجيش اللبناني ومن واجب الدروز أن يردّوا على قصف الجيش لهم ولقراهم. لا أريد قتل المارينز ولا أن يزعجني الاسطول السادس أيضاً». وطالب بـ «نشر مراقبين على الجبهة الدرزية لرصد الخروقات من كافة الجبهات».
الإماراتيون حفنة قمامةوعن سوريا سأل جنبلاط رامسفيلد: «ماذا حلّ بعلاقاتكم بسوريا… كانت جيدة» وأضاف: «أنتم تضيعون وقتكم مع السعوديين، والعراق انتهى، والاماراتيون حفنة قمامة». ثم تابع «السوريون مستعدون لإبرام اتفاق، هم ليسوا دمى للسوفيات». جنبلاط طلب من رامسفيلد أن ترعى الولايات المتحدة اتفاقاً بين إسرائيل وسوريا لإنهاء الأزمة الامنية في لبنان. وعندما أجابه المبعوث الاميركي بأن «ذلك شأن لبناني لا أميركي»، ردّ جنبلاط بالقول إنه «طالما حُلّت المشاكل اللبنانية بأساطيل خارجية». وتابع «إن التدخل الاجنبي هو مفتاح حلّ كل أزمات لبنان».
أما عن نزع سلاح الحزب التقدمي الاشتراكي وحلّه وانضمام مقاتليه الى الجيش اللبناني، فأجاب جنبلاط إن ذلك ممكن «عندما أثق بأن الجيش هو جيشي. لذا لا يجب أن يشغل الكتائبيون كل المناصب العليا فيه».
وفي الشأن الفلسطيني، طالب جنبلاط الولايات المتحدة بإعادة النظر بتحالفها مع إسرائيل ودعم سياستها العدائية تجاه الفلسطينيين، كما طالب بإعادة الضفة الغربية وغزة لفلسطين.
وعن العراق قال جنبلاط إن «العراق سيدمّر وسيخسر حربه مع إيران ويقسّم فتحتلّ تركيا شمال البلاد والفرس جنوبها».
خدّام: تفجير المارينز يطيل مكوث الأميركيين
عبد الحليم خدام
برقية بتاريخ ٢٠ تشرين الثاني ١٩٨٣ عنوانها: مهمة رامسفيلد: اجتماع مع وزير الخارجية السوري خدّام
على مدى ساعتين ونصف، التقى المبعوث الرئاسي الاميركي دونالد رامسفيلد مع وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدّام، بوجود مستشارين سوريين وأميركيين. رامسفيلد استعرض سياسية الرئيس رونالد ريغن حول الأزمة اللبنانية والشرق الاوسط بشكل عام وهي تتلخص كالتالي: السعي لإحلال سلام شامل في المنطقة، عزمنا على استعادة لبنان أمنه، دعمنا لمصالحة وطنية وتشكيل حكومة لبنانية قوية، تمسكنا باتفاق ١٧ أيار.
من جهته قدم خدّام الرؤية السورية للأمور ولحلول الأزمة بالتشديد على عدم ربط الأزمة اللبناية بالمنطقة ككلّ، إحياء حكومة لبنانية مستقلة، مستقرة، متوازنة وذات سيادة، استبدال القتال بحوار وطني، انسحاب القوات السورية من لبنان بطلب من اللبنانيين ومقابل انسحاب شامل وغير مشروط للقوات الاسرائيلية، واستمرار العلاقات المميزة بين الحكومتين اللبنانية والسورية. خدّام نفى أيضاً مسؤولية سوريا عن الاعمال الارهابية وأشار الى أن الهجوم على قوات المارينز سيكون من شأنه إطالة الوجود العسكري الاميركي في لبنان وليس العكس.
في البداية، اتفق المجتمعان على عدة نقاط مثل أن لبنان لا يمكن أن يحكم من طائفة واحدة أو حزب واحد لذا يجب دعم تشكيل حكومة وطنية جامعة ومتوازنة. وأنه حان وقت الحوار بين اللبنانيين لحلّ مشاكلهم. ثم بدأت تتالى نقاط الخلاف بين المسؤول الأميركي والسوري، عندما أشار خدّام الى مطلب سوريا بانسحاب كامل للجيش الاسرائيلي من لبنان مردفاً أن “أي وجود مباشر أو غير مباشر لإسرائيل في لبنان يهدد البلد كما يهدد أمن ومصالح سوريا”. كما رفض خدّام «أي تقييد للسيادة اللبنانية من أجل تأمين حماية شمال فلسطين”.
وعندما سأله رامسفيلد عن بعض ما سمعه حول رعاية سوريا للأعمال الارهابية التي تحدث في بيروت تمنى خدّام على المبعوث الاميركي أن لا يعتمد على “الحملة الاعلامية المعادية لسوريا”، وأن يبحثوا إن كان لسوريا أي مصلحة بارتكاب هكذا أعمال”. وزير الخارجية السوري قال إن “سوريا بكل نظامها الامني لا تستطيع ضبط الاختراقات وتهريب السلاح من والى لبنان”، ويعطي مثالاً على ذلك، كميات السلاح الضخمة التي وجدت في حماه والتي كانت “مهرّبة من لبنان والاردن والعراق الى سوريا”. وتابع خدام، “العلاقات السورية ـ الأميركية ليست جيدة، لكننا لا نقبل التفجير الذي استهدف قوات المارينز في بيروت. لأننا نريدكم أن ترحلوا من لبنان مع سفنكم الحربية ونحن ندرك أن أي عمل من هذا النوع سيطيل مكوثكم هناك”.
وعن علاقة سوريا بالاتحاد السوفياتي، ردّ خدّام أن تلك العلاقة نشأت بسبب قوة إسرائيل العسكرية وكمية الدعم الذي تلقاه، وتابع “عندما يقول اسحق شامير إن حدود بلاده مسجلة في الكتاب المقدّس، أليس من واجبي أن أدافع عن بلدي بكل الوسائل المتاحة؟”. وأضاف خدّام في هذا الاطار، أن علاقة سوريا بجارها العراق أيضاً هي سبب للتحالف مع السوفيات، والحرب الدائرة بين العراق وإيران التي من شأنها أن تؤذي البلدين والمنطقة برمّتها. وعندما كرر رامسفيلد تلميحه الى أن سوريا بالتعاون مع إيران مسؤولة عن الاعمال الاراهابية في لبنان، قال خدام “لا بدّ أنك سمعت ذلك من ملك الاردن الذي له يد في الارهاب الحاصل داخل سوريا”.
وحول اتفاقية ١٧ أيار، كان خدام واضحاً “سوريا ترفض الاتفاق لأنه يناقض تعهدات الولايات المتحدة بسيادة لبنان ويخالف المصالح السورية. ولأنه لا يترك أي استقلالية للحكومة اللبنانية، وهو يسمح بإعطاء إسرائيل مساحة آمنة تبعد ٢٣ كلم فقط عن دمشق”. خدّام أضاف “الاتفاقية وقّعها ٣ أطراف و لكنكم تطلبون من طرف رابع (سوريا) تطبيقها”!
خدّام أشار الى أن “الذرائع التي تقدمها إسرائيل للبقاء في لبنان هي غير صالحة”. وأضاف لاحقاً “إسرائيل في حالة حرب مع سوريا ولبنان والدول العربية. لذلك هي لا تتمتع بأي علاقة مبنية على تبادل المصالح مع أي بلد عربي”. وهنا تدخّل رامسفيلد قائلاً “لكن سيادة الدول تسمح لها بأن تتصرف وفق ما ترغب”، فردّ خدام “ليس صحيحاً، لأن سيادة الدول توجب عليها الالتزام بالمعاهدات التي وقعتها. ولبنان ملزم بالمعاهدات الدفاعية العربية المتبادلة تماماً كما ترتبط الولايات المتحدة باتفاقياتها مع حلف شمال الاطلسي ولا تستطيع الاقدام على أي خطوة تمس بمصالح حلفائها”.
وذكّر خدّام رامسفيلد أن “إسرائيل تحتلّ لبنان وأن معاهدة جنيف تشير الى أن أي اتفاقية تبرم في ظل الاحتلال تعتبر غير قانونية”. الوزير السوري أشار أيضاً الى أن سوريا “حذّرت الادارة الاميركية قبل ٢٠ يوماً من توقيع الاتفاقية بأن إسرائيل لا يجب أن تحصل على أي مكتسبات من انسحابها”.
خدّام ختم كلامه حول الموضوع قائلاً “فلتنسحب إسرائيل من دون شروط، والوجود السوري في لبنان سيحلّ بين اللبنانيين والسوريين في أقلّ من ساعة، وسوريا لن تطلب أي مكاسب من لبنان”.
لقاء ثلاثي في تل أبيب
نائب مدير الموساد السابق دايفد كيمحي
في 16 كانون الثاني 1984 عقد اجتماع ثلاثي أميركي ــــ إسرائيلي ــــ لبناني في منزل الدبلوماسي ونائب مدير الموساد السابق دايفد كيمحي في تل أبيب. حضر اللقاء الى دونالد رامسفيلد وكيمحي، وعن الجانب اللبناني سامي مارون أحد المستشارين المقرّبين من الرئيس أمين الجميّل. رامسفيلد دوّن بعض الملاحظات على هامش اللقاء، وكان أبرزها التركيز على أهمية ما طرحه مارون حول إمكانية ان تقدّم إسرائيل أكثر للبنان. «ما الذي يمكننا فعله لتكون إسرائيل منخرطة أكثر؟» في لبنان سأل مارون.
رامسفيلد أوصى مساعديه في المذكرة بأن يبحثوا في مستوى التبادل الاستخباراتي مع لبنان ومدى تعاونه، «لأن البحث في مستوى ودرجة التعاون الاستخباراتي اللبناني ــــ الإسرائيلي هو على أجندة عملنا».
وكان مستشار الجميّل وديع حداد قد اجتمع مع كيمحي سابقاً واتفق معه على خطة تشمل الشروط المفروضة على السوريين لتطبيق اتفاق 17 أيار، وأطلق عليها اسم «خطة كيمحي».
مزيج مقرف من يساريين وشيعة
ملك المغرب الحسن الثاني
شدّد ملك المغرب الحسن الثاني خلال لقائه بدونالد رامسفيلد، في 21 تشرين الثاني 1983، على ضرورة عزل سوريا إقليمياً لإنهاء الازمة في لبنان. الملك الحسن الثاني قدّم النصح للأميركيين بعدم إبقاء جيوشهم طويلاً في بيروت بعد تشكيل حكومة قوية لأن لبنان «مستنقع مليء بالأفاعي والملاريا».
الملك طلب من الولايات المتحدة دعم ياسر عرفات، لأنه «في حال سقط الزعيم الفلسطيني، سوريا ستنتصر، ومنظمة التحرير ستصبح يسارية، وستغلق الابواب أمام ملك الاردن». ويتابع الحسن الثاني: «اذا أزيح عرفات الباقي سيكون مزيجاً مقرفاً من يساريين وشيعة».
وعن أزمة لبنان وإسرائيل رأى الملك المغربي أن «الأمر سينتهي بتقسيم لبنان وهو الحلّ الأفضل للجميع». وأضاف: «سوريا لن تنتصر في لبنان بل سيوقفها الاسرائيليون، وسينتهي الأمر بأن تنقذ إسرائيل العرب».
الملك الحسن الثاني أبدى سعادته باستضافة المغرب لقاءً بين المصريين وموشي دايان، وعرض أن تكون بلاده مقراً للقاءات مماثلة.
توقّع احتلال إسرائيلي للبنان والبحث في ردود فعل السوفيات
مذكرة بتاريخ ١٦ كانون الثاني ١٩٧٦
عنوانها: لبنان
المرسل: الجنرال برنت سكوكروفت
تفيد هذه المذكّرة بأنه حسب تقارير «وكالة الاستخبارات الدفاعية»، فإنه من المحتمل أن يشهد لبنان في المستقبل القريب احتلالاً إسرائيلياً لجنوب البلد يتبعه نشوب صراعات بين سوريا وإسرائيل. وتتضمن المذكرة تقديرات من «وكالة الاستخبارات الدفاعية» حول ردة فعل الاتحاد السوفياتي تجاه الأمر.
التقديرات رجّحت أن يسعى السوفيات الى: تقوية أسطولهم البحري في المتوسط، تشجيع بعض الدول المضيفة بعدم السماح للأميركيين باستخدام مجالها الجوي لدعم إسرائيل، تزويد سوريا بمعدات عسكرية، نشر قوات جوية وطائرات حربية عند ورود تحذيرات. كما أشارت الوكالة الى أن هناك احتمالاً بنسبة ٥٠٪ بأن يهدد الجنود الاسرائيليون دمشق.
تحذيرات للسعودية من «الارهابي» كارلوس
المناضل الثوري كارلوس
مذكرة بتاريخ ٦ تموز ١٩٧٦
عنوانها: نقاط بحث مع الأمير عبد الله بن عبد العزيز
المرسل: مساعد وزير الدفاع
تتضمن هذه المذكرة بعض العناوين المقترحة على دونالد رامسفيلد بغية بحثها مع الأمير عبد الله بن عبد العزيز خلال لقائهما المرتقب. وعلى ضوء حادثة خطف الطائرة الفرنسية، تركز النقاط المقترحة على التحذير من خطر كارلوس وجماعته «الارهابية» المرتبطين بـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، على أمن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وذلك لكونهم «مجموعة يسارية متطرفة تهدف الى إحداث ثورة عالمية، وتصنّف السعودية والولايات المتحدة كأعداء لها بعد إسرائيل».
وتشير المذكرة الى ضرورة توجيه الدعوة الى السعودية لمكافحة «القرصنة الدولية» وخطف الطائرات. كما تقترح المذكرة على رامسفيلد سؤال الامير حول رؤيته لمستقبل منظمة التحرير الفلسطينية في ظل الاحداث الجارية في لبنان وتنازع الفصائل الفلسطينية في ما بينها ورغبة سوريا بإزاحة ياسر عرفات عن قيادة منظمة التحرير وتسليمها لقائد «الصاعقة».
معضلة اسمها حافظ الأسد
الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد
مذكرة بتاريخ ١٧ تموز ١٩٧٦
عنوانها: تناقض الدور السوري في لبنان
المرسل: مساعد وزير الدفاع
تحاول هذه المذكرة الاجابة عن أسئلة كثيرة حول الدور الذي تلعبه سوريا في لبنان وخصوصاً علاقتها بالفصائل الفلسطينية. بداية يصف مساعد رامسفيلد ما تقوم به سوريا في لبنان بالقول «إن لا شيء في الازمة اللبنانية يبدو مربكاً أكثر من الدور الذي تلعبه سوريا ورئيسها حافظ الاسد حالياً». والسبب حسب المذكرة هو «وقوف الأسد وحزب البعث الى جانب اليمين المسيحي اللبناني بدل دعم الفلسطينيين واليساريين اللبنانيين المسلمين كما هو بديهي».
المذكرة تشير الى أن للأسد طريقة «دقيقة جداً» في معالجة الامور، وهي تتجسد في طريقة تعامله مع الملف اللبناني وفي الحرب السورية ــــ المصرية على إسرائيل والتي «خطط لها بشكل حذر فحققت رغم كل شيء هدفها المرجو بكسر الجمود الاميركي والعالمي حول الصراع العربي الاسرائيلي». «هو دقيق وحذر لكنه رجل دولة صلب ذو كفاءة سياسية عالية» تصف المذكرة الرئيس السوري. وتردف أن الأسد لا يريد أن يسيطر الراديكاليون اليساريون والفلسطينيون الذين لا يشاطرونه التوجه نفسه على جاره لبنان. لأن ذلك قد يدفع الى حرب مع إسرائيل مكانها وتوقيتها ليسا في يده. ولأن الأسد هو أول زعيم عربي أبدى استعداده للتفاوض مع الإسرائيليين فهو لا يريد أن يقف الفلسطينيون الراديكاليون في طريق التوصل لاتفاق سلام عربي ــــ اسرائيلي يريد الدخول فيه كطرف أساسي.
المذكرة وفي اطار دراسة سياسة الاسد وطريقة تفكيره، تورد ما حرفيته أن «لبنان لن يستطيع أبداً تشكيل قوة عسكرية جدية ضد إسرائيل، وهو بالتأكيد لن يتوصل الى ذلك قبل سنوات عدّة».
تجارة السلاح مع السعودية
الأمير سعود الفيصل عام 1976
مذكرة بتاريخ ١٨ أيلول ١٩٧٦
عنوانها: زيارة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل
المرسل: مساعد وزير الدفاع
في هذه المذكرة يستعرض مساعد وزير الدفاع المواضيع المهمة التي قد يتطرّق اليها وزير الخارجية السعودي خلال حفل عشاء دعت اليه السفارة السعودية في واشنطن على شرفه وسيحضرها رامسفيلد. والى جانب المواضيع السياسية التي تخصّ المنطقة تتوقف المذكرة موسعاً عند نقطة تجارة السلاح مع المملكة. فتنبّه رامسفيلد الى أن الكونغرس يدرس حالياً ٩ صفقات سلاح أميركية للسعودية وهناك بعض الاقتراحات النيابية لوقفها. ومن بين أبرز الصفقات المعترض عليها تذكر الوثيقة تلك المتعلقة بمئات من صواريخ جو ــــ جو وأرض ــــ جو وقاذفات صواريخ مضادة للدروع وألف صاروخ. وبعد أن خُفّض عدد الاسلحة الذي طلبته السعودية بقرار من وزارة الخارجية والبيت الابيض ولجان الكونغرس، ما يزال النواب يبحثون في الصفقات. مساعد رامسفيلد يشير الى أن ممثلي وزارة الدفاع كانوا ينصحون باستمرار المسؤولين السعوديين بتقليص مشتريات السلاح وعقد صفقات واقعية تناسب حجم قواتهم المسلحة. علماً أن الوزارة وافقت على مطالب السعوديين الاخيرة واعتبرتها «مبررة ومنطقية».
«أمير ذو مستقبل واعد»في المذكرة الخاصة بزيارة وزيرة الخارجية السعودي لمحة سريعة عن حياته، تركز على خبرته في المجال النفطي وعلى «وقوفه دائماً الى جانب شركة البترول الأميركية». اللمحة تشير أيضاً الى أن منصب الامير الجديد سيخوّل الولايات المتحدة الاطلاع بشكل أفضل على تفاصيل ومستويات صنع القرار في الحكومة السعودية، وأن المسؤولين الاميركيين يبدون حماستهم لوصول الأمير سعود الفيصل الى منصبه لما يتمتع به من وسطية وروح شبابية ستحسن من وضع وزارة الخارجية السيء. وتشير المذكرة الى أن للأمير مواقف صلبة تجاه حقوق الفلسطينين والاحتلال الاسرائيلي ويبدي حساسية للطريقة المسيئة التي يصوّر بها الاعلام الغربي العرب. بعض مسؤولي «أرامكو” وصفوه بـ «صاحب مستقبل واعد»، ومن جالسه يقول عنه إنه مستمع جيد بامكانه التكلم عن مواضيع عديدة بطريقة غير شخصية من دون أن يهاجم محدّثيه.
أوراق رامسفيلد اللبنانية إعداد :صباح أيوب “جريدة الأخبار”