منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Empty
مُساهمةموضوع: قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث    قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyالأربعاء نوفمبر 14, 2012 10:42 am

قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث
تشهد الجمهورية التركية تغيّرات جوهرية، وتطورات إيجابية ملموسة، ذات أبعاد مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، خاصة منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم في العام 2002. وتتضح هذه التغيرات والتطورات في ملامح الصور العامة للمجتمع والدولة. ويبدو ذلك جليا في رسوخ التوافق الاجتماعي بين الطوائف والمجموعات العرقية المختلفة، والزيادة الكبيرة في معدلات التنمية الاقتصادية، وترتيبات الاستقرار السياسي، التي كان لها الأثر المهم في تحديد ملامح السياسات الخارجية، فكسبت بها أنقرة مواقع جديدة مكنتها من لعب أدوار فعالة في المحافل الإقليمية والدولية.
إن السبب في تراجع تركيا خلال الحقبة الماضية يعود إلى سياسة القطيعة، التي سعت لفصل ماضي تركيا العثمانية وعمقها الإستراتيجي عن حاضر الجمهورية الكمالية ومحيطها الإقليمي، والتي عمقت أيضاً الانقسام بين "التيارات العلمانية" و"الجماعات الإسلامية"، وغلبت الأمن على الحرية، وأحدثت أزمة هوية طاحنة في أوساط النخب التركية. ويُرْجِع بعض المراقبين الفضل في صعود التركي الجديد لجملة من التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية المهمة. ولعدد من النظريات المحفزة للتغيير، التي صاغها الدكتور أحمد داود أوغلو، عندما كان أستاذا للعلاقات الدولية بالجامعات التركية، خاصة نظرية "العمق الإستراتيجي"، والتي أودعها في سِفْر ضخم، وعبر عنها بكلمات موجزة، عند توليه حقيبة وزارة الخارجية، بعد أن كان مستشارا لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، فقال: "إن تركيا لديها الآن رؤية سياسة خارجية قوية نحو الشرق الأوسط والبلقان ومنطقة القوقاز. سنسعى لدور إقليمي أكبر، ولم نعد بلد رد فعل".

وقد حشد لهذه الكلمات المقتضبة تفاصيل وافية في كتابه "العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في السياسة الدولية". ورغم أن مصطلح العمق الإستراتيجي مأخوذ من الآداب العسكرية، إلا أن أوغلو ربط معنى هذا "العمق" بإخراج تركيا من بلد "طرف" أو "هامش"، يقتصر دورها في كونها عضوا في محاور وعداوات، إلى بلد "مركز" يناغم بين مختلف علاقاته الخارجية المتعددة، وفي الوقت نفسه إلى بلد ذي دور فاعل ومبادر في كل القضايا الإقليمية والدولية.

وبفضل هذا الفهم الإستراتيجي الناضج، طوت تركيا الكثير من صفحات الماضي، فأنهت حالة العداء مع أرمينيا، وفكت الجمود مع سوريا، وأرخت حبل التشدد مع الأكراد في الداخل، وأحدثت نقلة نوعية في علاقاتها مع جيرانها في المنطقة العربية، وفي منطقة القوقاز، وانطلقت بثقة عالية نحو العالم الإسلامي، وأصبحت لاعباً مؤثراً في الشرق والغرب. وهكذا، أصبحت تركيا حاضرة في كل الأزمات والملفات العالقة في العالم العربي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وعنيت باكرا بالوضع في العراق، وتدخلت إيجاباً في الأزمة بين بغداد ودمشق، ونجحت في عقد اتفاق للتعاون الإستراتيجي مع دول منطقة الخليج.

ينطلق الدكتور أوغلو من ثوابت "الرؤية الحضارية" التي يؤكد من خلالها على نظريتين لديه؛ يقول في الأولى إن "الثقة بالذات الحضارية" مصدر قوة إضافية للدولة في علاقاتها الخارجية، وخاصة إذا اقترنت بتجاوز عقدة النقص، وبالتغلب على الشعور بالدونية تجاه الطرف الآخر.

ومفاد الثانية هو أنه كي تكون ناجحاً في إدارة العلاقات الدولية يتعين عليك مراعاة "التوازن" الدقيق بين قوة الأمر الواقع، وقوة الحق الأصيل، وأنه لا يجوز المغامرة بمواجهة قوة الأمر الواقع دون استعداد كاف، كما لا يجوز التفريط في قوة الحق الثابت الأصيل، وأنه يمكن إنجاز الكثير في المسافة القائمة بين "قوة الأمر الواقع"، و"قوة الحق الأصيل" في ضوء موازين القوى التي تتحرك باستمرار ولا تعرف السكون أو الجمود.

معمارية "العميق الاستراتيجي"
اجتهد الدكتور أحمد داود أوغلو، في جعل عرض الإستراتيجية التركية واضحاً قدر المستطاع، يسهل فهمه على جميع السياسيين في المؤسسة التركية الحاكمة، كما حاول أن يبسِّطه لطلابه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ثم لجميع القراء المهتمين بالشأن العام.

والكتاب تجاوزت صفحات طبعته العربية الـ (600)، مقسمة إلى ثلاثة أبواب رئيسية تعرض لنظرية العمق الاستراتيجي، والتطبيقات المطروحة لها على الحالة التركية، مع مقدمة للطبعة العربية بقلم المؤلف، وتقديم، وتمهيد، وخاتمة، ثم ملحق حول ما بعد "العمق الإستراتيجي" يقرر بشكل قاطع أن تركيا دولة مركز.

ونجمل في لمحات أهم المحاور التي عالجها أغلو في الأقسام الثلاثة من كتابه، الذي صدرت طبعته التركية الأولى عام 2001، وبلغت عدد طبعاته حتى شهرنا الحالي 46 طبعة، منها أربعة عشر طبعة خلال هذا العام.
فالباب الأول، الذي جاء بعنوان "الإطار المفاهيمي والتاريخي"، يشتمل ثلاثة فصول تناولت مقاييس القوة والتخطيط الإستراتيجي، وشرحا لمعادلة القوة وعناصرها الثابتة والمتغيرة، والعنصر البشري وتأثيره البالغ في صنع الإستراتيجية، وإعادة تحليل لعناصر القوة التركية، وبيانا لأوجه قصور النظرية الإستراتيجية التركية والنتائج المترتبة عليها، وعرضاً للإرث التاريخي والبنية التحتية للثقافة السياسية التركية، وتطوراتها بعد انتهاء الحرب الباردة.

وحمل الباب الثاني عنوان "الإطار النظري: الإستراتيجية المرحلية والسياسات المرتبطة بالمناطق الجغرافية "، وضم أربعة فصول لشرح نظرية العمق الاستراتيجي وعناصرها، مع التركيز على العمق الاستراتيجي التركي في المناطق ذات الارتباطات الجغرافية به. لذا، تم استعراض النظريات الجيوسياسية والإستراتيجيات العالمية في فترة ما بعد الحرب الباردة، وأهمية استيعاب العامل المكاني، والمحددات الجغرافية في ملء ساحات الفراغ الجيوسياسي، وتحليل الضرورات التاريخية، وعناصر الاستراتيجيات البرية والبحرية بالنسبة لتركيا فيما يتعلق بالمناطق البرية القريبة، مثل البلقان، والشرق الأوسط، والقوقاز، والأحواض البحرية القريبة، مثل البحر الأسود، وشرق المتوسط، والخليج، وبحر قزوين، والمناطق القارّية القريبة، مثل أوروبا، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا، ووسط و شرق آسيا. وتناول أيضا العناصر الأساسية المحددة لعمق تركيا الآسيوي، والإفريقي.

ومَثَّلَ الباب الثالث القسم الأكبر من الكتاب، واشتمل على الوسائل الإستراتيجية والسياسات الإقليمية، التي رأى الدكتور أوغلو أنها ستحقق لتركيا مكانتها المرموقة في الساحة الدولية. ويضم هذا الباب خمسة فصول. عالج الأول منها الارتباطات الإستراتيجية لتركيا وأدوات سياستها الخارجية، وعنيت بالمحور الأطلسي في إطار المهمة الجديدة لحلف شمال الأطلسي، ومنظمات الأمن والتعاون الأوروبي، والمؤتمر الإسلامي، وما تمثله من خط للتأثير الجيوسياسي والجيوثقافي بين إفريقيا وآسيا، ومنظمة التعاون الاقتصادي، التي تمثل العمق الآسيوي، ومنظمة التعاون الاقتصادي لحوض البحر الأسود، والتي تضم مناطق آسيا الوسطى والبحر الأسود، إضافة إلى مجموعة الدول النامية الثمانية، والعلاقات الآسيوية الأفريقية، ومجموعة العشرين.

وبحثت بقية فصول الباب الثالث قضايا التحول الإستراتيجي في البلقان، والشرق الأوسط، باعتباره مفتاح التوازنات الاقتصادية السياسية والإستراتيجية، وآسيا الوسطى في ظل توازن القوى الأورو- آسيوية، والاتحاد الأوروبي، مصحوباً بتحليل لعلاقة متعددة الأبعاد والمستويات، بما فيها علاقات تركيا مع الإتحاد الأوروبي في سياق التحولات التاريخية.

المخاض الإستراتيجي: تركيا في عالم جديد
لقد كانت تركيا نزاعة باستمرار إلى دور القيادة، ولها من الكسب التاريخي ما يطمئنها على مقدرتها، إلا أن عملية التحديث الغربي، التي انتهجها الكماليون في العهد الجمهوري، لم تتمكن من سد الفجوة بين ما كان ممكناً من الناحية السياسية، ووفقا لما تنبأت به شعارات ثورة أتاتورك، وبين ما كان مطلوباً لقيام تركيا بأدوارها القيادية التاريخية. ويبدو أن القادة الجدد من حزب العدالة والتنمية، المحصورين بين إلحاح الممكن والضروري، تعلموا ببساطة كيف يستطيعون أن يوفقوا بين الممكن والمطلوب في الدور التركي، وأن يضيفوا لعمليات التحديث المتسارعة والمشهودة أبعادا حضارية؛ تاريخية وجغرافية وتأصيلية، تتجه إلى الالتزام بخيار العمق الإستراتيجي لتركيا، دون أن تفرط في الإمساك بمتعلقات المصالح القائمة مع مختلف الأطراف، أو التحالفات التي جعلت تركيا عضوا رئيسيا، كما هو الحال مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

فقد كانت تركيا، كما وصفها أوغلو، إحدى أهم ركائز حلف الناتو خلال فترة الحرب الباردة، باعتبارها إحدى دولتين في الحلف تمكنتا من احتواء الشيوعية، وكانت، هي والنرويج، موضع ثقة الغرب قاطبة. حيث كان هذا الولاء للغرب، ذو الطابع العسكري، يتسق مع تطلعات النخب الحاكمة في الحقبة الكمالية، الذين حولوا تركيا إلى حارس أمين للمنطقة الجنوبية الشرقية لأوروبا من خطر التمدد الشيوعي الأحمر.

وعندما تحررت تركيا من مواجهات الصراع الجغرافي السياسي للحرب الباردة بين الشرق والغرب، بدأت في إثبات وجودها، حسب رؤية أوغلو، من خلال "جغرافيا العولمة"، حيث ما عاد من الممكن اعتبار تركيا طرفا قصياً في إستراتيجية الغرب، وإنما بوصفها دولة في المركز، لها عمقها الإستراتيجي، وفقاً لتعريفات نظرية "قلب العالم"، أو القلب الأرضي في حقل العلاقات الدولية، إذ أن هناك علاقة وثيقة بين الموقع الجغرافي للدولة وبين مستقبل قوتها ودورها السياسي. ويبدو أن هذا الوضع تحول بفعل التغييرات العميقة، التي طالت الخارطة السياسية الدولية، إلى ميزة ايجابية وفريدة، دفعت وستدفع تركيا للعب دور أهم، إقليمي ودولي، مستقبلا .

عقيدة أوغلو: مكانة تركيا أقل من إمكانياتها
للدكتور أوغلو ثلاث نظريات أساسية تعبر عن رؤيته للعلاقات الدولية تعبيراً أصيلاً عن إدراكه لذاته الحضارية/الإسلامية، بحسب مصطلحاته هو في كتاباته. أولها، نظرية التحول الحضاري. وثانيتها، نظرية العثمانية الجديدة. والثالثة، نظرية العمق الإستراتيجي.
وفي هذا الإطار، يؤكد أوغلو على ضرورة أن تعنى تركيا، أولا وقبل أي شيء، بتطوير وجهة نظرها على نحو يجعلها قادرة على التحسس المستمر لنبض العالم العربي والإسلامي، وتلمس إيقاع التغير الاجتماعي، والثقافي، والسياسي الذي يجري داخل مجتمعاته؛ وذلك باعتبار هذه الخطوة مرحلة إعداد أولي للدبلوماسية التركية.

ويخلص من قراءته المتقصية للتاريخ العثماني على مدى أكثر من أربعة قرون، ولتاريخ الجمهورية الكمالية خلال العقود الثمانية الماضية من القرن العشرين، إلى أن تركيا تصرفت بأقل من مكانتها، وبأدنى من إمكانياتها، في سياساتها الإقليمية والعالمية.

المنظّر والوزير: حصاد ايجابي
إن أهم خلاصة يمكن الخروج بها بعد مطالعة هذا السفر القيّم هو أنه أحد الكتب التي ستغير مجرى التاريخ، بالنسبة لتركيا، وجوارها القريب، وربما العالم. ومثلما قال الدكتور طارق عبد الجليل، الذي أسهم في ترجمة الكتاب إلى العربية، في قراءته للكتاب المنشورة على موقع أخبار العالم، فإن " "العمق الإستراتيجي" ليس كتاباً أكاديمياً، أو مؤلفا فكريا فحسب؛ بل أيضا هو نظرية جديدة تُضاف إلى علوم السياسة المعاصرة. إذ هو خلاصة بحث طويل ودراسات متعمقة في عوامل النهضة والريادة لكل مجتمع ودولة تمتلك مقومات نهضتها وتعيها، مع ميزة تفضيلية لهذا الكتاب تتمثل في تجاوزه للأطر النظرية المجردة، وصياغته لرؤية إستراتيجية تطبيقية شاملة لما يمكن أن تكون عليه مكانة تركيا في الساحة الدولية".

تجسدت هذه النظرية، الموصوفة في تضاعيف كتاب "العمق الاستراتيجي"، في واقع حي ملموس في السياسة التركية، يمكن أن يعاينها كل متابع لتطورات الأحداث، داخل تركيا وخارجها، خاصة وأنه قد أُتيح لصاحب النظرية العمل على تطبيقها بنفسه، وذلك بتوليه منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء عام 2003، وانتهاء بتعيينه وزيرا للخارجية التركية العام الماضي 2009، إذ لم يتوان مطلقاً في التعبير الصريح عن مقاصدها.

ويمكن لكل مراقب تسجيل النتائج الإيجابية في السياسة التركية، الصاعدة تدريجاً نحو الإدماج والاندماج مع مكوناتها الحضارية والجغرافية. وما الانفتاح التركي على الدول العربية سوى تتويج لمجهودات مضنية على هذا الصعيد، قامت على رباط الدين، وتداخل الثقافة، وحقائق التاريخ، وواقع الجغرافيا، وما ينبثق عنها جميعاً من معادلات الاقتصاد والسياسة.
________________
باحث سوداني في القضايا الدولية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Empty
مُساهمةموضوع: تابع   قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyالأربعاء نوفمبر 14, 2012 11:23 am

" إن كل مجتمع واعد يزعم بأنه يؤثر في التاريخ وليس كمًّا مهملاً، وأنه يكتب التاريخ وليس يقرأه، إنما هو مجتمع مضطر أولاً لإعادة تفسير زمانه ومكانه، وبلورة وعي متجدد بعمقه الاستراتيجي: الجغرافي، والتاريخي، والحضاري".

هذه هي الرؤية التي كان يحملها الأستاذ الدكتور أحمد داود أوغلو منذ أن خطى أولى خطواته الأكاديمية في مجال العلاقات الدولية، واضعا وطنه ومجتمعه في بؤره أهدافه البحثية.

وكان داود أوغلو معروفا بين أقرانه وأساتذته بتدينه الرشيد الواعي، ومشهودا له كذلك بالنبوغ والذكاء. وهو ما يمكنه أن يفسر المسئولية التي حملها على عاتقه بالبحث عن سبيل لنهضة أمته الإسلامية، ووطنه التركي. هذه المسئولية التي سخر من أجلها أدوات بحثه الأكاديمي؛ ودرس بوعي النظريات الغربية، وقبل منها ورفض، إلى أن بلور نظريته الخاصة لاستعادة وطنه مكانته التاريخية والحضارية داخل محيط السياسة الدولية ومنظماتها المعاصرة.

و" العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في السياسة الدولية " ليس كتابا أكاديميا أو مؤلفا فكريا فحسب؛ بل أيضا هو نظرية جديدة تُضاف إلى علوم السياسة المعاصرة. وتعد هذه النظرية خلاصة بحث طويل ودراسات متعمقة في عوامل النهضة والريادة لكل مجتمع ودولة تمتلك مقومات نهضتها وتعيها، بيد أن ما يميز هذا الكتاب هو تجاوزه للأطر النظرية المجردة؛ ليصوغ رؤية استراتيجية تطبيقية شاملة لما يمكن أن تكون عليه مكانة تركيا في الساحة الدولية.

ولعل ما سيفاجئ القارئ العربي عند مطالعته لهذا الكتاب عند صدور طبعته العربية قريبا بإذن الله، أن هذه النظرية والاستراتيجية المطروحة عند صدور الطبعة الأولى من الكتاب قبل عشر سنوات تقريبا، قد تجسدت واقعا حيا ملموسا لكل متابع لتطورات الأحداث التركية داخل تركيا وخارجها.

ومن الملفت للنظر أيضا، وهي مفارقة نادرة، أن يسمح القدر لصاحب النظرية بتطبيقها بنفسه، وهو ما توفر لداود أوغلو منذ توليه منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء عام 2003، وانتهاء بتعيينه وزيرا للخارجية التركية العام الماضي 2009.

والكتاب الذي نعرض له قد صدرت طبعته التركية الأولى عام 2001، وبلغت عدد طبعاته حتى شهرنا الحالي 44 طبعة، منها أربعة عشر طبعة خلال العام الأخير فقط منذ تولية داود أوغلو وزارة الخارجية التركية. ويعد الكتاب مرجعا لكل المشتغلين بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية في تركيا ولاسيما في فترة حكومة العدالة والتنمية.

ويبلغ الكتاب نحو (600) صفحة في طبعته التركية مقسمة إلى ثلاثة أبواب رئيسية تعرض لنظرية العمق الاستراتيجي، والتطبيقات المطروحة لها على الحالة التركية.

يحمل الباب الأول عنوان "الإطار المفاهيمي والتاريخي" ويشتمل على ثلاثة فصول يتناول الأول منها مقاييس القوة والتخطيط الإستراتيجي، وشرحا لمعادلة القوة وعناصرها الثابتة والمتغيرة، والعنصر البشري وتأثيره البالغ في صنع الإستراتيجية، ويقدم الفصل الثاني إعادة تحليل لعناصر القوة التركية، وبيانا لأوجه قصور النظرية الإستراتيجية التركية والنتائج المترتبة عليها، أما الفصل الأخير فيعرض للإرث التاريخي والبنية التحتية للثقافة السياسية التركية، وتطوراتها بعد انتهاء الحرب الباردة.

ووضع أوغلو للباب الثاني عنوان " الإطار النظري: الإستراتيجية المرحلية والسياسات المرتبطة بالمناطق الجغرافية "، وجعله في أربعة فصول لشرح نظرية العمق الاستراتيجي وعناصرها، مع التركيز على العمق الاستراتيجي التركي في المناطق ذات الارتباطات الجغرافية معها.

وتناول بالدراسة في الفصل الأول النظريات الجيوسياسية والإستراتيجيات العالمية في فترة ما بعد الحرب الباردة، وأهمية استيعاب العامل المكاني، والمحددات الجغرافية في ملأ ساحات الفراغ الجيوسياسي. وفي الفصول الثلاثة الأخرى حلل الضرورات التاريخية وعناصر الاستراتيجيات البرية والبحرية بالنسبة لتركيا فيما يتعلق بالمناطق البرية القريبة: البلقان و الشرق الأوسط والقوقاز، والأحواض البحرية القريبة: البحر الأسود، وشرق المتوسط، والخليج، وبحر قزوين، والمناطق القارّية القريبة: أوروبا، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا، ووسط و شرق آسيا. كما تناول أيضا الفصل الأخير من هذا الباب العناصر التركية الأساسية المحددة لعمق تركيا الأسيوي، والأفريقي.

وأما الباب الأخير فيمثل القسم الأكبر من الكتاب، ويشتمل على الوسائل الاستراتيجية والسياسات الإقليمية التي رأى أوغلو أنها ستحقق لتركيا مكانتها المرموقة في الساحة الدولية. ويضم هذا الباب خمسة فصول على النحو التالي:

الفصل الأول: الارتباطات الإستراتيجية لتركيا وأدوات سياستها الخارجية
أولاً: تركيا والمحور الأطلسي في إطار المهمة الجديدة لحلف شمال الأطلسي
ثانياً: منظمة الأمن والتعاون الأوروبي
ثالثاً: منظمة المؤتمر الإسلامي: خط التأثير الجيوسياسي والجيوثقافي بين إفريقيا وآسيا
رابعاً: منظمة التعاون الاقتصادي: العمق الآسيوي
خامساً: منظمة التعاون الاقتصادي لحوض البحر الأسود: مناطق الإستب والبحر الأسود
سادساً: مجموعة الدول النامية الثمانية والعلاقات الآسيوية الأفريقية
سابعاً: الاقتصاد السياسي الدولي ومجموعة الدول العشرين (G-20)
الفصل الثاني: التحول الاستراتيجي والبلقان
أولاً: البلقان و التناقضات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة
ثانياً: التوازنات الداخلية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة
ثالثاً: أزمة البوسنة واتفاقية "دايتون"
رابعاً: تدخل حلف شمال الأطلسي ومستقبل كوسوفو
خامساً: أسس السياسة التركية تجاه البلقان
الفصل الثالث: الشرق الأوسط: مفتاح التوازنات الاقتصادية السياسية والإستراتيجية
أولاً: العوامل المؤثرة على الوضع الدولي للشرق الأوسط
ثانياً: الشرق الأوسط و القوى العالمية
ثالثاً: الشرق الأوسط و قضية التوازنات الداخلية
رابعاً: تركيا و الديناميات الأساسية في سياسة الشرق الأوسط
الفصل الرابع: سياسة آسيا الوسطى في ظل توازن القوى الأور- آسيوية
أولاً: العوامل المؤثرة على الوضع الدولي لآسيا الوسطى
ثانياً: مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي والتحول في آسيا الوسطى
ثالثاً: آسيا الوسطى و توازن القوى الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة
رابعاً: السياسة الخارجية التركية واستراتيجية آسيا الوسطى
الفصل الخامس: الاتحاد الأوروبي : تحليل لعلاقة متعددة الأبعاد والمستويات
أولاً: مستوى العلاقات الدبلوماسية السياسية
ثانياً: مستوى التحليل الاقتصادي الاجتماعي
ثالثاً: مستوى التحليل القانوني
رايعاً: مستوى التحليل الاستراتيجي
خامساً: مستوى التحول الحضاري و الثقافي
سادساً: علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بين شقي رحى الانعكاسات التاريخية

ومن الملاحظ أن الفصل الثالث الذي يتناول الشرق الأوسط يمثل قسما كبيرا يقترب من ربع حجم الكتاب بأكمله، وهو ما يعطي إشارة إلى الأهمية التي يوليها أوغلو للشرق الأوسط من جانب، وإلى مدى الدقة التي تناول بها قضايا الشرق الأوسط كل على حدة من زاوية إبراز ماهية الدور الذي يمكن لتركيا أن تضطلع به في منطقة الشرق الأوسط على نحو يعزز من مكانتها الدولية، مستفيدة من عمقها التاريخي والجغرافي والثقافي مع دول الشرق الأوسط.

وفي هذا الفصل يُقَيم أوغلو السياسة التركية تجاه الشرق الأوسط بقوله: " لقد فقدت تركيا الأحزمة الاستراتيجية الأكثر قوة في منطقة الشرق الأوسط في الربع الأول من القرن العشرين وعاشت بعيدة عن المنطقة بشكل عام في ربعيه الثاني والثالث، وطورت سلسلة علاقات متأرجحة بين صعود وهبوط مع دول المنطقة خلال الربع الأخير من القرن نفسه، وهي اليوم مضطرة لأن تعيد تقييم علاقاتها مع المنطقة من جديد بشكل جذري."

ويحمل أوغلو رؤية جديدة تدعو تركيا إلى أن تقيم علاقاتها وتجربتها المتراكمة بطريقة بعيدة عن الهواجس الأيديولوجية لتحدد بعقلانية العناصر الأساسية في علاقتها مع العالم الإسلامي. ويقول بأن " تركيا اليوم ليست الدولة العثمانية التي تحمل على عاتقها مسؤولية العالم الإسلامي كله، كما أنها ليست في مواجهة تصفية حسابات مع القوى العظمى نتيجة ارتباطاتها بعلاقات مع المجتمعات الإسلامية. ولذلك فإن ردود الأفعال ذات البعد النفسي لن تتوقف عند التأثير على علاقات تركيا مع العالم الإسلامي بشكل سلبي فحسب، بل ستتعدى كذلك إلى تضييق ساحة مناورة تركيا الدبلوماسية في العمق الآسيوي والإفريقي كذلك."

وفي هذا الإطار، يؤكد أوغلو على ضرورة أن تعنى تركيا " أولا وقبل أي شيء، بتطوير وجهة نظرها على نحو يجعلها قادرة على التحسس المستمر لنبض العالم العربي، وتلمس إيقاع التغير الاجتماعي، والثقافي، والسياسي الذي يجري داخل مجتمعاته؛ وذلك باعتبار هذه الخطوة مرحلة إعداد أولي للدبلوماسية التركية."

وبالنسبة لمشكلة الأكراد داخل منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وداخل تركيا خاصة، يطرح أوغلو رؤية مفادها أن التوصل إلى حل دائم للمشكلة، مرهون بمدى القدرة على إعادة تقييم الأبعاد الثقافية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية للمشكلة على نحو متكامل. ويرى أن ثمة مبدءان رئيسيان ينبغي لمقترحات الحل الثقافي والاقتصادي والسياسي الاعتماد عليها وهما:
1- تقوية مشاعر المرجعية الاجتماعية باعتبارها كلا لا يتجزأ، ودعم العناصر التاريخية والدينية الثقافية والجغرافية التي تؤكد هذه المشاعر.
2- ضمان الوعي بحق المساواة للمواطنين باعتباره أساس للشرعية السياسية، دون الشعور بالحاجة إلى تدخل أي قوى خارجية.


ويرى أوغلو أن العاملين الجغرافي والتاريخي عنصران أساسيان في تحقيق التوازن للجيوسياسية الشرق أوسطية من خلال إحداث التوازن للمثلث الإستراتيجي الحساس الذي يقع في أطرافه الثلاثة كل من: مصر وتركيا وإيران. وأن التوازنات الخارجية لهذا المثلث تشكل شبكة من العلاقات المتداخلة مع مثلث (العراق – سوريا – السعودية)، وأن على تركيا وهي تحلل التحالفات القائمةفي الشرق الأوسط وتوازناتها المقابلة أن تنظر بعين الاعتبار أيضا إلى مثلث أصغر ظل مهملا في هذه التوازنات، وهو مثلث (الأردن – فلسطين – لبنان، بالإضافة إلى شمال العراق مؤخرا) ذلك المثلث الذي يرتبط بعلاقة مجابهة مباشرة بإسرائيلوالذي تتحدد توازناته من قبل العلاقات داخل المثلثات الخارجية.

وفيما يخص القضية الفلسطينية يرى أوغلو أن " تركيا يمكن لها أن تضطلع بدور دبلوماسي فعال بما تملكه من وضعية متميزة؛ حيث أنها دولة مسلمة غير عربية، وهي أيضا دولة في المنطقة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهي أيضا عضو في حلف الناتو تتمتع بعلاقات إستراتيجية قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية. فإن حجم العلاقات التي يمكن لتركيا تفعيلها في هذا الإطار مع منظمة المؤتمر الإسلامي، ومع الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، إضافة إلى ما تمتلكه تركيا من تراث تاريخي لمدينة القدس ووثائقها الأرشيفية، لهما كفيلان بإكساب تركيا وضعية دبلوماسية مهمة."

أما عن العلاقات التركية الإسرائيلية، فيرى أن هذه العلاقة لم تحقق لدولة مثل تركيا، وهي من أقوى الدول ذات العمق التاريخي والجغرافي في المنطقة، دورًا فعالا في عملية السلام بالشرق الأوسط، وجعلتها تبدو وكأنها عنصرا مهملا مهمشا في هذه العملية. بينما ينظر أوغلو إلى العلاقات التركية الإيرانية باعتبارها علاقات استوجبتها البنية الجيوسياسية متعددة الاتجاهات لدى كلا الدولتين، وأن ثمة ثلاثة أجنحة على الأقل تربط بين هاتين الدولتين هي: الشرق الأوسط، والقوقاز، وآسيا الوسطى؛ إذ إن موقع الدولتين في غرب آسيا يفترض على كل منهما تطوير سياسات تراعي فيها كل دولة منهما الأخرى في السياسات المعنية بهذه المناطق، وفي ساحات التأثير المتبادل بين هذه المناطق.

وبإيجاز فإن أوغلو يبلور رؤيته في الاستراتيجية التركية تجاه الشرق الأوسط في عدة عناصر تمثل الحد الأدنى اللازم توفره من أجل نجاح تركيا في في انتهاج إستراتيجية سليمة تحيط بالشرق الأوسط من الناحيتين الجيوثقافية والجيواقتصادية، وتبني سياسة خارجية مرنة تحقق التنسيق بين التكتيكات الدبلوماسية والعسكرية، والتحلي بمهارة مرحلية واعية وقادرة على تقييم تأثير المنطقة في السياسات العالمية. ويمكن إيجاز هذه العناصر الرئيسية فيما يلي:

1- تجاوز العوائق السيكولوجية التي أثرت سلبا على الانفتاح الدبلوماسي نحو المنطقة.
2- إقامة أبنية مؤسسية، وتطوير الموجود منها مثل المراكز البحثية والمعاهد الأكاديمية لتتابع التطورات الإقليمية عن كثب وتقييمها، وتوفير تصورات وسيناريوهات متعمقة.
3- إقامة علاقة سليمة بين التوازنات الدولية وبين السياسة الواقعية الإقليمية.
4- طرح مشروعات شاملة للمنطقة بأسرها.
5- المبادرة بتشكيل مجالات المصالح المشتركة التي تعزز السلام في المنطقة.
6- الحيلولة دون تشكل تكتلات قومية مضادة تمثل ساحات أخطار جيوسياسية وجيوثقافية ضد السلام في المنطقة.
7- الحد من إثارة ردود الأفعال من خلال تنويع العلاقات الثنائية.
8- تبني مقاربة عالية التأثير والفاعلية والمبادرة في كل مجالات المشكلات الإقليمية وفي مقدمتها عملية السلام في الشرق الأوسط.
9- تكثيف الاتصالات والعلاقات الأفقية التي تعزز من صورة تركيا في المنطقة.

وفي النهاية يمكن القول أن رؤية أوغلو لسياسة تركية تجاه الشرق الأوسط قد ارتكزت على ما تتمتع به تركيا من عمق استراتيجي داخل المناطق العربية والإسلامية في الشرق الأوسط من جهة، وعلى الأوضاع الجيواستراتيجية والجيواقتصادية الراهنة بالمنطقة.

ويؤكد أوغلو على جوهر رؤيته بقوله: " ولأن تركيا هي الوريث التاريخي لآخر كيان جامع جيوسياسيا، وجيوثقافيا، وجيواقتصاديا في المنطقة؛ فهي مضطرة إلى اعتماد مقاربة إستراتيجية تمكنها من تجاوز هذه التمزقات الجيوسياسية، والجيوثقافية، والجيواقتصادية، وتمكنها كذلك من الإحاطة بالمنطقة بوصفها كلا متكاملا، ويجب عليها تطبيق هذه المقاربة مرحليا في ظل مرونة تكتيكية. ومثل هذه المقاربة، لن تقتصر على زيادة تأثير تركيا على المنطقة فحسب، بل إنها في الآن ذاته ستمكن تركيا من الاضطلاع بدور لا يمكن لها فيه إغفال أي فاعل داخل التوازنات الدولية والتوازنات الإقليمية".

المصدر: أخبار العالم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Empty
مُساهمةموضوع: رجب طيب أردوغان .. قصة زعيم   قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyالأربعاء نوفمبر 14, 2012 11:24 am




اسم الكتاب : "رجب طيب أردوغان .. قصة زعيم"

المؤلف : حسين باسلي - عمر أوزباي

المترجم : د.طارق عبدالجليل

الناشر : الدار العربية للعلوم ناشرون

مقدمة
وراء كل قائد قصة وفي كل قصة مواقف تصقل شخصية هذا القائد وتطور من فكره وطريقة تعاطيه مع متغيرات واقعه ربما هذا ما كان يعنيه رجب طيب أردوغان بعبارته الشهيرة "أنا لم أتغير؛ ولكني تطورت" عندما بدأ التدشين لمرحلة جديدة في مسار حركة الإسلام السياسي وارتاد تيارًّا وسطًا بين ثنائية (العلمانية / الإسلام)، عُرف بتيار الأردوغانية.
نشأ أردوغان وتربى في كنف حركة "الفكر الوطني" منذ أن كان في المدرسة الثانوية للأئمة والخطباء. وقد أهلته ملكاته الخطابية، ومطالعاته الثقافية، وشخصيته الجادة لأن يشارك في أنشطة الأحزاب السياسية التي أسستها حركة الفكر الوطني؛ بداية من حزب النظام الوطني وحزب السلامة الوطني في السبعينيات، ثم حزب الرفاه، وانتهاءً بحزب الفضيل. ثم هو بعد ذلك يعلن قراره بالانشقاق عن حركة الفكر الوطني، وتأسيس حزب سياسي جديد مستقل باسم "حزب العدالة والتنمية". وتنشق معه قيادات شابة كثيرة كانت تمثل التيار التجديدي داخل حركة الفكر الوطني، منهم: عبد الله غول، بولنت أرينتش، ومليح غوكتشاك، ليتركوا حزب السعادة آخر أحزاب حركة الفكر الوطني في أيدي شيوخ الحركة وقادة تيارها التقليدي.
ويُعلن أردوغان منذ اليوم الأول لتأسيس حزب العدالة والتنمية أن حزبه يحمل طابعًا "ديمقراطيًّا محافظًا"، وأنه مفتوح أمام كل المواطنين ليحقق مشروعًا وطنيًّا نهضويًّا ينقذ تركيا من كبوتها الاقتصادية والسياسية، ويؤهلها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وما هو إلا عام وبضعة أشهر حتى خاض ذلك الحزب غمار الانتخابات العامة عام 2002م وفاز في هذه الانتخابات واستطاع تشكيل الحكومة بمفرده. وإذا كان تحقيق النجاح أمرًا صعبًا، فإن الحفاظ عليه أشد صعوبة. فها هو أردوغان يخوض بحزبه الانتخابات العامة للمرة الثالثة أيضًا ويحظى مرة أخرى بثقة الشعب به وبوعوده.
والكتاب الذي نحن بصدد الإشارة إليه يحكي لنا قصة واقعية بطلها هو رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان". ومؤلفا هذا الكتاب شخصيتان قريبتان من أردوغان، كتبتا فصول هذا الكتاب من قلب الأحداث، واستنطقا الكثير من شهود العيان وأبطال هذه القصة الواقعية. وقاما بترجمة هذا الكتاب من التركية إلى العربية د. طارق عبد الجليل مدير مركز القاهرة للدراسات التركية.
وهذا الكتاب الذي نقدم له يتكون من430 صفحة ويضم عدد كبير من الفصول أو لو شئت قل عدد كبير من القصص والمواقف التي كان رجب طيب أردوغان أحد أبطالها بل بطلها الأساس، ومن هذه الفصول:
- أردوغان مرآة للشعب.
- أردوغان لا ينسى الفحم.
- أردوغان ورئاسة بلدية باي أوغلو 1989م.
- إفطار رمضان مع الفقراء.
- أبيات الشعر – تلقي بأردوغان في السجن.
- يا أردوغان ... أشجارك تبكي.
- التقليديون والتجديديون.
- الحزب الجديد هو الحل.
- حزب العدالة والتنمية وقصة المصباح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Empty
مُساهمةموضوع: الجمهورية التركية الجديدة   قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyالأربعاء نوفمبر 14, 2012 11:26 am

الجمهورية التركية الجديدة



وثمة نقطة أخرى تتعلق بعنوان الكتاب أكَّد عليها فوللر في مقدمته للطبعة التركية. فقد ذكر أن العنوان الموجود على غلاف الكتاب في طبعته الإنجليزية والتركية ليس العنوان الصحيح الذي وضعه للكتاب في نسخته المخطوطة، وإنما هو عنوان من صنع دار النشر؛ إذ أوضح فوللر أن العنوان الحقيقي الذي يعبر بالفعل عن مضمون الكتاب هو "المكانة الجديدة لتركيا في العالم"، وذلك لأن الكتاب يتناول بالتحديد فترة جديدة في تاريخ الجمهورية التركية وليس الحديث عن مولد "جمهورية جديدة".

ويتألف الكتاب بعد التمهيد والشكر من مقدمة وثلاثة أبواب. يحمل الباب الأول عنوان "المسار التاريخي لتركيا" ويحتوي على ستة فصول ترصد وتحلل في سياق تاريخي لسياسات الأتراك الداخلية والخارجية منذ العصر العثماني مرورًا بمرحلة التحول نحو الجمهورية التركية، وتغيرات فترة الحرب الباردة وانعكاسها على توجهات السياسة الخارجية التركية وانفتاحاتها على العالم الإسلامي، وصولا إلى ظهور الإسلام التركي مرة أخرى على الساحة السياسية، وتقديمه لطرح جديد ممثلا في برنامج حزب العدالة والتنمية.

أما الباب الثاني فعنوانه "علاقات تركيا مع العالم الإسلامي ومع والدول الأخرى"، ويتألف من عشرة فصول؛ تعرض وتحلل لسياسات حزب العدالة والتنمية مع العالم الإسلامي والدول الأخرى، ومقومات النفوذ الإقليمي لتركيا، ثم يتناول علاقات تركيا مع كل دولة في فصل على حدة؛ مع سوريا، والعراق، وإيران، وإسرائيل، و( مصر، والمملكة العربية السعودية ودول الخليج وأفغانستان)، وأوراسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية. أما الباب الثالث والأخير فبعنوان "المسار المستقبلي لتركيا"، وهو من فصلين. يعرض الفصل الأول لسيناريوهات تركيا المستقبلية في السياسة الخارجية. ثم يقدم الفصل الأخير خاتمة للكتاب بعنوان "ماذا يمكن لواشنطن أن تفعل؟".

والكتاب في مجمله يعرض ويحلل لتركيا في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، والتحولات التي أجرتها على السياسات التركية لاسيما سياساتها الخارجية.

ويرى فوللر أن مصطفى كمال أتاتورك قد قطع كل صلة بالجمهورية التركية الوليدة بالشرق الأوسط ولا سيما بدوله العربية والإسلامية، واتخذ من الغرب ودوله الأوروبية نموذجا وهدفا في الحد ذاته، وأنه قد وظَّف سياسات الدولة ولا سيما التعليمية إلى تأصيل العداء تجاه الأمة العربية والإسلامية وزرع الحلم الأوروبي في مخيلة الأجيال التركية، وهو ما وصفه فوللر بعملية "الاستئصال التاريخي للماضي العثماني من تاريخ الأتراك". وهو ما جعل -على حد قول فوللر- أربعة أجيال متتالية من الأتراك تعتقد بأن تركيا ليست دولة شرق أوسطية. ويؤكد فوللر على حقيقة تاريخية مفادها، أن الجمهورية التركية حتى نهاية الحرب الباردة كانت صديقًا وفيًّا للولايات المتحدة، لا تختلف مصالحها كثيرًا مع مصالح الولايات المتحدة، وأنها كانت دومًا على أُهبة الاستعداد طواعية لخدمة أهداف الولايات المتحدة الجيوبولوتيكية في المنطقة.

غير أنه يرى أن تركيا قد حققت قفزات ضخمة طفرية في سياساتها الداخلية والخارجية، بفضل نجاحها في إرساء الديمقراطية إلى حد كبير، ما جعلها تدرك مصالحها الشخصية وتعمل على تحقيقها وفق إستراتيجية مستقلة، تتنافس أحيانًا مع سياسات واشنطن، وأنها أضحت تشعر بالانزعاج من تدخلات الولايات المتحدة في العالم الإسلامي، ولا سيما عندما تتصادم مصالح أنقرة ومبادراتها مع الأهداف الأمريكية.

ويمضي فوللر في اندهاشه من تغير الأوضاع من النقيض إلى النقيض فيقول: "إن تركيا اليوم أصبحت ترى الولايات المتحدة باعتبارها السبب والعامل الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط".

ويعزو أسباب هذا الرؤية إلى ثلاثة أسباب، الأول: انهيار الاتحاد السوفيتي وإعادة بناء السياسة الأوروبية وزوال المخاطر والتهديدات الإستراتيجية والجيوبوليتيكية التي كانت تستهدف تركيا. والثاني: التعزز المستمر لتضارب المصالح الأمريكية مع المصالح التركية في المنطقة. وأما الأخير: فنجاح أنقرة في إقامة علاقات إستراتيجية جديدة متنامية مع العالم الإسلامي وأوراسيا والصين.

ولعل الفصل السادس من الباب الأول الذي يحمل عنوان "ظهور الإسلام التركي مرة أخرى" هو أهم فصول الباب بما يحمله من تحليل لأسباب وظواهر وانعكاسات نمو الحالة الإسلامية التركية على الدولة والمجتمع معًا. وهو ما يعد في الآن ذاته توطئة لفهم مضامين الباب الثاني.

فالكاتب يقر بصراحة ووضوح أن انتخابات الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2002 كانت نقطة التحول والانطلاقة الجديدة لصناعة فترة جديدة من تاريخ الجمهورية التركية. إذ يرى أن وصول حكومة حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بأغلبية ساحقة من خلال صناديق الاقتراع ثم حفاظها على النجاح ذاته في انتخابات عام 2007 يعبر عن استفادة كوادر حزب العدالة والتنمية من خبرات الأحزاب السياسية ذات الرؤية الإسلامية مثل (النظام الوطني، والسلامة، والرفاه، والفضيلة)، كما أنه يعبر أيضًا عن حرص وإصرار الناخب التركي على المصالحة مع ماضيه العثماني مع الإبقاء على الدولة العلمانية في آن واحد.

تركيا والإرث العثماني

يقرر فوللر أن الدولة العثمانية كانت أطول الدول الإسلامية السنية عمرًا في تاريخ الدول الإسلامية، وأنها كانت نموذجًا للتعددية الثقافية والعرقية فوق أراضيها. ومن ثم ورث الأتراك هذه الثقافات جيلا بعد جيل.

وأن هذه البيئة الثقافية التركية العثمانية قد تعرضت لحالة من الشتات في الأعوام الأولى لقيام الجمهورية التركية. وهو محق في رؤيته؛ إذ إن قيام الجمهورية التركية على فكرة القومية التركية والانسلاخ من الماضي والإرث العثماني قد جعل تركيا ولأول مرة في تاريخها سائبة بلا جذور تربطها متوجهة نحو الغرب دون وعد بالارتباط به من قِبَل الغرب.

ويرى الكاتب أن "حكومة حزب العدالة والتنمية تسعى منذ وصولها إلى السلطة لتحقيق الموائمة بين النتاجات الثقافية والاجتماعية للفكر الكمالي، والمسار القسري لتركيا نحو التغرب من ناحية، وبين العناصر التقليدية والإسلامية للثقافة التركية من ناحية أخرى. وهو ما بدا في استعداد تركيا لأداء دور دولي موسع بين الشرق والغرب، وكذلك سعيها لخلق تقارب محلي بين القيم التقليدية والقيم المعاصرة".

ويرى فوللر أن التحولات التي تشهدها تركيا داخليًّا وخارجيًّا في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية ليست تحولات طفرية بقدر ما هي نتاج منظم متسارع لتراكمات خبرات الحركة الإسلامية في تركيا.

ويعزو البداية الحقيقية لتأثير الحركة الإسلامية بشكل واضح داخل المجتمع والسياسة التركية إلى عهد الرئيس التركي الراحل طورغوت أوزال (Turgut Özal)، حيث قدم أوزال الكثير من الضمانات القانونية والتشريعية التي كفلت للحركات والجماعات الإسلامية آنذاك أن تنشط في مجال العمل الدعوي العام في ظل الأوقاف والجمعيات العلمية والخيرية. ويضرب مثلا بقانون البنوك الذي صدر عام 1983 ، والذي من خلاله تمكن الإسلاميون في تركيا من دخول عالم المال والمشروعات الضخمة؛ حيث تأسس بنك "البركة التركي"، وبنك "فيصل فينانس السعودي"، و"البنك التركي-الكويتي"، وهو ما عزز من النفوذ المالي والتمويلي للحركات الإسلامية؛ فأقاموا العديد من المشروعات الصناعية والتجارية واستطاعوا النفوذ إلى العالم العربي والإسلامي من باب الاقتصاد.


حزب العدالة والتنمية

يقيم الكاتب حزب العدالة والتنمية الذي تأسس بزعامة رجب طيب أردوغان في أغسطس 2001 بأنه الحزب الأكثر اعتدالا في تاريخ الأحزاب الإسلامية التي ظهرت في تركيا خلال العقود الأربعة الأخيرة، بل وأنه الأكثر نجاحًا على الإطلاق بين الأحزاب السياسية عامة بما حققه من نجاحات في إدارة السياسة الخارجية وفي المجالين الاقتصادي والاجتماعي. ويعزو تميز حزب العدالة عن أسلافه من الأحزاب الإسلامية إلى تلقيه الدرس التاريخي والسياسي بعقلانية، وتكيفه الواعي مع معطيات العصر الحديث إلى حد جعل الكاتب يصفه بأنه "الحزب النموذج لدى الإسلاميين في العالم كله".

ولعل أهم ما تميز به الحزب من سمات -حسب وجهة نظر الكاتب- هو ابتعاده منذ تأسسه عن الانضواء تحت أي معادلة إسلامية، فضلاً عن قبوله للعلمانية شرطًا أساسيًّا للديمقراطية والحرية. إضافة إلى تعريف الحزب للعلمانية التي ينتهجها تعريفًا واعيًا بأنها "حياد الدولة تجاه مختلف العقائد الدينية والقناعات الفلسفية"، ومن ثم فهو يرفض تعريف الأيديولوجية الكمالية للعلمانية بأنها سلطة الدولة على الدين. كما أن حزب العدالة والتنمية قد عرَّف نفسه منذ البداية بأنه "حزب ديمقراطي محافظ"، خالعٌا عنه مصطلحات "الإسلامي" و"الإسلاموي". والسمة الثانية التي تميز الحزب هي ذلك التوجه نحو سياسة خارجية مزدوجة التوجه؛ حيث تستهدف من ناحية الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، ومن ناحية أخرى إقامة روابط أكثر قوة مع سياسة العالم الإسلامي.

ويثير الكاتب تساؤلاً حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية حزبًا إسلاميًّا أم لا. وذلك لأنه يرى أن "شخصية الحزب تمثل انحرافًا واعيًا عن شخصية الأحزاب الإسلامية السابقة أكثر من كونها إخفاء لأجندة دينية أو ممارسة للتقية".

ويجيب الكاتب بنفسه على السؤال، فيؤكد على رأيه الشخصي بأن "حزب العدالة والتنمية ليس حزبًا معتدلا فحسب؛ بل هو حزب إسلامي يمزج القيم الدينية بالحياة السياسية". ويستند في رأيه هذا إلى قناعته بأن "الحزب الإسلامي هو الحزب القادر على وضع تعاليم القرآن والسنة النبوية في صورة مبادئ قادرة على إدارة الدولة والمجتمع، وهو ما يقوم به حزب العدالة والتنمية حاليًا حيث يعمل جاهدًا من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام التقاليد الدينية، والاعتراف بالقيم الدينية، وتوفير الرفاهية للمجتمع، وتأمين احتياجاته التعليمية والصحية، وتعزيز قواه الوطنية".


حركة فتح الله جولان

تعد حركة الشيخ محمد فتح الله جولان هي التطور المهم الثاني الذي يشهده الإسلام التركي على مستوى الفكر والممارسة. وتعد هذه الحركة حسب الكاتب "من أكبر مجموعات حركة رسائل النور في تركيا. ولقد تطورت هذه الحركة بتوجيهات زعيمها الشيخ فتح الله جولان، وأضحت اليوم الأكثر تأثيرًا والأكثر حداثة وأخذا بروح العصر بين الحركات الإسلامية في تركيا". وتتميز عن الحركات الأخرى في تركيا بتركيزها على خلق حراك وتغير اجتماعي تدريجي داخل المجتمع التركي من خلال نشر القيم الإسلامية.

وتتخذ حركة جولان من التعليم وسيلة أساسية ورئيسية لتحقيق التغيير الاجتماعي وتفكيك بنية المجتمع الفكرية وإعادة صياغتها وفق نسق إسلامي؛ فتولى أهمية كبرى لبناء المدارس والجامعات وتزويدها بأحدث وسائل العلوم والتكنولوجيا لتربية طلابها على ربط العلم بالإسلام وكون العلم وسيلة للإيمان.

ويرى الكاتب أن حركة جولان لم تكن على وفاق مع الأحزاب الإسلامية في تركيا ولا سيما مع أحزاب نجم الدين أربكان، وأنها تنادي بابتعاد الحركات الإسلامية عن العمل السياسي، بل وتعترض على نعت الآخرين لها بأنها حركة إسلامية. ويشير إلى أن علاقاتها بالأحزاب السياسية تتأطر في مدى الخدمة التي سيحققها الحزب لصالح تركيا، وغالبًا ما يكون ذلك الحزب حزب غير إسلامي.

غير أن حركة جولان قد خففت من حدتها تجاه الأحزاب الإسلامية مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة. وقللت من انتقادها له، ثم تحسنت العلاقة بينهما تدريجيًّا إلى أن وصلت لحد التعاون في عدد من المجالات وهو -حسب الكاتب- ما أدى إلى زيادة شبهات ومخاوف الكماليين المتشددين من كليهما: حزب العدالة، وحركة جولان.

ويخلُص فوللر في نهاية الباب الأول إلى أن "الإسلاميين في تركيا يمثلون القوى المثقفة الأكثر إبداعًا داخل تركيا الآن، وأنه وإن كانت تركيا ستظل دولة علمانية إلا أنهم قد استطاعوا تطوير مفهوم العلمانية التركية؛ فنسجوا علاقة جديدة بين ماضيهم العثماني وتقاليدهم الثقافية والدينية. ويعتبر فوللر الجوانب المشتركة بين حزب العدالة والتنمية وحركة جولان مؤشرًا بارزًا على هذه الظاهرة".


علاقة تركيا مع العالم الإسلامي والدول الأخرى

يتناول فوللر في الباب الثاني سياسات حزب العدالة والتنمية تجاه العالم الإسلامي، وتجاه كل من إسرائيل وأوراسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويعزو سياسة التقارب التركي الحالية مع دول المنطقة والمعروفة بسياسة "تصفير المشكلات" مع دول الجوار بأنها عودة من الحزب إلى سياسة الحياد الكمالية والمعروفة بسياسة "سلام في الداخل، سلام في الخارج".

ويتطلب هذا الباب الثاني -الذي يبلغ نحو نصف الكتاب- الاطّلاع المباشر على نصه كاملا؛ إذ إن الإيجاز قد يختزل مقاصد فصول هذا الباب اختزالا مخلا، لا سيّما وأنّه يتناول كافّة القضايا الحسّاسة في العلاقات التركية مع دول العالم الإسلامي والدول الأخرى خلال السنوات القليلة الماضية.

بيد أنه يمكن القول إن الكاتب قد أجاد توظيف البيانات والمعلومات لخدمة مقاصد هذا الباب؛ حيث عرض لأُسس التأثير التركي في المنطقة، والتي يأتي في مقدمتها الجيش التركي، والعوامل الاقتصادية، وتصدير القوى العاملة. وأورد بيانات عن حجم تجارة تركيا الخارجية مع الشرق الأوسط في مجالات الطاقة والغاز الطبيعي وخطوط أنابيب البترول والسياسات المائية. ثم تناول بالتحليل تطور العلاقات التركية في ظل سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية مع كل من سوريا والعراق وإيران وإسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج وأفغانستان، وأوراسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي نهاية هذا الباب يقدم فوللر تحليله الخاص -على حد قوله- لرؤية أنقرة للسياسات الأمريكية في العالم العربي والإسلامي، ومفاده أن أنقرة باتت ترى أن الولايات المتحدة قد تسببت في إحداث تغيرات قسرية في أوضاع الشرق الأوسط،، وتجاهلت احترام المؤسسات الدولية، بل ولم تعبأ بسيادة الدول. ويمكن إيجاز هذه الرؤية في النقاط التالية:

• أدت الحرب العالمية ضد الإرهاب بزعامة الولايات المتحدة إلى تفاقم المشكلات والأزمات في العالم الإسلامي، وأججت من التوترات في العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب.

• أضرت الحرب العراقية بالمصالح التركية في المنطقة، وحرضت الأكراد على الانفصال، وأوجدت في النهاية مركزًا جديدًا للإرهاب الإسلامي الراديكالي في المنطقة.

• قلصت واشنطن من حرية التحرك والمبادرات التركية في العراق.

• خلقت السياسات الأمريكية تجاه إيران أجواء مضطربة عرقلت مرور الطاقة الإيرانية إلى تركيا، وخدمت فقط تعظيم القومية الإيرانية وروح المقاومة ضد الغرب.

• كل مبادرة أمريكية تستهدف الحل العسكري تجاه الملف النووي الإيراني لن تكون ذات تأثير إيجابي، وستؤثر فقط سلبًا على مصالح تركيا.

• لا تنتهج واشنطن السلوك اللائق بالقدر الكافي تجاه تركيا؛ إذ لا تتشاور مع تركيا تشاورًا جادًّا بشأن العمليات الإستراتيجية والعسكرية الرئيسية في المنطقة والتي من شأنها التأثير على أمن تركيا ومصالحها.

• سياسات واشنطن الداعمة لإسرائيل دون قيد أو شرط تعظم دائمًا المشكلة الفلسطينية، وتزيد من الاستقطاب في المنطقة بين المسلمين والولايات المتحدة؛ وهو ما يضر بمصالح تركيا.

• سياسة إرساء الديمقراطية التي تنادي بها الولايات المتحدة في العالم الإسلامي لم تضف إلى المنطقة سوى المزيد من عدم الاستقرار.

ورغم هذه الرؤية السلبية من قبل تركيا للسياسات الأمريكية إلا أن حزب العدالة والتنمية حريص على الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة بشكل متزن، ودون الإخلال بمصالح تركيا الخاصة بالمنطقة وذلك -كما يرى فوللر- لأنه يعلم أن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة هي الضمانة الأساسية لبقائه في السلطة بمنأى عن تدخلات الجيش وانقلاباته العسكرية.

وفي نهاية الباب يخلُص فوللر إلى أن "ظاهرة تضارب المصالح الأمريكية والتركية التي تنامت في ظل السياسة الخارجية التركية الجديدة رغم ما تسببه من إزعاج للولايات المتحدة إلا أن الولايات المتحدة مضطرة إلى تحمل المزيد من نتائج هذه السياسة؛ وذلك لأن تركيا قد أصبحت لها سياستها وحساباتها الإستراتيجية الخاصة".


المسار المستقبلي لتركيا
" على واشنطن تكثيف آليات التشاور مع أنقرة والتنسيق مع تركيا في الخطط الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وعلى صانعي السياسة في الولايات المتحدة التنبه إلى أن تركيا قوة مفتاحية من الناحية السياسية والعسكرية في المنطقة، وينبغي أن تكون جزء أصيلا داخل عملية التخطيط الأمريكي تجاه المنطقة "

يطرح فوللر ثلاثة سيناريوهات لمستقبل السياسة الخارجية التركية؛ فيرى أنها لن تخرج عن: (1) سياسة خارجية ذات صبغة أمريكية، (2) سياسة خارجية ذات صبغة أوروبية، (3) سياسة خارجية ذات صبغة تركية خالصة مستقلة، تتعدد فيها محاور وأبعاد التوجهات التركية الخارجية.

فأما السيناريو الأول فيقر فوللر بأن تركيا الحليف الوفي للولايات المتحدة قد انتهت، غير أن لا تزال هناك مجموعة من الأسباب قد تدفع بتركيا مرة أخرى نحو الارتماء في أحضان السياسة الخارجية الأمريكية، ومنها:

• شعور تركيا بتهديدات ومخاطر أمنية إقليمية جديدة.

• تحول تركيا إلى هدف إستراتيجي من قبل قوات الجهاد الدولية.

• رفض صريح من الاتحاد الأوربي لمنح عضويته لتركيا.

• شعور تركيا بالحاجة إلى التسلح العسكري الأمريكي، وفي هذه الحالة ينبغي على الولايات المتحدة أن توفر كل ما تطلبه تركيا من أسلحة.

• تعرض الشرق الأوسط لهزة عنيفة راديكالية تهدد تركيا تهديدًا مباشرًا.

• احتياج تركيا لدعم الولايات المتحدة أمام صندوق النقد الدولي لتحسين أوضاعها الاقتصادية (غير أن الوضع الحالي يسير في الاتجاه المعاكس).

• إعادة إحياء فكر "كمالي" معتدل، من خلال إقامة روابط وطيدة مع واشنطن بدافع الأمن التركي، ثم تبلور رفض إيديولوجي داخل تركيا مرة أخرى لتدخل تركيا في شئون الشرق الأوسط. ويمكن أن يتزامن مع هذا السيناريو قيام المؤسسة العسكرية التركية بالإجهازعلى منجزات السياسة الإسلامية في تركيا. وقد يسهم في ذلك أيضًا حدوث إخفاقات جادة للسياسات الإسلامية، أو ظهور نظم إسلامية متشددة عدائية.

أما السيناريو الثاني الخاص بالاتحاد الأوروبي فيرى فوللر أن مسيرة تركيا نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي تمضي ببطء على خطى متعرجة، ويكتنفها بعض المشكلات والعراقيل مثل الموقف الفرنسي المعارض لتركيا؛ وما يؤدي بدوره إلى خلق رد فعل مضاد للاتحاد الأوروبي في تركيا. غير أنه لا يستبعد انضمام تركيا لاحقا للاتحاد الأوروبي فيقول: "وإن يكن مستقبل تركيا في الاتحاد الأوروبي غامض إلى حد ما في الوقت الحالي إلا أن ثمة بعض العوامل قد تتغير خلال العشرة أعوام المقبلة وستتغير حتمًا. وستتزايد مبررات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بمرور الوقت".

أما السيناريو الأخير فيرى فوللر أنه يرتكز على درجة عالية من الثقة بالذات والاستقلالية لدى الإرادة التركية على تطوير علاقاتها الإيجابية والفعالة مع كافة دول العالم. وأن ثمة رؤيتين إستراتيجيتين تقفان خلف هذا السيناريو:

الأولى: هي رؤية العمق الاستراتيجي لأحمد داود أُوغلو، والمعروفة بإستراتيجية "العمق الإستراتيجي". وهي النظرية السياسية التي نظَّر لها الأستاذ الدكتور أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي حاليًا في كتابه "العمق الإستراتيجي: مكانة تركيا في الساحة الدولية" والذي صدرت طبعته الأولى عام 2001 ومع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002 تبنى الحزب هذه النظرية وجعلها دستورا للسياسة الخارجية الجديدة. ويصفها الكاتب بأنها سياسة تنطلق من وضعية تركيا الجيوستراتيجية وعمقها التاريخي والثقافي لبلورة مكانة جديدة لتركيا في الساحة الدولية.

والثانية: هي الرؤية الإقليمية لسادات لاتشينار (Sedat Laçiner)، وتستد إلى قدرة دول المنطقة على التكامل فيما بينها لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وحل مشكلاتهم الأمنية. وتدعو هذه الرؤية إلى توسيع قنوات الاتصال والحوار ليس فقط بين حكومات المنطقة، بل وبين شعوب الشرق الأوسط أيضًا، والعمل على بلورة "ذهنية إقليمية مشتركة".

"ماذا يمكن لواشنطن أن تفعل؟" هذا هو السؤال الذي اختاره فوللر عنوانا لخاتمة دراسته، ويبرز فيه اعتقاده بأن تحسن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة مرهون بقيام الأخيرة بتحول واضح في سياساتها تجاه المنطقة. ومن ثم يقدم مقترحاته للولايات المتحدة ويطالبها بإجراء ثلاثة تعديلات مهمة وبشكل سريع في سياساتها الشرق أوسطية، وهي:

• الضغط على الحكومة الكردية في شمال العراق لسد الأبواب أمام قوات حزب العمال الكردستاني وبشكل دائم، وهي خطوة ستسهم إسهامًا جادًّا في إعادة بناء الثقة بين تركيا والولايات المتحدة.

• تراجع الولايات المتحدة عن سياسات العداء تجاه بعد الدول مثل سوريا وإيران وأن تعمل على إقامة قنوات للحوار معهم.

• إسهام الولايات المتحدة إسهامًا جادًّا في حل المشكلة الفلسطينية وتحقيق العدالة وتنفيذ القوانين الدولية، وهو ما سيعمل على ترطيب أجواء التوتر التي تؤثر بدورها على الشرق الأوسط والرأي العام التركي.

ويرى الكاتب أن هذه التغيرات الثلاثة لن تؤثر إيجابيًّا فقط على السياسات الأمريكية تجاه تركيا بل سيكون لها دورها الفعال والإيجابي على السياسات الأمريكية العامة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

كما دعا فوللر واشنطن إلى تكثيف آليات التشاور مع أنقرة والتنسيق مع تركيا في الخطط الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، ونبه صانعي السياسة في الولايات المتحدة إلى أن تركيا قوة مفتاحية من الناحية السياسية والعسكرية في المنطقة، وينبغي أن تكون جزء أصيلا داخل عملية التخطيط الأمريكي تجاه المنطقة.

وقد وفق الكاتب إلى حد كبير في رصد وتحليل توجهات السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية، وبدا حرصه الشديد على تحسن العلاقات التركية ـ الأمريكية، إيمانا منه، وهو الخبير في الشأن التركي، بأن تركيا قد عادت إلى ذاتها، وتخلت عن ربقة التبعية للولايات المتحدة، وأضحت تمتلك رؤيتها الخاصة، وتمسك بدفة توجهات سياساتها الخارجية.

THE NEW TURKISH REPUBLIC
Turkey as a Pivotal State in the Muslim World
Graham E. Fuller
USIP Press Books
December 2007

_______________
أكاديمي بجامعة عين شمس، ومتخصص في تاريخ تركيا الحديث والمعاصر ومدير مركز القاهرة للدراسات التركية
المصدر:مركز الجزيرة للدراسات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Empty
مُساهمةموضوع: الحوار العربي-التركي بين الماضي والحاضر   قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث  Emptyالأربعاء نوفمبر 14, 2012 11:28 am




بحوث ومناقشات ندوة فكرية
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
طبعة أولى ـ بيروت ـ تشرين الثاني/نوفمبر 2010

صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2010 كتاب "الحوار العربي-التركي بين الماضي والحاضر"، والذي يجمع بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظّمها المركز بالاشتراك مع المؤسسة العربية للديمقراطية ومركز الاتجاهات السياسية العالمية في إسطنبول.

كلمات الافتتاح
العلاقات العربية-التركية: منظور استراتيجي
خيارات الوطن العربي الاستراتيجية
قدرات تركيا الاستراتيجية
مجالات التعاون العربي-التركي

يقول محمد عبد الشفيع عيسى في التقديم لكتاب تركيا والخيارات الاستراتيجية العربية:

قراءة في كتاب: "الحوار العربي-التركي بين الماضي والحاضر"، ثمة تغيرات كثيرة حصلت منذ انعقاد الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية خلال تشرين الثاني/نوفمبر 1993 بعنوان "العلاقات العربية-التركية: حوار مستقبلي"، بالتعاون مع "مؤسّسة دراسات الشرق الأوسط والبلقان" في تركيا، ففي الفترة الفاصلة بين انعقاد الندوة الأولى في أوائل تسعينات القرن الماضي وانعقاد النّدوة الثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، أي على امتداد ستّة عشر عاماً، حدثت تغييرات جذريّة من أبرزها التحوّل العاصف في بنية النّظام الدولي إثر انهيار الاتّحاد السوفييتي، القطب الموازن للولايات المتّحدة، عبر عملية تدرجيّة نسبياً خلال الفترة من سنة 1985 إلى سنة 1990، وانتهت بإعلان وفاة الاتحاد السوفييتي رسميا.

وعلى الجانب التركي فقد انقضت - إلى حدٍّ معيّن - بسقوط الاتحاد السوفييتي موجبات الرابطة التركية القديمة مع التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، عبْر الحلف الأطلسي خصوصًا. وانفتحت أمام تركيا آفاقٌ أكثر رحابةً للتطلّع في جميع الاتّجاهات، شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، فتطلّعت إلى إعادة بناء مجالها الحيوي في آسيا الوسطى، بين البلدان الناطقة بالتركية. كما سعت إلى تحسين علاقاتها مع إيران والهند والصّين والعالم العربي. وإلى الشّمال والغرب، أخذت تركيا تواصل السّير في اتّجاه الالتحاق بالاتّحاد الأوروبي.

وشكّل وصول حزبِ العدالة والتنمية ذي الاتّجاه الإسلامي إلى رأس السّلطة في تركيا عام 2002 أحد أبرز التّغيرات السّياسية المحدّدة للعلاقات التركية-العربية. وكان للتّحوّل الجوهري في المسار الاستراتيجي للسّياسة الخارجية التركية بصماته العميقة، أبرزها انعكاساته على تطوّر العلاقة بين تركيا والعالم العربي، والتي توّجت بازدهار العلاقات التجارية بين الجانبيْن من نحو 4.7 مليار دولار عام 1992 إلى 22.5 مليار دولار في عام 2007. كما تحسّنت العلاقات العربية - التركيّة على المستوييْن الرّسمي والشّعبي على نحو لافت في السّنوات الأخيرة، وبلغت ذروتها الفعلية والرّمزية في لحظات فاصلة من تطوّر القضيّة الفلسطينية، خصوصاً مع مواقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة في آخر عام 2008 وبداية عام 2009، وبمناسبة الاعتداء على أسطول الحريّة الذي سعى إلى كسر الحصار على غزّة في حزيران/يونيو 2010.

ويرى محمد شفيع عيسى في تقديمه أنّ هذا التطوّر اللافت يمثّل جزءاً من التوجّه الاستراتيجي التركي الجديد للتفتّح على المحيط الإقليمي لتركيا، في جميع الاتّجاهات، بالاستفادة من جيوبوليتيكا الموقع ومن إرث التاريخ. وتنحو السّياسة التركية في هذا الفضاء الإقليمي العربي والشّرق أوسطي إلى إعادة النّظر في الحدود الأوسع لهذا الفضاء، بما لذلك من انعكاسات على العلاقة مع إيران، إيجاباً، والعلاقة مع إسرائيل، سلباً.

في قلب هذا المناخ الجديد عُقدت النّدوة موضوع الكتاب، وتضمّنت عرض اثنيْ عشر بحثاً: ستّة منها للباحثين العرب وستّة للباحثين الأتراك، إضافة لمداولات واسعة وعميقة للمعقبين على الأبحاث والمشاركين في الندوة ومناقشاتها، بما يزيد على أربعين شخصية ذات ثقل فكري من الجانبين العربي والتركي.

كلمات الافتتاح
الحرب الباردة حدّدت إلى حدّ كبير إطار منظور تركيا الاستراتيجي حيال الشّرق الأوسط بشكل عامّ والعالم العربي بشكل خاصّ. وقد تشكّل منظور تركيا الاستراتيجي حول الحدّ من تأثير الاتّحاد السوفييتي في الشّرق الأوسط. كما أنّ التّيار القومي العربي كان وسيلة لدعم تأثير الاتّحاد السوفييتي في المنطقة.

شدّد محسن مرزوق، الأمين العام للمؤسّسة العربية للديمقراطية، في كلمة الافتتاح على محور أساسي يتعلّق بالتعلّم من تجربة تركيا الحديثة في الانتقال الديمقراطي، وهي تجربة شديدة الثّراء، ينبغي فحصها للاستفادة منها في البلدان العربية.

أمّا الدكتور حسيب خير الدين، مدير عام مركز دراسات الوحدة العربيّة، فقد اعتبر في كلمته الافتتاحية أنّ هذه الندوة هي حوار مستقبلي بين النّخب الفكرية والسياسية العربية والتركية في محاولة لتوسيع اهتمامها بموضوع هذه العلاقات ومستقبلها وتعميقه آملاً أن ينتقل هذا الاهتمام إلى الأوساط الشّعبية عبْر وسائل الإعلام والنّشر المختلفة. وأشار إلى الخطوات الكبيرة التي حقّقها التعاون التركي-العربي خلال السّنوات الأخيرة، حيث انخرطت تركيا في العالم الإسلامي وطوّرت علاقات إيجابيّة مع الدول العربية؛ مشيراً إلى ضرورة أن تهتمّ تركيا بالمصالح الحيويّة لسوريا والعراق في المياه المشتركة، وتصل إلى حلول تحقّق المصالح المشتركة وتتناسب مع الاتّفاقات الدّولية. وأوضح أنّ العرب يتطلّعون إلى تركيا منفتحة على العرب وليس "تركيا العثمانية".

العلاقات العربية-التركية: منظور استراتيجي

تحدّث وكيل وزارة الخارجية التركية السفير انغين صويصال عن اهتمام وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو بالحوار التركي-العربي في عموم الشّرق الأوسط. وقد أوضح أنّ الوزارة رشّحته لأحد برامج التدريب في المدرسة الأوروبية في الثمانينات، وذلك في إطار إعدادها لخبراء شباب استعداداً للانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي، لذلك ركّز في كلمته على البعد الأوروبي في سياسة تركيا الخارجية، وكيفية إكمال مرحلة التكامل مع الاتّحاد الأوروبي. وكرّر كلام أوغلو بأنّ سياسة تركيا تهدف إلى خفْض المشاكل مع جيرانها إلى نقطة الصّفر، تأكيداً لمقولة كمال أتاتورك "السّلام في الوطن والسّلام في العالم".

وقال صويصال إنّ تركيا تتّخذ أربعة مبادئ سياسية خارطة الطريق وهي: الأمن للجميع، والحوار مع الجميع، وخلق التبعية الاقتصادية بشكل متبادل، والاحترام المتبادل؛ وذلك من أجل إنشاء ديناميّة التعاون الإقليمي كمسؤولية نابعة من التاريخ والجغرافيا من أجل نقل الطاقة الإيجابيّة المذكورة. وأعطى أمثلة على ذلك: التّعاون الاقتصادي في البحر الأسود ومنظّمة التعاون الاقتصادي وموقع تركيا في منظّمة المؤتمر الإسلامي، وإعطاء دفعة جديدة لمجموعة البوسنة والهرسك، و التعاون الثّلاثي بين تركيا وأفغانستان وباكستان.

وأوضح أنّ وزارة الخارجية في تركيا ليست الوزارة الوحيدة التي تصنع السياسة الخارجية، وأنّ تركيا تحرّكت في هذا التغيّر بثقة ذاتيّة من حيث موقعها، وهي عضو في مجموعة العشرين، ودخلت مرحلة المفاوضات مع الاتّحاد الأوروبي، وأُشرِكت في أغلب المبادرات الإقليمية.

ويرى السّفير صويصال أنّ مشاكل الشّرق الأوسط أصبحت بعد مرحلة الحرب الباردة واعتداءات 11 سبتمبر مرتبطة ببعضها البعض ويؤثّر بعضها في بعض أيضاً، وذلك ساري المفعول في الجغرافيا التي تتقاطع فيها منطقة آسيا مع الشّرق الأوسط، وباكستان مثال جيّد على ذلك. فقد تحمّلت تركيا الدّور التوجيهي في منبر مجموعة صداقة باكستان الديمقراطي، من أجل استقرار هذا البلد. كما جاءت زيارة وزير الخارجية التركي إلى بغداد بعد الاعتداء الإرهابي على مقرّ وزارة الخارجية العراقية في بغداد، والذي قتل فيه مئة شخص، ومن ثَمّ زيارة دمشق.

ويضيف صويصال أنه يجب ألاّ ننسى حدود ميزات تركيا الجغرافية، فهي تتقاسم حدوداً طويلة مع سوريا والعراق في الجنوب. إنّ رؤية تركيا ليست من الناحية الأمنية بل من الناحية التاريخية، ومن ناحية تطوير العلاقات الثنائية، فلا تستند إلى الوضع الراهن بل إلى مفهوم يطرح هذه الرؤية الدائمة والمتعلّقة بالمنطقة بشكل دائم. وقد تحرّكت تركيا منذ زمن طويل بمفهوم ديبلوماسي مؤثّر، وتحمّلت مسؤولية من ناحية إزالة الخلافات التي ظهرت مع كلٍّ من سوريا والعراق. ولا يمكن أن يكتسب ذلك معنى إلاّ من خلال طرحه عبر مسؤولية نابعة من مفهوم "الانتماء الإقليمي" (Regional ownership) والتّضامن المتبادل والحوار بشكل شامل. وبالنّتيجة أصبح ذلك عنواناً في مقدّمة جدول أعمال سياستها الخارجية المتعلقة بالشّرق الأوسط. والفرق بين العلاقات التركيّة-السّورية في عام 1988 وبين هذه العلاقات في الوقت الراهن مذهل جداً. فقد اجتمعت اللّجان التركية-السورية في عنتاب (حلب) بمشاركة عشرة وزراء من كلّ بلد وتمّ توقيع 48 بروتوكولاً. وقد شهدت العلاقات مع العراق التطوّر نفسه تقريباً.

وحول مشروع انضمام تركيا إلى الاتّحاد الأوروبي، قال السّفير صويصال إنّه يوجد منحنى تطوّر لمشروع التّكامل الأوروبي وأنه يؤمن بأنّ تركيا ستساهم في مستقبل هذا المشروع وستنضمّ إلى الاتّحاد. وأوضح أنّ على تركيا أن تنظر بثقة ذاتيّة إلى بعد الاتّحاد الأوروبي، مشيراً إلى أنّ بلاده تلعب دوراً في تعريف المشكلة الأوروبيّة، لذلك فإنّ أوروبا في حاجة إلى تركيا. وليس هناك مانعٌ من أن تأتي أفكار من الشّرق الأوسط والأتراك والعرب لتنير المشروع الأوروبي.

ويقول في هذا السّياق: "عندما نؤمن بالديناميات الأساسيّة للمشروع الأوروبي، علينا النّظر إلى تلك الديناميات بالمعنى الفلسفي كمستقبل أفضل وأكثر رفاهيّة وتقارب اقتصادي وثقافي أكبر للبشر. عندما ننظر إلى مرحلة الاندماج الأوروبي نرى أنّه في البداية لم يكن ثمّة وجود للدولة القومّية والهويّة القومية، لكن عند دراستكم للاتّفاقيات التأسيسيّة والأساسيّة في الوقت الحاضر، ستروْن أنه في كلّ اتّفاقية يوجد موضوع احترام الهويّة القوميّة. فعندما وضعت مرحلة التّكامل الأوروبي آليّة الاندماج بطريقة تزعج الدّول القوميّة في عقد الثّمانينات بدأ مصطلح احترام الهويّة القوميّة يبرز في الاتّفاقيات، وازداد قوّةً في اتّفاقية ماستريخت لسنة 1992، ومن ثَمّ في اتفاقيّة أمستردام [...]، لكن عندما ننظر إلى الآليّة الأساسيّة التي طرحتها اتّفاقية لشبونة عام 2009، سنرى مرحلة تكامل تحمي فيها الدّولة القومية آليّتها، حيث تشكّل الدولة القومية والبرلمانات القوميّة جزءاً من ديناميّة الاتّحاد الأوروبي، حتّى لو كان لهذه المرحلة مضمون ما فوق القوميّة".

خيارات تركيا الاستراتيجيّة

يستعرض الفصل الثاني من كتاب "الحوار العربي-التركي بين الماضي والحاضر" نصّ كلمة مليحة ألتون ايشيك، وهي رئيس قسم العلاقات الدوليّة في الجامعة التقنية للشّرق الأوسط في تركيا. وترى أنّ الحرب الباردة حدّدت إلى حدّ كبير إطار منظور تركيا الاستراتيجي حيال الشّرق الأوسط بشكل عامّ والعالم العربي بشكل خاصّ. وقد تشكّل منظور تركيا الاستراتيجي حول الحدّ من تأثير الاتّحاد السوفييتي في الشّرق الأوسط. كما أنّ التّيار القومي العربي كان وسيلة لدعم تأثير الاتّحاد السوفييتي في المنطقة. هذه النّظرة تشكّلت بحسب منظور المعسكر الغربي لتحقيق تدفّق نفط المنطقة بطريقة آمنة إلى الأسواق العالميّة. وتركيا تبنَّت في تلك المرحلة نظرة المعسكر الغربي، و هي عضو فيه، تجاه الشّرق الأوسط. وقد بدأت تركيا في رسم سياستها حيال المنطقة منذ منتصف عقد الستّينات، وهي السّياسة التي كان لها ميزات معيّنة، إحداها "الوضع الرّاهن". إنّ الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة مهمّ في سياسة تركيا، مثل مبدأ عدم تغيّر الحدود. وتتبنَّى أنقرة وجود توازن قوى إقليمي متعدّد الأقطاب في المنطقة، فهي لا تريد أن تقوم دولة في المنطقة بدور مهيمن وهي تتبع سياسة من شأنها الابتعاد عن الخلافات الإقليميّة قدر الإمكان.

بدأت تظهر تغيرات في السياسة التركية منذ نهاية عقد الثمانينات مع التغيّرات في النظام الدولي والإقليمي، إذ أثّر ذلك في نظرة تركيا إلى الشرق الأوسط، إثر انتهاء العالم ثنائي القطب بعد نهاية الحرب الباردة، وهو ما أتاح لأنقرة إمكانية الاهتمام بالقضايا الإقليمية. وحصلت هزّتان في تلك الفترة هما: انهيار الاتحاد السوفييتي وأزمة الخليج، وقد تأثّرت تركيا بشدّة بهاتين الهزّتين، وزادت حرب الخليج من اهتمام تركيا بالشّرق الأوسط. فالجميع يدرك أهميّة المنطقة والعراق خاصّة، وبدأت تظهر في الداخل التركي نقاشات تركّزت حول كيفيّة تطوير رؤية جديدة مع السعي لتحديد درجة الاهتمام الضروري بالشرق الأوسط.

وقد تشكّل رأيان أساسيّان: الأوّل هو السياسة التي اتّخذت العراق وشماله مركزاً لها، حيث تمّت قولبة السياسة القديمة حسب الظروف الجديدة، وتركّز على الحلول العسكريّة في ما يتعلّق بذلك. وينحو التيار الثاني إلى طرح آراء بديلة مختلفة منذ انتهاء الحرب الباردة، تمثّل انتقادات للسياسات القديمة، وترى أنّ تركيا تأخّر اهتمامها بالشّرق الأوسط، و من الخطأ تحديد نظرتها إلى المنطقة من خلال العراق وشماله فقط.

وتشير ألتون ايشيك إلى أنّ هذا التيار طرح آراء مختلفة أكّدت على الرّوابط التاريخية والثقافية وتم التشديد على تطوير السياسات إلى ما وراء العراق، وأن تقوم هذه النظرة على الفرص بدلاً من التحدّيات والتهديدات. وتم النظر إلى المنطقة ليس من منظور الحلول العسكرية فقط بل بمفهوم أمني أوسع. وتم طرح علاقات تركيا بالمنطقة من خلال تعريف أمني جديد، يتضمّن المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فقد تولّى رئيس الوزراء طورغوت أوزال في مرحلة انتهاء الحرب الباردة تطوير رؤى جديدة، كما طوّر إسماعيل جيم، وزير الخارجية التركي في الفترة ما بين سنة 1997 وسنة 2002، رؤى بديلة من هذا النوع. وبدأ حزب العدالة والتنمية ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو في تطوير رؤى بديلة وطرحها بصورة أكثر فعالية أأمنذ سنة 2002.

فقد ساهم ظهور مشكلات جديدة في المنطقة كالأزمة العراقية وفشل الولايات المتحدة الأميركية في ترسيخ النظام الجديد في الشرق الأوسط وتسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، في إبراز فعلية تركيا وانفتاح الساحة أمامها للعب دور متعاظم في المنطقة. فركّزت سياسة أنقرة على خفْض الخلافات مع الجيران إلى نقطة الصفر، وحملت مشروع تحويل العلاقات التي كانت تشهد مشكلات في الماضي وحلّها بالحوار بدلاً من الحلول العسكرية، وتحقيق التعاون مع الجوار، بالتركيز على حلول تعني الربح للطّرفين.

فقد كادت تركيا وسوريا تصلان إلى حافة الحرب سنة 1998، لكن العلاقات تحسّنت بشكل مذهل بعد ذلك. كما طوّرت تركيا سياسة التحدّث مع جميع اللاّعبين في العراق وتفادي عرقلته بسبب مشكلة شمال العراق، إضافة إلى تطوير العلاقات مع إيران.

وفي تعقيبه على مداخلة مليحة رأى غينجير أوزجان، وهو أستاذ قسم العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول "بيلغي"، أنّ السّياسة الخارجيّة التركية حيال الشّرق الأوسط كانت سياسة ردّ فعل منذ عقد الثمانينات وقد تبدّلت إلى المفهوم الاستباقي (ROACTIVE) بدلاً من الوقوف بعيداً عن الشرق الأوسط وخلافاته. وبدأ تنفيذ هذه السياسة في عهد حزب العدالة والتنمية مع أحمد داود أوغلو، مستشارا لوزارة الخارجية ومن ثَمّ وزيراً لها.

خيارات الوطن العربي الاستراتيجية
الولايات المتحدة ليست بديلاً استراتيجياً للعرب، لأنّها منحازة إلى إسرائيل في الصّراع العربي-الإسرائيلي، وتضغط عليهم لتقديم تنازلات لإسرائيل، لكن الولايات المتّحدة هي ضامن أمْن الدّول الخليجيّة العربية، وهي شريك استراتيجي مهمّ للعرب في التجارة والاستثمار والمعونات الاقتصادية لبعض الأقطار العربية كمصر، والمورد الأوّل للسّلاح إلى الأقطار العربية الخليجية، في حين أنّها ليست شريكاً في الحفاظ على الهويّة القوميّة والدينية.

في الفصل الثالث يقدّم محمد السيد سليم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، ورقة بعنوان "الخيارات الاستراتيجية للوطن العربي، وموقع تركيا منها"، ويشير فيها إلى الجدل الذي دار بين المثقّفين العرب وداخل الحكومات العربية منذ نهاية القطبية الثنائية العالمية عام 1991 حول قضية البدائل الاستراتيجية العربية في ضوء نظام القطبية الأحادية، على الرغم من أنّ معظم الأقطار العربية كانت متحالفة مع الولايات المتحدة، التي سيطرت على النظام العالمي الجديد. رغم هذا، كان هناك قلقٌ من الآثار البعيدة للقطبية الأحادية على قدرة الدول العربية على التحرك المستقلّ بعيداً عن إملاءات الولايات المتحدة الأميركية. وقد دعا بعض المثقّفين والحكومات العرب إلى إيجاد بدائل استراتيجية للمنظومة الغربية من دون أن يعني ذلك قطع الروابط معها، فقد دافع هؤلاء عن البديل الشرق آسيوي في ضوء صعود القوى الاقتصادية الجديدة في شرقي آسيا، واعتبروه عنصراً موازناً للمنظومة الغربية. وشرعت بعض الحكومات العربية في اتّباع سياسة الاتّجاه شرقاً.

وفي هذا الحوار، كانت تركيا غائبة تقريباً، لأنّ أنقرة خرجت منتصرةً من حرب الخليج الثانية ومن نهاية القطبية الثنائية، وبدأت تتبع سياسات تعظِّم من دورها الإقليمي في إطار الاندماج مع الاتحاد الأوروبي من ناحية، والاضطلاع بدور أكبر في المجال الاستراتيجي الجديد في آسيا الوسطى والبلقان، في إطار مفهوم "العثمانية الجديدة"، وتعميق العلاقة مع الولايات المتحدة. وكان التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل هو إحدى أدوات تعميق تلك العلاقة. وفي ذلك الوقت، كانت الأطراف العربية منشغلة بالآثار السلبية التي خلفتها حرب الخليج من جهة صعود القوى الإقليمية غير العربية في الشرق الأوسط. وزاد الطين بلّة توقيع تركيا اتّفاق التعاون العسكري مع إسرائيل في العام 1996. لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002، بدأت تركيا تتبع سياسة جديدة تجاه الوطن العربي أساسها التوجّه "جنوباً" لبناء علاقات أوسع مع العرب. وقد بلغ التطوّر قمّته الدرامية حين انسحب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من مؤتمر دافوس احتجاجاً على عدم إعطائه فرصة للردّ على افتراءات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس.

وقد أدّى ذلك إلى نشوء مناظرة في الفكر الاستراتيجي العربي حول الدور التركي في الشرق الأوسط والوطن العربي، وما إذا كانت تركيا تعدّ بديلاً استراتيجياً للدول العربية يعتمد عليه في تحقيق أهدافها. وقد أسفر ذلك النقاش عن ثلاثة تيارات: الأوّل ذهب إلى أنّ تركيا ليست بديلاً استراتيجياً للوطن العربي، وأنها تمارس سياسة "خداع واستغلال للعرب" وهي بذلك تمارس نوعاً من الوصاية الجديدة على العرب، وأنها تستفيد من علاقاتها العربية لتحسين أوراقها التفاوضية مع أوروبا ودعم علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والضغط على إسرائيل كي تقدّم المزيد من التنازلات لخدمة المصالح التركية الحيوية في المنطقة وليس لخدمة القضية الفلسطينية.

أمّا التيار الثاني فيقول إنّ تركيا تمرّ بتحوّلات استراتيجية عميقة أساسها التحوّل الصّعودي الواضح في اقتصادها، والتحوّل السياسي نحو سيادة القانون والدستور وإضعاف دور العسكر وتحييد المشكلة الكردية، كما أنها تتّجه نحو العالم العربي بوصفها شريكاً استراتيجياًّ، ليس من بوّابة الاستثمار فقط، ولكن من بوّابة الصراع العربي-الإسرائيلي أيضاً. ويضيف هؤلاء أنّ تلك التحوّلات تتطلّب رؤية استراتيجيّة للتّعامل مع تركيا باعتبارها أحد أهمّ ثلاثة أعمدة في بنيان المنطقة (بالإضافة إلى إيران ومصر)، وأنّ التعاون بين الدّول الثلاث من شأنه أن يغيّر من توازنات المنطقة، ويعيد رسم خرائطها، ويضيف إلى المعادلات الدوليّة معادلة جديدة.

والتيار الثالث يسلّم بأن هناك تحركاً تركياً مكثّفاً في العالم العربي، يتّجه لامتلاك أوراق إضافية للمناورة، ليس فقط للتأثير ودعم النّفوذ السّياسي والاقتصادي، ولكن لمواجهة تأثير القوى المنافسة ونفوذها، وخاصّةً إيران؛ معتبراً أنّ هذا التحرّك يحظى بدعم أميركي و أوروبي. كما يشير إلى أنّ الخيارات مفتوحة بالنّسبة إلى العرب للاستفادة من هذا التحرّك. ويدعو هذا التيار إلى حوار عربي-تركي لتعظيم مجالات التّفاهم واستثمار المصالح المشتركة لدعم الاستقرار في المنطقة.

ويدرس الباحث محمد السيد سليم في ورقته خيار "تركيا كبديل استراتيجي"، فيعرض للبدائل الأخرى ويحلّلها، سواء البدائل على المستوى العالمي (الأميركي والأوروبي والروسي والصيني) أو البدائل على المستوى الإقليمي (الإيراني والإسرائيلي)، ليعود لدراسة مدى توافر شروط البديل الاستراتيجي للعرب في تركيا. ويرى الباحث أنّ البديل التركي مهمّ شرط التوصّل إلى تفاهم استراتيجي عربي-تركي شامل حول المصالح المتبادلة. وهو بعد أن يعرّف ما المقصود بتعبير البديل الاستراتيجي، ويحدّد مقوّمات البدائل الاستراتيجية العالمية والإقليمية، وموقع تركيا منها، يعيّن الشّروط اللاّزمة لبناء تفاهم استراتيجي عربي-ـتركي.

الإطار المفاهيمي للبديل الاستراتيجي

المقصود بالبديل الاستراتيجي بالنسبة إلى دولة معيّنة هو الشّريك الذي تتوافر فيه صفة التّشابه مع الدولة السّاعية إلى التوافق معه في القيم والتوجّهات السياسية، وله القدرة والرّغبة في بناء علاقات مشاركة على المدى البعيد تحقّق مصالح جميع الأطراف. وهناك أربعة شروط يجب توافرها في البديل الاستراتيجي هي: امتلاك المقوّمات الاقتصادية والعسكرية والنّفوذ السياسي والثقافي الذي يمكّن الدولة السّاعية إلى التوافق معه منْ تحقيق كلّ أهدافها أو بعضها، ثمّ رغبة الشّريك الاستراتيجي في بناء علاقات مشاركة لوجود شبكة مصالح مع الطّرف الداخل في مشاركة معه، وثالثا اشتراك البديل الاستراتيجي مع الدولة السّاعية لإقامة شراكة معه في مجمل القيم والتوجّهات السياسيّة التي يسعى إلى تحقيقها في العلاقات الإقليميّة والدوليّة، والشّرط الرابع هو أن يكون ثمّة توافقٌ وطني داخل البديل الاستراتيجي حول مشروع المشاركة، ممّا يؤدّي إلى إمكانية إقامة علاقات مشاركة معه على المدى الطويل.

فكلّما زادت البدائل الاستراتيجية زادت قدرة الدولة على تحقيق أهدافها ومصالحها، وزادت قدرتها على التحرّك المستقلّ في العلاقات الدولية، خاصّةً بالنّسبة إلى الدّول الصّغيرة والمتوسّطة.

والأهداف التي يسعى العرب إلى تحقيقها من خلال التّشارك مع البديل الاستراتيجي هي: المهام الأمنيّة وتشمل الصّراع العربي-الإسرائيلي وأمن الخليج العربي؛ والمهامّ الاقتصادية، وتشمل التّنمية من خلال التّجارة والاستثمار والتكنولوجيا والمساعدات الاقتصاديّة؛ والمهامّ الثقافية، وتشمل الحفاظ على الهويّة القوميّة والدينيّة.

يرى الباحث محمد السيد سليم أنّ الولايات المتحدة ليست بديلاً استراتيجياً للعرب، لأنّها منحازة إلى إسرائيل في الصّراع العربي-الإسرائيلي، وتضغط عليهم لتقديم تنازلات لإسرائيل على صعيد الاعتراف والتّطبيع من دون أن تضغط على إسرائيل لأداء التزاماتها في عملية السّلام من وقف للاستيطان والانسحاب من الأراضي العربية المحتلّة. لكن الولايات المتّحدة هي ضامن أمْن الدّول الخليجيّة العربية، وهي شريك استراتيجي مهمّ للعرب في التجارة والاستثمار والمعونات الاقتصادية لبعض الأقطار العربية كمصر، والمورد الأوّل للسّلاح إلى الأقطار العربية الخليجية، في حين أنّها ليست شريكاً في الحفاظ على الهويّة القوميّة والدينية.

أمّا البديل الأوروبي فهو متوافق مع الولايات المتّحدة بشأن السّياسات الأمنيّة والتحوّلات الاقتصاديّة الأساسية في المنطقة، وإن كان هناك تنافسٌ بينهما على أسواق المنطقة. لكنّ الجانبيْن متّفقان على تعزيز الخلل الاستراتيجي القائم لمصلحة إسرائيل، وعدم ممارسة أيّ ضغوط على إسرائيل في مسألة عملية السّلام أو التخلّي عن سلاحها النّووي، بينما يتشدّد الأوروبيون في مسألة منْع الدّول العربية وإيران من امتلاك أيّ مشروع لأسلحة دمار شامل. فهناك تناغمٌ بين المنظومتين الأوروبيّة والأميركية تجاه الصّراع العربي-الإسرائيلي، وتقسيم للعمل بين الجانبين في الشّرق الأوسط؛ فالاتّحاد الأوروبي يختصّ بـ"قضايا الأمن اللينة"، بينما تتعامل الولايات المتّحدة مع "قضايا الأمن الصلبة". فالدور الأوروبي يمهّد للدور الأميركي، إذ الأوّل يهيّئ الظّروف الملائمة للتّعاون والتفاهم عبْر العلاقات الاقتصاديّة والثقافيّة، والاهتمام بالمجتمع المدني وحقوق الإنسان والحكم الصالح؛ فيما تتولّى الولايات المتحدة محاولات إعادة الهيكلة السياسية، وخرائط الطريق، والغزو المسلّح. فهناك ثلاثة أبعاد للدّور الأوروبي في علاقته بالدّور الأميركي وهي: تسهيل الدور الأميركي، وامتصاص الصّدمات الناشئة عنه، ودعمه صراحةً في الأزمات الحرجة.

فمن الناحية الواقعية، ليس الاتّحاد الأوروبي بديلاً مستقلاً عن البديل الأميركي، لأنّهما يكمّلان بعضهما بشأن الصّراع العربي-الإسرائيلي وأمن الخليج. لكن هذا البديل المشترك الأورو-أميركي هو المهيمن على النظام الدولي، كما أنه قاسم مشترك بين العرب والأتراك، حيث إنّ تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتسعى للانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي، ومن ثمّ ليس ممكناً بناء مشاركة عربية-تركيّة خارج إطار التّفاهم مع البديل الأوروبي-الأميركي.

عادت روسيا إلى لعب دور عالمي، خصوصاً في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وذلك من خلال بوابة المشروع النّووي الإيراني، وعقد صفقة سلاح مع سوريا، واتّفاق للتّنقيب عن الغاز في الربع الخالي مع السعودية؛ لكنها لا تسعى إلى مواجهة مع الغرب، كما لا ترغب في نشوب حرب باردة جديدة. والصعود الروسي هو في صالح العالم العربي، لأنه كلما زادت تعددية العلاقات الدولية، حقق ذلك المصالح العربية في اتجاه لجم الغزوات العسكرية العلنية المتلاحقة على الدول العربية والإسلامية، على الأقلّ، والتي لم تحدث إلاّ في ظلّ نظام القطب الأحادي (غزو أفغانستان ثمّ العراق). لكن روسيا ليست حالياً في مركز يسمح لها بالتأثير الفعّال في القضايا الأمنيّة العربيّة، كما أنّها ما زالت في مرحلة إعادة بناء قدراتها الاقتصادية، ممّا يجعلها بديلاً اقتصادياً محدوداً.

كما لاح في الفترة الأخيرة البديل الصّيني، فالصين إحدى القوى العالمية الصاعدة اقتصادياً، وهي أكبر اقتصاد في العالم من حيث القوّة الشّرائية المتساوية، وتمتلك قدرات نوويّة وصاروخيّة ولكن قدراتها العسكرية التقليدية محدودة، علماً أنّ هذه القدرات هي الأكثر توظيفاً في العلاقات الدولية. كما أنّ مجتمعها فيه قومية كبرى متماسكة، وثقافة عريقة تتّسم بالشعور بالسموّ الحضاري.

لكن الصين تواجه معضلات أساسية ناشئة عن الصعود الاقتصادي ذاته، وأهمّها المشكلات الاجتماعية التي ترتّبت عن الصعود الاقتصادي، كالهجرة من الأرياف إلى المدن، وانتشار الجريمة المنظمة، والفساد السياسي، فضلاً عن التضخم السكاني، والنزعات الانفصالية في التيبت ومنغوليا الداخلية وسينكيانغ. كما تواجه الصين معضلة استيعاب القوى الرأسمالية الجديدة في نظام سياسي يقوم على احتكار الحزب الواحد للسلطة السياسية. وليس للقيادة الصينية استراتيجية سياسية عالمية، باستثناء مشروعها الاقتصادي لتأمين مصادر استيراد النفط والأسواق التجارية. إلاّ أنّ الصين تؤكّد رغبتها في تحويل النظام العالمي إلى نظام متعدّد الأقطاب، لكن لا يبدو أنّ لديها برنامجاً لتحقيق ذلك. وهي تتوافق في مجلس الأمن مع اتّجاهات القوى الغربية في جميع القضايا ولا تتحدّى النّفوذ الأميركي بل تتجنّب أيّ مواجهة مع الولايات المتّحدة سياسياً وعسكرياً.

والواقع أنّ الصين لا تعدّ حتى الآن قوّة مؤثّرة في التوازنات العالميّة لأسباب عدّة، أبرزها البعد الجغرافي عن قلب الكتلة الأوراسية، ممّا رسّخ اعتقاداً لدى العقل السياسي الصيني بهامشية الصين، فضلاً عن الإدراك الثقافي لخصوصية الحضارة الصينية وسمّوها على الحضارات الأخرى، إضافة إلى محدودية انتشار اللغة الصينية ممّا حدّ من الدّور العالمي للصّين.

إذاً، فالصّين بديل استراتيجي أمني واقتصادي محدود في الوقت الرّاهن، ولكنّها بديل محتمل في المدى البعيد.

وهناك أيضا البديل الإيراني، فإيران شريك للعرب بحكم الصِّلات التاريخيّة والجوار الجغرافي والتّداخل السكّاني، فهي تطلّ على الخليج العربي، حيث يبلغ طول سواحلها الخليجيّة 3200 كيلومتر، وباقي الدول المطلّة على الخليج هي أقطار عربيّة. ولمّا كان الخليج هو المَنفذ البحري الوحيد لإيران، والمعبر الرّئيس لنحو 80% من صادرات نفطها، فإنّ العلاقات العربية-الإيرانية تكتسب أهميّة خاصّة. ونتيجة الصراع الإيراني- الأميركي بشأن البرنامج النووي الإيراني والعراق وفلسطين ولبنان ودعم دول الخليج العربية للولايات المتحدة وخشيتها من النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، فإنّ إيران لا تشكّل في الوقت الرّاهن بديلاً استراتيجياً أساسياً للعرب في ما يتعلّق بالقضايا الأمنيّة، خاصّة إذا كانت الاستراتيجيّة العربية هي التّسوية السّلمية للصّراع العربي-الإسرائيلي، ولكنها بديل مهمّ إذا كانت تلك الاستراتيجيّة تدور حول المقاومة. ولذلك تظلّ إيران في نظر الباحث السّيد سليم، بديلاً استراتيجياً في المدى البعيد إلى أن تحلّ الأزمة النوويّة الرّاهنة.

وقد اقترح بعض الدّارسين بديلاً آخر هو ما سمّي بـ "مثلّث القوة" الذي يقوم على أساس التوافق الاستراتيجي العربي-الإيراني-التركي، لكن واقعية هذا البديل تبدو محدودة حالياً.

ولعلّه من قبيل الخيال أن نتناول إسرائيل بديلاً للوطن العربي، فهي العدوّ الأساسي الذي يبحث بعض العرب عن شريك لمواجهته. ولكن الولايات المتحدة طرحت هذا الخيار وطالبت بتحويله إلى واقع. ويرى السيد سليم أنّ التناقض بين العرب وإيران هو تناقض ثانوي مقارنةً بتناقضهم مع إسرائيل، مشيراً إلى أنّ أكبر المعضلات في العلاقات العربية-التركية تكمن في تلك النّقطة، أي إلى أيّ حدّ ترغب تركيا في موازنة علاقاتها العربية-الإسرائيلية.

خلاصة القول إنّ البدائل الاستراتيجيّة العربية في حقبة ما بعد الحرب الباردة تبدو محدودة جداً، وبالذّات في المجال الأمني، ممّا يقودنا إلى مناقشة البديل التركي. من المؤكّد أنّ تركيا دولة مهمّة في الشّرق الأوسط وآسيا، ويشير الدارسون الغربيون والأميركيون إلى أنّ تركيا تعدّ من الدول المحوريّة للولايات المتّحدة. فهي بموقعها كحلقة اتّصال بين الشّرق والغرب والشمال والجنوب والإسلام والمسيحية، قادرة على التأثير في بلدان تبعد آلاف الأميال عن البوسفور. كما تتمتّع تركيا، بنموّ اقتصادي ثابت، وازدهار في صفوف الطبقة الوسطى، لكنها تعاني الكثير من الصعوبات كالضّغوط السكّانية والبيئية والتحدّيات العرقيّة للأقليات، والتنافس المرير مع اليونان على قبرص وعلى حدود عدد من الجزر وكذا مع مقدونيا، والخلاف مع سوريا والعراق بشأن التحكّم في موارد نهر الفرات المائية، والعلاقات الحرجة مع بلدان آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة.

فعندما زار الرئيس الأميركي باراك أوباما تركيا في نيسان/أبريل 2009، أبدى اهتمامه ببناء شراكة استراتيجية مع تركيا، وأيّد الدور التركي في عملية التسوية العربية -الإسرائيلية، ودورها في العالم الإسلامي. فإذا كانت تركيا دولة محورية في سياسة الولايات المتحدة، فإلى أيّ حد هي كذلك في سياسات العرب؟ يحاول الباحث محمد السيد سليم تطبيق الشّروط الأربعة المطلوبة للبديل الاستراتيجي والمهام المبتغاة من البديل على الحالة التركية، ليخلص إلى الإجابة عن السّؤال المطروح.

قدرات تركيا الاستراتيجية
أمام العرب والأتراك فرصة تاريخية نتيجة انبثاق رغبة مشتركة مخلصة في التّعاون والتنسيق إلى أعلى درجة، مستفيدين من لحظة التحوّلات الإقليمية والدوليّة التي توفّر نجاحاً لهذا التعاون لوجود مكوّنات ثقافيّة وحضاريّة وجغرافيّة مشتركة بين تركيا والعالم العربي تشكّل أحد الحوافز الأساسيّة لبناء تعاون مشترك وصلب في كلّ المجالات.

حدّد هاينز كرامر في دراسة مهمة له نشرت في العام 1996، ثلاثة عناصر للقوّة التركية هي: الاستقرار السياسي، والقدرات الاقتصادية، والقدرات العسكرية. وقد شهدت تركيا لاحقاً تطوّرات دعمت هذه النتيجة من تعميق الديمقراطية والاستقرار، وتهدئة المشكلة الكردية، وتقليص نفوذ المؤسّسة العسكرية، وتحسين العلاقات مع دول الجوار.

وتتفوّق تركيا على جميع جيرانها في الإنجاز الاقتصادي، فهي ذات قاعدة صناعية واسعة ترتكز على أرضية من المواد الأولية، باستثناء الطاقة. كما أنّها مكتفية زراعياً، وتتمتّع بقاعدة متطوّرة من الموارد البشريّة، لكنها عاجزة عن تطوير نفسها في المدى المنظور إلى قطب اقتصادي ومالي تتمحور حوله الدول المجاورة. وهي مِنْ أقوى الاقتصادات الصاعدة، إذ زاد حجم الناتج المحلِّي التركي من 300 مليار دولار عام 2002 إلى 750 مليار دولار عام 2008، بمعدل نموّ مقداره 7.3 في المئة سنوياً. كما ارتفع مستوى الدخل الفردي من 3300 دولار إلى عشرة آلاف دولار سنوياً، وارتفعت الصّادرات من 30 مليار دولار إلى 130 مليار دولار في الفترة نفسها.

وعلى المستوى العسكري، تعدّ تركيا الأقوى بين جيرانها عسكرياً بحسب كرامر(1996)، وميزان القوى الإقليمي في صالحها؛ فهي تصنع جزءاً كبيراً من سلاحها، وبالذات الطائرات المقاتلة والسفن الحربية. وتكفي قدرات تركيا العسكرية للدفاع عن تكامل البلاد القومي، لكنها ليست كافية لتقديم دعم عسكري لدور قوّة إقليمية طويل الأجل. لكن تركيا تتطلّع إلى دور يتخطّى قدراتها كدولة منشئة لنمط النظام الإقليمي، على حدّ تعبير داود أوغلو.

وقد انتهجت تركيا منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي سياسة توافقيّة مع جيرانها الأوروبيّين والآسيويّين والعرب، أي سياسة "صفر من المشكلات مع الجيران"، وفقاً لداود أوغلو الذي صرّح بعد يوم واحد من تعيينه وزيراً للخارجيّة أنه يريد أن تقوم بلاده بدور أكبر في الشّرق الأوسط والبلقان والقوقاز. وهكذا، فإن تركيا راغبة في بناء علاقات استراتيجية مع العرب ومع كل الأقاليم التي تتعامل معها. وهي رغبة تحظى بتوافق تركي داخلي، فضلاً عن وجود توافق عربي - تركي في التوجهات الثقافية الدينية والسياسية. وعليه، فإن تركيا هي أكثر البدائل الاستراتيجية صدقية بالنسبة إلى العرب، حيث يوجد توافق عربي حول هذا البديل، ولا اعتراض أميركي أو أوروبي أو إيراني على هذا الدور.

أمّا إلى أيّ حدّ يمكن لتركيا أن تؤدّي دوراً فعالاً في تحقيق الأهداف العربية من خلال علاقة المشاركة الاستراتيجية؟ فإن تركيا تضطلع بدور في حلّ الصراعات الإقليمية عبْر الانخراط والتفاعل مع كلّ الأطراف للتوصّل إلى نتائج لصالح كلّ الأطراف، مثل الدّعوة إلى إنشاء آليّة اجتماعات الدول المجاورة للعراق، وإنشاء ملتقى أنقرة للتعاون الاقتصادي بين فلسطين وإسرائيل وتركيا. وكذلك دورها في الوساطة بين العرب والإسرائيليّين في المفاوضات.

كما تنصرف تركيا إلى الاضطلاع بدور مركزي في بناء الأمن المشترك في الشّرق الأوسط عبْر المبادرات الجماعية، مثل مبادرة إسطنبول للتعاون، وهي مبادرة في إطار حفل شمال الأطلسي. ويشمل ذلك أن تقوم تركيا بدور الدولة التي تبني النظام في الشرق الأوسط، أي اقتراح هيكلية الأمن في المنطقة والمشاركة في تطبيقها. وتركيا قادرة على لعب أدوار بوصفها مركزا اقتصاديا إقليميا ومركزا للحوار بين الحضارات وجسراً بين منظّمة المؤتمر الإسلامي والاتّحاد الأوروبي.

مجالات التعاون العربي-التركي

في القسم الثاني من الكتاب فصلان، كتب الأوّل الباحث محمد نور الدين مبرزًا وجهة نظر عربية في التعاون والتّنسيق العربي-التركي، والثاني يقدّم وجهة نظر تركية كتبها نورشين غوناي أتش أوغلو.

ويتعرّض نور الدين في دراسته لمجالات التعاون بين العرب والأتراك في الاقتصاد والسّياسة والثّقافة والاجتماع. ويرى أنّ هناك حاجة ملحّة لتشكيل لجنة تقييم مشتركة عربية-تركية ترصد واقع كلّ طرف وإمكاناته، بحيث تسهل الاستفادة من ثغرات الطّرف الآخر لمزيد من التكامل الاقتصادي. ويشير إلى أنّ من أصل 300 مليار دولار قيمة التجارة الخارجية التركية عام 2008، فإنّ حصّة العالم العربي تقارب الـ17 مليارا فقط، وهو رقم مقبول لكنه دون الحجم المأمول بلوغه، حيث تحتاج العلاقات الاقتصادية إلى مزيد من التطوير والمتابعة.

فإن كان العالم العربي سوقاً مهمّة للمنتجات الصّناعية والزراعية التركية، فإنّ تركيا تسدّ جزءاً من احتياجاتها من النّفط والغاز من العالم العربي، فيما تستورد الجزء الأكبر من روسيا وإيران. وتتطلّع تركيا إلى أن يكون النفط العراقي من المصادر الأساسية لرفد خطّ نابوكو للطاقة المزمع إنشاؤه في السّنوات القليلة المقبلة، فضلاً عن وجود خطّ كركوك-يومورطاليق.

ويمكن التعاون بين العرب والأتراك في تصدير النفط والغاز وفي المشاريع المائية والصناعية والزراعية والاستثمار المتبادل، خصوصاً الاستثمار العربي في تركيا في العقارات والسّياحة والتصنيع والزراعة، وإنشاء سوق اقتصاديّة مشتركة بين الجانبين.

أمّا على الصعيد السّياسي، ففقد تسارع التّضامن السّياسي بين الجانبين نتيجة المخاطر والتهديدات المشتركة المستجدّة. وما كان لهذا التّضامن أن يتطوّر إلى تعاون استراتيجي واتّفاقيات غير مسبوقة بين تركيا من جهة، وكلّ من سوريا والعراق ومجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى، لو لم تكن المكوّنات الثقافية والحضاريّة والذهنية والإحساس بالمصير المشترك واحدة لدى الطرفين.

ويرى نور الدين أنّ أمام العرب والأتراك فرصة تاريخية نتيجة انبثاق رغبة مشتركة مخلصة في التّعاون والتنسيق إلى أعلى درجة، مستفيدين من لحظة التحوّلات الإقليمية والدوليّة التي توفّر نجاحاً لهذا التعاون؛ مشيراً إلى وجود مكوّنات ثقافيّة وحضاريّة وجغرافيّة مشتركة بين تركيا والعالم العربي تشكّل أحد الحوافز الأساسيّة لبناء تعاون مشترك وصلب في كلّ المجالات. ويعتبر أن هذا التعاون يجب أن يأخذ بعين الاعتبار العمق الاستراتيجي له جغرافياً وحضارياً، والمتمثّل في إيران، ما يمنحه المزيد من الصّلابة والحماية. كما يجب أن تتوسّع مجالاته وساحاته إلى كلّ المنظّمات الإقليميّة والدوليّة ومنها منظّمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي وغيرها من المنظّمات الدولية.

أمّا نورشين غوناي آتش أوغلو فقد أوضح في ورقته أنّ تركيا لا تملك خيارا بالنسبة إلى علاقاتها مع جيرانها وحلفائها الغربيّين. فيوجد وراء خيار تركيا في اتّباع سياسة التوازن الفعّالة ومتعدّدة الأطراف التي بدأت تنضج ملامحها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، عقلانيّة تظهر أنّها تفهم مشاكل المنطقة أفضل من دول المنطقة. فتركيا زادت إيجابيّاتها الاستراتيجية التي وصفها الأكاديميون الغربيّون بـ "القوّة المرنة"، لا سيّما في إطار الحوار التركي-العربي. ولا يمكن إنكار حيويّة العلاقات الاقتصادية والثقافية التي تدخل في إطار القوّة المرنة. ويعطي أمثلة على ذلك منها: انتخاب أكمل الدين إحسان أوغلو أميناً عاماً لمنظّمة المؤتمر الإسلامي، ومقرّها جدة، في عام 2005، ممّا قوّى العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربية. ووقعت اتّفاقية تشكيل المجال التركي-السعودي للعمل في الرياض عام 2003، واتّخذ قرار إنشاء صندوق لتشغله مؤسّسة دولية من أجل تشجيع الاستثمار في تركيا، وتوقيع "اتّفاقية إطار التعاون الاقتصادي" مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وأشار الباحث إلى نقطتين مهمّتين من جهة التعاون الاستراتيجي-السّياسي الإقليمي، أثّرتا في الحوار العربي-التركي هما: إدراك التّهديد الغربي ذاته، بعد ربط هجمات 11 سبتمبر 2011 بالمسلمين؛ وتحوّل الإسلام إلى مشكلة أمن، وهو ما أزعج الدول العربية وتركيا. ويمكن للحوار أن يشكّل أرضيّة لتطوير مفهوم مشترك في المنطقة، مثل مبادرة الدول المجاورة للعراق المتعلّقة بمستقبل هذا البلد. والنقطة الثانية هي تدخّل الولايات المتحدة من جانب واحد في العراق عام 2003، فقد أدّى القلق المتعلّق بمستقبل العراق إلى تسريع الحوار الاستراتيجي بين دول المنطقة. فمستقبل العراق له القدرة على التأثير في العلاقات العربية-التركية والأميركية-التركية-العربية، والتّعاون الإقليمي.

وقد عالج القسم الثالث من الكتاب واقع العلاقات العربية - التركية وآفاقها بورقة كتبها غوفين صاق كوجهة نظر تركية. وقد تجنّب الحديث عن موضوعيْ الطّاقة ومشكلة المياه وركّز على العلاقات التجاريّة - الصناعية. ويعتبر صاق أنّ مرحلة التحوّل الاقتصادي قد أدّت إلى نتائجَ اجتماعيّة وسياسية غيّرت السّياسة الخارجية بسرعة. ولذلك يرجع السّبب الأساسي لاهتمام تركيا بآسيا الوسطى والبلقان وليس الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى التحوّل الاقتصادي لتركيا. ويشير إلى مرحلة الإصلاحات التي بدأها الرئيس أوزال في ثمانينات القرن العشرين، حيث كانت الصناعة متجمّعة في مناطقَ معيّنة من الأناضول، وتتركّز في إسطنبول و إزمير وأضنة وبورصة، لكن التّصدير أصبح عنصراً مهماً بالنّسبة إلى تركيا بعد دخولها مرحلة سوق التجارة الحرّة بسرعة، وذلك بعد تطوير السّياسة الاقتصاديّة بشكل شامل في الثّمانينات. لذلك، رأت الجهات المختصّة ضرورة تحرّر التّجارة وفعاليّتها لإكساب تركيا عملة صعبة. ولم يقتصر هذا التحرّر على زيادة التّصدير، بل أدّى إلى انتشار الصّناعة في مدن تركية صغيرة عدّة مثل دنيزلي وغازي عنتاب وقيسري وقونية وأنقرة.

وبعد عرضه للتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية في تركيا، يطرح الباحث نظرة تركيا إلى المنطقة. فقد بدأت أوّلاً تتغيّر تشكيلة الصّادرات التركية بشكل سريع منذ عام 1999 حتّى عام 2009. وكانت حصيلة سوق الاتّحاد الأوروبي من مجمل صادرات تركيا 54 في المئة عام 1996، وارتفعت هذه النسبة إلى 56 في المئة عام 2000، وانخفضت فيما بعد إلى 44 في المئة. أمّا نسبة تصدير تركيا إلى الشّرق الأوسط فقد ارتفعت من تسعة في المئة إلى 19 في المئة خلال الفترة نفسها. وإذا نظرنا إلى الميزان التجاري مع الدّول العربية، نرى أنّه تحوّل إيجابيا لصالح تركيا، على الرغم من فاتورة النّفط في هذه المرحلة، عدا بعض الدول مثل قطر.

وقدّم منير الحمش وجهة نظر عربيّة عن واقع العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وقال إنّ هذه العلاقات تنطوي على مجموعة من المحدّدات المؤثّرة التي تتحكّم في مسيرتها. وتتمثّل هذه المحدّدات في مجموعة من العوامل والعناصر التاريخية والسياسية والثّقافية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن العوامل الاستراتيجيّة التي تتعلّق بالمكانة الجيوسياسيّة لكلّ من البلاد العربيّة وتركيا. ومن أهمّ المحدّدات التي يوردها الباحث: الإرث التاريخي في العلاقات العربيّة - التركيّة والتي لم تبدأ بالفتح العثماني للأقطار العربية، وإنّما مع اعتناق القبائل التركية الإسلام، حيث أصبح للأتراك وجودٌ فعلي في الدولة العربيّة الإسلامية. وقد شارك السّلاجقة الأتراك في مواجهة الغزو الفرنجي، كما كان لنور الدين زنكي دورٌ في توحيد بلاد الشّام ومصر وإقامة دولة رائدة في
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة فى كتاب أوغلو (العمق الاستراتيجي) : تركيا تودَّع الأطراف وتستقر في مركز الأحداث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة في كتاب -الأمير-
» كيف تُعدّ: “قراءة في كتاب
» قراءة في كتاب ( الهيمنة أو البقاء)
» قراءة في كتاب عن البلاد التي بلا أمل
» قراءة في كتاب فن الحرب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ********قسم القراءة في كتاب********** :: (عام)-
انتقل الى:  
1