المجتمع المدني بين الدولة والمجتمع
وجدت المجتمعات العربيـة والإسـلامية نفسها - بعد موجـة الاسـتعمار الحديثة - أمام نمط من العيش والعمران والتنظيم والعلاقات والتواصل المخالف لأنماط حياتها ولقواعد تنظيمها ولأسـس عيشـها وعمرانها ولطبيعة علاقـاتها ووشـائجها العاطفية ولطرق تواصلها المباشـرة التلقائية ولنمطية جماعاتها الحميمية ولتاريخية مجتمعاتها الدينية·
هذا النمط الحياتي المفروض عليها عنوة من قبل القوى الاسـتعمارية المسيطرة كنسـق عيـش وتربية وحيـاة واقعية وعملية تواجه به مشكلات الحياة وتصنع به الواقع والمستقبل فرضته عليها كبديل مرجعي نظري وعملي لقيادة وحكـم الفـرد والمجتمع تحت مختلف الشعارات والعناوين البراقة تـــارة تحت راية عصبة الأمم وتارة تحت راية هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها وتـارة تحت رايـة دخـــول الألفية الثالثة وفتوحات العولمة·(1)
وسـرعـان مـا دلـف هذا النمط الحياتي والمعيـشي الواقعي من قاموس الدراسـات الغربية - ضمن موجة التبعيــة الشـاملة للغرب في العصر الحديث - إلى قـاموس اللغة العربية كمصطلح معجمي يترجم حالـــة من العمران والعيش البشري التي وصل إليها الفرد والمجتمع الغربي بعد سلسـلة من التطورات والتفاعلات والتناقضات المختلفة التي شهدها الغرب المسيحي في القرون الثلاثة الماضية·(2)
وصار المثقف العربي والإسلامي يجـد نفسـه إزاء هذا المصطلح مأسـورا ومقيدا بمستويين معرفيين أحدهما نظري معجمي ومعرفي بحت موزع بين شـتى القواميس والمعاجم المختلفة من حيث التأسيس والتنظير والصياغة وتحديـد المفهوم التصوري· وثانيهما واقعي معيشي يوّلد في مخياله صورا عديدة ومفاهيم مختلفة من حيث الممارسة الواقعية والتاريخية والأفقية·
وترتب عليه أن أصبح المثقف العربي والإسلامي يجـد نفسـه - دائما وبحكم داء التبعية والقابلية - إزاء معضلات حتمية فوقيــة مفروضة عليه لم يتسبب في خلقها أو في صناعتها· إحداها مفاهيمية ومعرفية نظرية ومصطلحية وأخرى واقعية معيشـية تتطلب منه الإحـاطة والمراقبـة والمتابعـة والنظـر والسـيطرة· ولعلها أكثر وضوحا هنا عجـزه عن تحديـد مصطلح المجتمع المدني وضبط مفهومه الدقيـــق في ظل حالات استيراد المفاهيم الوضعية أو القبول بحتمية المصطلحات الوافدة·
وقد وجـد المثقف العربي والإسـلامي نفسه أمـام أربعة مسـتويـات مختلفة اثنان منها معرفيان نظريـان واثنــان منها واقعيـان عمليان ولب المشكلة يكمن في اعتماده التعريف الغربي المستنتج من واقع التناقضات الغربية، أم التعريف الذاتي المستنتج من واقع التجربة العربية الهجينة بين الخصوصيات العربية والمستورد الغربي وأيهما يعتمد في قاموسه المصطلحي· أيعتمد التجربة الواقعية الغربية بســائر مشمولاتها ومكوناتها أم التجربة الواقعية العربية الهجينة التي ستؤول به إلى تعريف آخر مغاير·
وبعد مواجهة المعضلـة المزدوجـة المعرفيـة والواقعيـة - التي تخبط فيها المثقف العربي والإسلامي ومازال يتخبط فيها - تستوقفنا حالـة من الضبابية حول تاريـخ ونشـأة مصطلح (المجتمع المدني) والتي تستدعي منا قراءة تـــاريخية لنشأة المجتمع المدني عند ُمنشئيه من الغربيين علّ الصورة تتضح ويبين من ورائها المصطلح والواقع معا·
> التطور والمصطلح في الغرب: ولتوضيح هـذه الحقبة التاريخية تذهب دراسـة (لومباردو) حــول تطور المدينة الأوربية الحديثة التي قسمها إلى ثلاثة مراحل تاريخية كبرى هي: (مرحلة المدينة قبل التطور الصناعي الحديـــث ومرحلــة المـدن الصناعية الحديثـة وأخيـرا مرحلـة - الميتروبوليتان - وهي المدينة الكبيرة التي تضم مجموعة من المدن وتديرها وتسيطر عليها)·(3)
1 - مرحلة المدينة ما قبل الصناعية: وهي مدن أسـاسها المحكمة أو الكاتدرائية أو الحصن أو السوق أو الميناء أو هذه الظواهر مجتمعة·
2 - مرحلة المدن الصناعية: حيث تكثر المصانع والعمال والفنيون وأرباب الصناعة وهي موطن الاقتصاد الرأسمالي·
3 - مرحلة المتروبوليتان المدينة الأم: وهي مدينـة تتميز بالاتساع الصناعي وازدياد الغنى فيها وانتشار نفوذها خارج نطاقها·(4)
وانطلقت الدراسـات حول تطور المدينة الأوربية من الإضافات التقنية والتجميلية التي عرفتها المدن الصناعية والتي رآها الكثير من الدارسـين أنها هي المحرك الجديد لتحريك همم ســـكان المدن فقد أدى اهتمام الناس بتزيين المـدن والشوارع والاهتمام بالموسيقا وتكويـن المرافق والنوادي الاجتماعية والثقافية والفكرية والتربوية والعلمية إلى إبراز سلوكات وعلاقات جديدة وراقية في التعامل الموقــر مع الآخرين ضمن واقع تواصلات الحياة اليومية وقد تجلت في هذه المدن مفاهيم وقيم سامية في التعامل·
على العكس تماما من تاريخية تأسيـس المدن اليونانية والرومانية والغالية القديمة كإسبرطة وأثينا وروما والقسطنطينية وباريس فقد ساهم الدين بشكل رئيسي وفعال في ظهور المدن اليونانية والرومانية في القرون الوسطى إذ كان الديـن يشـكل عمـاد حياة المدن آنذاك·(5)
وفي عهد النهضة الأوربية الحديثة ظهر مفهوم (المدنيــــة -CIVILIZATION ) الأمر الذي أدى إلى تراجع الديــن المسيحي والكنيسة معا عن التأثير في صناعة مشاهد الحياة والمعيشة لسكان القارة الأوربية بعد أن كانـا يشكلان المحور الرئيس لكل أحداث ووقائع حياة الأفراد والمجتمعات· وعلى إثر هذا التراجع اخترعت المدن لنفسها ديـنــــا جديدا أو نظرية جديدة حلت محل الديـــن وعندئذ برز مفهوم (المدينــة) وقام مقام الدين وصار (المجتمع المدنـي) موازيا وبديلا (للمجتمع الديني) وصار (التراث المدني) بديلا من (التراث الديني) وكانت هذه بدايات ترســيخ البنية الفلسفية للمدينة في الفكر الغربي ومن أهم ملامح تلك المرحلة:
1- إشعال فتيل الصراع مع كل قديم ومع العصر الوسيط والدين والكنيسة·
2 - العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة·
3 - التحرر الكامل من سلطة الكنيسة وتوجيهاتها·
وعليه فالمدنيـة الأوربية وليدة المدينة تثبيتا للفلسفة المادية الغربية التي تنطلق من الواقع لتغيير المثال وليس المثال لتغير الواقع·(6)
والملاحظ على الأسرة في المدنية الأوربية أنها لم تضطلع بأي دور بارز ومؤثر في صناعة وتكوين مؤسسات المجتمع المدني لأن الأسرة في الغرب المسيحي والوثني - حسب وضعيتها الدينية والاجتماعية -لا تدخل ضمن مؤسسات المجتمع المدني لأنها في عرف الكنيسة الكاثوليكية لها حرية بدايـة واستئناف الحياة الزوجية وبعدها ُتسحب منها حريـة الافتراق بعد الطلاق وعندها تفقد شـرط الحريـة الذي هــو مقوم رئيسي لعضويتها ضمن مؤسسات المجتمع المدني فلا ُتعد بعده من ضمن مؤسسات المجتمع المدني· بل إن العلمانية الغربية شنت على نظام الأســرة حملة شـعواء أدت إلى تشتيتها وتفتيتها·(7)
فضلا عن إلغائها من قاموس الحياة الواقعية والمعرفية مع دخـول الألفية الثالثة وحكم العالـم بنظام العولمة واعتماد نظام زواج المثلين المؤسـس بقوانيــن صادرة عن بعض البرلمانات الأوربية·
> المجتمع المدني - التطور والمصطلح في الإسلام: أما نشــأة المدينة في الإسلام فيعود لعوامل مغايرة لما هو عليه في القيم والفلسفة الغربية فهي نتيجة المدنية الإسلامية لأن المدينة الإسلامية مظهر من مظاهر تجسـيد تعاليم الوحي في الواقع وذلك من خلال ترسيم دعائــــم المدينة الإسلامية في (المدينة المنورة) حيث أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائــم المدنية الإسلامية في المدينة المنورة كما نقلته المصادر التاريخية والدينية الإسلامية·
فالمدينة في الإسلام مظهر من مظاهـر الوحي والتوجيهات الإسلامية المتمثلة في الاجتماع اليومي والأسبوعي لـ (الصلوات الخمس وصلاة الجمعة) والاجتماع السنوي لـ (صلاة العيدين والحج والعمرة) والسلوك القويم لـ(الصيام والزكاة والصدقة والذكر الفردي والجماعي) والاجتماعات الدورية والطارئـــة لحل المشكلات والحفاظ على تماسك المجتمع الإسلامي كـ (رد الهجمـــــات الغـــزو مكافحة الأزمـات المختلفة وتكوين مجموعات العسس والشرطة والحسبة وبيت مال المسلمين وتدوين الدواوين) والسكن في المدينة وعدم الرجوع إلى البداوة· (
وفي الوقت الذي أدت المدينة إلى نشأة المدنية في أوربا في العصر الحديث فإن المدنية في الإســلام هي التي أدت إلى نشـأة المدينة لأن الأمة الإسـلامية أمة موحدة ولأن المسلمين مجتمع واحـد مصداقا لقوله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}(الأنبياء: 92){وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنــــا ربكم فاتقون}(المؤمنون: 52) ولأن المسلمين أمروا بطاعة ربهم ونبيهم وأولي الأمــر منهم {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(النساء: 59) ولأن المسلمين أمروا بإقامة العدل والنظام فيما بينهم عن طريق مؤسسات الدولة لقوله تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعـــدل }(النساء: 58) ولأن المسـلمين أمـروا بتأسيـس مؤسـسات المجتمع المدني مصداقا لقوله تعالى: {ولتكن منكم أمـــة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }(آل عمران: 104)· فهذه الآيات الكريمات وغيرها من الأخبار الصحاح تدل على مؤسسة المجتمع وعلى مؤسسة الدولة وعلى مؤسسة المجتمع المدني·(9)
وعليه فالمجتمع المدني في الغرب يختلف مفهومـه ومصطلحه عنه في المنظومة الفكريةالإسلامية· لأن أوربـا بعد نهاية العصور الوسطى وبداية العصر الحديث أبعدت سلطة الكنيسة والملكية ولاسيما بعد الثورات المختلفة وعلى رأســها الثورة الفرنسية وحاولت بعد فض وتقويض دعائم تحالف السلطتين الزمنية والدينية القديـــم إلى طرح مفهوم فلسفي عن (المدنيــة) مبررة محاولتها تلك بمبررات عقلانية وتاريخية· فلم يكن ثمة وجود لمؤسسات المجتمع المدني في عهد سلطة الكنيسة الكاثوليكية في أوربا ولكن بعد الثورة عليها نشأت مؤسسات المجتمع المدني من رحـــــــم العلمانية التي ناهضت الكنيسة وناصبتها العداء·(10)
في الوقت الذي كانت الممالك الإسلامية تتمتع بوجود مؤسسات المجتمع المدني التي لها سيطرتها على المجتمع من جهة وعلى مراقبة الدولة من جهة ثانية والحاكم المسلم كان مقيدا ومحدود الصلاحية نظريا وعمليا على العكـس من ملوك النصارى الذين كانوا مطلقي الأيدي في مؤسسات الدولة وفي السيطرة على المجتمع·(11)
وفي الوقت الذي تغيب فيه الأسـرة عن مؤسـسات المجتمع المدنـــي في الغرب لاعتبار نـزع حريـة الافتراق منها بالطلاق فإن الأسـرة في الإسلام لها الحرية الكاملة في التأسيس والتكوين ولها الحرية في الافتراق بعد الطلاق ولذلك فإن الإسـلام اهتم بالأسرة وأولاها العناية الكافية إذ احتلت مسـاحة بارزة من تشـــريعاته وأخذت حيزا ثابتا في الكتاب والسنة حيث يعدها ركنـا مهما وأساسيا في مؤسـسات الدولة والمجتمع والمجتمع المدني·
وقد أساء بعض العلمانيين العرب - كعادتهم في الإساءة إلى كل ما هو جميل في حضارتنا العربية الإسلامية - مفهوم المجتمع المدني عندما فهموه بأنه:
1 - المدنية تأتي بمعنى السلام مقابلا للعسكرتارية·
2 - المدنية تأتي بمعنى التحضر مقابلا للبداوة·
3 - المدنية تأتي بمعنى العلمانية مقابلا للدين·
4 - المدنية تأتي بمعنى الحياد مقابلا للسياسي· (12)
وعليه فتعريف المجتمع المدني هو مجموعة من المنظومات السياسية والاجتماعية والمهنية والجماهيرية التي تعمل بين الدولة والمجتمع وتعمل لتحويل دقائق الأمور في المجتمع إلى الدولة بأسلوب سلمي·
دون نسيان تعريف المجتمع من المنظور القرآني بأنه هو التجمع التلقائي للأفراد في الحيز الجغرافي ضمن السياق التاريخي المحكوم بالنظام واللغة والدين والشعور الجمعي المشترك الآني والمستقبلي·
وقد عرفه الدكتور محمد التومي بقوله: (ما تكوّن من أفــراد يؤلفون كيانا اجتماعيا وصلات اجتماعية يحددها العرف وترسخها العادات وقوانين مرسومة وأنظمة متبعة وسلطة تسير الشؤون العامة وفوق ذلك كله شعور بالانتماء إلى هيئة واحدة وعقيــــدة يشترك الجميع في احترامها بحيث يتحركون وينطلقون ويحبسون حسب إشاراتها الخضراء ويقفون وفـــق إشـاراتها الحمراء فإذا ما منيت إشاراتها الضوئية بعطب أسرعوا إلى إصلاحه وإذا ما تعرضت إلى محاولة تعطيل هبــــوا إلى منعها وحمايتها)·(13)
ومن خلال تعريف المجتمع من المنظور القرآنــي نتبين أساس الاختلاف في فضاء نشأة المجتمع المدني في الغرب وتأسـسه المؤسساتي في المجتمعات الإسلامية حيث يتكون المجتمع المسلم من مجموعة من الأفــراد المؤمنين بشـريعة الإسـلام والمطبقين لها والملتزمين بتعاليمها النظرية والعملية الفرديــة والاجتماعية السـرية والعلنيـة بطوعية وتلقائية وتفاعل روحي ووجداني فردي وجمعي متميز في ظل عقيدة وشريعة يحترمها ويخضع لها الجميع ويدأبون على تقديس مقدسها وتبجيل موروثها التراثي والسعي على تطويرها بكافة آليات الإبداع والتجديد والاجتهاد·
مواظبين على منهج الدعــوة والتربية والتوجيه المستمر بالإضافة إلى استمرار آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللازمتين لاستمرار وصحة المجتمع الإسلامي وصلاحه إذ عملية الإصلاح فيه تضطلع بها كل الفئات الحية في المجتمع وهي غير مقصورة على مؤسسات المجتمع المدني كما في الغرب فهو مجتمع متميز بمؤسساته وبآلياته التواصلية الأفقية والعمودية·
أما تعريف الدولة فهي: المؤسسات والدوائر التي تديـــر السلطة والسلطة في أفضل تمظهراتها ووجودها يختارها المجتمع بانتخاب حر لمدة معينة ومحدودة·
أما مفهوم الدولة في الإسلام فقد تحدث القرآن الكريم عنها بمصطلحات مترادفة ومتميزة فهي الحكومة والسلطة والدولة معبرا عنهـا في العديد من المواضع القرآنية بـ (ولاية الأمر، الحكم، الخلافة، الإمامة، الشورى، التمكين في الأرض الملك)· كما استعمل القرآن أيضا مصطلح (ســاداتنا، كبراءنا، الطاغوت) تعبيرا عن السلطة الجائرة· فيما استخدمت السنة النبوية المطهرة في عهد قيـام الدولــة المسلمة في المدينة المنورة مصطلحات (الإمارة الولاية السياسة السلطان)·
وتقوم الدولة في الإسلام على العناصر الآتية:
1 - الأمة المسلمة ومواطنيها من غير المسلمين·
2 - القانون: الكتاب والسنة وسائر مصادر التشريع المعتمدة·
3 - السلطة: الخليفة أو رئيس الجمهورية·
4 - السيادة: روح الحكم وهيبة وقداسـة النيابة عن تطبيق الشريعة نيابة عن الله في الأرض· (14)
وصلاحيات الدولة المسلمة هي ولاية أمر المسلمين وإلزامهم الطاعـة في المنشط والمكره وحفظ الجماعة وتماسكها وردع الفتن الداخلية وحمايـة الحــدود الخارجية والحفاظ على تطبيق شرع الله ومقاصده ودرء المفاسد وحفظ مصالح الأمة·
ويمكن إجمال صلاحياتها فيمايلي:
1 - تطبيق شرع الله الوارد في الكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد·
2 - إصدار القوانين والتعليمات اللازمة لحفظ المصالح وتنفيذ الأحكام الشرعية كقوانين المرور والصحة والبيئة والمياه والكهرباء والغاز والنقل والتربية والتعليم والنوازل·
3 - صلاحية انتزاع الملكية الفردية والجماعية للمصلحة العامة ولو بالإكراه وبالرضى والتعويض الشرعيين على الرغم من صيانته لحق الملكية وقداستها·
4 - صلاحية القضاء وإنفاذ العدل لإحقاق الحق وإبطال الباطل·
5 - صلاحية فرض الضرائب الإضافية للضرورات وللحاجات الماسة·
6 - تمثيل الأمة والنيابة عنها في عقد الاتفاقات والعهود والمواثيق·
7 - الوكالة عن الأمة في إدارة أموالها وممتلكاتها·
8 - إعلان الجهاد للدفاع عن الأرض والمبادىء وقبول الهدنة وإلزام الأمة بذلك· (15)
وبناء على ما سبق فالمجتمع المدني يقع بين هامـش المساحة الممدودة بين الدولة والمجتمع· ومن هنا تتضح لنا الصورة بين الأبعـاد الثلاثة (الدولة المجتمع المجتمع المدني) فالدولة هي السلطة التي تحكم· أما المجتمع المدني فهــــو مجموعة من المنظمات والمؤسسات التي تقع خارج الدولة وهي منفصلة عنها· فهي التي تهيء للأفراد مســاحة ملائمة لممارسـة نشاطاتهم فتسارع لتفعيل التغيرات التي تحدث داخل المجتمع· ولها دور إيجابي في تعجيل وتيرة التقــدم الاجتماعي والثقافي والسياسي و·· بواسطة تنشيط دور أعضاء المجتمع الفاعل وتنظيمهم في إطار المنظمات والمؤسسات الطوعية المستقلة عن طريق رفـع المستوى الثقافي والتحرك السليم لتحقيق الأهداف والغايات·
> تعريف المجتمع المدني: ويُعرف المجتمع المدني بأنــــه: (المجتمع الذي يقوم على المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعددة)·(16)
والمجتمع المدني في الفكر الغربي الرأسمالي يقوم على أبعاد أساسية هي:
1 - في المجال الاقتصادي يعتمد على حرية السوق·
2 - في المجال السياسي يقوم على أساس استمداد السلطة من إرادة الشعب·
3 - وفي المجال الاجتماعي والقانوني يقـوم على مفهوم المواطنة الذي يحدده القانون الذي يضعه المجتمع· (17)
ويعرف آخرون المجتمع المدني بأنه: (المجتمع الذي يتلاشى فيه دور السلطة إلى المستوى الذي يتقدم فيه دور المجتمع على دور الدولة)· وهو أيضا: (مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العــام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيـــم ومعاييـــر الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع الخلاق)· (18)
وهو أيضا: (ميــدان وحيـز يتكون من فعالية أناس يتمتعون بحرية الانتخاب ويمارســون هذه الحريـة في إطـار القانون والقواعــد العامة وبشكل مستقل عن إرادة وقرار السلطة السياسية أو الحاكم )(19)·
ويتحدث جون لوك عن المجتمع المدني فيقول: (وهكذا فحيث يؤلف عدد من الناس جماعة واحدة ويتخلى كل منهم عن سـلطة تنفيذ السنة الطبيعية التي تخصه ويتنازل عنها المجتمع ينشـأ عندنا حينذاك فقط مجتمع سياسي أو مدني)(20)·
وعرفه آخرون بأنه: (كل المؤسسات التي تتيــــح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع العامة دون تدخل أو توسـط من الحكومة)(21)·
وهــــو: (النسق السياسـي المتطور الذي تتيح صيرورة تمأسـسه - تمفصله في مؤسـسات - مراقبـة المشـــاركة السياسية)(22)·
> أسس المجتمع المدني: (23)
يتأسـس المجتمع المدني على مجموعة من الأسـس الرئيسة الواجب توفرها في الفرد المنتمي والمؤسسة المنشأة وفي النشاط الممارس وفي البيئة والوســط القانوني والملائم لها وهذه الأسس هي:
1 - الحرية والاستقلالية: يجب ألا تقع مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني تحت سيطرة السلطة وتتحرر من التبعية لها بل لابد أن تكون هذه المنظمات رائدة للمجتمع·
2 - الرغبة والطوعية: يجب أن ينظم أفراد المجتمع المدني الذين تجمعهم مهنة أوهدف أنفسهم في إطار الرغبة والطوعية والتلقائية·
3 - تعميم المؤسسات: يجب أن تكون مؤسسات المجتمع المدني ملكــا للجميع وغير مقصورة على طائفة دون أخرى بحيث يحق للجميع الدخول فيها والانضمام إليها متى ما أرادوا·
4 - التدافع السلمي: يجب أن تدير مؤسسات المجتمع المدني عملية التفعيل الاجتماعية وذلك باستعمال الوسائل والأساليب السلمية للوصول إلى الغايــــات وتحقيق الأهداف دون اللجوء لأي شكل من أشكال العنف أو الإرهاب·
5 - المواطنة: شرط العضوية في مؤسسات المجتمع المدني حق المواطنة لأنه لابـد أن تصب إيجابيات العمل والنشاطات في الصالح العام· وهو شــرط المجتمع الإسلامي في تكوين مؤسسات المجتمع المدني·
6 - الدولة: وجود الدولة ضروري لأنـه دون وجــــود الدولـــــة لا تبقى لمنظمات المجتمع المدني أي أهمية فهذه المؤسـسات والهيئات هي التي ترفــــع مطالب المجتمع للدولة· وهو المفهوم الذي يقره الإسلام للدولة وهي مشتقة من فعل (دال يدول دالت) بمعنى دوران الحكم لأن دوران الحكم بين الناس ســبب للرقي والتقدم {وتلك الأيام نداولها بين الناس}(آل عمران: 140) وتحديد مــدة الحكم مشروط بالعدل مصداقا لقوله تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلاّ وأهلها ظالمون}(القصص: 59). فالعدل شرط أساسي لاستمرار الدولة سواء أكانت دولة مسلمة أم كافرة·
والدولة الإسلامية تنقاد للشريعة على العكس من الدولـة غير المسلمة التي تنقاد للقوانين الوضعية، والشريعة هي مجموعة من الأسس والخطوط العريضة التي تساوي بين كل أفراد المجتمع فالناس في هذا الأمر شرع أي: متساوون· وتطبيق القانون في الدولة الإسلامية جاء لتحقيق نظرة المساواة المعزز بالمكافأة والعقوبــــة الدنيوية أما الأخروية فهي موكولة لله في الآخــــرة على العكـس من المدنية المسيحية في القرون الوسطى التي تجازي في الدنيا على الآخرة· (24)
> الفرق بين الدولة والمجتمع المدني: بين الدولة والمجتمع المدني مجموعة من الفروق الدقيقة يجب التنبيه إليها وهي:
1 - الدولة تسعى للإبقاء على مؤسساتها· أما المجتمع المدني فيسعى جاهدا لتغيير هذه المؤسسات إلى أحسن منها·
2 - الدولة تهتم بتطبيق المراسيم والقوانين والمراسيم والدساتير بحذافيرها· أما المجتمع المدني فهمه الأساسي هو القيم العليا التي صدرت منها هذه القوانين·
3 - الدولة سلطة إدارية على المجتمع· أما المجتمع المدني فله سلطة ثقافية·
4 - الدولة هي صاحبة القرارات والإقدامات الرسمية· أما المجتمع المدني فهو صاحب الإقدامات الشعبية التي تنبع من قلب المجتمع·
5 - الدولة تتكون من مجموعة مؤســسات ذات مصالح متمايزة ومتكاملة· أما المجتمع المدني فهو يتكون من مجموعة منظمات ذات مصالح موحدة·
وفي الوقت الذي كانت فيه الدولــة الثيوقراطية في القرون الوسطى متآمـــرة مع الكنيسة لتعذيب الإنســان وتطبيق العقوبات الأخرويــة عليه في الدنيا لذلك لم تسـمح بوجود مؤسسات المجتمع المدني بينها وبين الناس على العكس من شريعة الإسلام الذي تكون الدولة فيه منحة وهبة ربانية يعطيها للمجتمع المسلم متى توفرت له شروط إقامتها مصداقا لقوله تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقامـوا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر }(الحج: 41).
فالإســلام أعطى مؤسـسات المجتمع المدني الضوء الأخضر لكي تصول وتجول داخل المجتمع لترسيخ الأخلاق الفاضلة والحفاظ على القيم السامية بالأمر بالمعروف اجتثاث الباطل بالنهي عن المنكر·
وللأفراد في المجتمع الإسلامي حق تكوين مؤسسات وهيئات للحفاظ على جنسية المجتمع المتحلي بالأخلاق الفاضلة لأن القيم تنشأ وتنبت من الأدنى إلى الأعلى ولا تفرض على المجتمع من السلطات الرسمية لأن الأمـــر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حـق آحـاد المسلمين دون أمر من السلطان ومن هنا لا يحق للدولة التدخل المباشر في شؤون الأفراد الذين يقومون بالحفاظ على قيم المجتمع عبر آليــة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر·
فشتان بين دولة أذاقت الناس عذاب جهنم في الدنيا وبين دولة أسعدت مواطنيها على اختلاف دياناتهم ومللهم في الدنيا وهيأتهم لسعادة الآخرة· (25)
وعليه فالمجتمع المدني في ظل الدولـة والمجتمع الإسلامي ليس مقصورا على مؤسسات بعينها بل الدولة والأمة همـا المجتمع المدني وليس مفصولا عنهما كما هو الأمر في ظل المجتمعات غير الإسلامية بحيث يحتل مساحة مستقلة وحيادية كما يبينه المخطط·
سلطة وحكومة
موقع مؤسسات المجتمع المدني الغربي الديمقراطي
رجال مال وأعمال
مؤسسات المجتمع المدني
رجال تكنولوجيا وعلم وفك
مســـــرد الإحــــــــــالات
(1) انظر: أحمد عبد الرحمن أحمد العولمة: المفهوم والمظاهر والمسببات مجلة العلوم الاجتماعية الكويت المجلد 26 العدد 1 ربيع 1998م ص 74 ·
(2) نصر محمد عارف الحضارة الثقافة المدنية دراســــة لسيرة المصطلح ودلالـة المفهوم· الدار العالمية للكتاب الإسلامي واشنطن الطبعة الثانية 1415هـ 1995م ص 41 ·
(3) انظر: نصر محمد عارف الحضارة الثقافة المدنية دراســــة لسيرة المصطلح ودلالـة المفهوم ص 35 ·· 41 ·
(4) انظر: نصر محمد عارف الحضارة الثقافة المدنية دراســــة لسيرة المصطلح ودلالـة المفهوم ص 37 و 38 ·
(5) صباح زنكة حقوق الإنسان تطورها ومبادئها وتطبيقاتها مجلة الإسلام اليوم إيسيسكو عدد 12 1415هـ 1994م ص 63 ·
(6) انظر: نصر محمد عارف الحضارة الثقافــة المدنيــــة دراسـة لسيرة المصطلح ودلالـة المفهوم ص 37 و 38 · وانظر: جيفري برون المدنية الأوربية في القرن التاسع عشر 1815-1914م ترجمة: محمد أحمد علي ومراجعة: محمد أنيس مطبعة نهضة مصر الطبعة الأولى القاهرة 1966م· ص 170 ·
(7) مصطفى الخشاب دراسة المجتمع مكتبة الأنجلو مصرية القاهرة الطبعة الأولى 1977م ص 158 و 159 ·
(
انظر: نصر محمد عارف الحضارة الثقافة المدنية دراســــة لسيرة المصطلح ودلالـة المفهوم ص 50 ·
(9) ناوات محمد أمين المجتمع المدنــــي بين الدولـــــــة والمجتمع مجلة المجتمع الكويت عدد 1459 23/ربيع الثاني /1422هـ 14/07/2001م ص 40 و 41 ·
(10) صباح زنكة حقوق الإنسان تطورها ومبادئها وتطبيقاتها مجلة الإسلام اليوم إيسيسكو عدد 12 1415هـ 1994م ص 63 ·
(11) هاينر بيلافيلد المسلمون في دولة القانون العلمانية مجلة المستقبل العربي عدد 273 نوفمبر 2001م ص 64 وص 68 ·
(12) هاينر بيلافيلد المسلمون في دولة القانون العلمانية مجلة المستقبل العربي عدد 273 نوفمبر 2001م ص 68. ومحمد أمين ناوات المجتمع المدني مجلة المجتمع الكويت عدد 1459 ربيع ثاني 1422هـ جويلية 2001م ص 40 ·
(13) محمد التومي المجتمع الإنساني في القرآن الكريم الدار التونسية للنشر تونس الطبعة الأولى 1986م ص 296 ·
(14) محمد تقي الحكيم الأصول العامة للفقه المقارن ص 74 ·
(15) المرجع السابق نفسه ص 77 ·
(16) انظر كريم أبو حلاوة مجلة عالم الفكر عدد 3 يناير ومارس 1999م ص 12 ·
(17) المرجع نفسه ص 12 ·
(18) أماني قنديل مجلة عالم الفكر عدد 3 يناير ومارس 1999م ص 99 ·
(19) جون لوك في الحكم المدني ترجمة: ماجد فخري نقلا عن كمال عبد اللطيف المجلة العربية للعلوم الإنسانية الكويت عدد 55 1999م ص 66 ·
(20) المرجع السابق ص 72 ·
(21) المرجع السابق ص 72 ·
(22) المرجع السابق ص 77 ·
(23) أنطوان مسرة دور مؤسـسات المجتمع المدنـــــــي في مكافحة الفساد مجلة المستقبل العربي عدد 310 ديسمبر 2004م ص 126 و127 ·
(24) محمد علوان مفهوم إسلامي جديد لعلم الاجتماع دار الشروق جدة الطبعة الأولى 1404هـ ص 97 و 100 و 107 ·
(25) لمزيد من التوسع انظر: برهان غليون اغتيال العقل نقد السلفية من الهوية إلى الذاتية مطبعة موفم الجزائر الطبعة الأولى 1999م ص 149 ·