salim 1979 التميز الذهبي
تاريخ الميلاد : 27/05/1979 العمر : 45 الدولة : الجزائر عدد المساهمات : 5284 نقاط : 100012176 تاريخ التسجيل : 06/11/2012
| موضوع: الإقليم العالمي قراءة تحليلية لإعادة هندسة الشرق الاوسط جيوستراتيجيا الثلاثاء يناير 21, 2014 3:09 pm | |
| الإقليم العالمي قراءة تحليلية لإعادة هندسة الشرق الاوسط جيوستراتيجيا زياد عبدالرحمن علي الحوار المتمدن-العدد: 4334 - 2014 / 1 / 14 - 03:39 المحور: مواضيع وابحاث سياسية مقدمة قال (جورج كينان) المخطط الاستراتيجي الأميركي عام 1948 بالحرف الواحد: نحن الأميركيين نمتلك أكثر من 50% من ثروة العالم، بالرغم من أننا لا نشكل سوى 6% من سكانه، وفي هذه الحالة تتمثل مهمتنا الرئيسية في المستقبل أن نحافظ على هذا الوضع المختل لصالحنا، وكي نفعل ذلك علينا أن نضرب بالعواطف والمشاعر عرض الحائط، علينا أن نتوقف عن التفكير بحقوق الإنسان ورفع مستويات المعيشة وتحقيق الديمقراطية في العالم. فقد هيت التحولات الدولية للولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق مسعاها بعد انتهاء الحرب الباردة, وتحديداً مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي لتنصيب نفسها زعيمة للعالم فأخذت توجه العالم وفق مشيئتها وتعمل على صياغة العلاقات الدولية وفق ما تقتضيه مصالحها وبذلك أستغلت الولايات المتحدة الأمريكية أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 لتحقيق مخططاتها في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط أن اختيار هذه المنطقة لتطبيق المشاريع الغربية لم يأتي اعتباطيا وإنما جاء لأهداف جمة قربيه المدى وبعيدة المدى إن الدوافع التي يريدها الغرب وشركاؤها في المنطقة في معظمها هي دوافع سياسية اقتصادية خاصة فيما يتعلق بموارد الطاقة ( النفط والغاز) مما يتطلب اللجوء إلى مثل هذه المشاريع والتي من أهم أهدافها تفتيت المنطقة وتقسيمها إلى أجزاء وتجزئة المجزئ ومن أهم هذه المشاريع هو مشروع الشرق الأوسط. ومن أجل ذالك سنتناول الموضوع في ضوء محورين الأول سنحاول فيه أن نعرف منطقة الشرق الاوسط وأهميتها والثاني سنخصصه لمعرفة ودراسة خريطة الشرق الاوسط الجديدة .
المحور الأول : الإقليم العالمي : المفهوم والنطاق الجغرافي والأهمية أولا : مفهوم منطقة الإقليم العالمي إن مفهوم الشرق الأوسط وما تفرع عنها من مفاهيم ومصطلحات مثل الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير والسوق الشرق أوسطية وجدت على يد مفكرين إستراتيجيين غربيين وذلك من أجل تحقيق مصالح الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ودولاً في قلب منطقة المفهوم مثل إسرائيل. ويرتبط أصل المصطلح والسياق الزمني لتداوله بأحداث ثلاثة تاريخية كبرى : • ظهور المسألة الشرقية في القرن التاسع عشر. • تطور الظاهرة الاستعمارية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. • قيام دولة إسرائيل عام 1948. فقد تم تقسيم المنطقة إلى منطقتين رئيسيتين هي منطقة الشرق الأقصى و الأدنى ويقصد بالأخيرة هي تلك المنطقة الإقليمية التي تتميز بمواصفاتها الجغرافية والمميزة بموقعها غربي الأناضول وتتألف جغرافيا من : غربي تركيا , بلغاريا , مولد وفا , مقدونيا , رومانيا , البوسنة والهرسك , اليونان , ألبانيا , والمجر. أما الشرق الأقصى فهي منطقة إقليمية واسعة تتمتع جغرافيا بأمتدادتها الكبرى المحيطية إذ تصل على المحيطين الهندي والهادي وتؤلفها مجموعة أقاليم واسعة تجتمع فيها شعوب عدة تقع في شرق وجنوب شرق أسيا وتتألف جغرافيا من الهند , منغوليا , الصين , اليابان , كوريا , فيتنام , لاوس ,كمبوديا , تايلاند , مينمار , ماليزيا ,إندنوسيا , الفلبين , وشرق سيبيريا . فقد كتب تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية عام 1897 في يومياته يقول " يجب قيام كومنولث شرق أوسطي, يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل ودور اقتصادي قائد وبذلك تكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية . ومن خلال ذلك يتفق معظم المؤرخين على أن مصطلح الشرق الأوسط ظهر بداية في كتابات المؤرخ العسكري الأمريكي الفرد ماهان إذ أقترح في مقال نشرة في مجلة (national review) الصادرة في لندن في أيلول 1902 إطلاق هذا المصطلح على المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية فكانت هذه البداية لفكرة الشرق الأوسط وتحديد جغرافية. فقد صدر في عام 1907 في لندن تقرير كامبل بنرمان وزير المستعمرات آنذاك الذي وضعه في مؤتمر عقدته مجموعة من علماء التاريخ والسياسة والاقتصاد بمشاركة عدد من السياسيين الأوربيين وتناول الوضع في المنطقة العربية كما يلي : (يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط لكونه همزة وصل بين الشرق والغرب ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ واللغة والجغرافية وكل مقومات التجمع والترابط وذلك فضلاً عن ثرواته الطبيعية الكبيرة). فقد ظهر في لندن عام 1909 كتاب بعنوان مشاكل الشرق الأوسط للمؤلف هاملتون الذي يوضح فيه أهمية المنطقة لأوربا والعالم وطالب بضرورة السيطرة عليها وأعلن الحاكم البريطاني على الهند اللورد كيرزون عام 1911 إدارة خاصة للشرق الاوسط وكلفتها بالإشراف على شؤون فلسطين وشرق الأردن والعراق. وكانت البداية الفعلية الاولى لتطبيق مشروع الشرق الاوسط هو تطبيق معاهدة سايكس بيكو لعام 1916 والتي تمت صياغتها من اجل تفتيت المنطقة فلم يكن المشروع يشير في حقيقته إلى حيز جغرافي حدد بذاته ولا تاريخ محدد وفي هذه المدة ألحقت فكرة الشرق الاوسط في السياسة البريطانية وفكرة المشرق في أدبيات السياسة الفرنسية فالمشروع هدفه وقبل كل شي تفكيك العالم العربي إلى دويلات يسهل السيطرة عليها وجعل إسرائيل المتحكمة بالمنطقة وذلك بعد أن تجعل منها الولايات المتحدة الأمريكية عضوا طبيعيا في المنطقة بمشروع الشرق الأوسط . كان مصطلح الشرق الأدنى (the near east) يستخدم بكثرة قبل ظهور مصطلح الشرق الأوسط وبعد شيوع واستخدام المصطلح الأخير بدء العالم يتجه نحو استخدام مصطلح الشرق الأدنى الذي كان يقصد به الدولة العثمانية وممتلكاتها في أسيا إذ وجد الغربيون أن الشرق الأدنى أقل قرباً مما كان يعتقد في البداية وخلال الحرب العالمية الاولى ازداد استخدام مصطلح الشرق الأوسط من قبل الاستراتيجيين البريطانيين كما تركز هذا المصطلح في وثائق التسويات الدولية التي أعقبت تلك الحرب وخاصة تلك التي عقدت في سيفر وسان ريمو وباريس بين عامي 1991-1920 والتي بموجبها تم اقتسام المشرق العربي وثرواته النفطية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية , لذلك نرى أن مصطلح الشرق الاوسط ومصطلح الشرق الأدنى يعكسان وجهة نظر غربية والتي تؤكد على أن أوربا هي مركز العالم وأن الأقاليم الأخرى تتجمع حوله .
ثانيا : النطاق الجغرافي للإقليم العالمي أختلف معظم المؤرخين والباحثين في تحديد منطقة الشرق الأوسط فحينما أطلق الفرد ماهان المصطلح كان يقصد بذلك المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية وبذلك يدخل الخليج العربي ضمن المنطقة التي حددها ماهان فالأخيرة وبسبب مل تمتلكه من الثروات الطبيعية وخاصة النفطية منها تعتبر من أهم مناطق النزاعات في العالم , وبالتالي تطور هذا التحديد وذلك حسب مفهوم المعهد الملكي للشؤون الدولية الذي تأسس في لندن سنة 1919 برئاسة المؤرخ أرنولد توينبي فالتسمية شملت كذلك شرق البحر المتوسط وبصورة خاصة منطقة الهلال الخصيب -;- وصر وتركيا . وأبان الحرب العلمية الثانية 1939-1945 توسع استخدام المصطلح بشكل كبير ليشمل جميع المشرق العربي ومصر والسودان وتركيا وإيران وأفغانستان وبعد ذلك وتحديدا في عام 1946 وسع المفهوم من قبل معهد الشرق الأوسط ليشمل بالإضافة إلى المنطقة المذكورة أعلاه كلا من باكستان وأسيا الوسطى والبلدان العربية في شمال أفريقيا ومنذ ذلك التاريخ أطلق مصطلح الشرق الأوسط على تلك المنطقة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية وفي عما 1948 ومع إعلان تأسيس دولة إسرائيل على الأرض العربية الفلسطينية وتحديدا في 14 أيار 1948 ومن أجل منح دولة إسرائيل فرصة للاندماج في المنطقة العربية ومن أجل تقويض مصطلح المنطقة العربية وذلك لوجود دولة أخرى تأسست على ارض عربية أستخدم الغرب ووسائل الإعلام الغربية مصطلح الأقطار الشرق أوسطية . لقد أصبح مصطلح الشرق الأوسط أكثر المفاهيم المستخدمة فهو لم يعد مصطلح جغرافي فقط وإنما سياسي واقتصادي فهي تضم في ثناياها العديد من الأعراق منها العربية والفارسية والتركية واديان شتى إسلامية مسيحية يهودية إذ تمتد حدوده لتشمل المنطقة العربية كلها ولكن مجزءاً ابتدأ من مصر دون الشمال الأفريقي ثم إسرائيل وبالتالي بلدانا خارج المنطقة العربية تصل إلى أفغانستان وحتى جمهوريات أسيا الوسطى. وهكذا فان المنطقة تشكل المجال الذي تلتقي فيه قارات ثلاثة أسيا وأوربا وأفريقيا ويضم البحار التوسط والأحمر والأسود , إلى جانب بحر العرب وبح قزوين والخليج العربي والمحيط الهندي فهي المنطقة التي تتحكم بأهم المضايق في العالم باب المندب وهرمز وقناة السويس والبسفور والدردنيل وفيها يمر أهم أنهار العالم كدجلة والغرات ونهر النيل فهو موطن الأديان السماوية بالاظافة إلى ذلك يضم في باطنه أهم الموارد في العالم فهو أكب موطن للموارد الطبيعية في العالم والتي من أهمها النفط والغاز الطبيعي. لقد أنعكس هذا الاختلاف في تحديد نطاق مصطلح الشرق الاوسط على الدراسات التي تتعلق بالنظام الإقليمي إذ يعرف بايندر الشرق الاوسط في عام 1958 فيشير إلى دول الشرق الاوسط ويضم السودان والتي تعرف بدول القلب كما أشار إلى دولتي إيران وتركيا على اعتبارهما دول خارج القلب ويشير إلى أفغانستان وباكستان وتونس والمغرب والتي تعرف بدول الهامش . أما بريتشر الذي يحدد منطقة الشرق الاوسط ويلاحظ أنها تشمل المنطقة الممتدة من قبرص الى الصومال إلى إيران ويستبعد الإمارات العربية المتحدة وتعتبر مفهومه إن إسرائيل من دول القلب لذلك فان السعودية والكويت تعتبر من دول الأطراف. فالنظام يهدف إلى إعادة صياغة المنطقة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحضاريا وإقامة ترتيبات أمنية وسوق مشتركة إقليمية لخدمة الأهداف والمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة يمكن تحديد مفهوم الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية البحتة بأنها اليابسة التي تمتد على ثلاث قارات والفاصل بينها من الناحية الطبيعية تكمن في ضيق البر حتى اختفائه الدردنيل والبسفور بين أسيا وأوربا والسويس بين أسيا وأفريقيا وجبل طارق بين أوربا و أفريقيا وتنفتح هذه المضائق على مساحات صحراوية شاسعة تخص قارات مختلفة , وهذا الانتماء يطيح بالاعتبارات الجغرافية وبذلك تمحور الشرق الأوسط حول قضايا نزاع وصراع عالمي وإقليمي دائم عنوانها قضية فلسطين والصراع على موارد الطاقة في المنطقة. يعرف موسوعة الشرق الأوسط بإنه ((مصطلح غربي استعماري كثر استعماله في الحرب العالمية الثانية : وهو يشمل المنطقة الجغرافية مثل سوريا ، لبنان ، فلسطين ، الأردن ، العراق ، الخليج العربي، مصر، تركيا، إيران ، وتتوسع أحياناً لتشمل أفغانستان وقبرص وليبيا . أما القاموس السياسي فإنه يعرف الشرق الأوسط بإنه ((مصطلح جغرافي يطلق على الإقليم الذي يضم الدول الأسيوية والأفريقية المتجاورة أو القريبة من أوروبا وتطل أكثرها على البحر المتوسط وتشمل إيران، العراق، الجزيرة العربية، تركيا، سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، مصر، ليبيا، وجميع هذه الدول هي دول إسلامية)) . أما الموسوعة البريطانية فتعرف المصطلح بإنه مفهوم يعود في استعماله إلى الحرب العالمية الثانية، وتشمل الأراضي الواقعة حول الساحلين الجنوبي والشرقي للبحر المتوسط من المملكة الغربية إلى شبه الجزيرة العربية وإيران، فالشرق قسم إلى ثلاث مناطق : الأدنى : أي الأرب إلى أوروبا ويمتد من البحر المتوسط إلى الخليج العربي . الأوسط : من الخليج العربي إلى جنوب شرق أسيا . الأقصى : كل المناطق الواقعة شرق أسيا ( ) . وجاء تعريف الولايات المتحدة لمصطلح الشرق الأوسط في إطار ما أعلنته من مبادرات للحد من التسلح في المنطقة ، مثل مبادرة الرئيس الأمريكي بوش ((الأب)) (1989 ـ 1993) للحد من التسلح في منطقة الشرق الأوسط التي أعلنها في أيار 1991 التي تمتد من إيران شرقاً حتى المغرب غرباً فضلاً عن إسرائيل , إلا إن التعريف الحديث بمصطلح الشرق الأوسط من لدن الولايات المتحدة فينظر إلى المنطقة بانها (مصر والجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي وتركيا وإيران) ، ويذكر إن هذا التعريف قد قدم من لدن (بيتر دوليجمان) و (ال اتش غان) حول دراسة لمنطقة الشرق الأوسط لصانع القرار الأمريكي منذ الثمانينات وقد اتخذته كل من وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية ووزارة خارجية الولايات المتحدة وعملت به . وقد حدد الدكتور جورج لنشوفسكي عام 1956 منطقة الشرق الاوسط بأنها المنطقة التي تضم جميع البلاد الأسيوية الواقعة في جنوب الاتحاد السوفيتي السابق ( روسيا الاتحادية حالياً) وغربي باكستان ومصر من الأقطار الأفريقية . وعرفت الأمم المتحدة منطقة الشرق الاوسط في الدراسة التي أجرتها عام 1957 بأنها المنطقة الممتدة من ليبيا غربا وحتى إيران شرقا ومن سوريا شمالاً حتى اليمن جنوباً . وفي هذا النطاق وعلى المستوى العربي نلاحظ أن للجامعة العربية رأي في تعريف الشرق الاوسط وهو المشروع الذي طرح وتمت مناقشته في دورة انعقاد الجامعة العربية في عام 1995 رقم 103 إذ جاء في مادته الاولى من الديباجة تعريف مصطلح الشرق الأوسط على أنها تلك الأقاليم الخاضعة لسيادة الدول الأعضاء في الجامعة العربية بالإضافة إلى إيران وإسرائيل . وينوه الباحث أن هذا الاختلاف في تحديد منطقة جغرافية مثل منطقة الشرق الأوسط إنما هو دليل على عدم وجود معيار محدد لتحديد المفهوم وبذلك يعكس أن مستخدمي هذا المصطلح إنما كانوا يوسعونه ويقلصونه كلما تناسب ذلك مع مصالحهم في المنطقة فالاعتبارات السياسية هي التي كانت تعتمد في توسيع أو تقليص السعة الجغرافية للمنطقة وأكثر من استخدمها في هذا المجال هم الإستراتيجيون الأمريكيون والأوربيون. ثالثا : الأهمية الطاقوية للإقليم العالمي تمتلك الشرق الأوسط ثروة إستراتيجية حيوية , حيث تتمتع النفط بمزايا هامة ، فهو سلعة إستراتيجية لها أهميتها وقت السلم والحرب لذلك تعتبر من أهم عناصر التقدير الاستراتيجي للدول وعليه تستند قوة الدول ومن خلال سيطرتها عليها تتحكم في الصراع العالمي بأسره وليس الإقليمي , بوصفه مؤشر حقيقي لقياس تقدم الأمم وازدهارها. فهو محور الصراع الاقتصادي والسياسي في العالم . ومن هنا يمكن إدراك-;- سبب تزايد هذا الصراع وتفاقم حدته في منطقة الشرق الأوسط . لقد تزايد اعتماد الدول الكبرى على النفط الذي أصبح عصب الحياة الاقتصادية وارتباط مصالحها بالمنطقة والذي بدأ الصراع بينها حول السيطرة على مصادر النفط في منطقة الشرق الأوسط . يقول الخبير النفطي "نقولا سركيس" في كتابه " البترول عامل وحدة " : (أن تاريخ الشرق الأوسط يكاد يُقرأ حرفاً حرفاً من خلال عمليات استثمار النفط)، ويضيف (إن تاريخ النفط هو تاريخ الإمبريالية) . وكتب كوليدج (colleidge) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1924 عند افتتاح اللجنة الفدرالية للنفط "إن تفوق الأمم يمكن أن يتقرر بواسطة امتلاك النفط ومنتجاته" . بينما يؤكد الرئيس الامريكي جيمي كارتر على أهمية منطقة الشرق الاوسط والذي كان يرى فيها بأن الحقول النفطية وسلامتها تعتبر جزء لا يتجزء من الأمن القومي الأمريكي . وفي عام 1943 كتبت مجلة "النفط والغاز" قائلة ليس سراً أن المؤتمرات التي عقدت في موسكو والقاهرة وطهران، والتي ناقشت الخطط الخاصة بعد الحرب (العالمية الاولى)، قد تعرضت أيضا إلى مستقبل النفط ومسألة توزيعه). ويعتقد ساسة الولايات المتحدة (إن النفط هو الإنتاج العالمي الذي يجب أن يُبنى على أساسه السلام) . والى ذات المعنى يشير "نعوم تشومسكي" بقوله (لو لم يكن الشرق الأوسط يحتوي على معظم احتياطيات الطاقة في العالم لما اهتم به صانعو السياسات في عالمنا اليوم) . يذكر "هارولد ايكس" في مذكراته انهُ وكبار مستشاري الرئيس الأمريكي الأسبق (روزفلت) كانوا يجلسون في البيت الأبيض ساعات يناقشون عالم ما بعد الحرب، ومضى يقول: "كنا نضع البوصلة على أي موقع فوق مائدة الاجتماع، وحيثما وضعناها فان إبرتها كانت تقفز تلقائياً إلى ناحية الشرق الأوسط" . إن ماذكر أعلاه من تصريحات هي جزء يسير مما يذكر يوميا ًعلى مسامع العالم ومن على الشاشات الفضائية عن أهمية الطاقة في العالم فهي أصبحت من أهم المواضيع على مستوى العالم, فهي دلالة واضحة على مدى أهمية النفط ومكانته السياسية إلى حد بات يشكل عاملاً مؤثراً في صنع القرار السياسي في كل من الدول المنتجة والمستهلكة معاً وقد برز ذالك الدور للنفط جليا ً في حرب أكتوبر 1973. لذالك ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع سنقوم بتوضيح أهمية الطاقة في منطقة الشرق الأوسط مركزين جل اهتمامنا على (النفط والغاز الطبيعي). أولا ً : النفط قدَر لمنطقة الشرق الأوسط أن يتمتع بثروة نفطية هائلة جذبت أنظار العالم منذ اكتشافها حيث , تختزن المنطقة أكثر من نصف الاحتياطي الثابت من النفط الموجود في الكرة الأرضية، وتساهم بحوالي ثلث الإنتاج العالمي. وإذا أخذنا بتعريف منظمة بريتش بريتليوم لمنطقة الشرق الأوسط والتي يحددها ضمن الحيز الجغرافي الممتد من (الجزيرة العربية , إيران , العراق , إسرائيل , الأردن , لبنان وسوريا).نلاحظ من خلال ذالك أن أغلب الدول المتكونة للمفهوم هي دولا ًعربية تمتلك أكبر وأهم الاحتياطيات العالمية مثل المملكة العربية السعودية والعراق, فالمنطقة أعلاه تعتبر من أكثر المناطق في احتياطياتها النفطية والغازية. وتنبع أهمية النفط الإستراتيجية كإلية من آليات التغير والتحكم في النظام الدولي هذه من حقيقتين: أولاهما : كونه مصدر للطاقة ، وثانيهما لأنه مادة خام أساسية لفروع الصناعات الكيماوية البتروكيماوية المختلفة . فالنفط كمصدر للطاقة يحظى بمكانه متميزة بين مجموعة هذه المصادر الناجمة عن أسباب فنيه واقتصادية عديدة تتمثل في درجة الاحتراق العالي وارتفاع معامله الحراري، فالطن الواحد من الديزل احد منتجات النفطية يعطي حرارة تتراوح بين 1,5- 7 أطنان ما يعادل الفحم الحجري، كذلك نظافة استخدامه وسهوله نقله بالإضافة إلى ما يتيحه من مزايا أخرى تعتبر ضرورة لوسائل النقل الحديثة كالسرعة وغيرها. وكما رأي خبير النفط "ادوار. ل مورس" E.L. Mores فأن "النفط هو أكثر مصدر للوقود وتعدداً للاستعمالات يكشف حتى الآن وهو يقع في لب الاقتصاد الصناعي الحديث رغم المنافسة من الغاز الطبيعي والطاقة النووية، فقد حافظ على تفوقه إلى حد كبير لأنه مصدر الطاقة الوحيد الذي يمكن استعماله بلا حدود في التدفئه والوقود الصناعي، كوسيلة لتوليد الكهرباء ولأنه يظل بلا منافس في مجال النقل" . ويعد النفط ألان المصدر الرئيسي من بين مصادر الطاقة البديلة ، سواء من حيث كلفة إنتاجه أو من حيث سعره في أسواق الاستهلاك العالمية. فقد بقي سعر برميل النفط لمدة نصف قرن يتراوح بين دولار ودولار و80 سنتاً، وهو أدنى من سعر أي مصدر من مصادر الطاقة. لذلك قيل: "إن حالة الرخاء والنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي التي عرفها الاقتصاد الغربي خلال المرحلة الزمنية الممتدة منذ الحرب العالمية الثانية حتى سنة 1970 مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بزيادة استهلاك النفط، وبالتالي زيادة إنتاجه في بلدان المنشأ". ومما زاد من أهمية النفط في منطقة الشرق الأوسط هو ضآلة كلفة إنتاجه والذي يتصف بأنه الأرخص بين كل أنواع النفط في العالم, حيث تبلغ كلفة الإنفاق الرأسمالي للبرميل المنتج اقل من دولار واحد مقابل 15 دولار كلفة إنتاج البرميل الواحد في الولايات المتحدة الأمريكية . ومما لا شك فيه أن هذه الكلفة المتدنية لاستخراج النفط في منطقة الشرق الأوسط والتي تعتبر من أهم أنواع النفط في العالم هو الذي دفع بالشركات والدول الفاعلة والمؤثرة في العالم , إلى التوجه ومحاولة السيطرة على منابع النفط , في هذه الرقعة الجغرافية من العالم وباستخدام كافة الوسائل سواء أكانت دبلوماسية أو عسكرية أو بوسائل الضغط الاقتصادي. إن الأهمية الجيوسياسية والإستراتيجية الحالية للشرق الأوسط هي نتيجة للمصادر النفطية الموجودة في المنطقة بشكل خاص، حيث أن هذه المنطقة (الشرق الأوسط حيز الدراسة حسب مفهوم منظمة بريتش بريتليوم) تحتوي على اكبر مخزون مؤكد من احتياطي النفط الخام في العالم . فمنطقة الشرق الأوسط تحتوي على (66%) من مخزون النفط العالمي المعروف والقابل للاستخراج، في حين لا يتعدى المخزون المؤكد سوى (2.6%) في الولايات المتحدة و (1.9%) في أوربا الغربية ،ويملك المنتجون الخمسة الكبار في الخليج مجتمعين كميات من النفط تكفي عند تطويرها لتزويد السوق العالمية بها، طوال قرن أخر في الأقل بمعدلات الإنتاج الحالية والأهم من هذا إن المنتجين في الخليج-;- يوفرون كل الطاقة الإنتاجية العالمية الفائضة كلها تقريباً , حيث يبلغ نسبة الخليج العربي لوحدها ما يقارب 40% . إن نفط (الخليج العربي والعراق وإيران) لوحدها يضع هذه الدول في مكانة القيادة العالمية وهو الذي سيلعب الدور الأهم في الإيفاء بحاجات العالم من الطاقة لمدة قرن من الزمان وبالتالي ستكون هي المسؤولة والممولة الرئيسية لأي زيادة في الطلب العالمي في المستقبل . ونظرا لاحتواء منطقة الشرق الأوسط على اكبر الاحتياطات العالمية من مصادر الطاقة فقد اتجهت أنظار القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة والسيطرة على تلك المنابع ، وتشير الإحصائيات النفطية إلى أن منطقة الشرق الأوسط تحتل المركز الأول عالميا من حيث الاحتياطات النفطية المؤكدة، وكمية الإنتاج النفطي لدوله تفوق كافة المناطق في العالم، إذ تبلغ الاحتياطيات نحو(754,2 مليار برميل) من النفط الخام، وقد بلغ إنتاجه لغاية 2009 نحو(24,3 مليون برميل) أنظر الجدول رقم (1) والذي يبين فيه التوزيع الجغرافي للمناطق النفطية في العالم وارتفاع حصة منطقة الشرق الأوسط النسبية منه ، وفي الوقت الذي كانت تُشكل واردات النفط مكانة متدنية في الاقتصاد الأمريكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى خمسينات القرن الماضي كانت الواردات النفطية ذات أولوية لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي. ولكن بعد الصدمة النفطية في عامي 1973- 1979 والمتزامنة مع ارتفاع أسعار النفط-;- ، فظنت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الحصول على النفط بأسعار منخفضة أضحى ضرورياً لتنميتها واقتصادها وقوتها ، ولم يكن لارتفاع الأسعار خلال عامي 1998 و 2007 تأثير كالذي شهده الاقتصاد الأمريكي خلال الأزمتين السابق الإشارة إليهما لتعهد الولايات المتحدة بعدم التدخل المنفرد في أي صراع دولي أو إقليمي بهدف السيطرة على موارد الطاقة. فضلاً عن تقديم الولايات المتحدة وحلفائها معوناتهم الاقتصادية والسياسية لمواجهة أي حالات عدم استقرار يمكن أن يؤثر على إمدادات الطاقة العالمية . ويسجل "جرينسبان" مقولة الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" الابن "إدماننا للنفط" هو الذي يجعل لمستقبل منطقة الشرق الأوسط اعتبارا أكثر أهمية في أي توقع طويل المدى للطاقة قائلا (أن أي أزمة نفطية تشكل ضررا بالغا بالاقتصاد العالمي) . من خلال ما تقدم نستطيع القول بأن منطقة الشرق الأوسط تحتل أهم مكانة عالمي في العالم وذالك لما تمتلكه من احتياطيات نفطية هائلة وإن ما ذكرناه أعلاه من أقوال لسياسيين وحكام كان لهم تأثير كبير على مجريات الأحداث الدولية منذ القدم وحتى يومنا هذا والذي من خلالها ذكروا أهمية الطاقات النفطية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط ولما لها من أهمية كبيرة على سير الاقتصاد العالمي اليوم وخاصة اقتصاديات القوى الفاعلة والمؤثرة على سير الأحداث الدولية ونخص في ذالك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد المستهلك الأول عالميا للنفط والصين التي تعتمد بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط وخاصة الإيراني منها ولا يمكن في هذا المجال من إغفال الدور الروسي في الاستفادة من النفط الشرق أوسطي.
ثانيا : الغاز الطبيعي الشرق الأوسط أكثر المفاهيم المستخدمة في عالم اليوم وبعد أن تطرقنا إلى أهميتها النفطية ووزنها في ميزان الطاقة العالمي ننتقل لكي نبين أهمية الغاز الطبيعي بالنسبة للعالم وما تحويه المنطقة (حيز الدراسة) من احتياطيات غازية عالمية فالأرقام هي التي ستوضح لنا أهمية المنطقة ودرها في الترتيبات الجديدة في العالم. حيث يحوي الشرق الأوسط أكثر من ثلث احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم إذ بلغ احتياطي الغاز الطبيعي عام 1973 ما نسبة 46% من الاحتياطي العالمي , وبالرغم من الاحتياطي واصل بالارتفاع عاما بعد عام ليصل نهاية عام 2011 ما نسبته 38.4% من الاحتياطي العالمي , بلغ منها احتياطي منطقة الخليج العربي لوحدها ما يقارب 23% . واثر الاكتشافات الجديدة لمكامن الغاز الطبيعي في دول الشرق الأوسط خاصة منطقة الخليج العربي إذ ارتفع احتياطي الغاز الطبيعي في الإمارات العربية ليصل إلى 5675 مليار م3 عام 1990 بينما كان يبلغ 588 مليار م3 عام 1980 كذلك دولة قطر حيث ارتفع الاحتياطي من 1699 مليار م3 عام 1980 إلى 4690 مليار م3 عام 1990، كما واصل الاحتياطي بالارتفاع ليصل إلى 54072 مليار م3 عام 2000 وبنسبة 36% من الاحتياطي العالمي ونتيجة تراجع احتياطات بعض دول العالم كالولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الشرقية كذلك بقاء دول أخرى على احتياطاتها دون زيادة كروسيا يقابله ازدياد في احتياطي الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط نتيجة لكشف حقول جديدة وذلك بمعدل اكبر من النفط حيث ارتفع الاحتياطي إلى 73848 مليار م3 عام 2006 وبنسبة 40% من احتياطي العالمي. ولعل مما يؤكد أهمية الوزن النسبي للغاز الطبيعي إن بقية الاحتياطيات العالمية من الغاز الطبيعي تقع في الدول المستهلكة للغاز (روسيا الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا)، ولا يدخل منها سوق التصدير سوى نسبة ضئيلة باستثناء روسيا، وهو ما يرفع الأهمية النسبية للاحتياطات الشرق الأوسط . وهذا يعكس الأهمية السياسية والاقتصادية للغاز الطبيعي الذي يتنبأ البعض انه سيحل بالمرتبة الاولى لمصادر الطاقة بعد نضوب النفط وهذا ما يعكسه أمد نضوبه لمنطقة الشرق الأوسط حيث وصل إلى 210 سنة في عام 2006 مقابل 48 سنة للإجمالي العالمي لنفس العام. الغاز الطبيعي حيث يشكل اليوم احد مصادر الطاقة الأساسية في العالم رغم حداثته فهو في الطبيعة إما مصاحباً للنفط أو مستقلاً عنه في مكامنه الخاصة وحتى الماضي القريب، كان الغاز الحر لا يستعمل إلا في مناطق إنتاجه وبصورة محدودة بسبب صعوبة نقله وتخزينه. إما الغاز المصاحب فكثيراً ما كان يحرق للتقليل من كلفة النفط المستخرج ولعدم وجود أسواق استهلاكية له . ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج العالم من سوائل الغاز الطبيعي بنسبة 35% بنهاية القرن. وسوف تحتل دول الشرق الأوسط مركز الصدارة في إنتاج الغاز الطبيعي المسيل وتجارته في العالم، على اعتبارات الزيادة في الإنتاج تتجاوز إلى حد بعيد الزيادة في الاستهلاك المحلي خلافاً للمنتجين الآخرين الذين يستخدمون إنتاجهم من سوائل الغاز محلياً . وبسبب زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي والتي تعتبر منطقة أسيا باسفيك السوق الرئيسية لصادرات الشرق الأوسط من الغاز الطبيعي. كذلك قيام دول صناعية متقدمة وهي مستوردة للغاز للمساهمة في تمويل مشروعات لإنتاج الغاز كمشروع (قطر غاز) في نهاية التسعينات وكذلك إعلان عدد من دول الشرق الأوسط وقام بعضها بالتنفيذ الفعلي، عن خطط طموحه لتصدير الغاز، ومن تلك الدول الإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان واليمن بالإضافة إلى إيران . حتى وصل الإنتاج من الغاز الطبيعي إلى (345,505) مليون م3 في عام 2006، وبلغت نسبة مساهمة الشرق الأوسط 12,1% من الإنتاج العالمي وان معظم الزيادات جاءت من إيران وقطر والسعودية ومصر. وفي ظل هذا التطور الكبير الذي سوف يتيح الفرصة للغاز الطبيعي إن يتبوأ المرتبة الأولى بعد نضوب النفط ولذلك فأن الغاز يوفر مصدراً إضافيا للطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
المحور الثاني : الإقليم العالمي : والخرائط الجديدة
شكل احتلال العراق نقطة تحول مفصلية في تاريخ المنطقة فالشرق الاوسط لم يعد بإمكانه استعادة توازنه السابق قبل الحرب فالعراق قبل الاحتلال كان جزء من معاهدة فرساي التي أعقبت الحرب العالمية الاولى وباحتلاله نسفت هذه المعادلة , إن إعادة النظر في حدود أي دولة في المنطقة تعني إغراقها في فوضى جيو سياسية وهو ما حدث بالفعل مع احتلال العراق. حيث يمثل العراق دولة مركزية في النسيج الحضاري للمنطقة وهو نسيج جامع بين اللغة والدين والمدعوم بالعتبات المقدسة في العراق , وما لا يمكن تجاهله هو أن حرب العراق عام 2003 قد أحدث انقلابا جيوسياسيا في الشرق الاوسط فقد تم احتلال دولة عربية عن طريق قوة خارجية ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وذالك للمرة الاولى منذ نيل دول المنطقة استقلالها . بداية الأمر أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن تغادر العراق سريعا أو في وقت قريب بغض النظر عن حجم المعارضة لوجودها العسكري في المنطقة والأسباب كثيرة وغامضة بغموض الأهداف الحقيقية للخرب الأمريكية للعراق عام 2003 ونتيجة لهذا الغموض علينا توقع المفاجئات التي يمكن أن تحدث نتيجة هذا الاحتلال حيث سيسود مبدأ الحماية الذاتية الذي سينخرط فيها كل الفرقاء في المنطقة. بعد أن عاشت الشعوب العربية عقودا من الصمت واليأس والاستسلام لمصيرها جاء المد الثوري العربي في محاولة منها لإدخال العالم العربي مرحلة جديدة في العصر والزمن عمت المنطقة بموجة أضظرابات بدأت من تونس بسقوط أول ضحية حيث هناك الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وسرعان من انتقلت الشرارة إلى مصر فكان حسني مبارك الشطرنجة الثانية التي أصبحت خارج دائرة اللعبة العالمية وأنظمة بذالك ليبيا فكان هناك سقوطا مروعا لمعمر ألقذافي الذي حمل السلاح وواجه المتظاهرين والتي انتهت بتدخل الناتو وإجباره على التنازل عن كرشي العرش وانتهت بطريقة شبه سلمية في اليمن بالتنازل لنائبه من قبل علي عبدالله صالح , واليوم نعيش في سورية حالة حرب بين من يطالب برحيل النظام وبين النظام نفسه , وإذ يعيش العالم العربي هذا التفاؤل بالمستقبل هناك من يرى أن هذا الربيع العربي ممكن أن يتحول إلى خريف عربي باهت إذا ما نجحت محاولات الغرب في تنفيذ خططها لأستغلال هذه الانتفاضات. تميزت عام 2011 بأنها سنة الثورات والتغيير في العالم العربي, حيث خرجت الشعوب لتعبر عن أرادتها وتبني أنظمتها بنفسها , فالأحداث في المنطقة تمضي بوتيرة سريعة جداً يدعو للقلق في ظل هذا الربيع أخذت التكهنات السوداء تطفو على الساحة ولا أحد يمكنه التكهن بنهاية الأحداث وكيف هل حدث كل شيء بشكل عفوي أم أن الأمر مخطط له مسبقا هل بالفعل ما يحدث اليوم هي خريطة طريق جديدة لمشروع شرق أوسط جديد. فالفوضى الخلاقة مصطلح أنتشر مع غزو العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وليس هناك أدنى شك من أنه يقصد بها تكوين حالة اجتماعية واقتصادية مرغوبة ومريحة بعد إحداث فوضى مقصودة مثل الذي حدث في جنوب السودان أو احتلال كما حصل للعراق أو تمرد كالذي حدث في ليبيا. لقد مثلت الحرب الأمريكية على العراق في مارس /آذار 2003 نقطة تحول مهمة ليس فقط في تاريخ العراق بل على مستوى منطقة الشرق الأوسط ككل حيث أدت الحرب إلى انهيار الدولة العراقية وأخلت بموازين القوى في المنطقة وأشعلت فيها من الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية وخلقت بذالك حالة من الفوضى العامة زعزعت استقرار منطقة الشرق الأوسط . لقد تم تحديد حدود منطقة الشرق الأوسط بين عامي 1916 و 1922 في خضم مفاوضات شملت القوى الأوربية . غير أن هذه الحدود يتم إعادة رسمها في القرن الواحد والعشرين وفقا لسياسات القوى الكبرى لكن على أساس القوة والحروب والانتفاضات الشعبية . ففي كتابه الجديد ( How to Run the world ) أي "كيف ندير العالم" يتنبأ باراج خانا parag Khannaبوصول عدد الدول المستقلة السيادية في العالم إلى 300 دولة خلال العقود القليلة القادمة وقام خانا بتسمية تلك المرحلة " بأزمة ما بعد الاستعمار " . فالبنسبة للذين يرفضون هذه الفكرة ويقولون أن الحدود يجب أو لا يمكن تغيرها فهؤلاء يذكروننا بان الحدود لم تكف عن التغير خلال القرون المتعاقبة فلم تكن الحدود يوما من العناصر الثابتة والكثير منها لا يزال يتغير الى يومنا هذا من الكونغو مرورا بكوسوفو وصولا الى البلقان فقد انفصلت جنوب السودان بعد حروب دامت عقودا بتصويت وبتدخل أممي. اليوم من الممكن أن نعاين تفكك داخلي في ما نسميه " الدول الاصطناعية" مثل ليبيا والتي كانت تتألف من ثلاث مستعمرات ايطالية بالإضافة إلى اليمن وسورية والأردن والبحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية ففي كل هذه الدول تتصاعد التوترات والصراعات بين القبائل والجماعات أو قيام حكومة أقلية بفرض نفسها على الأكثرية . فقد بات من الصعب ألتنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع في سورية بعد أن تضع الحرب أوزارها فهي لن تعود إلى سيرتها الاولى ولربما تدخل في حروب أهلية طاحنة كما حصل ذالك في لبنان , وقد تعود مجددا إلى التقسيم العرقي الذي وضعه الفرنسيون فتصبح الدولة الواحدة دويلات دولة منفصلة للدروز والعلويين ودول منفصلة في مدينة حلب وأخرى في دمشق فالعلويين هم الذين سيسيطرون على المساحات الساحلية والجبلية الخصبة ولذالك فالمشهد السوري مرشح بكل قوة للتقسيم الى ثلاث دول مستقلة. فالتدخل العسكري السعودي في البحرين كان كفيلا باعتبار وتحويل المملكة إلى المقاطعة السعودية الــ 18 وهو نفس الوضع بالنسبة لليمن التي ربما تعود لتشكل خريطتها السابقة بين دولتي الشمال والجنوب الذي توحد في عام 1990 . فقد أقترح ريتشارد بيرل وديفيد فروم في كتابهما " نهاية الشر : كيف يمكن الانتصار في الحرب على الإرهاب " اقترحا تعبئة الأصوليين الشيعة ضد الدولة السعودية نظرا لكون الشيعة يمثلون قوة كبيرة على طول شاطئ الخليج العربي حيث حقول النفط ويقول بيرل من أن السعوديين لديهم خوف مزمن من أن الشيعة يمكن لهم ذات يوم أن يسمعوا إلى الاستقلال بالمنطقة الشرقية . وفي ضل هذه الخريطة الجديدة لا يمكن إغفال دور أكبر أقلية في العالم والتي تعيش في أربع دول ولا تملك دولة مستقلة فالكورد في تركيا والذين عانوا أشد أنواع الاضطهاد والعمليات العسكرية فلن يتوانوا في الانضمام إلى دولة كردية إذا ما أقيمت في المستقبل أما الأكراد في سورية وإيران فسيهرعون للأنظمام إلى كردستان المستقلة, فهي من أكثر الفرص السانحة لإقامة دول كردستان في شمال العراق أكثر المناطق أمنا واستقرارا في المنطقة ( وفي هذا المجال تشير تسريبات شبه مؤكدة من أن الأمم المتحدة وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية تنوي الأخذ بالتصويت في المناطق المتنازع عليها في العراق بوصفه الحل الأمثل لحل مشكلة تلك المناطق) , فكردستان المستقلة من ديار بكر إلى تبريز ستكون من أكثر الدول الداعمة للسياسة الغربية في المنطقة . إن أي تعديل في حدود المنطقة سيترك المحافظات السنية الثلاث في دولة مقطعة قد تتحد مع سورية بمرور الزمن أما الجنوب الشيعي في العراق فسيشكل أساس الدولة الشيعية العربية التي ستحف بالخليج . أما الأردن والتي ستبقى تحافظ على مناطقها لكنها ستتوسع قليلا باتجاه الجنوب على حساب المملكة العربية السعودية. فالإمارات العربية المتحدة فلها وضع خاص والتي ربما تتقطع إلى أوصال البعض منها ينضم إلى الدولة الشيعية العربية مما يعطيها المزيد من السيطرة على منطقة الخليج العربي وبذالك سوف تمتد نفوذ إيران أكثر فأكثر في المنطقة ويرجح احتمال أخر أن تكون الدولة الشيعية العربية أن تكون عامل توازن مقابل الدولة الفارسية أكثر من احتمال أن تكون لها حليفاً وبالتالي ستحتفظ مدينة دبي بموقعها كمرتع للمترفين , أما الكويت وعمان فستحتفظان بحدودهما الحالية. أما إيران الدولة ذات الحدود العشوائية التي ستفقد جزء كبير من أراضيها لصالح أذربيجان الموحدة وكردستان والدولة الشيعية العربية لكنها بالمقابل سوف تكسب المحافظات المحيطة بمنطقة هرات في أفغانستان الحالية فهي منطقة وثيقة مع بلاد فارس تاريخيا ولغويا وفي الواقع ستعود إيران مرة أخرى لتصبح دولة للعرق الفارسي مرة أخرى والسؤال الذي يمكن طرحة هو ما إذا كانت إيران تستطيع المحافظة على ميناء بندر عباس أم ستتنازل عنه للدولة الشيعية العربية. أما أفغانستان فما خسرته للدولة الفارسية غربا ستكسبه من جهة الشرق حيث سيعود اتحاد القبائل القاطنة شمال غرب باكستان مع اخوانهم في أفغانستان وباكستان المصطنعة والتي ستفقد البعض من أراضيها لصالح بلوشستان الحرة إن عملية رسم الخرائط هذه بما يعتريها من توترات ليست تحديا أمام الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بل ينبغي لها أن تغتنم القوى المؤثرة في العالم هذه الفرصة الذهبية من أجل الموافقة على التطبيق الحذق لتوصيات الرئيس الأمريكي ودرو ولسن الخاصة بدعمه لحق الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها . إذ أن المنطقة ستغرق في نزاعات وصراعات لذالك فأن هذه الدول سوف لن تفكر بإسرائيل أو معادة معاداتها ، بل على العكس من ذلك ستقوم بعض الدول سراً أو علناً بطلب المساعدة والعون منها أي (إسرائيل) ودعمها لاستقرار المنطقة ، وهذا يعني ربط المنطقة بشبكة أمنية تدير أعمالها(إسرائيل) لكي تحافظ على بقائها بالدرجة الأساس، وربط العالم بشبكة اتصال واحدة، من شأنها خلق عقل جمعي مبرمج وفق النمط الأمريكي الذي تسعى لفرضه في نهاية المطاف على المنطقة برمتها وفقاً للرؤية الإسرائيلية . وفي كل حالة من الحالات السابقة الذكر ولرسم الخريطة الافتراضية تتبدى الشعور الطائفي والعرقي ومن أجل تحقيق التعديلات أعلاه يجب أن نحصل على عصا سحرية ولأجل ذالك يمكننا ان نجري المقارنة بين الخريطتين المرفقتين. أن تصحيح الحدود بشكل تعكس فيه قدرة الشعوب أمر في غاية الصعوبة فمنطقة الشرق الاوسط بما فيها من أزمات تحمل الكثير من التشوهات وفي منطقة اعتنقت أسوء أنواع الشعور القومي وتبنت الشعور المذهبي فالعديد من الطوائف والقوميات والمذاهب والأديان ليس في عموم المنطقة فحسب بل في كل دولة وربما في كل منطقة من مناطق الدول ولذالك فان الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها سوف لن تجد أي عائق في خلق الأزمات وفي وقت يقدم فيه العراق أروع الأمثلة على التناحرات المذهبية والصراعات القومية بين السنة والشيعة والأكراد والعرب . | |
|