الجماعات الضاغطة وجماعات المصالح

الجماعات الضاغطة وجماعات المصالح
إن دراسة الجماعات الضاغطة كظاهرة تطبع الحياة السياسية, يؤدي بالدارس إلى اعتماد مفهوم الجماعة كوحدة تحليل أساسية, ليس الفرد وليس المجتمع ككل هو بؤرة التركيز. وقد أولى علماء السياسة, وعلماء الاجتماع أهمية لهذا المعطى بدءا من كتاب bentley حول عملية الحكم (1908 ), ولكن الدفع القوي لهذا الحقل من البحوث شهده عقد السينات خاصة مع كتابات روبرت دال و(JEAN MEYNAUD ).
تجدر الإشارة إلى أن الجماعات الضاغطة أو المصالح كظاهرة متواضع عليها ومقبولة لدى الديمقراطيات الغربية,خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية, أين يسود نموذج بوليغارشي ( أليغارشيات متعددة داخل النظام). وإجابة على معضلة التوفيق بين المصلحة الفئوية لهذه الجماعات والمصلحة العامة, يفسر ذلك بأن مجموع المصالح الفئوية يعطي ميلادا للمصلحة الوطنية.
(La somme des intérêts catégoriels donne naissance ou contribue a l’émergence de l’interet general ) Jacques Basso.
كما تجدر الإشارة إلى أن الجماعات الضاغطة مستقلة عن الأحزاب السياسية بل تسعى إلى التأثير على الحزب الذي يكون في السلطة’ كما هو واضح من خلال النموذج الأمريكي بالنسبة لمنظمة AIPAC،كما أن جماعات الضغط تختلف عن الأحزاب السياسية كون الأحزاب تسعى إلى السلطة والوظائف السياسية, في حين جماعات الضغط تسعى إلى التأثير في اتجاه القرار السياسي لصالح فئة معينة.
هناك جدال قوي حول حجم ونوع التأثير الذي تمارسه هذه الجماعات فبعض الباحثين اعتبرها بأنها خطر على الديمقراطية على غرار ريمون أرون عندما يسوق عبارة " التلوث الديمقراطي ".
I ـ تعربف الجماعات الضاغطة:
عرف جون مينو الجماعات الضاغطة وميزها عن جماعات المصالح بقوله: " لا توجد جماعات المصلحة في شكل تنظيم للضغط, إلا ابتداء من اللحظة التي يبدأ فيها المسئولون استخدام التأثير على الجهاز الحكومي, وذلك من أجل تحقيق مطامحها أو مطالبها, فنقابة المنتجين توجد في شكل جماعة مصلحة إذا تأسست وأصبحت تراقب بوسائلها الخاصة توزيع الزبائن بين أعضائها, ولكنها تصبح جماعة ضاغطة تستهدف التوصل إلى السلطة ". يعني التأثر على السلطة, وأجزاء السلطة أو أجهزتها المستهدفة نجد: الحكومة, الرئيس, المجلس التشريعي, الإدارة المحلية.
من هذا التعريف يتبين أن جماعة الضغط تختلف عن الحركات الاجتماعية فالحركة الاجتماعية هي ظاهرة غير معيارية في حين إن جماعة الضغط تتميز بكونها:
أ – ذات هيكل تنظيمي قار ومستديم (اللوبيات، جمعيات المستهلكين, النقابات العمالية) في حين الحركة الاجتماعية ليس لها هيكل تنظيمي وإنما هي تلقائية.
ب – جماعات الضغط تقبل قواعد اللعبة, حتى وإن رمت إلى التغيير في اتجاه معين فإنها لا تتميز بخصائص ثورية جذرية, في حين كثير من الحركات تتميز بكونها راديكالية وبدرجة أقل أصلاحية.
ج – جماعات الضغط تتميز بالتجانس الداخلي بمعنى وحدة الهدف والمبدأ في حين كثير من الحركات الاجتماعية تتميز بالتنوع المذهبي والأيدلوجي الثورة الفرنسية كحركة جذرية كانت تضم مختلف لون الطيف المذهبي, ولكن بهدف واحد هو قلب النظام القديم.
د – الطابع الفئوي لجماعة الضغط بمعنى أنها تعبر عن مطامح فئة اجتماعية واحدة, على عكس الحركات التي قد تكتسب طابعا وطنيا.
هـ- الجماعة الضاغطة تتميز بالدوام فرغم تحقيق أهدافها الآنية فإنها لا تنقطع عن النشاط ويضمحل وجودها كما هو شأن الحركات الاجتماعية, بل تستمر في البحث عن سقف جديد من المطالب.
ز- بعض الحركات الاجتماعية هي نتاج لعمل مجموعات الضغط فتبدو هذه الجماعات كمغير مستقبل مثال ذلك تفعيل الحركة الشبابية ( الطلابية ) 1968 من طرف النقابات الفرنسية.
ح- الجماعات الضاغطة لها سند قانوني بمعنى مشروعية ( القوانين التي تنظم عمل النقابات, لجان الأحياء, اتحادات المستهلكين, ومختلف الأنشطة اتحادات أرباب العمل, حتى اللوبيات ذات الطابع السياسي كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة . أ ).
في حين الحركات الاجتماعية تفتقد عنصر ا لمشروعية, بحيث لا يوجد دستور واحد يقول بحق الجماهير في الثورة على النظام, أو لها الحق في العصيان المدني.
التشابه الأساسي بين مفهوم جماعة الضغط والحركة الاجتماعية يتجلى من الناحية الوظيفية, بمعنى الدور الذي يقوم به كلاهما من محاولة التأثير على صانع القرار.
II – تصنيف الجماعات الضاغطة:
بالرجوع إلى جين مينو يمكن تقسم الجماعات الضاغطة إلى فئتين كبيرتين:
1- المنظمات المهنية: وتهدف أساسا إلى العمل الدءوب من أجل الحصول على مكاسب مادية ومعنوية لأعضائها, أو حماية المكاسب المحصل عليها, وهي تعمل على تدعيم رفاهية الفئة التي تمثلها من منظور سوسيو مهني فهي تضم الاتحادات العمالية ونقابات أرباب العمل, و النقابات المهنية وتعاونيات الإنتاج, وهي جماعات ضغط شبه سياسية.
كما أن مينو يدعو إلى إدراج نقابات المستهلكين والمستأجرين وجميع الرابطات التي لها نفس الهدف.
2- التجمعات ذات النزعة الأيدلوجية: وترمي إلى حماية المصلحة ودعمها من خلال مواقف فكرية أو أخلاقية وتضم أساسا الجمعيات الدينية, جمعيات حقوق الإنسان, أنصار البيئة, جمعيات الدفاع عن المرأة...
أ‌- الجماعات الضاغطة السياسية Lobbies:
وتنحصر مهمتها في الدفاع عن قضايا بذاتها تتعلق مصلحتها بالأنشطة السياسية والدبلوماسية, كما هو الشأن بالنسبة للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) التي تحشد الدعم لسياسات اسرئيل, وتمارس ضغطا كبيرا على صانع السياسة الأمريكي.
ب‌- جماعات الضغط الإنسانية:
والتي تهتم بالطفولة, والجمعيات الخيرية, التي لا تهتم بالأمور السياسية, إلا في حالات طلب مساعدة مالية من الدولة, أو الاشتراك في مناقشة القوانين التي تغنيها, وذلك من حيث تحديد مجال النشاط.
ج- جماعات الضاغطة ذات الهدف:
هناك جماعات المبادئ أو جماعات البرامج, وهي تسعى إلى تحقيق أهداف قومية مثل جماعة الوحدة الأوربية, أو جماعات الحكومة العالمية في انجلترا.
د- جماعات الضغط الدينية:
وهي مرتبطة بالمؤسسات الدينية ومرتبطة بالمذاهب الدينية كذلك, وتعني هذه الجمعيات أو الجماعات بالقضايا المتعلقة بالأخلاق, والأسرة, وقيم الاجتماع الإنساني, ويبدو من خلال تجارب الرئاسيات الأمريكية أثرها البين خاصة ما يتعلق بالمذهب البروتستانتي, وهو المذهب الغالب في الو. م. أ.
III – أساليب عمل جماعات الضغط:
1- الاتصال المباشر بالحكومة ورجال السلطة التنفيذية لإصدار قرارات أو اتخاذ إجراءات تحقق الأهداف المبتغاة, أو إلغاء قرار أو قانون يتعارض مع المصلحة العامة أو الفئوية.
2- الاتصال بأعضاء السلطة التشريعية لاستصدار قوانين هدفها ضمان مصلحة هذه الجماعات.
3- التعاون والتنسيق مع جماعات ضغط أخرى.
4- تعبئة الرأي العام, عن طريق وسائل الإعلام الثقيلة وتوزيع الكتب والدوريات, وتنظيم المِؤتمرات الصحفية.
الوسائل التي تعتمدها جماعات الضغط تتراوح بين الوسائل المشروعة وغير المشروعة, والسليمة والعنف من جهة أخرى.
- فقد تلجأ إلى قوة الإقناع, وذلك بواسطة مذكرات أو نشرات أو التماسات تقدم لأحد أعضاء الحكومة أو البرلمان, وهنا تلعب وسائل الإعلام دورا مفصليا.
- التهديدات: كالتهديد بالمقاطعة, أو الإضراب, أو الامتناع عن الطعام, وأحيانا يصل إلى التهديد باستخدام العقاب الجسدي ( القتل والاختطاف).
- توفير الأموال: وهو عنصر فعال في استمالة الساسة, سواء عن طريق الهدايا, والإغراءات أو عن طريق تقديم الرشاوى.
- عرقلة سياسات الحكومة: كرفض دفع الضريبة, أو مقاطعة عدد من مشروعات الحكومة.
- العمل الميداني: باستعمال القوة والعنف ( العصيان المدني ) أو الاضطرابات والتجمعات.