المحور الثالث: نحو إعطاء دور فعّال للمجتمع المدني في العمل البرلماني
باعتبار المواطن هو من ينفذ القوانين، ومن تُطَبَّق عليه بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وللتجسيد الحقيقي لمبدأ الشعب مصدر السلطة، فلا بد أن يساهم المواطنون فعليا في اقتراح أو تعديل القوانين وإلغائها أو محاسبة الحكومة، فرادى أو كمنظمات، ولا يبقى ذلك مجرد شعارات في صفحات الدساتير والقوانين ينتهي بمجرد وضع الأصوات في صناديق الاقتراع، لأنه في المجتمع الديمقراطي لا غنى عن جمعيات المجتمع المدني لتوسيع دوائر مساهمة الأفراد في عمليات التنمية.
ومن هنا فمؤسسات المجتمع المدني تمثل صوت الشعب الذي يتفاعل بإيجابية مع السلطة التشريعية، وكلما تفاعل المجتمع بمؤسساته وأفراده مع البرلمان، وأُخضع عملها للتقييم المستمر، أمكن تحقيق التقويم المطلوب لتطوير المسار الديمقراطي وإثرائه. ويمكن للتقويم المتواصل أن يُحدِث التغييرات المطلوبة، ويُرسي النصوص المعززة لدور السلطة التشريعية الرقابي والتشريعي، الأخذ والعطاء، الثناء والمحاسبة، التقييم والتقويم، تلك هي سبل التعاطي الحيوي والإيجابي للمجتمع المدني مع السلطة التشريعية[24]، هذه العلاقة التفاعلية( مجتمع مدني/ برلمان) تكمن فيما يضطلع به هذا الأخير من أدوار، فهو المؤسسة التي يتوجه إليها المجتمع المدني والمواطنون على حد سواء للحصول على الدعم لقضاياهم، وبدوره يستطيع البرلمان أن يعتمد على المجتمع المدني للحصول على المعرفة وإيصال المعلومات والتثقيف العام بدوره[25]، ما يشكِّل وسيلة ممتازة لتخطي المشاكل المشتركة التي تقف في وجع التطور البرلماني، لأن تعزيز هذه العلاقة تخلق مجالا جديدا لفكرة المشاركة، فدور المواطن لم يعد يقتصر على الانتخاب فحسب، بل يتعدى إلى محاولة ضمان مشاركة فعالة للمواطن في العملية السياسية من خلال تواصل منظمات المجتمع المدني والبرلمان، وإمكانية مساهمتهما في العمل البرلماني، التي أصبحت أحد المؤشرات الحاسمة والأساسية في تقييم أهمية الوظيفة البرلمانية وإحدى دلائل الأداء البرلماني القيِّم.
وفي هذا السياق مثلا يتحدث دليل الممارسة الجيدة المُعَد من طرف الاتحاد البرلماني الدولي عام 2006 عن الصيغ والأشكال التي بإمكانها أن تجعل البرلمانات متاحة لقدر أكبر من المواطنين أفرادًا وجماعات، عن طريق: أولا أساليب الاتصال المباشر بين المواطنين ونوابهم، ثم وسائل تمكين المواطنين من حل مشاكلهم ورفع الظلم عنهم، وأخيرا الفرص المهيأة لمشاركتهم في مراحل سن التشريعات وغير ذلك من أعمال لجان البرلمان.
ما المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة، ففي إحدى وثائقه المرجعية حول مبادئ البرلمان الصالح، يمكن أن نطلع على أربعة مبادئ أساسية: التمثيل و المشاركة، الاستقلالية، الأداء، والنزاهة. وفي تحليله لمعنى المشاركة نجد الأمر يتعلق بثلاثة مستويات، يرتبط الأول بمدى تواصل النائب بشكل دوري مع الناخبين وحدود استمرارية هذا التواصل، الثاني يهم تواصل النائب واستشارته لهيئات المجتمع المدني والخبراء، فيما يتعلق المستوى الثالث ببحث مدى عقد جلسات استماع دورية للمعنيين في المجتمع المدني، في اللجان والجلسات العمومية في البرلمان.
وفي سياق تفعيل الأداء البرلماني في الجزائر يجب التركيز على منظمات المجتمع المدني، حيث تضطلع هذه الأخيرة بدور أساسي في تعبئة الناس، فضلا عن إمكانية قيامها بتولي مسؤولية تغيير ثقافة المجتمع، بالإضافة إلى إمكانية ممارستها للمساءلة الخارجية عن السياسات والممارسات الحكومية، ليس هذا فحسب، بل أيضا المساهمة في تنمية المجتمع[26]. وفي هذا الإطار لا يمكن اعتبار المجتمع المدني كمنافس للتمثيل السياسي كما هو سائد في ذهنية النخب الحاكمة في الجزائر، لكنه يقدم بعض الحلول للمشاكل الأقرب إلى واقع الناس، ويبرز مجهودا ملتزما بقضايا وانشغالات المواطن، ينبغي على البرلمانيين تشجيعه والاستفادة منه، بما أنه يساعدهم في ممارسة مهامهم، وعليه يمكن بل يجب أن يدفعهم ذلك لدعم هاذ التفاعل المفيد، فلا يمكن للمؤسسة البرلمانية أن تجد دعما أكبر إلا بفضل العلاقة والتعامل مع هكذا منظمات[27]، لأنه لا داعي لهذه النظرة السلبية للنخب الحاكمة تجاه منظمات المجتمع المدني وليس لها مبرر، إذ أن ممارسة وظائف الهيئة التشريعية وصلاحياتها لا يكون إلا على أيدي الأعضاء أنفسهم، صحيح أن الموظفين الإداريين، أو منظمات المجتمع المدني، أو الهيئة التنفيذية قد يساعدون عضو الهيئة التشريعية في عمله، إلا أنهم لن يكتسبوا، في أي حال من الأحوال سلطاته التشريعية الرقابية، وحدهم أعضاء البرلمان يحق لهم التصويت على مبادرات القوانين أمام الهيئة التشريعية، ويحق لهم مساءلة واستجواب الحكومة[28].
ويمكن تطوير العمل البرلماني من خلال تفعيل التواصل المدني البرلماني، وإعطاء أهمية لبعض آليات العمل في اللجان وفي المناقشة العامة كجلسات الاستماع العامة ، المتخصصين أوالخبراء ، المواطنين ، الإعلام.... .
وتعد جلسات الاستماع العامة ضرورة ملحة في العمل البرلماني، لأنها آلية اجتماع للحصول على المعلومات تلجأ إليها اللجان في عملها عند قيامها بدراسة النصوص القانونية أو بداعي الرقابة. فجلسات الاستماع تُطلع أعضاء البرلمان والعموم على شتى المسائل المطروحة على مشروع أو اقتراح قانون، وعلى الإجراءات المفترض اتخاذها بهدف تعزيز فاعليته وتحديد مدى الدعم المقدم لقانون ما، كما ترمي إلى متابعة مدى تطبيق مخطط عمل الحكومة، ومراقبة نشاطاتها، وعرض المشاكل البارزة في ميدان معين، فهي تتيح للجان دعوة الخبراء بما فيهم منظمات المجتمع المدني لإبداء آرائهم، كما تسمح للمواطنين بالمشاركة في التعبير عن مواقفهم حيال قضايا معينة مساهمين في إبداء رأي عام حول تدبير ما أو قضية ما.
وجلسات الاستماع نوعان، تشريعية تبحث في المسائل والمشاكل المرتبطة بمبادرات القوانين وإبداء الرأي فيها من شتى الشخصيات كأعضاء البرلمان أنفسهم و المسؤولين الحكوميين وممثلين عن جماعات الاهتمام والمنظمات غير الحكومية والجامعات ومراكز البحث...، وجلسات استماع رقابية تهدف لتعزيز أداء البرلمان لوظيفته الرقابية على أعمال السلطة التنفيذية، وتنويره بأبعاد المواضيع قيد المناقشة، واجتذاب أهل الخبرة والاختصاص في فعاليات هذه الجلسات، مما يعطي البرلمان فرصة للاطلاع على المعلومات حول الموضوع من مصادرها المختلفة.
بالإضافة إلى مشاركة الأفراد كتنظيم (مجتمع مدني)، في جلسات الاستماع العامة، كذلك للمواطنين فرادى دور مهم في تطوير العمل البرلماني، إذ تعتبر مساهمات العامة في العملية التشريعية أحد المعايير الدنيا التي لقيت موافقة عالمية وتطبيقا على نطاق واسع ضمن الهيئات التشريعية الديمقراطية، كنتيجة منطقية لهذا المعيار، من الضروري نشر تفاصيل النشاطات التشريعية، وجعلها بمتناول العامة بشكل يتيح للمواطنين ومنظمات المجتمع المدني الوقت الكافي لتكوين آرائهم وتنظيم عملية إدلاء مساهماتهم والحرص على دراسة الهيئة التشريعية لأفكارهم، وعليه من المفيد للجان وأعضاء البرلمان الاتصال بالجهات الفاعلة المعنية في المجتمع المدني وإبلاغها بضرورة المساهمة في مشروع أو اقتراح قانون كحد أدنى، كما على إدارة البرلمان أن تنشر جدول الأعمال والبرنامج وكل المعلومات بشكل منتظم[29]، ولإرساء ذلك يشهد الاتجاه العام في مختلف الهيئات التشريعية على حق المواطنين في حضور جلسات الاستماع التي تعقدها اللجان لتكون هناك أكثر شفافية وعدالة. لأنه تطبيقا لمبادئ حرية المعلومات والمساءلة والحكم، فمن الضروري أن يتمكن الشعب من الإطلاع على السير اليومي للعملية التشريعية، وأن تكون جلسات الاستماع مفتوحة أمام العدالة.
وقصد إعطاء أكثر فعالية ونجاعة لأداء السلطة التشريعية، و بما أنه من واجب البرلمان أن يبقى وفيا لثقة الشعب ، ويظل يتحسس تطلعاته ، بناءً على المادة 100 من الدستور الجزائري لسنة 1996، فمن الضروري أن يتضمن لجنة لتلقي الشكاوى والعرائض من المواطنين، إذ وفقا لتوصيات المؤتمر الدولي التاسع حول مكافحة الفساد، والذي انعقد في جنوب إفريقيا ما بين 10-15 أكتوبر 1999، فعلى اللجنة البرلمانية تأسيس نشاط لجنة معارضة، وهي لجنة تتميز بأنها ترتبط بالرأي العام من خلال وظيفتها، التي تتمثل في تلقي الشكاوى ودراستها[30]. كما أن من بين أبرز أعمال النائب التي لم تعد محل جدل هو اقتراب النائب من ناخبيه باعتباره ممثلا لهم، وبالتالي طبيعة التمثيل هذه تقتضي ضرورة إطلاع من يمثل على ما يقوم به، وعليه فإن علاقة الإعلام بالعمل البرلماني ضرورة حيوية ينبغي عدم إغفالها وصرف النظر عنها، إذ بات الإعلام في يومنا هذا من أبرز عوامل النجاح أو الفشل لأي عمل، وبقدر أهمية هذه العلاقة، فإن تنظيمها وتأسيس الأطر الكفيلة بتحقيقها أمر يستتبع بالضرورة وضع خطط وبرامج إستراتيجية، تكفل تغطية العمل البرلماني بشكل جيد، بحيث تعطي النتائج التي من أجلها أنشئت من أجلها هذه البيئة الإعلامية. فالتغطية الإعلامية الدقيقة تعتبر من شروط توجيه الرأي العام في المجتمع، بحيث تطلعه على ما يدور في أروقة البرلمانات، الأمر الذي يحث البرلماني على العمل الدائم بهدف إبراز نشاطاته بمختلف أوجهها، ومن هذا المنطلق على البرلمانات العربية أن تولي أهمية قصوى للتغطية الإعلامية في أوساط عملها، لا سيما الأعمال القابلة للبث المباشر، والتي تعتبر أكثر فاعلية في التأثير والتأثر، كتغطية المناقشات العامة للقوانين واستجواب الحكومة وبيان السياسة العامة...[31] .
ويمكن تعزيز الإعلام البرلماني من خلال تطوير الموقع الالكتروني للبرلمان يسمح بسهولة تواصل المواطنين مع الهيئة والأعضاء، ويتيح إمكانية الإطلاع على بعض الوثائق ضمن أرشيف البرلمان، وعلى تقارير اللجان حول النصوص القانونية، مع ضرورة إيجاد زاوية لإبداء الرأي حول مشاريع واقتراحات القوانين والتصويت على بعض القضايا المهمة التي يطرحها البرلمان، وضع تسجيل مصور لبعض الجلسات على الموقع، إعطاء المواطنين إمكانية متابعة الشكاوى المقدمة من قِبَلهم ومعرفة الردود عليها عبر البريد الالكتروني، محاولة تخصيص قناة للإعلام البرلماني كخطوة مهمة نحو مأسسة هذا الإعلام وبالتالي تدعيم ثقافة المجتمع الديمقراطي ومؤسساته إصدار تقارير ودراسات ومنشورات، تنظيم زيارات طلابية للبرلمان، وعمل نماذج محاكاة برلمان الشباب، البرلماني الصغير، كما يجب تفعيل مراكز الدراسات والأبحاث البرلمانية، كل ذلك لتطوير العمل البرلماني بشقيه التشريعي والرقابي.
فالعمل بالآليات السابق ذكرها يؤدي إلى تجسيد المبادئ الجوهرية للحكم الديمقراطي التي تكون من خلالها المؤسسات الرسمية شفافة ومفتوحة أمام العامة، وتزداد بواسطتها المكاسب الديمقراطية في الهيئة التشريعية التي تصبح منبرا للمواطنين عندما تأخذ آراءهم بعين الاعتبار عند إصدار القوانين، لأن الديمقراطية التمثيلية تزداد عمقا من خلال المشاركة الدائمة والأخلاقية والمسؤولة للمواطنين ضمن هيكلية عمل قانونية تتوافق مع النظام الدستوري الخاص بها، لأنها شرط ضروري لضمان ممارسة الديمقراطية بشكل كامل وفعال[32].
المحور الرابع: التواصل المدني البرلماني:" نظرة قي تجارب مقارنة"
تقدم التجارب البرلمانية المقارنة العديد من صيغ إشراك المجتمع المدني في العمل التشريعي، فالبرلمان النيوزيلندي يوجه دعوة مفتوحة لتلقي ملاحظات المواطنين من جميع الجهات المعنية أفرادًا أو منظمات، من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل الإعلام، في حين تعمل برلمانات أخرى على توجيه الدعوة مباشرة إلى هيئات المجتمع المدني المعنية بموضوع التشريع المطروح للنقاش، وهي حالة البرلمان التركي أو التشيكي، هذا الأخير الذي يداوم على عقد جلسات الاستماع التي تعتبر أكبر أشكال المشاركة المدنية شيوعا.
كما تعتبر اللجان البرلمانية في كندا قناة يمكن من خلالها التواصل بين البرلمان والمجتمع المدني، إذ تُجري مثلا اللجنة المالية التابعة لمجلس العموم استشارات سنوية عبر البلاد حول الميزانية الفيدرالية، أما في المكسيك فتعمل وحدة تنبيه المواطنين التابعة لمجلس الشيوخ كصلة بين المجلس التشريعي والجمعيات المدنية، بينما تعزز لجنة مشاركة المواطنين التابعة لمجلس النواب ، الحوار مع المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية والمجموعات المدنية، والمواطنين[33]، في حين عمد البرلمان المكسيكي منذ 1998 بشكل سنوي على تنظيم " برلمان النساء" والذي يتألف من نواب ونساء من المجتمع المدني، يهدف إلى وضع توصيات مطروحة على الأجندة التشريعية المتعلقة بقضايا المساواة بين الرجل والمرأة.
وفي نفس الاتجاه يعقد مجلس النواب البلجيكي جلسات للنقاش العام، قصد معرفة آراء ممثلي المجتمع المدني أو الخبراء، أما البوندستاغ الألماني فيتوفر على سجل بجميع هيئات المجتمع المدني الراغبة في التعبير عن مصالحها والدفاع عنها.
بالنسبة للتجربة الفرنسية، فقد كان المجتمع المدني لا يتوفر من الناحية القانونية والشكلية على القدرة على التدخل في العمل التشريعي، لكن هذا لم يمنعه من ممارسة تأثير غير مباشر على مجمل الدينامية البرلمانية، حيث غالبا ما يحرص البرلمانيون على معرفة آراء الخبراء والمعنيين داخل المجتمع المدني تجاه أي مشروع قانون أو ميزانية سنوية، حتى سنة 1990 أين أجازت فرنسا لرؤساء لجانها فتح اجتماعاتهم أمام وسائل الإعلام الرسمية بما فيها آلات التصوير التلفزيونية، ليتبعها نشر اجتماعات لجان التحقيق على العلن، بعد أن كانت مغلقة لوقت طويل[34].
في حين كانت الرابطة البرلمانية للكومنولث صريحة في إعلانها على ضرورة أن تكون جلسات الاستماع التي تعقدها اللجان عامة،من شأن ذلك أن يكشف عن أهميته،بشكل خاص، في حالة اللجان المعنية بالضرائب والشؤون المالية وغيرها من القضايا التي تهم المواطنين والمكلفين بالضريبة إلى حد بعيد[35].
فإذا كان في بعض الحالات، البرلمان لا يقدم فقط ضمانات لتلقي ملاحظات المجتمع المدني، بل يسمح بتلقي آراء مكتوبة من قِبل المواطنين، فإنه في عدد قليل من البلدان تتخذ المشاركة المدنية في العمل البرلماني شكلا أكثر قوة، كما هو الحال في الجمهورية اللبنانية وروسيا الاتحادية وجنوب إفريقيا وسلوفينيا ومقدونيا.
تعتبر لبنان من الدول المتقدمة على هذا الصعيد، حيث تحظي مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية بدور متصاعد في عملية التشريع، فتتغلغل أحكام عادات المواطنين وتقاليدهم، وظروف معاشهم وكيفية تفكيرهم، في أحكام القانون فترتبط بالبنية الاجتماعية عبر تقنين العادات والأعراف والتقاليد التي هي أحد مصادر التشريع[36]، كما أنه لتعزيز الاتصال بين البرلمان اللبناني ومنظمات المجتمع المدني، وتفعيل مشاركة هذه المنظمات في عملية صنع القرار تأسس منتدى الحوار البرلماني سنة 1999، الذي يعتبر منظمة غير حكومية تهدف إلى نقل آراء المجتمع المدني واقتراحاته وطموحاته إلى البرلمان[37].
أما في روسيا الاتحادية، فقد أقر مجلس الدوما خلال 2005، قانون المجلس الشعبي لروسيا باعتباره وسيطا ين المجتمع والسلطة التشريعية، يتألف من منظمات المجتمع المدني، ويتولى مهمة تقييم المبادرات التشريعية من منطلق ما تحققه من مصلحة عامة.
وقريبا من هاتين التجربتين، تتوفر جنوب إفريقيا منذ عام 2004 على مؤسسة تعقد بشكل سنوي لأهداف متشابهة، هو المؤتمر الشعبي، الذي يضم ممثلي قطاعات الشباب والنساء والمعاقين والعمال،الذين يتداولون ي نقاش عام تبثه وساءل الإعلام مباشرة، كما يسمح دستور جنوب إفريقيا في مادته 59 الفقرة الأولى بشكل صريح بمشاركة العامة في العملية التشريعية[38]، في حين تعمل مبادرة الميزانية الخاصة بالنساء على تعزيز تعاون مشرعين وفعاليات نسائية لإدخال مقاربة النوع الاجتماعي في إعداد ميزانية جنوب إفريقيا، مع العلم أن كافة اللجان مفتوحة أمام العدالة إلا إذا أُغلقت بموجب قرار صادر عن اللجنة.
أما في سلوفينيا يحق لثلث الأعضاء أو لأربعين ألف (40000) مواطن الدعوة إلى إجراء استفتاء، وفي مقدونيا يكفي مائة وخمسون ألفا(150000) توقيع لإجراء استفتاء، و عشرة آلاف (10000) لصياغة اقتراح تشريعي، تقرر الهيئة التشريعية متابعته أوالعدول عنه، ومن جهتها تعمل مجموعة الضغط البرلمانية الدولية في مقدونيا على تعزيز حقوق الأشخاص ذوي العاهات، ودمجهم ضمن المجتمع بشكل سريع وفعال، لذلك تبقى الهيئة التشريعية المقدونية مفتوحة على الدوام، وهي تستقبل ممثلين عن المنظمات غير الحكومية، وتجمعًا من الأشخاص ذوي العاهات المختلفة، ممكن يمكنهم التعبير مباشرة عن مطالبهم وملاحظاتهم بشأن اعتماد التشريعات في الميادين التي تهمهم[39].
كل هذه أمثلة تثبت كيف يمكن للهيئة التشريعية أن تعترف بحق المواطنين في المشاركة ضمن الوظيفتين الرقابية والتشريعية للبرلمان.
إن بيوت الخبرة البرلمانية، رغم أهميتها نجدها منعدمة في الجزائر، وهي مراكز أو جهات تمتاز باستعمالها و تطبيقها – بشكل مستمر- للتفكير العلمي من أجل توخي الدقة والفعالية في عملية صنع السياسات، بحيث تكون هذه المراكز كجسر أساسي بين السلطة والمعرفة، فهي تقوي فعالية البرلمان في صناعة القرار من خلال استعمال و توظيف المعرفة والخبرة في جمع المعلومات ذات الصلة بالسياسة ومن مصادر متنوعة، وتضعها تحت تصرف صانعي القرار، مستعملة في ذلك أكفأ العقول والخبرات[40]،
وفي هذا الإطار يعتمد البرلمان الكندي- ولو بشكل جزئي- على المركز البرلماني الكندي نظراً للخدمات التي يقدمها للبرلمانيين، فعلى سبيل المثال يقدم المركز التدريب والملخصات للأعضاء الجدد في البرلمان ويجمع بينهم وبين القدامى، ويقدم البحث حول الممارسات المثلى، ويساعد على تأسيس الشركات مع البرلمانات الأخرى حول العالم، كذلك يقوم بتقديم النصح لمكتب رئيس البرلمان ورؤساء اللجان والأعضاء بشكل فردي حول التشاور العام[41].
إن إحدى الوظائف الجوهرية التي ترتكز عليها الهيئة التشريعية في أي ديمقراطية تمثيلية، هي الرقابة على أعمال الحكومة، ففي الأنظمة، حيث يميل ميزان العلاقة التنفيذية التشريعية إلى كفة السلطة التنفيذية، تبرز بشكل أكثر وضوحا، أهمية الدور الرقابي للبرلمان على الحكومة، غير أن السلطة التشريعية لن تتمكن من أداء دورها الأساسي كما يجب، ولا إتاحة الفرصة أمام المواطنين للإطلاع على هذا الدور الرقابي، إلا بواسطة هيئة حيادية تحقق في الشكاوى المتعلقة بسوء تصرف الحكومة، وترفع التقارير إلى البرلمان مباشرة، وفي هذا الإطار، يدعو ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي صراحة على أنه يحق لأي مواطن في الاتحاد أن يحيل إلى أمين مظالم الاتحاد حالات سوء الإدارة، في مؤسسات المجموعة الأوربية أو هيئاتها[42].
الخاتمة:
كما قلنا سابقا أن أحد معايير الديمقراطية في أي بلد هو مساهمة شرائح المجتمع المدني بشكل أو بآخر في العمل البرلماني سواء التشريعي أو الرقابي، فالديمقراطية لا تعني فقط ممارسة الشعب لحقه في الانتخاب عبر اختيار ممثليه المنتخبين، بل هو مواكبة ومسايرة القوى الاجتماعية وخصوصا المتخصصة منها للعملية التشريعية، من خلال إطلاع الهيئة النيابية على متطلبات المجتمع وحاجاته، وتزويدها بالمعلومات الضرورية وبوجهات النظر المختلفة من مصادر متنوعة، حتى يتسنى لها إصدار تشريعات تستجيب لحاجات المجتمع وتلبي طموحاته المستقبلية على مختلف المستويات، لذلك أصبح التأطير القانوني للعلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني في الجزائر ضرورة ملحة لتفعيل الأداء البرلماني، هذا وحده غير كافٍ ، إذ يجب إعطاء البرلمان المكانة والوزن اللذان يليقان به باعتباره إحدى السلطات الثلاث للدولة الجزائرية، وتمكينه من الآليات والوسائل الفعالة التي تسمح له فعلا بممارسة السيادة في إعداد القوانين والتصويت عليها، وبمراقبة أعمال الحكومة.
كما أن العلاقة بين المجتمع المدني والبرلمان، لا تخلو من إشكالات مقلقة للسير الطبيعي للعمل التشريعي، ويتعلق الأمر أساسا بمدى تمثيل منظمات المجتمع المدني للشريحة الاجتماعية المفترض الدفاع عن مصالحها، أو مدى استقلالية هذه المنظمات عن الحكومة أو عن باقي القوى السياسية أو بالقلق من الضغط الذي قد تمارسه بعض المنظمات ذات النفوذ والتمويل الجيد على اتجاه العمل التشريعي.
وفي ختام هذه المداخلة نقدم توصيات لأجل تطوير العمل البرلماني من خلال الانفتاح والتواصل مع منظمات المجتمع المدني:
- إشراك منظمات المجتمع المدني والخبراء واستشارتهم في العمل التشريعي والرقابي للبرلمان.
- عقد جلسات استماع عامة دورية للمعنيين من المجتمع المدني، في اللجان والجلسات العمومية للبرلمان.
- ضرورة تواصل النائب بشكل دوري مع الناخبين.
- الحرص على القيام بزيارات ميدانية من قل النواب إلى دوائرهم الانتخابية قصد الالتقاء بالمواطنين وتحسس مشاكلهم، والمشاركة في التجمعات والمظاهرات الشعبية التي تقام في مختلف المناسبات.
- التزام النواب بتقديم حصيلة نشاط دورية لمنتخبيهم، يبرزون فيها الأعمال والأنشطة المنجزة في البرلمان خلال هذه الفترة.
- إنشاء مكتب أو لجنة معارضة لتلقي الشكاوى والعرائض من المواطنين مع إتاحة الفرصة لهم لمعرفة الردود عليها.
- إنشاء مراكز برلمانية تضم خبراء و متخصصين، والانفتاح على مراكز الأبحاث و الدراسات.
- تطوير نظم الاتصالات والإعلام البرلماني.
- التغلب على بعض المساوئ الداخلية لهذه المنظمات كضعف معايير الديمقراطية داخلها ، ومحدودية العمل التطوعي، والتبعية المالية وانخفاض التمثيل الشباني والنسائي فيها.
- يُوصى للحيلولة دون تحول التواصل المدني البرلماني إلى ضغط معلن لأصحاب النفوذ والقوة المالية على المشرعين، بضرورة إصدار تشريعات تحدد بوضوح وشفافية قنوات تدخل المجتمع المدني، هذه التشريعات التي بإمكانها العمل على تشجيع هيئات المجتمع المدني التي ليس لها أهداف ربحية، واشتراط إنشاء سجل عام يضم جميع الهيئات المدنية الساعية للمشاركة في التأثير على العمل البرلماني، على أن يتضمن هذا السجل كافة التفاصيل عن الأعضاء ومصادر الدخل.
الهوامش :
[1] الحبيب الجنحاني، المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، عمان: منتدى الفكر العربي، 2006، ص ص 27،28.
[2] بوحنية قوي،" مؤسسات المجتمع المدني وتقديم الحلول السوسيو- سياسية"، مجلة فكر ومجتمع ، العدد07، يناير 2011، ص 07.
[3] ناجي عبد النور، " دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق الحكم الرشيد في الجزائر: دراسة حالة الأحزاب السياسية"، مجلة المفكر، العدد 03، 2008، ص 112.
[4] الحبيب الجنحاني، مرجع سابق، ص ص 41،42.
[5] ناجي عبد النور، مرجع سابق، ص 113.
[6] كريم حسن، "مفهوم الحكم الصالح"، مجلة المستقبل العربي، العدد 309، 2004، ص 58.
[7] الحبيب الجنحاني، مرجع سابق،
[8] ياسين ربوح، الأحزاب السياسية في الجزائر: التنظيم والتطور، الجزائر: دار بلقيس، 2010، ص ص 73،74.
[9] Souad GHAOUTI MALKI, “ le mouvement associatif en Algérie : espace de participation citoyenne“ , colloque maghrébin ,construction démocratique, constitution et participation politique dans les Etats du maghreb, faculté de droit Rabat Maroc, le 20 et 21 novembre 2009 .
[10] ناصر جابي،" العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني في الجزائر: واقع وآفاق "،مجلة الفكر البرلماني، العدد 15 ، 2007، ص ص 136،161.
[11] Souad GHAOUTI MALKI,op .cit.
[12] وذلك في تصريح السيد وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية مِؤخرا أثناء مناقشة مشروع القانون المتعلق بالجمعيات.
[13] Souad GHAOUTI MALKI,op.cit.
[14] بوحنية قوي، مرجع سابق، ص 27.
[15] سعاد غوتي مالكي،" حرية إنشاء الجمعيات"، محاضرة ملقاة على طلبة مدرسة الدكتوراه في الدولة والمؤسسات العمومية، كلية الحقوق، جامعة الجزائر 1 ، 2011.
[16] Souad GHAOUTI MALKI,op.cit.
[17] ناصر جابي، مرجع سابق، ص ص 136،161.
[18] سعاد غوتي مالكي،" البرلمان في النظام السياسي الجزائري"، ندوة بعنوان" وزارة العلاقات مع البرلمان و الحكم الراشد " ، الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، 01 فيفري 2006.
[19] ناصر جابي، مرجع سابق، ص ص 136،161.
[20] نفس المرجع.
[21] كالاستثناءات التي قامت بها لجنة الشباب والرياضة والنشاط الجمعوي في إطار دراسة مشروع قانون التربية البدنية والرياضية في 04 جانفي 2004، والتي قامت بها كذلك لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني في دراسة مشروع القانون المتعلق بالتدابير التشجيعية لدعم وترقية التشغيل، أيام 18،19 و20 أفريل 2006.
[22] كتنظيم لجنة الشباب والرياضة والنشاط الجمعوي ولجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية بالتنسيق مع جمعية إقرأ والقيادة العامة للكشافة الإسلامية، يوماً إعلاميا برلمانيا حول الأمية في الجزائر والعالم العربي بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية المصادف لـ 8 جانفي من كل سنة، وتنظيم لجنة الشباب والرياضة والنشاط الجمعوي بالتعاون مع الشبكة الجزائرية لحقوق الإنسان" أضواء رايتس" يوم 02 جوان 2004 منتدى حول المجتمع المدني والبرلمان: واقع وآفاق، كما لجأت نفس اللجنة بالتعاون مع الاتحاد الوطني للمعوقين الجزائريين يوما برلمانيا حول وضعية المعوق داخل المجتمع وإدماجه ضمن التنمية المحلية في ماي 2004...
[23] ناصر جابي، مرجع سابق، ص ص 136،161.
[24] فوزية مطر،" تعاطي المجتمع المدني مع السلطة التشريعية"، الحوار المتمدن، العدد 556، أوت 2003.
[25] مازن شعيب،" دور المجتمع المدني في الديمقراطية البرلمانية"، مجلة الفكر البرلماني، العدد 15، ص ص 203،207.
[26] طارق عشور،" تطور العلاقة بين الحكومة والبرلمان في النظام السياسي الجزائري"،( مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة باتنة، 2008- 2009)، ص 138.
[27] بيار كوليون، "تعزيز العلاقة بين البرلمانيين والعهدات البرلمانية والمجتمع المدني"، مجلة الفكر البرلماني، العدد 10 ، 2005، ص ص 212،213.
[28] المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، نحو تطوير المعايير الدولية للهيئات التشريعية الديمقراطية( ترجمة أنور الأسعد)، بيروت: المعهد الديمقراطي الوطني، ديسمبر 2007 ، ص 24.
[29] نفس المرجع، ص 70.
[30] طارق عشور، مرجع سابق، ص 126.
[31] قاسم هاشم، " عوامل تواجد برلمانات قوية في الدول العربية"، مجلة الفكر البرلماني، العدد 13، 2006،ص ص 155،156.
[32] المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، مرجع سابق، ص 69.
[33] نفس المرجع، ص 70.
[34] نفس المرجع، ص 27.
[35] نفس المرجع، ص 24.
[36] رياض غانم، "نظام اللجان البرلماني"، مجلة الفكر البرلماني، العدد 13، 2006، ص168.
[37] طارق عشور، مرجع سابق، ص 139.
[38] المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، مرجع سابق ، ص 70.
[39] نفس المرجع.
[40] طارق عشور، مرجع سابق، ص 141.
[41] نفس المرجع، ص 142.
[42] المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، مرجع سابق، ص ص 53،54.