منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

» الفكر السياسي الاغريقي
مقالات  متخصصة Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:29 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
مقالات  متخصصة Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 مقالات متخصصة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مقالات  متخصصة Empty
مُساهمةموضوع: مقالات متخصصة   مقالات  متخصصة Emptyالسبت نوفمبر 17, 2012 5:04 pm

للاطلاع على عدد من المقالات السياسية المتخصصةإرجع إلى العنوان الإلكتروني التالي:
http://www.lebarmy.gov.lb/allArticle.asp?cat=4&ln=ar
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مقالات  متخصصة Empty
مُساهمةموضوع: مدى فعالية عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة    مقالات  متخصصة Emptyالسبت نوفمبر 17, 2012 6:03 pm

مجلة الدفاع الوطني
مدى فعالية عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة
د. محمد المصالحة أستاذ في الجامعة الأردنية

جاء إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 كمنظمة دولية مُناط بها هدفان أساسيان هما حفظ السلام والأمن الدوليين, ثم تحقيق التعاون الدولي في مختلف المجالات. وقد تمّ صياغة الميثاق وتشكيل الأجهزة لهذه الهيئة الدولية على أساس انّها تفي بتحقيق هذين الهدفين.
ولم يغب عن بال الدول المؤسّسة للأمم المتحدة الإستفادة من تجربة سابقة تمثّلت في وجود عصبة الأمم التي أخفقت في تحقيق أهدافها, وانهارت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية من جرّاء خروج الدول الكبرى على مبادئها وعدم الإلتزام بعدم إستخدام القوّة المسلّحة في علاقاتها مع الدول الأخرى. وهكذا جاءت الأمم المتحدة, من حيث الأهداف, والوسائل والمؤسّسات التي تتكوّن منها, بغية التعامل مع الواقع الدولي عبر إدارة تنظيميّة دوليّة جماعيّة ومناهج متنوّعة للعمل الدولي. ومما لا شكّ فيه أنّ الخبرة التي تميّز بها عمل الأمم المتحدة منذ نشأتها وحتى يومنا هذا, تمثّل في محيطه من حيث طبيعة توزيع القوّة بين القواعد الدوليّة المختلفة, وتفاعلات العلاقات بين أطراف هذا النظام بما يجعلها ذات أداء متغيّر بين مرحلة وأخرى, طبقاً لأوضاع التوافق والتعارض بين القوى الرئيسيّة التي تملك ناصية القرار والتأثير في حركة السياسة الدوليّة واتجاهاتها, من جهة, ومن جهة ثانية, التأثير في أداء الأمم المتحدة لوظيفتها الأساسيّة وهي عمليات وإجراءات حفظ السلام والأمن الدوليين.
وسنحاول في هذا البحث أن ندرس فعاليّة الأمم المتحدة في مجال محدّد هو “عمليات حفظ السلام الدولي” الذي يُعتبر من الأهداف الأساسيّة التي أوجدت الهيئة من أجلها, وشدّد عليه ميثاقها. والبحث هنا يركّز بشكل مباشر على فترة زمنية تبدأ مع انتهاء الثنائيّة القطبيّة وحرب الخليج الثانية التي كانت إيذاناً بتحوّل ملحوظ وواضح في سرعة حركة ونوعية أداء المنظمة, وبشكل خاص مجلس أمنها. وسندرس الموضوع في مجال ما طبّقته الأمم المتحدة في كلّ من يوغوسلافيا السابقة (البوسنة والهرسك) وبعض الدول الأفريقيّة حتى عام 1997.
ويهدف البحث من خلال تناول وتحليل الأجواء والظروف التي تحيط وتتداخل بعمليات حفظ السلام, ومن ثم استعراض بعض تلك العمليات وفي مواقع مختلفة من العالم, يهدف إلى إثبات فرضية مؤدّاها أنّ “هناك علاقة إيجابيّة بين انتهاء الثنائيّة القطبيّة ودور هيئة الأمم المتحدة في وظيفة حفظ السلام الدولي”, وبصرف النظر عما إذا كانت نتائج عمليات حفظ السلام التي قامت بها المنظمة ناجحة, أو فاشلة في مناطق مختلفة من العالم.

تحليل بعض عمليات حفظ السلام

مع نهاية الثنائيّة القطبيّة, كان هناك أمل كبير بأنّ الأمم المتحدة يمكن أن تقبل رؤية أكثر شمولاً للنظام الدولي. إذ أنّ نظرة الأمم المتحدة كانت تسعى لخلق عالم يَعتبرُ العدوان والعنف لتحقيق الغايات والأهداف عملاً غير أخلاقي, ومرفوضاً عالمياً(1), وتؤكد على ضرورة مجابهته إذا وقع من خلال الأمن الجماعي.
لكنّ الواقع أنّ حُلم الأمم المتحدة ما زال منذ خمسين عاماً محاصراً, فالصرب أخذوا العديد من قوات حفظ السلام رهائن, ورواندا اتهمت قوات حفظ السلام فيها بالتحيّز وتمزيق أراضيها, وأعضاء الكونغرس الأميركي يقولون إن الأمم المتحدة تُضيِّع أموالها بطريقة غير واعية(2).

أولاً: يوغوسلافيا السابقة (البوسنة والهرسك)
(United Nations Protection Force) (قوّة الأمم المتحدة للحماية)

ـــ في ما يخصّ فعاليّة الأمم المتحدة:
تمّ إعطاء اللواء الكندي “لويس ماكنزي” في عام 1992 ثلاثة أيام فقط لوضع خطة لتشكيل قوّة حفظ السلام في البوسنة والهرسك, وقد أمضى نصف ذلك الوقت في المقصف “البيروقراطي” للأمم المتحدة, بما في ذلك الانتظار في الطابور لشراء شيكات سياحية(3).
ويرى دومينيك دافيد ـ عضو المؤسّسة الفرنسية للعلاقات الدولية ــ, أنّه عندما تدخّلت الأمم المتحدة في الحرب بين الصرب والبوسنة كانت النار قد استعرت بشكل بات من غير الممكن إطفاؤها, لهذا فشلت “القبعات الزرقاء” في وقف المجازر, وعمليات الإبادة بحق المسلمين. وأثّرت في ذلك عوامل أميركيّة وروسيّة, مما عقّد المشكلة, وجعلها مفتوحة على الاحتمالات كافة, التي تنعكس على السلام العالمي(4).
وهذا يوضّح انّ العمليّة منذ بدايتها لم تلقَ الاهتمام الذي تستحق, ولم يكن هناك سعي جادّ للتعامل معها خارج إجراءات التسويف التي تعيق الإنجاز السريع, وأنّ زيادة المهام المسندة إلى قوّة الحماية نالت من قدرتها على القيام بولايتها الأساسيّة, فكان ان تسبّب ذلك بما يلي:(5)
1 ــ تعرّضت القوة بسبب تأثّر حيادها لحوادث إعاقة ومضايقة متزايدة في ما يتعلّق بمهمتها الإنسانيّة, خاصة من الطرف الصربي البوسني, والطرف الكرواتي البوسني.
2 ــ لم تُومّن للمهام الجديدة الموارد الكافية على وجه السرعة.
3 ــ تصدّي قوّة الحماية للأهداف العسكرية لأحد الأطراف, وضع تلك القوّة موضع الشبهة من حيث حيادها.
ولم يقتصر الأمر على الطعن في حياديّة المنظّمة, بل تعدّاه إلى وصفها بأنها غير فعّالة, وعدم فعاليّة عمليّة الأمم المتحدة في البوسنة يمكن إثبات جزء منه, من خلال الوقوف على بعض مخالفات قوّات صرب البوسنة:
1 ــ لم تسمح لقوّات الحماية الدولية بمرافقة قوافل المؤن إلى المناطق الآمنة في البوسنة, وسَطَتْ على بعضها(6). وقبلت قوات الأمم المتحدة في البوسنة شروط الصرب بأن تقوم بتسيير قوافل إغاثة إلى سراييفو من دون أن ترافقها قوات المنظمة, وهو ما انتقده مادك كوتس ــ رئيس المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في سراييفو ــ باعتبار أنّ الصرب يملون بذلك أوامرهم على المنظمة, وكذلك انتقدت حكومة البوسنة هذا الموقف(7).
2 ــ احتجزت قوّات الصرب جنوداً من قوات الحماية الدولية. فقد احتجزت أكثر من 50 فرداً من تلك القوات لاستخدامهم كدروع بشرية لمنع حلف الأطلسي من شن المزيد من الغارات الجوية ضدهم(Cool.
وهكذا فإن قوات الأمم المتحدة التي ذهبت إلى البوسنة لحماية المناطق الآمنة, إنتهى بها الأمر إلى عدم قدرتها على حماية نفسها(9).
3 ـ قامت قوات صرب البوسنة بقصف الأمم المتحدة, وهو ما يعني قصف الإرادة الدولية. وقد نجم عن ذلك القصف وفاة العديد من العاملين في قوة الحماية أو إصابتهم بجروح.
4 ـ ضربت قوات صرب البوسنة حصاراً على قوات الأمم المتحدة, وهذا إجراء آخر يدلّ على المستوى غير الإنساني الذي وصل إليه الصرب في التعامل مع أفراد المنظّمة, الذين يُفترض أن يعاملوا باحترام, لأن وجودهم يهدف إلى إنهاء الحرب ونشر السلام.
5 ـ رفض زعيم صرب البوسنة رادوفان كارادزيج استقبال الأمين العام للأمم المتحدة لإيجاد حلّ سلمي للحرب.
ومنذ اندلاع الحرب في البوسنة والهرسك, اتخذت الأمم المتحدة عدداً من الإجراءات التي لا تساعدها على القيام بشيء. فمجلس الأمن كان قد أعلن بقراره رقم “824 تاريخ 6/5/1993” المدن التالية والمناطق المحيطة بها مناطق آمنة: سراييفو, وتوزلا, وزيبا, وغورازدي, وبيهاتش, وسريبرينيتشا. وبقراره رقم “836/أ تاريخ 4/6/1993”, تمّ توسيع ولاية قوة الأمم المتحدة للحماية لتمكينها من القيام بعدّة أمور منها ردع الهجمات التي تُشن على المناطق الآمنة(64).
لكن قوات الأمم المتحدة عجزت عن حماية المناطق الآمنة في البوسنة. وقد كان جلياً أنه في ما يتعلّق بأزمة البوسنة والهرسك, ـ والتي هي عضو في الأمم المتحدة, “قرار الجمعية العامة 46/237 لعام 1991” ـ فإن مجلس الأمن قد كرّر في معظم قراراته ضرورة التوصّل لحلّ سلمي, أو حلّ سياسي عن طريق المفاوضات, وأكّدت الجمعية العامة على ذلك أيضاً(10).
إن النمو المتزايد في إساءة إدارة عمليات حفظ السلام, يعمل على أكثر من إضعاف المنظمة مادياً ومؤسسياً. وقد كان هذا نتيجة لفشل ستراتيجية المنظمة, وهو ما كان واضحاً وجلياً في البوسنة, (16) فنفقات مهمة المنظمة في يوغوسلافيا بلغت خلال خمسة أيام خمسة ملايين دولار, وهو ما يعادل نفقات سنة كاملة في عمليات
ليبيريا(11).
فالمسلمون البوسنيون هم الذين تعرّضوا للنتائج الأكثر خطورة, وهم ضحايا السياسة الإجرامية الهادفة إلى التطهير العرقي أيضاً. وقد سمحت حيادية “القبعات الزرقاء” للقوات الصربية باجتياح 70% من أراضي البوسنة, وسقوط حوالى 250 ألف قتيل, وتهجير مليون شخص إلى الخارج, وهجرة 1.3 مليون شخص هجرة داخلية, وبذلك كانت تلك القوات مجرّد شاهد على المجازر بحق الإنسانية والسلام العالمي.
لقد أكّد الصليب الأحمر أن ستة آلاف مسلم فُقدوا شرق البوسنة, ونشرت الولايات المتحدة صوراً, قالت إنها لمقابر جماعية دُفن فيها آلاف المسلمين الذين قُتلوا بالمدافع الرشاشة خارج سريبرينيتشا التي اجتاحها صرب البوسنة(12).
وبعد توقيع اتفاقية دايتون, وافق مجلس الأمن في 22/12/1995 على تفويض الأمم المتحدة إرسال قوة شرطة مدنية يزيد قوامها على 1700 فرد إلى البوسنة, وهي أكبر قوة من نوعها تُرسلها المنظمة في مهمة, وسيكون واجبها قيادة وتجنيد وتنظيم الشرطة المحلية(13). وقد بدأت هذه القوات فعلاً بالوصول إلى هناك, وتشارك فيها مجموعة من الشرطة الأردنية.
وبتاريخ 2/3/1996, أنهت قوة الحمـاية التـابعـة للأمم المتحدة مهمتهـا لحفظ السلام في البوسنة وقد دامت أربع سنوات, وذلك بعد أكثر من شهرين من تولي القوة متعددة الجنسيات بقيادة حلف شمال الأطلسي مهمة حفظ السلام بموجب اتفاقية دايتون(14).

2 ـ دور أوروبا في التأثير سلباً على فعالية الأمم المتحدة في البوسنة:

إن السؤال الذي يواجهنا هو: لماذا لم تلجأ المنظمة إلى وسيلة “إنقاذ السلم” في البوسنة كما تم في حرب الخليج؟. والجواب هو أن التدخل العسكري من قبل الأمم المتحدة لوضع حد للحرب في البوسنة كان مستحيلاً بسبب عدم توافر الأجواء السياسية الملائمة, ودقّة العلاقات لدولية, وحسابات تتعلّق بمصالح الدول الأوروبية كلّها, ومصلحة روسيا, والولايات المتحدة الأميركية, وهذه كلّها مصالح متضاربة ما بينها, وهذا يعني عدم وجود مصلحة واحدة للجميع يسعون لتحقيقها أو الحفاظ عليها, كما هو الحال بالنسبة إلى حرب الخليج. وكان مجلس الأمن بقراره رقم 749 تاريخ 7/4/1992 قد ناشد الأطراف المعنية في البوسنة التعاون مع المجموعة الأوروبية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار, والتفاوض من أجل حل الصراع سياسياً. وفي وقت لاحق استصدرت دول المجموعة قراراً من مجلس الأمن يُسند مهمة الإشراف على جمع الأسلحة الثقيلة من أطراف الصراع إلى قوات حفظ السلام, العاجزة عن ذلك. وللهروب من التزاماتها الأخلاقية ـ في حدودها الدنيا ـ قامت دول الغرب بتسويف الموضوع من خلال الاستمرار في اللجوء إلى التفاوض من خلال المبعوثين, لكن دون نتيجة.
إن المجموعة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي تبدو قادرة على حلّ مشكلاتها على الورق فقط, وقد برهن ذلك على انقسامها وضعفها في معالجة أهم المشكلات التي واجهتها, وهي يوغوسلافيا السابقة وأوروبا الشرقية(15).
وعندما زادت حدّة الحرب هناك بسبب استمرار الهجوم الصربي, أعلن وزير خارجية فرنسا آنذاك آلان جوبيه, أن الأمم المتحدة قد تجد نفسها مرغمة على طلب سحب قواتها من البوسنة ما لم يتم التوصل سريعاً إلى وقف لإطلاق النار هناك, وأن انسحاب القوات الفرنسية قد يتم بأسرع مما هو متوقّع. وأعلن وزير الدفاع البريطاني أيضاً مالكوم ريفكينز أن بلاده ستبحث قريباً مسألة سحب جنودها من البوسنة إذا استمرّ الوضع الخطير هناك(16), ومثل هذه الأقوال كانت تُعبِّر عن موقف مؤيّد للقوى الصربية, إذ بدلاً من مواجهتها كان القرار يقضي بالإبتعاد عنها.
وفي 10/6/1995, صرّح الرئيس الفرنسي شيراك, بأن إنشاء قوة التدخّل السريع يهدف إلى مساعدة جنود دوليين على عدم التعرّض للذل, وأن بوسعهم أن يدافعوا عن أنفسهم(17). وقد تم الإتفاق بين الأمم المتحدة وكلّ من فرنسا,, وهولندا وبريطانيا, على إنشاء قوة تدخّل سريع لإرسالها إلى البوسنة, وقد عارضت روسيا إنشاء مثل هذه
القوة(18).
ولكن كان من غير الممكن التمويه على عدم وجود ستراتيجية أوروبية, عن طريق إنشاء قوة تدخّل سريع, بمبادرة من فرنسا, وبريطانيا, وهولندا, وألمانيا التي انضمّت إلى تلك الدول لاحقاً. فالحكومات كانت مرتبكة, وفشل قادة الغرب سبَّب الذهول, في حين استمرّت الحرب, واستمرّ حصار سراييفو(19).
وعندما بلغ مجموع القتلى من القوات الفرنسية في البوسنة 37, والجرحى 252, دعا الرأي العام الأوروبي لسحب القوات من يوغوسلافيا السابقة(20). وبعد أن تمّ التوصّل إلى اتفاقية دايتون ومن ثم التوقيع على اتفاقية السلام في باريس في 14/12/1995 وموافقة حلف شمال الأطلسي على المشاركة في القوات التي ستُرسل إلى هناك, أوضح وزير خارجية فرنسا هرفيه دوشاريت أن فرنسا لن تدع قوات الحلف تُهان وتتعرّض للسخرية مثلما حدث مع جنود حفظ السلام(21), فالجميع في أوروبا كانوا يعلمون أن قوات الأمم المتحدة تُهان في البوسنة, لكنهم لم يفعلوا شيئاً حاسماً لوقف ذلك.

ــ دور حلف شمال الأطلسي في التأثير سلباً على فعالية الأمم المتحدة في البوسنة:

تقع منطقة يوغوسلافيا خارج المنطقة الجغرافية التي يدافع عنها الحلف, لكنه تدخّل تحت قرار مجلس الأمن رقم 757 الذي دعا إلى فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية, وحظر تجاري وجوي ونفطي شامل على جمهورية يوغوسلافيا الجديدة. ثم تبنى الاقتراح الروسي الفرنسي ـ الذي وافقت عليه واشنطن ـ بعقد مؤتمر دولي جديد حول البوسنة. ويستند الاقتراح على مبدأ تشجيع الصرب على القبول بالتسوية السياسية من خلال الاستجابة لمطالبهم الإقليمية والإتحاد مع صربيا الكبرى. ويمثل ذلك وقوفاً إلى جانب الصرب ضد البوسنيين.
وإذا كان حلف شمال الأطلسي قد شكا من أن قدراته على التصرّف في يوغوسلافيا السابقة مقيّدة من قبل الأمم المتحدة, الضعيفة والبيروقراطية, فإن موظفي الأمم المتحدة قالوا إن الحلف فظ وقاس ومولع بالقتال, والحالة المؤسفة أن جنود المنظمة كانوا غير قادرين على وقف القتال(22).
وبسبب فشل تسوية الصراع سلمياً, وعجز القوات الدولية في البوسنة عن وقف الاعتداءات الصربية على المناطق الآمنة, ورفض الولايات المتحدة المشاركة بقوات برية هناك, لجأت المنظمة إلى حلف شمال الأطلسي للقيام بمهمة وضع حد للاعتداءات من جانب أي طرف في الصراع. ومع تصعيد الصرب للحرب هناك, ومحاولة تغيير الوضع القائم بالقوة, سمحت المنظمة للحلف بالقيام بغارات على مواقع صرب البوسنة حول العاصمة سراييفو(42). وعندما نفذت بعض الضربات في 26/5/1995 قام صرب البوسنة باحتجاز 400 جندي من قوات حفظ السلام لاستخدامهم كدروع بشرية. وعندما عاود الصرب قصف العاصمة سراييفو, قام الحلف بشن غارات جوية بالتنسيق مع قوات التدخل السريع, التي قصفت مواقع المدفعية الصربية.
لقد نفذ حلف شمال الأطلسي أكثر من 500 طلعة جوية ضد مواقع صرب
البوسنة(23), جاءت رداً على قيام هؤلاء بقصف سوق سراييفو مما أدى إلى مقتل 37 شخصاً(24). لكنّ ذلك لم يُؤدِّ إلى إنهاء القوة الصربية, بل مهّدت فقط للدخول في مفاوضات السلام.
وبعد توقيع اتفاقية السلام في 14/12/1995, تقرر أن تكمل قوات حلف شمال الأطلسي انتشارها خلال ثمانية أسابيع من التوقيع. وبلغ عديد القوات الأميركية المشاركة 32 ألف جندي, منهم 20 ألفاً في البوسنة و5 آلاف في كرواتيا, و7 آلاف يُرسلون من هنغاريا وإيطاليا(25). وهكذا أجاز مجلس الأمن للحلف ان يتولى مهام حفظ السلام في البوسنة.
وبتاريخ 21/12/1995, بدأت مهمة حلف شمال الأطلسي رسمياً لترسيخ السلام في البوسنة, وبدت فرصة استمرار السلام طوال العام جيدة إذا عرفت كلّ الأطراف بما فيها الحلف متى تتشدد ومتى تهادن(26).
ووافق سفراء حلف شمال الأطلسي الستة عشر على الخطة العملية لقوات تطبيق اتفـاقية السلام, وأعطوا الضوء الأخضر للقـائد الأعلى للحلف في أوروبا الجنرال جورج جولوان كي يطلب من الدول الـ32 داخل الحلف وخارجه تسليم قيادة قواتها, واتفقوا على قوانين الاشتباك التي تسمح لتلك القوات بالبدء بإطلاق لنار إذا لزم
الأمر(27).
وهكذا كان الحلف يلقي بثقل مصداقيته في مستنقع البلقان وهو واثق ان القواعد الصارمة للإشتباك, وهيكل القيادة الواضح المعالم, سيجعلانه ينجح حيث أخفقت الأمم المتحدة من قبل, علماً أنَّ عمليته هذه هي أكبر عملية نشر قوات قام بها خلال الخمسين عاماً الماضية(28)

ـــ دور الولايات المتحدة الأميركية في يوغوسلافيا السابقة:

عندما توعد الصرب الولايات المتحدة بفيتنام جديدة إذا قررت التدخل عسكرياً في البوسنة, صرح وزير الدفاع الأميركي ويليام بيري, في 27/10/1995 بان الصرب أظهروا تفوقاً عسكرياً على الأرض, وان بلاده ليس لديها أي خطط لإرسال قوات برية إلى البوسنة للمشاركة في الحرب. وفي وقت لاحق, أعلن أنتوني ليك ـ مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي ـ أن بلاده ليس لديها الرغبة في التدخل عسكرياً في البوسنة, لأن القتال هناك لا يشكل تهديداً مباشراً لها.
وكان مجلس النواب الأميركي قد أقرّ مشروع قانون يقضي برفع حظر التسليح عن البوسنة, غير أن الرئيس كلينتون هدد باستخدام حق النقض ضد المشروع, نظراً لكونه يتسم بالإنعزالية, ويثير المتاعب, ويضعف جهود أميركا من أجل التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات(29). وفي 26/7/1995, صوّت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح رفع حظر السلاح عن البوسنة(30).
واعتبرت أوروبا ذلك القرار تهديداً خطيراً, وهددت بسحب قواتها المشاركة في قوة حفظ السلام الدولية في يوغوسلافيا السابقة, واعتبرت روسيا انه سيشكّل كارثة(31). لكن الرئيس كلينتون استخدم حق النقض ضد هـذا المشروع, لأن من شـأنـه أن يُعقد الصراع في البلقان, ويؤدي إلى إشراك قوات أميركية في عملية قتالية هناك(32), وقد أدانت ماليزيا قراره هذا(33), كونه لا يسمح للبوسنيين بامتلاك السلاح للدفاع عن أنفسهم, في الوقت الذي لا يوفر لهم المجتمع الدولي أي حماية.
وقد قدّم ثلاثة مسؤولين من الخارجية الأميركية استقالاتهم على التوالي احتجاجاً على سياسة بلدهم في البوسنة, ثم تبعهم رابع موضحاً إن السبب في ذلك يعود إلى رفض وزير الخارجية الأميركي كريستوفر, تعريف ما يجري في البوسنة بأنه إبادة جماعية, وبذلك فان الأمر تجاوز ما هو سياسي إلى ما هو أخلاقي(34).
ولم يشهد مجلس الأمن ضغطاً من الولايات المتحدة لاتخاذ موقف حاسم لوقف الحرب في البوسنة كما أنها لم تتدخل عسكرياً, ولكنها تدخلت سياسياً ونجحت في أن جعلت الأطراف يوقعون على اتفاقية السلام.

ـــ أسباب موقف الولايات المتحدة من الحرب في البوسنة:(35)

1 ـ معاناتها من صعوبات اقتصادية كبيرة ستزداد في حال تدخلها, لأن ذلك سيحملها نفقات كبيرة لحرب قد تطول, وخاصة في غياب دعم مالي خارجي كما حدث في حرب الخليج.
2 ـ عدم وجود مصالح ستراتيجية للولايات المتحدة تدفعها إلى حشد قواتها في البحر الادرياتيكي.
3 ـ الاستفادة من الحرب هناك لإثبات فشل محاولات إقامة أمن أوروبي منفصل عن دور أساسي للولايات المتحدة(36).
لقد كانت الولايات المتحدة تتخوف من جميع أطراف الحرب في البوسنة, فهي تتخوف من نصر كاسح للصرب الأرثوذكس قد يتسبب في احياء القوة العظمى التي مثلها الاتحاد السوفياتي السابق الذي استند إلى عدة امور من ضمنها العنصر السلافي الأرثوذكسي, وكانت من جهة أخرى تتخوف من نصر كرواتي يتحوّل إلى رصيد معنوي وسياسي لألمانيا الغربية, ثم إنها كانت تتخوّف من انتصار المسلمين المتمثل في إعلان البوسنة والهرسك جمهورية مستقلة ذات أغلبية مسلمة, وكان تدخلها في النهاية حاسماً في عدم إيصال أي من الأطراف الثلاثة إلى مطالبه, وحققت نجاحاً سياسياً كان في الوقت نفسه دليلاً على عجز أوروبا عن حل مشكلاتها بنفسها(37).
وقد تمّ التوقيع الرسمي على معاهدة السلام في البوسنة بتاريخ 14/12/1995, في باريس, وتقوم المعاهدة على اتفاقية “دايتون” التي تم التوصل إليها بإشراف الولايات المتحدة(38).

ثانياً: الصومال:
(United Nations in Somalia 1&11 UNOSOM) (عملية الأمم المتحدة في الصومال2.1)

تخلى مجلس الأمن عن ممارسة الرقابة والاشراف اللازمين على عملية التدخل في الصومال. ومع أن قرار التدخل يُعتبر شرعياً ـ إذا ما استثنينا حقيقة نوايا الولايات المتحدة الأميركية ـ لأنه هدف إلى تأمين قوافل الإغاثة, ووضع حد للمأساة الإنسانية هناك ـ إلا أن سيطرة القوات الأميركية على القوات الأخرى المُشتركة, أعطاها المجال للعمل على تحقيق أهدافها الخاصة.
فقد تدخلت الولايات المتحدة في القضية بزخم منذ بدايتها, وكان لها اليد الطولى فيها, حيث بلغ حجم القوة الدولية المكلفة بحراسة المساعدات الإنسانية في الصومال 30 ألف جندي, منهم حوالى 28 ألف جندي أميركي, وبذلك وُضعت القوة تحت قيادة عسكرية أميركية.
وتعرّضت عملية الأمم المتحدة الثانية في الصومال للانتقادات: حيث انتقدت إيطاليا بشدة الأعمال التي تنفذها قوات الأمم المتحدة في الصومال, وأخذت عليها القيام بدور الشرطي, وهو الدور الذي ترفض المشاركة فيه(39).
لقد تم وضع 400 جندي باكستاني في مطار مقديشو, ولم تكن بحوزتهم سوى أسلحة خفيفة, بينما جماعة عيديد مُدججة بالأسلحة, مما دفع مسؤولي الإغاثة إلى استئجار مسلحين محليين لتأمين حمايتهم, وهذا الوضع المأساوي هو الذي كانت المنظمة قد قدِمت إلى الصومال من أجل تغييره, هذا وقد نفى الجنرال التركي شفيق بير, ـ الذي كان قائداً للقوات الدولية في الصومال ـ وجود أي تعليمات سياسية أو عسكرية واضحة للقوة الدولية, وأكد أن العمليات العسكرية كانت سيئة التنظيم(40).
وتعرضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة لانتقادات بسبب الاعتماد كثيراً على الغارات الجوية الأميركية والمخاطرة بحياة المدنيين(41). فقد أدى استخدام المنظمة لطائرات الهليكوبتر الهجومية إلى سقوط عشرات القتلى من الصوماليين, وهو الأمر الذي انتُقد من جانب المعنيين بحقوق الإنسان باعتباره قد يكون انتهاكاً للقواعد الدولية للحرب(42).
وانتقد الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر دور الشرطي الذي قامت به القوات الأميركية في الصومال, لأنه في اللحظة التي بدأت فيها تلك القوات تستهدف الزعماء السياسيين في المنطقة, حدث تحوّل مؤسف, وهو أمر خاطىء(43). فقد عرضت الأمم المتحدة مكافأة قدرها 25 ألف دولار لمن يُدلي بمعلومات من شأنها أو تؤدي إلى إلقاء القبض على فرح عيديد. وكذا فعلت الولايات المتحدة الأميركية, لكن ليس حباً في مجاراة الأمم المتحدة, بل لرغبتها الذاتية في إلقاء القبض عليه لأنه وقف في مواجهتها.
أما الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة د. بطرس غالي, فقد ذكر أن العوامل التي أدت إلى فشل مهمة الصومال هي: فقدان الحكومة, وعدم تعاون الفصائل مع المنظمة, وعمليات السرقة والابتزاز التي تعرّضت لها عمليات المنظمة, والاعتداءات على أفرادها ومعداتها(44). لكنه لم يذكر أي عامل يتعلّق بالمنظمة أو الولايات المتحدة, وفي هذا ابتعاد كثير عن الحقيقة, ذاك أنّ فشل العملية في جانب كبير منه يعود إلى عدم فعالية المنظمة, وعدم فعاليتها مرتبط بوجود أهداف خفية تقف وراء العملية كلّها, انعكست على الأداء بشكل عام.
فقد انتقد وزير دفاع زيمبابوي, موهن ماهاشي, عملية الأمم المتحدة في الصومال, لأن المنظمة فشلت في إقناع الصوماليين بأنها محايدة, وأنه كان على المنظمة أن لا تزُج نفسها في الشؤون الداخلية للصومال(45).
لقد تحتم في نهاية آذار 1995, إنسحاب آخر القطاعات, بعد مهمة فاشلة كانت تكلف يومياً 2,7 مليون دولار, وخلفت وراءها 130 ضحية من قوات الأمم المتحدة, وعدة آلاف من الصوماليين(46).

ثالثاً:رواندا: (United Nations Observer Mission Uganda - Rwanda)

(بعثة مراقبي الأمم المتحدة في رواندا ـ أوغندا)
(United Nations Assistance Mission for Rwanda UNAMIR)

(بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى رواندا):

عندما كانت صور القتل الجماعي في رواندا تُعرض على كلّ العالم, لم يتساءل أي شخص من الأمم المتحدة عما إذا كان سيُسمح لرواندا بالاحتفاظ بمقعدها في مجلس الأمن. وهو المقعد الذي احتلته حتى نهاية 1995.
لقد كان رد فعل المجتمع الدولي قاصرا, مما أدى إلى قيام عدة دول بسحب وحدتها العاملة ضمن القوات الدولية هناك(47). والسبب الرئيسي هو عدم فعالية المنظمة في ما يخص الجانب المالي, حيث لم تُدفع المخصصات للمشاركين في العملية مما دفعهم إلى الانسحاب منها.
إن تلازم مهام حفظ السلام مع عمليات تقديم الإغاثة الإنسانية, يُعتبر ظاهرة جديدة, ففي شهر واحد تم تأمين المأوى والرعاية الصحية والإغاثة والمياه لأكثر من 800 ألف لاجىء في رواندا والبوسنة وغيرها, لكن العاملين في مجال الإغاثة هناك كانوا يشعرون بالقلق, لأن تقديمهم لإمدادات الإغاثة كان يقود فقط إلى مد أمد القتال, ويتسبب في موتى موفوري الصحة؟!(48).
ان ما جرى في رواندا يُدين الأمم المتحدة, إذ ان بعض الضحايا كانوا يُخيَّرون ما بين دفع المال مقابل قتلهم بالرصاص, والا فان قتلهم سيتم بالفؤوس(63).
أما انتهاء الثنائية القطبية فلم يسمح بحل المسألة, والأمم المتحدة لم يزد من فعاليتها هناك انتهاء تلك الثنائية. ويبدو أن حل المسألة اعتُبر أمراً ممكن التأجيل ما دامت الأوضاع هناك على ما هي عليه.

الموارد المالية للمنظمة:
لم يُلزِم ميثاق المنظمة الأعضاء بالمساهمة بصورة منتظمة في ميزانيتها, ويدفع كلّ عضو مبلغاً يتحدد استناداً إلى الناتج القومي الصافي ودخل الفرد في الدولة العضو, مما يؤدي إلى أن 75% تقريباً من عائدات الاشتراكات تدفعها نحو عشر دول من الأعضاء فقط, وهو ما يحقق لها دوراً أكبر, وتأثيراً أقوى من غيرها من الدول التي تدفع نسبة ضئيلة من الميزانية.
ومع بدايات إنشاء الأمم المتحدة, كانت حصة الولايات المتحدة الأميركية في ميزانيتها 40%, ثم أصدرت الجمعية العامة تعديلاً جعل الحد الأقصى لمساهمة أي دولة 25%. وكان أن حاولت الولايات المتحدة إقرار نظام “التصويت الترجيحي”, ليحل مكان نظام “التصويت المتساوي” في الجمعية العامة حيث تقر الميزانية, إلا أنها فشلت في مسعاها هذا(49). فهي لم تكتف بعضويتها الدائمة في مجلس الأمن, بل كانت تريد أيضاً هيمنة على الجمعية العامة, لتصبح المنظمة بحق مكرسة لها, توجهها كيفما تريد, وبسند شرعي يُبرر لها ذلك.
وفي عام 1985, أقر الكونغرس الأميركي “تعديل كاسيبوم Amendement” Ksasebaum الذي يقضي التزام الإدارة الأميركية بدفع 20% فقط من حصتها في المواعيد المحددة في ميزانية المنظمة والوكالات المتخصصة التي لا تأخذ بنظام التصويت الترجيحي, أما باقي الحصة في مخصصات وزارة الخارجية فلا تُدفع إلا للمنظمة التي تقوم بإصلاحات إدارية ومالية توافق عليها الولايات المتحدة.
ومن التناقضات التي ظهرت بعد انتهاء الحرب الباردة “التناقض المالي

Financial Contradiction”, فالأزمة المالية التي تعاني منها المنظمة هي أزمة عميقة في ما يتعلّق بعمليات حفظ السلام, إذاً ليس هناك مورد للأموال غير ما تقدمه الدول الأعضاء. وقد ألحق نقص الأموال ضرراً بمصداقية المنظمة, كما حصل في رواندا والمناطق الآمنة في البوسنة. ويرتكز بناء السلم كلياً على توفير المال, وكذلك تعويض الدول التي تتأثر بالعقوبات المفروضة على دولة جارة لها أو شريكة اقتصادياً معها. وكان ذلك واضحاً بالنسبة للأردن, في ما يخص الآثار التي ترتبت عليه نتيجة لحرب الخليج, وفرض العقوبات على العراق.
وأصبحت الأمم المتحدة مدينة لأكثر من 60 دولة, مشاركة في 17 من عمليات حفظ السلام, قدمت قوات ومعدات. والمدين الأكبر هو الولايات المتحدة الأميركية وحصتها 201 بليون دولار(50). فالأمم المتحدة مفلسة والأعضاء يتقاعسون عن سداد ديونهم, إذ أن 25 ـ 30 دولة فقط دفعت ما يتوجّب في الموعد المحدد(51).
وقد تم استخدام التأخير في دفع المساهمات الإلزامية أو رفض دفعها, وسيلة لابتزاز المنظمة للحصول على موافقتها لتوجهات سياسية معينة. فمجلس الشيوخ الأميركي وضع شروطاً لقيام الإدارة الأميركية بدفع المساهمات الإلزامية, معتبراً أن القانون الوطني أعلى شأناً من الالتزامات الدولية المبرمة. ففي عام 1993, قرر المجلس تعليق دفع مساهمة الولايات المتحدة في موازنة المنظمة على قيام الأمين العام بإنشاء وظيفة مفتش عام, وكان الاتحاد السوفياتي السابق وفرنسا قد استخدما هذا الأسلوب عام 1961, لاظهار عدم رضاهما عن الوسائل التي اتبعها أمينها العام داغ همرشولد في الكونغو(52).
وحسبما قال الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة د. بطرس غالي, فان على المنظمة أن تضع حداً لتبعيتها للولايات المتحدة على الصعيد المالي, لأن اعتمادها المتزايد على ما يقدمه هذا البلد أو ذاك سياسة غير سليمة(53).
ويمكن تخطي صعوبة توفير الموارد المالية للمنظمة من خلال:
1 ـ زيادة أموال الصندوق الاحتياطي لحفظ السلام ليستوعب بصورة أفضل احتياجات العمليات.
2 ـ قيام كلّ دولة عضو في المنظمة بإنشاء احتياطاتها الخاصة بها لصالح الاحتياجات المالية غير المتوقعة لغايات عمليات حفظ السلام.
3 ـ أن تُدمج جميع تكاليف عمليات حفظ السلام في ميزانية واحدة تتقاسمها جميع الحكومات(54).
4 ـ إعطاء الأمين العام الصلاحية للاقتراض من الأسواق التجارية, وتقاضي فوائد على الأموال المتأخرة وإصدار السندات.
كما أن الميزانيات العسكرية يمكن أن تكون مصدراً جيداً لتقديم الأموال للمنظمة. فنفقات الدفاع العالمية مع نهاية العقد الماضي كانت حوالى تريليون دولار سنوياً, أي مليوني دولار في الدقيقة الواحدة. وعلى سبيل المثال, فإنه في عام 1995, بلغت ميزانية الدفاع الأميركية 267 مليار دولار. وعلى الرغم من ضخامة هذا المبلغ فإن واشنطن تضغط على الأمم المتحدة لتقليص حصتها في تكاليف حفظ السلام من 30.4% إلى 26% أو 27%.
كذلك فإن تسهيل النشر السريع لقوات حفظ السلام يتطلب إنشاء صندوق احتياطي كبير خاص بتلك العمليات.
وفي حين يأمل الأمين العام الأسبق للمنظمة في فرض “رسم دولي” ـ حوالى 1.55 دولار ـ على بطاقات السفر يُخصَّص للمنظمة, من أجل تأمين استقلاليتها المالية, اعلن بوب دول ـ زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي ـ معارضته لمثل هذا التوجه(55), كما رفض الكونغرس الإفراج عن المبالغ المستحقة على واشنطن لصالح المنظمة(56).

ــ تقييم عمليات حفظ السلام:

أظهرت التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة, أن احتمالات تدخل القوى العظمى تضعف كلما كانت مصالحها غير مهددة بشكل مباشر, وينطبق هذا بشكل محدد على الأماكن التي لا يكون النزاع فيها قائماً بين دول وإنما كحرب أهلية حيث يصبح عدم التدخل هو القاعدة, والتدخل هو الاستثناء. ويؤيد هذا عدد من الأمور هي(57):
1 ـ ان عمليات الأمم المتحدة في الصومال, ويوغوسلافيا السابقة, أثارت شكوكاً حول جدوى وفعالية هذه العمليات, كما أثبتت الفظائع التي وقعت في رواندا ضرورة التدخل وصعوبته في وقت واحد.
2 ـ إن العدد الكبير من حالات الطوارىء الدولية, يفوق قدرة المنظمة على التدخل. فمنذ عام 1987, قامت المنظمة بعمليات لحفظ السلام يفوق عددها عدد العمليات التي قامت بها بين الأعوام 1948 ـ 1987.
3 ـ ازدياد مهام الأمم المتحدة بصورة تفوق ما لديها من طاقات, فهي تُطالب الآن عند قيامها بعمليات حفظ الأجهزة الإدارية, وتقديم المساعدات للتطوير الاقتصادي والاجتماعي.
ان قرار استخدام القوة هو بيد الدول, لذلك فإن مجلس الأمن ـ الذي تُسيطر عليه بعض الدول ـ هو الوسيلة التي يُقر بها استخدام القوة. ولم تزود الدول الأعضاء مكتب الأمين العـام بـالموارد المطلوبـة المنوه عنهـا في الميثاق لاستخدام القوة حتى الآن, ونتج عن ذلك أن الأمين العام قام بإدارة عمليات استخدام القوة بأدوات تناسب عمليات حفظ السلام, وهذه الفجوة أدت إلى نتائج مشكوك فيها كما في الصومال والبوسنة(58).
موجز القول إن عمليات حفظ السلام لا يمكن أن تتحقق إلا حين تكون الدول الأعضاء مشاركة مُشاركة كاملة, وعلى استعداد لتوفير ما يلزم من أفراد ومعدات وأموال, ولكن لا يوجد حتى الآن نظام دائم ومكتمل النمو لحفظ السلم, بل هناك سلسلة مستمرة من العمليات المخصصة.
ولا يعني ما تقدم أن عمليات حفظ السلام كانت كلّها بالمستوى نفسه من حيث ضعف الفعالية والنتائج, فهناك نجاحات للمنظمة غير بارزة في الإعلام مثل السلفادور, وموزامبيق, وليبيريا(59). كما أن زيادة جهود حفظ السلام أدت إلى إخفاء صراعات في بعض المناطق مثل ناميبيا.
وقد حققت الأمم المتحدة نجاحات في عملية تسريح الجنود في نيكاراغوا, ومراقبة إطلاق النار في السلفادور, والتحضير للإشراف على مراقبة حقوق الإنسان في غواتيمالا.
كما أن فعالية قوات الأمم المتحدة تعتمد في جانب منها على البنية التحتية للمنظمة, التي أمست غير فعّالة, وعاجزة عن مواكبة احتياجات المهمة. فجهود الأمم المتحدة المستقبلية لحفظ السلام سوف تكون أكثر سرعة وفعالية وبأقل عدد من الأفراد لو توافرت أرضية جديدة لأنظمة الاتصالات بواسطة الأقمار الاصطناعية, التي تمكن من إجراء اتصالات سريعة وسهلة بين مختلف محطات الأمم المتحدة والقيادة المركزية(60).
لقد نجحت عمليات حفظ السلام التقليدية بسبب التزامها بشروط موضوعية ارتاحت إليها أطراف النزاع. ولكن مع توسع هذه العمليات وتطور مفهوم حفظ السلم, فإن الممارسات لم تستقر بعد بشأن أنجع طرق المعالجة. لذلك فإن فعالية عمليات حفظ السلام ونجاحها يقومان على تحقق شروط عدة منها:
1 ـ حيادية الأمم المتحدة من حيث قراراتها ومن ثم قواتها المشاركة في العملية.
2 ـ ولاية واضحة محددة يمكن تنفيذها.
3 ـ تعاون الأطراف في تنفيذ تلك الولاية.
4 ـ دعم مستمر في مجلس الأمن.
5 ـ استعداد الدول للمساهمة بما يلزم من أفراد ومعدات.
6 ـ قيادة ميدانية فعالة.
7 ـ دعم مالي وإمدادي مناسب.
لقد لقي حفظ السلام ـ كأداة ـ نجاحاً ونكسات لم يكن منها بد, وينبغي أن يتم التعلّم منها, ومن المهم الحرص على عدم الوقوع في خطأ الاستغناء عن هذه الأداة. وهناك من يقول إن الشعبية الحالية لعمليات حفظ السلام الدولية تعكس فعاليتها, فهي مقارنة مع الحرب تُعتبر غير مكلفة لذلك يجب أن يُنفق عليها(61), وهو ما يدحض ادعاءات البعض بارتفاع تكاليف عمليات حفظ السلام: إن تكلفة يوم واحد مثلاً من عملية “عاصفة الصحراء”, كان يمكن أن تغطي نفقات جميع عمليات حفظ السلام في العالم لمدة عام.
لقد أدى نشوب الحروب القومية والنزاعات المحلية إلى الكشف عن عجز الأمم المتحدة وتعريضها للنقد, لكن ما تقوم به المنظمة ليس سوى انعكاس لرغبات الدول(62), خاصة الكبرى منها التي تسيطر على مجلس الأمن وبيدها الحل والربط في ما يخص أهم القرارات التي يمكن أن تصدر عنه.
إن إحدى الطرق لتقوية نظام الأمم المتحدة يمكن أن تكون إيجاد المزيد من قوات حفظ السلام القادرة على خلق الاستقرار, وإذا فشلت في ذلك, العمل كصمام أمان للحفاظ ـ على الأقل ـ على الحد الأدنى الضروري من النظام الموجود أصلاً. وهذا ما يؤكد الحاجة إلى تكاتف الجميع إذا أريد لهذا الأمر أن يُصبح واقعاً ملموساً.
إن إنشاء قوة دائمة لحفظ السلام له العديد من الفوائد. إذ يمكن وضع المعايير اللازمة للترتيبات الامدادية والمالية, كما يمكن تنسيق المهام المختلفة التي يقوم بها الأفراد المدنيون والعسكريون في القوة بصورة أفضل. ويمكن تأكيد عدم انحياز مثل هذه القوة ـ وبالتالي مدى قبولها من الدول المختلفة ـ عن طريق التجنيد المباشر, من عدد كبير من مختلف الدول, للأفراد الذي لا يكون هناك شك في ولائهم للمنظمة, عوضـاً عن الاعتمـاد على قـوات حكومـات قد لا تكون في بعض الأحيـان راغبة في ذلك.
ويجب أن تشترك الجمعية العامة وجميع عناصر المنظمة إلى جانب مجلس الأمن في مسؤولية حفظ السلم والأمن الدوليين بمعناها الأوسع, فلكل منها دور أساسي في
ذلك(63), واطلاق يد المجلس وحده في هذا المضمار المهم والخطير هو أمر غير مرغوب فيه.
ان الغرب بعيد جداً عن تبني نهج عالمي, وعن منح الثقة للأمم المتحدة لتنظيم السلام. وقد استمرت التفرقة بين دور “إحلال السلام” ودور “حفظ السلام” الذي أسندته الدول الكبرى مرة أخرى للمنظمة مع بعض الاستثناءات التي يتعذّر الوصول فيها إلى
حل(64).
لكن إخفاق الأمم المتحدة في بعض المهمات الكبيرة لا يقع بالكامل على أجهزة الأمم المتحدة وحدها, بل تشاركها المسؤولية كلّ الدول الأعضاء وعلى رأسها الولايات المتحدة(65).

النتيجة:

بعد تحليل العلاقة بين انتهاء الثنائية القطبية وفعالية الأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام, نصل إلى النتائج التالية:
1 ـ إزداد عدد عمليات حفظ السلام منذ انتهاء الثنائية القطبية زيادة ملحوظة, ساهم فيها الانفراج الذي شهده العالم مع زوال الصراع بين الشرق والغرب والذي كان سبباً رئيساً في عدم انشاء بعض عمليات حفظ السلام, أو تحجيم الكثير منها, خلال فترة الحرب الباردة.
2 ـ أصبحت الأمم المتحدة اكثر تماساً مع الكثير من النزاعات التي شهدها ويشهدها العالم, وغدت مركزاً للبحث في تلك المنازعات, سعياً للوصول إلى حلول وتسويات لها, باعتبار ان كثيرين يرون ان الامكانات الموجودة لدى المنظمة تُمكنها من القيام بدور الوسيط بين أطراف النزاع, وقد قامت بهذا الدور فعلاً في عدد من النزاعات.
3 ـ يحدّ من الدور الذي تقوم به المنظمة في هذا المجال مصالح الدول المتنفذة فيها ـ خاصة الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن ـ التي عندما ترى أن تعاطي المنظمة مع نزاع ما قد يُلحق ضرراً بمصالحها, تُحجِّم ذلك الدور, مما يؤثر سلباً على مكانة المنظمة وسمعتها.
4 ـ كانت عمليات حفظ السلام, بشكل عام, خلال فترة الثنائية القطبية ذات أهداف محددة جداً أبرزها ـ إن لم يكن الوحيد ـ هو مراقبة وقف إطلاق النار بين أطراف النزاع, وهذا يعود إلى تخوف طرفي الثنائية القطبية, ودول أخرى عديدة. ولكن بعد انتهاء الثنائية القطبية, توسع دور عمليات حفظ السلام وتشعب, وشمل أموراً أخرى مثل: تقديم المساعدات الإنسانية, وإعادة اللاجئين, ونزع السلاح, والاعداد والاشراف على تسجيل الناخبين, وإجراء الانتخابات, ومراقبة احترام حقوق الانسان, والتحقيق في انتهاكاتها, وتدريب أفراد الشرطة, والمساعدة في إصلاح الاقتصاد والنظام القضائي, والمساعدة في التوصل إلى اتفاقيات سلام.
5 ـ أصبحت الأمم المتحدة تتدخل في نزاعات داخل دول, وليس فقط في نزاعات قائمة بين دول, كما كان الحال عليه أثناء الثنائية القطبية. كما أنه وفي أكثر من عملية, فوضت قوات الأمم المتحدة استخدام القوة لتأمين المساعدات الإنسانية, وهو ما يعد عنصراً جديداً دخل إلى تلك العمليات.
6 ـ تم استغلال هذا الدور من قبل الولايات المتحدة الأميركية ـ بسبب سيطرتها على مجلس الأمن ـ بأن ضغطت على الأمم المتحدة لإنشاء عمليات حفظ للسلام كانت محاطة بالشكوك من حيث أهدافها وبأنها تخدم مصالحها هي فقط, وكان ذلك واضحاً في حرب الخليج, والصومال, وهاييتي.
7 ـ تبين من خلال مجمل الأزمات والنزاعات التي وقعت في العالم أن المنظمات الإقليمية لم تُعطَ الدور الحقيقي الذي يجب أن تقوم به, بل تم إضعاف دور هذه المنظمات بسبب سيطرة الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى على الأمم المتحدة, وبشكل خاص مجلس الأمن الذي عليه دعم دور تلك المنظمات لحل المنازعات المحلية سلمياً “المادة 52/3 من الميثاق”. ولم ترغب تلك الدول بدعم هذا الدور حتى لا تتم تسوية النزاعات بطريقة أو أسلوب لا تريده هي, أو لا تريد تسويته أصلاً.
8 ـ هناك علاقة إيجابية بين انتهاء الثنائية القطبية ودور الأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام. فهذا الدور قد ازداد وبرز وتوسع ليشمل جوانب عديدة. ولا ينفي تلك العلاقة ما ذكرناه من استغلال بعض تلك العمليات لصالح دولة أو دول بعينها, ذلك أن العديد من العمليات ما كانت لتنشأ لو بقيت الثنائية القطبية, مما ساهم في إنقاذ الكثير من الأرواح وإطفاء بعض بؤر التوتر في العالم

المراجع

1 ـ

LEFEVER, W. Ernest: "reining In The U.n.", Foreign Affairs, Vol. 72, 3 Summer 1993.


2 ـ

MEIXLER, Louis: “U.N. At 50 Looks To Redeine Shape, Role”, Jordan Times, No. 5950, 25 June 1995.


3 ـ تريمبل جيف وآخرون, “قوات الأمم المتحدة في وديان الموت”, يو. أس. نيوز, مقالة مترجمة نشرت في صحيفة الرأي, عمان, عدد 8348, 24/6/1993.
4 ـ نكد جان, “الأمم المتحدة 50 عاماً من التشرد والفشل”, محرر: الأسبوع العربي, لبنان, عدد 1822, 12/9/1994.
5 ـ تقرير للأمين العام, عملاً بالقرار رقم 871 عام 1993م, س/1994/ 300, 16/3/1994.
6 ـ اسماعيل محمد زكريا, “من أثيوبيا إلى تشيكوسلوفاكيا إلى البوسنة”, السياسة الدولية, القاهرة, عدد 120, نيسان 1995م.
7 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9053, 12/6/1995.
8 ـ صحيفة الدستور, عمان, عدد 9973, 1/6/1995.
9 ـ مقابلة مع المندوب الدائم للجامعة العربية لدى الأمم المتحدة, الكويت, مجلة العربي, عدد 443, تشرين الثاني 1995.
10 ـ أبو الوفا أحمد, “الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد”, السياسة الدولية, القاهرة, عدد 122, تشرين الأوّل 1995.
11 ـ غالي بطرس بطرس, حديث مع مجلة دير شبيغل الألمانية, منشور في صحيفة الدستور, عمان, عدد 10170, 15/12/1995.
12 ـ صحيفة الأسواق, عمان, عدد 64, 12/8/1995.
13 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9247, 23/12/1995.
14 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9316, 3/3/1995.
15 ـ

LUCK, C. Edward: “Marking Peace”, Foreign Policy, No. 89 Winter 1992 - 1994.


16 ـ جاد عماد, “البوسنة: ضغوط لتعديل خطة التقسيم”, السياسة الدولية, عدد 199, كانون الثاني 1995.
17 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9052, 11/6/1995.
18 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9047, 6/6/1995.
19 ـ

STAR Barbara: “Peace Keepers To Stay On Says U.N.”, Jane’s Defence Weekly, UK, Vol. 23. No. 21, 27 May 1995.


20 ـ باكسيتش بوزايد, “حروب صغيرة في البلقان وإخفاق النخبة القومية”, لو موند ديبلوماتيك, مقالة مترجمة نشرت في صحيفة الرأي, عمان عدد 9088, 17/7/1995.
21 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9239, 15/12/1995.
22 ـ

SARACINO, Perer: “No More Sympatty For The Devil”, International Defence Review, UK, Vol. No. 24/25, 16 December 1995, P. 3.


23 ـ صحيفة الأسواق, عمان, عدد 663, 2/9/1995.
24 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9134, 1/9/1995.
25 ـ

STAR, Barbara: “USA Moves To Protect Ifor From “Terrorism”, “Jane’s Defence Weekly, Vol. 24, No. 24/25, 16 December 1995, P. 3.


26 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 4296, 22/12/1995.
27 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9240, 16/12/1995.
28 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9242, 10/6/1995.
29 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9051, 28/7/1995.
30 ـ صحيفة الدستور, عمان, عدد 10030, 28/7/1995.
31 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9099, 28/7/1995.
32 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9114, 12/8/1995.
33 ـ صحيفة الدستور, عمان, عدد 10046, 13/8/1995.
34 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 8386, 1/8/1995.
35 ـ

MARSHALL, A.: :"Vosnia Flights Stops As Nato And Un Clash”, The Independent, London, December 1994.


36 ـ

MARSHALL, A.: :"Nato Splis Over US Bosnia Plan”, The Independent, London, November 1994.


37 ـ الصلح منح, “باطنية السياسة الأميركية”, صحيفة الأسواق, عمان, عدد 768, 2/1/1996.
38 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9239, 15/12/1995.
39 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 8425, 9/9/1993.
40 ـ “الأمم المتحدة... سلطة الفساد الدولي مهددة بالإفلاس بسبب السرقات وسوء الإدارة”, محرر الشؤون الدولية, الأفق, عمان, السنة الثانية, عدد 90, شباط 1994.
41 ـ صحيفة الدستور, عمان, عدد 9327, 11/8/1993.
42 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9117, 15/8/1995.
43 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 8416, 31/8/1995.
44 ـ

The United Nations And The Situation In Somalia, Reference Paper, 30 April 1993, United Nations, Department Of Public Information, June 1993.


45 ـ صحيفة الرأي, مقابلة مع وزير دفاع زمبابوي, نقلاً عن هيرلدتربيون, عمان, عدد 8397, 12/8/1993.
46 ـ صحيفة الرأي, نقلاً عن دير شبيغل, عمان, عدد 8999, 15/4/1995.
47 ـ

GHALI Boutros Boutros, Herlald Tribune International, Paris, No. 34868, 6 April 1995.


48 ـ صحيفة الأسواق, عمان, عدد 448, 19/12/1995.
49 ـ نافعة حسن, “العرب وتطوير الأمم المتحدة”, ورقة قدمت في المؤتمر الستراتيجي العربي الثالث الذي عُقد في الجامعة الأردنية, العرب في الستراتيجيات العالمية, تحرير مصطفى الحمارنة, مركز الدراسات الستراتيجية, عمان, 1994.
50 ـ

$800M Is Owed To Peace Keeping Nations, Janeصs Defence Weekly, UK. Vol. 24, No. 1, 8, July 1995.


51 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9013, 29/4/1995.
52 ـ برتران موريس, “الأمم المتحدة من الحرب الباردة إلى النظام العالمي الجديد”, ترجمة لطيف فرج, دار المستقبل العربي, القاهرة, 1994.
53 ـ صحيفة الدستور, عمان, عدد 10048, 15/8/1995.
54 ـ جيران في عالم واحد, نص تقرير: لجنة “إدارة شؤون المجتمع العالمي”, ترجمة مجموعة من المترجمين, سلسلة عالم المعرفة, الكويت, عدد 201, أيلول 1995.
55 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9275, 20/1/1996.
56 ـ صحيفة الرأي, عمان, عدد 9308, 24/2/1996.
57 ـ

PASCKE, Karl Theodor: “Why Reform Of The United Nations Souch A Herculean Task?”, Deuschland, Germany, No. 3, June 1995.


58 ـ

PICCO, Giandomenico: “The U.N. And The Use Of Force”, Foreign Affairs, Vol. 73, No. 5, Sep./Oct. 1994.


59 ـ بن شرف فواز, مقابلة بالهاتف أجراها أحمد شاكر, صحيفة الدستور, عمان, عدد 9910, 26/3/1995.
60 ـ

COOPER, Pat.: “U.N. To Upgrade Communications”, Defense News, U.S., Vol. 10, No 9 March 6 - 12, 1995.


61 ـ العمري محمد, “الحملة الأميركية ضد الجماهيرية الليبية في ضوء أحكام القانون الدولي”, مستقبل العالم الإسلامي, عدد 6, 1995.
62 ـ هوش كريستيان, “النظام العالمي الجديد, الأمم المتحدة: المهمة المستحيلة” الإكسبرس, مقابلة مترجمة في صحيفة الرأي, عمان, عدد 8981, 28/3/1995.
63 ـ

KARNIOL, Robert: “An Interesting Assignment” International Defense Review, UK. Vol
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مقالات  متخصصة Empty
مُساهمةموضوع: جنوب وشرق آسيا يتحضران للقرن الحادي والعشرين   مقالات  متخصصة Emptyالسبت نوفمبر 17, 2012 6:10 pm

مجلة الدفاع الوطني
جنوب وشرق آسيا يتحضران للقرن الحادي والعشرين
العميد الركن سامي ريحانا



يُعتبر الشرق الأقصى، تلك المنطقة الغامضة بتاريخها رغم عراقتها وعظمة شعوبهـا والدور الذي لعبته هذه الشعوب في حفظ التراث والحضارة العالميين ونقلهما، من الأهميـة بمكان بحيث يفرض تركيز البحاثة عليه بصورة خاصة. فالدور الذي لعبته أو تحاول لعبه دول جنوب شرق آسيا في مجريات الأحداث الدولية، تجعلها في صدارة الاهتمامات الحالية للعالم.

لقد سبق وأوردنا مقالاً عن "تحضُّر الشرق الأقصى للقرن الحادي والعشرين" في مجلة الدفاع الوطني، العدد عشرين، تضمن تحليلاً لأوضاع كل من الصين والهند والكوريتين، بسبب أهمية هذه الدول الاقتصادية والسياسية والعسكرية في عالمنا الحالي. ولم يتطرَّق المقال، بسبب ضيق المجال، إلى دول أخرى ما زالت بحاجة إلى إلقاء الضوء على أوضاعها السياسية والاقتصادية والعسكرية وعلى مشكلاتها وإنجازاتها.



أولاً- الأهمية الستراتيجية



من هذه الدول، الهند التي صنعت القنبلـة الذرية وأمَّنت تفوقاً عسكرياً على غريمتها باكستان رغم المشكلات الديموغرافية والاقتصادية التي تواجهها، والتي ستتجاوز الصين في عدد السكان مع بداية القرن المقبل، مما سيشكِّل سوقاً استهلاكيةً ضخمـةً تدفع الدول المنتجة للاهتمام بها والتعامل معها. والحجم العسكري للهند يمكن أن يؤثِّر على الأمن الإقليمي في شرق آسيا وجنوبـها، وعلى مدى انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح في العالم.

ومنها تايـوان التي وقفت وما تزال في وجه المدّ الصيني، اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، والتي تقوم حالياً بتصنيع وتجميع طائرات إف 16 وصواريخ باتريوت الأميركية.

ومنها مجموعة النمور الآسيوية(2) الاقتصادية التي انطلقت في شرق آسيا وازدهرت مسجلـةً أعلى وأسرع نسبة نمو في التاريخ الاقتصادي. وهي قد سجلت عدداً كبيراً من الحسنات، ولا سيما في الإدخارات المرتفعة والسياسات المالية والنقدية الحكيمة والانفتاح التجاري.

ومنها كمبوديـا التي شهدت صراعاً طويلاً على النفوذ، وشهدت بعد انتهاء الصراع توافد شركات ورؤوس أموال يابانيـة وفرنسية لغايات تجارية ولإثبات الوجود في منطقة جنوب آسيا.

ومنها رابطـة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" التي نافست اليابان والولايات المتحدة اقتصادياً وإنمائيـاً وفي ميدان سباق التسلح، كما نافست اليابان والصين في نزاع شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي الغني بالنفط، وبالتقنيات الإلكترونيـة المدنية، وفي خدمـة تصنيعها العسكري. فبين عامي 1979 و 1989 زاد إجمالي الناتج القومي لدول "آسيان" و"مجموعة النمور" بنسبة 166 بالمئة، بينما لم تتجاوز الزيادة العالمية 100 بالمئة. ويعتقد الخبراء الأميركيون أن شرق آسيا سيكون قلب الاقتصاد العالمي ومركز العلوم التقنية الحديثة(3)، وكل من يسيطر عليه في القرن المقبـل سيسيطر على العالم. وهذا ما يدفع الولايات المتحدة إلى العمل على منع قيام خصم مقتدر في شرق آسيا.

ومنها فيتنام التي دخلت التاريخ من بابـه العريض من خلال عنادها في الدفاع عن أرضها ضدَّ كل وجود أجنبي استعماري، وخاضت حرب الهند الصينية (1946-1954) ضدّ القوات الفرنسية وحرب فيتنام (1964-1973) ضدّ أكبر إمبراطورية في العالم، وتمكنت من الصمود في وجه الآلة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، كما تمكنت من كسر شوكة الهجوم الصيني المرة تلو المرة. وأخيراً خاضت حرب توحيد نفسها عامي 1974-1975 ونجحت في نهايتها، وتُعتبر حالياً من الدول المؤثرة والدول العسكرية الكبرى في الجنوب الآسيوي رغم اقتصادها المتأخِّر.

ومنها ماليزيا، الفتية،واندونيسيا والفليبين وتايلاندا وماكاو وسنغفورة، وكلها دول بارزة ومؤهلة للعب دور على الساحة الدولية.

ومما يزيد من أهمية المنطقة مجموعة قضايا إقليمية تهم العالم وخاصة الدول الكبرى. وأهم القضايا مشكلات تايوان وهونغ كونغ وشبـه جزيرة كوريا وماكاو وجزر سبارتلي؛ وكلها مناطق احـتكاك، قد تُدخل الدول العظمى، خاصةً الولايات المتحدة والصين، في نزاع غير مباشر يؤدي إلى اضطراب أوضاع المنطقة بأسرها. ومن أسباب الاحتكاك الممكن عدم المساواة في النمو الاقتصادي وفي التقنية الصناعية بين هذه الدول، بسبب الحروب الأهلية وهيمنة الآلة العسكرية، كما هي الحال في كمبوديا والفليبين وفيتنام وكوريا الشماليـة. لذا صار هذا التفاوت عامل خلاف مستحكم، مما قد يهدد الأمن الآسيوي وربما الدولي.

مقابل هذا التشرذم وأمام سباق التسلح، ارتفعت أصوات تنادي ببناء وحدة آسيا الهادئ، أبرزها دعوة الرئيس كلينتون إثر قمَّة "سياتل" لدول مجلس تعاون آسيا - الهادئ (ايبك)، على أن تكون الولايات المتحدة الشريك الكامل في عملية التنمية الآسيوية.

ومن مظاهر أهمية المنطقة الاقتصادية، نذكر أن أكثر من 40 بالمئة من التجارة الأميركية تتركَّز في هذه المنطقة. وتشير الأرقام التجارية إلى تزايدها حتى بلوغ الضعفين عام 2000 . كما سُجّل نمو اقتصادي بارز لدى "النمور الآسيويـة" التي تملك حالياً ادِّخارات مرتفعة وسياسات مالية ونقديَّة حكيمة وانفتاحاً على جميع النشاطات التجارية: استثمار في التعليم، حقوق عقارية آمنة، إنفاق رأسمالي كثيف، تكنولوجيا متطورة مقرونة بكفاءة عالية، سياسات حكيمة ...الخ(4).

على الصعيد النووي، وإضافة إلى العملاق الصيني، فإن دولاً عدة تمكنت من حيازة القنبلـة النووية، وهي الهند وباكستان وبعض دول الاتحاد السوفياتي السابق. كما تواصل دول أخرى عملها الجاهد لحيازة السلاح النووي، لاسيما كوريا الشمالية وتايوان.



ويرى بعض المفكرين أن مراكز القوة العالمية التي كانت تتركز في آسيا قبل خمسة قرون وتوجهت نحو منطقة المتوسط ثم أوروبا فالعالم الأطلسي عبر بريطانيا، ثم منطقة الهادئ، تعود الآن بعد 500 عام إلى منطقة آسيا(5). هذا رغم وجود الهوة الاقتصاديـة بين الدول الغنية والدول النامية فيـها. فمع بداية القرن الحادي والعشرين، تضم آسيا قوى ذات أوزان مختلفة. فهناك القوى المؤثرة جداً كالصين والهند واليابان واندونيسيا وباكستان، كما هناك قوى متوسطة الوزن مثل كوريا وفيتنام، وقوى متخلفة.



ومما لا شك فيه أن الدول الفاعلة في جنوب وشرق آسيا ستتابع تنمية قدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية وتطويرها، رغم سعي الولايات المتحدة للبقاء في طليعة العالم في هذه الميادين.

ويكفي، لكي نأخذ صورة واضحة عن مدى الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقـة جنوب شرق آسيا بالنسبة للولايات المتحدة وللدول الفاعلة في التوازنات الدولية الحالية، أن نذكر حالتين أدَّتا إلى تحرك عسكري أميركي في منطقة آسيا - الهادئ وتوجيه قوات عسكرية ضخمة إلى جنوب آسيا. وفي الحالتين استنفرت الإدارة الأميركية الأسطول السابع وقوّاتها في المنطقة والبالغة 37 ألف جنـدي في كوريا، كما أن الرئيس كلينتون قام خلال هذه المرحلة بزيارة إلى اليابان، اعتُبرت من أهـم زياراته الخارجية، وهدفت إلى توقيع معاهدة أمنية تلعب اليابان بموجبها دوراً أكثر فاعلية في السلام والأمن في المنطقة. وهاتان الحالتان هما:(6)

- - قيام الصين بسلسلة مناورات عسكرية منذ أواسط صيف 1995 بمواجهة شواطئ جزيرة تايوان، وصلت إلى ذروتـها في شهر آذار 1996 عشية أول انتخابات تايوانية. وهدفت المناورات إلى الضغط على حكام الجزيرة وتذكيرهم بوجوب العودة إلى الوطن الأم، أي الصين.



التوتر العسكري بين الكوريتين الذي تمثـل باختراق نحو 2000 عسكري شمالي بأسلحتهم الثقيلة حدود كوريا الجنوبية ثلاث مرّات متتالية خلال 3 أيام، ثم مطالبة كوريا الشمالية بعد رفضها الهدنة القائمة منذ 1953، بعقد معاهدة أمنية مباشرة مع الولايات المتحدة تستبعد عنها جارتها الجنوبي.

لكل هذه الأسباب، رأينا ضرورة البحث في منطقة جنوب - شرق آسيا بهدف إكمال الصورة عن هذه المنطقة الغامضة والبعيدة والتي دخلت حالياً في ميدان التوازنات الدولية المؤثرة(7). وسنبدأ دراستنا بالبلد الأضخم سكاناً ومساحةً: الهند.



ثانياً- الهند

الهند الغامضة والعريقة في تاريخها وحضارتها، تستأهل الدراسة بعمق وتمعن. من الفلسفة إلى الطب وعلم الفلك والدين قديماً، إلى أول دولة ديموغرافية في العالم مع بداية القرن القادم. من جبال الهملايا في الشمال، إلى أحواض الهندوس والغانج، إلى المساحات الشاسعة حيث يٌزرع القمح والأرز وتنتشر العادات الغريبة.



أ- التعريف بالهند

غالبيـة السكان هم من الهندوس (82 بالمئة) مع أقلية إسلامية تبلغ 11 بالمئة و14 مليون مسيحي كاثوليكي أبرزهم الأم تريزا التي توفيت منذ مدّة. طائفة السيخ تشتهر خاصة في البنجاب بنسبة 1.8 من سكان الهند. لكن أهميتها تكمن في أن 14 بالمئة من عديد الجيش هم من أبنائها(Cool. ولهذه الطائفـة عادات غريبة، فأفرادها يتركون شعورهم وذقونهم ويرتدون السراويل القصيرة ويحملون السيف مع المشط الفولاذي والسلسال الحديدي.

وأفراد السيخ والهندوس يحرقون أمواتهم باستثناء الأطفال، ويفضلون الموت على ضفاف نهر الغانج المقدس. أفراد قبائل البرسيس (PARSIS) يعرضون أمواتهم في بومباي على السطح لتأتي الكواسر وتلتهمها. أما الساتي (SATI) فكانوا يحرقون النساء مع أزواجهن عند وفاتهم. هذه العادة التي ألغيت منذ عام 1829، عادت سنة 1978 إلى الظهور(9).

اللغات المحلية تبلغ 1652 لغة مع نسبـة كبيرة من الأميين تبلغ 60 بالمئة لدى النساء و 35 بالمئة لدى الرجال.

تبلغ مساحة الهند 263 287 3 كيلومتراً مربعاً مع 168 15 كيلومتراً من الحدود. أبرز جبالها هي الهملايا في الشمال التي تمتد 2400 كيلومتر، وأعلى قمة فيها تبلغ ارتفاع 7788متراً. وتشمل البلاد 8 مناطق مناخيَّة تتراوح بين الصحراء الناشفة والسهول مع 500 إلى 700 ميليمتر من الأمطار. الصيف حار جداً والشتاء معتدل باستثناء الجبال حيث يكون باردا.ً



ب- لمحة تاريخية

المرحلة الآرية(10)

يعود تاريخ الهند إلى زمن بعيد قبل الميلاد. فقد سيطر العرق الآري على البلاد منذ 1500 إلى 468 ق.م بواسطـة قبائل هندو أوروبية هاجرت جنوباً من منطقة السهوب، بجوار بحر قزوين في القرن الثامن عشر ق.م، فارضة حضارتها على الشعوب البدائية في الهند.

ومنذ العام 500 ق.م، سجلت ردود فعل وطنيـة دينية متأثرة بالبوذية والبراهمانية. وتمكن خلال هذه الفترة الملك الكبير ناندا، الذي جنَّد 200 ألف مقاتل، من الوقوف في وجه جيوش الإسكندر المقدوني وإيقاف زحفها شرقاً.



الغزو الهندو أوروبي من قبل الإغريق والسيت (180 ق.م - 320 م)

بالمقابل، تمكنت البوذية من تحقيق امتداد نحو آسيا الوسطى بين 320 و 713 م، فبدأت المرحلة الكلاسيكية حين سيطرت إحدى سلالات اثنيـة "السيت"، وامتد ملكها من خليج عمان حتى البنغال. وخلال هذه المرحلـة، انتشرت الثقافة السنسكريتية فوصلت حضارتها الهندية القديمة إلى قمتها في الإبداع. ومنذ 495 إلى 540 م، تعرضت البلاد لغزوات الهون البيض قبل ان يتغلب عليهم الترك.



(المرحلة الإسلامية (713 – 1764

في عام 713، تمكن الحجاج بن يوسف من السيطرة على مناطق السند، لكن تراجع الخلافة العباسية خلال هذه المرحلة منعه من إكمال احتلاله للهند. ومنذ العام 1000، تابع المسلمون بقيادة ملك الغز غازني (GHAZNI) الغارات لإكمال احتلال البلاد فسيطروا على البنجاب وأقاموا سلطنـة إسلامية في دلهي التي أقامت أول دولة إسلامية منذ العام 1211. ومنذ عام 1325، بدأت المشاكل ضد السيطرة الإسلامية، فاشتعل البنجاب عام 1340 وسادت البلاد بدع دينية أدّت إلى التفرقـة والتشرذم. وعام ..1504، نشأ تنظيم السيخ الديني رغم غارات التتر بقيادة تيمورلنك على دلهي عام 1398



إمبراطورية المغول (1526 - 1764)

منذ عام 1526، تمكن بابير (BABUR)، أحد أحفاد تيمورلنك وجنكيزخان، من إنشاء أسرة المغول الحاكمة، فاحتل البنجاب ووصلت قواته إلى حدود البنغال بعد أن هزم السلطان دلهي وسيطر على كشمير والسنـد وكنداهار، محاولاً الحصول على تأييد الهندوس من خلال ابتداع دين واحد هو "الدين الالهي". وخلال هذه المرحلة، ضُبط الأمن شمال الهند وبرز الفن الهندو - إسلامي بأبرز وجوهه، من الجوامع إلى المدافن والجنائن والرسوم والقصور، خاصـة في دلهي. إنما، منذ 1707، ومع وفاة آخر ملوك سلالة المغول العظام، بدأت مملكة المغول بالإندثار تمهيداً للغزو الأوروبي.



الهند البريطانية : (1764 –1947 )

سبق السيطرة البريطانية على الهند اكتشاف البلاد من خلال رحلات ماركو بولو (1254 - 1324) وفاسكو دي غاما الذي سيطر على البلاد لصالح البرتغال منذ 1498، فحارب المسلمين والأتراك في المحيط الهندي ودمر أسطولهم عام 1509.

وأُنشئت الشركة البريطانية للهند الشرقية عام 1600، وتمكن أسطولها من تدمير الأسطول البرتغالي عام 1612، وأقامت القلاع البريطانية في مدن هندية عدة. كما ضمت جزيرة بومباي عام 1661 وأنشأت كالكوتا عام 1690. وفي عام 1602 أُنشئت الشركة الهولندية للهند واحتلت سيلان. وفي عام 1664، أنشأ الفرنسيون شركة الهند الشرقية. إلا أن السيطرة الفعلية بقيت للبريطانيين الذين عينوا حكاماً على الهند أبرزهـم اللورد شارلز كونواليس (1786 - 1793) الذي منح الأرض للمغول فأمسوا مزارعين وانصرفوا بذلك عن الحرب ومقاومة الاحتلال.

وفي عام 1858، تنازلت شركة الهند عن البلاد للتاج البريطاني. وفي عام 1877، أصبحت الملكـة فيكتوريا إمبراطورة الهنـد، التي تشمل أيضا برمانيا وسيلان، فانتشر الموظفون البريطانيون في المراكز المهمة كالضباط والقضاة، وأمسكوا بزمام الاقتصاد.

وفي عام 1869، ولد غاندي الذي اصبح محرر الهند وبطلها القومي قبل اغتياله في 30 كانون الثاني 1948.

وخلال الحرب العالمية الأولى، قدمت الهند للجيش البريطاني مليون وثلاث مئة ألف مقاتل إنضووا في الفرق الهندية الشهيرة.

وفي الحرب العالمية الثانية، قدمت الهند مجدداً اكثر من مليونين ونصف مليون مقاتل للجيوش البريطانية.

أخيراً، استقلت البلاد عن التاج البريطاني عام 1947، كما انفصلت عنها سيلان (سيرلنكا الحالية) وبرمانيا، ونشأت الباكستان الغربية كقسم من الهند الشرقية التي أصبحت بنغلادش. وفي عام 1954، اعترفت الهند بسيادة الصين على التيبـت. وخلال عام 1997، احتفلت البلاد بالذكرى الخمسين لاستقلالها وزارتها ملكة بريطانيا(11)



ج- اقتصاد الهند

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يستحوذ على 60 بالمئة من تجارة الهند الخارجية، قامت الهند بتخفيض عائدات الجمارك والبضائع التي تخضع لترخيص مسبق للاستيراد. كما سمحت للمصادر الأجنبية بتمويل 51 بالمئة من رؤوس المال المشتركة، واعتمدت التخصيصية في النواحي الأساسية لاقتصادها كالمواد الكيميائية والصلب والبترول(12)

فالهند التي يتراوح الناتج القومي الصافي (PNB) للفرد فيها بين 340 و350 دولاراً، ويعمل فيها 63 بالمئة من القوى العاملة في الزراعة، و11 بالمئة في الصناعة و22 بالمئـة في الخدمات و4 بالمئـة في المناجم، بلغ حجم البطالة فيها 35 مليون في نيسان 1991، كما بلغت نسبة التضخم عام 1995 حوالى 10.5، والديون الخارجية 13 مليار دولار عام 1994. ويعيش في الهند ما يقارب الـ420 مليون نسمة تحت مستوى الفقر، أي بأقل من 30 دولاراً شهريا.ً

أهم منتوجات الهند الزراعية هي الأرز والذرة الصفراء والقنب والقطن والقمح والشعير واللفت وقصب السكر، رغم أن وسائل الري بدائيـة ومحدودة(13)، وهي تعتمد على البترول (788 مليون طن عام 1994)، واللينيت (18.8 مليون طن)، والغاز (18.8 مليار متر مكعب)، والكهرباء (323.3 مليار كيلوات ) (14)

ابرز ما تستخرج الهند من المناجم المعادن التالية (عام 1994:)

- الزنك (0.325 مليون طن)

- الرصاص (44.8 مليون طن)

- الحديد (10 مليار طن)

- أوكسيد الحديد (10 مليار طن)

- الكلس (14.2 مليون طن)



إضافة إلى الملح والنحاس والبوكسيت والدولوميت والجبس والمنغانيز والكروم والصلصال والطبشور والذهب والماس(15)

وفي الميدان الصناعي، تُصنِّع الهند القطن والقنب والسكر والأسمنت والأوراق والحديد والفولاذ والآلات المتعددة والسيارات والأدوات الكهربائية والأسمدة الكيميائيـة والبترو كيميائية(16).

تجارياً بلغت صادرات الهند عام 1994 ما يقارب 695.4 مليار روبية، خاصة من الأحجار الكريمـة واللؤلؤ ومعدات الهندسة والثياب والمعدات الكيميائية والقطنيات. كما استوردت ما يعادل 728 مليون روبية، خاصة من المنتوجات النفطية والآلات غير الكهربائية.

واحتلت الهند، عام 1994، المركز الأول في إنتاج الشاي وقصب السكر والرز، والمركز الثالث في إنتاج القمح والحبوب والقطن، والرابع في الخشب والفحم، والخامس في الغنم والحديد، والسابع في الذرة والصيد البحري والبوكسيت، والتاسع في البن، والثالث عشر في اللينيت(17)

د- الإنجازات الهندية ودور الهند الإقليمي والدولي

إن حجم الهند وعدد سكانها الضخم وموقعها الجيوستراتيجي على المحيط الهندي ومدخـل جنوب آسيا الغربي، كلها عوامل تؤهلها للتأثير في الأحداث العالمية، وقد يؤثر ذلك على الأمن الإقليمي في جنوب القارة الآسيويـة، وعلى جهود المجتمع الدولي للحد من انتشار السلاح النووي وغير التقليدي ..

إلا أنه، ورغم هذه المعطيات الجيوستراتيجية، ما زالت الهند محدودة الدور دولياً بسبب فقرها وتراجع أهميـة شعوبها ودرجة الأمية المنتشرة بين صفوفهم. علاوة على ذلك، فإن التزايد السكاني المستمر والكبير، يمنع الهند، على المدى المنظور، من تحسين الدخـل الفردي فيها ليعادل الدخل الفردي في اليابان أو كوريا الجنوبية أو تايوان أو هونغ كونغ.

لذلك يرى بعض الاقتصاديين أن على الهند التحول تدريجياً في اقتصادها نحو الصناعـة والخدمات، لأنها تؤمن اقتصاداً وطنياً أفضل ومدخولاً عائلياً أكبر يترافق مع الحد من الزيادة السكانية(18)

وبالفعل، شجع القادة الهنود بين الستينات والثمانينات، التصنيع لتقليص الاعتماد على المصنوعات الأجنبية وتعزيز الدخل القومي. وهكذا راحت الهند تنتج الصناعات الثقيلة، كصناعـات الحديد والفولاذ والإسمنت والسيارات والسفن والمعدات العسكرية والهندسية والآلات، فظهرت الشركات العامة الضخمة في هذه الميادين(19)

علاوة على ذلك ورغم تخصيص 3 بالمئة فقط من الدخل القومي للتعليم مقابل 6 بالمئة لدول العالم الأول، فإن الهند توجه قدراتها التعليمية وعلماءها نحو المصانع الحربية لدعم قواتها العسكرية لأسباب أمنية قومية(20)

إنما بقيت الصناعة فيها متخلفة عن مثيلاتها في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان لأسباب، أبرزها قرار الهند الابتعاد عن الأسواق العالمية لحماية صناعتها المحليـة ، مما أدى إلى عدم تطور الشركات العامة الهندية لتصبح منافسة على الصعيد الدولي ولا سيما على الصعيد الآسيوي الجنوبي(21)

سياسياً، مرّ العام 1997 على الهند حاملاً معه الذكرى الخمسين للاستقلال الذي كان الثمرة الأولى لموجة التحرر من الاستعمار الغربي التي انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الذكرى توفر للهند عدداً من المعايير المهمة التي تتمكن من خلالها من المقارنة بين الآمال والمنجزات خلال نصف قرن من الحكم الوطني.

فالإنجاز الأكبر هو محافظة الهند على النظام الديموقراطي البرلماني، بعكس غالبية الشعوب المجاورة في الشرق الأقصى. والهند عريقة في هذا النظام، إذ أجرت أول انتخابات بلديـة في السبعينات من القرن الماضي، وتمكن حزب المؤتمر الهندي بحلول ثلاثينات القرن الحالي من تشكيل عدد من الحكومات الإقليمية، مما أمَّن للناخبين السياسيين والإداريين دروساً مهمة في الحكم التمثيلي المسؤول. وقد لعب جواهرلال نهرو وزملاؤه من الرعيـل الاستقلالي الأول دوراً مهماً في هذا الإطار بعد الاستقلال، رافضين التوجهات القومية والإيديولوجية(22)

وبالفعل، خلت احتفالات 1997 من الشعارات الرنانة والمزايدات العاطفية التي تنتشر عدة في بلدان العالم الثالث.

ومن إنجازات الهند التاريخية، الدور الذي لعبه نهرو في حركة عدم الانحياز التي صبغت التاريخ العالمي، خاصة خلال أزمة السويس عام 1956.

وضمن الإطار نفسه، يُعتبر مبدأ المقاومة السلميـة من أهم إنجازات المهاتما غاندي ومن أهم المساهمـات في الممارسة السياسية للقرن العشرين. لقد استطاع غاندي ونهرو مشتركين إقناع بريطانيا باستحالة السيطرة على الهند دون مساعدتهما. كما أدخل غاندي إلى السياسة أيضاً أبعاداً محلية ودينية بارزة، وساهم في اعتماد الهند لنظام التعددية الحزبية وحرية الصحافة وروحية النقد للقادة السياسيين والحرية الاقتصادية(23)

ومن مميزات الهند البارزة، نذكر سوقها الاستهلاكي الضخم والنخبة التكنوقراطية المؤهلة لقيادة البلاد خلال دخولها القرن الحادي والعشرين، والشركات ذات المستوى العالمي والتكنولوجيا المتطورة خاصة في برمجة الكومبيوتر في "سيليكون فالي" الهندي في بنغالور. وتتميز أيضاً بالجامعات والمؤسسات الدراسية الراقية.

ومن إنجازات الهند تصنيع القنبلة الذرية منذ 1974 ودخولها نادي الدول التي تملك القدرات النووية. فقد أجرت بالفعل تجربتها النووية الأولى والأخيرة عام 1974، ورفضت توقيع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ما لم تقترن بنزع كامل للسلاح النووي في العالم، مسجلة بذلك موقفاً سياسياً وستراتيجياً مستقلاً ضمن لعبة الدول الكبرى. فالهنـد تريد إبراز دورها العالمي الذي يتناسب وحجمها، ديموغرافياً وجغرافياً، وهذا الموقف اتخذته رغم أنها كانت أول من رعى، إلى جانب الولايات المتحدة، معاهدة حظر التجارب النووية عام1993 .

كتبت صحيفة تليغراف الهندية أنه "في الوقت الذي ينتشر في البلاد فقر دائم، يرد بعض الهنود ممن هم في أعلى مراتب السلطة، على ذلك بالبحث عن مسالك القوة الخارقـة(24). ففي الواقع، يرغب كبار السياسيين والعسكريين في أن تنخرط بلادهم في الخيار النووي بالمفهوم الواسع. ويؤيدهم في ذلك غالبية الشعب، حسب استطلاعات الرأي.

والهند ترى أنه من غير المنطقي أن تلجأ الدول المصنعة للأسلحة النووية إلى الحفاظ على ترسانتها فيمـا تطلب من الآخرين عدم اللجوء إلى تسليح أنفسهـم بالمقدار الذي ذهبت إليه. وهي تسمي ذلك التمييز العنصري النووي أو "الابارتييد النووي". وهذا الموقف أذكته أنديرا غاندي التي رفضت الاستعمار الجديد للهند، التي تمتلك حالياً 25 قنبلة نووية.

حتى على صعيد البحرية، تمتلك الهند حاملتي طائرات، الكيكرانت والفيرات (Virat - Kikrant)، وقد أنهت خدمات الأولى في 31 كانون الثاني 1997 بعد خدمة 36 سنة. وتحاول شراء حاملة طائرات روسية هي الأميرال غورشكوف (Gorshkov). والهند خاضت ثلاث حروب مع باكستان في الأعوام 1947 و1965 و1971 وحربـاً مع الصين عام 1962. وخلال هذه الحروب الأربعة، لعبت البحرية دوراً مهماً، خاصة عام 1971 عندما شوشت بشكل كامل على الاتصالات البحرية الباكستانية. وما زالت البحرية تلعب هذا الدور المهم في السياسة الخارجيـة لأن 97 بالمئة من التجارة الهندية توجه بطريق البحر الذي تمتد شواطئها عليه مسافة 7500 كيلومتر، فيما تجاورها لجهة البر ثلاث دول معادية هي الصين والهند وبنغلادش. وهي تحاول أن تبقى قوة بحرية بارزة في المحيط الهندي بهدف حماية مصالحها، حسب الناطق الرسمي باسم الخارجية الهندية. كما تحاول القيام بتغطية بحرية لجوارها المباشر وصولاً إلى آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا والصين وشبه الجزيرة العربية(24)

ومن إنجازات السياسة الخارجية، وعلى الصعيد العالمي، ما تزال الهند تتابع طريقها الخاص مرتكزة على مبدأ عدم الانحياز الذي خطه نهرو وعلى صداقتها الدائمة مع روسيا وعلى موازنة الجبار الصيني في جنوب الشرق الآسيوي. وستتبع هذه السياسـة خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، كما يبدو في مخططاتها الحالية. وهي ما زالت تُسمِع صوتها في الأوساط الدولية وتطالب بالدخول إلى نادي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. كما تشكل سدس البشرية مما يعطيها أهمية قصوى على صعيد الاستثمارات الخارجية الاقتصادية(25)

وضمن الإطار نفسه، بدأت الهنـد منذ عام 1996 بالتخطيط لزرع الثقة بينها وبين الصين مما يحفظ الهدوء والسلام على الحدود. وهي بذلك تنظر بمنظار الدولـة العظمى التي تستعمل معايير جيوستراتيجية في علاقاتها الدولية بدلاً من المعايير العاطفية والسياسية والاقتصادية.

وبالفعل، وقَّعت الحكومتان الصينية والهندية، بتاريخ 29 تشرين الثاني 1996 بالأحرف الأولى، اتفاقاً لحفظ قواتهما على الحدود المشتركة، على ألا يلجأ أي منهما إلى القوة ضد الآخر، وذلك للحد من إمكانات الصراع المسلح بينهمـا. وأفادت وكالة "برست تراست" الهندية أن البلدين قررا حفظ مستويات التسلح في المنطقة الحدودية، وتجنب إجراء مناورات عسكرية كبيرة، ومكافحـة تجارة المخدرات عبر الحدود وإقامة خطوط ملاحية مباشرة بينهما. كما وقّع الرئيس الصيني زيمين، خلال زيارته للهند في تشرين الثاني 1996، اتفاقات ثلاثة حول المواضيع المذكورة أعلاه، بهدف زرع الثقـة بينهما(26)

وإثر توقيع الاتفاقات، صرح الناطق الرسمي باسم الخارجية الصينية أن بلاده لن تزوِّد مستقبلاً باكستان، الخصم الأكبر للهند، تكنولوجيا نووية أو أسلحة نووية(27). بالمقابل، يرى مسؤولون هنود أن توقيع اتفاق اقتصادي مع الصين، وخفض عدد القوات على امتداد الحدود معها، ودفع التجارة والاستثمار يمكن أن تساعد في تحسين العلاقات معها.

وضمن الإطار الخارجي نفسه، قامت ملكة بريطانيا إليزابيت الثانية منذ الخامس عشر من تشرين الأول 1997 زيارة للهند تهدف إلى المحافظة على العلاقات الجيدة معها(28). كما شهدت الهند محادثات أجراها مساعد وزير الخارجيـة الأميركي للشؤون السياسية توماس بيكر ينغ تمهيداً لزيارة الرئيس كلينتون والوزيرة أولبرايت لهـا في مطلع العام 1998 وذلك لإجراء محادثات موسعة لبدء بحوار ستراتيجي مباشر مع الهند(29)

حتى في الشرق الأوسط، أبدت الهند رأيها الخاص الذي ينطلق من مفهومها للقوة الكبرى وللدور العالمي الذي تريد أن تلعبـه. فخلال زيارة الرئيس الإسرائيلي عام 1996، طلب منه وزير الخارجيـة الهندية أندير جوجرال أن يسعى لتحسين علاقة بلاده مع الدول العربية المجاورة. وجاء هذا الموقف بعد أن أبدت الهند مخاوف بشأن تعثر محادثات السلام في الشرق الأوسط. كما تركزت زيارة وايزمن على اكثر من 100 مشروع مشترك بين البلدين، معظمها في الميادين الزراعية والثقافية.



هـ - الهند أمام المشكلات

اعترضت الهند في مسيرتها الستراتيجية والاقتصادية والسياسية صعوبات حاول المسؤولون معالجتها. كما سينصب اهتمام الإدارة الهندية في العقود المقبلـة على متابعة الجهود لتأمين تغذية سكانـها، لا سيما مع تقلص نسبة وفاة الأطفال وتحسن مستوى المعيشة. أما جهودها لتحديد النسل فتعترضها صعوبات عدة بسبب الإيمان الديني والتقاليد المحلية والجهل بوسائل منع الحمل. يضاف إلى ذلك أن من عادات المجتمعات الزراعية كمجتمع الهند، الإكثار من الأبناء الذين يشاركون في سن مبكر بالنشاطات الزراعية. يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد الهندي ينمو بشكل أبطأ منه في الصين، مما يزيد من مشكلة الزيادة السكانية غير المترافقة مع النمو الاقتصادي.

وضمن التدابير للحد من النسل، أجريت عمليات تعقيم إلزامية في عهد سنجاي غاندي، الابن الأصغر لانديرا، رغم المعارضة المتزايدة لها. كما سجلت اقتراحات بمنع الرجال الذين يتزوجون قبل سن الـ21 سنة، والنساء اللواتي يتزوجن قبـل الثامنة عشر، من الحصول على وظائف في القطاع العام، وعدم منح ترقية لكل شخص لديه أكثر من طفلين.

وهكذا يعيش نصف عدد سكان الهند في فقر مدقع، خاصة وأن مواردهم هي زراعية فقط، ليس بالإمكان بالوسائل البدائية المستعملة تأمين حد لائق من الحياة للعائلات الكبيرة(30). وينعكس هذا الوضع سلباً على اقتصاد البلاد، رغم "الثورة الخضراء" الزراعيـة التي بدأت منذ الستينات وعززت بشكل كبير إنتاج المحاصيل لاسيما الأرز والقمح(31)

ومع تصاعد مخاوف عجز محاصيل الحبوب في آسيا المترافق مع الزيادة السكانية، خاصة في الهند، أكد مسؤول في "معهد أبحاث المحاصيل الزراعية" في أواخر عام 1996 أن "نمو إنتاج الغذاء في الهند منذ سبع سنوات لم يكن مشجعاً(32)، وحذر من أن زيادة سكان البلاد بنحو 100 مليون نسمة في خمسة أعوام، دون أن يتزامن ذلك مع ارتفاع في إنتاج الغذاء، قد يدفع نحو مجاعـة كبرى.

إن عدد السكان الضخم في الهند، كان من الممكن أن يؤمن مصدراً للغنى وللأهمية الدولية. لكن ذلك يفرض أن يوفر المجتمع لهم تعليماً أفضل وتشجيعاً للتقدم وطرقاً جيدة للمبادرة الفردية وروح الاكتفاء. وما يظهر مدى تخلف بعض العناصر المكونة للمجتمع الهندي على الصعيد الثقافي والحضاري، ما أوردته وكالات الأنباء من أن هندياً في الرابعـة والعشرين من عمره انتحر في 14 تشرين الثاني 1996 احتجاجاً على إقامـة مسابقـة ملكة جمال العالم خلال السنة نفسها في الهند.

كما أثارت هذه الانتخابات موجة من الاحتجاجات لدى منظمات تحرير المرأة والقوميين الهندوس(33)

ومن المعروف أن عدد المتعلميـن من الرجال في الهند لا يتجاوز 50 بالمئة، فيما تبلغ النسبة لدى النساء 20 بالمئة فقط(34)

ومع محاولات الهند تحويل اقتصادها نحو الصناعة، تساءل بعض المحللين الاقتصاديين عن جدوى تحول بلـد كالهند يمتلك نحو نصف مليار فلاح إلى التصنيـع؟ فهل يمكن للهند بناء عالـم تنافسي مع أوروبا عالي التكنولوجيا، لا سيما مع العدد الكبير من العمال غير المهرة لديها؟.

ويعكس هذا التساؤل صعوبة إلحاق الهند بالبلدان المتطورة التي تحولت من الاقتصاد الزراعي إلى الصناعي منذ 150 عاماً كأوروبا الغربية مثلاً(34)

ويترافق مع النمو الاقتصادي في الهند أضرار بيئيـة مهمة، إنْ لجهة المناخ وتلوث الهواء وخسارة سطح التربة وملايين الهكتارات من الأرض الزراعية والأحراج وتلوث آلاف الأميال من الأنهـار بالمواد السامة الكيميائية والصناعية وتدمير مناطق واسعة من الصيد البحري. فبسبب النمو السكـاني، فقدت المنطقة المحيطة بنيو دلهي 60 بالمئة من غاباتها خلال العقدين الأخيرين لاستعمال الأشجار في أغراض الطبخ والتدفئـة. كما أشار أحد التقارير إلى أن الفقر واستمرار القضاء على الغابات والأثر السلبي للتنمية الاقتصادية، وصلت بالتلوث البيئي إلى نسبة عالية خطرة(35)

ويقول التقرير إنه، من أصل 304 ملايين هيكتار التي تتشكل منها البلاد، يخضع 60 بالمئة للتدهور الإيكولوجي. ويعيش حوالى 80 بالمئة من السكان في ظروف معيشية متدنية. وجميع الأنهار الأربعة عشر، بما فيها نهر الغانج، والتي توفر 85 بالمئة من مياه الشرب، ملوثة، مما يضاعف الأمراض. ويعتبر منظم التقرير أن ما نسبته 80 بالمئة من المرضى في المستشفيات هم ضحايا التلوث البيئي(35)

سياسياً، لا تؤمن الهند، خلافاً لجاراتها الإقليمية، بالنظام العالمي الجديد، بل تتوقع أن يكون عالم المستقبل كالماضي تماماً(36). كما أن المواجهة المستمرة مع باكستان حول كشمير، والقلق من سياسات الصين على الحدود المشتركة، تبقيان الهند في وضع سياسي وعسكري غير مستقر. فخطر الاشتباكات شبه الدائم بين الهند وكلا من باكستان والصين، يدفـع البلاد للاحتفاظ بجيش ضخم، إضافة إلى عدد كبير من الطائرات والقدرات البحرية والنووية، مع ما يلحق ذلك من علماء ومهندسين ومعاهد بحث وتطوير ومصانع عسكرية مما يؤثر على تنمية الاقتصاد الوطني(37)

أما الوضع الداخلي للهند فهو لا يساعدها على التطور اقتصادياً وصناعياً. فهي لا تتمتع بالوحدة الوطنية الجاهزة لمواجهة التحديات العالمية الحديثة في ظل الفئوية الداخليـة والتوترات الإقليمية. ففي الهند 25 هوية عرقية مميزة، ونظام طائفي تراتبي، وفروقات كبيرة في الدخل بين الفقراء والطبقة المتوسطة. هذا علاوة على وجود أحزاب سياسية ماركسيـة منتشرة، وأقلية ناشطة من طائفة السيخ المعارضة، إلى جانب أغلبية هندوسية ساحقة.

يضاف إلى ذلك مشكلات داخلية كبيرة، كسرعة تشكل الحكومات الإئتلافية وسرعة سقوطها، والخلافات بين الحكومة المركزية والولايات، والفساد المنظَّم والمحسوبية، والقرارات البيروقراطية الخاطئة، والصراعات الطائفية والعرقية والطبقية التي أدت إلى الفوضى السياسية(38)

ومن المشكلات التي تعترض الهند، عجز الإدارة ومؤسسات البلاد عن التصدي لويلات الطبيعة وللأمراض الاجتماعية بشكل فعلي. ففي كل عام، تنزل بالهند إعصارات قوية وسيول تؤدي إلى وفاة العديد من السكان. وعلى سبيل المثال، نذكر الإعصار القوي الذي اجتاح الساحل جنوب شرقي الهنـد خلال الأسبوع الأول من تشرين الثاني 1996 والذي أودى بحياة أكثر من ألفي شخص، ودمر العديد من المنازل دون أن تتمكن السلطات من التدخل بفاعلية لوقف أضراره التي توَّجها وباء الكوليرا بشكل مخيف مما استدعى تدخلاً على الصعيد العالمي للمساعدة(39)

كما تشكو البلاد من صعوبة السيطرة الميدانية والأمنية، من قبل الحكومة المركزية، على أنحائها لا سيما البعيدة منها عن العاصمة. وهذا ما يشجع حركات الانفصال والصراع المسلح الدموي لأسباب عرقية خاصة، ودينية وقبلية ومحلية أحياناً. ومن المعروف إن منطقة شمال - شرق الهند التي تحدها بنغلادش وبورما، يسودها عدم الاستقرار ويتمركز فيها عدد من الحركـات المتمردة التي تحارب من أجل إقامة كيانات عرقية وقبلية خاصة بها. وقد ازدادت هذه الحركات شراسة منذ عقدين بعد تدفق هندوس بنغاليين إلى المنطقة، مما حوّل قبائلها المحلية إلى أقليات. وقد أدى هذا الوضع إلى وقوع حروب بين السكان، نذكر منها هجوم إنفصاليين ينتمـون إلى حركة "قوة نمور ولاية تريبورا"، في منتصف كانون الأول 1996، على إحدى قرى البنغاليين الهندوس وقتل أكثر من 25 شخصاً كانوا نائمين في ساحة السوق. وقد أدى ذلك إلى إرسال تعزيزات من الجيش الهندي إلى المنطقـة لتهدئة السكان. وجاء هذا الاعتداء بعد هجوم آخر شنـه مسلحون ينتمون إلى شعب "الناجا" في ولاية ناجالاند الشمالية على حافلة ركاب(40).

أما الانتخابات النيابية التي جرت في شهر آذار 1996، فقد سادتها أعمال العنف في الولايات الشمالية حيث واجه عشرات من الساسة المحليين تهماً تتصل بجرائم عنيفـة. وبالفعل، ساد تاريخ الهند، منذ استقلالها، صراع دامٍ قامت به حركات هندوسية للسيطرة في الانتخابات النيابيـة، خاصة وأن هذه الطائفة تتمتع بأغلبية مطلقة في البلاد. وهكذا أقدم متطرفون هندوس عام 1991 على هدم جامع أيوديا ((AYODHYA مما أدى إلى معارك عنيفة داخل مدينة بومباي بين الهندوس والمسلمين(14).



والخلافات بين الهندوس والمسلمين متأصلة في الهند. فعلى سبيل المثال، وفي ولاية ايتار براديش (PRADESH (UTTAR ، التي تعتبر من أهم الولايات والقلب السياسي للبلاد، بدأت أزمة سياسية في أواخر تشرين الأول 1997 أثارها الوطنيون الهندوس من حزب بهاراتيا جاناتا. فقد اتُّهمت الحكومة المحلية بممارسة التمييز الديني ضد مسلمي الولاية، مما أوقع صراعات دينية خلال الانتخابات النيابيـة في الشهر نفسه حيث جرح عدد من الوزراء والنواب. بسبب هذه الأحداث، اتخذت الحكومـة المركزية القرار بإدارة هذه الولاية مباشرة مما هدد أمنها وحريتها(24).

وعلى صعيد الفساد السياسي، افتقدت الهند خلال السنوات العشر الأخيرة نزاهة غاندي ونهرو. فقد أحيل حشد من السياسيين والبيروقراطيين أمام القضاء بتهم الرشاوى. كما أكد العالم السياسي الهندي البارز "بارثا تشتارجي" أن السياسيين في الهند هم أناس وصوليون يديرون المؤسسات الحكومية التي تضم مصالح اقتصادية هائلة(34).

وتشكو الهند من عدم السيطرة التامـة على عمليات دخول البضائع إلى أرضها، مما شجع أعمال التهريب، خاصة تهريب الدولار والذهب التي تعد الهند أكبر دولة مستهلكة له في العالم. فقد قدرت كمية الذهب التي تدخل البلاد سنوياً بطريق التهريب بـ125 طناً من أصل 500 طن من الذهب المستورد، وبغيـة الحد من أعمال التهريب هذه، حررت الهند استيراد الذهب، وسمحت للبنك المركزي ولسبعـة مصارف أخرى وهيئات حكوميـة باستيراده دون إذن خاص. ويعكس إقبال الناس على المعدن الثمين تخوفاً مستمراً من التضخم، أكثر من كونه شعوراً بالثروة(44).

ومن مظاهر التخلف في الهند، التفاوت في المستوى الحضاري داخل المجتمع. فالفقر المدقع يجاور الغنى الفاحش، وتنشيط الثقافة في الجامعات تحيط به الأمية، وممارسـة إجهاض البنات خوفاً من دفع المهر تجاور نشأة ثاني طفل أنبوب في العالم. أما الفيلة فتستعمل في الورش داخل بومباي بدل الآليات الحديثـة، فيما تطلق البلاد الصواريخ عابرات القارات وتنجز القنبلة الذرية(54).

وفي الهند، ما زالت قرون التاريخ، المتباعدة أصلاً، تتجاور. فما برح قسم من الشمال الشرقي للهند يعيش في مرحلة ما قبل التاريخ، وتجتاز أقسام كبيرة من الريف مرحلة القرون الوسطى، وتطبق في المعامل معايير الرأسمالية الصناعية المتوحشة حيث يعمل الأطفال في حين تنتشر وسائل التكنولوجيا والأتمتـة تحضيراً للقرن الحادي والعشرين.



2- المشكلات الخارجية



على الصعيد الخارجي، اعترضت مسيرة الهند مشكلات حدودية مع الدول المجاورة، أبرزها مع باكستان وبنغلادش والتيبت وروسيا. فبين الهنـد وباكستان كثرت خطوط الفصل الحمراء والمعلنة، وشهد إقليم كشمير ثلاث حروب في الأعوام 1948 و1965 و1971. كذلك عادت الاشتبـاكات إلى الإقليم في 14 أيار 1995 بين المسلمين والهندوس، مما أدى إلى إحراق حوالى مئـة منزل ومعبد للهندوس ومقتل العشرات(64). كما أن الحرب قد تندلع مستقبلاً في أيـة لحظة لأن أسباب الخلاف ما زالت قائمة، ولأن كلاً من الدولتين يحاول منذ أكثر من نصف قرن جذب الإقليم إليه رغم تكريس انفصاله عنهما منذ 1972 وتبعية كل جزء منه لأحدهما(74).

واحتمال وقوع الحرب بين الهند وباكستان يثير الخوف لأنهما دخلتـا ميدان التنافس النووي، ممـا دفع بواشنطن لتعليق مساعدتها لاسلام آباد منذ 1990 لإلزامها على الحد من نشاطاتها النووية. بالمقابل، ترى باكستان وجوب إكمال برنامجها لتحقيق التوازن الستراتيجي مع الهند.

وتقطن في كشمير أكثرية 80 بالمئة من المسلمين. وقد أدى الانفجار الطائفي بينهم وبين الهندوس إلى تجاوز حدوده في هملايا إلى مناطق هندية مجاورة كبومباي التي كادت أحداثها الطائفية تهدد كيان البلاد بأكمله، وأدت إلى تبادل التهديدات بالتدخل العسكري في الإقليم بين راجيف بيلوت، مساعـد وزير الأمن الداخلي الهندي، وسردار غسان علي، وزير خارجية باكستان، خلال شهر أيار 1995(84).

والخلاف الحدودي بين البلدين أدى إلى تدخل الصين. ففي أواخر تشرين الثاني عام 1996،وقّع الرئيس الصيني جيانغ زيمين اتفاقـاً عسكرياً مع نيودلهي خلال الزيارة الأولى لمسؤول صيني كبير إلى الهند منذ نصف قرن. وفي الوقت نفسـه، دعا الرئيس الصيني إلى إنهاء الخلاف بين نيو دلهي و إسلام أباد(84).

رغم هذا التدخل، فإن العلاقات مع الجار الأكبر، أي الصين، لم تكن جيدة. فرغم توقيع اتفاق بين الهند والصين لفصل القوات على الحدود البالغة 4000 كيلومتر، ما زال الخلاف مستمراً، ويتواجه الجيشان الهندي والصيني على الحدود في بامير والهملايا حيث نشر كل من البلدين مائة وخمسين ألف جندي.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

مقالات  متخصصة Empty
مُساهمةموضوع: تابع   مقالات  متخصصة Emptyالسبت نوفمبر 17, 2012 6:12 pm

وخلاف الهند مع الصين دفعها إلى رفض توقيع معاهدة المنع الكامل للتجارب النووية، وذلك تخوفاً من الصين التي تعتبر إحدى الدول الآسيوية النووية التي تفرقها مع الهند خلافات حدوديـة وعقائدية وسياسية. وبالفعل، عمدت الصين خلال عام 1992 إلى تنفيذ إحدى تجاربها النووية فيما كان يزورها الرئيس الهندي(94). كما ساعدت باكستان، عدوة الهند، للحصول على القدرة النووية وعلى صواريخ باليستيا نموذج م11 (M11) تحمل رؤوساً نووية.

إقليمياً، للصين مطامع جغرافية في مناطق كبيرة من أراضي شمال - شرق الهنـد. وهي لا تعترف بخط ماكما هون الذي رسم بموجبـه البريطانيون الحدود بين البلدين في بداية القرن العشرين، وخاصة في جبال الهملايا. فإقليم تاوانغ (TAWANG)، الذي يتبع حالياً للهند، يعتبر تاريخياً من إحدى مناطق التيبت الصينية. وفي عام 1962، هاجمت الصين الهند وأهانت جيشها، وذلك بسبب استقبال نهرو للدالاي لاما. ومنذ ذلك التاريخ، احتفظت ببضعة آلاف الكيلومترات المربعـة من المناطق الهندية تحت احتلالها العسكري، ونصبت مئات الصواريخ الباليستية حاملة الرؤوس النووية (IRBM) على هضبة التيبت(50).

واختلفت الهند مع بنغلادش أيضاً بسبب مياه نهر الغانج الذي يعتبره الهنود مقدساً وحاملاً لحضارة تعود إلى عشرة آلاف سنة، والذي يجمع مياه الهملايا العليا ليصبها في خليج البنغال. فمنذ بداية الخمسينات، قرر نهرو إقامة سد لحفظ مياه النهر وتحويلها إلى الهند وعام 1974، انتهى العمل في السد الذي أطلق عليـه اسم "سد الحوت". ورداً على ذلك، اتهمت داكا الهند بتحويل الميـاه في زمن الجفاف وحرمانها من حقوقها التي تعادل 50 بالمئـة من مجمل منسوب النهر، وبفتحها في زمن الحصاد مما يغرق مناطق واسعـة من البلاد. علاوة على ذلك، زاد الجفاف نسبـة الملوحة في 600 ألف هكتار من أراضي الغابات بسبب صعود مياه البحر في مجرى النهر الفارغ، وراحت نمور البنغال الشهيرة يتضاءل عددها بسبب الجفاف.

أخيراً، ورغم توقيع رئيس وزراء الهند ورئيسة وزراء بنغلادش اتفاقاً، في كانون الأول 1996، لمدة 30 عامـاً لاقتسام النهر مناصفة بين البلدين، فإن العلاقات بينهما لم تبلغ بعد مرحلة التطبيع. كمـا عارض العديد من نواب البنغال الهندي الاتفاق متهمين رئيس الوزراء بعدم الحصول على ما يوازي التنازل الذي حصلت عليه بنغلادش(51).



الخلاصة



كل هذه المشكلات، إضافة إلى المناورات السياسية المتزايدة التي يقوم بها المتطرفون، تساهم في إبقاء الهند أمام مستقبل غير مؤكد لجهة التأثير على الصعيد الدولي مع بداية القرن المقبل.

وتحتاج الهند للمزيد من تشجيع الوسائل الممكنة لتحسين الإنتاج الزراعي، وإلى زيادة التكنولوجيا الصناعية وصولاً إلى الأتمتة أسوة باليابان، مع توفير البنى التحتية الضرورية للصناعة ولإنتاج الغذاء، وإلى خلق المزيد من الوظائف الصناعية لتأمين استيعاب انتقال سكان الريف نحو المدن المزدحمة أصلاً.

عليها محاربة سوء التغذية والمجاعة والتذمر الاجتماعي، وتحسين مستوى التعليم وضبط الزيادة السكانيـة ورفع المستوى الاجتماعي لأعداد المزارعين الهائل في الريف مع زيادة اعتمادهم على التكنولوجيا الزراعية.

عليها ضبط قضيـة تحول مجتمعها أو قسم منه من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، مع كل ما يفرض ذلك من تغيرات ديموغرافية وإنمائية وتنظيمية.

عليها التخفيف من الاعتماد غير الضروري على المؤسسات التكنولوجية الغريبة التي تعمل لتحقيق أرباح عالية، كذلك التخفيف من الاعتماد على المواد الأولية الخارجية لصناعاتها.

عليها تشجيع الطبقـة المتوسطة الكثيرة العدد التي تضمها البلاد، كونها منفتحة على التطور وتمتلك عدداً لا بأس به من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.

عليهـا الاستفادة من علماء الرياضيات والمهندسين والاقتصاديين الذين لديها، خاصة لإتقانهم اللغة الإنكليزية، لغة المال والكومبيوتر والاتصالات والأعمال الدولية، مع العمل على تقليص العقبات البيروقراطية والتشريعية التي تعيق حالياً تطور النظام التجاري الهندي.

وينبغي منع تدمير مناطق الصيد الساحلية بالتلوث، وتنظيف الأنهار، ووقف قطع الغابات، والحفاظ على الحياة البرية وتقييد استخراج المعادن من المناجم.

فالهند هي في سباق بين التزايد السكاني، من جهة، وتأثيره على المكاسب الزراعية والصناعية، من جهة أخرى، مما يقلص التوقعات بزيادة الدخل الحقيقي ويزيد عدم التوازن والإضرار بالسلام الاجتماعي. كما أن هذا التأثير قد يمتد إلى جنوب آسيا وإلى العالم كله بسبب حجم الهند السكاني.

أخيراً، يبدو أن الهند ستلج القرن الحادي والعشرين في وضع صعب رغم محاولاتها للحاق بالعالم المتطور، لا سيما إذا لم يُساعدها الغرب في إيجاد الحلول لمشاكلها.



ثالثاً - باكستان

باكستان، الجمهورية الإسلامية البرلمانية، انفصلت عن أمبراطورية الهند في الرابع عشر من آب 1947 ونالت استقلالها، فانتقل سبعـة ملايين من المسلمين إليها، وتركها بالمقابل عشرة ملايين من الهندوس والسيخ نحو الهند. عاصمتهـا اسلام اباد ومساحتها 803943 كيلومتر مربع مع 5355 كيلومتر من الحدود منها 2380 مع الهند و820 متنازع عليها بين البلدين. بلغ عدد سكانها عام 1996 مائة وأربعة وأربعين مليون ونصف المليون، مع توقعات بلوغه مائة وستة وخمسين مليون نسمة في العام 2000(52).



أ- لمحة تاريخية

في عام 1949، قام نزاع بينها وبين الهنـد حول كشمير تجدد عام 1965، مما أدى إلى وقف المساعدات الأميركيـة عنها. وفي عام 1971، تجددت الحرب مع الهند التي ربحتها، ووقع الاستسلام والهدنة في داكا في السادس عشر من كانون الأول 1971. وفي العشرين منه، استقل الجزء الشرقي من باكستان عنها وشكل دولة بنغلادش، فاعترفت بها بريطانيا مما دفع باكستان إلى الانفصال عن الكومنولث البريطاني في الثلاثين من كانون الثاني عام 1972. وفي السابع من شباط وقع اتفاق "سيلما" مع الهند، كما وقع في نيسان عام 1974 اتفاقـاً مع الهند وبنغلادش اعترفت فيه باكستان بهذه الأخيرة دولة مستقلة، فأعيدت العلاقات الدبلوماسية مع الهند في الرابع عشر من أيار 1974(53).

وفي شهر شباط 1979، قرر محمد ضياء الحق اعتبار الشريعة الإسلامية كدستور أعلى للبلاد، وأعدم بوتو شنقاً في الرابع من نيسان 1979. وفي السادس عشر من شباط 1981، وقعت محاولـة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في كراتشي. وفي الثاني عشر من شباط 1988، انتخبت بنازير بوتو رئيسة الوزراء بعد نجاح حزبها في الانتخابات العامة. وبعد أن أقيلت بسبب الفساد والتعسف والديكتاتورية في الثامن من حزيران 1990، عادت إلى الحكم في التاسع عشر من تشرين الأول 1993.

ومنذ عام 1987، بدأت باكستان بامتلاك القدرة النووية والسلاح النووي، إلا أنها أوقفت جميع تجاربها النووية اعتباراً من الحادي عشر من تشرين الثاني عام 1993.



ب- الاقتصاد

بلغ الناتج الداخلي الصافي لباكستان ثلاثة وخمسين مليار دولار عام 1995، فيما وصل الناتج الوطني الصافي إلى أربعماية وثلاثين دولاراً للشخص الواحد عام 1994. ووصل الدين الخارجي إلى حدود 27.5 مليار دولار خلال العام نفسه مما استوجب مساعدات خارجية بلغت خلال عام 1996 - 1997 ما يقارب 2.4 مليار دولار. وبلغ احتياط البلاد بالعملة الصعبة في أيار 1995، 3 مليار دولار فيما تملك باكستان ممتلكات في الخارج بقيمة 38 مليار دولار(54).

تبلغ مساحات الأراضي الزراعية في البلاد 31290 مليون هكتار ثلثها مروي مع مساحات واسعة للمراعـي (4640 مليون هكتار) وللغابات (3070 مليون هكتار) وللمياه (2522 مليون هكتار). أبرز الزراعات هي قصب السكر(44.4 مليون طن عام 1994) والقمح (15.1 مليون طن) والأرز (5.5 مليون طن) والقطن (5.1مليون طن) والذرة (2.1 مليون طن.(

وهي تتمتع باكتفاء ذاتي غذائي، باستثناء القمح، لا سيما في السنوات الناشفة. مجمل أعداد المواشي بلغ عـام 1994 ما يقارب 112.6 مليون رأس(55) ,مع 250مليون طير وما يقارب 628000 طن من الأسماك سنوياً.

تزاول البلاد زراعة الأفيون التي تبلغ محاصيلها بين 160 و 200 طن سنوياً، أي ما يوازي 2.5 مليار دولار أو 5 بالمئة من الناتج لداخلي الصافي.

وتنتج باكستان الفحم واللينيت بمعدل 3 ملايين طن سنوياً، والبترول بما يقارب 2774000 طن سنوياً مع 11 مليون كاحتياط عام. إنتـاج الغاز يبلغ 17.6 مليون متر مكعب مع احتياطي يبلغ 651 مليار متر مكعب(56).

إنتاج المناجم بلغ عام 1994 - 1995، ما يقارب 9226 مليون طن من الكلس و604 ملايين طن من الجص و925 مليون طن من الملح مع كميات من الأحجار الكريمة والفوسفات والكروم والكبريت.

إنتاج الكهرباء عام 1995، بلغ 48750 ميغاوات، منها 21112 ميغاوات مائية و27056 حرارية و5820 نوويـة. كما تميزت البلاد بصناعات الجلود وخيوط القطن والأرتيزانا من السجاد والمعدات الرياضية.

مجمل الطرق البريـة بلغ عام 1992 نحو 179752 كيلومتراً، فيما امتدت سكة الحديد طوال 12500 كيلومتر.

تجارياً، صدّرت باكستان عام 1994 - 1995 بما يقارب 173.4 مليار روبية خاصة نحو الولايات المتحدة، فيما استوردت بما يعادل 223.7 مليار روبية من الآلات ومعدات النقل والفيول والزيوت والمواد الكيمائية والغذائية.

أما مركزها العالمي في الإنتاج فبلغ عام 1994 الرابع في القطن والسادس في قصب السكر والعاشر في القمح والثاني عشر في الأغنام والثالث عشر في الأرز والسادس عشر في البقريات والثاني والعشرين في الغاز.

وتتمثل مشكلة باكستان الاقتصادية في ارتفاع الدين العام بشقيـه الداخلي والخارجي عام 1996 ليصل إلى 51 مليار دولار، أي ما يوازي 90 بالمئة من الدخل القومي. وتصحيح هذا الوضع يتطلب خفض النفقات التي تذهب بنسبة 26 بالمئة إلى أغراض دفاعية تُعتبر غير قابلة للخفض بسبب الخلاف مع الهند.

ويسعى رئيس الحكومة الجديد نواز شريف لسلوك طريق الخصخصة إلى جانب السعي لاستيفاء ضريبي أجدى ولمحاربـة الفساد. علماً أن الوضع الاقتصادي المتدهور كان من أهم أسباب إقالة حكومة بنازير بوتو في خريف 1996. إلا أن سلطات شريف في الميدان الاقتصادي مقيدة بموافقة كل من رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين الأمنيين(57).



ج- دور باكستان في جنوب شرق آسيا



مع بداية كانون الأول 1996، بدأ الرئيس الصيني زيارة إلى باكستان استغرقت أربعة أيام أكد خلالها أن بلاده ستواصل تعاونها النووي السلمي مع اسلام اباد، متجاهلاً التحذيرات الغربية ومخاوف الهند التي كان قد غادرها لتوه. وهدفت زيارة الرئيس الصيني إلى تبديد مخاوف نيودلهي إزاء علاقات الصين وباكستان، وإلى تأكيد أهمية هذه الأخيرة سياسياً وستراتيجياً، خاصة في الميدان النووي(58).

وتُعتبر باكستان الدولة الثانية في جنوب آسيا من حيث الأهمية النووية بعد الهند. وقد شغل العداء بين الدولتين الجارتين الأوساط الدوليـة خلال النصف الثاني من القرن الحالي(59). إنما، ومع حصول باكستان على القدرة النووية، برز تحول في الوضعين الستراتيجي والعسكري وحتى في الوضع الاقتصادي في المنطقة.

والعلاقات الباكستانية - الهندية مثقلة بثلاث حروب قامت بين البلدين بعد انشطار المستعمرة البريطانية القديمة عام 1947 بينهما. وسبب النزاع الأساسي هو ولايـة كشمير الهندية التي تطالب باكستان بأن يطبق فيها قرار الأمم المتحدة عام 1948 الذي ينص على وجوب تنظيم استفتاء لتقرير المصير(60).

وما يميز الصراع الباكستاني - الهندي، قدرة البلديـن على اللجوء إلى سبل الدفاع النووي إذا انفجر الوضع. ورغم إعلان باكستان مراراً أنهـا لا تريد التسلح النووي في المنطقة، واقتراحها جعل المنطقة خالية من الصواريخ النووية، إلا أنها تعتبر نفسها مضطرة للعمل ببرنامجها النووي، طالما أن الهند لم توقع معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.

ورغم الضغوطات الأميركية لحمل باكستان على الموافقة على المعاهدة وعلى إجراء انتخابات عامـة في كشمير، فإن اسلام اباد تستفيد من خبرات وصادرات الصين في الميـدان النووي، وتعمل على تجميع المواد التي تمكنها من تصنيع قنبلة ذرية، رغم تأكيد سلطاتها عكس ذلك. وكانت واشنطن قد اتهمت بكين بنقل تكنولوجيا نوويـة إلى باكستان، وبتزويد الجيش الباكستاني صواريخ "أم 11" القادرة على حمل رؤوس نووية(61).

وجاءت زيارة أخرى لتظهر مدى أهمية باكستان في التوازنات الإقليمية في آسيا الجنوبية: زيارة ملكة بريطانيا اليزابيت الثانية خلال شهر تشرين الأول 1997 إلى البلاد(62).

وضمن مفهوم الدور الإقليمي، تُعتبر باكستان إحدى الدول الفاعلـة في الحرب الأفغانية. فقد زار اسلام اباد في 17 تشرين الأول 1997 رئيس المجلس الانتقالي لحركة طالبان الأفغانية ملا محمد رباني، تحضيراً للسلام في بلاده. وكان رئيس وزراء باكستان نواز شريف قد زار تركمنستان واجتمع بالرئيس الأفغاني المخلوع برهان الدين رباني، وذلك بهدف إيجـاد حل سياسي وتقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة الأفغانيـة. وتدعم باكستان حركة طالبان التي تمكنت من السيطرة على 75 بالمئة من أفغانستان. لذلك فإن باكستان تريد أن تلعب دور العراب لحل الأزمة الأفغانية المستعصية، وذلك ضمن مفهومها لدورها كإحدى الدول الكبرى والفاعلة في جنوب آسيا، وبصفتها إحدى الجارات الأكثر أهمية لأفغانستان حيث يجري القتال حالياً(63).

وضمن المفهوم نفسه للدولة الكبرى التي خرجت من نظام التبعية ومن مركب النقص النووي، ترغب باكستان في انتهاج سياسة اكثر ليونـة في التعاطي مع الهند بشأن سباق التسلح، كما تريد ترتيب وضعهـا الداخلي بشكل موافق للمصالح الاقتصادية الغربية التي تتجه إلى رصد استثمارات عملاقة لاستغلال ثروات آسيا. وهكذا تتمكن باكستان من استقبال القرن الحادي والعشرين في وضع أفضل من الوضع الذي ستغادر به القرن الحالي.

علاوة على علاقاتها الغربية والإقليمية، ترتبط باكستان بعلاقات اقتصادية جيدة مع أغلب الدول العربية، إضافة إلى عضويتها في منظمة البلدان الإسلامية(64).

وعلى الصعيد الداخلي، تبدو اسلام اباد جادة في ضبط أوضاعها لاسيما الاقتصادية والأمنية ومحاربة الفساد. فعلى الصعيد الاقتصادي، لجأت الحكومة إلى الخصخصة مما قد يعود على الدولة بنحو مليار دولار. وقد تعهد الرئيس الجديد للحكومة، نواز شريف، بسلوك هذا الدرب مع سعيه إلى استيفـاء ضريبي افضل في البلاد، وذلك باعتماد سلسلة من التدابير الضرائبية الطارئـة تمشياً مع إرشادات صندوق النقد الدولي. كما عمد إلى اقتطاع مبلغ 674 مليون دولار من النفقات الحكومية، وخفض قيمة العملة الوطنيـة بنسبة 7.9 بالمئة، مما أدى إلى ترحيب صندوق النقد الدولي الذي تعهد بدعمه مالياً(65).

سياسياً، ساهمت إقالة بنازير بوتو في 5 تشرين الثاني 1996 من قبل رئيس الجمهوريـة فاروق احمد ليغاري، في تعزيز موقع الرئاسة الأولى في النظام البرلماني الباكستاني الذي طُعِّم خلال ولاية الرئيس ضياء الحـق بسمات النظام الرئاسي. وكان رئيس الجمهورية قد سبق وأقال نواز شريف، الرئيس الحالي للحكومة، عام 1993(66).كما عزز الرئيس ليغاري صلاحياته بإقرار تشكيل مجلس الأمن القومي الذي ضمَّ، إضافة إلى وزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمال، رئيس القيادة المشتركـة لهيئة الأركان وقائدي القوات البحرية والجوية. وهذه الخطوة عززت دور القوات المسلحة في باكستان، مما جعلها تقوم بحماية السياسات الاقتصادية للحكومة وتؤمن الاستقرار الاقتصادي، وبالتالي السياسي.

لقد أدى دور الجيش الباكستاني في إقالـة بوتو إلى قلق في الهند من تعاظم دور هذا الجيش في تنظيم الشؤون الداخلية للبلاد، لما له من قيمة عسكرية وتنظيمية وقدرة قتالية كبرى، خاصة وأن سياسة بوتو تجاه الهند كانت توصف بالمعتدلة رغم تصريحاتها العنيفة المؤيدة لثوار كشمير(67).

وبالفعل، يعتبر الجيش الباكستاني من أفضل الجيوش تدريباً وتكنولوجية وعتاداً. وهو يعادل بالقيمة والقدرة الجيش الهندي في منطقة جنوب آسيا. فخلال الانتخابات العامة التي جرت في الثالث من شباط 1997، جندت باكستان نحو 600 ألف جندي لمنـع أعمال العنف ولوقف أعمال الجماعات المتناحرة والمتطرفة.

وفي المجال الجوي، أعلنت الهند في 20 كانون الثاني 1997 أنها أسقطت فوق أراضيها طائرة باكستانيـَّة دون طيار انتهكت مجالها الجوي. ونقلت وكالـة الأنباء عن خبراء عسكريين هنود قولهم إن الحادث يظهر مدى حاجة الهند إلى تطوير قدراتها العسكرية وامتلاك أجهزة دفاعية أفضل لمواجهة التكنولوجيا الباكستانية(68).

أمنياً، وبعد تكاثر أعمال العنف خلال السنوات الثلاث الماضية، قررت حكومة نواز شريف التعامل مع هذه المشكلة بجدية من خلال إجراءات إداريـة وعسكريـة مركزة. فقد أعلن شريف أن شن حرب على الإرهاب والعنف السياسي سيكون من ضمن أولوياتـه. كما طردت حكومته عدداً من الأشخاص معظمهم من أصل أفغاني كانت لهم علاقـة بتأهيل وتدريب وتسليح عناصر إرهابية تعمل في دول أخرى مصدرة للإرهاب إليها. وتعمل باكستان حالـياً، ضمن فكرة التعاون الإقليمي مع تزايد الجهود التي تبذلها الصين وكزاخستان وروسيا وجورجيا، لتجميع مواردها من أجل التغلب على عناصر الإرهاب، وذلك بهدف جعل منطقة جنوب آسيا أفضل أمنياً لاستقبال التوظيفات الاقتصادية العالمية(69).



د- باكستان أمام المشكلات

في الخامس من تشرين الثاني 1996، أقال رئيس باكستان، فاروق ليفاري، بنازير بوتو وحكومتها للمرة الثانية بتهم الفساد وسوء الإدارة من قبلها ومن قبل زوجها عاصف زرداري، وقد عبرت غالبية الرأي العام عن ارتياحها لهذا القرار(70).

لكن هذه الحكومة ليست المسؤولة الوحيدة عن الفساد، فقد تناوب على حكم باكستان، منذ الاستقلال، العسكريون والمدنيون وكان أسلوب الحكم من الجهتين متشابهاً لجهة سوء الإدارة وضخامة حجم البيروقراطية فيها(71). فقد أهملت الحكومة قضايا مهمـة بالنسبة للمجتمع الباكستاني، كالقضاء على الأمية والحد من زيادة السكان وتحسين مستويات التعليم والاقتصاد وإعادة توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل وتنفيـذ أعمال الإصلاح الزراعي لمنع سيطرة كبار الملاكين. كما استفادت جميع الحكومات من حساب الصالح العام للمصالح الخاصة، وحافظت على نسبة عاليـة من الفساد والهدر مما أدى إلى تصاعد النقمة الشعبية، وبالتالي الارتياح لدى كل تغيير حكومي، كإقالة بوتو مرة جديدة.

اقتصادياً، ساهم الإصلاح الزراعي، الذي بدأ منذ عهد ذي الفقار علي بوتو في تقويـة كبار ملاكي الأراضي. كما أدت حملته التي شملت الصناعات والمصارف، إلى القضاء على طبقة الصناعيين الناشئة دون أن تأتي بالفوائد المتوخاة من الاشتراكية. أما بنازير فقد فرضت ضرائب مبيعات إضافيـة وقعت على عاتق المواطن العادي، فبما استمر الأغنياء من مالكي الأرض بالتهرب من دفع الضرائب.

مالياً، انخفض سعر الروبية بنسبة 35 بالمئة، منها 15 بالمئة في كانون الثاني 1996، كما زاد العجز في الموازنة عن طريق الدعـم الحكومي للاستثمار، خاصة في مجال البضائع التي تعد للتصديـر وبسبب تشجيع رجال الأعمال الأجانب على الاستثمار في البلاد. لقد وصل العجز التجاري إلى 2.9 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 1996، بعدما كان 1.63 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق(72).

أمنياً، استمدت الأزمة الاقتصادية قسماً من تصاعدها من حدة العنف في كراتشي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث سقط أكثر من ألفي قتيل. وقامـت قوى الأمن والجيش بحملات تفتيش وتدمير متواصلة في أنحاء المدينة احتجزت خلالها آلاف المواطنين خلال النصف الثاني من العام 1996. كما أطلقت الحكومـة يد الشرطة ووحدات المليشيا للتعذيب وقتل المئات من المحتجزين. وقد قُتل مرتضى بوتو، شقيق بنازير بوتو، الذي اعتُبـر المعارض لها والوحيد الباقي على قيد الحياة من العائلة. وأشارت أصابع الاتهام عن مقتله إلى جهاز الحكومة(73).

أما العنف الطائفي فهو يشكل مشكلة أمنية واجتماعية أخرى، خاصة الصراع بين السنة والشيعة الذين يشكل عددهم نسبة 19 بالمئة من سكان باكستان. لقد بات هذا الصراع الطائفي يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي كونـه حصد أرواح 15 ألف شخص منذ عام 1979، من خلال الاغتيالات المتبادلة والتي ارتفعـت وتيرتها عام 1996، إذ سقط 170 قتيلاً من الجهتين. وتتداخل مع العنف الطائفي العلاقات مع الدول المجاورة، خاصة إيران و أفغانستان.

وقد أمسى العنف خلال السنوات الثلاث الماضية، من أبرز عناوين الحياة اليومية الباكستانيـة، إذ لا يكاد يمر يوم دون أخبار عن الصراع الدائر بين الجماعات المتطرفة التي تحارب بعضها البعض من أجل فرض النفوذ، خاصـة في البنجاب. وبدأ العنف الذي أصاب البلاد وكأنه انعكاس للصراع الأفغانـي الدائر منذ الثمانينـات، حيث تلقى عشرات الآلاف من المجاهدين التدريب والتسلح في مناطق باكستانيـة بهدف إقامة نظام كابول المدعوم سوفياتياً آنذاك(74).

وارتدى العنف مظاهر أخرى، منها مذهبية ومنها نشاطات جماعات المخدرات المنظمة في أنحاء غرب ووسط آسيا، وأخيراً أعمال بعض الجماعات ذات العلاقة بحركة "مهاجر قومي" في كراتشي التي تستهدف معارضيها السياسيين والعرقيين. وفي شمال وغرب الأقاليم الحدودية مع الهند، يحتفظ كبار الإقطاعيين بجماعات مسلحة كجيوش خاصة بهم، رغم إجراءات الرئيس شريف الحالية للحد من العنف السياسي في البلاد(75).

وفي مسلسلات الصراع على النفوذ، نذكر أن هذا الصراع قائم أيضاً بين العلمانية والأصولية. فقد أُعلنت باكستان عام 1956 دولة إسلامية. إنما، وفي عام 1958، حصل انقلاب عسكري بقيادة ايوب خان، فنسف دستور الدولة الإسلامية بهدف الحد من تأثير رجال الدين الذين استطاعوا عام 1963 إجبار الجمعيـة الوطنيـة على إعادة دستور 1956 الديني. وفي عام 1969، شكل ايوب خان حكومة عسكرية. وفي عام 1972، انحاز بوتو إلى العلمانية رغم دعم الأحزاب الدينية لـه. وفي عام 1979، دعا ضياء الحق إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فعارضتـه منظمات حقوق الإنسان بسبب التضييق على الحريات، إضافة إلى قيام صراع بين السنة والشيعة.

ومع وصول بنازير بوتو إلى الحكم، اعترض ألفا عالم دين ارتقاء امرأة إلى درجـة رئاسة الوزارة ودعوتها إلى اشتراكية ملحدة(76).وما زال الصراع قائماً بين هذين التيارين والعقليتين، العقلية الغربية العلمانية، والعقلية الإسلامية الدينية، لذلك ما زالت الحالة الأمنية متدهورة، بعد خمسين عاماً من الاستقلال، الأمر الذي يُعبِّر عنه أفضل تعبيـر منظر الجنود المسلحين الذين يحرسون المساجد كي لا يتعرض المؤمنون للعنف، وربما للاغتيال.

والمثال الصارخ عن الحالة الأمنية هذه جاء من لاهور في شرق باكستان، حيث وقع، في 18 كانون الثاني 1997، حادث اعتداء أسفر عن مقتل 26 شخصاً منهم زعيم "فرسان الصحابـة"، ضياء الحق فاروقي و 19 عنصراً من الشرطة. وقالت الشرطة أن محرم علي الشيعي العضو في "الحركة الجعفرية الباكستانية"، أقر بوضع قنبلة شديدة الإنفجار وبتفجيرها لحظة نقل الشرطة اثنين من الأصوليين السنة من السجن إلى المحكمة بتهمة قتل عدد من زعماء حزب شيعي منافس(77).

ورداً على ذلك، أضرم نحو 800 ناشط سني النار في اليوم التالي في المركز الثقافي الإيراني في عاصمة البنجاب مما أدى إلى احتجاج إيران على هذا العمل(78).

خارجياً، تتمثل المشكلة الباكستانية الكبرى بالعلاقات المتدهورة مع الهند حول كشمير والتي تهـدد باندلاع حرب جديدة بينهما، خاصة بعد مناوشات الحدود في كانون الثانـي 1996. وفيما تطالب باكستان بمنح سكان كشمير حق تقرير المصير، تعتبرها الهند جزءاً منهـا. وآخر التحركات تنظيم الأحزاب السياسية في كشمير الباكستانيـة في 24 تشرين الأول 1997 سلسلة بشرية من خمسة آلاف شخص امتدت نحو 50 كيلومتراً، تعبيراً عن التضامن مع سكان كشمير الهندية، بمناسبة الذكرى الخمسين لقيام كشمير الباكستانية(79).

وفي ميدان العلاقات الخارجية، وبعد المتغيرات الجديدة في السياسة الخارجية الأميركية إثر انتهاء الحرب الباردة، تقلص دور باكستان في إطار الستراتيجية الأميركية، فيما تجتاز العلاقات بين واشنطن واسلام اباد مرحلة جمود وتراجع في الأهمية. فقد رفضت واشنطن تزويد باكستان بالطائرات الحربية الحديثة، وعارضت برنامجها للتسلح النووي، واحتجت على المساعدات التي تقدمهـا الصين في هذا المضمار. كما أدرجت الولايات المتحدة، منذ عام 1992، كلا من الصين وباكستان مؤقتـاً في القائمة السوداء، بسبب مساهمة بكين بدعم برنامج التصنيع النووي الباكستاني بتكنولوجيا تدخل في تصنيع الصواريخ الباكستانية(80).

من جهة أخرى، اعترضت الولايات المتحدة على القوانين التي أصدرها البرلمان الباكستاني بشأن التجديف في حق الإسلام، واعتبرتها تشجيعاً على التعصب الديني، مطالبة بإلغائها وبالتضييق على "حركة الأنصار الكشميرية" المسلحة التي وضعتها الإدارة على لائحة المنظمات الإرهابية(81).



الخلاصة

تُعتبر باكستان من دول جنوب آسيا التي يمكنها لعب دور بارز، ليس فقط في منطقتها، إنما أيضاً في التوازنات الدولية المستقبلية. وما يؤهلها لهذا الدور، حجمها وعدد سكانها وإمكاناتها العسكرية وخاصـة النووية وموازنتها للهند ستراتيجياً وسياسياً. فقد استقطبت باكستان الاهتمام العالمي من خلال زيارات رؤساء الدول الكبرى إليها، ومحاولات هذه الدول الدخول إلى الأسواق الاستهلاكية للبلاد. ويمكن لباكستان أن تلعب دوراً أيضاً في ميدان علاقاتها مع الدول العربية الصديقة، والدول الإسلامية التي ترتبط معها اقتصادياً وسياسياً نظراً لعضويتها البارزة في منظمة البلدان الإسلامية.

وتحاول باكستان ضبط ساحتها الداخلية، اقتصادياً وأمنياً وحياتياً، كما أنها لجأت إلى الخصخصة في بعض الميادين لتخفيف الأعباء عن الدولة المركزية في زمن الصعوبات الاقتصادية العالمية. كما انصاعت إلى إرشادات صندوق النقد الدولي مما أهلها تلقي المساعدات والقروض الدولية.

ويبقى أمام باكستان طريق طويل لضبط ساحتها الداخلية وتعزيز اقتصادها وتسلّم الدور الذي يليق بحجمها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

عليها تطبيع علاقاتها مع الدول الكبرى في آسيا، لا سيما جارتها الهند، وإنهاء الخلاف حول كشمير الذي يهدد بحرب رابعة بين البلدين. وعليها إعادة دورها الستراتيجي في الميزان الأميركي إلى ما كان عليه قبل انتهاء الحرب الباردة.

وعليها دعم اقتصادها الزراعي، وإنهاء سيطرة كبار ملاكي الأرض، وتعزيز الطبقة الصناعية الناشئة، وتعزيز عملتها وإنهاء العجز في موازنتها.

عليها إنهاء العنف المتصاعد في البلاد، ولا سيما العنف الطائفي والقبلي، ومنع انعكاس النزاع الأفغاني على الأمن داخل المناطق المحاذية لأفغانستان. وعليها منع الاغتيالات السياسية، وإنهاء الصراع بين العقليـة العلمانية والعقلية الدينية الذي ما زال يسود البلاد، وذلك بهدف استقبال القرن الحادي والعشرين بشعب موحد ومجتمع متجانس وقدرة عسكرية توحي بالاحترام وبعلاقات خارجية نشيطة، خاصة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا.



رابعاً -النمور الآسيوية

منذ ثلاثين عاماً، اعتُبرت منطقة آسيا الجنوب شرقية من أكثر المناطق ازدهاراً في العالم بشهادة البنك وصندوق النقد الدوليين.

دول المنطقة تلك، التي شُبِّهت في الميدان الاقتصادي، بالنمور أو التنينات هي: تايلاندا، أندونيسيا، الفيليبين، سنغافورة وهونغ كونغ التي انتقلت مؤخراً إلى السيطرة الصينية(82).

واعتُبرت هذه الدول النموذج الأمثل للتطور الاقتصادي الحديث في العالم، وذلك عن طريق الانفتاح بلا حدود على العالم الخارجي. ولم يتوقف الرأسماليون المقيمون في هذه البلدان عن زيادة حصصهم في السوق، من خلال تنشيط التصديـر بفضل يد عاملـة وافرة وأسواق جيدة وتدخّل الحكومات الإيجابي وتعميم المساعدات العامة، وذلك رغم الفساد السياسي الذي لم يوفر أعلى المناصب في الدولة، ورغم الوسائل الديكتاتوريـة الممارسة في الحكم والتي قضت على أية معارضة نقابية. وذهبت أندونيسيا إلى أبعد من ذلك، فهي تحكمها ديكتاتوريـة وصلت إلى الحكم عام 1965 بعد مجزرة ذهب ضحيتها خمسون ألف محارب يساري.

لقد تشابكت اقتصادات بلدان النمور الآسيوية في النظام العالمي مع ازدهار المؤسسات المتعددة الجنسيات، وعرفت فترة من أهم فترات الازدهار في التاريخ بين 1960 و1996 رغم التباين بينهما. إذ أنَّ هونغ كونغ وسنغافورة، على سبيل المثال، تميزتا بالمداخيل الفردية المرتفعة.



أ- إنجازات النمور

تتمتع بلدان النمور بفائض تجاري هام جداً، فقد ظهرت زيادة حصة تصدير السلع والخدمات في الإنتاج من إجمالي الناتج القومي جلية في هونغ كونغ (أكثر من 39 بالمئة) وسنغافورة ( 97 بالمئة) (83). وأدهشت النمور العالم بمدى التقدم الاقتصادي السريع، إذ حققت معجزة اقتصاديـة حقيقية جعلتها على أبواب تخطي الدول الصناعية وذلك خلال بضعـة عقود فقط. وقد نـما اقتصادها خلال العقود الثلاثة الأخيرة بمعدل سنوي يزيد عن 8 بالمئة، وراحت تستوعب، منذ بداية الثمانينات، 25 بالمئة من الاستثمارات الأجنبيـة العالمية المباشرة، مما جعلها تشكل محركاً اقتصادياً عالمياً، فيما كانت الدول الأوروبية والأميركية الشمالية تعاني من الركود في المناطق الصناعية.

ففي عام 1980، كان 15 بالمئة من الصادرات العالمية ينطلق من آسيا الشرقية، ووصلت هذه النسبـة إلى 23 بالمئة عام 1994. لكن النمو الاقتصادي الذي بلغ 9 بالمئة عام 1995، تراجع إلى 7 بالمئة عام 1996 بسبب زيادة الإنتاج الصناعي، كما ظهر بعض العجز في ميزان مدفوعات بعض الدول مثل ماليزيا و تايلاندا، دون أن يعني ذلك تراجعها لأن معدلات النمـو تبقى أكبر مما هي عليه في الدول الصناعية الكبرى(84).

علاوة على ذلك، أتقنت دول النمور، بشكل عام، تطبيق قواعد النمو، وخاصة النسبـة العالية من الادخار والرسوم والنفقات الضعيفة، وسوق العمل المرنة، والالتزام القوي بالتنشئة التربويـة والانفتاح على التجارة والتكنولوجيا الأجنبية. وهذا التطور مرشح للاستمرار، ربما بنسبة أقل من السنوات الماضية(85).

هذا الوضع الاقتصادي المزدهر للنمو بدأ بالتراجع، لا سيما منذ بدايـة عام 1997، بعد أن تعثر نمو صادرات تلك الدول مما دق أجراس الإنذار في المكاتب الحكومية ومجالس إدارة الشركات من سيول حتى كوالالامبور(86).

وتساءل المشككون في "المعجزة الآسيوية" عما إذا كانت القوة التصديرية الهائلة للنمور قد فقدت تفوقها النسبي. أمـا الاقتصاديون الآسيويون، فيرون أن النمور ما زالوا يشكلون قوة تنافسية في أسواق العالم، وأن الصادرات تراجعت بسبب عوامل دورية. ويرى بعض المحللين أن نسبة النمو الاقتصادي التي حققتها هذه الدول في بداية التسعينات لا يمكن لها أن تستمر في المدى القصير، خاصة مع تصاعد الرواتب وتراجع الصادرات وانخفاض أسعار العملات وتضعضع البورصات والضغوط الشديدة التي تتعرض لها سوق الأوراق المالية(87).

ويكفي، لإعطاء صورة عن مدى تأثر الاقتصاد العالـمي بالوضع الاقتصادي في شرق وجنوب شرق آسيا، أن نذكر أزمة بورصة هونغ كونغ التي هزت البورصات العالمية في 23 تشرين الأول 1997، ولا سيما الأوروبيـة منها، وأفقدت بورصة لندن 35 مليار جنيـه سترليني. فقد عم الاضطراب أسواق المال العالمية ابتداء من 20 تشرين الأول 1997 بسبب أزمة الأسهم والعملات في المنطقة، مما أثار مخاوف المستثمرين الدوليين ودفعهم للبحث عن أسواق أكثر أمناً.

وبدأت الاضطرابات مع هبوط حاد في بورصة هونغ كونغ أفقد مؤشرها أكثر من 10 بالمئة من قيمته خلال أربعة أيام. ويعود ذلك إلى مساعي سلطات المدينة للدفاع عن الدولار المحلي واستمرار ارتباطه بالدولار الأميركي، إضافة إلى المخاوف من تنفيذ السلطات الصينية ما وعدت به وهو خفض الأسعار في قطاع العقارات في الجزيرة. وهذا الأمر حتّم صعود أسعار الفائدة إلى ما يتراوح بين 250 و 300 بالمئة(88).

وامتدت الأزمة بسرعة إلى باقي البورصات الآسيوية، ومنها إلى البورصات الأوروبية التي انخفضت مؤشراتها بنسب تتراوح بين 3 و 4 بالمئة في لندن وباريس وفرانكفورت. كما انخفض مؤشر بورصة وول ستريت الأميركيـة بحدة أدت إلى تدخل الرئيس كلينتون لدعمها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بورصة طوكيو.



ب- النمور أمام المشكلات

مع نهاية عام 1997، وخلال بضعة أشهر فقط، تحولت الأنظمة الاقتصادية الآسيويـة من الازدهار إلى التراجع، وراح مديرو الأموال العالميون يعاقبون الحكومات الآسيوية بقسوة بعد أن كانوا يثنون عليها وعلى نشاطاتها في الميدانين المالي والاقتصادي.

والأزمة الآسيوية مماثلة لحال الإرهاق في مصرف يتسابق المستثمرون على سحب ودائعهـم منه. فالقسم الكبير من الذعر الذي ظهر في البورصات هو نوبـة من الجنون المؤقت. ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أن أنظمة النمور يمكنها استيعاب حال الهستيريا هذه بسهولـة نظراً لإمكاناتها التي بنتها خلال سنوات طوال على قواعد ثابتـة وآمنة. كما أن التضخم في هذه البلدان ما يزال منخفضاً، والموازنات تشهد فائضاً، واحتياطات الصرف الأجنبيـة خلال عام 1997 كانت مستقرة، وحتى في حال ازدياد.

لقد اجتمعت عوامل عدة لتفجير الأزمة المالية هذه أبرزها ضعف "النمور" التصديري، وارتفاع كلفـة الأجور، ومنافسة الصين، وانخفاض الطلب على الصادرات ولا سيما الإلكترونية منها. كما بات من الواضح أنـه، إذا رغبت هذه الدول في منافسة الولايات المتحدة، عليها خفض قيمة عملاتها بالنسبة إلى سعر الدولار كي تصبح كلفة الإنتاج لديها أقل، كما عليها تعزيز نقاط القوة في موازناتها وأسواق العمل المرنة والضريبة المنخفضة وإمكانات النمو على المدى الطويل(89).

ويرى بعض الاقتصاديين أن ما تشهده الأسواق المالية في جنوب وشرق آسيا هو مرحلة من الركود يمكن أن يكون مـن الصعب بعدها على اقتصاديات هذه الدول العودة إلى تحقيق معدلات النمو السابقة(90).

كتبت جريدة لوموند الفرنسيـة بتاريخ 30 آب 1997: "بعد سنوات عديدة من النمو السريع، وُضعت ستراتيجية النمور التنموية موضع الاتهام. فقد تبخر بسرعة مدهشة من أسواقها 200 مليار دولار ترافـق مع انـهيار فاحش للعملات. وهذا المبلغ يعادل المدخول السنوي لكل من ماليزيا وسنغافورة والفيليبين مجتمعة."

لقد فقدت بورصـة بانكوك خلال شهر آب، 21 بالمئة من موجوداتها، أي 12.4 مليار دولار، وفقدت أسواق جاكرتا 33 ملياراً، وهبط رصيد بورصة هونغ كونغ بمعدل 13.5 بالمئة، أي 80 مليار دولار. وبلغت التقديرات الأولية لخسارة المستثمرين الأجانب 30 مليار دولار، بينما وصلت خسارة السيكاف (CICAF) الفرنسيـة إلى 100 مليار دولار. أما العملة التايلاندية فخسرت 38 بالمئة من قيمتها، والأندونيسية 21 بالمئة، والماليزية 15 بالمئة. أما الرابحون فكانوا كبار المضاربين الذين قادوا عمليـة المضاربة، وعلى رأسهم مجموعة توتال(91).

والمستفيـد الأكبر من عمليات انهيار البورصات هذه كان عدداً قليلاً من المضاربين المستندين إلى صناديق المضاربات الأميركية (HEDGE FUNDS)، قادوا حملة بيع السندات والأسهم الوهمية التي ليست في حوزتهم. فالأمركة في النظام العالمي الجديد لن تسمح لغيرها من الشركات، التي خلقتها هي بالذات، بأن تنافسها بعد الآن.

علاوة على ذلك، قام عدد كبير من المصارف والمؤسسات المحلية بالمضاربـة على عملات بلدانها، كما راحت أسواق المال الغربية تهتز بسبب ما أصاب أسواق المال في جنوب وشرق آسيا.

وما يخاف منه النمور هو أن يكون ما حصل حتى الآن ليس سوى بداية لما سيحدث مستقبلاً على الصعيد المالي والاقتصادي والذي قد يكون أشد ضراوة. فالازدهار الاقتصادي الذي كوّن قوة هذه البلدان، إن هو سوى سلاح ذي حدين، من الممكن أن يتحول ضدها لا سيما أمام المضاربات الخارجية، وخاصة الأميركية واليابانية منها.



مشكلات أخرى

ليست الصعوبات الاقتصادية التي تجتاح النمور الآسيويـة هي مشاكلها الوحيدة. فقد تعرضت تلك البلدان لهزات سياسية واجتماعية وأمنية نذكرها بإيجاز.

فسياسياً، ما زالت حكومات النمور غافلة عن الحاجات الديموقراطيـة التي لا بد أن تظهر لدى مواطنيهـا مع تقدم مستوياتهم الاقتصادية. فهي تعتبر أن هذه الحاجات ليست صفة كونية بمقدار ما هي منبثقة من الثقافات الغربية. لذلك يساور قادة هذه الدول قلق من احتمال تخلي الأجيال المقبلة، التي لم تختبر الجهود التي بذلها الآباء، عن التقاليد الموروثة والانضباطية الإنتاجية، لتتعرض للآفات الاجتماعيـة التي تضرب المجتمعات الغربية الليبيراليَّة.

وتواجه النمور تحد سياسي متمثل بضرورة تطوير أنظمتها السياسية لجهة جعلها أكثر انسجاماً مع تطلعات أجيالها الشابـة. وعلى الحكام الآسيويين أن يتذكروا أن حكماً أكثر قابلية للانفتاح على الشعب وللمحاسبة والمشاركة، سيأتي عاجلاً أم آجلاً كنتيجة للنمو الاقتصادي ولانفتاح الأسواق.

كتب آخر حاكم لهونغ كونغ، كريس باتن، في الإيكونوميست أن "البعض من زعماء آسيا يبدو قليل الثقة بأن مجموعاتهم قادرة على أن تكون عند مستوى مستلزمات النجاح الاقتصادي من غير فقدان هويتها"(92).

والانتخابات الأخيرة التي حصلت في سنغافورة كانت موضع تحفظ عالمي شديد بسبب الضغوط الواضحـة التي مارسها الحزب والحكومة لمنع الناخبين من تأييد المعارضة. واستدعى ذلك انتقاد الولايات المتحدة مبادرة "حزب عمل الشعب" بإنذار الدوائر التي سوف يفوز فيها معارضون بأنـها ستكون آخر من يستفيد من المشاريع الحكومية. أما كبير الوزراء، فإنه لم يتراجع عن تحفظه حيال مبدأ المساواة بين الناخبين، ويرى ضرورة التخلي عن مبدأ الاعتراف بصوت واحد لكل ناخب، وهو مبدأ موروث عن البريطانيين(93). بالمقابل، وبغياب المعارضة، قامت الحكومة خلال السنوات الأخيرة بتعيين ستة مواطنين، ذوي وجهات نظر مستقلة وغير حزبية، للمشاركة في المناقشات البرلمانية كمعارضة(94).

وفي تايلاندا، سادت البلاد أزمة سياسية حكومية، فنزل في تشرين الأول 1997 إلى الشوارع آلاف المتظاهرين المطالبين باستقالة رئيس الحكومة، شافالي بونفنشايوده، الذي يرأسها منذ الانتخابات المبكرة في تشرين الثاني 1996. فقد فقدت الحكومة الكثير من مصداقيتها بسبب فشلها في إدارة الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى استقالة وزير المالية الذي كان مصرفياً سابقاً محترماً من أوساط رجال الأعمال. و سبب الاستقالة كان إلغاء رئيس الحكومة قراراً كان قد اتخذ برفع سعر المحروقات لتغطية

عجز الموازنة المتراكم منذ 1992، معتبراً أن هذا الإلغاء اتخذ لأسباب سياسية وليس اقتصادية(95).

وبالفعل، استقال الرئيس وعين مكانه الجنرال شوان ليكسباي، زعيم الحزب الديموقراطي المعارض، الذي وعد بإصدار دستور جديد للبلاد. إلا أن الائتلافات الحكومية فشلت في معالجة الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ عام 1992، فراحت الحكومات تسقط الواحدة تلو الأخرى. ومنذ 10 تشرين الثاني 1997، انعكست عودة الجنرال ليكسباي إلى رئاسة الوزارة بشكل إيجابي، مالياً وسياسياً، إنما إلى متى؟

وفي أندونيسيا، لجأ الرئيس احمد سوهارتو إلى دعم القوات المسلحـة للسيطرة على حرائق الغابات الهائلة التي التهمت مساحات شاسعة من البلاد خلال أسابيع، وتسببت بتلوث بيئوي، وأدت إلى كوارث جوية وبحريـة أوقعت مئات القتلى. وألقت الدول المجاورة اللوم على أندونيسيا التي عجزت عن السيطرة على حرائـق الأشجار التي دمرت نحو 1.88 مليون فدان من الغابات، مما أثر على صحة أكثر من 20 مليون مواطن(96).

وامتدت الأزمة الأندونيسية إلى العملة الوطنية التي فقدت 50 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، خلال عام 1997. وأبرزت الأزمة المالية انتشار الفساد في الميدان الاقتصادي، وعدم الكفاءة، ومحاباة الأقارب وغطرسة السلطة، علاوة على سوء الإدارة وارتفاع معدل البطالة وانخفاض المحاصيل بسبب الجفاف وارتفاع أسعار السلع. وقوبلت الأزمة بالتجاهل على صعيد الدولة، مما شجع على إشاعة ا الاضطرابات. كما حمّل البعض المسؤوليـة للرئيس سوهارتو الذي ما زال يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود ونصف. كما وجهت "الجماعـة المحمدية"، وهي منظمة اجتماعية تضم 20 مليون عضو، انتقادات لسوهارتو لأن ثقة الشعب بالحكومة تبددت خلال أسوأ أزمة عرفتها البلاد(97).

وفي ماليزيا، أعلنت السلطات عن تنفيذ إجراءات اقتصادية معقدة تهدف إلى تهدئة مخاوف المستثمرين بشأن اقتصادهـا، ومنهـا تقليص معدل النمو الاقتصادي إلى أدنى مستوياته منذ عشر سنوات، وخفض عجزها الكبير في ميزان المعاملات الجارية. وأكدت وزارة المالية في تقريرها السنوي لعام 1997 أنها ستُبقي على سياستها الماليـة المتشددة للسيطرة على ارتفاع أسعار الأوراق المالية.

وعلى صعيد العملـة، تدهورت عملة ماليزيا وسوق أسهمها في الأشهر الأخيرة عام 1997، مع تخوف المستثمرين من ارتفاع معدل نموها الاقتصادي في أعقاب الأزمة المالية في تايلاندا. وانخفض المؤشر الرئيسي لبورصة كوالالامبور نحو 35 بالمئة خلال عام 1997، وتراجعت عملتها نحو 21 بالمئة أمام الدولار الأميركي مع سحب المستثمرين لأموالهم. وتوقعت وزارة الماليـة أن تغادر رؤوس اموال قصيرة المدى قيمتها نحو 13.9 مليار "رينجيت" البلاد مع بداية عام 1998(98).

سياسياً،بدأت تظهر تباشير مشكلة في سماء ماليزيا، تتمثل بسوء العلاقة بين رئيس الوزراء مهاتير محمد ونائبه انور ابراهيم الذي راح نجمه يتألق تمهيداً للحلول مكان مهاتير. وهذا ما دفع بالرئيس إلى الدخول في مشادات إعلامية مباشرة مع الصحافة الأجنبية التي أخذت تشيد بابراهيم(99).

ومهاتير، الذي يحكم ماليزيا منذ 1981 ويعتبر مؤسس البلاد الحديثة، يرأس حزباً مهيمناً على الحكومة هو حزب "المنظمة الوطنية للماليزيين المتحدين" الذي يتحلق حوله 14 حزباً في جبهة وطنية. لكن مهاتير حوّل النظام إلى نظام ملكي دستوري انتخابي لأن ملك ماليزيا يُنتخب لمدة 5 سنوات، وهو بالضرورة أحد سلاطين الولايات التسع. لقد عمل النظام الجديد على خلق طبقـة بورجوازية قوية تملك 6 شركات ضخمة تتوسع إلى خارج الحدود، وترتبط بحزب المنظمة الوطنية الذي يرأسه مهاتير. والتحدي أمام ماليزيا هو اجتماعي أيضاً، ويرتبط باشراك الفئات الفقيرة في الاستفادة من النمو(100).



الخلاصة

يقول الكاتب البريطاني الشهير بول كندي في كتابه "صعود الأمم وهبوطها" إن "انحطاط الأمبراطوريـات يبدأ عندما لا تعود قادرة على تحمل نفقات توسعها، في وقت يكون التوسع ضرورة للمحافظة على قوتها".

فهل أن النمور الآسيوية بدأت بالتراجع الاقتصادي، في وقت يبدو العالم فيه وحدة مالية واقتصادية؟ وما هي المنطقة أو البلدان التي تندفع في الميدان المالي لتحل مكانها؟ وهل أن النظام العالمي الجديد بدأ حملتـه للحد من طموحات بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا؟

كلها أسئلة قد تلقى أجوبتها خلال السنوات القادمة، وربما الأشهر المقبلة.

فمما لا شك فيه أن النمور التي اعتُبرت النموذج الأمثل في العالم للتطور الاقتصادي الحديث عن طريق الانفتاح الخارجي، قد اهتزت بورصتها وعملاتهـا خلال أشهر قليلة في نهاية عام 1997. وهذا ما دفع إلى التساؤل هل أن ساحتها المالية محصنة فعلاً أمام التطورات الاقتصاديـة والمضاربات التي يمكن أن تقودها الشركات الأميركية الضخمة مثلاً؟

لقد اعتُبر تعثر نمو صادرات النمور منذ بداية عام 1997، بدايـة التراجع الذي هز بلدان جنوب - شرق آسيا وبورصات العالمين الأوروبي والأميركي، منذ تشرين الأول من العام نفسه.

ولمعالجة هذا الوضع، اجتمع نواب وزراء مالية 12 دولة آسيويـة، من بينها الصين واليابان وكبار المسؤولين عن صندوق النقد والبنك الدوليين، في الثامن عشر من تشرين الثاني 1997، واتفق المجتمعون على وضع إطار جديد للتعاون الإقليمي، في محاولة لإنهاء حال الفوضى الماليـة في آسيا التي بدأت تؤثر على الاقتصاد العالمي. وهكذا دخلت العمولة الاقتصادية إلى داخل اقتصاديات دول جنوب - شرق آسيا، رغم معارضة الغرب ذلك، خشيـة أن تفقد هذه الدول الحافز لإصلاح أنظمتها إذا أدركت أن بإمكانها الحصول على المساعدات الخارجية.

إنما، من الظاهر أن الدول المتقدمة قد تتابع ضغوطاتها الاقتصادية ومضارباتها المالية، بهدف السيطرة على أسواق ومقدرات الدول النامية، وأبرزها دول النمور الآسيوية. ف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مقالات متخصصة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ***********مكتبة المنتدى************ :: قسم خاص بالمقالات السياسية العامة-
انتقل الى:  
1