كتاب.. توازن القوى في العلاقات الدولية الاستعارات والأساطير والنماذج

قراءة فـي كتاب.. توازن القوى في العلاقات الدولية الاستعارات والأساطير والنماذج
ترجمة: هاني تابري
(كان توازن القوى مفهوماً محورياً من الناحيتين النظرية والعملية في العلاقات الدولية على مدى السنوات الخمس.
وقد لعب هذا التوازن دوراً أساسيا في بعض أهم المحاولات لبناء نظرية في علم السياسة الدولية في الدراسات المعاصرة للعلاقات الدولية). ‏
يعرض ريتشارد ليتل في هذا الكتاب إطاراً لمعالجة مفهوم توازن القوى بوصفه استعارة وأسطورة وأنموذجاً.. ثم يستند إلى هذا الإطار لإعادة تقويم أربعة كتب رئيسة اعتمدت على توازن القوى لتوطيد فهم نظري للعلاقات الدولية.. حيث أتاحت هذه المراجعات للمؤلف ليتل تصور نموذج اشمل لتوازن القوى.. ‏
على الرغم من ان معظم النظريات في الدراسات المعاصرة للعلاقات الدولية يمكن أن تجد جذوراً قديمة لها، فإن نظرية توازن القوى تبقى أقدمها.. غير أن واضعي النظريات الذين يدرسهم هذا الكتاب، والذين برزوا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانوا مدركين جيداً أنهم يواجهون بيئة مختلفة جداً عن البيئة التي واجهت المنظّرين والممارسين الأوروبيين منذ عصر النهضة إلى القرن العشرين.
‏
ففي بداية هذه الفترة كانت أوروبا تقع على حافة منطقة أوروبا واسيا، وعند طرف الطرق التجارية التي امتدت عبر نصف الكرة الأرضية إلى مجتمعات كانت أغنى وأقوى من المجتمعات القائمة في أوروبا.. لكن مع قدوم القرن العشرين لم يكن يوجد إلا القليل من مناطق العالم التي لم يصل إليها تأثير أوروبي ما. ‏
فضلاً عن ذلك، نجد مع دخول القرن الحادي والعشرين تعمقاً وتوسعاً في المداولات حول ما إذا كان ذلك التأثير مؤذياً أكثر منه نافعاً.. ولكن أياً كان الأمر فبحلول نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد مستقبل أوروبا بين أيدي الأوربيين وحدهم إذ انتقل مركز القوى العالمية إلى الولايات المتحدة، وأصبحت طريقة تفكير هذه الدولة في السياسة الدولية هي ما يؤثر في المستقبل. ‏
من أهم أهداف هذا الكتاب تسليط الضوء على الدور المركزي والمركب والمثير للنزاع الذي يلعبه ميزان القوى في نظريات العلاقات الدولية وممارساتها. ‏
ثمة جانب مهم متعلق بالتركيبة المعقدة لميزان القوى ألا وهو أنه لا يشار إلى هذا التعقيد في الميدان المعاصر، وذلك بسبب سيطرة الأميركيين الواقعيين الذين يمسكون ظاهرياً بمقاربة بناء النظريات من زاوية مادية بحت، وبحسب وجهة نظرهم، فإن توازن القوى هو نتيجة لعدم الاستقرار الذي تمر به الدول العاملة ضمن نظام دولي فوضوي. ‏
ومن أجل تطوير فهم النظر للعلاقات الدولية ركز المؤلف على أربعة كتب أساسية صدرت خلال تلك الفترة قدمت مساهمات جادة- وإن كانت مثيرة للجدل- في هذا المجال: ‏
الكتاب الأول: السياسة بين الأمم نشر عام 1948 إثر الحرب العالمية الثانية.. ويعد الرائد الأول في دراسة العلاقات الدولية في الولايات المتحدة، ويرى الكثيرون الآن أنه يشكل مثالاً للواقعية الكلاسيكية. ‏
الكتاب الثاني: المجتمع الفوضوي نشر عام 1977 في زمن تلاشي ما سمي بفترة انفراج العلاقات الدولية وغالباً ما عد أساساً لتطور مفهوم المدرسة الانكليزية في دراسة العلاقات الدولية. ‏
الكتاب الثالث: نظرية السياسة الدولية صدر عام 1979 أي عند بداية ما سماه فريد هاليداي –الحرب الباردة الثانية- مع العلم انه يمكن اعتباره نداء ملحاً لانفراج العلاقات الدولية. ‏
الكتاب الرابع والأحدث: هو مأساة سياسات القوى الكبرى.. نشر عام 2001 وقد أخذ انهيار الشيوعية ونهاية الحرب الباردة في الحسبان. ‏
وأعطى وصفاً محدداً لمقاربة واقعية هجومية للسياسة الدولية وقدم لها عرضاً جديداً. ‏
ان الغاية الأساسية من هذا الكتاب هي القول إن توازن القوى قد لعب بالنسبة لنظرية العلاقات الدولية دوراً أكثر تعقيداً وإثارة للاهتمام مما يظن عموماً إلا أن نقاد توازن القوى ليسوا وحدهم من أعطى تقويمات غير واقعية عن هذا المفهوم.. بل إن منظري توازن القوى أنفسهم غالباً لا يقوّمون أعمال المنظرين السابقين بالشكل المناسب أو يوردون روايات مشوهة للدراسات السابقة حول المفهوم.. وعلى هذا الأساس ظهرت نزعة – غير مقصودة- لكنها متواصلة ومنتشرة للتقليل من شأن آراء الآخرين في توازن القوى أو المبالغة في تبسيطها. ‏
في الواقع إن عدة مشكلات عالمية لا تزال قائمة- السلاح النووي وانتشاره- تلوث البيئة- الإرهاب وهي مرشحة للتفاقم إذا لم تتعاون الدول الكبرى معاً. ‏
حيث يبقى الاحتمال بأنها قد تدفع إلى العمل الجماعي الذي يعطي بصيصاً من الأمل في المستقبل.. في عصر يتسم بالمعرفة والمعلوماتية والانفتاح. ‏
كتاب جيد يستحق المطالعة. ‏
الكاتب: ريتشارد ليتل ‏
الإصدار: دار الكتاب العربي- بيروت ‏
قراءة وإعداد: الباحث مصطفى أنطاكي ‏