خطورة الاستثمار الأجنبي في الزراعـة المصرية
16-4-2013 | 10:45
209
بقلم: نعمان الزياتي -
من الحقائق المهمة التي يجب ألا ننساها في زحمة التغيرات السريعة والتحولات المصاحبة هي أن الاقتصاد الزراعي كان بلا شك الأساس المتين لقوة مصر التاريخية وكون مصر بلدا زراعيا ومجتمعا زراعيا في الماضي كان نقطة قوة وتفوق. وهناك العديد من الدروس الجديرة بالملاحظة في تاريخ التنمية الزراعية. أولها: أنه لا تكاد تكون هناك دولة استطاعت الشروع في تحقيق نمو اقتصادي علي أسس حديثة والمحافظة عليه دون أن تكون قد بدأت أولا باستغلال إمكاناتها الزراعية وتنميتها. إن زراعتنا متطورة ومتقدمة بمقاييس الدول النامية, ولكنها متخلفة بمقاييس الدول المتقدمة المتطورة. وأمام الزراعة المصرية شوط كبير لتقطعه حتي تصل إلي المستويات والمعدلات العالمية القياسية. ولا أمل سوي تخطيط الأرض, التخطيط الذي يجمع بين بعد النظر وسلامة الإستراتيجية من جهة وبين التشريع المقنن الصارم الملزم من الجهة الأخري ولا يمكن تحقيق تقدم ملموس في الاقتصاد الوطني دون النهوض بإمكانات القطاع الزراعي وزيادة مساهمته في تحقيق التنمية الاقتصادية. لقد حقق كثير من البلاد تنميتها في ستينيات القرن الماضي من خلال الثورة الخضراء التي شملت تطوير أصناف عالية الإنتاجية من المحاصيل, والتوسع في البنية الأساسية للري, وتوزيع المخصبات والأسمدة والمبيدات الحشرية الحديثة علي المزارعين في الدول النامية ــ في تعزيز الإنتاج الزراعي في مختلف أنحاء العالم. ولكن الجوع المزمن لا يزال منتشرا, وبخاصة في الدول النامية التي هي الأكثر تضررا بنقص المحاصيل وتقلبات أسعار الغذاء. والفرصة متاحة أمامنا لأن نحجز مكانا علي خريطة الكبار في الاقتصاد الزراعي بالاعتماد علي ذاتنا وليس باللجوء إلي الآخرين تحت مسمي الاستثمار الأجنبي لأن مصر تملك كل عوامل التفوق الزراعي, وصاحبة أول مدرسة زراعية في العالم, بالإضافة إلي أن تجربة الاستثمار الأجنبي لم تفد مصر في شيء وكانت السبب المباشر وراء تدهور زراعتنا وصناعتنا, وكما أوضحنا في مقالات سابقة بأن الاستثمار الأجنبي دليل ضعف وليس قوة. فالظروف المحلية والدولية مهيأة الآن لمصر أن تستثمر في الزراعة لأنه المجال الوحيد للاستثمار خلال العقود الثلاثة القادمة. وليس أدل علي ذلك أن يسارع عدد من المستثمرين البريطانيين للتنافس مع نظرائهم من الصين ودول الخليج العربي, لشراء الأراضي الزراعية في إفريقيا للاستفادة من نقص الغذاء المحدق بالعالم بحسب صحيفة ديلي ميل. ويعود الإمبرياليون الجدد إلي الدول التي استعمرتها بريطانيا قبل نصف قرن. فبريطانيا أصبحت أضخم مركز لمشتري الأراضي الزراعية ومعظمها في إفريقيا حيث اشتري مستثمرون مساحات زراعية هناك تزيد علي10 أضعاف مساحة بريطانيا. فتشارلز وات الرئيس السابق للقوي البرية في الجيش البريطاني يأتي علي رأس هؤلاء وبينهم مليارديرات من الصين ومستثمرون من وول ستريت الذين اتفقوا مع رجال المال مثل جورج سوروس الذي صرح أن:' الأراضي الزراعية هي أفضل الاستثمارات في عصرنا', ولا يوجد أمام هؤلاء أرخص من الأراضي الزراعية في إفريقيا ولكن علي حساب طرد المزارعين الصغار وقطع أرزاقهم. واشترت شركة' السير وات' ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية في غينيا بسعر بخس لا يتجاوز ثلاثة جنيهات للفدان. وأفاد تقرير أصدره معهد أوكلاند وهو مركز دراسات في كاليفورنيا بأن من بين المشاركين في فورة الإقبال علي الأراضي صناديق تحوط ومضاربين وبعض الجامعات الأمريكية وصناديق المعاشات وهم يتطلعون إلي عائد علي الاستثمار يتراوح بين20 و40%. ويضيف التقرير أنه في حين يجد المستثمرون عائدا كبيرا من أراضي إفريقيا الصالحة للزراعة تنطوي بعض الصفقات علي تهجير للسكان المحليين في مجتمعات إفريقية فقيرة. وأشار إلي أن مستثمرين أمريكيين وأوروبيين أثرياء يجمعون مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في إفريقيا في صفقات لا تخضع للمساءلة وتعطيهم سيطرة أكبر علي إمدادات الغذاء لفقراء العالم. وأشار التقرير إلي أن الجامعات الأمريكية تعمل من خلال شركات مالية في بريطانيا وأوروبا لشراء أو تأجير أراض زراعية في إفريقيا في صفقات قد يجبر بعضها آلاف من المواطنين علي ترك أراضيهم. ذكر التقرير الذي شمل عدة دول افريقية أن جامعتي هارفارد وفاندربيلت وبعض الكليات الأمريكية قامت باستثمارات كبيرة في الأراضي الزراعية الإفريقية في السنوات القليلة الماضية. وتم تحويل هذه الأموال عن طريق شركات إدارات الأصول في لندن بمساعدة مستشارين سابقين كبار في شركة مورجان جولد ساكس. وقال الباحثون إن المستثمرين يستفيدون من' الاستيلاء علي الأراضي' في صفقات عادة لا تفي بالوعود أو خلق الوظائف والتنمية الاقتصادية مما يقود إلي مشاكل بيئية واجتماعية في الدول الفقيرة. كما أن جزءا كبيرا من صفقات الأراضي يخصص لإنتاج الوقود الحيوي وهو ما يأتي علي حساب إنتاج المواد الغذائية. وبعض الصفقات تحمي المستثمرين من المساءلة حتي مع امتلاكهم أرضا عالية القيمة بمقابل بخس. وقد حذرنا مرارا وتكرارا من الندوات والبحوث المشتركة مع الغرب حيث لا تصب في مصلحة الوطن, فيشير التقرير السابق إلي أن الباحثين من معهد أوكلاند أمضوا أكثر من عام يعملون سرا بتمويل من مؤسسات مثل مؤسسة هاورد بافيت في جمع المعلومات عن صفقات الاستثمار في الأراضي الزراعية في دول إفريقيا مثل إثيوبيا ومالي وموزمبيق وسيراليون والسودان وتنزانيا وزامبيا وغيرها. ويقول التقرير إن مؤسسة ماليان لتشجيع الاستثمار علي سبيل المثال تعمل علي تسهيل وصول المستثمرين للأراضي وتحويل الأرباح إلي خارج البلاد. وانتقدت بعض المنظمات أسلوب المستثمرين في الهجوم علي إفريقيا وخاصة مؤسسة أوكسفام الدولية وأبدت مخاوفها الواردة في تقريرها' أرضنا.. حياتنا' والمتعلقة بالمخاطر المحتملة التي قد تقترن بالاستحواذ علي مساحات شاسعة من الأراضي والحاجة إلي الإدارة السليمة والشفافية ومشاركة أصحاب الحيازات المحليين وغيرهم من أصحاب المصلحة في عملية تملك الأراضي, ودعت أوكسفام إلي وقف استثمارات مجموعة البنك الدولي في المشاريع الزراعية الواسعة الكثيفة الاستخدام للأراضي, لاسيما في وقت ترتفع فيه أسعار الغذاء العالمية بوتيرة سريعة. وقالوا إن اشتراطات توفير فرص العمل في كثير من هذه الاستثمارات إما متراخية أو غير منصوص عليها أصلا وإن الأراضي أسعارها رخيصة أو مجانية. وحقوق المياه تمنح دون قيود وكثير من المستثمرين الأجانب غير مطالبين بالالتزام بحقوق العمال أو المعايير البيئية. ووجه الخطورة في الهجوم الغربي والخليجي علي أراضي إفريقيا أن يخص بالذات دول منابع النيل أي حجز المياه عن مصر وتحويلها للاستثمار الغربي في إفريقيا. وقد قدمت بعض الدول حوافز خيالية لهؤلاء المستثمرين, ففي إثيوبيا تشمل الحوافز التي تطرحها الحكومة إعفاءات من ضريبة الدخل وبنك حكومي للأراضي يمكن المستثمرين الأجانب من الحصول علي قطع كبيرة متجاورة من الأراضي. وقال المعهد إن أغلب الأراضي التي حصلت عليها شركة أجريسول في تنزانيا والتي يبلغ حجمها نحو325 ألف هكتار يقطنها لاجئون بورونديون يزرعونها منذ1972. وقالت الشركة إنها تعتزم التعاون مع السكان لكن المعهد يقول إنهم أجبروا علي ترك الأراضي وستأتي الشركة بمديري مزارع بيض من جنوب إفريقيا. وقال معهد أوكلاند إن المستثمرين قد بالغوا في تصوير الفوائد التي تعود علي المواطنين المحليين. وقال مدير المعهد انورادا ميتال إن التحليلات تثبت أن هذه الاستثمارات لن تخلق إلا القليل من الوظائف وستجبر الآلاف خارج أراضيهم. ويضيف التقرير أنه في حين يجد المستثمرون عائدا كبيرا من أراضي إفريقيا الصالحة للزراعة تنطوي بعض الصفقات علي تهجير للسكان المحليين في مجتمعات افريقية فقيرة, وربما نزع أراضيهم. وتقوم بعض الدول الكبيرة المستثمرة في زراعة الذرة في إفريقيا بتخصيص جزء كبير من صفقات هذه الأراضي لإنتاج الوقود الحيوي وهو ما يأتي علي حساب إنتاج المواد الغذائية. وبعض الصفقات تحمي المستثمرين من المساءلة حتي مع امتلاكهم أراض عالية القيمة بثمن بخس. ويقال إن المستثمرين الأجانب يشترون الأراضي التي تركت عاطلة, وبالتالي فإن شراءها لتحويلها إلي أراض منتجة من شأنه أن يزيد من المتاح من الغذاء إجمالا. بيد أن تقرير شراكة مصفوفة الأراضي وجد أن هذه ليست الحال: ذلك أن ما يقرب من45% من عمليات الشراء تشمل أراضي محاصيل منتجة بالفعل, وثلث الأراضي التي تم شراؤها كانت غابات, الأمر الذي يشير إلي أن تطويرها قد يشكل تهديدا للتنوع البيولوجي. ويرد المستثمرون الأجانب' نحن نستثمر في الزراعة في إفريقيا ونقيم الأعمال التجارية ونوظف المواطنين'' هذا ليس استيلاء علي الأرض'' نحاول أن نجعل للأرض قيمة'. ويزعم المستثمرون الذين يشترون مساحات زراعية كبيرة في إفريقيا أنهم يجلبون الخير للقارة بتقديم استثمارات ضرورية لكن الحقيقة التي يكشفها كتاب جديدLandgrabbers للمؤلف فرد بيرس تشير إلي أن هؤلاء المستثمرين يهددون بطرد60 مليون من صغار المزارعين الذين يؤمنون80% من الغذاء في إفريقيا لأن غالبية الاستثمارات تركز علي الإنتاج التجاري الضخم. ويعترف البريطاني جيمس سيجز بذلك بالقول إن أنظمة الزراعة الغربية الضخمة في الكونغو تسببت في تهجير الناس هناك ولم تساعد في توليد وظائف جديدة بل تسببت في تخريب النسيج الاجتماعي هناك. ويتلخص الغرض من أغلب هذه الاستثمارات في إنتاج الغذاء أو محاصيل أخري للتصدير من الدول التي يستحوذ فيها علي الأراضي. وأكثر من40% من هذه المشاريع تهدف إلي تصدير الغذاء بلد المصدر ــ وهو ما يشير إلي أن الأمن الغذائي هو السبب الرئيسي لشراء الأراضي. وانتقد البنك الدولي الاتهامات التي وجهت إليه من قبل مؤسسة أوكسفام الدولية ونحن نشاطر أوكسفام مخاوفها الواردة في تقريرها, والمتعلقة بالمخاطر المحتملة التي قد تقترن بالاستحواذ علي مساحات شاسعة من الأراضي والحاجة إلي الإدارة السليمة والشفافية ومشاركة أصحاب الحيازات المحليين وغيرهم من أصحاب المصلحة في عملية تملك الأراضي. ونقر بوجود حالات من الاستغلال, لاسيما في البلدان التي تضعف فيها الإدارة العامة. كما نشاطر أوكسفام الاعتقاد بأنه ينبغي في العديد من الحالات ضمان المزيد من المشاركة التي تتسم بالشفافية والشمول في حالات نقل ملكية الأراضي. وهذا بالضبط هو الدور الذي تضطلع به مجموعة البنك الدولي من خلال تطبيق معاييرها البيئية والاجتماعية وكذا عملها مع الحكومات المضيفة في مجال ملكية الأراضي وغير ذلك من الإصلاحات الجوهرية. ونؤمن بالعمل مع منظمات مثل أوكسفام بشأن أفضل السبل لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية, لكننا نرفض الدعوة إلي فرض وقف علي المشروعات.
لقد أحلنا كل مشاكلنا إلي نقص المال مع أن المال موجود بوفرة في الداخل ولا تنقصه سوي الآليات الخاصة بتوظيفه وحمايته وهو في حاجة إلي فكر جديد وآليات جديدة غير تلك التي عفا عليها الزمن, الآليات الحالية لا تصلح بالمرة لاستصلاح فدان واحد بل هي عبء علي الاقتصاد الوطني ومن ثم يجب التخلص منها وإفساح المجال لآليات جديدة ودماء جديدة لم تتلوث. علينا أن نساعد المنظمات التي تقف في وجه الغزو علي أراضي إفريقيا لأن الخاسر الأكبر هو مصر وأن نرفع من وعي الأفارقة بعدم السماح بتأجير أو بيع أراضيهم تحت دعوي الاستثمار الأجنبي في الزراعة. ولكن في ضوء الضغوط التي يفرضها الفقر وإغراء الأموال النقدية, فما الذي قد يضمن تمكين الناس من القيام باختيار حر مبني علي الاطلاع بشأن بيع شيء مهم كحقهم في الأرض؟ فلماذا يثير شراء أجزاء من الجسم الإدانة الدولية, في حين لا يثير شراء الأراضي الزراعية نفس الإدانة, حتي عندما ينطوي الأمر علي طرد أصحاب الأراضي المحليين وإنتاج الغذاء للتصدير إلي دول غنية وليس للاستهلاك المحلي؟*
press_ik@yahoo.com
الرابط الأصلي