منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
الدولة و شبكات المجتمع المدني Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 الدولة و شبكات المجتمع المدني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الدولة و شبكات المجتمع المدني Empty
مُساهمةموضوع: الدولة و شبكات المجتمع المدني   الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyالسبت مايو 25, 2013 3:36 pm

جامعة 08 ماي 45- قالمة-
كلية الحقوق و العلوم السياسية
قسم العلوم السياسية

مقرر مادة الدولة و شبكات المجتمع المدني
1. مفهوم الدولة:
- تعريف الدولة قانونيا و سياسيا
- التمييز بين :الدولة –الأمة-المجتمع-السلطة-الحكومة
-نشأة الدولة الوطنية
2. ماهية المجتمع المدني:
-نشأته
-المجتمع المدني في الفكر الغربي الحديث(الليبيرالي-الماركسي)
-المجتمع المدني في الفكر العربي الإسلامي
-مفهومه و أهميته
-أركانه و خصائصه
-وظائف المجتمع المدني
3. الدولة و المجتمع المدني في العالم العربي
-السمات المشتركة للنظم العربية
-واقع المجتمع المدني العربي(تنظيماته-مميزاته)
-جدلية العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني العربي
-تحديات المجتمع المدني العربي و سبل تجاوزها
-دور المجتمع المدني العربي في انتفاضات الديمقراطية:قراءة تحليلية
-الدولة و المجتمع المدني في الجزائر
1- مفهوم الدولة:
عرفت معظم المجتمعات أشكالا مختلفة من السلطة أو التنظيم السياسي، الذي كان قائما على استخدام نوع ما من القوة أو القهر على أفراد تلك المجتمعات. إما لأهداف داخلية كإقرار النظام أو لغايات خارجية كالحماية من خطر خارجي. وبهذا المعنى لا توجد جماعة بشرية دون نظام أو سلطة سياسية سواء اتخذت شكلا بسيطا كالقبائل، أم اتخذت أشكالا أكثر تعقيدا كالإمبراطوريات .
وحيثما نجد التنظيم والسلطة، فهناك تتوافر لدينا النواة الأولى للدولة، لذلك يتفق مفكرو وعلماء السياسة على أن الدولة هي الذروة التي تتوج البناء الاجتماعي، وأن طبيعتها التي تنفرد بها تتجلى أساسا في سيادتها على جميع أشكال التجمعات الأخرى داخل إقليمها، والدولة بهذه الطبيعة الخاصة المتفردة تضحى أهم وسائل التنظيم البشري. وبذلك أصبحت موضع دراسة سائر فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية، فهي أهم موضوعات علم الاجتماع والنفس والأخلاق وعلم النفس الاجتماعي باعتبارها "ذروة البناء الاجتماعي" ثم إنها من موضوعات علم التاريخ، يحكي تطورها ويتناول أحوالها ومصائرها وأشكالها في مختلف الأوقات والعصور.
وإذا كان هذا هو شأن الدولة في البناء الاجتماعي، ومبلغ تأثيرها في سائر فروع العلوم الإنسانية، فإنه فيما يخص فرع السياسة، فإن الكثير من المختصين، يرون أن السياسة بمعناها الصحيح هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الدولة. وهذا يعكس اهتماما يعود بجذوره إلى كتاب "السياسة" لأرسطو.
- تعريف الدولة قانونيا و سياسيا
لا يمكن أن نعرف الدولة تعريفا دقيقا، دون أن نتطرق إلى منشأ هذا المصطلح من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، وإلى أهم التطورات التي شهدها عبر التاريخ، لنخلص لاختيار أهم التعريفات التي تخدم موضوع هذه الدراسة.
كلمة الدولة في اللغة العربية اشتقاق من فعل دال يدول دولا أي بمعنى دار أو تبدل أو تغير من حال إلى آخر ودالت الأيام دارت وتحولت عن قوم إلى آخرين. ودال الدهر أي تحول من حال إلى حال.
والدُّولة[بضم الدال] الشيء المتداول، قال تعالى:" َكيْ لا يكونَ دُولةً بين الأغنياء منْكم"[الحشر:07]. أي كي لا يكون الغنى شيئا يداوله الأغنياء فلا يناله أحد من الفقراء، كما جاءت بمعنى الظفر "وتلك الأيامُ نداولها بين النّاس"[آل عمران:140] أي نصرفها بينهم فنجعلها لهؤلاء مرة ولأولئك أخرى.
أما كلمة دولة "State" الإنجليزية فتنحدر من أصل لاتيني وهي مشتقة من" "Stare والتي تعني " أن يقوم" وعلى وجه الخصوص فهي مشتقة من" "Status بمعنى (موقف أووضع أوظرف) ومازلنا نستعمل كلمة Status تقريبا بنفس المعنى الذي تحمله باللاتينية، وفي العادة فإن ""Status تنطبق على شيء ما يكون قد تم تأسيسه، ويدرك على أنه ثابت ودائم في وضعية معينة، كما نجدها في معنى الكلمات الإنجليزية المشتقة مثل" Static" (جامد/ ثابت) أوStable (مستقر) ويوجد تحويل دقيق ومثير للدهشة لهذه الفكرة من مستوى مرجعي عن ما هو شخصي صرف إلى آخر يتمثل في مؤسسات ودور سياسي.
أما في اللغة الفرنسية القديمة، فإن كلمة ""Estat والكلمة المعاصرة Etat تتضمن: مهنة، لقبا، أو موقعا في الحياة، ولا يوجد في الحقيقة تمييز واضح في الفرنسية بين الكلمتين ""Estate و""State ونفس الشيء ينطبق على الإسبانية ""Estado، هذه الفكرة عن الوضعية أو المكانة تشتق أيضا الكلمة الألمانية المرادفة " "Stand أو""Stande في صيغة الجمع والتي نجدها متميزة عن كلمة "Staat" أي الدولة.
ويبقى السؤال المطروح: ما علاقة كل ما سبق بالفكرة المعاصرة عن الدولة؟
يذهب كل من "فريديرك مينيك" F. Meinecke و"أرنست كاسرير" E. Cassirer إلى أن "ميكيافلي" Machiavelliفي كتابه الأمير هو أول صاحب استعمال حديث لكلمة دولة Lastato (state) حاملة معنى السلطة العامة والتي تعمل بشكل منفصل عن الحاكم والمحكوم كليهما وتشكل البؤرة المركزية للسلطة المؤسسة.
غير أن هذا الرأي كان محل انتقاد في السنوات الأخيرة خاصة على يد "ج. هـ. هيكستر" J.H. Hexter والذي قام بعناية فائقة بتحديد وكشف 115 استعمالا لكلمة "lastato" التي وردت في النسخة الإيطالية للأمير، ويرى هيكستر أننا لو تمعنا النظر فيها لتوصلنا إلى خلاصة هي أن "ميكيافيلي" لم يستعمل مصطلح الدولة بالمعنى التشريعي الحديث، وبأن الدولة ""lastato عنده تتعلق بشكل أكثر دقة بالفكرة القروسطية عن "الوضعية" و"الموقف".
ويضيف "Hexter" أن الفكرة الحديثة عن الدولة قد تشكلت بعد "ميكيافيلي" عن طريق ورثة الاتجاه الإنساني الإيطالي المتأخر في فرنسا من أمثال "دوهيلان" Du Haillan "وبودان" Bodin.
وللتوفيق بين الرأيين يمكن القول أن "ميكيافلي" حفز المفكرين السياسيين المتأخرين ليهتموا بطبيعة الدولة. وربما لم يكن" ميكيافيلي" قد أدرك طبيعة الدولة الحديثة ولكن كتاباته الإبداعية ساعدت على توليد أفكار لمفكرين بعده كانت استعمالاتهم الأولى لكلمة دولة - بالمعنى الحديث- في القرن السادس عشر.
وقد ظهرت كلمة " دولة" في الوثائق الرسمية حوالي سنة 1450م. وبعد هذا التاريخ بدأ مصطلح الدولة يستخدم على نطاق واسع من قبل علماء ينتمون إلى تيارات معرفية مختلفة، ولم يحصل الاتفاق بينهم على تعريف موحد لهذا المصطلح، بناء على الاختلاف في الزوايا التي ينظر من خلالها إلى الدولة.
أولا: التعريفات السياسية والقانونية للدولة.
لم يختلف كتاب السياسة وعلماؤها ورجال القانون على تعريف مصطلح، كما اختلفوا على تعريف مصطلح "الدولة" إذ يعطي كل منهم للدولة تعريفا خاصا به، وقلما يتفق اثنان منهم على ما يمكن اعتباره تعريفا مرضيا، ونظرا لهذا التعدد سيقتصر البحث على بعض التعريفات القديمة ومجموعة من التعريفات الحديثة حتى تتضح الرؤية، ونتمكن من إبراز تعريف يكون أكثر شمولية وأقرب إلى المنطق والواقع.
أ- التعريفات القديمة:
عرف" أرسطو" الدولة:" بأنها عبارة عن اتحاد العائلات أوالقرى"، ويذهب إلى أن الدولة أعلى صورة من صور الاجتماع البشري، فدونها لا تكتمل حياة الإنسان، فهي تهيئ البيئة لتحقيق ذات الفرد ونمو شخصيته، ويقرر "أرسطو" أن الدولة والأسرة لا يختلفان في الدرجة وإنما يختلفان في النوع، فالأسرة توجد لإرضاء الحاجات المادية للحياة، أما الدولة فتوجد لإرضاء الحاجات المعنوية والفكرية، وإن فكرة المدينة أو الدولة تسبق بالطبيعة عند" أرسطو" فكرة الأسرة أو الفرد لأن الكل لابد أن يسبق بالضرورة الأجزاء، ومن ثم فإن الدولة سابقة على الفرد.
وعرفها عالم القانون الروماني "شيشرون" بأنها: "مجموعة من المجتمعات الموحدة بواسطة الشعور العام بالحق والمشاركة المشتركة في المزايا".
وما يلاحظ على تعريف "شيشرون" أنه انتقل من اعتبار الأسرة المكون الرئيس للدولة إلى اعتبار الدولة مجموعة من المجتمعات، وهذا التغيير جاء بدافع الرغبة في مسايرة الواقع، إذ لم يعد يقصد بالدولة- في عصره- الدولة- المدينة ولكن الدولة- الإمبراطورية.
وعرف بعض الكتاب الدولة على أنها" نسق يعتمد على القوة" ويعتبر "ميكيافيلي" الكاتب الرائد لهذا الرأي، وإن كثيرا من الكتاب الألمان مثل "تريشتكه" Treitschke يذهبون هذا المذهب. ولا شك أن القوة جزء جوهري في الدولة ولكنها ليست أساسا لها.
ويعد الفرديون الدولة شرا ضروريا، فهم يرون أن كل عمل من أعمال الدولـة نقص من حرية الفرد
ومن ثم فهم يقولون أن الدولة شر مع أنها تصبح ضرورية لما جبل عليه الإنسان من أنانية وجشع، فإذا ما ترك كل فرد لنفسه دون قيد، فإنه قد يسعى لتحقيق مصالحه على حساب الآخرين، وبذلك لن يتوافر السلام والنظام الإجتماعي، وإن "سبنسر" و"بنتام" يأخذون بهذه الوجهة من الرأي.
وخالف المثاليون الفرديين واعتبروا الدولة خيرا ايجابيا، فهي –حسبهم- أصدق الأصدقاء للإنسان حين تكون أداة استكمال وتحرير لنمو شخصيته.
وعرفها "جون بودان" « Jean Bodin » بأنها : "حكومة شرعية مؤلفة من أسر كثيرة وما تملك وسيادة عليها إلى جانب ذلك".
وإنه لملفت للنظر أن يقيم "بودان" الدولة على مجتمع الأسرة الصغيرة وذلك أسـوة بما فعله "أرسطو"
ويؤكد فوق ذلك فكرة السيادة ويجعلها لازمة من لوازم المجتمعات السياسية.
ما يلاحظ على جل هذه التعريفات القديمة للدولة اتفاقها على جعل العائلات أو المجتمع كوحدة للتحليل بدلا من الفرد، الذي لم توليه اهتماما كونه يذوب في الأسرة أو المجتمع، ولا يمكنه التعبير عن إرادته خارج هذين الإطارين التقليديين.
ب- التعريفات الحديثة:
ردًد علماء السياسة والقانون حديثا، العديد من التعريفات لمصطلح الدولة، نختار منها التعريفات الآتية:
01- "الدولة تلك المجموعة من البشر التي تربط بينها روابط معينة، والمنظمة تنظيما سياسيا يجعلها خاضعة لسلطة سياسية والمستقرة على إقليم محدد".
02- ويعرفها "ماكس فيبر" على أنها : "وكالة تمتلك ضمن مجتمع، احتكار العنف المشروع".
03- مصطلح الدولة "يحمل مبدئيا فكرة السلطة، السلطة الفاعلة، الحامية والمنظمة، وهي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي الذي يضمن أمنه الخاص وأمن الخاضعين له في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، مهيئا لهذا الغرض قوة مسلحة، زيادة عل مختلف آليات الضغط والإكراه".
04- "الدولة مؤسسة تتكون من مجموعة من أفراد الشعب، يقيمون على إقليم جغرافي معين، ويخضعون لسلطة سياسية حاكمة، لها السيادة على الإقليم وعلى أفراد هذه المجموعة".
05- "الدولة وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة، في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد، وتباشر حقوق السيادة بإرادتها المنفردة عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها وحدها".
ويبدو جليا أن هذه التعريفات قد ركزت على العناصر التي تقوم عليها الدولة الحديثة وانطلقت في مجملها من الجماعات أو الشعوب في صيغة أفراد كوحدة للتحليل والدراسة، عكس ماكانت تذهب إليه التعريفات التقليدية المعتمدة على الأسرة كوحدة للتحليل.
06- ويعرف الإنجليزي "هارولد لاسكي" Harold Laski الدولة بأنها : "تنظيم يمارس السلطة القهرية من أجل تحقيق الصالح الاجتماعي".
وتماشيا مع تعريف "لاسكي" الذي ينظر إلى الدول من خلال الوظائف التي تقوم بها إزاء مجتمعاتها يرى "نتل" NETTEL أن الدولة: "كيان جماعي يستجمع على مستوى القمة مجموعة من الوظائف والهياكل بهدف تعميم تطبيقها، هذا الكيان الجماعي يتميز بنوع من الاستقلالية الوظيفية وبأنه في الأساس ظاهرة اجتماعية وثقافية، فضلا عن ذلك فإن هذا الكيان إلى جانب دوره الداخلي يمثل وحدة معينة في مجالات العلاقات الدولية".
وفي هذا التعريف يرى "نتل" أنه من الممكن النظر إلى درجات أو مستويات مختلفة لمدى دولنة ) ETATISATION ( المجتمعات المختلفة، ويتم قياس هذه الدرجات بالنظر إلى خمس وظائف تقوم بها الدولة وهي:
1- عملية الإدارة.
2- التعبير المؤسسي عن السيادة.
3-تحديد الاستقلالية القطاعية.
4- أعمال القانون.
5-تحقيق الأهداف الاجتماعية أو التعبير عن المصالح.
ولا يفوت الباحث وهو بصدد التعرض السريع للتعريفات الحديثة للدولة، الإشارة إلى دور الفكر الاشتراكي في هذا الإطار. والذي يرى منظروه أن الدولة هي :" أداة السلطة في مجتمع طبقي، بمعنى أنها شكل تاريخي للتنظيم السياسي للمجتمع، نشأ مع ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وانقسام المجتمع إلى مستغِلين ومستغلين". ويذهب "ماركس" إلى اعتبار الدولة :"ظاهرة طبقية ارتبط وجودها بوجود الصراع الطبقي من أجل السيطرة على وسائل الإنتاج، وذلك لتكون أداة قصر في خدمة الطبقة السائدة". أكثر منها اجتماعا للمواطنين للسعي وراء تحقيق غرض مشترك. ويقول ماركس أن الجهاز التنفيذي للدولة الحديثة ليس سوى لجنة لإدارة الشؤون العامة للبرجوازية ككل، ومع اختفاء الطبقات وظهور المجتمع اللاطبقي ستختفي الحاجة إلى الدولة.
وعلى نقيض الفكر الماركسي تعد النظرة الشمولية الحديثة حياة الفرد جميعها داخل سلطان الدولة فليس هناك جانب من حياة الإنسان يستطيع أن يسميه ملكه الخاص فإذا عاش فإنما يعيش للدولة، وإن هو مات فإنما يموت للدولة. ولقد عبر موسوليني عن وجهة النظر الشمولية في قوله: " لا أحد خارج الدولة، ولا أحد ضد الدولة"، وإن الشعار الذي وضعه أمام شباب بلاده أن أعتقد وأن أطيع وأن أحارب".وقد ربط الإيطالي الهيغلي جيفاني جنتيلي "Giovanni Gentile" أيديولوجية موسوليني بنظرية التمجيد المطلق للدولة عند هيجل "Hegle"، الذي رأى أن الدولة بقوانينها وتنظيماتها العامة المسايرة للعقل تهيئ للإنسان الإرادة العامة التي دون الاتحاد بها لا تقوم قائمة لإرادته الخاصة، فالدولة " هي الفكرة المقدسة كما توجد في الأرض" وهي " فكرة الروح في التعبير الخارجي للإرادة الإنسانية وحريتها". وبذلك ينفي هيغل أن يكون للمجتمع أي قدرة على تحقيق تماسكه وانضباطيته دون أن تكسبه الدولة هذا التماسك والانضباط، وعندئذ تصبح الدولة وبصفتها المستقلة عن المجتمع، هي التشخيص الحقيقي للحرية، بل إنه يطابق ما بين الدولة ونظام العقل.
وبلغ هيجل في تمجيده للدولة إلى جعلها غاية ونهاية للتطور التاريخي، فهي وحدها – حسبه- الأداة الحضارية لتنفيذ رسالة التاريخ والعالم الروحية، وليس لشعب من الشعوب أن يتحرك إلا داخل نطاقها،وليس له أن يحاول تحقيق مصالحه إلا عن طريقها،وكما أخضع علاقات الأفراد داخلها لسلطانها وحدها، أخضع العلاقات الدولية لإرادتها وحدها كذلك.
ومن خلال هذا العرض الموجز لأهم أفكار هيغل في تعريف الدولة يتبين أنه عظًم حتى العبادة بناء الدولـة، وجعلـها " دولـة القـوة" وبذلك كـان مـع ميكيـافيلي من أنصـار نظـرية "عقل الدولة"
"Raison d’Etat". وإن كـان هـو مدفوعا أكثر بإعادة تشكيل وتوحيد الأمة الألمانية وتحقيق النمو الرأسمالي في مواجهة سيطرة - إنجليزية وفرنسية – سياسية واقتصادية مطلقة.
وبطبيعة الحال ليست هذه هي التعريفات الوحيدة للدولة، ذلك أنه يمكننا أن نحصي عشرات – إن لم تكن مئات- التعريفات لها، غير أننا نقف أخيرا عند التعريف الذي أوردته موسوعة السياسة والذي يرى أن الدولة هي: " الكيان السياسي والإطار التنظيمي الواسع لوحدة المجتمع والناظم لحياته الجماعية وموضع السيادة فيه، بحيث تعلو إرادة الدولة فوق إرادات الأفراد والجماعات الأخرى في المجتمع وذلك من خلال امتلاك سلطة إصدار القوانين واحتكار حيازة وسائل الإكراه، وحق استخدامها في سبيل تطبيق القوانين بهدف ضبط حركة المجتمع وتأمين السلم والنظام وتحقيق التقدم في الداخل والأمن من العدوان في الخارج. وإلى جانب الاستخدام العام للمصطلح بمعنى الجسم السياسي للمجتمع، هناك استخدام أكثر تحديدا يقتصر فيه المعنى على مؤسسات الحكم."
ويبدو هذا التعريف الأخير أكثر التعريفات شمولية وأقربها إلى الواقع، إذ أننا لا نجد صعوبة من خلاله في التعرف على الدولـة في عالم الواقـع الذي نعيش فيـه، وإدراك السمات التي يبدو أنها مشتركة بين الدول
وهي أنها مجموعات من الناس تعيش كل مجموعة منها فوق إقليم محـدد تسيطر عليه وأنها مقسمة إلى حكام
ومحكومين، وأن كلا منها يمثل نوعا ما من النظام، فالقواعد القانونية توضع ثم تنفذ بصورة ما ويمارس في كل من هذه المجموعات : "إكراه" يعترف بشرعيته أعضاء المجموعة والعالم الخارجي .
وواضح إذن أن الدولة هي صورة من صور" التجمع" ذات سمات خاصة. خصوصا ما يتعلق بارتباطاتها الإقليمية وباستعمالها للقوة.
وهكذا فإنه ليس هناك من حاجة تدعونا إلى اعتبار الدولة – بأية صورة كانت – تكوينا غامضا ذات صفات ميتافيزيقية أوخارقة للطبيعة (super naturel) . خاصة وقد مر بنا القرن العشرون الذي اعتبر عصر الدولة، ففيه برزت منظومة الدولة القومية/الوطنية بشكل لم يسبق له مثيل.
- التمييز بين :الدولة –الأمة-المجتمع-السلطة-الحكومة-القومية –الوطنية
إن معرفتنا بالدولة، تستلزم التمييز بينها وبين مجموعة من المصطلحات، قد تبدو مترادفة أو متطابقة أو متداخلة معها ومن الضروري أن نكون على دراية بالاستعمالات المختلفة لهذه المصطلحات التي نذكرها فيما يأتي:
01- الأمة:" The Nation"
لقد تعدد تفسير مصطلح " الأمة" واستعماله عند المفكرين السياسيين والاجتماعيين، ولكن أشهر تعريفاتها هوذلك التعريف الذي طرحه المؤرخ الفرنسي أرنست رينان Ernet Renan في محاضرته الشهيرة في جامعة السربون بعنوان: " ما هي الأمة؟" (? Qu’est ce que La Nation ) سنة 1882. فقد حدد مفهوم الأمة على أنها : " روح أو مبدأ روح، وهما في الحقيقة شيئان جوهرهما واحد، أحدهما يقوم على الماضي والآخر يتعلق بالحاضر، الأول يقوم على المشاركة الجماعية في ذلك التراث الغني بالذكريات والثاني يعبر عن الرغبة الفعلية في العيش معا...."
فهو يرى أن الأمة هي:" تلك الجماعة من الناس الذين اتفقت مشيئاتهم على أن يعيشوا سوية في إطار تراث الماضي المشترك لتلك الجماعة والسعي للمحافظة عليه واستمراره."
غير أن تعريف الأمة بأنها روح أو جوهر روحي هو نوع من الإفراط في الخيـال والبعد عن المنطلق العلمي وهولا يخلو من الغموض.
وعرف هيوم "Hume " الأمة في مقالة له بعنوان " الشخصية القومية " (National Character) بقوله: "إن الأمة لا تعني أكثر من جماعة من الأفراد الذين تجمعوا بإرادتهم واكتسبوا نتيجة هذا التجمع بعض السمات والمزايا على العموم".
وهذا التعريف وإن لم يرجع الأمة إلى عامل معين بل عرفها كظاهرة عامة، غير أنه لم يوضح في الحقيقة الأسس التي كانت سببا في دفع إرادات هؤلاء الأفراد للتجمع، إذ لا يعقل أن تندفع إرادات الأفراد لتحقيق جماعة معينة دون وجود أسباب سابقة دافعة لذلك.
أما ستالين في كتابه " الماركسية والمسألة القومية" Marxism and the National question فيعرف الأمة بأنها: " جماعة مستقرة تكونت من لغة وإقليم وحياة اقتصادية وسيكولوجية تشكل بوضوح وحدة ثقافية مشتركة" .
إن هذا التعريف المصبوغ بالصبغة الماركسية من خلال التركيز على الجانب الاقتصادي الذي يجعله ماركس سببا لجميع ظواهر التاريخ، قد حدد أوصافا اعتبرها أساسا للأمة دون سواها وعناصر مميزة لها عن غيرها، غير أن ذلك مجاف للحقيقة، فكثير من التجمعات الأخرى تبرز فيها أيضا هذه الأوصاف وتلك العناصر، دون أن تشكل أمما.
ومن خلال هذه التعريفات، تبين أن مصطلح الأمة يعبر عن شيء آخر غير ما يعبر عنه مصطلح الدولة فالدولة كما رأينا تنظيم سياسي أي أنها تتميز بوجود سلطة سياسية، التي تعد عنصرا جوهريا في تكوين الدولة، وعندما يتوافر هذا العنصر أو الركن الأساسي بالنسبة للأمة تصبح دولة .
وهدف كل أمة هو الوصول إلى خلق دولة مستقلة، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف،قد تصل الأمة إلى تكوين دولة واحدة،وقد تستمر الأمة موزعة بين عدة دول ولا تستطيع الوصول إلى تكوين دولة مستقلة إلا بعد زمن طويل.فالأمة إذن وحدة نفسية والدولة رابطة قانونية وقيام الدولة على عناصر غير متجانسة لا ينفي وجودها كدولة،وإن كان استمرار عدم التجانس قد يؤدي إلى انهيار السلطة وتفكك الدولة.ولقد أصبحت نظرية "أمة واحدة ودولة واحدة" أو إنشاء الدول على مبدأ تقرير المصير، السياسة العملية بعد الحرب العالمية الأولى خاصة في أوربا إذ أنشئت دول قومية وأخذ الاصطلاحان " الأمة" و" الدولة" يعتبران مترادفين، ولكننا لا نستطيع أن نرادف بينهما،فالدولة هي شعب منظم تنظيما قانونيا داخل إقليم معين على حين أن الأمة هي شعب مرتبط بعضه ببعض ارتباطا سيكولوجيا نفسيا وله إرادة مشتركة لأن يعيش سويا في المستقبل، فاصطلاح الأمة إذن "ذاتي" على حين أن اصطلاح الدولة" موضوعي وسياسي".
02-المجتمع:" Society"
إن الظهور الأول لكلمة مجتمع Society موجود في القانون الروماني، في الجمهورية في أواخر عصرها وفي أوائل العهد الإمبراطوري،مع المصطلح" Societas"كانت تلك الكلمة تعني الشراكة أو على وجه أكثر تحديدا العقد المبني على الرضا،فيما بين الأفراد الأحرار أو المواطنين،إنها كانت علاقة إرادة حرة قائمة على العقد أو الاتفاق المتبادل على عمل مشترك ذي نفع متبادل.
ومن ناحية ثانية فإن " Societas "تستعمل خلال العصور الوسطى لوصف التنظيمات السياسية،فقد كان من الملائم في تلك الفترة وصف كل تجمع سياسي أنه سلسلة من الاتفاقات والعقود. أما في القرن الثامن عشر فإن المجتمع صار ينظر له على أنه تجمع من أفراد وأنه متميز عن الدولة.
من خلال هذه المعاني المتعددة من الممكن أن نرى أن المجتمع يمكن إما أن يتداخل أو يتميز عن الدولة ففي أوجه عديدة ترتبط الدولة والمجتمع بشكل وطيد كل منهما بالآخر كما يقول قرامشي:" لا وجود للمجتمع إلا من خلال الدولة التي هي منطلق وهدف كل واجب والتي هي ضمانة واستمرارية ونجاح كل التنظيم الاجتماعي", فالدولة والمجتمع يستهدفان تحقيق نفس الغرض الأخلاقي ومن ثم فهما يمتزجان ويستعير كل منهما من الآخر،ولم تكن الدولة لهذا الغرض متميزة عن المجتمع عند المفكرين الإغريق الأوائل، ويمكن تفسير هذا التوحد بين الدولة والمجتمع في نظرهم بالظروف الخاصة التي سادت دولة- المدينة اليونانية،فدولة- المدينة كانت صغيرة في الحجم ومندمجة في السكان،وفي مثل هذه الظروف كان من الطبيعي عند الإغريق أن يعتبروا الدولة الوعاء الذي يشتمل على حياة الإنسان جميعها.
ومهما كانت المبررات التي جعلت الإغريق يوحدون بين الدولة والمجتمع،فإنه ليس لدينا اليوم مثل هذه المبررات. ويمكننا أن نأخذ بالموجز الذي أوجزه" أرنست باركر" في التفريق بين الدولـة والمجتمـع في كتابه" مبادئ النظرية الاجتماعية والسياسية"،إذ وضح الاختلاف بينهما في ثلاثة وجوه:
-الغرض أو الوظيفة: فمن هذه الناحية تعد الدولة اجتماعا قانونيا يعمل أساسا لتحقيق الغرض القانوني الذي يقوم على وضع نسق دائم للقانون والنظام وتنفيذه، ولكن المجتمع باشتماله على عدة تنظيمات اجتماعية يعمل على تحقيق العديد من الأغراض غير الغرض القانوني، وإن هذه الأغراض المتعددة ؛فكرية ودينية واقتصادية وجمالية وترفيهية واجتماعية وغير ذلك، وقد تكون العضوية في الدولة والمجتمع نفس العضوية ولكنها تختلف في كل منهما فيما يتصل بالغرض.
-التنظيم والبناء: من ناحية التنظيم، الدولة منظمة واحدة قانونية، على حين أن المجتمع يشتمل داخله على منظمات كثيرة، ويرجع ذلك إلى طبيعة تكوين المجتمع والدولة. فالمجتمع هو أكثر أشكال التنظيمات البشرية عمومية، وهو نتاج رغبة الإنسان الغريزية في الاجتماع، والناس يجتمعون لأغراض كثيرة، وإن الاجتماع السياسي هو أحد هذه الأغراض، وبتعبير آخر فإن الدولة واحدة من هذه الجماعات التي تؤلف المجتمع، وهي توجد داخل المجتمع، وهذا يتضمن أن المجتمع سابق على الدولة وأنه يشتمل على جميع الجماعات منظمة كانت أو غير منظمة، وعندما يصبح المجتمع منظما تنظيما سياسيا يصبح دولة إذا استكملت شروط قيام الدولة.
-المنهج: إن الأغراض التي يوجد المجتمع من أجلها تجعل مناهج الإقناع أمرا ضروريا، كما أن تعدد تنظيماته تعطي فرصا وافرة للأعضاء لأن يتركوا منظمة ويلتحقوا بأخرى إن استخدمت الإكراه أو حاول ذلك القائمون عليها. على حين مجال الدولة هو العمل الآلي وإن نشاطها يقوم على القوة ومنهجها يتصف بالجمود.
ورغم هذه الفروق الجوهرية بين المجتمع والدولة فإن العديد من المفكرين من أمثال ماركس Marx ودوركايم DurKheim ودوجيتDugait نظروا إلى الدولة كنظام فرعي" Sub-system " من المجتمع. وحاولوا تفسير الدولة من خلال المجتمع.
03- السلطة:"Authority "
ترجع أصول كلمة سلطة إلى التعبير الروماني" autoritas "والذي كان يعني القدرة على ممارسة نفوذ على الناس. وأصبح تدريجيا مرتبطا بمنصب الإمبراطور أو الحاكم، أما في أيامنا هذه فهي تتضمن في العادة درجة معينة من السلطة الرسمية، طاعة الآخرين ووظائف معينة في إطار المحددات التي ترسمها قواعد معينة الشخص الموجود في السلطة يمتلك حق إصدار الأوامر، السلطة بمعنى ما هي الاستخدام الشرعي للقوة.
وقد عرفت الجماعات البشرية- حتى البدائية منها- ظاهرة السلطة التي امتازت بثلاث خصائص هامة وهي: الشمولية"La globalité "، القداسة"La sacralité " خاصة عند تلك السلطة التي ارتبطت بالدين. والإكراه"La contrainte "، حيث مارس كل الزعماء والملوك والأباطرة سلطة الإكراه على المجموعات البشرية المختلفة.
إن الإنسان بطبعه ميال إلى التسلط والسيطرة وتفضيل نفسه على غيره، الأمر الذي تطلب إقرار سلطة تحمي حقوق الأفراد وتنظم حياتهم ضمن الجماعة الواحدة، لذا بتطور المجتمعات، تبلورت السلطة وذلك نتيجة تداخل مصالح الأفراد وتنوعها، مما أدى إلى تفرع وتنوع وتكثف مهام السلطة موازاة مع تعدد الأشخاص القائمين على تنظيم أمور المجتمع وتخصصهم، فانقسم المجتمع إلى حكام ومحكومين ومن هنا ظهرت السمات الأساسية للدولة والتي تعد السلطة أبرزها. والسلطة إن كانت عنصرا مكونا للدولة فهي أيضا وزيادة على ذلك عامل دائم لانسجام المجتمع السياسي، خاصة إذا ارتبطت بثقة الخاضعين لها، أكثر من ارتباطها بإرادة الذين يمارسونها، وهذا ما وصف تاريخنا وسوسيولوجيا " بسر الطاعة المدنية"، الذي إذا نظرنا إلى الدولة من خلاله لرأيناها منظمة تعاونية، الغرض منها تحقيق الخير لأعضائها، غير أن هذا لا يعني أن التعاون كله اختياري، أو أن الإكراه لا يؤدي دورا في توفير جزء منه، كما أنه لا يتضمن أن جميع الأعضاء يشتركون بنصيب متساو في اتخاذ القرار.
فالسلطة إذن ظاهرة أساسية في السلوك الإنساني، وقد وصفها "جوفينيل" بقوله: " إن ظاهرة السلطة أقدم في أصلها من تلك الظاهرة التي تسمى دولة."
وفي العصر الحديث أوفي الدولة الحديثة لم تعد السلطة مرتبطة بشخص الحاكم أو امتيازا شخصيا له وإنما أصبحت السلطة ملكا للدولة ككيان اجتماعي ولم يعد للحكام ذلك الامتياز الذي كان لهم من قبل وإنما أصبحوا ممثلين وممارسين للسلطة باسم الدولة،وعلى هذا فإننا نلاحظ أن سلوك الحاكم ينسب إلى الدولة أكثر منه نسبة إليه، فالسلطة تبقى بعد زوال الحاكم، لأنها مرتبطة بكيان اجتماعي مستمر البقاء هو الدولة، وهي لا تمارس وفقا أو تبعا لرغبة وهوى الحكام، وإنما وفقا لقواعد مقررة ومقبولة من قبل جميع أعضاء المجتمع أو غالبيتهم على الأقل.
04- الحكومة:"Government "
إننا في حديثنا العادي نستعمل مصطلحي الدولة والحكومة كل مكان الآخر، غير أن الحكومة في الحقيقة هي تعبير أقدم كثيرا من الدولة أو الإدارة، إذ أنها كانت تستعمل في العصور الوسطى لتعني الحكم"Ruling " وهي مشتقة من اللاتينية"Gubernatio" أو "Gubernator " أي " أن يقود" و" قائد".وتعبير حكومة يبدو أنه دخل إلى الإنجليزية من خلال الفرنسية القديمة "government " مع مطلع القرن السادس عشر.
والحكومة يمكن أن تفهم بمعان متعددة :
1-فهي يمكن أن تشير إلى الشخص أو الأشخاص الذين يقومون " بالقيادة" الفعلية عند نقطة معينة من الزمن وهي بالتالي مجرد تعبير متساو مع أولئك الذين يحكمون ويؤكدون تطبيق القانون.
2-تشير إلى الشخص أو الأشخاص في السلطة التنفيذية كمتميزين عن أولئك في السلطة التشريعية.
3-المعنى الأخير للحكومة يتضمن النظر إلى الحكومة كجسد أو بناء يحدد السياسة والذي يعلن وينفذ القانون.
ونلاحظ أنه ولا واحد من هذه المعاني للحكومة يتعلق بالضرورة بالدولة، فالحكومة هي إذا أداة الدولة. ولقد جاء في حكم من أحكام المحكمة العليا الأمريكية التمييز الآتي بين الدولة والحكومة " إن الدولة ذاتها شخص مثالي، غير محسوس وغير مرئي وغير قابل للتغير، أما الحكومة فهي وكيلة عن الدولة، وفي دائرة وكالتها تعد ممثلا كاملا ولكنها خارج هذه الدائرة تعتبر اغتصابا خارجا على القانون".وبالإضافة إلى هذا فإنه يمكن التفريق بين الدولة والحكومة من خلال النقطتين التاليتين:
أ- أن الدولة منظمة واسعة تشمل الحكومة وغيرها، ولابد لكل منظمة اجتماعية مـن أداة إدارية
محورية تتعهد سياستها وتنفذها، والحكومة هي التي تتولى هذه الوظيفة في الدولة.
ب- أن سلطة الحكومة ليست أصلية، وإنما هي مشتقة من الدولة، التي تعد الأكبر والأشمل ولكل
دولة طريقتها في تكوين الحكومة.
إن التمييز بين الحكومة والدولة يسمح بتفسير حدوث التغيرات البنيوية وتغير الحكومات، مع الحفاظ على استمرارية وشرعية النظام الاجتماعي، إذ لا يرافق دائما الإبدال في الحكومة أزمة في الدولة.
-نشأة الدولة الوطنية
بعد أن تم تعريف الدولة والتمييز بينها وبين بعض المفاهيم الأخرى المشابهة لها يتناول هذا الجزء نشأة الدولة الحديثة التي عرفت بالدولة الوطنية / القومية وذلك من خلال التعريف بمفهومي القومية والوطنية ومبررات اختيار مفهوم الوطنية، والإشارة لأهم المحطات التاريخية التي مرت بها الدولة كشكل من أشكال التنظيم الإنساني ثم كيفية تعميم نموذج الدولة الوطنية ليصبح " عالميا".
أولا: مفهوم القومية والوطنية.
1- مفهوم القومية :
أصبح اصطلاح الدولة القومية أو الدولة الأمة" "Nation state شائعا في المناقشات السياسية في القرن العشرين، لكن ما اصطلح على تسميته بالدولة القومية قد بدأ في الظهور والتبلور منذ القرن السادس عشر داخل أوربا، وحاليا يكثر الحديث عن مصطلحات مثل جماعات غير قومية، ومتعددة القوميات...
فما هي القوميةNationalism"" ؟ ومن أين يأتي اشتقاقها؟
مصطلح القومية في اللغة العربية مشتق من كلمة قوم، والقوم هم الجماعة من الناس يقومون قومة واحدة للقتال أي أنها تعني علاقة القوم فيما بينهم، وكلمة قوم جمع لا واحد له والقوم هم الجماعة من الناس تربطهم ببعضهم علاقات اجتماعية وقد وردت كلمة قوم بهذا المعنى في القرآن الكريم أي بمعنى أمة في قوله تعالى : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم  [ آل عمران : 86] فالقومية في اللغة إذا من كلمة قوم والقوم هم الأمة.
أما Nationalism الإنجليزية فهي مشتـقة من كلمة أمة Nation وكذلك الحال بالنسبة للغة الفرنسـية
والقومية كظاهرة حديثة نسبيا يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر،حيث ظهرت النزعة القومية التي يمكن وصفها بأنها" مبدأ سياسي يعتقد بأن الوحدة السياسية والقومية ينبغي أن تكون منسجمة" والنزعة القومية كعاطفة أو كحركة يمكن تعريفها على أفضل وجه بلغة هذا المبدأ . والعاطفة القومية هي الشعور بالغضب الذي يستثيره انتهاك المبدأ أو الشعور بالرضا الذي يبعثه تحقيقه، والحركة القومية هي التي تفعلها عاطفة من هذا النوع.
عوامل القومية:
إذا كانت القومية تصورا ذاتيا، فما هي الاختبارات الموضوعية التي نستطيع تطبيقها عليها؟
وما هي الشروط التي يجب أن تتوافر لشعب ما قبل أن يخول الحق في بلوغ مرتبة القومية؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب مناقشة عوامل القومية.
لقد ناقش علماء السياسة بالتفصيل العوامل التي تكون القومية، ولكنهم جميعا متفقون على أنه لا يعتبر أي عامل من العوامل التي يناقشونها جوهريا بصفة مطلقة، ولو أنه دون توفر بعضها على الأقل لا يمكن أن توجد قومية وجودا حقيقيا وليس هناك قانون عام يمكن وضعه فيما يتصل بالأهمية النسبية لهذه العوامل المتنوعة التي يمكن ذكرها فيما يلي:
- الوحدة الجغرافية: لا شك في أن الإقليم المحدد بحدود طبيعية أو" الوحدة الجغرافية" والذي يوصف عادة باسم " أرض الوطن" هو رابطة قوية في تكوين القومية واستمرارها وحيثما لا يوجد وطن قومي أوأمل في الحصول على وطن قومي فإنه من الصعب اكتساب روح القومية وتنميتها.
- الوحدة العنصرية: يذهب بعض الكتاب إلى أن التجانس العنصري عامل مساعد في تكوين القومية وتقويتها وهوأكثر أهمية في المراحل الأولى منه في المراحل المتأخرة. فالولايات المتحدة الأمريكية مثلا مع تعدد العناصر التي دخلت في تكوينها قد كانت تعتمد أول الأمر على جماعة عنصرية سائدة انحدرت من المهاجرين الأوائل، وأعطت الطابع المميز للحياة القومية في البلاد.
- الثقافة المشتركة: إن وحدة الأفكار والمثل عامل هام حقا في خلق القومية فالقومية قبل كل شيء تصور ثقافي. وتشتمل وحدة الثقافة على التقاليد والعادات المشتركة والتراث والأدب المشترك والأدب الشعبي والملاحم والفن المشترك وهي تقوم كذلك على الاشتراك في النظر إلى الحياة وما يميزها من قيم وواجبات ومعنويات. فوحدة الأفكار والمثل تجمع الناس بعضهم إلى بعض وتخلق فيهم"روح الجماعة" التي لا يمكن تقويضها بسهولة.
- فكرة الحكومة المشتركة : سواء تحققت في الماضي أوالحاضر. أوكان هناك أمل في تحقيقها مستقبلاوإن كانت الحكومة وحدها لا تستطيع أن تخلق القومية.
- وحدة اللغة: ويعد من أوضح عوامل القومية، فاللغة المشتركة تساعد الشعب على أن تكون له أفكار وعواطف ومقاييس وأخلاقيات وعادات مشتركة، كما أنها تعمل على خلق نفسية قومية مشتركة وتحفظ الروح القومية في يقظة وحيوية. وهي بذلك تصبح عاملا سياسيا ذا تأثير كبير في الحياة القومية.
- وحدة الدين: ساهم الدين مساهمة خاصة في نشأة الأمم أثناء المراحل الأولى من تكوينها،ولكن القوميات في العصور الحديثة قد ازدهرت دون تأكيد على التشابه في المعتقدات والعبادات الدينية ويصدق هذا الأمر أكثر في العالم الغربي، لكن في الشرق لا يزال الدين عاملا مهما يحسب له حساب كما هوالحال في الهند وباكستان مثلا.
- المصلحة الاقتصادية المشتركة: لا شك أن بعض المصالح المشتركة بين الأفراد لها أثر كبير في المحافظة على القومية.وكانت نشأة القومية في ظل الحضارة الحديثة وجها من وجوه التغيير الاقتصادي والتكنولوجي الذي أطلقته تطورات هذه الحضارة.فقد أثرت هذه التطورات في حياة الجماهير، وكان تأثيرها أشد في حياة جماهير البلاد المصنعة، فنمى وعي هذه الجماهير بفرصها وقدرتها، وأصبح لها شأنها في تسيير دفة السياسة. ولكن الاقتصاد وحده لا يكفي لربط شعب وتكوين قومية، فكثيرا ما يضحي الناس بمصالحهم الاقتصادية في سبيل القومية.
2- مفهوم الوطنية:
بعـد أن عرفنـا القوميـة وذكـرنا العوامـل المكـونة لها، يتعين علينا الآن معرفـة مفهـوم الوطنـية لنرى إلى أي مدى يمكن أن يتطابق أو يختلف مع مفهوم القومية.
الوطنية: هي ذلك الشعور الباطني بالارتباط بالوطن والاعتزاز به، فالوطنية في أدق معانيها هي عاطفة حب الوطن أو تعلق الإنسان بوطنه، فهي غريزة طبيعية تدفع الإنسان إلى حب الأرض التي يعيش عليها والتعصب لها والذود عنها والتضحية في سبيلها والوطن في عمومه هو تلك الرقعة من الأرض التي أصبحت نتيجة لمجموعة من العوامل تخص مجموعة معينة من البشر من هذه العوامل مثلا الظروف الجغرافية والأحداث التاريخية.
فالوطنية إذن تربط الإنسان بأرضه أو وطنه على خلاف القومية التي تربط الفرد بالجماعة الإنسانية التي ينتمي إليها أي أمته. غير أن هناك من لا يرى فرقا بين الوطنية والقومية حيث ذهب إلى اعتبار الوطنية شكلا من أشكال القومية:، ومن هؤلاء الكتاب: روبرت ماكيفرMac Iver، وشارلز بيدج page
فالقومية عند هما قد تقوم في أحد أشكالها على فكرة الارتباط بأرض الآباء والأجداد أو أرض الإقامة الفعلية، وعندما توحي هذه الفكرة بالرغبة في الإيثار وتكريس النفس من أجل الوطن يجدر تسميتها بالوطنية.
ويذهب "ساطع الحصري" إلى هذا الرأي كذلك حيث يقول:" إن مفهوم القومية لا يختلف -في الحقيقة – عن مفهوم الوطنية كل هذا الاختلاف، ذلك أن حب الوطن يتضمن بطبيعته حب المواطنين الذين ينتمون إلى ذلك الوطن كما أن حب الأمة يتضمن في الوقت نفسه حب الأرض التي تعيش عليها الأمة"وبذلك تشكل الوطنية والقومية مفهوما واحدا عند الحصري. ويذهب إيرنست غيلنر إلى أن القومية نوع متميز جدا من الوطنية، ونوع يصبح متغلغلا ومهيمنا فقط في ظل ظروف اجتماعية معينة، ذلك أن القومية تختص بها فقط الوحدات المنسجمة ثقافيا والساعية من أجل أن تصبح هذه الثقافة ثقافة رفيعة.
وبغض النظر عن العلاقة بين القومية والوطنية فإن الملاحظ لمجموع الدول الموجودة على الساحة الدولية الآن يرى أن إحدى السمات الهامة التي تميزها هي وجود إقليم محدد ذي نطاق جغرافي معلوم تمارس داخله الدولة سلطاتها وهو ما يعرف بالوطن، الذي قد تسكنه أكثر من قومية واحدة.
كما يمكن أن تتوزع أمة واحدة على مجموعة من الأوطان،كما هو الحال مثلا بالنسبة للأمة العربية .
ومن هذا المنطلق لا نجد مبررا لمواصلة استعمال مفهوم الدولة القومية الذي يقوم على الجمع بين كل من مفهومي الأمة ككيان اجتماعي طبيعي والدولة كإطار سياسي تنظيمي، خصوصا وأن الجمع بينهما يشكل استثناء تاريخيا شهدته أوربا في فترة اعتمدت فيها نظرية "أمة واحدة ودولة واحدة"، والذي –هذا الاستثناء -سيكون من الأفضل علميا أن نهجره باتجاه مصطلح الدولة الوطنية الذي يبدو أكثر تعبيرا عن حقيقة الدولة،خاصة في هذا الجزء الواسع من العالم الذي يسمى العالم الثالث.
ثانيا: نشأة الدولة الوطنية.
عند الحديث عن نشأة الدولة الوطنية، يتعين الإقرار بادئا ذي بدء، أن مركز هذه الظاهرة تموضع في أوربا الغربية، وأن مخاضها كان عسيرا ومتعبا، ومن الواضح أنه إذا كانت ولادة الدولة الوطنية في مكان محدد، فإن تاريخها لن يبقى دقيقا لأنه لم يكن نتيجة مبرمجة لتأسيس متجذر ومترابط، بل يكون ثمرة لتاريخ صاخب ومضطرب، موشح بانتصارات وهزائم وتقدم وتراجع. واستمرت الدولة الوطنية في التطور لتصبح بعد ذلك نموذجا انتشر خارج أوربا،وغدا النمط السائد في النظام العالمي،وفي هذا الإطار سيصب الاهتمام على نشوء الدولة في الخبرة الأوربية تحديدا باعتبارها هي الأسبق في الخبرة التاريخية.
إن ظهور الدولة بالشكل الذي نعرفه اليوم (دولة – وطنية) سبق بظهور ظاهرة السلطة التي ترجع إلى فترات سابقة جدا في التاريخ، هذه السلطة أوجدت أشكالا من التنظيمات السياسية المختلفة.مع اختلاف العصور وتعدد الرقع الجغرافية التي ظهرت عليها،هذه الأشكال من السلطة عرفت " بالدولة القديمة"
" Etat ancien " أو بما قبل الدولة"Pré- Etatique ".
وفي هذا الإطار يوجد اتجاه قوي يعرف الدولة- المدينة الإغريقية على أنها الشكل المبكر جدا للدولة في أوربا، وبالتأكيد فإنها كانت شكلا متميزا من التنظيم السياسي الذي يشترك مع الدولة الحديثة في بعض خصائصها، ولذلك يجدر بنا أن نقف عند أهم ما ميز هذا الشكل من الدولة مرورا بما جاء بعدها من إمبراطوريات ودول إقطاعية ووصولا إلى الدولة الوطنية.
01-دولة- المدينة:" City-State "
إن أصل نشوء دولة- المدينة وتطورها يرجع تاريخيا إلى الفترة من 800 إلى 500 قبل الميلاد تقريبا. وتطورت من وحدات عائلية وقبلية والتي اتحدت مع بعضها البعض في مستوطنات محصنة. ونجد دولة المدينة بهذا الشكل في شمال الهند والصين ومصر وسومر واليونان وروما، إذ كان في جميع هذه البلاد عدد من دول المدينة المستقلة، تتألف كل منها من مدينة مع بضعة أميال من القرى التابعة لها ومن الزراعة حولها،ولكن سرعان ما اجتاز الناس في جميع هذه الأماكن – ماعدا اليونان- مرحلة دولة المدينة عن طريق الائتلاف في ممالك وإمبراطوريات.
وإن نشوء كثير من دول المدينة في اليونان على جزر أو أجزاء جبلية يفسر إلى حد ما عدم شيوع منظمات سياسية أكبر في بلاد اليونان.هذا بالإضافة إلى مجموعة عوامل أخرى ساهمت في استمرار وانحصار النظام السياسي لدى اليونانيين في المدينة،ومن هذه العوامل:
1- أن القبائل اليونانية لم يكن يختلط بعضها ببعض كثيرا،لأن كل عشيرة تعتز بأصلها وتحاول أن تحافظ على نفسها من الانصهار والذوبان في عشائر أخرى.
2- صعوبة الاتصال بين مناطق السكان وعدم وجود أية فائدة من تنقلهم إلى مناطق أخرى ما دام السكان الأحرار هم الذين يتمتعون بالحقوق السياسية ويترشحون لنيل المناصب العليا،أما بقية الأفراد فيعتبرون أجانب أوعبيدا لا وظيفة لهم إلا خدمة أسيادهم الأحرار.
3- رغبة الفرد اليوناني في التمتع بحرية التفكير واعتبار نفسه أعلى شأنا من جيرانه،ونظرته إلى الارتباط بدولة أخرى على أنه حد من حريته وتقييد لمصيره.
ورغم أوجه الشبه الشكلية الموجودة بين دولة- المدينة الإغريقية والدولة الحديثة،إلا أنه يعتبر من الخطأ النظر إلى المدينة الإغريقية كنموذج أومثال مبسط للدولة الحديثة، فقد طرح أفلاطون وأرسطوقيودا على حجم أي دولة – مدينة .فأفلاطون مثلا في كتابه القوانين"Laws " يذكر الرقم 5040 مواطنا كحد أقصى في دولة- المدينة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المدن الإغريقية اعتمدت بشكل قوي على العبودية خصوصا في الزراعة، فقد كان نصف السكان من العبيد، وهذا ما يضرب في الصميم فكرة أولئك الذين يصفون الدولة المدينة بأنها الدولة في صورتها النقية" State propre ".
وبعيدا عن الجدل القائم حول طبيعة العلاقة التي يمكن تصورها بين دولة المدينة والدولة الحديثة،فإن دولة –المدينة التي نشأت في اليونان في فترة ما قبل الميلاد تعد تجربة سياسية ناجحة إلى حد بعيد- نظرا لما أوجدته من استقرار سياسي وتغلب على الصراعات الاجتماعية وبعث الروح الديمقراطية التي كانت دولة- المدينة مهدها الأول ولذلك لا عجب أن يشكل هذا التراث السياسي والفكري الذي خلفته دولة- المدينة الإغريقية سندا علميا وتاريخيا قويا،لأولئك الذين تحمسوا لفكرة الدولة القومية في أوربا ودافعوا عنها فيما بعد من أمثال جون بودان.
- الإمبراطورية :
فشلت الدويلات اليونانية في تحقيق العدالة الاجتماعية،وتوفير الظروف الملائمة لإقامة مجتمع متماسك البنية. فكان هذا دافعا قويا لسكان روما لكي يدركوا الأخطار التي تواجههم فتكتلوا في مجموعة واحدة ووحدوا صفوفهم لمجابهة جيرانهم التوسعيين الذين يتوقعون هجومهم عليهم من حين لآخر، وكانت النتيجة الحتمية لهذا التضامن بينهم هي قيام تضامن متين، بحيث أصبح أفراد كل قبيلة يشعرون أن مستقبلهم مرهون بوقوفهم إلى جانب أبناء القبائل الموجودة بمنطقتهم.
ومن الناحية السياسية استفادت روما من التوسع الهائل الذي حققه الاسكندر الكبير ومكنه من كسر شوكة جميع الدول القوية الموجودة بشرق البحر الأبيض المتوسط في القرن الرابع قبل الميلاد، وبفضل قدرة الإسكندر على تقسيم المناطق الخاضعة له وإضعاف خصومه، تمكنت روما من تقوية نفسها تدريجيا إلى أن أصبحت هي صاحبة النفوذ الكبير في تلك المنطقة ومع مضي الوقت تفككت إمبراطورية الاسكندر وانتقل النفوذ السياسي غربا إلى روما.واتسعت الإمبراطورية الرومانية لتشمل أجزاء كبيرة من قارات أوربا، إفريقيا وآسيا.
ولا شك أن الطريقة التي توسعت بها الإمبراطورية الرومانية قد أوجدت علاقة خاصة بين الدولة الإمبراطورية والأرض، وهي العلاقة التي استقرت على قاعدة " حق الفتح" القائمة على أن الأرض – أي أرض – تخص من استولى عليها أو فتحها، وهي لا تستمر في اختصاصه إلا طالما بقي قادرا على المحافظة عليها، وإلا خرجت من ملكه إلى حوزة من يستولي عليها أو" يفتحها" من جديد.
ومثلت هذه القاعدة إحدى أهم خصائص الإمبراطوريات القديمة سواء كانت رومانية أو فارسية أو إسلامية إذ لم تكن لها حدود ثابتة لأن حدودها تتبع أقدام جيوشها تقدما وتقهقرا، وهي لم تكن تختار شعبها فهي إما أن تبيد الشعوب التي تقوم بغزوها وإما أن تقوم بضمها، وفي المقابل فإنها إذا هزمت تفقد شعوبا ضمتها من قبل ونظرا لذلك، ولأنها في حالة حرب دائمة ينبغي أن تخضع لقيادة مركزية واحدة (إمبراطور،ملك، خليفة...إلخ). وهي قيادة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الدولة و شبكات المجتمع المدني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة و شبكات المجتمع المدني   الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyالسبت مايو 25, 2013 3:38 pm


- الدولة القومية/الوطنية:
لقد نشـأت الدولـة القوميـة في أوربا من مجموعة متعددة، متباينة من الأسباب والظواهر والأفكار
والنظريات والوقائع الاقتصادية والاجتماعية والمظـاهر السياسيـة والتيارات الفكرية، في خضم الصراعات
والحروب بين الإقطاعيين والملوك والباباوات والأباطرة والسلالات والأسر الحاكمة والحروب والغزوات الخارجية وفي حمأة المنافسة الاقتصادية – التجارية والصناعية بين التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وفي ظل هذه الأوضاع زادت أهمية الطبقة التجارية النامية في المدن الجديدة والقديمة التي أخذت بتطوير أدوات وتقنيات الإنتاج، وتنظيم واستثمار المواد والوسائل المتوفرة بأساليب مبتكرة لتلبية حاجات السوق الداخلية ولم تأت هذه الطبقة من التجار فحسب بل من أصحاب المصارف والحرفيين الذين حولوا ورشهم الصغيرة إلى مشاغل يشتغل فيها عمال مأجورون بالإضافة إلى عمال حرفيين، ومن النبلاء المطرودين من الإقطاعية ومن فرسان مفلسين. وتشكل من هذه الأوساط جميعا طبقة جديدة هي البرجوازية أي التي تملك المال والثروة خارج الإقطاعية وتسكن المدينة ولا تعمل في الزراعة ولا تخضع لأعراف وامتيازات الإقطاعية .
لقد غيرت البرجوازية خارطة القوى السياسية في أوربا الغربية ببروزها كقوة اجتماعية مؤثرة وكطبقة وسطى بين الأرستقراطية وبين الشعب، وخاصة في البلدان الواقعة على الأطلسي التي شهدت نموا متفاوتا مثل هولندا، إنجلترا، فرنسا، إسبانيا البرتغال والإمارات الألمانية، ورجحت هذه الطبقة – البرجوازية – كفة الممالك القومية التي ظهرت كدول تعتمد لهجتها الوطنية كلغة للكتابة والشعر،والإدارة والتجارة وتناضل كل منها لتكون الدولة الأقوى والأغنى ولهذا اصطدمت هذه الدول واشتبكت في حروب دامية في القارة الأوربية غلب عليها الطابع الديني، وانتهت بالتوقيع على معاهدة "وستفاليا" سنة 1648م التي أنهت فكرة توحيد العالم المسيحي بزعامته الزمنية والدينية، وأحلت محلها الدولة– القومية ذات السيادة التاجية من الناحيتين الزمنية والدينية مما أنهى الجدل الديني لصالح السياسي، وأعطى للمرحلة اللاحقة سماتها السياسية بزوال الإمبراطورية الجرمانية المقدسة، واعتراف البابوية بالدول الجديدة.

ولا يخفى أن ثمة عدة عوامل ساهمت في تعزيز قيام الدولة القومية الحديثة في أوربا، لعل من أهمها:
1- الثورة الصناعية: التي أحدثت تغييرات جوهرية وساهمت في ظهور البندقية واختراع البارود حيث تمكن الملوك بواسطتها من دك حصون النبلاء وأمراء الإقطاع وإخضاعهم لسلطتهم والقضاء على ازدواجية السلطة في ممالكهم وذلك بتفوقهم – أي الملوك –على أمراء الإقطاع في القوة العسكرية، ولم يعد بإمكان أمراء الإقطاع الاحتماء في قلاعهم الحصينة. ومقاومة سلطة الملك عندما يختلفون معه.وهكذا سهل على الملوك إخضاع الإمارات الإقطاعية، ووضع حد لاستقلالها وضمها إلى دولتهم وإدماجها في جسم المملكة كجزء عضوي منها لإقامة دولة مركزية قوية.
2- إن إحلال الأدب الدارج محل اللغة اللاتينية في القرن الخامس عشر والسادس عشر قد أدى إلى تأكيد الإحساس بالقومية، وإن التنافس بين التجار الذين يتكلمون لغات مختلفة كان وسيلة قوية في تنمية الوعي القومي.الذي ساهم في نزوع كل قومية إلى بناء دولتها وهي في سعيها هذا إنما تسعى إلى بناء الدولة القومية أو الدولة الأمة.
3- ظهور نخبة من المثقفين، المفكرين، الفلاسفة والعلماء، هيؤا وخلقوا المهد الثقافي للتطورات الجديدة وخطوا خطوة كبرى بالفكر السياسي في تلك المرحلة.تمثلت في وعي المستوى السياسي لنفسه خارج الدين وتمييزه جوهر الإنسان كفردية، وكعلاقة اجتماعية من أجل بناء دولة جديدة .وبرز من هؤلاء؛ المنظرون للدولة الملكية القومية مثل جون بودان، الكاردينال دي مازاران والكاردينال ريشيليوفي فرنسا وميكيافيلي في إيطاليا وهوبز في إنكلترا. ويعد ميكيافيلي[ 1469-1527].أكثر المفكرين وضوحا فيما يخص الدعوة إلى الدولة القومية وفي كتابه الأمير على صغر حجمه دعوة واضحة لإقامة هذه الدولة في إيطاليا.
4- من خلال منظار ماكرو- اجتماعي يمكن القول أن نشأة الدولة القومية،ترد إلى أزمة المجتمع المدني.إنها أزمة التكامل المرتبطة بالفشل المشترك لأشكال التضامن التعاقدية وأشكال التضامن الطوائفية،كما هي مرتبطة بالظهور القوي للمصالح الجماعية التي لم يستطع المجتمع الإقطاعي ضبطها وتنظيمها.إنها أزمة سلطان يدافع عن سقوط الصيغ الإقطاعية للسيطرة، حيث أن البعض منها، قد أصبح خارج نطاق الاستعمال، والبعض الآخر أحسن الملك إعادة استعماله بعد أن أفرغه من هويته الإقطاعية، ضمن هذا التشابك والفرص المواتية قامت على الأرجح الهوية الاجتماعية التاريخية للدولة القومية.
وإجمالا يمكن القول أن الطبقة التجارية قد طورت نضالها، وعلى كل الأصعدة في الممارسة العملية
والإنتاج الفكري والثقافي، وفي أساليب كفاحها ضد الدولة القديمة لتجمع من حولها الفلاحين والحرفيين فدعمت التمردات والثورات الشعبية وأمدتها بالشعارات المناسبة، وأيدت الإصلاح الديني، وكان ميزان القوى يميل لصالحها باستمرار، حتى إذا نضجت الظروف وتطورت القوى الاجتماعية والإنتاجية إلى الدرجة المطلوبة تفجرت الثورات الكبرى التي وأدت الإقطاعية ودولتها وأحلت محلها دولة البرجوازية.
لكن الشيء الملاحظ أن وضعية كل بلد في أوربا، أعطت كل نظام سياسي طابعا خاصا به، ففي بريطانيا تحالف النبلاء مع الطبقة الشعبية ضد الملك وأجبروه على الاستشارة وإنشاء برلمان ليحاسبه على أعماله، أما في فرنسا فقد استغل ملوكها القانون الروماني الذي يعطيهم النفوذ المطلق، واستفادوا من تعلق المدن الفرنسية والطبقة الشعبية بهم ومساعدتهم على تشكيل حكومات وطنية قادرة على مواجهة النبلاء في الداخل والخصوم في الخارج. لكن الحد من النفوذ السياسي لم يكن مصحوبا بالحد من الثروة والميزات الاجتماعية الأخرى، ولذلك استفحل الاستغلال الاقتصادي في فرنسا ومهد لقيام ثورة 1789، التي جاءت لتقضي على الثراء الفاحش لرجال الدين والنبلاء وبذلك كانت الدولة الفرنسية الحديثة حصيلة سلسلة متتالية من الصراعات الاجتماعية والسياسية منذ ثورة 1789. على قاعدة متحولة من النمو الرأسمالي المختلف والمتفاوت بين أقاليمها المتعددة،وبخاصة بين الريف والمدينة، وبإصرار الجماهير الفقيرة على محاربة الاستبداد والطغيان .
واختلفت وضعيتا إيطاليا وألمانيا عن وضعيتي بريطانيا وفرنسا، فلم تكن هناك حكومة مركزية قوية ولم تتوقف الحروب بين الدويلات الصغيرة منذ انحلال الإمبراطورية الرومانية، مما أخر بداية تشكل الدولة القومية في إيطاليا إلى سنة 1859 وفي ألمانيا إلى سنة 1866.
وتقدم كل من إيطاليا وألمانيا نموذجا متميزا يعكس دور القومية في إنشاء دولتها الخاصة بها، سعيا لتجسيد قوتها كأمة. ورغبة من أبناء هذه القومية في التعبير عن وحدتهم في صورة دولة موحدة مستقلة، وفي هذه الحالة نلحظ أن الأمة تسبق إنشاء الدولة على نحو ما حدت في معظم دول وسط وشرق أوربا. وفي عدد غير قليل من دول غرب أوربا. إذ نشأت الدولة استجابة لمطالب قومية. في الوقت نفسه نلحظ أن ثمة مسارا آخر اتخذه إنشاء الدولة القومية في أوربا،حيث نشأت بتوحيد مجموعة أقاليم متباينة تحققت السيطرة عليها جميعا، حيث يشعر السكان بالانتماء إلى هذه الدولة القومية، وهو ما شهدته معظم دول غرب أوربا إما عن طريق الغزو أو الاتفاق، وهو الأمر الذي أثار فيما بعد خلافات بين هذه الدول حول ملكيتها لبعض المناطق الحدودية كالخلاف بين فرنسا وألمانيا بشأن الألزاس واللورين والتي تم تبادل السيطرة عليها بين الدولتين أكثر من أربع مرات.
وبعد هذا العرض الموجز لمراحل نشوء الدولة القومية في أوربا نجد أنفسنا أمام تساؤل كبير مفاده: هل كانت الدولة البرجوازية الحديثة في أوربا نتيجة الفلسفات، الإيديولوجيات والمذاهب الفكرية التي أبدعها كبار المفكرين،وأصحاب العقول النيرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر؟ أما أنها كانت نتيجة الشروط الاقتصادية الجديدة للرأسمالية الناهضة والبرجوازية الصاعدة، وما سببته من تطورات اجتماعية وسياسية وثقافية؟
ودون ترجيح لكفة أي من المجموعتين، لابد من الاعتراف بأن الفصل بينهما، هو فصل مصطنع، لأن الظواهر الاجتماعية في كليتها مركب معقد من الأحداث والأسباب والعوامل متبادلة التأثير والجدلية في كينونتها وصيرورتها وفي فعلها وفي حركتها.
فقد جاءت الدولة القومية من بعيد وأنجز العصر الوسيط بواكيرها، بشكل تدريجي وصعب، وكان عصر النهضة بكل تأكيد أحد هذه اللحظات التي تسارعت فيها الأحداث المشكلة للدولة الحديثة.
ثالثا: انتشار نموذج الدولة الوطنية.
لقد شكلت معاهدة وستفاليا – كما رأينا- خطا فاصلا بين أوربا الوسطى وأوربا الحديثة، بين أوربا التي كانت تسود فيها الوحدات السياسية المحلية التابعة للسلطة الشاملة للإمبراطورية الرومانية والبابا وأوربا التي تتقاسمها دول قومية ذات سيادة. هذا النموذج من التنظيم السياسي الذي ما لبث أن توسع في أوربا وخارجها ليشمل العالم أجمع. أو ما يمكن تسميته " عالمية الدولة" ظاهرة ليست تافهة، وإلا فكيف نفسر هذا النمو المتسارع لشكل سياسي كان قليلا منذ قرنين؟
لقد وجدت الدولة القومية التي ظهرت في أوربا في القرنين السادس عشر والسابع عشر من الثورة الأمريكية في القرن الثامن عشر ما أكد حقيقتها وأشاع مثالها العملي بين الشعوب، وذلك بعد الانتصار الكامل على القوات الإنجليزية في 1776 وإصدار وثيقة الاستقلال وإعلان حقوق الإنسان،وكانت أول دولة دون عاهل أو ملك، وانتخبت أول رئيس لها هو جورج واشنطن.
وأضفت الثورة الفرنسية بما حملته من شعارات التحرر والمساواة على الدولة الوطنية قداسة لم تنل منها غزوات نابليون وإمبراطوريته،بل كانت مبعث تفكير من جاء فيما بعد من القوميين في القرن التاسع عشر من أمثال فخته وهيغل وترتيشكه في ألمانيا وماتزيني في إيطاليا، ورينان في فرنسا الذين أعطوا الفكر القومي
- ومن وراءه الدولة القومية- دفعا كبيرا في القرنين التاسع عشر والعشرين.
غير أن بداية انتشار الدولة على المستوى الكوني لا يعني أن أشكالها كانت متطابقة،فقد أوجدت الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 دولة من طراز جديد، تختلف تماما عن الدولة البرجوازية في أوربا وتتخذ من أفكار ماركس وأنجلز ولينين مرجعية لها.هذه الدولة الجديدة قامت على الحق الاشتراكي،أي الملكية العامة لوسائل الإنتاج .لكنها كانت في الحقيقة دولة مركزية بيروقراطية، شديدة الوطأة على المجتمع كله، بطبقاته المختلفة، وفي طليعتها الطبقة العاملة نفسها، دولة ادعت لنفسها باسم الطبقة العاملة سلطات قمعية استثنائية ذات طابع عسكري شمولي،حرمت الرأي المعارض ومنعت تشكيل الأحزاب، وغيبت الحريات وتجاوزت الحقوق الأساسية للإنسان التي أعلنتها الثورة البرجوازية، على أنها حقوق شكلية، بينما أعلنت أنها تضمن للإنسان العامل حقوق أعلى بكثير وأشمل وأعمق في المجال الاقتصادي، وفصلت هكذا بين السياسي والاقتصادي فادعت لنفسها احتكار المجال السياسي والسيطرة على الاقتصادي لتكون سلطة شمولية مطلقة.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي ظل ظروف دولية،معقدة، اتسمت بوجود قوتين عظيمتين متنافستين: الاتحاد السوفياتي قائد منظومة الدول الاشتراكية والحليف الموضوعي لنضال الدول المستعمرة من أجل الاستقلال، والولايات المتحدة الأمريكية قائدة الدول الرأسمالية،التي أيدت استقلال دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وتصفية الاستعمار القديم لتحل محل الإمبراطوريات السابقة بشروط تبعية جديدة سميت بالاستعمار الجديد. في ظل هذه الظروف جميعها وبعد موجة الحروب التحررية الواسعة ظهرت الدولة الوطنية في العالم الثالث وبأشكال متنوعة،من الملكية إلى الجمهورية، إلى الدولة الديكتاتورية إلى الدول الاشتراكية والثورية، إلا أن السمة العامة لها ظلت تبعيتها شبه التامة للدولة الرأسمالية الحديثة في الغرب الرأسمالي.
فالدولة الوطنية في العالم الثالث بحدودها وشعارها وعلمها ومؤسساتها،ورثت عن الإدارة الاستعمارية السابقة فقهها القانوني والدستوري الذي تعمل بموجبه مؤسساتها وهيئاتها وأجهزتها،أي أنها سعت لاقتباس النماذج المتنوعة للدولة البرجوازية مع تلوينات خاصة اقتضتها طبيعة العلاقات السائدة في مجتمعاتها المتنوعة.
وهكذا نجد أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية ظهرت ثلاثة نماذج للدولة:
النموذج الأول: الدولة البرجوازية وسميت بدولة الرفاه في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية.
النموذج الثاني: الدولة الاشتراكية وكان نموذجها البارز هوالاتحاد السوفياتي.
النموذج الثالث: الدولة في العالم الثالث، التي كانت تطمح إلى تحقيق التنمية والتخفيف من حدة التبعية.
وبصرف النظر عن الاختلافات المتعددة بين هذه النماذج الثلاثة للدولة في القرن العشرين وعن طرق تشكل كل نموذج، فإنه وفقا لقواعد القانون الدولي تنشأ الدولة عن إحدى الصور الآتية:
أ‌- قد تنشأ الدولة من عناصر جديدة باستقرار مجموعة من السكان فوق إقليم غير مأهول، وإقليم كان مسكونا بشعب قليل أو ضعيف،وهذا نادر في الوقت الحاضر ومن أمثلة ذلك جمهورية ليبيريا في إفريقيا.
ب - قد تنشأ الدولة الجديدة من عناصر قديمة نتيجة تفكك أو انحلال بعض الدول القائمة،وهذه هي الصور الغالبة في نشأة الدول الحديثة، ومن أمثلتها الدول التي ظهرت نتيجة تفكك الاتحاد السوفياتي.
ج- قد تنشأ الدولة الجديدة عن طريق انضمام عدة دول إلى بعضها على شكل دولة موحدة، كقيام الجمهورية العربية المتحدة نتيجة اتحاد دولتي مصر وسوريا[ 1958-1961م].
4. ماهية المجتمع المدني:
-نشأته
لقد عرفت أوروبا قبل القرن الثامن عشر نظاما اجتماعيا تراتبيا، استند إلى مبدأ توزيع الأرض بالتميز الواضح بين ملاك الأراضي الذين يشكلون الطبقة الأولى التي احتكرت الملكية والطبقة العاملة التي تمثل الأقنان الذين يشتغلون مقابل ضريبة عيشهم على جزء من تلك الأرض، كما يتقاسم في إطاره النبلاء ورجال الدين السلطة والمكانة الاجتماعية، بحيث كانت السلطة تستمد قدسيتها ومشروعيتها الدينية من الكنيسة القائمة على نظرية الحق الإلهي، التي أضفت صفة الحكم الإلهية على الملك، باعتباره حاكما مطلقا يتمتع بهالة من القدسية والاحترام الديني، وبكل السلطات، فأصبح ينظر إلى الملك بأنه صورة حية لله*، وبأن سلطاته تظاهي سلطات الله في السماء.
وبهذا فإن الملك أصبح يمثل سلطة مرجعية وزعامة روحية على مجتمع الدول المسيحية وعلى سلطات الكنيسة الديني والقانوني، والتي كانت تدعي بالحق المطلق والعدالة المتناهية اعتمادا على الحق الإلهي، وبالتالي فهي تتحكم في مصير الأفراد وحياتهم الخاصة والعامة وما عليهم سوى الإذعان والطاعة العمياء والخضوع المطلق بداعي المصلحة العامة.
ولقد تمكنت هذه الاعتقادات الدينية السائدة البابا وأعطته الحق في اختيار أو خلع الأباطرة عن عروشهم استنادا إلى نظرية الحق المطلق.
كما شكلت الأوضاع السائدة في المجتمع الأوروبي آنذاك والتي تميزت بسيطرة الجانب الديني على جميع الجوانب الأخرى عائقا أمام أي إصلاح أو تغيير داخلي، كونها سيطرت على حرية الأفراد وأفكارهم، لأن الأفكار التي عمل رجال الدين على ترويجها ترى في أي نشاط هدفه الربح المادي بمثابة الخطيئة التي لا تغتفر ، فالأخلاق الدينية لا تسمح للفرد أن يمارس نشاطا غير الذي تسمح به الكنيسة شرط أن لا يؤدي إلى تحقيق منفعة وربح ماديين.
لكن مع نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، دخلت أوروبا عصرا جديدا شكل بداية تحول في الوعي الأوروبي، خاصة مع بداية عصر النهضة، الذي تميز بإنتاجه الفكري والفلسفي الغزير، والذي شكل ثورة ضد مقومات المجتمع القديم ورفض سيطرة رجال الدين والكنيسة على الحياة السياسية والفكرية، ومقاومة الحكم المطلق وأقر بسلطة الملك المستمدة من الشعب، وأكد على حرية الفرد، وهذا ما يتجلى بشكل واضح مع الاتجاه الإصلاحي التنويري، الذي دعى إلى مقاومة الحق المطلق للملك ونظرية الحق الإلهي، وطالب بأن يكون القانون هو العقل والحكمة نفسها والحد من سلطة الملك وخضوعه للقانون.
ولقد كان للثورات الفكرية التي عرفتها أوروبا الداعية للإصلاح الديني والاجتماعي دورا في إحداث بذور التغيير الجذري على المستوى السياسي والاجتماعي، وكذا على مستوى التنظير الفكري، وهذا ما يتجلى بوضوح مع المذهب الإنساني الذي عارض سلطته وطالبت بمبدأ تفتح الشخصية الإنسانية، وأكد على حق التمتع بملذات الدنيا وإشباع مختلف الحاجات، أي دافع عن كرامة الإنسان وأرجع له مكانته الإنسانية، وتوسع فيما بعد ليجعل منه مركز العالم.
إن هذا التحول الفكري انعكس إيجابا على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، فصار البحث عن الموارد واستغلاها عاملا مهما في بناء النشاط الاقتصادي وتشجيع التجارة وتوسيع اقتصاد الأسواق، ولقد صاحب هذا النمو تطور اجتماعي تمثل في نمو برجوازية المدن، وكذا برجوازية الريف التي أصبحت تشغل أموالها في الصناعة.
وهكذا دشنت الثورة الصناعية نظام إنتاج جديد وحياة جديدة، الأمر الذي استدعى البحث عن أسس نظام حكم قادر على تنظيم الحياة، وحماية البنية الاقتصادية، بمعنى آخر إيجاد نظام يحمي مصالح الطبقة البرجوازية، ويكرس المبادرة الفردية والبحث عن الربح، ويعطي للأفراد حرية أكبر لتسيير شؤونهم وأحوالهم عن طريق تشكيل علاقات جديدة بينها ، وهذا ما تجسد مع الثورة الفرنسية، بحيث أعطت نمطا جديدا في العلاقات بين الأفراد وبين السلطة المركزية، ولقد اقر قانون 22 ديسمبر1789 حق إنشاء جمعيات أولية وجمعيات إدارية ولا مركزية لم تكن معروفة من قبل، وهو ما أدى إلى ظهور مجتمع جديد يختلف تماما عن المجتمع القديم سواء من جانبه الفكري أو الوظيفي، فقد أعادت الثورة صهر جهاز الدولة مع المبادئ العامة للمجتمع البرجوازي الجديد.وهكذا فقد تشكل مجتمع لا يقتصر على كونه منظومة مبادلات داخلية وخارجية، بل هو قبل كل شيء عامل إنتاج لذاته، وخلق اتجاهات العمل الاجتماعي انطلاقا من الممارسة وإنتاج الشغل.
وفي الأخير يمكن القول انطلاقا من كل ما تقدم أن المجتمع المدني لم يولد من العدم، بل جاء نتيجة صراع طويل تمخض عنه ثورة فكرية تزامن مع تفجر الثورة الصناعية، التي استطاعت أن تنير العقل الأوروبي وتخلصه من سيطرة الكنيسة وجبروت الملوك، كما أعادت الاعتبار للإنسان ومكانته، وساهمت في بروز أنماط اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة، الأمر الذي تطلب وجود تنظيم جديد يحدد وينظم علاقات الأفراد فيما بينهم ويضمن حرياتهم.
-المجتمع المدني في الفكر الغربي الحديث(الليبيرالي-الماركسي)
إن التطرق إلى معرفة وفهم التأصيل النظري للمجتمع المدني الغربي سيتم من خلال اختيار الفكرة القائلة: بأن المجتمع المدني في الفكر الغربي جاء نتيجة صراع طويل بين ما هو ديني ومدني، وبين النظام الرأسمالي والإقطاعي القديم، ليتبلور خلال النهضة العلمية والفكرية التي عرفتها أوروبا والتي ساعدت على تنظيم المجتمع وتوسيع مؤسساته.
إن مفهوم المجتمع المدني جاء نتيجة تزامن النهضة الفكرية مع الثورة الصناعية إلى جانب فصل الكنيسة عن الدولة، وبذلك تجاوزت هذه المجتمعات الحالة الفطرية (الطبيعية) إلى المجتمع المدني، ولقد تبلور هذا المفهوم لأول مرة مع نظرية العقد الاجتماعي وبعض منظري الحقوق المدنية أمثال فرغسون وهوبز "Hobbes" وهذا استجابة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرفتها أوروبا في تلك الفترة، فحسب هذه النظرية فإن المجتمع المدني هو ذلك المجتمع المتحرر من دور الدين في بنائه، والقائم على الحرية الفردية والتعاقد الإنساني الحر، وفي هذا الصدد يقول جون لوك "John locke" :" لما كان البشر بالطبيعة أحرارا متساوين ومستقلين، فلا يستطيع أي أحد أن يخضع أي كان سلطته السياسية دون اتفاق خاص معه، لأن الاتفاق هو الطريقة الوحيدة التي بها يسلب الفرد حريته الطبيعية ويدخل في التزامات المجتمع المدني، باتفاقه مع البشر على خلق حكومة واحدة، وبذلك يتعاونون على خلق جسم سليم واحد، وبهذا تكون السلطة كجسم واحد وتكون القرارات للأغلبية".
إن تحول المجتمع المدني الأوروبي من مرحلة إلى أخرى تميز بتطور المجتمع وظهور حاجات جديدة أدت إلى بروز الصراع داخله، الأمر الذي أدى إلى ضرورة التنازل عن جزء من السيادة لفرد أو جماعة لحفظ الأمن والتمتع بالحقوق داخل المجتمع، وبهذا يتم الانتقال من المجتمع الطبيعي إلي المجتمع السياسي أو المجتمع المدني، بحيث يرى هوبز بأن قيام سلطة الحكم على الاتفاق، هو أساس وحدة المجتمع المدني، والعقد هو الأسلوب الوحيد لتأسيس تلك الوحدة، وبهذا يكون مفهوم المجتمع والدولة كل متكامل، ومن ثم فإن المجتمع المدني لا يعرف المراتب الاجتماعية ولا التدرج الاجتماعي، كما ان تركيبته الداخلية لا تعرف السيطرة ولا التبعية بمعنى أنه التجمع الإنساني العالي الذي ينشأ عن إرادة الأفراد وهو مؤسس للمصلحة العامة بشكل يسمح للأفراد والأسر تفادي حالة الطبيعة.
و عليه فإن نظرية العقد الاجتماعي هي انعكاس لمرحلة تاريخية نوعية في عملية انتقال المجتمع الأوروبي من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية، كما أنها أسهمت إسهاما كبيرا في القضاء على سلطة النظام الإقطاعي وسلطة الكنيسة حتى وإن كانت من وحي برجوازي.
هذا وتشكل كل من مساهمة " فرغسون وتوماس باين" بداية مرحلة فصل المجتمع المدني عن الدولة، وكيفية حمايته من سيطرة النظام السياسي بعدما كان يشكل في نظر العقد الاجتماعي كلا متكاملا ولا فرق بينهما.فحسب فرغسون فإن المجتمع المدني هو ذلك المجتمع المحكوم بقوانين تسمح بالمشاركة الفعالة للمواطنين في حياتهم العامة، وهذا يتجسد من خلال تعدد الجمعيات بالنسبة للمواطنين في مختلف المجالات الاجتماعية، كمحتوى شامل للمجتمع المدني.
وبهذا يكون فرغسون قد وسع مجال المجتمع المدني في جانبه المؤسستي، الأمر الذي يسمح بتنظيم نشاط الأفراد وحماية حقوقهم، وهذا ما يؤدي إلى توسيع جانب المشاركة الجماعية المنظمة للأفراد داخل الدولة، وبالتالي حماية المجتمع المدني من تسلط النظام السياسي.
وعليه فإن الروابط الوثيقة بين الملكية الخاصة والمواطنة التي بناها فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر أدت إلى تأسيس العقد الاجتماعي بوصفه مبدأ جامعا في المجتمعات الصناعية الأوروبية الجديدة، وكان المجتمع المدني قد استمد قوته في العصر الكلاسيكي من هذا السياق المنطقي ومن الشرعية السياسية القوية.
لقد عرفت المجتمعات الأوروبية تحولات عميقة تمخضت عنها بروز علاقات اجتماعية جديدة ترتب عنها نشوء مؤسسات ومنظمات، برز من خلالها ناشطون في المجال الاجتماعي، فتجاوز مرحلة الانطواء على الفردية لأنهم اكتشفوا أهميتهم في الحياة العامة والمشاركة الجماعية والمساهمة في بناء رأي مؤثر، وذلك بدء بالمرحلة التي طرحت فيها قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا ما أضاف بعدا جديدا للتفريق بين الدولة والمجتمع المدني،*فأصبح ينظر للمجتمع المدني بأنه مجتمع قادر على تسيير ذاته خارج إطار الدولة.
إلا أن مفهومه اتخذ صيغة جديدة مع بداية القرن السابع عشر خاصة مع مساهمة هيجل الذي أعطى له مفهوما جديدا ، وأهمية استثنائية للدولة بقصد تدارك ظاهرة التآخر التي كانت تعيشها ألمانيا في تلك الفترة، بالمقارنة مع بريطانيا وفرنسا، فبالنسبة لهيجل فإن المجتمع المدني هو الذي يضم كافة الأفراد والطبقات والمؤسسات الاقتصادية التي تنظم في ظل القانون المدني، وهو مجال تقسيم العمل والتنافس بين المصالح الخاصة المتضاربة، وهذا يعني أن المجتمع المدني هو حقل تنافس وصراع لتحقيق المصالح الذاتية غير المستقرة التي تشكل تهديدا مستمرا، وعليه فهو هيئة عاجزة تتطلب المراقبة الدائمة من الدولة، ومن هنا خلص إلى أنه لا يقوم إلا عبر الدولة المؤهلة لحل إشكالياته الداخلية، لذلك وجب خضوعه إلى سلطة الدولة.
إن هذا التحليل يسمح بتصور المجتمع المدني عند هيجل من خلال منطقه الجدلي بأنه نقيض للقضية الأولى المتمثلة في الأسرة التي تتهدم في إطاره، ثم تأتي الدولة كتركيب آخر مرحلة، وكقوة مستقلة عن المجتمع المدني.
وبالنتيجة فإن هيجل لم يبد حماسا شديدا للمجتمع المدني على عكس أصحاب نظرية الحق الطبيعي، كونه اعتبره بأنه وحدة عاجزة في حاجة مستمرة إلى المراقبة الدائمة من طرف الدولة، كما أنه ناتجا تاريخيا يتموضع بين مؤسستي العائلة والدولة.
لقد كان تصور هيجل للمجتمع المدني بهذه الصورة نابع من تأثره بظروف مجتمعه، خاصة وأنه كان ينزع نحو تحقيق وحدة ألمانيا، وهذا لن يتم إلا في ظل دولة قوية تتجاوز صراع المجتمع البرجوازي.
أما بالنسبة لدو توكفيل فإنه انطلق من التجربة الأمريكية في الديمقراطية لتجديد تحديد مفهوم المجتمع المدني، حيث ركز على الدور الكبير الذي تلعبه الجمعيات داخل مجتمع ديمقراطي متحضر يبحث عن تجسيد معاني العدل والحرية والمساواة، وقد لفت انتباهه إقبال الأمريكيين على تأسيس الجمعيات ، حيث يقول "...الأمريكيون على اختلاف ظروفهم وميولهم وأعمارهم يسارعون إلى إنشاء جمعيات ، فليس عندهم شركات تجارية وصناعية يشاركون فيها جميعا فحسب، بل عندهم كذلك جمعيات شتى من آلاف الأنواع، فثم جمعيات دينية وأخلاقية ، وجمعيات عامة للمجتمع وأخرى خصوصية...".
لقد أعجب توكفيل كثيرا بالجمعيات الأمريكية لأنها تملك المبادرة، بل أنها الوسيلة المثلى للحد من الاستبداد ، الذي يختفي وراء القوانين والتشريعات.
أما العلاقة بين الجمعيات المدنية والسياسية فيقول:"...هكذا الجمعيات المدنية هي السبيل لقيام الجمعيات السياسية وتقويتها...".
وبالنتيجة فإنه أبرز أهمية المجتمع المدني بكل مؤسساته في الحياة المدنية وما تلعبه من دور مهم في الحياة السياسية، خاصة بعد التطورات الاقتصادية والاجتماعية، التي عرفها المجتمع الأمريكي ،يعد إرساء قواعد الديمقراطية اللبرالية، ويكون بهذا قد أعطى للمفهوم بعدا مؤسسيا يمكنه من التأثير في الوظيفة السياسية لدعم وتطوير الحريات والديمقراطية، وهنا يتفق معظم المهتمين بهذا الجانب مع توكفيل على أن تقدم العالم المعاصر جاء نتيجة التطورات المؤسسية التي وجدت بتعبيرها الأكثر وضوحا في الاقتصاد الرأسمالي.
أما بالنسبة لكارل ماركس فقد وضع المجتمع المدني في إطار مفهوم جديد بحيث اعتبره ساحة للصراع الطبقي، واعتبره نتاج التطور التاريخي البرجوازي متميزا بالتنافس والصراع بين المصالح الاقتصادية الفردية ومتماثلا مع الاقتصاد البرجوازي الصاعد ومع النزعة الفردية ، وهو أساس الأخلاقية البرجوازية، ويعتبره بأنه الأساس الواقعي للدولة التي تستمد وجودها واستمرارها من ظاهرة انقسام المجتمع إلى طبقات فيقول:" إن النظام الذروي الذي يتجلى بواسطة المجتمع المدني، عندما يعبر عن ذاته سياسيا ناتج بالضرورة عن كون المحيط الجماعي الذي يعيش فيه الفرد فعلا هو المجتمع المدني المفصول عن الدولة...الدولة السياسية".
والملاحظ أن هناك اختلافا في الرؤية بين ماركس وهيجل فيما يخص العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، لأن ماركس لا يعتبر الدولة مستقلة، بل هي تابعة له.
والجدير بالذكر أن هذا المفهوم الذي ترك لعقود عديدة لم يستقر كفكرة حتى غاية نهاية الحرب العالمية الثانية وزوال الفاشية المعادية لفكرة الديمقراطية حيث عاد بعد ذلك إلى دائرة الجدل السياسي مع الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي Gramsci .
لقد تجاوز غرامشي الصراع الهيجلي والماركسي كونه نقل هذا الأخير من مجال التنافس الاقتصادي إلى مجال التنافس الإيديولوجي،حيث رأى انه جزءا لا يتجزأ من مستوى البناء الفوقي وذلك بالتوازي مع المجتمع السياسي،فالمجتمع المدني الذي يتموقع على مستوى بناء الإيديولوجيا الفوقي ذو وظيفة هيمنية، وهي وظيفة يتم القيام بها بواسطة المثقفين والتي تحدث بطريقة غير مباشرة في حين تمارس الدولة وظيفة السيطرة والقيادة عن طريق مؤسساتها.
إن نظرته هذه ارتبطت كثيرا بظروف المحيط الذي عايشه، حيث كانت فكرته ناتجة عن المقارنة بين الثورة التي نجحت في روسيا والثورة التي لم تنجح في أوروبا، فأراد أن يدل الماركسيين إلى طريقة أخرى تمكنهم من تحقيق دولة شمولية دون اللجوء إلى العنف الثوري الذي أوصل البلاشفة إلى السلطة حيث يرى أن أحسن الطرق هي التي تتمثل في احتلال المواقع المؤثرة في القضاء الخاص بالمجتمع المدني واستخدامه لتحقيق الهيمنة الإيديولوجية والثقافية، ومن ثم التخلي عن القوة والعنف.
ويرى غرامشي أن هناك علاقة تفاعلية بين المجتمع المدني والدولة، بحيث تمارس هذه الأخيرة وظيفة السيطرة المباشرة عبر مختلف مؤسساتها، ونتيجة لذلك فإن المجتمع المدني يحوي على الإيديولوجيا بمكوناتها المتعددة يخلق إيديولوجيا مضادة، ونتيجة لعلاقة الصراع تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من تحقيق استقلاليتها ومراقبة الدولة والضغط والتأثير في السياسات العامة.
ولهذا عرف المجتمع المدني تطورا خاصا ، فأصبح يعبر عن مجال للتنافس الإيديولوجي من أجل الهيمنة ، كما أنه استخدم مفاهيم جديدة لم تكن معروفة مثل الهيمنة والإيديولوجية، والمجتمع السياسي، وبذلك تعتبر آراء هذا الفيلسوف مساهمة كبيرة وتطورا فكريا ونوعيا بالغ الأهمية.
وعليه فإن ميلاد مفهوم المجتمع المدني ونشأته وتطوره في الفكر الغربي ارتبط بميلاد ونشأة وتطور الدولة الحديثة، فهو مفهوم جاء في سياق تاريخي خاص نتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي حدثت في أوروبا خلال عصر التنوير والثورة الصناعية.
أما على مستوى المرجعية الفكرية والنظرية للمفهوم فقد كان محل اهتمام الكثير من الفلاسفة والمفكرين الغربيين الذين أسهموا في بلورة مكوناته المعرفية والنظرية، بداية من فلاسفة العقد الاجتماعي التي مهدت للمنطلقات الرئيسية المرتبطة بالمجتمع عامة والمجتمع المدني خاصة، امتدادا إلى الفكر الهيجلي والماركسي الذي اعتبره مجال للتنافس الاقتصادي، وصولا إلى الفكر الغرامشي، الذي نقل هذا الأخير إلى مستوى البناء الفوقي بالتوازي مع المجتمع السياسي، إلى جانب هذا يأتي التصور التوكفيلي والذي أضاف له بعدا مؤسساتيا وهو ما يوضح بأن مفهوم المجتمع المدني لم يولد من فراغ بل جاء نتيجة صراع فكري عبر مسيرة طويلة من الزمن.
-المجتمع المدني في الفكر العربي الإسلامي
-إشكالية المفهوم:
في البداية يجب الإشارة إلى أن مفهوم المجتمع المدني وليد الفكر الغربي، أي أن نشأته واستخدامه المعاصر شديد الالتصاق بالتجربة الغربية، الأمر الذي جعل الحديث عن جذوره ومظاهره في الفكر العربي يطرح صعوبات منهجية، كما يثير الكثير من التساؤلات والتحفظات ، خاصة وأن مسار عملية تطور المجتمع العربي ليست هي بالضرورة مماثلة مع المسار التاريخي الأوروبي، وهذا ما يؤكد صعوبة عقد مقارنة بين التجربتين ، فمن الناحية الاصطلاحية نجد أن هذا المصطلح في الفكر الغربي يفيد القطع بين الدولة والدين ، كما أن مصطلح المجتمع المدني مشتق من مواطنة (citoyenneté) ومواطن citoyen ومدينية cité ومدينة civile ، فهذه الاشتقاقات متصلة كلها بالتجربة الغربية.
كما يثير استخدام هذا المصطلح إشكاليات مفهومية هامة، فقد وضع للتميز بين المؤسسات التقليدية والحديثة، فتضمن هذا التميز أبعاد وإسقاطات وميولات إيديولوجية وثقافية معينة، مما أدى إلى احتدام الصراع والجدل بين المفكرين على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية.
ولتجنب هذا الإشكال فقد اقترح المهتمون بهذا المجال مصطلحا بديلا يتلاءم مع الظروف الخاصة بالثقافة العربية، وهو المجتمع الأهلي الذي له جذور لغوية أعمق، كما أنه لا يقيم تمييز بين الريف والمدينة، ولا بين التكوينات الاجتماعية التقليدية والتكوينات الاجتماعية الحديثة، خاصة وأن بنية المدن العربية هي بنية ريفية، متصلة بالتكوينات الاجتماعية، ذات الامتدادات المناطقية أو العائلية أو الريفية أو خليط منها،كما أن علم الاجتماع الإسلامي يؤكد على أن مضمون المجتمع المدني ليس جديدا على الحضارة الإسلامية، فالدولة والمجتمع والحكومة وفقا للنص والممارسات في الإسلام هي مدينة ولا قدسية لأحد.
لهذا يبقى هذا المصطلح في الفكر الإسلامي يواجه صعوبات منهجية على اختلاف الاتجاهات الفكرية العربية، وهو ما يدفع إلى تجنب الغوص في هذا الجانب، تفاديا للصعوبات التي تعتريه، وما يتطلب التركيز على نقطة تبدو غاية في الأهمية والتي تتعلق بالدور الذي يقع على عاتق المجتمع المدني في تكريس وترقية نسق الحكم الصالح، بمعنى التركيز على الجانب الوظيفي لهذه المنظمات.
2-المجتمع المدني في الفكر العربي الإسلامي:
يشير التاريخ العربي الإسلامي إلى أن المجتمعات العربية كانت تتشكل من علماء وحرفيين وتجار ومتصوفة وقيادات الملل وتكوينات اجتماعية تتفاوت بصورة ملحوظة كالقبائل والطوائف والأقليات العرقية والمذاهب الدينية، والتي كانت تدير شؤونها بنفسها، كما كان الأفراد يعتمدون عليها في الحفاظ على هويتهم والوفاء باحتياجاتهم الأساسية وهذا عن طريق زعماء منتخبين أو معينين، بحيث يستند إليهم أمن السلطة القضائية والإدارية داخل جماعتهم الخاصة، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون في مقدمته إذ نقرأ: ما سمعه من السياسة المدنية (في مقابل السياسة المحكومة بوازع الحاكم) ومعناه عن الحكماء ما يجب أن يكون عليه كل واحد من ذلك المجتمع في نفسه وخلقه حتى يستغنوا عن دور الحكام.
وهذا ما يدل على مستوى التنظيم والوعي الطبقي والاجتماعي والتكافل الاجتماعي القائم على أساس المهنة والدين والمذهب، إلا انه بقدر ما كانت هذه الحركات منظمة وبقدر إسهامها في أحداث التاريخ، بقدر ما أصاب الكثير منها الوهن والاندثار في المراحل اللاحقة، وهو ما يعزى بالدرجة الأولى إلى الاستبداد الذي مارسته الدولة السلطانية، الذي ينتج عنه جمود فكري وانحدار حضاري شامل أدى إلى الضعف وإلى تدهور المجتمع وركائزه الأساسية، ووصل الضعف أشده حين تغلغل الاستعمار الأوروبي في المنطقة العربية، وما تركه من تأثيرات بالغة على المجتمعات العربية، خاصة وانه هو من قام بإنشاء الدولة العربية، بل غرسها غرسا.
لهذا فإن الدولة الحديثة قامت بإنشاء المؤسسات الجديدة التي تحتاج إليها، فهي التي تغذيها وتوجهها وتمنحها السلطة والنفوذ، من هنا فقد ظهرت مؤسسات جديدة حلت محل المؤسسات التقليدية، التي لم تعد قادرة على أداء وظائفها الاجتماعية حسب الاتجاهات والتطلعات الحديثة، وهو ما جعل الدولة مؤسسة خاصة توظف لسيطرتها المطلقة وتغلغلها في كل ثنايا المجتمع من أجل خدمة مصالح الفئة الحاكمة وليست تعظيم المصالح العامة.
إن هذه الوضعية التي آلت إليها المؤسسات التقليدية ساهمت في بروز محاولات وإسهامات فكرية رغبة منها بتحقيق النهضة وهذا خلال القرن التاسع عشر، حيث عرف الفكر العربي مشاريع نهضوية قدمها جماعة من المفكرين* بحيث شكلت في وقت مبكر البنى الأساسية التي قام عليها الفكر العربي الحديث.
ولقد كان دورا كبيرا للنموذج الغربي في التأثير على المفكرين العرب، خاصة الذين عايشوا التجربة الغربية وتأثروا بنظام الحكم الأوروبي ، ومبدأ الفصل بين الدين والدولة، وبالقانون المدني العام، ولذلك حاولوا العمل بالأسس والمبادئ العامة التي تستطيع إدخال النظرية السياسية الأوروبية في إطار النظرية السياسية الإسلامية.
وخلصوا إلى أن الأخذ بالنظام السياسي والقانوني للدولة الحديثة لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية، بل يحقق المثل الذي نادى بها الإسلام من العدالة الاجتماعية وتحقيق الحرية والمساواة.
فيرى رفاعية الطهطاوي (1801-1873) أن الحرية هي احد الأسس العامة للحقوق المدنية في الدولة الحديثة، وهي سر نجاح التمدن والتقدم، وكما دافع عن حقوق الإنسان، بحيث يرى أن ليس من حق القوة الحاكمة أن تنقص حق المواطن في ممارسة حريته إلا ضمن القانون، والمواطن الحر يطمئن على حماية القانون لحريته هو المواطن الذي يسعى لرفع شأن مجتمعه ووطنه، انطلاقا من هذا يصل إلى تعريف المجتمع المدني بأنه مجتمع المواطنة المطمئنة بفعل سيادة الحرية والمساواة القانونية، فالحرية والمساواة هما أساس الاستقرار الداخلي في الدولة الحديثة.
أما خيرالدين التونسي (1810-1887) فيرى أنه لا يجوز بحال من الأحوال الاستبداد بالسلطة والانفراد بها، ويجب أن تقيد تصرفات الحاكم في الدولة بالقانون الضابط والأنظمة المقيدة، ولا يسوغ أبدا أن يسلم أمر المملكة لإنسان واحد، فهو بهذا يطالب بالنظام الديمقراطي القائم على التداول والمساءلة والقانون ووجود المعارضة، لذلك يؤكد على وجود مثل هذه العناصر في دولته الدستورية .
انطلاقا من هذا فإن المجتمع المنشود عنده هو المجتمع الذي تسوده الحرية ومبادئ الشورى.
وفي نفس السياق فقد تطرق محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي إلى موضوع الاستبداد وكيفية معالجته، وإلى كيفية الوصول إلى الدولة العادلة، التي يعيش فيها الفرد حرا ويخدم المجتمع بحرية، لذلك يرى محمد عبده أن المجتمع المدني هو مجتمع المواطنين الذين قد يختلفون في العقيدة والمذاهب، إلا أنهم يتكلمون لغة واحدة، الجميع إخوان حقوقهم في السياسة والقوانين متساوية.
وعليه كان مفكرو العصر الحديث قد توصلوا إلى أن الحد من الاستبداد ومواجهته، يتطلب نوعا من تنظيم السلطة السياسية،طبقا لمفاهيم الديمقراطية.
وبالرغم من هذه المحاولات لبناء اجتماع متماسك وقائم في ظل الحرية الاجتماعية، إلا أن المجتمع المدني الحديث في المنطقة العربية لم يقم ويتسع بالشكل الذي قام به في المجتمعات الغربية، وهذا طبعا راجع إلى الظروف التي مرت بها المنطقة العربية، خاصة حينما نشأ هناك انفصام بين الدولة ومؤسساتها الاجتماعية، وهذا ما دفع بها إلى احتواء جميع القوى الاجتماعية داخل نظمها السياسي.
إن التحول الديمقراطي الحاصل في العالم، وازدياد المطالبة بدمقرطة الأنظمة العربية ساعد على بروز مؤسسات المجتمع المدني، والتي تمثلت في النقابات ومنظمات حقوق الإنسان وأعمال المعارضة...إلخ، وتمتعها بالقيام بالوظائف الاجتماعية في حدود يضبطها القانون.
ونظرا لأهمية هذا الأخير وضرورته فلقد ازدادت الحاجة إلى إحيائه وتنميه المجتمع العربي، وهذا لمسايرة الظروف التي يمر بها في الوقت الحاضر ، خاصة وأنه اتخذ كمؤشر تقاس به درجة ديمقراطية كل نظام سياسي، وكآلية للحد من تسلط النظام السياسي وتفعيل نسق الحكم.
وبناء عليه فإن مفهوم المجتمع المدني لم يحظ باهتمام كبير كما حدث في الفكر الغربي، إلا أن إسهامات بعض المفكرين العرب في العصر الحديث والتي تناولت هذا الأخير انطلاقا من خصائص تثبته، وصولا إلى محاولة تكيفه مع التغيرات الحاصلة في العالم كشفت عن مدى أهميته في الدول العربية الإسلامية.
وعليه فإن المجتمع المدني على هذا النحو هو عبارة عن شبكة من المؤسسات (القبيلة، العائلة،الكنيسة،والنقابات والاتحادات والجماعة) التي تقع بين الدولة والفرد والتي في الوقت نفسه تصل أو تربط الفرد بالسلطة وتحميه من السيطرة السياسية الشاملة.
إذا فقد انصب اهتمام الفكر العربي المعاصر على ضرورة إحياء المؤسسات المدنية التقليدية وتشكيل مؤسسات حديثة وتكيفها مع المتغيرات الجديدة، تماشيا مع الشكل الجديد للدولة العربية الحديثة انطلاقا من المقومات الذاتية والخصائص البيئية للنظام السياسي.

-1/ مفهوم المجتمع المدني :
أصبح مفهوم المجتمع المدني ملازما للدولة العصرية،حيث حل محل مصطلح المجتمع الفاضل في الفلسفة السياسية،و لم نعد نتحدث عن علاقات مباشرة بين المواطن و الدولة ،و إنما عن علاقات غير مباشرة تتوسطها مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب و جمعيات و نقابات ،...، و يعرف الدكتور"سعد الدين إبراهيم" المجتمع المدني بأنه"مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة غير الحكومية و غير الإرثية،التي تملأ المجال العام بين الأسرة و الدولة،لتحقيق مصالح أفرادها من أجل قضية أو مصلحة أو للتعبير عن مصالح جماعية ،ملتزمة في ذلك بقيم و معايير الاحترام،التراضي،التسامح و الإدارة السليمة للتنوع و الاختلاف".
و يعد المجتمع المدني الإطار العام الذي يمتد و يربط بين الأفراد و الدولة،و الذي يشكل قنوات اتصال و يسمح بمشاركة الأفراد سواءا فرديا أو جماعيا في مختلف الأنشطة و تنظيمهم في جماعات ذات قوة للتأثير في السياسات العامة،و تسيير الموارد بكل شفافية لتحقيق التنمية على جميع الأصعدة،كما أنه يعبر عن حرية الأفراد والجماعات،كحرية التعبير عن التطلعات الفكروية، و حق الدخول للموارد العامة و الحصول عليها ،و حرية المبادرة و المساهمة في تنمية المجتمع،لذلك فهو يؤمن بيئة مساعدة و منظمة للعمل الإنساني غير الربحي يعمل فيها الناس باختيارهم الخاص،مما يساعد على تحقيق إدارة أكثر ترشيد للحكم من خلال علاقاتها بين الفرد و الحكومة،و من خلال تعبئتها لأفضل الجهود الفردية و الجماعية .
إن المجتمع المدني ظاهرة اجتماعية نسقية ومؤسسية ، فهو عبارة عن مجموعة من التنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية . و بغض النظر عن تعدد تعريفات مفهوم المجتمع المدني في الفكر العربي ، وما تثيره هذه القضية من مشكلات منهجية و نظرية ، خاصة في ظل تعدد مظاهر التوظيف الايديولوجي للمفهوم واستخدامه من قبل قوى عديدة و في سياقات مختلفة .
-أركانه و خصائصه
أركان المجتمع المدني :
يرى المفكر سعد الدين إبراهيم و آخرون أن مفهوم المجتمع المدني سواء في الفكر الغربي أو الفكر العربي ينطوي على أربعة أبعاد تعبر عن وجوده وتشكل أركانه وهي :
أ - الركن الأول هو البعد التنظيمي (التنظيم الجماعي - المؤسسية):
يضم المجتمع المدني مجموع التنظيمات التي يشكلها الأفراد بشروط يتم التراضي بشأنها وقبولها . فهي تنظيمات تسير وفق نظام معين ، وقانون أساسي محدد ، ولهدف واضح مثل الأحزاب السياسية ( خارج السلطة) ، والنقابات المهنية والعمالية و الجمعيات الثقافية وغيرها ، و تعمل من أجل تحقيق مصالح أفرادها المادية و المعنوية و الدفاع عنها سواء في مواجهة الدولة أو في مواجهة قوى وتنظيمات المجتمع المدني الأخرى أو في مواجهة مشكلة معينة و محددة".
ب- الركن الثاني هو الفعل الإرادي الحر ( الطوعية):
تتشكل تنظيمات المجتمع المدني بالإرادة الحرة للأفراد ، ، وينضمون إليها طوعا ، بشروط صريحة أو ضمنية يتم التوافق عليها من طرف من يؤسسون التنظيم ، أو يتم قبولها من طرف من ينضمون إليه فيما بعد . وهي تنظيمات تختلف عن الجماعات الإرثية التي لا دخل للفرد في اختيار عضويته فيها و ينتمي إليها استنادا إلى أسس موروثة تقوم على معاير القرابة و الدم ( الأسرة ، العشيرة ، القبيلة ) أو معايير عرقية( السلالة ، العنصر) أو معايير دينية ( المذهب ، الطائفة ، الطريقة) . كما أنها تختلف عن مؤسسات الدولة وتنظيماتها الحكومية التي تجسد سلطة الدولة و قوانينها.
ج- الركن الثالث هو الاستقلالية :
تشكل تنظيمات المجتمع المدني الأجزاء المنظمة من المجتمع العام ، وتملأ المجال العام بين الأسرة والدولة . لذلك يشترط أن تتمتع هذه التنظيمات باستقلالية حقيقية عن سلطة الدولة. وهذا لا يعني الانفصال و القطيعة ، ولكن الاستقلال النسبي عن الدولة. إذ تنشأ تنظيمات المجتمع المدني في الأصل ، بمبادرات من الأفراد و القوى و التكوينات الاجتماعية . ويفترض أن تتمتع باستقلالية من جميع النواحي المالية والإدارية والتنظيمية ، كما يفترض أن تتمتع بهامش هام من حرية الحركة والقرار ، يمكنها من لعب دور الوساطة بين المجتمع والدولة .
د – الركن الرابع هو الإطار الأخلاقي ( القيمي ) :
يتمثل في مجموعة القيم و المعايير التي تلتزم بها تنظيمات المجتمع المدني ، سواء في إدارة العلاقات فيما بينها أو بينها وبين الدولة . ومن هذه القيم التسامح و القبول بالتعدد والاختلاف في الفكر و الرؤى و المصالح . فضلا على الالتزام بقيم التنافس و التعاون واللجوء إلى الطرق السلمية في إدارة وحل الصراعات و الخلافات.
خصائص المجتمع المدني :
يعتبر عالم السياسة الأمريكي صامويل هانتجتون S.Huntington من أبرز الباحثين الذين ساهمو في إبراز المعايير التي تحدد درجة مؤسسية أي نسق . ح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الدولة و شبكات المجتمع المدني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة و شبكات المجتمع المدني   الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyالسبت مايو 25, 2013 3:40 pm

- الوفاء بالحاجات وحماية الحقوق :
وعلى رأس تلك الحاجات الحاجة للحماية و الدفاع عن حقوق الإنسان ، ومنها حرية التعبير و التجمع و التنظيم و تأسيس الجمعيات و الانضمام إليها ، و الحق في معاملة متساوية أمام القانون ، وحرية التصويت ، و المشاركة في الانتخابات ، و الحوار والنقاش العام حول القضايا العامة المختلفة. فالمجتمع المدني هو المحامي و المعارض للمجتمع اتجاه كل سلطة قائمة من جهة ، واتجاه السوق من جهة أخرى . وكلاهما قد يهدد بطريقة وأخرى الحريات و الحقوق الإنسانية.
- الوساطة والتوفيق:
تملأ تنظيمات المجتمع المدني المجال العام بين الأسرة والدولة ، ويحدد هذا الموقع أهم وظائف المجتمع المدني ، وهي وظيفة التوسط بين الحكام والجماهير. حيث تشكل تنظيمات المجتمع المدني سبل وقنوات وسيطة للاتصال ، و طرق و آليات سلمية لنقل الأهداف والرغبات بينهما.
- توفير الخدمات والمساعدة للمحتاجين :
- تحقيق الدمج الاجتماعي:
تعتبر وظيفة تحقيق التكافل الاجتماعي و الدمج الاجتماعي من الوظائف الهامة والخطرة في نفس الوقت ، خاصة في حالات الصراع و التوتر و الغليان الاجتماعي ، الناجم عن مشاعر الكبت و السخط و الإحساس بالظلم و الإقصاء ، التي قد تولد الانفجار و تعرض وحدة المجتمع للانهيار و التقسيم . فالمجتمع المدني هو عنصر وقاية المجتمع من الانقسام والصراع و التفكك ، وأداة هامة لتحقيق عملية الدمج الاجتماعي .
- أداة للتعبير و المشاركة الفردية و الجماعية:
تشكل تنظيمات المجتمع المدني قنوات متوفرة ومفتوحة للأفراد ، لعرض أرائهم والتعبير عن مصالحهم ومطالبهم بحرية ودون خوف ، حتى وان كانت تعارض الحكومة وسياساتها .
- ملء الفراغ في حالة انسحاب الدولة أو غيابها:
شهدت الكثير من الدول خاصة دول الجنوب مع ثمانينيات القرن العشرين ، ظاهرة انسحاب الدولة من العديد من المجالات نتيجة تحولها من النظام الاقتصادي الموجه إلى اقتصاد السوق .حيث تخلت هذه الدول على الكثير من الأدوار و الوظائف التي كانت تؤديها خاصة في مجالات النشاط الاقتصادي ، وتوفير خدمات التعليم و العلاج والشغل ، والاهتمام بالفئات الأكثر حرمان وتهميش . وتركت وراءها فراغا كبيرا شغل في الكثير من الدول من طرف تنظيمات المجتمع المدني . مما ساهم في تجنيب المجتمعات التعرض لهزات اجتماعية عنيفة نتيجة تنامي مشاعر عدم الرضا لدى فئات عريضة من المجتمع ، وشعورها بتخلي الدولة عنها.
- التنمية الشاملة:
أكد الكثير من المهتمين بموضوع مؤسسات المجتمع المدني على دور مؤسسات المجتمع المدني في عملية التغير و التطور ، خاصة بعد تأكيد المنظمات الدولية المهتمة بالتنمية على معنى جديد هو التنمية بالمشاركة . من منطلق أن سبب فشل العديد من تجارب التنمية يعود بالدرجة الأولى إلى انتهاج الحكومات الأساليب الفوقية في التعامل مع هذه التجارب ، وفرضها على الشعوب دون إشراكهم فيها. بينما أثبتت حالات أخرى أن مشاركة المستويات الشعبية الدنيا ، هي خير ضمان لتحقيق النجاحات فيها . لتصل هذه المنظمات الدولية إلى أن مشكل التنمية لا يكمن دائما في قلة الموارد المادية ، وإنما في كيفية استغلال تلك الموارد ، والتي تتوقف بالدرجة الأولى على طبيعة ونوعية البشر الذين يستغلونها .
- تحقيق و حماية الديمقراطية :
إن العلاقة وثيقة بين الديمقراطية والمجتمع المدني ، بل يذهب الكثير إلى اعتبار الديمقراطية توأم المجتمع المدني ، وأن لا وجود لمجتمع مدني دون ديمقراطية ولا وجود للديمقراطية دون المجتمع المدني . سواء لارتباط الديمقراطية بالركن الأخلاقي للمجتمع المدني ، أو باعتبار المجتمع المدني أداة لمراقبة الدولة وموازنتها ، أو باعتباره أداة لحماية المجتمع من تعسف السلطة و للدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية للأفراد . وباعتباره إطارا لنشر الثقافة الديمقراطية و ممارسة المشاركة السياسية و حرية التعبير أو باعتباره أداة للمبادرة الفردية المعبرة عن الإرادة الحرة و المشاركة الإيجابية ، النابعة من التطوع وليس من التعبئة الإجبارية.
1. الدولة و المجتمع المدني في العالم العربي
-السمات المشتركة للنظم العربية
تمر المنطقة العربية بأوضاع وظروف صعبة نتيجة إخفاقها عموما في مشاريع تحديثها المختلفة الاشتراكية منها واللبرالية التي طبقت في العقود الخمسة الماضية، وتتجلى هذه الأزمة في تراجع معدلات التنمية بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين، وضعف السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتقنية المطبقة.
لكن الوجه الأبرز لهذه الأزمة يمس النظام السياسي " الفردي " الذي رعى هذا التحديث في شقيه الأبوي العشائري والبيروقراطي الحزبي معا الأمر الذي أدى إلى تدهور شرعية النظام، وانخفاض الثقة العامة بقدرته على مواجهة التحديات والمشاكل المطروحة على المجتمع وثقافة الشعور عند السكان بالفراغ السياسي وبالافتقار للقيادة السياسية الحكيمة، والقلق على المستقبل، وتصاعد التوترات وتفجر النزاعات والحروب الداخلية والإقليمية ونمو تيارات العنف المنفلت في داخل البلاد العربية وخارجها.
إن الأزمة السياسية التي تتخبط فيها النظم السياسية العربية اليوم هي امتداد لظروف وعوامل تاريخية تعود إلى بداية تشكل الدولة العربية في حد ذاتها، ولهذا فإن تشخيص هذه الأزمة يستدعي العودة إلى معرفة الخلفيات التاريخية لنشأة هذه الدولة من جهة وطبيعة النظام السياسي ومصادر شرعيته من جهة ثانية.
1- بناء الدولة العربية:
ولدت الدولة القطرية العربية بمعناها الحديث إبان الحرب العالمية الأولى وفي إطار تفكك الإمبراطورية العثمانية، إلا بعض المجتمعات العربية التي عرفت ولاة مؤسسة الدولة قبل الحرب العالمية الأولى (مصر والمغرب) لكن ما يطرح هنا هو مسألة الدولة القطرية الحديثة.
بعدما حصلت الدولة العربية على استقلالها الذاتي وتخلصت من السيطرة الاستعمارية باشرت في تأسيس ولربما لأول مرة مؤسسات الدولة بنفس النمط والتركيبة الاستعمارية، أي أنها عبارة عن إرث استعماري لهذا يرى "حمزة علوي" أن الدولة جاءت إلى مجتمعات العالم الثالث عن طريق الاستعمار ومشكلة هذه المؤسسات اليوم ليست عائدة إلى عدم قدرة مجتمعات العالم الثالث على استيعاب مفاهيم المواطنة والمساواة واحترام القواعد والقوانين الوضعية ولكن المشكلة الرئيسية هي أن الدولة العربية تأسست عن طريق بورجوازية استعمارية أجنبية خلفتها هذه الأخيرة.
فالدولة العربية تعبر في صورتها الغالبة منتوج الإرث الإمبريالي، سواء كان ذلك من جهة جغرافيتها السياسية وخطوط حدودها، أو من جهة آلية إدارتها للحكم ونمط علاقتها بمواطنيها، فدولة الاستقلال العربية لم ترث عن إدارات الحماية الأجنبية والهياكل والمؤسسات فحسب، بل ورثت عنها أكثر من ذلك أسلوب إدارة الحكم ونمط العلاقة بالمحكومين، فقد حافظت على العلاقة ذاتها بالمجتمع وهي في مجملها علاقة انفصالية وعمودية تهدف إلى احتواء المجتمع وضبط حركته بصورة فوقية.
وبذلك فقد عمل الاستعمار على ترسيخ الأنظمة الحاكمة التي ظهرت فيما بعد كأنها مؤسسات سياسية تملك الدولة أو السلطة والتي حافظت فيما بعد على الأسس التقليدية القديمة في ظل النظام السياسي الحديث والأوضاع الاقتصادية المستجدة.
وعلى هذا الأساس ترسخت داخل الدول العربية فكرة السيطرة والاستبداد بالسلطة وعدم فتح المجال أمام أي محاولة للتغير والإصلاح.
إن هذا النمو المشوه للدولة العربية ترتب عنه نتائج عدة منها:
-عدم وجود حكومات ممثلة لمصالح الشعب.
-عدم وجود تنظيمات مجتمعية مستقلة كالنقابات، ومنظمات حقوق الإنسان.
-شرعية النظام فيها مبنية على القوة العسكرية أو العنف أفرزت فيما بعد أزمات حادة، كأزمة الأقليات* والهوية وصراع النخب الحاكمة، وهذا بسبب غياب الإجماع الوطني ونقصد به منظومة القيم والمعايير المتفق عليها من قبل الجميع كقاعدة للعلاقة بين المواطنين من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى.
هذا ولم تنحصر الأزمة عند هذا بل تجاوزت إلى تلك المؤسسات والمنظمات التي أنشأتها السلطة في حد ذاتها، وعملت على تجويفها من محتواها الحقيقي، ومن أداء وظائفها الأمر الذي أدى إلى هشاشة الدولة العربية الحديثة.
وعليه فإن نشأة الدولة العربية لم تكن مماثلة لنشأة الدولة الغربية التي جاءت نتيجة صراع تاريخي ساهم في بناء الدولة من القاعدة على القمة، بل جاءت مفروضة بمؤسساتها على القاعدة الاجتماعية، وهذا ما جعل الدولة العربية تعاني من بعد أزمات حادة ورثت بذورها منذ البداية، الأمر الذي انعكس سلبا على مصادر شرعيتها وكرس استبدادها.
2- الاستبداد السياسي: تعاني الدول العربية باختلاف طبيعة نظمها السياسية أزمات عديدة، أبرزها أزمة اغتصاب السلطة واحتكارها من قبل أقلية أو نخبة مسيطرة تتمسك بمواقعها في أجهزة ومؤسسات الدولة، وتعمل على الحفاظ على مصالحها الشخصية عن طريق التحكم في استخدام السلطة واحتكار الامتيازات وتصلب الأجهزة البيروقراطية.
فعلى اختلاف الشكل الرسمي للحكم في البلدان العربية يدور نظام الحكم في غالبيتها حول فرد يكاد يكون مطلق اليد في السلطات كلها، فنلاحظ في النظم الملكية أن السلطة السياسية بيد الملك، فهو الذي يحدد شرعيات النظام السياسي وتوجهاته، فإذا تفحصنا التاريخ المغربي على سبيل المثال نجد أن الحسن الثاني لم يتردد في الجزم بأن الملكية هي التي صنعت المغرب، وبالتالي لابد من تدعيم السلطة المركزية، وتهميش الفرقاء السياسيين وخاصة أحزاب المعارضة(، ونفس الشيء نجده في الأردن والمملكة السعودية... إلخ
فإذا كانت السلطة في النظم الملكية بيد الأسرة الحاكمة، اعتقادا منها أنها هي المسؤولة عن تكوين الدولة وإيجادها، فإنه ما يحدث في النظم الأخرى ليس ببعيد عن النظم الملكية، فرغم تبنيها لمنطق التداول على السلطة والتعددية السياسية والفصل بين السلطات إلا أنها تبقى دائما السلطة بيد الطبقة أو الفئة المسيطرة سواء كانت عسكرية أو مدنية فإذا كانت السلطة في النظم الملكية بيد الأسرة الحاكمة، اعتقادا منها أنها هي المسؤولة عن تكوين الدولة وإيجادها، فإنه ما يحدث في النظم الأخرى ليس ببعيد عن النظم الملكية، فرغم تبنيها لمنطق التداول على السلطة والتعددية السياسية والفصل بين السلطات إلا أنها تبقى دائما السلطة بيد الطبقة أو الفئة المسيطرة سواء كانت عسكرية أو مدنية، وعلى هذا يرى عدد من الباحثين والأجانب أن التقاليد السياسية العربية لا تعرف فكرة المؤسسة السياسية (البرلمانات، الأحزاب،...،السلطات) فيشير حامد ربيع إلى أن من نواحي الضعف في تاريخنا العربي هو أنه ليس لدينا نظم المؤسسات، وإذا نظرنا إلى تطور السلطة السياسية في المجتمع الإنساني سنجد أنها مرت بعدة مراحل لعل أهمها مرحلة السلطة الشخصية ومرحلة السلطة السياسية في المجتمع الإنساني، ومرحلة السلطة المنظمة التي تنفصل فيها السلطة عن شخص الحاكم، وواقع الحال أننا لم نصل بعد إلى مرحلة السلطة السياسية المنظمة، بل لا تزال تعيش في ظل السلطة الشخصية التي يرتبط فيها الدستور والقانون والنظام بشخص الحاكم ، فمثلا السلطة في تونس ترتكز في يد الرئيس والحزب الحر الدستوري انطلاقا من الاعتقاد بأنهم أصحاب الفضل في تأسيس الدولة الحديثة.
إذا حتى وإن أخذ هذا النظام بهذا الشكل أو ذاك من أشكال الحكم المعاصر إلا أنه يبقى في جوهره نموذجا للسلطة الشخصية التي تستند إلى القوة في وجودها، سواء كانت هذه القوة مصدر الجيش أو الأجهزة الأمنية والمخابراتية أو العصبة أم الدين أم كل هذه المصادر.
وعليه فإن هذا التركيز الشديد للسلطة في يد الفئة الحاكمة شكل فيما بعد خاصة بعد توجه الأنظمة العربية نحو التحول الديمقراطي أزمة الاستعصاء في التداول على السلطة ، فكان أن اصبح التغير عن طريق العنف ميزة أساسية للمشهد السياسي العربي، فلا توجد أية قيادة ربما باستثناء تجربة لبنان بسبب تعددها الطائفي تخلت عن السلطة بمحض إرادتها أو عند نهاية ولايتها، بل يتم خلقها بطريقة أو بأخرى إذ لا يحدث التغير إلا من خلال ثلاث وسائل ،الموت الطبيعي للحاكم، الانقلابات العنيفة(في معظم الحالات) أو الهادئة(خلع أمير قطر لوالده) وأخيرا الأزمات السياسية الحادة (حال الجزائر، أربعة رؤساء منذ يناير 1992)، وبهذا أصبحت الدولة العربية دولة النخبة وليس دولة المجتمع.
من خلال تحليل طريقة النمو التاريخي للسلطة أو الدولة في المجتمعات العربية المعاصرة يمكن أن نصل إلى أن :
-ليس من السهل الفصل الواضح بين ما للسلطة وما للدولة، فالسلطة هي التي تبني مؤسسات الدولة وأجهزتها، وهي حاضنة الدولة وليس العكس، وكما ينبغي أن يكون لذلك فإن القضاء على الحاضنة يقود بدوره إلى تهديد الدولة وتعريضها للمخاطر، وهذا يعني أن الدولة العربية تعاني في الأساس من مشكل بناء الدولة، ومشكل تحديد السلطة وهذا يقود في الأساس إلى مشكل الشرعية ومشكل المشاركة.
3- الشرعية:
يتحدد النظام السياسي بعدد من المفاهيم قد تكون مفهوم الشرعية من أبرزها، وأكثرها أهمية كونها تضمن استمرارية لهذا النظام وتحقق له الاستقرار وضمان البقاء، فالشرعية إذا حسب ماكس فيبر، قدرة السلطة السياسية على اكتساب الاعتراف بها وعلى النظر إليها بوصفها المعبرة عن المصالح الفورية والمباشرة أو البعيدة للجماعة، ومنه فإن صفة الشرعية في النظام السياسي الحاكم يتوقف على تأييد الأفراد وقناعاتهم بفاعلية ذلك النظام ومن ثم التوافق بين رؤية النظام ومبادئه من ناحية وقناعات الأفراد والجماعات من ناحية أخرى، لكن ما هو معروف في الدول العربية هو غياب ذلك التأييد والإقناع بفاعلية النظام السياسي، ولهذا فإن مسألة الشرعية تعد ابرز المشاكل الشائكة التي واجهت الدولة القطرية منذ ولادتها ولا تزال تواجهها، لأنه عندما حصلت الأقطار العربية على استقلالها السياسي الرسمي، فإن النخب الحاكمة التي تسلمت السلطة لم تكن قد حزمت أمرها حول مصدر الشرعية الذي يستند إليه، فبعضها أبقى على مصدر الشرعية التقليدية الذي يستند إلى الإسلام كالأنظمة الخليجية ، وبعضها الآخر حاول أن يبني مصدرا جديدا للشرعية هو العقلانية القانونية الدستورية التي تمثل في الشكل البرلماني الجمهوري كسوريا والجزائر، وليبيا،...إلخ، وبعضها الثالث حاول أن يوفق بين المصدرين التقليدي والعقلاني في شكل ملكيات برلمانية دستورية وبعضها الرابع استند على شرعية ثورية من أحزاب وقوى أخرى في المجتمع.
ومنه فلقد استندت الأنظمة الحاكمة في الدول العربية إلى مصدر أو أكثر من هذه المصادر في حقب زمنية متلاحقة بعد الاستقلال دون أن تستقر على واحد منها، وفي بعض الأقطار العربية ظل الوزن النسبي لمصدر واحد هو الأساس وهو الأقوى في إضفاء الشرعية .
وإذا كانت بعض الأقطار العربية تتميز الدول فيها بقدر من الرسوخ والقبول لدى المواطنين بفعل عوامل تاريخية ودينية ومن ثم لا تواجه أزمة الشرعية، فإن الأنظمة الحاكمة هي نفس التي تواجه التشكيك في صلاحيتها للحكم(مثال ذلك مصر،المغرب) إلا أن عددا آخر من الأقطار العربية أضحى يعاني من اهتزاز قطاع كبير من المواطنين وهو وضع تعاني منه بعض الدول المشرقية وبخاصة لبنان والدول الطرفية مثل اليمن،السودان،وموريتانيا،وهو وضع تواجهه هذه الأقطار لأول مرة منذ استقلالها ولم تستطع أن تستوعب أبعادها وبحجمها الحقيقي حتى الآن.
وتبقى من الأهمية الإشارة إلى أن العقدين الأخيرين قد أظهر تآكلا وتراجعا في مصادر شرعية معظم الأنظمة،وبدرجة متفاوتة وأغلب الظن أن ذلك لا يعود بمجمله إلى سياسة جزئية معينة اتبعتها، ولا على ظرف مؤقت من غياب الديمقراطية أو غياب الفعالية فحسب، وإنما يعود أو مسجل في تاريخ تكوينها نفسه كامتداد للسلطة الأجنبية المركزية أو أداة للهيمنة الخارجية.وحرصا على الحفاظ على الشرعية التي تؤمن الاستقرار في الحكم فقد يلجأ الكثير من الحكام إلى الاعتماد على علاقات القرابة والتابعين لملء المناصب ذات التأثير السلطوي ليكونوا سندا فاعلا للحكام، وإقامة أجهزة قمع متعددة ومتداخلة لمتابعة المعارضين أفرادا وجماعات، من هنا فإن الشرعية في هذه النظم تتوقف على قدرة الحكام في الحصول على رضا وقبول شعوبها بسلطتها وليس على قناعات الأفراد بفاعلية ذلك النظام ، وهذا يعني أنه لا وجود لشرعية مرتكزة على مساهمة جماهيرية عبر تمثيل سياسي سليم.
من هنا نستنتج أن نشوء السلطة العربية كان منذ البدء يعاني في أسسه ضعف الشرعية، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على استمرارها بفضل قوة تسلطها واستبدادها.
4- المشاركة:
إن إشكالية المشاركة بمعناها العام تشير كما يرى ليونارد بايندر إلى تحديد كيفية الاشتراك في العملية السياسية، وتدور حسب سيدني قيربا حول تحديد من يشترك في صنع القرارات الحكومية.
وفيما يتعلق بأبعاد المشاركة في أنظمة الحكم العربية، فتجدر الإشارة إلى أن أغلبيته عند الاستقلال بدأت بالنمط الغربي، ومثل ذلك ما يسميه غسان سلامة اللحظة اللبرالية في المنطقة العربية، فالدولة أو السلطة الحاكمة هي التي أنشأت لنفسها المؤسسات التي تحتاج إليها، وهي التي كانت تمنحها السلطة والنفوذ كما بينا ذلك، الأمر الذي أدى على طغيان العنصر الشخصي على العملية السياسية، وبدرجة أهم على المنظمات السياسية الوسيطة أو تغيب أدوارها، واتصاف المشاركة بالشكلية أو الموسمية وعدم الفاعلية أحيانا وكونها أقرب إلى التبعية منها إلى المشاركة في أحيان أخرى.
إن غياب المشاركة السياسية يقوض دعائم شرعية النظام الحاكم، وغياب القدرة والكفاءة يعني تدني فعالية النظام واستمرار غيابها معا يهدد شرعية وجود الدولة نفسها في نظر مواطنيها، وانطلاقا من هذا فقد عملت السلطات العربية وإدراكا منها بمدى أهمية المشاركة السياسية للاستمرار في الحفاظ على مكانتها السياسية وطابعها التسلطي فقد فتحت مجالات للمشاركة السياسية في ظل التحولات اللبرالية، في شكل أحزاب سياسية ومنظمات مدنية، ونقابات عمالية ومؤسسات مجتمع مدني ولكن هذا كان بصورة محتشمة وشكلية فقط، بحيث اقتصرت هذه المشاركة في الانتخابات والمجالس البلدية والبرلمانات لكن فيما يخص اتخاذ القرارات ورسم السياسات فإنها تبقى دائما من مهام السلطة الحاكمة تتفرد هي بوضعها.
ولهذا فإن السلطة الحاكمة قد طوقت الممارسات السياسية والاجتماعية بقبضة من حديد، فلا تتم أية ممارسة خارج نطاقها، فاحتوت كل أشكال المشاركة على الرغم من أنها اتجهت إلى الانفتاح السياسي.
وفي الأخير نصل إلى أن كل هذه الأزمات التي تعاني منها السلطة العربية انعكست سلبا على الدولة العربية، وأنتجت ما يعرف بالدولة الهشة، الغير قادرة على تحقيق التطور والتقدم لمجتمعاتها العربية، وهذا ما جعلها دوما مركزا للتهديدات الداخلية والخارجية، لهذا وجب عليها رفع التحدي انطلاقا من استغلال دوافع الإصلاح والتقدم.
-واقع المجتمع المدني العربي(تنظيماته-مميزاته)
يتطلب إدراك واقع المجتمع المدني في الدول العربية إبراز مؤسساته -التقليدية منها والحديثة- وتحديد أهم الوظائف والأدوار التي يؤديها في إطار العمل على إظهار دلالية هذه المؤسسات وأهميتها العملية حتى نتمكن من فهم مختلف الجوانب المتعلقة به، بالإضافة إلى إبراز أهم الخصائص التي تتميز بها وتميزها انطلاقا من بيئتها العربية .
أولا: مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية:
أ-المؤسسات التقليدية:
يعتبر التنظيم المدني للمجتمع القاعدة أو الطبقة الوسيطة من النظم الذي لا يخلو منه ولا يمكن أن يخلو منه أي مجتمع بشري منظم، لأنه لا يمكن تصور نشوء الدولة العربية الإسلامية الأولى من دون وجود البنى الاجتماعية المدنية التي استفاد منها الإسلام لبناء سلطة مركزية جديدة على أسس عقيدية.
فلقد كان المجتمع التقليدي العربي ينتظم أساسا تحت سلطة سياسية تستمد شرعيتها من الفتح أو مصادر دينية، وكانت تتولى جمع الضرائب وإقامة العدل بالشريعة، أما الحيز العام فسرعان ما شاطر فيه العلماء والتجار وأصحاب الصناعة والطرق الصوفية وغيرها من التكوينات الاجتماعية*، إلى جانب هذا فقد كان هناك جماعات أخرى لاسيما العشائر والقبائل.
إن التكوينات الاجتماعية في الريف كانت اكثر تمركزا حول العشيرة أو الطائفية، فيما نجد أن التكوينات الاجتماعية البدوية أكثر تمركزا حول القبيلة أو العشيرة كأساس للتنظيم الاجتماعي.
من هنا فإن المجتمع العربي كان يرتكز على تكوينات مختلفة لأداء الوظائف الاجتماعية من جهة، وكوسيط بين الفرد والسلطة السياسية من جهة أخرى.
وعليه فأن تحدد مكوناته تكمن في:
1-العشائرية والقبلية: وهي عبارة عن جماعة تربط بين أفرادها صلات الدم والقرابة، ونمط الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الجماعي، وأسلوب المعيشة والقيم ومعايير السلوك المشتركة، وهيكل السلطة الداخلية، وبهذا المعنى فإن هوية الفرد وولائه الأول يكونان للجماعة، وعليها يعتمد في إشباع حاجاته الأساسية، فمن خلال القبيلة يمكن لهويات وولاءات أخرى أوسع أن تنتقل إلى وجدان أفراد القبيلة وتؤثر في سلوكهم، ومن خلال القبيلة يمكن أن يحدث العكس.
و لقد شكلت العشائرية والقبيلة، قبل ولادة الدولة العربية ولا تزال في عدد من الأقطار العربية الوحدات الاجتماعية الجوهرية، التي لها تأثير في مجمل الحياة العربية المعاصرة، ففي هذا السياق تبرز أهمية المؤسسات التقليدية وخاصة القبيلة في القيام ببعض مهام مؤسسات المجتمع المدني الحديثة حيث نجد أن مجتمع البداوة –المجتمع القبلي التقليدي-يحقق مهام مؤسسات المجتمع المدني الحديثة،و إن مواطنيه يتمتعون بحرية أكبر مما يتمتع به مواطنوا المجتمعين الحضري والريفي بينما يقف المواطن العربي المقيم بالمدينة أو القرية أعزلا في مواجهة السلطة في غياب مؤسسات حديثة فاعلة".
فنجد أن القبيلة كانت ومازالت أهم المؤسسات والجماعات الوسيطة، فهي تمثل وظيفيا إحدى مؤسسات المجتمع المدني، والتي ساهمت بشكل كبير في بناء الدولة العربية، إلى جانب هذا يظهر الدور الكبير الذي يقوم به زعماء وشيوخ القبائل بحيث مارسوا وظائف اجتماعية وسياسية هامة.
كما لعبت العشيرة في المجتمع العربي دورا فعالا، بحيث عملت على زرع روح التضامن والافتخار والاعتزاز بالنسب والانتماء، واستطاعت أن تلبي حاجات الكثير من أفرادها وتحل مشاكلهم الاجتماعية بعيدا عن تدخل أي طرف آخر ،ما يعكس الدلالة على عمق البنية العشائرية في المدن العربية كما في ريفها.
إذا فالقبيلة والعشيرة في الدول العربية استطاعت أن تساهم إلى حد كبير في أداء وظائف المجتمع المدني حتى لو لم يكن هذا الدور تحت طابع رسمي مؤسساتي.
2-المساجد والأوقاف:من المعلوم أن المسجد هو المكان الذي يجمع المسلمين لأداء العبادات، وهو المؤسسة التي تطهر وتربي الأفراد، وتزرع في نفوسهم حب التعاون والتماسك الاجتماعي، وأداء المسؤوليات ، و بالإضافة إلى هذا فهو يؤدي وظائف أخرى، فقد كان عبارة عن مكتبة ومقرأة، ومستشفى، ومكان لجمع التبرعات، وتوزيع الزكاة، وإعداد الكوادر التي كانت تعمل على تعبئة الشعب لمقاومة الاحتلال.
و عليه فان المسجد استطاع من خلال الأدوار التي كان يؤديها في المجتمعات العربية الإسلامية و لا زال يؤديها في الوقت الحاضر أن يؤسس لنفسه مكانة اجتماعية ذات وظائف اجتماعية أساسية تظاهي في أبعادها الوظائف التي تؤديها مؤسسات المجتمع المدني الحديثة.
والي جانب المسجد و الوظيفة التي كان يؤديها توجد هيئة الأوقاف بوصفه أسلوبا متميزا، أسس له المسلمون وفقا لثقافتهم، بحيث اعتبره الفقهاء من الصدقات الدائمة غير اللازمة، وهو حبس العيش على ملك الواقف و التصدق بالمنفعة و الأصل فيه كما يقولون:قول النبي (ص):<<إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له>>.و الصدقة الجارية فسرها العلماء بالوقف.
وعليه فان مؤسسة الوقف قد لعبت دور أهلي كبير في المجتمعات العربية الإسلامية وأسهمت إلى حد كبير في دعم العمل الجماعي والاجتماعي، وفي بناء الدولة الإسلامية وهذا ما أكده الدكتور إبراهيم البيومي بقوله :" فإن الوقف ظاهرة اجتماعية أهلية إسلامية أسهم هذا النظام بفعالية في بناء صريح الحضارة الإسلامية ومحل على تقوية المجتمع وتماسكه".
و هو ما يوضح الدور الذي كان يؤديه هذا الوقف في بناء المؤسسات الاجتماعية داخل الدولة العربية الإسلامية.
3-الطائفية: إلى جانب تلك المؤسسات والتكوينات الاجتماعية توجد الطائفية التي يقصد بها جماعة منظمة من الناس يمارسون معتقدا دينيا بوسائل وطرق وفنون معينة، فهي تجمع ديني في الأصل والممارسة والغاية ثم اكتسب بعدا اجتماعيا وسياسيا، وهذا راجع إلى نوع فهمها وتطبيقها للدين وظروف تكوينها و مسارها التاريخي.
و لقد ساهمت هي الأخرى في أداء الدور الاجتماعي الذي تبنته المؤسسات الاجتماعية الأخرى، وهذا بفضل غرسها للقيم والروح الاجتماعية والجماعية لأفرادها وجماعاتها.
كما كان هناك نظام الملل_ العثماني_ القائم على إعطاء الزعماء المحليين جزء من سلطة تسيير الأمور في مناطقهم، والتي تحولت فيما بعد إلى وحدات التنظيم الاجتماعي الرئيسية في المشرق العربي،بحيث ارتكز هذا الأخيرة على معايير التضامن الديني والطائفي ، والذي ظل تنظيما ينتمي إليه الفرد العربي ويحتمي في حياته اليومية اللصيقة بواقعه الحياتي والمعيشي.
و الملاحظ إن هذه التكوينات التي عرفها المجتمع العربي الإسلامي كتنظيم ذاتي خارج السلطة كان لها الفضل في أداء الوظائف الاجتماعية، حيث كان المسجد مركز إشعاع ثقافي وكان الوقف مؤسسة مستقلة ومصدر مالي لمستلزمات الدفاع الاجتماعي والأمني، كما كانت هذه التكوينات تشكل نوعا من الحماية والأمن للمواطن من تسلط وتعسف السلطة.
كما أنها حققت مهام مؤسسات المجتمع المدني وظفرت بوظائفه على الرغم من أنها تفتقد لخصائص وركائز هذا الأخير، إلا أن القبيلة شكلت و علي سبيل المثال_ في الخليج العربي_ قناة لإعادة توزيع الدخل، كما شكلت العشيرة في الأردن وفلسطين قاعدة أمنية ثقافية واجتماعية لأبنائها.ومثلت القبيلة في الصومال واليمن والسعودية تنظيم بارز قبل قيام الدولة الحديثة، و ذلك عندما تولت الدفاع عن نفسها وإبرام معاهدات في حدود حاجاتها المختلفة.
ومنه فإن هذه المنظمات التقليدية قد لعبت دورا كبيرا في غرس الأسس والركائز الاجتماعية التي ارتكزت عليها الدولة العربية فيما بعد، والتي كانت بمقدورها أن تشكل عامل إيجابي في بناء مؤسسات المجتمع المدني الحديثة التي ظهرت مع قيام الدولة العربية المستقلة، لو تم توظيفها والإستفادة منها بشكل إيجابي من طرف الدولة والمجتمع.

ب-المؤسسات الحديثة:
شهد ظهور الدولة الحديثة و انتشارها_ كمفهوم غربي_ ما يبدو انه انحلال لا رجعة فيه للتوازن التقليدي لطريقة الحكم وما صاحبه من تآكل اجتماعي واقتصادي، و هو ما كان بمثابة دالة مباشرة للتغلغل الغربي في المجتمع العربي المسلم واندماجه في النظام العالمي.
فمع مطلع القرن التاسع عشر عرفت الهياكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات العربية تغيرات متواصلة، وقد زادت حدتها مع الاختراق الغربي والتغلغل العسكري، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى تآكل الهياكل الاجتماعية التقليدية، وبدأت هياكل جديدة تظهر في الوجود، ففرضت نفسها كبديل للمؤسسات التقليدية ، وحاملة لشعار المجتمع المدني الذي تنظيم المشاركة السياسية، ويمنع انتشار العنف والفساد ويوسع المساهمة الشعبية في وضع السياسات العامة وفي اختيار الأشخاص للمناصب الرسمية، وتوفير آليات المشاركة للنظام السياسي، فهي الكفيلة بتقليص الاستغلال من خلال آليات توازن المصالح. وتحويل مؤشرات النمو الكمي إلى معدلات تنمية حقيقية من خلال تعظيم مشاركة الأفراد في صياغة حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إذا فالتكوينات التقليدية تآكلت بعد قيام الدولة العربية الحديثة وحلت محلها تكوينات حديثة تمثلت في مؤسسات المجتمع المدني، التي أوكلت له مهام اجتماعية مختلفة بحيث أصبحت تشكل وسيط بين الدولة ومواطنيها ،و لقد تمثلت في:
1-النقابات و الاتحادات المهنية :لقد شكلت النقابات* النواة المركزية للمجتمع المدني العربي باعتبارها أكبر فضاء خارج هياكل الدولة، وأكبر حركة مؤطرة تعبر عن مجمل القوى الوطنية أو الشعبية، زيادة على اعتبارها المكون الأعظم لخريطة المجتمع المدني العربي لأن لها مسار تاريخي عريق، ودور كبير في التاريخ العربي، فيعود تاريخ العمل النقابي في مصر مثلا إلى 1912 حينما تشكلت نقابة المحامين ثم أعقبها بعد ذلك نقابات عديدة الأخرى ، بحيث ساهمت في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية وحماية أموال الجماعة والدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانونيا.
وعلي العموم فان الحركة النقابية في المجتمعات العربية شكلت اكبر حركة مؤطرة واجتماعية تعبر عن مجمل القوى الوطنية أكثر من أي إطار أو تنظيم آخر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الدولة و شبكات المجتمع المدني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة و شبكات المجتمع المدني   الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyالسبت مايو 25, 2013 3:41 pm


2- جمعيات حقوق الإنسان:
لقد عرفت الدول العربية منظمات حقوق الإنسان التي دافعت عن حقوق المواطنين طيلة عملها الذي ركز على المطالبة بحقوق المواطنين والدفاع عنهم من تسلط الدولة، فتعددت نشاطاتها بين العمل علي تكريس شتى وسائل الحماية و المطالبة بتكييف القوانين الضامنة لحقوق الأفراد وفقا للمواثيق الدولية..
وعليه فإن هذه المنظمات التي عرفتها الدول العربية وغيرها من التنظيمات الأخرى قد تشكلت احد أهم مكونات المجتمع المدني العربي، والتي ظهرت إلي الوجود في ظل الاستقلال السياسي وبشكل أكثر وضوحا مع اتجاه هذه الدول نحو النظام الديمقراطي، إلا إن التحكم الذي تمارسه النظم العربية على هذه المنظمات يشكل عائقا أمام إمكانية إسهامها الفعال في تحقيق المشاركة السياسية و مراقبة النظام العربي، هذا علي الرغم من الدور الذي تقوم به، وعليه فإنه يقع عليها اليوم مسؤولية كبيرة، وهي مطالبة بالمشاركة في تحقيق الإصلاحات السياسية وتكريس الرشادة المفقودة.
ثانيا: خصائص المجتمع المدني العربي:
يتميز المجتمع المدني العربي بعدة سمات و خصائص تميزه عن المجتمع المدني الغربي نذكر منها:
أ-النشأة والتطور:
إن نشأة منظمات المجتمع المدني تزامن مع بروز النظام السياسي، أو بالا حرى مع تشكل الدولة العربية الحديثة، لهذا نجد إن نشأته تختلف من دولة إلي أخري باختلاف الفترة الزمنية التي جاءت فيها، فنجد علي سبيل المثال بان الدولة المصرية قد تأسست فيها أول جمعية من هذا النوع في مطلع القرن التاسع عشر،والدولة العمانية عرفت هذا مؤسسات المجتمع المدني في الثلث الأخير من القرن العشرين ،أما بتونس ولبنان هما النظامان اللذان عرفا الجمعيات الأهلية في نهاية القرن التاسع عشر.
ومنه فإن بروز هذه المنظمات في الدول العربية قد اختلف من بلد إلى آخر باختلاف الظروف والعوامل السائدة في كل بلد كحجم السكان وعامل التكوين الاجتماعي للسكان الذي يساعد علي ازدهار هذه المنظمات.
لهذا نجد أن نشأتها تختلف من نظام إلى آخر باختلاف الفترة الزمنية التي جاءت فيها الدولة العربية، وباختلاف الظروف السائدة في كل منطقة.
ب- الاستقلالية:
الأصل في منظمات المجتمع المدني أن تتصرف بكل حرية في أداء دورها ووظيفتها الأساسية، وألا تكون مجرد تابعة لسياسات الحكومة وسلطتها.
لكن جوهر مشكلة المجتمع المدني العربي تتركز في انتشار السلطة في كل مجالات الحياة الاجتماعية، مما يجعل منها أداة مراقبة مستمرة وعائقا أمام إمكانية تحرير الأفراد واستقلال المؤسسات الاجتماعية، فالدولة العربية تكسح كل المجالات في إطار مشروع شمولي لدولنة المجتمع، الأمر الذي جعل هذه التنظيمات لا تملك الحد الأدنى من الاستقلال الذاتي والقدرة على الحركة المستقلة التي تتيح له أن يصدر هو نفسه ومن ذاته عناصر تنظيمه الأوسع والأشمل.
لهذا فقد عملت الأنظمة العربية على احتواء هذه المنظمات سواء عن طريق القوانين المكبلة لعملها ولمقرات عملها أو التدخل في كل نشاطاتها. ومراقبتها وتوجيهها وتعيين أعظائها وهذا ما جعله تحت سيطرة السلطة ومراقبتها الدائمة له.
وعليه فإن هذه القيود جعلت من المجتمع المدني مجتمع هش جنيني ما زالت لم تحرر بعد من قيد السلطة حتى يمارس دوره كوسيط حيث الدولة والمجتمع من جهة وكمراقب لعمل السلطة وموجه لسياساتها بغية تحقيق نظام راشد.
ج- طابع التركيب:
تتميز مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية ببساطة التركيب في بنيتها وقلة منخرطيها، وهذا ربما يعود إلى تمركزها في المدن الرئيسية والعواصم، وهو ما يحرم باقي المواطنين من المشاركة في مثل هذه التنظيمات، وهذا ما جعلها تختفي بعد فترة قصيرة من تأسيسها إلى جانب ارتباطها بشخص واحد.
وهذا ما يجعل هذه المنظمات تختفي بعد فترة قصيرة من تأسيسها، إلى جانب هذا نجد ارتباطها بشخص واحد هو زعيم هذه المنظمة أو قائدها، وبمجرد اختفاء هذا الزعيم قد يتوقف نشاط هذه المنظمات، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف درجة التجانس في مؤسسات المجتمع المدني العربي وبالتالي انتشار الصراعات الحادة والمنافسة الشديدة بين الأشخاص.
من هذا نستنتج أن هذه الخصائص التي يتميز بها المجتمع المدني العربي وغيرها شكلت عائقا أمامه لأداء وظائفه بصورة كاملة، كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع المدني الغربي، وتبقى أكبر خاصية يتميز بها هذا الأخير هو فقدانه للاستقلالية لهذا بقي عبارة عن منظمات مسلوبة الإرادة تعاني من الأزمات الداخلية والخارجية وهذا ما انعكس سلبا على مهامها ووظائفها المختلفة.
- جدلية العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني العربي
إن العلاقة بين المجتمع المدني والدولة العربية، والتي هي علاقة هيمنة واحتواء الدولة لمؤسساته أي مايسمى ب (دولنة المجتمع)Etatisation de la Societé ذلك لان التجربة المعاصرة للدولة العربية لم توفر شروط قيام المجتمع و استقلاله و مناعته و هو ما يتطلب إبراز مختلف الآليات التي تتبعها هذه الأخيرة للسيطرة على منظمات و مؤسسات المجتمع المدني لديها و التي من بينها:
أولا:تأثير الدولة على المجتمع المدني.
الأصل في الدولة أن تكون محايدة ومستقلة كرابطة مدنية تحترم استقلالية الفرد الحر القادر على تسيير أموره، وتحديد أهدافه العليا، ويقوم نظام الحكم فيها بدور الحكم النزيه غير المنحاز في رعايته يسعى الأفراد (المواطنون المتساوون) نحو تحقيق أهدافهم ومصالحهم بحيث يتركز دورها في عمليات التنظيم والتنسيق والتقنين، وحماية التعددية السياسية، وبما لا يتعارض مع اتساع مساحة الحريات والحقوق السياسية وحماية دور المجتمع الذي خارج نطاق السياسة، وفي ذلك يقوم نسق الحكم الراشد (غير الاستبدادي) على أسس مجتمعية معبرة عن الناس تعبيرا سلميا وتربط بينها شبكة من علاقات الضبط والمساءلة بواسطة الناس وبما يستهدف المصلحة العامة.
إلا أن الملاحظ في الدول العربية هو غياب أو تغيب مثل هذه المؤسسات التي تتولى هذه الوظيفة لاجتماعية وهذا يعود في الأساس إلى طبيعة الدولة التي عرفتها هذه المجتمعات والتي لم تكن تسمح ببروز أية استقلالية خارج هياكل المؤسسات الرسمية، التي أصبحت مهمتها إنتاج السيطرة بأية وسيلة وبالتالي ساهمت كثيرا في خنق المجتمع المدني وتغييبه.
ولعل السمة الأساسية التي واكبت تأسيس الدولة العربية أنها باشرت بإقامة حكومة وإدارة وجيش قبل أن ترسخ فيها مؤسسات الدولة من مجالس ومنظمات أي أن البداية جاءت بتأسيس سلطة بل تأسيس الدولة و هو
الأمر أدى إلى احتكار الدولة للمجال السياسي، والسيطرة على المجتمع لذلك لم نعرف في المنطقة العربية على حد تعبير ألفرد ستيفان ما تسميه الأدبيات الاجتماعية الحديثة بالإدماجية المجتمعيةSociétal Corporation التي تعمل على قيام وتأسيس مؤسسات وهيئات المجتمع المدني تلقائيا، وباستقلال عن الدولة وسلطتها، وعلى العكس من ذلك فقد عرفنا إدماجية الدولة State Corporation أي تحكم الدولة في إنشاء هذه المؤسسات والهيئات من خلال القوانين والإجراءات السلطوية، ولذلك يرى الأستاذ برهان غليون :"... أنه تم التخلي كليا عن استقلالية المجتمع المدني باسم بناء الدولة والأمة، فالسلطة المركزية تتيح لنفسها بدون أي قيد إعادة تشكيل علاقات الملكية الاقتصادية وأن تقرر نوع الخطابات التي ينبغي على الإمام أن يلقنها في المسجد، والأفكار التي ينبغي على المواطن الصالح أن يؤمن بها ويتداولها والنتيجة ليست تغيير المجتمع بل خلق الدولة الشمولية والسلطة المطلقة . فهيمنت على المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومنعت أي مؤسسة مستقلة ترغب بالنشاط في إحدى هذه المجالات، لأنها تصطدم حتما بتوجه الدولة (النزوع) إلى الأحادية وغير المستجيب لرغبة المجتمع في ممارسة دوره وفق تصوراته، أو مآلاته الخاصة، ولذلك دائما ما تكون العلاقة بين الدولة العربية والمجتمع المدني علاقة يسودها التوتر والتنازع لتأسيس ثنائية ليست تصالحية كما هي في الفكر الغربي، وإنما صراعية تقوم على الإلغاء المتبادل، فالدولة العربية رهنت المجتمع بإرادتها وسلطتها، ولذلك يرى Peter Monsfield أن الشرق الأوسط ينقصه مجتمع مدني نابض ويعزو ذلك إلى غياب المؤسسات والمنظمات المدنية التي إذا وجدت تكون غالبا تحت تأثير السلطة أو الدولة التي تجعلها تفقد فاعليتها.
فإذا كانت الدولة خاصة في الدول المتقدمة لا تتصدى لبناء مثل هذه المؤسسات فإن الدولة القطرية العربية خاضت في مجال بناء المؤسسات الخدمية والإنتاجية كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، فقد فعلت ذلك في الغالب لأنها ترى فيها وسيلة من وسائل الضبط والتحكم في حركة المجتمع المدني، ولتقليص هامش استقلالية عنها وهذا ما يفسر إقبال كل الدول القطرية العربية بصرف النظر عن إيديولوجية النظام الحاكم فيه، على توسيع وإنشاء المؤسسات الخدمية والإنتاجية، فحتى في الدول التي تأخذ بنظام الاقتصاد الحر، حرصت الدولة على أن تربطه بها من خلال سياسة الإنفاق العام أو من خلال سياسة الإنفاق أو من خلال القوانين والضوابط الإدارية.
فالملاحظ هو وجود تباين بين دولة تزداد قدرة على الضبط الرقابي، والردع العقابي مصحوبة بنزعة تدخلية هائلة في فضاءات الحياة الخاصة والعامة مقابل مجتمع مدني مقطوع الأوصال.
وبالنتيجة فإن تحديد أهم الأسباب التي جعلت الدولة تسيطر على المجتمع المدني وتحويه تكمن في:
-أن الدولة العربية هي من انتج المجتمع المدني وليس العكس كما حدث في الغرب، ولهذا فنحن مازلنا في المرحلة التي مرت بها المجتمعات الغربية في القرن 16.
-طبيعة السلطة العربية الاستبدادية أنتجت مجتمع مدني شكلي مقيد وضعيف حتى لا يشكل خطرا على مصالح فئاتها الحاكمة.
-ضعف المجتمع المدني في حد ذاته ساهم في استمرار تسلط الفئة الحاكمة وبالتالي استمرار تكميم هذا الأخير.
-غياب الإرادة والثقافة السياسية ساهم بشكل كبير وعميق في ترسيخ الأفكار والعقلية الاستعمارية.
-الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة العربية لم تساعد على الاهتمام بالعمل الطوعي كما حدث في الغرب.
ثانيا: آليات تأثير السلطة على المجتمع المدني
النظام السياسي العربي القائم اليوم سلطوي في الأساس واليقين أن هناك تفاوتات ما بين قطر و آخر، بيد أن أحد لا يذكر هذه السمة الجوهرية، فالحكام يسيطرون والشعوب تخضع ومحاسبة الحكام لا تكاد تذكر، يضاف على ذلك أن التوجه منذ بداية السبعينات كان ينحو إلى المزيد من الحكم التسلطي، فقد تضاءلت التظاهرات والاحتجاجات التلقائية والأسر الحاكمة والأنشطة التي كان يظن أنها لا تصمد لا تزال حتى الآن، وأحزاب المعارضة وحركاتها وتجمعاتها قد خفتت أهميتها والحريات الأساسية قد تم كبتها.حتى لا تشكل معارضة حقيقية للنخبة الحاكمة وبالتالي الإطاحة بها وفقدان مصالحها التي عملت جاهدة منذ تسلمها سدة الحكم، وللحفاظ عليها وتقوية لقبضتها وحتى تتمكن من خلق تجانس في هرم السلطة كما كان سابقا عبر وضع استراتيجية تمكنها ن التخلص من هيمنة الحزب الحاكم والتوجه نحو الممارسة الديمقراطية، وهذا يكسبها صدقية داخل الوطن وخارجه ويساعدها من تحديد الخصم واحتوائه، وهي قوة تستخدم عند الحاجة.
1-تحديد الخصم واحتوائه: إذا كانت الدولة العربية قد أبدت رغبة واضحة من خلال خطاباتها الرسمية في التوجه نحو الديمقراطية، وفتح مجال المشاركة أمام منظمات المجتمع المدني، فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك ويؤكد على أن هدف السلطة هو مواصلة سيطرتها على المجتمع ومراقبته وبالتالي تكممه عن طريق:
أ-التشريع: تقوم الحكومة بإصدار تشريعات تحكم سيطرتها على مؤسسات المجتمع المدني وهذا يعطيها سلطة حل الجمعيات المدنية والتدخل في إدارة هذه المنظمات من خلال إصدار قوانين تتيح للحكومة توجيه أهداف هذه المنظمات واستبعاد قياداتها والاعتراض على قراراتها خاصة وأنها علي اطلاع بكل نشاطاتها والقائمين عليها، وهذا ما يمكنها من توجيه هذه المنظمات ففي كل الدول العربية ماعدا لبنان والمغرب يشترط موافقة الحكومة علي تأسيسها بشروط مبهمة وغامضة، كما أنها لا تسمح بانتشاء ما تراه لا يخدم السلطة و توجهاتها.
ب-المقرات:تعد المقرات من المشاكل الكبرى التي تعاني منها الجمعيات في الدول العربية، وهذا ما ساعد السلطة على التحكم في هذه الجمعيات، إذ تمنح المقرات فقط إلى الجمعيات المقربة منها أو التي لا تضر بمصالحها، من هنا فإن الاعتراف بالجمعيات دون منحها مقرات يخدم بطريقة غير مباشرة السلطة، لأن الافتقار إلى مثل هذه المقرات يؤدي إلى عرقلة نشاط الجمعيات، ويصبح ينحصر فقط في تظاهرات مناسباتية.
ج-الجانب المالي: إن تحقيق أي نشاط يحتاج لتمويل يدعمه ويقويه، لهذا فإن الجانب المالي عنصر أساسي لقيام الجمعيات، و فيما يخص المجتمع المدني العربي فان الدولة هي التي تقوم بتمويله وبخاصة الجمعيات التي تخدم سياستها ، فتتحصل بطريقة منظمة علي مواردها المالية، أما الإعانات التي تقدمها إلى الجمعيات الأخرى فتتمثل في مبالغ محدودة جدا، وهذا ما ينعكس سلبا على أدائها من جهة وسهل السيطرة عليها من جهة أخرى، خاصة وأنها مطالبة بضرورة تحديد مصادر تمويلها.
إن افتقار هذه الجمعيات للمصادر المالية (غياب العمل الخيري) وتضييق الخناق على إعانات الدولة سوف يسقط هذه الجمعيات في فخ التبعية الخارجية.
2-تحزب الجمعيات:
إذا كانت الأحزاب قد استطاعت أن تتوغل في الحقل الجمعوي وتجعل منه جسرا تمر عبره إلى المجتمع، فإننا نجد المستفيد الأول هو الدولة أو السلطة الحاكمة.
لقد عملت الأحزاب السياسية على إدخال منظمات المجتمع المدني ضمن العمل السياسي وإفراغها من محتواها الأصلي، والذي يصب في إطار العمل الاجتماعي، فمعظم الجمعيات التي كان من المفروض أن تتوجه إلى دعم مشاركة المواطنين وضمان حقوقهم ومراقبة العمل الحكومي ومن ثم الضغط على الفئات الحاكمة بالتوجه نحو الديمقراطية أشركت في العمل السياسي مع الأحزاب السياسية، فأصبح عملها يقتصر على تدعيم المنتخبين ومساندة الأحزاب السياسية والبروز في المناسبات الانتخابية لمناصرة حزب أو برنامجه، وهذا ما أدى إلى تغير توجهها من العمل الاجتماعي إلى العمل السياسي.
انطلاقا مما سبق نصل إلى أن هذه الآليات التي اعتمدتها السلطة للتحكم في المجتمع المدني قادته إلى محدودية شرعيته وكفاءته، وفقدت استقلاليتها، فلقد أصبحت مجرد أشكال متحجرة لوجود سابق، كما أنها تحولت إلى أدوات جاهزة تستخدمها البلدان العربية للسيطرة على المواطنين، بمعنى أنها صارت وسائل ضبط للشعب بواسطة الدولة، بدل أن تكون وسائل لتعبئته أو أن تعمل كمراكز مراجعة لسلطة الدولة.
-تحديات المجتمع المدني العربي و سبل تجاوزها
يمكن حصر اهم المعوقات التي تعترض المجتمع المدني في النقاط التالية:
- غياب ما يسميه "الفرد ستيفان" في كتابه القيم(الدولة و المجتمع) بالادماجية المجتمعية التي تعمل على قيام مؤسسات مجتمع مدني تلقائيا و باستقلال عن الدولة و السلطة، بل نلاحظ ادماجية الدولة أي سيطرة الدولة في انشاء المؤسسات من خلال القوانين و الاجراءات السلطوية".
- عمليات الاحتواء التي مارستها السلطة من خلال خلق تنظيمات متعددة،بهدف تاطير المجتمع و مراقبته ،و اصطناع تعددية ملفقة لتبرر استمرار تحكمها في الاوضاع.
- الازمة التوزيعية و التي هي وليدة الظروف الاقتصادية،وفرغم تبني سياسة الاصلاحات الاقتصادية بفتح المجال امام المجتمع المدني و القطاع الخاص نالا انها لم تغير من الاوضاع،بل لاحظنا زيادة سيطرة السلطة على الاقتصاد.
- سياسة التغييب التي مارستها السلطة على مؤسسات المجتمع المدني و تجاوزه و تعامل السلطة مع المجتمع مباشرة.
- دور العسكر في التقليل من فاعلية المجتمع المدني ،حيث سيطرت المؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم و تقويض فاعلية المجتمع المدني ،بالاضافة الى الممارسات القمعية و القهرية التي مارستها.
- تعتبر القوانين و التشريعات من اهم المعوقات اليت تحد من حركة المؤسسات و من اسهامها في العملية التنموية.
- غياب الشفافية و الممارسة الديمقراطية داخل مؤسسات المجتمع المدني مما يفقدها كفاءتها و مصداقيتها و قدرتها على النهوض بعملية التحديث السياسي.
- عدم وضوح اهداف بعض المؤسسات المدنية و برامجها مما يؤدي الى فشلها.
- ارتكاز النظام السياسي العربي على الشرعية الثورية او الوراثية، و ضرورة استبدالها بالشرعية الديمقراطية،أدى إلى حدوث العنف السياسي ، و تأزم الأوضاع السياسية التي عرقلت مسار عمليات التحديث السياسي في الجزائر.
- امتازت السلطة الحاكمة بثقافة التعصب و الاحتكار و القمع و الكبت لمختلف القوى الراغبة في المشاركة السياسية في الوصول إلى السلطة، كما امتازت مختلف قوى المجتمع المدني بغياب: ثقافة التسامح السياسي و الفكري، القبول بالتعددية السياسية ، احترام رأي الأغلبية، المساواة ، المشاركة السياسية و الشفافية، و مدى احترام حقوق الإنسان .
- كما أن نشاط هذه المؤسسات يمكن إن يوصف بأنه نشاط مناسباتي ،بأنها تنشط في أوقات معينة كالمواعيد الانتخابية.
وسائل تدعيم المجتمع المدني لتحقيق أهدافه:
يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تمارس ضوابط على سلطة الحكومة، ويمكنها أن تسهم في دعم التنمية عبر تعزيز المساءلة والشفافية في النظام السياسي، كما تمليها المشاركة في صياغة السياسات العامة وحماية الحقوق ، والتوفيق بين المصالح وإيصال الخدمات الاجتماعية التي تمكنها من تعزيز الفاعلية والمشاركة في الشؤون العامة وتقوية حكم القانون، إذا توافرت لها وسائل وشروط تمكنها من أداء وظائف، ولا شك أن هذه الوسائل تتجسد في:
أولا:الإطار القانوني-السياسي:
ونقصد به الدولة بجميع أطرها القانونية التي توفر الحماية والحرية لمؤسسات المجتمع المدني وتسمح لمختلف القوى الاجتماعية بالتعبير عن آرائها واتجاهاتها المختلفة بطريقة سلمية ومنظمة.
يتحدد المجتمع المدني بغض النظر عن المحددات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بمتغيرين أساسيين هما الحرية والقانون، الحرية بوصفها وعي الضرورة وموضوعية الإرادة، وإمكانية الاختيار والقانون بوصفه تسوية تاريخية، بين قوى ومصالح متعارضة، ومن ثم فإن المجتمع المدني هو مملكة الحرية ، والدولة هي مملكة القانون، ومن البديهي أن تكون الحرية مشروطة بالقانون، فلا حرية من دون قانون، وبمقتضى العلاقة الجدلية بين الحرية والقانون يغدو القانون ضامنا رئيسيا للحرية، وتغدو مضمون القانون، وتغدو الدولة من ثم مملكة الحرية بقدر ما يتعزز فيها حضور المجتمع المدني، لذلك فإن المجتمع المدني في ضوء ذلك يحتاج إلى إطار قانوني ينظم ويضمن حريته، ويمكنه من ممارسة نشاطه بمعزل عن تدخل الدولة.
إن تمتع منظمات المجتمع المدني بنظام قانوني يمكنها من أداء مهامها من جهة كما بإمكانه ترقيتها إلى درجة تجعلها تحقق الغاية من وجودها.
فمنظمات المجتمع المدني كبنية وآلية وممارسة تحتاج إلى نظام ديمقراطي يرتكز على التعددية السياسية والمدنية، ويستند على نظام قضائي مستقل ومشاركة شعبية واسعة على مختلف المستويات، وعلى نظام قانوني يضم حرية الأفراد وحقوقهم، ففي ظل هذا النظام يمكن أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بتجسيد مميزات الحكم الراشد وبالتالي التمكن من ترقيته،كما تحتاج منظمات المجتمع المدني لأداء مهامها إلى قنوات تمولها وإلى سياسات تحمي وتضمن تمويلها.
و عليه فإن الحد من تغلغل الدولة وسيطرتها على كيانات المجتمع المدني يتطلب وجوب احترام القواعد القانونية التي تحكم الإطار العام لهذه المؤسسات وتنفذها، وتدعيم آليات الديمقراطية التي تضمن للمجتمع المدني المشاركة الفعلية في الحياة السياسة سواء عن طريق الانتخابات أو داخل البرلمانات، أو عن طريق إشراكه في القضايا الهامة التي تحدد مصير الأمة، كما تتطلب احترام حقوق هذه الجمعيات وإدخالها وإشراكها في التنمية الشاملة، ومن ثم فإنه يتحقق معنى المشاركة الشعبية التي تسهل للمواطنين باختيار الأهداف العامة للمجتمع والدعم الفعلي لتحقيق هذه الأهداف، الأمر الذي يؤدي إلى خلق قوة خارج البناء السياسي الرسمي للمجتمع ، تكون مؤشرة في صياغة قرارات المجتمع ومشاركة فيها، توازيا مع القطاع الحكومي.
ثانيا: الإطار الاقتصادي-الاجتماعي:
إن استقلالية وفاعلية المجتمع المدني تتوقف على مدى قوة الأساس الاقتصادي للمجتمع، وعلى مدى قدرته التوزيعية العادلة للثروات المادية بين الأفراد وكذا على توافر مجال اقتصادي قادر على تحقيق المطالب الاجتماعية من جهة، وتقليص التبعية المفروضة على المجتمع والدولة من جهة ثانية، فهو مجتمع مدني يحتاج إلى درجة معقولة من التطور الاقتصادي والاجتماعي، ولاشك أن فكرة ومفهوم المجتمع المدني حتى الآن تنسب إلى البلدان الرأسمالية الغربية المصنعة ذات المستوى الاقتصادي العالي، والتي استطاعت أن تحقق تقدما صناعيا ساهم في بلورة النظم الديمقراطية، على عكس الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية، كالدول العربية بما فيها الجزائرالتي أخفقت في تحقيق تقدم اقتصادي، وخلق قطاع خاص يساهم في رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لهذه الدول، وبالتالي يمكنهم من الاهتمام بالمشاركة في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهم بلدهم، لكن لسوء الحظ فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول أتاح الاستئثار بالثروة للقلة وضيع الكثرة في الفقر والبطالة. ونشر الفساد الذي أدى إلى تقليص النمو والتقليل من نوعية ومستوى الخدمات. الأمر الذي أدى بدوره على استفحال ظاهرة البيروقراطية، التي تعمل على ترسيخ ثقافة الفراغ* وفقدان الثقة في النفس،إن هذه المعوقات البنيوية تحول دون بلورة عملية وفعلية لفكرة المجتمع المدني.
وفقا لهذا التحليل فإن تفعيل دور المجتمع المدني العربي يحتاج على درجة معقولة من التطور الاقتصادي والاجتماعي، بحيث يرتكز النظام الاقتصادي على إعطاء دور كبير للقطاع الخاص والمبادرات الفردية أو الجماعية الرامية إلى تحقيق الجودة الاقتصادية والإدارية، أي يسمح للأفراد بإشباع جزء من احتياجاتهم الأساسية بعيدا عن تدخل الدولة، والتي يقتصر دورها على وضع القواعد التنظيمية للأنشطة الخاصة، والقيام ببعض المشروعات والصياغات، وإدارة المرافق التي قد يعجز أو يحجم القطاع الخاص عن القيام بها، وفقا لاستراتيجية سياسية واقتصادية وتنموية في إطار تحقيق الحكم الراشد ، تأخذ بالاعتبار مصالح المجتمع المدني ودوره، بحيث توفر له مساحة للحركة المناسبة.

ثالثا: الإطار الثقافي
مما لا شك فيه بأن المجتمع المدني لا ينشط فقط لوجود هياكل تنظيمية تستقل رسميا عن السلطات العامة، فلا قيمة لهذه الهياكل في حد ذاتها ما لم تعزز بل تسبقها ثقافة مدنية. مبنية على منظومة قيمية سائدة في المجتمع، لان المجتمع المدني قبل كل شيء هو مجمع ثقافة، وقيم وأفكار ترسخت في ذهنية الأفراد، وتبلورت فيما بعد في شكل توجهات فكرية تطلبت تنظيمها وتوجيهها
و لهذا فإن تفعيل المجتمع المدني في الجزائر يحتاج مسبقا إلى تأصيل المفاهيم والمبادئ المدنية في حياة الناس، ليس في الفكر وحده، بل أيضا في التنشئة والممارسة، وهذا يستدعي إحداث تغير عملي في العادات العقلية والروحية، حيث يخرج الناس من الأطر الطائفية والإثنية إلى منازل المجتمع، حيث المجال مفتوح على التفاعل والتكامل هما الشرطين الضروريين لتوليد الإحساس العملي بقيمة الآخر، عندها تصبح القناعة حقا بضرورة العمل الجماعي و التوجه نحو الممارسة المدنية.
إن تكوين المجتمع المدني يرتبط بنظام القيم، ولاسيما قيم الاستقلالية الفردية والحرية الشخصية، ونمط العلاقات الإنسانية، التي تقوم في الأساس على ثقافة التسامح التي تتطلب احترام الآخر المختلف معه، وعدم التعصب والتحيز لجماعة اجتماعية معينة، كما تعمل على دمج أفراد المجتمع للمزيد من الانصهار الاجتماعي والوطني وتعزيز مبدأ المواطنة المتساوية، حيث يكون المساواة في الحقوق والواجبات نصا وعملا هي البارزة في الحياة اليومية.
يتطلب وجود تفاعل طبيعي بين أفراد وجماعات المجتمع الحوار وترسيخ قيمه الكفيلة بتوليد العقلية الديمقراطية التي تسمح بتحقيق إمكانية التدرج نحو حياة سياسية اجتماعية، وهذا يستدعي الابتعاد عن ثقافة العنف والتهميش والإقصاء والاتجاه صوب الاعتماد على الإرادة الجماعية الفاعلة والواعية ـ واستثمار القيم الاجتماعية ذات البعد الحضاري والتي تصب في قالب المسؤولية الجماعية والإحساس المشترك بأهمية العمل الجماعي، وضرورته من أجل المشاركة في بناء النسق الاجتماعي والسياسي للدولة.
-دور المجتمع المدني العربي في ثورات الربيع العربي:قراءة تحليلية
لقد تعددت الآراء و المواقف حول مساهمات المجتمع المدني في ثورات الربيع العربي،الا انه يمكن القول انه برزت ثلاث اتجاهات رئيسية في توضيح مساهمات تنظيمات المجتمع المدني العربي و أنماط مشاركته كالأتي:
الاتجاه الأول:السيناريو الليبرالي
يتزعمه أصحاب الرؤى الليبرالية الذين يؤمنون بفكرة ان المنظمات المدنية بمختلف تشكيلاتها و أهدافها هي هيئات قائمة في مواجهة الدولة و لديها ما يساعدها في ذلك ،و ان المجتمع بكل تناقضاته ممثل في النظام السياسي و ان أي منحى أخر هو قمعي و هي رؤية غرامشي القائل بأن هناك علاقة تفاعلية بين المجتمع المدني والدولة، بحيث تمارس هذه الأخيرة وظيفة السيطرة المباشرة عبر مختلف مؤسساتها، ونتيجة لذلك فإن المجتمع المدني يحوي على الإيديولوجيا بمكوناتها المتعددة يخلق إيديولوجيا مضادة، ونتيجة لعلاقة الصراع تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من تحقيق استقلاليتها ومراقبة الدولة والضغط والتأثير في السياسات العامة.
و حسب رواد هدا الاتجاه فان حركة المجتمع المدني في العالم العربي مهدت من خلال برامج التدريب و ورش العمل و الأنشطة الثقافية الإعلامية لعملية التغير و عملت على تهيئة و تعبئة الرأي العام باتجاه رفض القهر و الاستغلال و الاستبداد نحو حرية الرأي و التعبير و التجمع السلمي و العمل الأهلي و النقابي و الحزبي،حيث ان كل الثورات جاءت أملا و توقا للحرية و التخلص من الاستبداد ،فأصحاب هذا الاتجاه يرون ان هنالك علاقة بين الثورة و بين درجة تطور تنظيمات لمجتمع المدني(كما هو الحال في ثورة تونس حيث كان للاتحاد العام التونسي للشغل-اعرق تنظيم تونسي_ دورا هاما في الثورة) .
كما يملك أصحاب هذا الاتجاه رؤية تفاؤلية حول دور المجتمع المدني العربي في فترة ما بعد الثورة على اعتبار انه سيلعب دورا كبيرا في إعادة التوازن السياسي و الاجتماعي و حتى الاقتصادي وفي إعادة صياغة صورة جديدة من صور العقد الاجتماعي (في إعادة تأسيس دولة جديدة هي دولة المواطنين و ليست دولة الحكام) و كذا في إحلال العدالة الاجتماعية و منه الدخول في مرحلة التحول الديمقراطي(لتكون هذه المرحلة الرابعة للتحول الديمقراطي بعد المرحل الثلاث التي شهدها العالم عبر العصور و التي تحدث عنها هنتغتون).
إن هذا الاتجاه ينطلق من فرضية ان المجتمع المدني العربي قوي في مواجهة الدولة العربية ،و أن هذه الثورات زادت من قوته و دعمه و هو ما يجعلهم يؤمنون بان الدول العربية ستعرف مرحلة جديدة تتسم بالصراع بين هذه التنظيمات من جهة و الدولة من جهة أخرى لتنشا علاقات تفاعلية (تأثير و تأثر) تتسم بسيطرة الدولة من خلال مؤسساتها و هيمنة المجتمع المدني -عن طريق الرقابة من طرف النخبة- و هو ما يولد حالة من التوازن و الاستقرار.
لكن ما يؤخذ على هذا الاتجاه انه تجاهل طبيعة و خصائص النظم العربية التي تتسم بتسلط الدولة ذات الطابع العقائدي التي تأخذ من المجتمع ما تشاء و تترك ما تشاء و هو التصور التوتاليتاري القائم على ان السلطة دائما لها الحق و ما على المواطنين الا القيام بالتغيير الذي تريده السلطة باعتبارها حامية لمصالحهم ،هذا بالإضافة إلى الطابع العشائري و الطائفي للمجتمعات العربية و ما يشتت الولاء لتنظيمات تدافع عن المصلحة العامة،كما انه نظر للمجتمع المدني بأنه مجتمع قوي و متمكن إلا انه في حقيقة الأمر هو مجتمع هش و جنيني.
الاتجاه الثاني:السيناريو الراديكالي
يتزعم هذا الاتجاه منظري المدرسة الماركسية الكلاسيكية القائلة بان التشكيلات المدنية ما هي إلا أدوات و مؤسسات رأسمالية في يد قوى النظام الرأسمالي العالمي (قوى خارجية كبرى قد تكون دول أو هيئات)،و فحوى هذا الاتجاه انه يعترف بالدور الايجابي للمجتمع المدني العربي لكنه يتهمه أيضا بالعمل لصالح قوى خارجية ،أي أن دوافع المجتمع المدني من الثورة هي لتحقيق مأرب قوى رأسمالية خارجية و ليست نابعة من الداخل و بإرادة حرة بل جاءت تحركاتها لامتصاص حالة الاحتقان و الانسداد السياسي و الاجتماعي القائم لتكريس السيطرة الاقتصادية و السياسية( احد أهداف المشروطية السياسية)،و يستدلون في ذلك على أن أولى مبادرات تكوين تنظيمات المجتمع المدني العربي كانت غربية رأسمالية(مشروع الشرق الأوسط الكبير،مباردة الدول الثماني،...)،بالإضافة إلى الدعم المالي و الخبرة الإدارية التي تتلقاها هذه التنظيمات في دول غربية او من رعاياها و وفق تصوراتها و نظرياتها.
فهناك من يرى ان المجتمع المدني العربي هو مجتمع مدجن و هو أداة تطويع في يد الغرب الرأسمالي لإحكام السيطرة على الشعوب و لم يساهم في تحريرها ،الا ان البعض الأخر سلم بالدور الإصلاحي لهذه المنظمات من زاوية المبادئ اللبيرالية،و هناك من اقر بالدور الهامشي لتلك التنظيمات مبررا ان الثورات لم تأخذ أنماطها التنظيمية المعروفة(من تنظيم،قيادة مركزية موجهة) بل أخذت أشكال جديدة من التعبئة ،في حين يرى آخرون أن التنظيمات المدنية بطابعها المؤسسي قد تجاوزه الزمن و لم بلعب دورا بارزا حيث حل محله المجتمع المدني الافتراضي من خلال المدونات الشخصية و شبكات التواصل الاجتماعي التي كان لها دورا بارزا و كبيرا ي إشعال فتيل الثورات العربية من خلال نشر أفكار التضامن و التعاون و التغيير بسرعة و دون مقاومة تذكر.
يمكن القول ان هذا الاتجاه هو الأقرب للحقيقة حيث فعلا نعترف بحداثة المجتمع المدني العربي و في تأسيسه على تصورات غربية تمثلت قوانينه في مواثيق المبادرات الغربية ،و جدول أعماله في شروط المؤسسات المالية الدولية(فهو وليد عهد المشروطية السياسية المفروضة من طرف المؤسسات المالية الكبرى)و هو ما جعله مجتمعا تابعا و ليس نابعا من الذات الحضارية للعالم العربية فهو بالكاد يعرف القيم و الثقافة العربية،و هو ما جعل منه اداة لحماية المصالح الغربية في المنطقة العربية،كما نتفق على التحول الحادث في الانتقال من المجتمع المدني بتركيبته المؤسسية الى قيام مجتمع مدني افتراضي في المنطقة العربية و الذي كان له فعلا دورا في التعبئة للثورات العربية لكن بتحفظ لاننا قد نجهل الوجوه الحقيقية لأصحاب هذه المدونات و هو ما يبقي فرضية سيطرة القوى الرأسمالية على تلك التنظيمات(تقليدية-افتراضية)قائما و هو ما يحول دون تحقيق الديمقراطية المنشودة في المنطقة العربية و الواقع خير دليل فبعد مرور حوالي سنتين على اندلاع تلك الثورات الا ان الواقع لم يتغير بل زاد الطين بلة لتبقى الدول العربية قاب قوسين او أدنى .
الاتجاه الثالث:السيناريو التوافقي
جاء صحاب هذا الاتجاه برؤية تتوسط الاتجاهين السابقين ،فهم يقرون بدور تنظيمات المجتمع المدني التقليدية من خلال أدوارها في التعبئة و نشر الوعي و التنظيم و التمكين...إلا انه يعترفون بوجود بالتدخل الخارجي ان صح التعبير و ان كانت صوره غير مألوفة للمواطن العربي،و هو ما أدى الى ضعف المشاركة الشعبية في مناطق دون أخرى و غياب الديمقراطية و الشفافية بالإضافة إلى تسييس و تحزب غالبية تنظيمات المجتمع المدني .
فأصحاب هذا الاتجاه يملكون رؤية تفاؤلية حول مصير المجتمع المدني العربي على اعتبار ان تلك الثورات التي قدمت واقعا سياسيا جديدا قد أشعلت روح الوطنية لتسمح باستنبات مجتمع مدني جديد يعبر عن كل أشكال التنظيم الاجتماعي و بإرادة ذاتية كفيل بالنهوض باعباءه باعتباره طرفا معنيا(الاطلاع على الشأن العام) و مشاركا(المساهمة في أداء المصلحة العامة) و مسؤولا (من خلال المراقبة و المساءلة).
اما بخصوص تكنولوجيات الإعلام المستخدمة –فهم يرون-و ان كانت ذات منشأ غربي رأسمالي إلا أنها استخدمت في محاربة الرأسمالية ذاتها كما أن فكرة وجود مجتمع مدني عربي ذو أصول غربية لا ينفي قيام و وجود مجتمع بديل و معارض – و هو ما تحدث عنه غراشي- و الذي برز بشدة و وضوح في الثورات العربية كالتنظيمات الإسلامية المحضورة في الأنظمة السابقة كما هو الحال في تونس و مصر،و مجتمع الانتفاضة في فلسطين .
تعقيب:
مهما تعددت الرؤى حول مساهمات المجتمع المدني العربي في ثورات الربيع العربي او ثورات الديمقراطية و الحرية إلا انه ما يمكن قوله أننا مازلنا بحاجة ماسة الى مجتمع مدني عربي فعال يضمن للمواطن فيه ان يكون مشاركا و مساهما في الشأن العام و ان يشكل مجالا عاما يسمح فيه بتجسيد الديمقراطية كمنهج و سلوك لا كمجموعة قواعد تملى و تدون ،كما ان الواقع بحاجة الى إسعاف المجتمع المدني العربي من خلال استنبات قيم الحرية و العدالة الاجتماعية و الاستقلال الوطني ،لاستكمال جهود الثورة التي جاءت-بتحفظ- بأنظمة جديدة استمدت شرعيتها من الارادة الشعبية،فالمجتمع المدني سيعمل على خلق التوازن و استتباب الاستقرار من خلال علاقات الصراع بينه و بين الدولة كما سيكون صمام امان في مواجهة استبداد الأنظمة الجديدة-و هو ما يلاحظ- ما يعمل على تحقيق التكافل و الترابط الوطني Interdependence و التصدي لاي محاولات لتفكيك الهوية الوطنية.
-الدولة و المجتمع المدني في الجزائر
مع تزايد الاهتمام بموضوع المجتمع المدني في الجزائر و من خلال الحيوية التي يكتسبها هذا الفاعل في المجال السياسي من خلال الأدوار التي يؤديها و في ظل الظروف المعاشة من تحول ديمقراطي ،و ما رافقه من تغييرات جذرية في آليات الممارسة السياسية لاسيما بعد إقرار التعددية السياسية و انتهاج أسلوب الديمقراطية،احتل موضوع المجتمع المدني حيزا واسعا في النقاشات اليومية باعتباره أساس تحقيق الديمقراطية و التنمية،و من خلال هذه الأهمية نحاول في هذا الجزء من البحث التعرف على مسيرة المجتمع المدني الجزائري و طبيعة علاقته بالسلطة و مدى فعاليته في دفع عجلة التنمية.
1-واقع و خصائص المجتمع المدني الجزائري:
سنحاول في هذا الجزء من الدراسة التـعرف على واقع و مساهمة المجتمع المدني في دعم عملية التنمية في الجزائر .
إن المجتمع المدني بتنظيماته المختلفة من أحزاب و جمعيات و رابطات أهلية و تنظيمات مهنية ،...يشكل صمام أمان ضد احتكار السلطة السياسية ،و قوة دفع رئيسية باتجاه الديمقراطية ،و قد شكل غياب مـجتمع مـدني فعال في الجزائر في بداية تجربة التحول الديمقراطي عاملا هاما في انتكاس التجربة،و فيما يلي نبذة موجزة عن واقع المجتمع المدني في بلادنا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الدولة و شبكات المجتمع المدني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة و شبكات المجتمع المدني   الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyالسبت مايو 25, 2013 3:42 pm


أ‌- الأحزاب السياسية :قبيل دستور 1989 كان نظام الحكم في الجزائر يأخذ بالتنظيم السياسي الأوحد،ليظل حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الحاكم الوحيـد و الرسمي ،إلا أنه مع التعـددية السـياسيـة ظهـر على الساحة السياسية أكثر من 60 حزب ،و تنتمي الأحزاب الموجودة الآن في الجزائر إلى ثلاث تيارات حزبية مختلفة و هي :
-أحزاب التيار الوطني : و هي حزب جبهة التحرير الوطني ( 1954)، حزب التجمع الوطني الديمقراطي تأسس في فبراير 1997).
-أحزاب التيار الإسلامي:وهي حركة مجتمع السلم "حمس"( تأسست الحركة في 30 يونيو 1991 )، حركة الإصلاح.
-أحزاب التيار العلماني:و هي جبهة القوى الاشتراكية (و التي تأسست في 29 سبتمبر 1963) ، وحزب العمال الذي تأسس سنة 1990م،حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD الذي تأسس الحزب في 11/02/1987.
تعاني أغلب الأحزاب من العديد من المشكلات ،فالكثير منها تأسس بموجب القوانين المؤسسة للتعددية و ليس من خلال مشروع اجتماعي تسعى إلى تحقيقه.
ب‌- الجمعيات و المنظمات الأهلية: عرفـت الجزائر التنظيـم الجمعوي إبـان الاستعـمار بداية إثر القانـون الصادر في 01/07/1901م ومع الاستقلال وتبني المشروع الاشتراكي لبناء الدولة الوطنية تم حل جميع التنظيمات ودمجها بالاتحاديات التابعة للحزب الواحد من منطلق أن التنمية التربـوية والثقـافية يـجب أن تدمج مع طبيعة النظام السياسي ، وهكذا أصبح الانتماء لهذه التنظيمات مرهونا بموقف المواطن من الحزب وسعيه للحصول على مكتسبات شخصية من أجل تولي المناصب في الدولة ما جعل المجتمع المدني عاجزا عن سد الفجوة بين المواطن والدولة.
ولقد تم تنظيم العمل الجمعوي خلال مرحلة الأحادية من خلال المرسوم 71/79 المتعلق بقانون الجمعيات ثم المرسوم 87/15 والمرسوم التطبيقي له 88/16 هذه القوانين جاء في جميعها لتضييق حرية التجمع وتشديد الإجراءات البيروقراطية وتعزيز رقابة الدولة لتصرفاتها إذ اعتبرها الناشطون في الحركة الجمعوية قوانين تسلطية.
ومع صدور دستور فيفري 1989م متضمنا التعددية السياسية وحرية التعبير وإنشاء الجمعيات، عرفت الجزائر حركية كبيرة في الانتظام داخل الجمعيات، ففي حين لم تعرف مرحلة 1966/1988إلا حوالي 100 جمعية فإن الرقم قد بلغ 1000 جمعية وطنية و45.000 جمعية محلية خلال المرحلة 89-2000 أسس أغلبها في السنوات الأولى للانفتاح على التعددية لارتباطها بالتيارات الحزبية التي استثمرت في الجمعيات لكسب عواطف وأصوات مناضليها، خاصة مع التسهيلات التي قدمها قانون الجمعيات 04/12/1990م الذي ألغى الشروط التعجيزية للقوانين السابقة .
ونتيجة للآثار التي خلفها المسار الانتخابي لتشريعيات 1992م خسر المجتمع المدني مئات الجمعيات التي كانت مرتبطة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ كما خسرت شخصيات قيادية بارزة إثر عمليات الاغتيال ،وهكذا أدى تدهور الوضع الأمني في الجزائر إلى غياب هذه المنظمات عن العمل باستثناء جمعيات نسوية علمانية و أخرى تناضل ضد الإرهاب أو تقديم مساعدات لضحايا المأساة الوطنية ولم تتنفس الجمعيات الصعداء إلا مع بداية الألفية حيث لوحظ اهتمام على مستوى الخطاب السياسي لتشجيع مبادرات المجتمع المدني إذ تم اعتماد 3110 جمعية بين 2002 و ماي 2004 في حين تم إحصاء 75 ألف جمعية تنشط على الساحة.
و تنقسم الجمعيات في الجزائر إلى تيارين أساسيين :يستند الأول إلى إطار مرجعي قائم على الثقافة الأوروبية،بينما يستند الثاني على إطار إسلامي عربي ،إلا أن كلا هذين التيارين يتسمان بالضعف العددي و قلة الأعضاء و كثرة الجمعيات ذات الطابع الخدمي و المهني مقارنة بالجمعيات ذات الطابع السياسي،كما تتسم بتبعيتها لإطار الدولة ،مع ارتباط بعضها بروابط وثيقة مع الأحزاب السياسية .
من خلال ما سبق يمكن القول ان هناك عدد كبير من الجمعيات ينشط في مختلف المجالات والمستويات، ولكن نظرا لعدة عوامل: سياسية وقانونية وثقافية واقتصادية... فإن النسيج الجمعوي في الجزائر يبقى ضعيف الفعالية و خاضعا لسلطة الدولة وهيمنتها وتوجيهها، وآراء ومواقف قياداته غالبا ما تصاغ وتعلن وفق هوى السلطة ولصالحها.
فالجمعيات الجزائرية رغم عددها الكبير تكاد تكون غائبة على الساحة السياسية، ولا تنشط إلا بتحريك من الجهات الرسمية، أو بدافع براغماتي شخصي لقياداتها عند اقتراب المواعيد الانتخابية.
ت‌- التنظيمات النقابية:
ارتبطت الحركة النقابية في ظل دستوري 1963-1976م بالعمل السياسي واستغلت خلال تلك المرحلة لحشد القوى العاملة والتفافها حول البرنامج السياسي للحزب الواحد وليس كمنظمة مطلبية، إذ تم حرمان العامل في القطاع العام من الحق في الإضراب الذي يعد أهم وسيلة ضغط.
ولقد حرر دستور 89 هذه النقابات من أي وصاية سياسية أو سيطرة حزبية استنادا إلى قانون 01/88 المؤرخ في 16/01/1988م الخاص باستقلالية المؤسسات، وفي القانون الأساسي للإتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يعد أعرق وأوسع تنظيم نقابي في الجزائر تمت إعادة صياغة المادة الأولى لتصبح" الاتحاد العام للعمال الجزائريين منظمة نقابية مطلبية حرة ومستقلة عن كل وصاية حزبية وإدارية وعن أرباب العمل موحدة وديمقراطية لكافة العمال..."
الا ان ما يميز هذه النقابات المستقلة مهمشة وتبحث لها عن دور في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالدولة لا تعترف بها كطرف محاور أو شريك، وتقتصر في حوارها على "المركزية النقابية" التي يشهد لها بوفائها التام للسلطة الحاكمة.
ورغم أن السنوات الأخيرة شهدت حضور اجتماعي قوي لبعض النقابات التي استطاعت، إلى حد ما، أن تفرض مطالبها أو بعضها على السلطات الجزائرية، إلا أن العمل النقابي بشكل عام لا يزال ضعيفا بفعل غلبة التيارات الموالية للسلطة الحاكمة، أو السائرة في فلكها.
ومن معاينة واقع التنظيمات المدنية الأساسية السابقة وتفاعلاتها مع الدولة في الجزائر يمكن القول أن تلك العلاقة مطبوعة بطابع هيمنة الدولة القوية وصاحبة الإمكانيات والسلطة على المجتمع المدني الضعيف والمتشتت والمنقسم على ذاته، والفاقد للإمكانيات.
ث-وسائل الإعلام "الحرة":
تتواجد على الساحة الإعلامية الجزائرية ترسانة من وسائل الإعلام الخاصة المكتوبة –لأن المسموعة والمرئية لا تزال حكرا على الدولة- والتي تمارس وظيفتها الإعلامية، ولكنها لا تتمتع باستقلالية تامة عن الدولة من جهة، أو الشخصيات والأحزاب المعارضة من جهة ثانية، وحتى عن بعض القادة العسكريين أيضا حتى قبل أن: «وراء كل جريدة جنرال»، كما أن بعض الصحف حتى تلك التي كانت تعرف بأنها معارضة أصبحت تمارس الدعاية لصالح النظام الحاكم بشكل كلي أو جزئي.
وتمارس الدولة الجزائرية ضغوطا كبيرة على وسائل الإعلام تلك من خلال قوانين الإعلام والعقوبات... وباستخدام الإمكانيات المالية والمادية والتسهيلات وسلطات الحل والحظر... وكل تلك الممارسات مؤشر على أن وسائل الإعلام "الحرة" ليست مستقلة تماما عن الدولة في الجزائر وما زالت تخضع لهيمنتها وتسلطها، مع الاعتراف في المقابل بهامش حرية التعبير المميز مقارنة بدول عربية أخرى.
2- علاقة المجتمع المدني بالدولة في الجزائر
تتأثر علاقة المجتمع المدني بالدولة وتختلف حسب طبيعة النظام السياسي السائد في مجتمع ما، ويسهل تحديدها عندما تكون طبيعة هذا النظام معروفة وثابتة، كأن يكون ديمقراطيا أو تسلطيا أو شموليا، أما عندما يكون هذا النظام في مرحلة تحول، كالتحول نحو الديمقراطية، فإن معرفة علاقة المجتمع المدني بالدولة تتطلب تفحص واقع وتفاعلات مختلف تنظيمات المجتمع المدني مع الجهات الرسمية داخل هذا النظام، كون أن الأنظمة المتحولة نحو الديمقراطية قد تجمع بين سلوكات ديمقراطية وأخرى تسلطية في آن واحد، وهذا لأن التخلص من الميراث التسلطي لا يتم بسهولة وبسرعة.
ولما كانت الجزائر تمر بمرحلة تحول ديمقراطي، وتجربة تغيير حديثة نوعا ما، فإن معرفة تلك العلاقة تمر عبر تفحص حالة مختلف التنظيمات المدنية والتجسيد الواقعي لعلاقتها بالجهات الرسمية، ومن بين أهم تلك التنظيمات على الساحة الاجتماعية والسياسية الجزائرية والتي سيتم التركيز عليها: الجمعيات، النقابات، وسائل الإعلام الحرة...
و انطلاقا من الخصائص التي ميزت المجتمع المدني في الجزائر ، يمكن حصر مجموعة من العوامل التي ساهمت في تحديد علاقة المجتمع المدني بالدولة في الجزائر بالشكل المشار إليه نذكر منها:
● حداثة المجتمع المدني الجزائري مقارنة بالسلطة القائمة: فالمجتمع المدني لم يعرف تطورا ملحوظا في العدد والفعل إلا في بداية التسعينات مع انفتاح الجزائر على التعددية، في مقابل سلطة قائمة منذ عقود.
● قوة الدولة في مقابل ضعف المجتمع المدني: تملك مؤسسات الدولة إمكانيات مادية ومالية وحتى معنوية كبيرة تؤهلها للسيطرة والتحكم في أي تنظيم خارجها يعمل على المستوى الوطني، في حين أن أغلب تنظيمات المجتمع المدني الجزائري لا تكاد تتوفر على الحد الأدنى من الإمكانيات المالية والمادية لتمارس نشاطها باستقلالية.
● الدولة هي الممول الرئيسي لأغلب تنظيمات المجتمع المدني: تفتقد أغلب تنظيمات المجتمع المدني الجزائرية للقدرة على التمويل الذاتي نتيجة ضعف قاعدتها الشعبية وعدم قدرتها، وضعف والقيود على حريتها لجمع التبرعات والهبات والمساعدات المالية من المجتمعين المحلي والدولي، الأمر الذي جعلها تابعة في تمويلها بشكل أساسي للدولة، ما نتج عنه سيطرة هذه الأخيرة عليها وعلى قراراتها.
فالتبعية المالية والمادية لأغلب الجمعيات مثلا إزاء الدولة، تسمح لهذه الأخيرة يفرض استراتيجيتها الإدماجية على عدد كبير من الجمعيات، وتحويل العلاقات بها إلى علاقة شراكة سلبية، بدل العلاقة الإيجابية، في التكفل بالقضايا المطروحة وتلبية حاجات المنخرطين.
● التدخل والتضييق الذي تمارسه الدولة على بعض التنظيمات المدنية: العناصر السابقة أكسبت الدولة الجزائرية قدرة كبيرة على التدخل في نشاطات التنظيمات المدنية والتأثير على قراراتها المصيرية، والتضييق عليها باستخدام أدوات قانونية وسياسية واقتصادية مختلفة ومتعددة، الأمر الذي مكنها من ضبط قوة المجتمع المدني والإبقاء عليه ضعيفا إلى الدرجة لا يمكنه معها تهديد ومصالحها ومعارضة قراراتها وسياساتها.
● الوضع الأمني الذي عرفته البلاد مع بدايات المجتمع المدني: أعطى حيزا كبيرا ونوع من الشرعية للدولة للتضييق على المجتمع المدني بمختلف تنظيماته، وهو ما حدث مع عدد كبير من الدول التي تأثرت بالحرب على الإرهاب، «حيث ساهمت تلك الحرب بشكل غير مباشر في نمو هياكل قانونية أكثر حزما مما يساعد الحكومات في الضغط على المنظمات غير الحكومية».
● طبيعة النظام السياسي الجزائري: فالنظام السياسي الجزائري ما زال في مرحلة تحول نحو الديمقراطية، ورغم أن عناصر الديمقراطية الشكلية متوفرة تقريبا، إلا أن بعض الممارسات غير الديمقراطية والتسلطية ما زالت تطفو إلى السطح من فترة لأخرى، وإذا أخذنا في الاعتبار فارق الإمكانيات في السلطة والقوة بين المجتمع المدني والدولة، إن العلاقة بينهما ستكون حتما لصالح هيمنة وسيطرة هذه الأخيرة، وستعطي دفعا ودعما معنويا للنظام الحاكم للسيطرة على المجتمع المدني حفاظا على بعض المكاسب ما أمكن، مع الظهور بمظهر الحكومة الديمقراطية.
● مجتمع مدني غير ديمقراطي: يتسم عدد كبير من تنظيمات المجتمع المدني بخصائص غير ديمقراطية، إذ تشهد أغلبها صراعات على المراكز القيادية وحركات انشقاقية، وغياب التداول على السلطة، الأمر الذي يعطي في كل مرة مبررا للسلطة للتدخل فيها، وحسم الخلاف لصالح الطرف الذي يبدي استعداد وولاء تاما لها.
● عدم ثقة النظام السياسي في تنظيمات المجتمع المدني: فالنظام السياسي الجزائري، على غرار الأنظمة السياسية العربية الأخرى، يشهد أزمة ثقة إزاء تنظيمات المجتمع المدني المختلفة، وقد «ساهم انعدام الثقة في خلق شعور لدى الأنظمة العربية مفاده أن السماح بإنشاء مؤسسات المجتمع المدني لا يعد كحق من حقوق المواطن، بل هو عبارة عن هبة تمنحها هذه الأنظمة لمن تشاء، ومتى تشاء، وتقوم بسحبها إذا توفر لها اعتقاد بأن عمل هذه المؤسسات سيجلب لها متاعب معينة».
● انتشار المنظمات غير الحكومية التابعة للحكومات: تشهد المجتمعات المدنية في الدول العربية، تحول عديد المنظمات غير الحكومية إلى منظمات تابعة بشكل شبه كلي إلى الحكومات، فيما بات يعرف حاليا بـ: "المنظمات غير الحكومية التابعة للحكومات"، وهو ما أثر بشكل كبير على استقلالية مجتمعاتنا المدنية وسهل مهمة سيطرة الدولة عليها.
فالعوامل السابقة الذكر أدت إلى تكون علاقة شديدة التعقيد والغموض، ولكن يغلب عليها طابع تدخل الدولة وهيمنتها، وتحالفها الطوعي أو الإكراهي مع المجتمع المدني، و وضع المجتمع المدني في الجزائر مميز، فهو ليس ليبراليا ومستقلا تماما، كما أنه لا يخضع بأكمله لسيطرة وتحكم الدولة، ولكنه يضل عرضة لتدخلاتها ومحاولاتها ترويضه متى اقتضى الأمر ذلك.
والخلاصة أنه رغم الانفتاح على تنظيمات المجتمع المدني الذي عرفته الجزائر منذ نهاية الثمانينات، إلا أن هذا الأخير لا يملك الإمكانيات ولا الثقافة ولا الإطار السياسي والاجتماعي المناسب ليكون مستقلا عن الدولة، ويشكل ثقلا موازنا لها.
مما سبق، طبع علاقة تنظيمات المجتمع المدني الجزائري بالدولة بطابع الهيمنة والسيطرة لصالح هذه الأخيرة في مقابل تبعية الأولى، حيث يشكل موقف معظم تنظيمات المجتمع المدني سندا لموقف السلطة في مختلف الرهانات والاستحقاقات، حتى بات وكأنه يشكل تحالفا ضد أية معارضة محتملة للنظام الحاكم، ويجعل من الأخير تحت تصرف السلطة تستدعيه لخدمة أغراضها متى شاءت.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الدولة و شبكات المجتمع المدني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة و شبكات المجتمع المدني   الدولة و شبكات المجتمع المدني Emptyالسبت مايو 25, 2013 6:00 pm

الدولة و شبكات المجتمع المدني Hr8p0



الدولة و شبكات المجتمع المدني Co1B7
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدولة و شبكات المجتمع المدني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المجتمع المدني بين الدولة والمجتمع
» المجتمع المدني ومعالجة النزاعات
» مورفولولوجية المجتمع المدني في الجزائر
» موسوعة المجتمع المدني العربي
»  المجتمع المدني في الأنظمة الديمقراطية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** ماســـــتر (Master) ******* :: السنة الثانية ماستار ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1