ويقول D.Shaw: "إن فرضية الأجندة[35] لا تعتقد أن الإعلام يرمي إلى الإقناع، إن الإعلام الذي يصف ويحدد الواقع الخارجي يقدم للجمهور قائمة حول الموضوعات التي يمكن يناقشها أو أن يشكل رأيا حولها، فالسمة الأساسية لهذه النظرية تكمن في فهم الناس لجزء كبير من الواقع الاجتماعي يأتي أساسا من الإعلام"[36] ويمكن توضيح ذلك بالنموذج التالي[37]:
تهتم بحوث وضع الأجندة بدراسة العلاقة التبادلية بين وسائل الإعلام والجماهير التي تتعرض لها من خلال تحديد أولويات القضايا التي تهم المجتمع، حيث تفترض النظرية أن القائمين على وسائل الإعلام ينتقون بعض الموضوعات ليتم التركيز عليها والتحكم في طبيعة محتواها، إذ لا يمكنهم طرح كل الأحداث والقضايا التي تحدث في المجتمع، بحيث يأخذ هذا الانتقاء التركيز في إثارة اهتمامات الجمهور تدريجيا، فيدركونها، يفكرون بها ويقلقون بشأنها، لتمثل لهم أهمية نسبية أكثر من تلك التي لم تطرح إعلاميا[38].
حيث اتضح للباحثين في المجال أن آليات التأثير أكثر تعقد مما أعتقد في البداية، ما يظهر على المتلقي حين يتأثر بمادة المواضيع البعيدة عن حياته اليومية، إذ تصبح لديه اهتمامات بالسياسة والقيم الديمقراطية – مثلا- في الوقت الذي يبدو أقل اهتماما إزاء ما يعنيه ويمسه بصورة مباشرة وهو الشيء الذي تتصدى الأجندة لدراسته، أي إشكالية هذه المسافة بين الموضوع والمتلقي، ومفاهيم المفهومية Identification انعكاس، انتقال وإحداث البعد الذاتي حيال القضايا القريبة ليجد المتلقي نفسه في مواضيع لا تعنيه إن لم تكن بعيدة تماما عنه[39]، تبعا لذلك تركز النظرية على مقدرة وسائل الإعلام في تغيير الاتجاهات وفقا لنموذج الآثار الموحدة في دراسات الإعلام المبكرة[40].
رزم الواقع التي لا يلتقطها المتلقي مباشرة، ولا يحددها بصورة اتصال تبادلي على مستوى الحياة اليومية، تجعله يعيش هذا الواقع فقط عبر وساطة رمزية يقوم بها الإعلام الجماهيري. وبالتأكيد على هذه التبعية المعرفية المتصاعدة للإعلام الجماهيري تفترض الأجندة رائزا مباشرا – وإن لم يمكن فوريا – على المتلقي في مستويين:
- يتعلق الأول بجدول الأعمال، الموضوعات، الإشكاليات والمشكلات التي يطرحها الإعلام؛
- في حين يتصل الثاني بالتراتبية حسب الأهمية والأولوية التي يتم على أساسها تنظيم هذا الجدول، لذا يكون تأثير المضمون الإعلامي - وفقا للأجندة- وساطيا غير مباشر وخاضعا لطبيعة الاتجاهات الموجودة سابقا لدى المتلقي، وفضلا عن هذه العناصر التأثير المباشر والطويل الأمد.
تدخل الأجندة متغيرات أخرى تجعله – التأثير – عملية معقدة ومشروطة؛إذ تعترف بالخصائص السيكولوجية والاجتماعية للمتلقي، وكذا أهمية الاتصال الشخصي في تحديد الروائز النهائية لمضامين الإعلام على الجمهور.
المبحث الثالث: الاتجاهات المنهجية الحديثة في نظرية وضع الأجندة
عرفت بحوث وضع الأجندة Agenda setting ثلاثة اتجاهات بحثية ذات طبيعة بينية، أوجدت أرضية مشتركة بين علوم الإعلام والاتصال والعلوم السياسية وعلم الاجتماع وعلم النفس، وعلى الرغم من أن هذه الاتجاهات الثلاث تجتمع حول سمة أساسية وهي البحث في نشوء وانتقال القضايا من دائرة معينة إلى دائرة أخرى (الأعلام – الجمهور – السياسة)، إلا أنها تكاد تفتقر إلى الإطار العلمي المتكامل الذي يجمع بينها، وقد أشار الكثير من الباحثين إلى الحاجة الماسة لتكوين الإطار الشامل الذي يسمح بإبراز التفاعل بين هذه المستويات الثلاث.
وعليه يتوقف مستقبل دراسات وضع الأجندة على براعة الباحثين في عدم الاقتصار على دراسة كل نظام فرعي لوضع الأجندة على حدة، والبحث في تصور منهجي كلي يفحص التفاعل والديناميكية والتأثير المتبادل بين الإعلام والرأي العام والسياسة في إطار ما يسمى بمنهج تحليل النظم من خلال الجمع بين الاتجاهات البحثية الثلاثة في نفس الدراسة على النحو الآتي:
- المطلب الأول: الاتجاه الأول (وضع أجندة الجمهور Public Agenda-Setting)؛
- المطلب الثاني: الاتجاه الثاني (وضع أجندة وسائل الإعلام Media Agenda-Setting)؛
- المطلب الثالث: التطورات الحديثة في دراسات وضع أجندة الجمهور.
تقسيم أبحاث وضع الأجندة إلى مقترب تقليدي وآخر حديث هو في الواقع تقسيم لمستويين من الاهتمام:
المستوى الأول الذي تم استعراضه ويتعلق الأمر بالفرضية الأساسية للنظرية التي وضعها الباحثان MC Combs and Show وكان يهتم بالإجابة عن الأسئلة التقليدية الخمسة من؟ وماذا؟ وبأية وسيلة؟ ولمن؟ وبأي تأثير؟ والإجابة على هذه الأسئلة وحسب أظهرت محدودية فرضية وضع الأجندة بالرغم من التبصيرات التي ساهمت بها في فهم عملية التأثير التي تقوم بها وسائل الإعلام على الرأي العام.
ففي عصر ما بعد الاتصال الجماهيري تساءل علماء الاتصال الجماهيري عن موقع نظرية وضع الأجندة في بحوث الاتصال السياسي والرأي العام في عصر المعلومات هل تخضع لنفس الظروف والمتغيرات التي خضعت لها منذ سنوات قليلة؟ فالنظرية العلمية هي في المقام الأول نتاج بيئة متكاملة تحكمها أبعاد الزمان وشروط المكان، وقد أدت تكنولوجيا الاتصال إلى تجزئة الجمهور إلى قطاعات عديدة ومتبانية، ولم يعد بإمكان وسيلة إعلامية واحدة أن تسيطر على سوق المعلومات، فالمتلقي أصبح بإمكانه أن يتعرض لمئات المصادر التي يختارها ويتفاعل معها لحظة بلحظة.
فيرى حمادة بسيوني: "رغم هذا التغيير الكبير إلا أن وسائل الإعلام لم تفقد دورها في هذا العصر الذي تكاثرت فيه وسائل الاتصال وانشطرت فيه قطاعات الجماهير إلى أجزاء صغيرة، فلازلنا نذكر نجاحها في وضع أجندة الرأي العام العالمي بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر"[41] الأمر الذي يؤكد بقاء الدور والتأثير القديم.
المطلب الأول: الاتجاه الأول (وضع أجندة الجمهور Public Agenda-Setting)
بدأ هذا الاتجاه البحثي على يد MC Combs and Shaw ويتخذ من أولويات اهتمامات الجمهور متغيرا تابعا لها وتندرج الدراسات في هذا المجال البحثي من الناحية المنهجية إلى أربع فئات:
- اعتماد الباحث على معلومات تجميعية من الجمهور Grouped؛
- اعتماد الباحث على معلومات فردية على مستوى كل فرد على حدة Ungrouped؛
- دراسة قضية واحدة One Issue؛
- دراسة مجموعة من القضايا Set of Issues.
1- الفئة الأولى: يسأل الباحث الأفراد الخاضعين للبحث عن القضايا التي يهتمون بها في فترة زمنية معينة، وقد يجب كل فرد بقضية أو اثنين أو أكثر، ويتم تجميع هذه القضايا مجتمعة في ترتيب حسب تكرار كل منها، أي أن الأجندة التي تصل إليها الدراسة تعبر عن وجهة نظر الجمهور ككتلة واحدة لكنها لا تعكس بالضرورة الاهتمامات الخاصة بكل فرد، وبمقارنة أولويات الجماهير بتلك السائدة لدى وسائل الإعلام تؤثر في توزيع أهم القضايا بين الجمهور وتضع أجندة الجمهور، وتشير نتائج الدراسات في هذه الفئة إلى أن هناك "علاقة ارتباط قوية بين أولويات اهتمامات وسائل الإعلام والجماهير ويزداد هذا الإرتباط قوة مع القضايا التي تمثل وسائل الإعلام المصدر الوحيد للمعلومات بشأنها فيما عرف باسم القضايا غير التطفيلية Unobtrusive Issues، كما انتهت هذه الدراسات إلى أن التأثير يقع من وسائل الإعلام على الجمهور ولا يحدث في الاتجاه المعاكس"[42].
2-الفئة الثانية: تعتبر أجندة وسائل الإعلام مجموعة من القضايا يصل إليها الباحث من تحليل مضمون وسيلة أو سائل الإعلام الخاضعة للبحث، فيما يتم قياس أولويات اهتمامات كل فرد من أفراد الجمهور منفردا، فالباحث وفقا لهذا المدخل يفترض أن تركيز وسائل الإعلام على قضايا معينة يحقق نفس الترتيب لذات القضايا على كل الأفراد، لكن هذه الفرضية لم تراع الاختلافات الفردية التي تدفع كل متلقي على حده إلى أن يكون له رؤيته الخاصة في التعامل مع وسائل الإعلام التي تنعكس على مدى تأثره بما تراه مهما من أولويات وهذه الفرضية غير قائمة على دراسة متأنية لواقع العلاقة بين الإعلام والجمهور.
3-الفئة الثالثة: يقوم الباحث بدراسة قضية واحدة في كل وسائل الإعلام والجمهور، ويتم قياس أجندة الجمهور بأسلوب تجميعي، وتسير بحوث هذه الفئة إلى درجة عالية من الاتساق بين قضايا الطرفين: الجمهور والإعلام.
4-الفئة الرابعة: يتخذ الباحث من المعلومات الفردية لا التجميعية أداة لقياس أجندة الجمهور فضلا على التركيز على قضية واحدة.
لكن هذا التصنيف رغم أنه يأخذ من التصميم المنهجي معيارا يحتكم إليه، إلا أنه يتجاهل طبيعة المتغيرات الوسيطة فهناك مداخل بحثية أخرى تمثل إضافة قيمة تثري البحث الإعلامي ووضع الأجندة:
1- المدخل الأول: اختيار الفرضية الرئيسية لنظرية وضع الأجندة بأن هناك: "ارتباط بين أولويات وسائل الإعلام وأولويات الجماهير والكشف عن العوامل الوسيطة التي يمكن أن تقوي أو تضعف العلاقة بين المتغيرات"[43] مثل نوع وسائل الإعلام والخصائص الديمغرافية لجمهور وسائل الإعلام والاستعداد الشخصي للفرد لتقبل الموضوعات التي تثيرها وسائل الإعلام باعتبارها قضايا مهمة، وطبيعة القضايا التي تحظى باهتمام وسائل الإعلام، وأثر تفضيل المرء لوسيلة إعلامية معينة على وضع هذه الوسيلة لاهتماماته.
2-المدخل الثاني: يهتم هذا المدخل باختيار مفهوم الحاجة إلى التكيف والتوجه السياسي، ويفترض المفهوم أن تأثير وضع الأجندة لا يتحقق بنفس الدرجة بالنسبة لكل الأفراد، ولكنه مرتبط بما إذا كان الفرد قد اتخذ قرارا بشأن التصويت الانتخابي أم لا يزال في المراحل الأولى لصنع القرار، حيث توصلت الدراسات في هذا المدخل إلى أن الأفراد الذين لم يقرروا بعد سلوكهم الانتخابي يخضعون بدرجة أعلى من غيرهم لتأثير وضع الأجندة لأنهم أكثر احتياجا للتعرض لأجندة وسائل الإعلام لمساعدتهم لتحقيق هذا التكيف والتوجه السياسي، وترجع الأصول الأولى لهذا المفهوم إلى نظرية Tolman عن الخريطة المعرفية Cognitive Mapping: "فالحاجة إلى التكيف وفق هذه النظرية تمثل دافعا معرفيا يحفز المرء إلى أن يألف ما يحيط به وأن يتعرف عليه بهدف رسم صورة متكاملة ومفهومة للعالم الذي يحيط به، تسمح له باتخاذ القرارات وإدارة نفسه بما يحقق مصالحه".
فقد أكد ماكسويل ماكومبس وويفر MC Combs and Weaver "أن الحاجة إلى التكيف تدفع المرء إلى المزيد من استخدام وسائل الإعلام بما يؤدي إلى تقوية دورها في وضع الأجندة"[44]، فكلما زادت الحاجة إلى التعرض للمضمون التوجيهي لوسائل الإعلام زاد تأثر المرء بمضمونها، وتتحدد قوة الحاجة للتكيف اعتمادا على عاملين:
أ- مدى صلة الفرد بالقضية التي تعرضها وسائل الإعلام بالفرد وارتباطها بمصلحته؛
ب- درجة القلق وعدم يقين الفرد بشأن القضية.
ويؤدي التفاعل بين هذين العاملين إلى ثلاثة مستويات لقوة الحاجة إلى التكيف؛ وهي الحاجة العالية والمعتدلة والمنخفضة إلى التكيف.
3-المدخل الثالث: توصل لينجر Lyengar سنة 1982 إلى أن: "جمهور وسائل الإعلام الأكثر ثقافة ووعيا بالقضايا المطروحة للنقاش في وسائل الإعلام والأكثر مشاركة في الشؤون السياسية وكذا أصحاب الأيديولوجيات والحجج المناوئة لما تطرحه وسائل الإعلام هم أقل الفئات تأثيرا بأجندة وسائل الإعلام"[45] فهذا المدخل يحلل الاستجابات النفسية والمعرفية للفرد أثناء التعرض للرسائل الإعلامية وأهمها ما إذا كان يثير حججا معارضة لما تقوم به وسائل الإعلام أم لا.
المطلب الثاني: الاتجاه الثاني (وضع أجندة وسائل الإعلام Media Agenda-Setting)
وضع أجندة وسائل الإعلام آخر مرحلة من تطور بحوث وضع الأجندة، فقد بدأت بحوث وضع الأجندة بالسؤال من يضع أجندة الجماهير لتصل إلى سؤال من يضع أجندة وسائل الإعلام ويعد لازر سفيلد ومرتون Lazarsfeld and Merton أول من طرحا هذا التساؤل الأخير سنة 1984 وكان وجهة نظرهما أن وسائل الإعلام ليست إلا نتيجة للقوى الاجتماعية السائدة بما في ذلك المؤسسات الصناعية والتجارية وغيرها من المتغيرات المؤهلة لممارسة الضبط الاجتماعي، فطبيعة البحث في أجندة وسائل الإعلام تستوجب مجموعة من المداخل:
1- مدخل السلطة؛
2- مدخل الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام؛
3- مدخل بناء الأجندة.
1- مدخل السلطة: أجندة وسائل الإعلام تعكس قيم الممارسة المهنية والأصول والقواعد الاجتماعية للعاملين في الصحافة؛ بمعنى أن وسائل الإعلام أكثر من مجرد قناة للتعبير عن قوة المصادر الأخرى ولكنها تمثل قوة ذاتية مستقلة، وسوف يزداد حجم هذه القوة في المجتمعات الديمقراطية والتي تسود فيها حرية الإعلام والملكية الخاصة، "حيث تمارس الصحافة السلطة السياسية وتكاد تنعدم فيها الرقابة الحكومية وغير الحكومية"[46].
فمدخل السلطة يفسر أجندة وسائل الإعلام على أنها تعبر على اهتمامات مراكز القوة في المجتمع وتعكس الوزن النسبي لهذه القوة ويذهب بعض الباحثين إلى أن "وسائل الإعلام تمثل أيضا مركز قوة في ذاتها"[47].
السلطة في ظل هذا المدخل مرتبطة بالسياسات الإدارية للمؤسسات الإعلامية، فأهداف المؤسسة الصحفية وأسلوب ممارستها للعمل هو المحدد النهائي لأولويات اهتماماتها ومصدر القوة هو الصحفي في ذاته، ويعتبر حارس البوابة صاحب القرار الذي يحدد مضمون وشكل وتوقيت ما ينشر، ويشارك في صنع القرار.
2- مدخل الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام: يقترح هذا المدخل البحث في تأثير وضع الأجندة بين وسائل الإعلام بعضها البعض، وكذلك العوامل المرتبطة باتجاه التأثير وقوته، وقد يمتد ليشمل تأثير الصحف الدولية والأجنبية ذات المكانة على الصحف الوطنية المحلية والجهوية وأثر الصحف الوطنية على الصحف الحزبية، خاصة في الدول النامية إعلاميا. تمارس وسائل الإعلام الغربية الدور الأكبر في وضع أولويات اهتمامات وسائل الإعلام في هذه الدول، ومن ثم وضع أجندة الرأي العام وهذه الدول، ويتطلب التحقق من هذه الفرضية إجراء دراسات تحليل المضمون لعدد من وسائل الإعلام لتتبع مصادر المعلومات التي تشكل القضايا التي تحظى باهتماماتها. رغم أن الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام يبقى قائم للدرجة التي تتحقق فيها المصلحة المشتركة، مع مراعاة درجة الاعتماد، "فالوسيلة الأقوى تؤثر في اهتمامات الوسيلة الأضعف والوسيلة التي تقع في المركز تؤثر في الوسيلة التي تقع في الهامش"[48].
3- مدخل بناء الأجندة: يستعمل بعض الباحثين مفهوم بناء الأجندة بدل مفهوم وضع الأجندة، وهو يعبر عن نفس المضمون، ويشير إلى كل المعلومات المؤثرة في تحديد أولويات وسائل الإعلام، وتتخذ دراسات بناء الأجندة اتجاهان:
أ- الاتجاه الأول: يتعامل مع نتيجة العملية ككل؟ أي تشخيص أجندة الوسيلة الإعلامية الخاضعة للبحث وتتبع تأثير المصادر الإخبارية في بنائها؛
ب- الاتجاه الثاني: يدرس مدخلات وسائل الإعلام أو المادة الخام التي يتم من خلالها بناء أجندة الوسائل، إذ يتم تحليل البيانات الصحفية والمؤتمرات والمقابلات، وقد عرف هذه الاتجاه باسم "دعم المعلومات"[49].
لكن يبقى الإجماع على تسمية هذه العملية بوضع أجندة وسائل الإعلام بدلا من بناء الأجندة لتوحيد المفهوم بين المجالات البحثية الثلاث وهي وضع أجندة الجماهير ووضع أجندة وسائل الإعلام ووضع أجندة النظام السياسي.
المطلب الثالث: التطورات الحديثة في دراسات وضع أجندة الجمهور
تتسم نظرية وضع الأجندة بالمرونة والقابلية للاتساع والتنوع والشمول بعيدا عن النظرة الأصلية التي قامت عليها والتي تقارن بين ترتيب القضايا في أجندة وسائل الإعلام وأجندة الجماهير، لتظهر اتجاهات حديثة على المستوى النظري والمنهجي:
1- القياس المشروط لتأثير وضع الأجندة:
اقتنع الباحثون J. Blumer and Gurevitch, 1992, J. Mcleod Schoenbach 1991 "بأهمية البحث في المتغيرات المؤثرة في وضع الأجندة مثل الانتماء الحزبي والاهتمام السياسي والمشاركة السياسية وملكية وسائل الإعلام وخصائص النظام السياسي وغيرها من المتغيرات ذات الصلة بوضع الأجندة"[50]، فالعلاقة ليست ميكانيكية ومباشرة وفورية كما أن أجندة وسائل الإعلام ليست إلا متغيرا بين سلسلة من المتغيرات التي تمارس أدوارا مختلفة في عملية التأثير.
وتمثل طبيعة القضية وإدراك الجمهور لها أهم المتغيرات الوسيطة فكلما زادت درجة معايشة الجمهور للقضية قل تأثير وسائل الإعلام بشأنها، وذلك لأن الخبرة المباشرة تعمل كبديل لوسائل الإعلام وقد ثبت من دراسة (ياجادYagad ) صحة الفرضية بعدم قدرة وسائل الإعلام في وضع أجندة القضايا التطفلية.