أحزاب سياسية تعمل من أجل حماية البيئة
http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=44237
ظهر مذهب البيئية و ما يسمى بالإيكولوجيا في الدول الغربية في بداية الستينات من القرن الماضي كردة فعل على المشاكل التي كانت تواجهها البيئة و من بينها اشتداد التلوث بصفة عامة و المجاعة التي كانت تعاني منها شعوب عديدة و قطع أشجار الغابات بصورة عشوائية، و أزمة البترول و خطر انقراض بعض الأنواع النباتية و الحيوانية. كلها مسائل أثارت اهتمام البيئويين.
فتطور مذهب البيئية حول علاقة الإنسان بالطبيعة و حماية البيئة من اعتداء التحضر و المجتمعات الاستهلاكية.
في عام 1980 قرر جزء هام من أعضاء حركة البيئويين أو ما يعرف الخضر- قرروا تشكيل أحزاب سياسية نظرا لضرورة تحقيق نتائج فعلية في المجتمع. و حتى قبل ذلك العام كانت قد تكونت أول تشكيلة سياسية للخضر في نيوزيلاندا عام 1972 و تدعى Values Party أي بمعنى "حزب القيم". أما في عام 1974 كان Rene Dumont أول مرشح للخضر في الانتخابات الرئاسية الفرنسية آنذاك و كان قد تحصل على 1, 33 بالمائة من الأصوات.
ظهرت حركة الخضر كحركة سياسية تحت أشكال مختلفة في أوروبا. فهناك في بعض الدول أحزابا من اليسار بدأت تهتم بمشاكل البيئة فنزحت إلى تيار الخضر و أصبحت أحزاب للخضر في الدانمارك مثلا و هولندا، و هناك أحزاب أخرى من اليمين اللبرالية منها و الزراعية التي تركزت على مسائل تخص البيئة و الطاقة النووية فتحولت هي أيضا إلى أحزاب للخضر في السويد و النرويج و هولندا. و هناك مجموعة ثالثة من الدول تأسست فيها تشكيلات سياسية جديدة لها برامج سياسية متميزة هم الخضر في فرنسا و بلجيكا و النمسا و ألمانيا و بريطانيا.
واجهت الحركة البيئية تساؤلات عما إذا كان يجب عليها أن تمارس سياسة مختلفة أم أن تتأقلم مع ظروف الساحة السياسية. و قد تبين أن الخضر قد تأقلموا بصورة حقيقية مع مطالب الحياة السياسية بعد أن اتضح لهم أن الأفكار المروجة للحماية البيئة لن تبرز إلا إذا تمكن روادها من ممارسة السلطة.
و لم تلبث أحزاب الخضر و حازت على أولى النتائج الملحوظة في الانتخابات التي شاركت فيها في ألمانيا و فرنسا فتمكن الناشطون في الحركة البيئية السياسية من دخول الهياكل السياسية الوطنية تدريجيا. و في عام 1989 حصل ثلاثون مشرعا من سبع دول في أوروبا الغربية على مقاعد في البرلمان الأوروبي الذي أصبح يشغل فيه تجمع الخضر حاليا واحدا و أربعين مقعدا.
في البداية كانت أحزاب الخضر متحمسة في إبراز نفسها بصورة مستقلة دون التحالف مع تشكيلات سياسية أخرى، لكنها سرعان ما اضطرت لقبول حل وسط فشاركت في الحكومات إما إلى جانب أحزاب اليسار كما كان الحال في ألمانيا مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي في الفترة بين أعوام 1998 و 2004 و في فرنسا في الفترة بين 1998 و 2001 ، إما إلى جانب أحزاب اليمين كما هو الحال في جمهورية التشيك منذ عام 2006 .
إن ما يميز أفكار الحركة البيئية هو أنها تركز على العلاقة بين الانسان و محيطه البيئي الذي يعيش فيه و محورها الرئيسي يتمثل في التضامن داخل و بين الأجيال، على خلاف المذاهب التقليدية الأخرى التي تركز على العلاقات بين الأشخاص و على قيم مبادئ تخص الاقتصاد و الملكية و مصالح مجموعة بعينها.
و في مرحلة أولى لتطور الحركة السياسية البيئية استجاب لها تيار اليسار الذي ربط بين المطالب الاجتماعية و المطالب المتعلقة بحماية البيئة. فيما كان تيار اليمين لا يبالي بالمواضيع البيئية. ويفسر البعض عدم توافق المبادئ اللبرالية مع تلك التي يروج لها الخضر – بأن المشاريع اللبرالية مرتبطة بالتخطيط و الطاقة و الاتصالات و الصناعة و التجارة فيما تفترض حماية البيئة وضع قيود لكل هذه المجالات.
لكن مع مرور الزمن تجاوز التيار البيئي التقسيم الأيديولوجي التقليدي بين اليمين و اليسار حيث تطورت و تضاعفت المبادرات و المشاريع الرامية إلى حماية البيئة من الجهتين، ما يثبت أن البيئة موضوع قد يهم الجميع بغض النظر عن مذاهبهم السياسية.
يجدر ذكره أن الرئيس الفرنسي الممثل لتيار اليمين الذي انتُخب مؤخرا – نيكولا ساركوزي - قد أدخل نقاطا هامة للتيار البيئي في حملته الانتخابية، و قال ساركوزي في خطاب له بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية مباشرة – إن مكافحة التغيرات المناخية أولوية كبرى لحكومته.
ويذكر أن نيكولا ساركوزي كان قد أشرف في عام 2005 على انعقاد أول اتفاقية بيئية لحزبه "الاتحاد من اجل حركة شعبية" و من خلالها أدرج موضوع حماية البيئة في المشروع السياسي لهذه التشكيلة بصورة نهائية.
أما المستشارة الألمانية آنكيلا ميركل التي كانت وزيرة سابقة للبيئة في حكومة Helmut Kohl فقد غيرت موقفها جذريا إزاء البيئة في حملتها الانتخابية و قامت حكومتها بمواصلة تنفيذ المشاريع التي بادرت بها الحكومة السابقة كما بدأت تنفيذ مشاريع أخرى في هذا المجال.
بلغت الحركة البيئية في دول أوروبا الوسطى و الشرقية ذروتها في إطار الحركات المدنية المعارضة للأنظمة الشيوعية السائدة سابقا لكنها لم تحصل على نتائج فعالة كأحزاب سياسية في أولى الانتخابات التي جرت بعد سقوط تلك الأنظمة عام 1989 ، إذ لم ينجح الخضر في تشكيل كتل برلمانية خاصة بهم، إلا في رومانيا و سلوفاكيا.
و فسر البعض ذلك بمستوى المعيشة المتدني نسبيا و صعوبة بروز تيار سياسي جديد و المنافسة غير النزيهة بين الأحزاب التقليدية. لكن تجاوز الفترة الانتقالية و الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أدى إلى إنعاش التيار السياسي البيئي ابتداء من عام 2003 عند تأسيس الاتحاد الأوروبي للخضر. Federatia Europeana a verzilor
و قد أضاعت حركة الخضر السياسية في رومانيا فرصا كبيرة لإبراز نفسها. إذ رغم أنها لم تكتسب خبرة مدنية أثناء النظام الشيوعي إلا أن أحزاب الخضر الخمسة التي شاركت في أولى الانتخابات التشريعية الحرة عام 1990 كانت قد حازت معا على 4, 95 بالمائة من الأصوات، فكانت بالتالي ثاني تيار سياسي من حيث الأهمية في رومانيا بعد جبهة الإنقاذ الوطني متقدما على اللبراليين و الزراعيين.
إلا أن آمال الخضر تبددت بسرعة بسبب العقلية و ممارسة التسيُس التي أدت إلى تردي و ضع الخضر في الساحة السياسية الرومانية. و بعد تجربة من التحالفات الآنية بين اتجاهي اليسار و اليمين، لم يتبق حاليا سوى حزبين للخضر لا أهمية لهما في الساحة الرومانية.
نقلا عن rri الرومانية