قضايا و اراء- جريدة الأهرام
43300 السنة 129-العدد 2005 يونيو 25 18 من جمادى الأولى 1426 هـ السبت
حماية البيئة شرط أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية
بقلم: رندة فؤاد
بمناسبة الاحتفال بيوم البيئة العالمي تحت شعار المدن الخضراء فلنخطط لمستقبل الأرض, سوف نتناول اليوم موضوعا مهما ويدور حول حماية البيئة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية. فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1972 يوم5 يونيو من كل عام يوما عالميا للبيئة, وذلك في ذكري افتتاح مؤتمر استكهولم حول البيئة الانسانية كما صدقت الجمعية العامة في اليوم ذاته علي قرار تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
فمع المتغيرات العالمية المتلاحقة أصبح هناك العديد من التحديات التي تواجه المجتمعات النامية, ويبرز من بين تلك التحديات ذلك التحدي الخاص بقدرة المجتمع علي تحقيق نموه الاقتصادي دون اهدار لموارده البيئية, وحسم هذا التحدي يعد أهم رهانات المستقبل بالنسبة للدول النامية في مسيرة التنمية الشاملة. وفي ضوء خبرات الدول النامية في العقود الماضية يعتبر تحقيق التنمية الاقتصادية أمرا ممكنا, لكنه غالبا ما يأتي علي حساب الموارد البيئية التي تتعرض لقدر كبير من الاهدار والاستنفاد.
ولقد اقترن تصرف الانسان ككائن اقتصادي بطبيعته بالتأثير علي البيئة: ففي العصور السحيقة امتد أثر الانسان علي البيئة من خلال عدة أوجه, كان أولها صيد الحيوانات, ثم قيام الانسان باختراع الزراعة واللجوء الي ازالة الغابات واستئناس الحيوانات لأغراض اقتصادية وسعيا وراء الربح. وقد زادت الآثار السلبية علي البيئة بعد استخدام الانسان للصناعات الكيماوية بكل أشكالها فرغم أن هذه الصناعات استحدثت عددا من العقاقير والمركبات الكيماوية التي كان يراها الانسان في البداية ذات فائدة اقتصادية عظيمة في حياته إلا أنه بعد فترة اكتشف أنها من أخطر مصادر التلوث. فقد زاد حجم استهلاك الفرد زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة وتحسنت درجة الرفاهية في مختلف دول العالم سواء المتقدمة او النامية لدرجة أنه اطلق علي هذا العصر عصر الاستهلاك وكان أخطر مانجم عن ذلك زيادة حجم النفايات المتخلفة عن هذا الاستهلاك وعن استخدام الوسائل الجديدة للرفاهية, وأصبحت هذه النفايات تمثل خطورة علي البيئة وعلي تواصل عملية التنمية.
إن العلاقة بين البيئة والتنمية الاقتصادية ظلت علاقة متوازنة طوال الفترة التي كان الاستهلاك يتوازن مع الانتاج الذي يفي بحاجات السكان ومتطلباتهم, ولكن عندما تجاوزت العلاقة بين الانتاج والاستهلاك هذا التوازن وصلت البيئة الي الخط الحرج الذي يمثل الخط الفاصل بين الاستخدام الرشيد للمواد والاستغلال الجائر لها حيث بدأت المشاكل التي تتعرض لها البيئة تأخذ صفة التدمير الكلي لجميع مظاهر التنمية الاقتصادية والاجتماعية في معظم أرجاء العالم, وأصبح التصرف المخالف للبيئة الذي ترتكبه أي دولة ينتقل الي الدول الأخري من خلال الهواء او المياه او المنتجات التي تصدرها, ومن هنا كان لابد من تحرك العالم علي المستوي الاقليمي والدولي لضبط استخدام البشرية للموارد الاقتصادية, وذلك للحفاظ علي تواصل عملية التنمية, وكان المؤتمر الأول للأمم المتحدة حول البيئة والتنمية في السبعينيات يسعي الي تحقيق الانسجام والتكامل بين البيئة والتنمية من منظور اقتصادي وقانوني واعلامي.
لقد أدي ادخال البعد البيئي في مجال الاقتصاد الي تغير مفهوم التنمية الاقتصادية من مجرد زيادة استغلال الموارد الاقتصادية النادرة لاشباع الحاجات الانسانية المتعددة والمتجددة الي مفهوم التنمية المتواصلة او التنمية المستدامة. فالتنمية المتواصلة لاتمنع استغلال الموارد الاقتصادية مثل: المياه والنفط والغابات, ولكنها تمنع الاستغلال الجائر لهذه الموارد بالدرجة التي تؤثر علي نصيب الأجيال المقبلة من هذه الموارد, وخاصة اذا كانت موارد قابلة للنضوب او غير متجددة.
في نفس الوقت تمنع التنمية المتواصلة تحميل الأجيال المقبلة اعباء اصلاح البيئة التي تلوثها الأجيال الحالية.
وعلي ضوء ذلك, أصبح هناك تفرقة في نظريات التنمية الاقتصادية بين التنمية التي تراعي الجوانب البيئية وتعرف بالتنمية الخضراء او المتواصلة او المستدامة وبين التنمية الاقتصادية البحتة التي لاتراعي البعد البيئي والتي أصبحت محل انتقاد من كل الأوساط والمؤسسات الاقتصادية العالمية, لدرجة أن البعض يطلق عليها تنمية سوداء, وقد أصبحت المؤسسات الاقتصادية العالمية تهتم بإعداد حسابات قومية علي أساس مراعاة البعد البيئي, وتعرف باسم الحسابات القومية الخضراء وهي حسابات تقوم علي اساس اعتبار أن أي تحسن في ظروف البيئة وفي الموارد الاقتصادية هي زيادة في اصول الدولة, وأن أي تناقص في الموارد الاقتصادية او اضرار بالبيئة هو زيادة في التزامات الدولة ونقص في اصولها.
ويمكننا القول إن تدهور البيئة يرجع أساسا الي اننا ننفق رأس مالنا الطبيعي بمعني أننا ننفق رأس مالنا من مصادر الثروة الطبيعية من الخدمات التي تقدمها لنا هذه المصادر بدلا من أن نعيش علي عائد رأس المال.
وعند الحديث عن أهمية البيئة للاقتصاد, فيمكننا التطرق الي السياحة البيئية التي تعني السفر الي مناطق طبيعية لم يلحق بها التلوث ولم يتعرض توازنها الطبيعي الي الخلل وذلك للاستمتاع بمناظرها ونباتاتها وحيواناتها البرية وتجليات حضارتها ماضيا وحاضرا. ويعتبر هذا النوع من السياحة مهما جدا للدول النامية لكونه يمثل مصدرا للدخل, بالاضافة الي دوره في الحفاظ علي البيئة وترسيخ ثقافة وممارسات التنمية المستدامة. إن السياحة البيئية ذات التوازن البيئي تهدف الي البحث والدراسة والتأمل في الطبيعة والنباتات والحيوانات وتوفير الراحة للانسان, فالميزة التي يتيحها تطبيق السياحة البيئية هي ربط الاستثمار والمشاريع الانتاجية للمجتمع المحلي مع حماية البيئة والتنوع الحيوي والثقافي للمناطق السياحية, وفق معادلة تنموية واحدة, ذلك عن طريق اعداد برامج سياحية تعتمد علي توجيه السياحة نحو المواقع المميزة مع التأكيد علي ممارسة سلوكيات سياحة ابداعية ومسلية, دون المساس بنوعية البيئة او التأثير عليها.
هذا ويلعب الاعلام التنموي في التعريف بقضايا البيئة علي المستوي المحلي والاقليمي والدولي خاصة مع بداية القرن الحالي دورا كبيرا في التوعية والارشاد لقضايا البيئة ذات الأهمية والتي بدأت تبرز بعد العديد من المشكلات الحياتية لعدد من الشعوب والتي من أهم اسبابها عدم المحافظة علي البيئة وصون مواردها. إن هدف الاعلام البيئي أن يكون ضمير المجتمع بأجياله المتعاقبة فيقرع ناقوس الخطر للأفراد والجماعات والحكومات من أجل المحافظة علي البيئة واقامة التوازن بين البيئة والتنمية للوصول الي نهج صحيح من التنمية المتكاملة القابلة للاستمرار التي تضع في اعتبارها حاجات الجماهير. ولقد تزايد اهتمام وسائل الاعلام العربية بموضوع البيئة خلال السنوات الأخيرة غير ان التصدي لهذا الموضوع تميز في معظم الحالات بالغموض فالمعالجات تكون اما عامة جدا تغشاها ضبابية انشائية او محدودة في اطار ضيق وفي كلتا الحالتين خروج عن المفهوم الأساسي للمسألة فالتعميم يتصدي لموضوع البيئة علي نحو شاعري واصفا الجبال والأشجار والهواء والماء وكأنها في حد ذاته بمعزل عن الانسان والتخصيص يحصر الموضوع في مشكلة محدودة مثل النفايات وكأن مشكلة البيئة تحل جميعا اذا قامت حملات النظافة في الشوارع, لاجدال أن الجبال والأشجار والهواء والماء كلها مهمة جدا ولكن موضوع البيئة أكثر شمولا. إن الاساس في نشاط الاعلام البيئي لأداء مهامه أن يقوم بدوره كوسيلة اتصال أي تعتمد علي دعم الحوار بين المرسل والمتلقي والصعوبة التي تنشأ في هذا المجال هي أن يتحول الاعلام اما الي اعلام خطابي مرسل لايعرف الصدي الحقيقي لما يقول او يكتب دون معرفة حقيقية برأي ومشاركة من يقرأ او يستمع او يشاهد. كما أن نجاح الاعلام في أداء مهمته بطريقة تحليلية متعمقة يقتضي بالضرورة تعاونا شاملا وعميقا بين المؤسسات الاعلامية ومختلف الهيئات المسئولة عن البيئة من جهة ثانية. كما اعتمد أيضا علي سهولة الحصول علي المعلومات البيئية الصحيحة مع استمرار تحديثها.
رغم الاهتمام العالمي والاقليمي والقومي بالبعد البيئي للتنمية إلا أنه يبقي عنصر مهم جدا لتفعيل عملية الحفاظ علي البيئة وضمان تواصل عملية التنمية, هذا العنصر هو: الوعي البيئي للفرد نفسه والذي اذا توفر فإنه يكون أكثر فاعلية من سن القوانين والتشريعات, ويوفر كثيرا من الجهد والمال.